جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 يَعْلَمُونَ (230) وَ إِذَا طلّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بمَعْرُوفٍ أَوْ سرِّحُوهُنّ بمَعْرُوفٍ وَ لا تمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُوا وَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك فَقَدْ ظلَمَ نَفْسهُ وَ لا تَتّخِذُوا ءَايَتِ اللّهِ هُزُواً وَ اذْكُرُوا نِعْمَت اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَبِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظكم بِهِ وَ اتّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ بِكلِّ شىْءٍ عَلِيمٌ (231) وَ إِذَا طلّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلا تَعْضلُوهُنّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَجَهُنّ إِذَا تَرَضوْا بَيْنهُم بِالمَْعْرُوفِ ذَلِك يُوعَظ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكمْ أَزْكى لَكمْ وَ أَطهَرُ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) * وَ الْوَلِدَت يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنّ حَوْلَينِ كامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمّ الرّضاعَةَ وَ عَلى المَْوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَ كِسوَتهُنّ بِالمَْعْرُوفِ لا تُكلّف نَفْسٌ إِلا وُسعَهَا لا تُضارّ وَلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَ لا مَوْلُودٌ لّهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِك فَإِنْ أَرَادَا فِصالاً عَن تَرَاضٍ مِّنهُمَا وَ تَشاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا وَ إِنْ أَرَدتّمْ أَن تَسترْضِعُوا أَوْلَدَكمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ إِذَا سلّمْتُم مّا ءَاتَيْتُم بِالمَْعْرُوفِ وَ اتّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ بمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَ الّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَجاً يَترَبّصنَ بِأَنفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وَ عَشراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ فِيمَا فَعَلْنَ فى أَنفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرّضتُم بِهِ مِنْ خِطبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكنَنتُمْ فى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنّكُمْ ستَذْكُرُونَهُنّ وَ لَكِن لا تُوَاعِدُوهُنّ سِراّ إِلا أَن تَقُولُوا قَوْلاً مّعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاح حَتى يَبْلُغَ الْكِتَب أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لا جُنَاحَ عَلَيْكمْ إِن طلّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسوهُنّ أَوْ تَفْرِضوا لَهُنّ فَرِيضةً وَ مَتِّعُوهُنّ عَلى المُْوسِع قَدَرُهُ وَ عَلى الْمُقْترِ قَدَرُهُ مَتَعَا بِالْمَعْرُوفِ حَقاّ عَلى المُْحْسِنِينَ (236) وَ إِن طلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسوهُنّ وَ قَدْ فَرَضتُمْ لَهُنّ فَرِيضةً فَنِصف مَا فَرَضتُمْ إِلا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاح وَ أَن تَعْفُوا أَقْرَب لِلتّقْوَى وَ لا تَنسوُا الْفَضلَ بَيْنَكُمْ إِنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَفِظوا عَلى الصلَوَتِ وَ الصلَوةِ الْوُسطى وَ قُومُوا للّهِ قَنِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكرُوا اللّهَ كَمَا عَلّمَكم مّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَ الّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَجاً وَصِيّةً لأَزْوَجِهِم مّتَعاً إِلى الْحَوْلِ غَيرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ فى مَا فَعَلْنَ فى أَنفُسِهِنّ مِن مّعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ (240) وَ لِلْمُطلّقَتِ مَتَعُ بِالْمَعْرُوفِ حَقاّ عَلى الْمُتّقِينَ (241) كَذَلِك يُبَينُ اللّهُ لَكمْ ءَايَتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)

بيان

الآيات في أحكام الطلاق و العدة و إرضاع المطلقة ولدها، و في خلالها شيء من أحكام الصلاة.

قوله تعالى: و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أصل الطلاق التخلية عن وثاق و تقييد ثم استعير لتخلية المرأة عن حبالة النكاح و قيد الزوجية ثم صار حقيقة في ذلك بكثرة الاستعمال.

و التربص هو الانتظار و الحبس، و قد قيد بقوله تعالى: بأنفسهن، ليدل على معنى التمكين من الرجال فيفيد معنى العدة أعني عدة الطلاق، و هو حبس المرأة نفسها عن الإزدواج تحذرا عن اختلاط المياه، و يزيد على معنى العدة الإشارة إلى حكمة التشريع، و هو التحفظ عن اختلاط المياه و فساد الأنساب، و لا يلزم اطراد الحكمة في جميع الموارد فإن القوانين و الأحكام إنما تدور مدار المصالح و الحكم الغالبة دون العامة، فقوله تعالى يتربصن بأنفسهن بمنزله قولنا: يعتددن احترازا من اختلاط المياه و فساد النسل بتمكين الرجال من أنفسهن، و الجملة خبر أريد به الإنشاء تأكيدا.

و القروء جمع القرء، و هو لفظ يطلق على الطهر و الحيض معا، فهو على ما قيل من الأضداد، غير أن الأصل في مادة قرء هو الجمع لكن لا كل جمع بل الجمع الذي يتلوه الصرف و التحويل و نحوه، و على هذا فالأظهر أن يكون معناه الطهر لكونه حالة جمع الدم ثم استعمل في الحيض لكونه حالة قذفه بعد الجمع، و بهذه العناية أطلق على الجمع بين الحروف للدلالة على معنى القراءة، و قد صرح أهل اللغة بكون معناه هو الجمع، و يشعر بأن الأصل في مادة قرء الجمع، قوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانه": القيامة - 18، و قوله تعالى: "و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث:" بني إسرائيل - 106، حيث عبر تعالى في الآيتين بالقرآن، و لم يعبر بالكتاب أو الفرقان أو ما يشبههما، و به سمي القرآن قرآنا.

قال الراغب في مفرداته: و القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر و لما كان اسما جامع للأمرين: الطهر و الحيض المتعقب له أطلق على كل واحد لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة للخوان و الطعام، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به، و ليس القرء اسما للطهر مجردا و لا للحيض مجردا، بدليل أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها: ذات قرء، و كذا الحائض التي استمر بها الدم لا يقال لها: ذلك، انتهى.



قوله تعالى: و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر، المراد به تحريم كتمان المطلقة الدم أو الولد استعجالا في خروج العدة أو إضرارا بالزوج في رجوعه و نحو ذلك و في تقييده بقوله: إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر مع عدم اشتراط أصل الحكم بالإيمان نوع ترغيب و حث لمطاوعة الحكم و التثبت عليه لما في هذا التقييد من الإشارة إلى أن هذا الحكم من لوازم الإيمان بالله و اليوم الآخر الذي عليه بناء الشريعة الإسلامية فلا استغناء في الإسلام عن هذا الحكم، و هذا نظير قولنا: أحسن معاشرة الناس إن أردت خيرا، و قولنا للمريض: عليك بالحمية إن أردت الشفاء و البرء.

قوله تعالى: و بعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، البعولة جمع البعل و هو الذكر من الزوجين ما داما زوجين و قد استشعر منه معنى الاستعلاء و القوة و الثبات في الشدائد لما أن الرجل كذلك بالنسبة إلى المرأة ثم جعل أصلا يشتق منه الألفاظ بهذا المعنى فقيل لراكب الدابة بعلها، و للأرض المستعلية بعل، و للصنم بعل، و للنخل إذا عظم بعل و نحو ذلك.

و الضمير في بعولتهن للمطلقات إلا أن الحكم خاص بالرجعيات دون مطلق المطلقات الأعم منها و من البائنات، و المشار إليه بذلك التربص الذي هو بمعنى العدة، و التقييد بقوله إن أرادوا إصلاحا، للدلالة على وجوب أن يكون الرجوع لغرض الإصلاح لا لغرض الإضرار المنهي عنه بعد بقوله: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، الآية.

و لفظ أحق اسم تفضيل حقه أن يتحقق معناه دائما مع مفضل عليه كأن يكون للزوج الأول حق في المطلقة و لسائر الخطاب حق، و الزوج الأول أحق بها لسبق الزوجية، غير أن الرد المذكور لا يتحقق معناه إلا مع الزوج الأول.

و من هنا يظهر: أن في الآية تقديرا لطيفا بحسب المعنى، و المعنى و بعولتهن أحق بهن من غيرهم، و يحصل ذلك بالرد و الرجوع في أيام العدة، و هذه الأحقية إنما تتحقق في الرجعيات دون البائنات التي لا رجوع فيها، و هذه هي القرينة على أن الحكم مخصوص بالرجعيات، لا أن ضمير بعولتهن راجع إلى بعض المطلقات بنحو الاستخدام أو ما أشبه ذلك، و الآية خاصة بحكم المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل، و أما غير المدخول بها و الصغيرة و اليائسة و الحامل فلحكمها آيات أخر.

قوله تعالى: و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة، المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من نوع الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم، و قد كرر سبحانه المعروف في هذه الآيات فذكره في اثني عشر موضعا اهتماما بأن يجري هذا العمل أعني الطلاق و ما يلحق به على سنن الفطرة و السلامة، فالمعروف تتضمن هداية العقل، و حكم الشرع، و فضيلة الخلق الحسن و سنن الأدب.

و حيث بنى الإسلام شريعته على أساس الفطرة و الخلقة كان المعروف عنده هو الذي يعرفه الناس إذا سلكوا مسلك الفترة و لم يتعدوا طور الخلقة، و من أحكام الاجتماع المبني على أساس الفطرة أن يتساوى في الحكم أفراده و أجزاؤه فيكون ما عليهم مثل ما لهم إلا أن ذلك التساوي إنما هو مع حفظ ما لكل من الأفراد من الوزن في الاجتماع و التأثير و الكمال في شئون الحياة فيحفظ للحاكم حكومته، و للمحكوم محكوميته، و للعالم علمه، و للجاهل حاله، و للقوي من حيث العمل قوته، و للضعيف ضعفه ثم يبسط التساوي بينها بإعطاء كل ذي حق حقه، و على هذا جرى الإسلام في الأحكام المجعولة للمرأة و على المرأة فجعل لها مثل ما جعل عليها مع حفظ ما لها من الوزن في الحياة الاجتماعية في اجتماعها مع الرجل للتناكح و التناسل.

و الإسلام يرى في ذلك أن للرجال عليهن درجة، و الدرجة المنزلة.

و من هنا يظهر: أن قوله تعالى: و للرجال عليهن درجة، قيد متمم للجملة السابقة، و المراد بالجميع معنى واحد و هو: أن النساء أو المطلقات قد سوى الله بينهن و بين الرجال مع حفظ ما للرجال من الدرجة عليهن فجعل لهن مثل ما عليهن، من الحكم، و سنعود إلى هذه المسألة بزيادة توضيح في بحث علمي مخصوص بها.



قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، المرة بمعنى الدفعة مأخوذة من المرور للدلالة على الواحد من الفعل كما أن الدفعة و الكرة و النزلة مثلها وزنا و معنى و اعتبارا.

و التسريح أصله الإطلاق في الرعي مأخوذ من سرحت الإبل و هو أن ترعيه السرح، و هو شجر له ثمر يرعاه الإبل، و قد استعير في الآية لإطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع إليها في العدة، و التخلية عنها حتى تنقضي عدتها على ما سيجيء.

و المراد بالطلاق في قوله تعالى: الطلاق مرتان، الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة و لذا أردفه بقوله بعد: فإمساك "إلخ"، و أما الثالث فالطلاق الذي يدل عليه قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره الآية.

و المراد بتسريحها بإحسان ظاهرا التخلية بينها و بين البينونة و تركها بعد كل من التطليقتين الأوليين حتى تبين بانقضاء العدة و إن كان الأظهر أنه التطليقة الثالثة كما هو ظاهر الإطلاق في تفريع قوله: فإمساك "إلخ"، و على هذا فيكون قوله تعالى بعد: فإن طلقها "إلخ"، بيانا تفصيليا للتسريح بعد البيان الإجمالي.

و في تقييد الإمساك بالمعروف و التسريح بالإحسان من لطيف العناية ما لا يخفى، فإن الإمساك و الرد إلى حبالة الزوجية ربما كان للإضرار بها و هو منكر غير معروف، كمن يطلق امرأته ثم يخليها حتى تبلغ أجلها فيرجع إليها ثم يطلق ثم يرجع كذلك، يريد بذلك إيذاءها و الإضرار بها و هو إضرار منكر غير معروف في هذه الشريعة منهي عنه، بل الإمساك الذي يجوزه الشرع أن يرجع إليها بنوع من أنواع الالتيام، و يتم به الأنس و سكون النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل و المرأة.

و كذلك التسريح ربما كان على وجه منكر غير معروف يعمل فيه عوامل السخط و الغضب، و يتصور بصورة الانتقام، و الذي يجوزه هذه الشريعة أن يكون تسريحا بنوع يتعارفه الناس و لا ينكره الشرع، و هو التسريح بالمعروف كما قال تعالى في الآية الآتية فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، و هذا التعبير هو الأصل في إفادة المطلوب الذي ذكرناه، و أما ما في هذه الآية أو تسريح بإحسان، حيث قيد التسريح بالإحسان و هو معنى زائد على المعروف فذلك لكون الجملة ملحوقة بما يوجب ذلك أعني قوله تعالى: و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

بيانه: أن التقييد بالمعروف و الإحسان لنفي ما يوجب فساد الحكم المشرع المقصود، و المطلوب بتقييد الإمساك بالمعروف نفي الإمساك الواقع على نحو المضارة كما قال تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، و المطلوب في مورد التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من المهر، و لا يكفي فيه تقييد التسريح بالمعروف كما فعل في الآية الآتية فإن مطالبة الزوج بعض ما آتاه زوجته و أخذه ربما لم ينكره التعارف الدائر بين الناس فزيد في تقييده بالإحسان في هذه الآية دون الآية الآتية ليستقيم قوله تعالى: و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، و ليتدارك بذلك ما يفوت المرأة من مزية الحياة التي في الزوجية و الالتيام النكاحي، و لو قيل: أو تسريح بمعروف و لا يحل لكم "إلخ"، فاتت النكتة.

قوله تعالى: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، الخوف هو الغلبة على ظنهما أن لا يقيما حدود الله، و هي أوامره و نواهيه من الواجبات و المحرمات في الدين، و ذلك إنما يكون بتباعد أخلاقهما و ما يستوجبه حوائجهما و التباغض المتولد بينهما من ذلك.

قوله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، العدول عن التثنية إلى الجمع في قوله: خفتم، كأنه للإشارة إلى لزوم أن يكون الخوف خوفا يعرفه العرف و العادة، لا ما ربما يحصل بالتهوس و التلهي أو بالوسوسة و نحوها، و لذلك عدل أيضا عن الإضمار فقيل ألا يقيما حدود الله، و لم يقل فإن خفتم ذلك لمكان اللبس.



و أما نفي الجناح عنهما مع أن النهي في قوله: و لا يحل لكم أن تأخذوا "إلخ"، إنما تعلق بالزوج فلأن حرمة الأخذ على الزوج توجب حرمة الإعطاء على الزوجة من باب الإعانة على الإثم و العدوان إلا في طلاق الخلع فيجوز توافقهما على الطلاق مع الفدية، فلا جناح على الزوج أن يأخذ الفدية، و لا جناح على الزوجة أن تعطي الفدية و تعين على الأخذ فلا جناح عليهما فيما افتدت به.

قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها و من يتعد حدود الله "إلخ"، المشار إليه هي المعارف المذكورة في الآيتين و هي أحكام فقهية مشوبة بمسائل أخلاقية، و أخرى علمية مبتنية على معارف أصلية، و الاعتداء و التعدي هو التجاوز.

و ربما استشعر من الآية عدم جواز التفرقة بين الأحكام الفقهية و الأصول الأخلاقية، و الاقتصار في العمل بمجرد الأحكام الفقهية و الجمود على الظواهر و التقشف فيها، فإن في ذلك إبطالا لمصالح التشريع و إماتة لغرض الدين و سعادة الحياة الإنسانية فإن الإسلام كما مر مرارا دين الفعل دون القول، و شريعة العمل دون الفرض، و لم يبلغ المسلمون إلى ما بلغوا من الانحطاط و السقوط إلا بالاقتصار على أجساد الأحكام و الإعراض عن روحها و باطن أمرها، و يدل على ذلك ما سيأتي من قوله تعالى: "و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه الآية:" البقرة - 231.

و في الآية التفات عن خطاب الجمع في قوله: و لا يحل لكم، و قوله: فإن خفتم إلى خطاب المفرد في قوله: تلك حدود الله، ثم إلى الجمع في قوله: فلا تعتدوها، ثم إلى المفرد في قوله: فأولئك هم الظالمون، فيفيد تنشيط ذهن المخاطب و تنبيهه للتيقظ و رفع الكسل في الإصغاء.

قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره إلى آخر الآية، بيان لحكم التطليقة الثالثة و هو الحرمة حتى تنكح زوجا غيره، و قد نفى الحل عن نفس الزوجة مع أن المحرم إنما هو عقدها أو وطؤها ليدل به على تعلق الحرمة بهما جميعا، و ليشعر قوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره، على العقد و الوطء جميعا، فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليهما أي على المرأة و الزوج الأول أن يتراجعا إلى الزوجية بالعقد بالتوافق من الجانبين، و هو التراجع، و ليس بالرجوع الذي كان حقا للزوج في التطليقتين الأوليين، و ذلك إن ظنا أن يقيما حدود الله.

و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله تعالى: و تلك حدود الله، لأن المراد بالحدود غير الحدود.

و في الآية من عجيب الإيجاز ما يبهت العقل، فإن الكلام على قصره مشتمل على أربعة عشر ضميرا مع اختلاف مراجعها و اختلاطها من غير أن يوجب تعقيدا في الكلام، و لا إغلاقا في الفهم.

و قد اشتملت هذه الآية و التي قبلها على عدد كثير من الأسماء المنكرة و الكنايات من غير رداءة في السياق كقوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أربعة أسماء منكرة، و قوله تعالى: مما آتيتموهن شيئا كنى به عن المهر، و قوله تعالى: فإن خفتم، كنى به عن وجوب كون الخوف جاريا على مجرى العادة المعروفة، و قوله تعالى: فيما افتدت به، كنى به عن مال الخلع، و قوله تعالى: فإن طلقها، أريد به التطليقة الثالثة، و قوله تعالى: فلا تحل له، أريد به تحريم العقد و الوطء، و قوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره، أريد به العقد و الوطء معا كناية مؤدبة، و قوله تعالى: أن يتراجعا، كنى به عن العقد.

و في الآيتين حسن المقابلة بين الإمساك و التسريح، و بين قوله إن يخافا ألا يقيما حدود الله و بين قوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله، و التفنن في التعبير في قوله: فلا تعتدوها و قوله: و من يتعد.

قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله: لتعتدوا، المراد ببلوغ الأجل الإشراف على انقضاء العدة فإن البلوغ كما يستعمل في الوصول إلى الغاية كذلك يستعمل في الاقتراب منها، و الدليل على أن المراد به ذلك قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، إذ لا معنى للإمساك و لا التسريح بعد انقضاء العدة و في قوله تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، نهى عن الرجوع بقصد المضارة كما نهى عن التسريح بالأخذ من المهر في غير الخلع.



قوله تعالى: و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه إلى آخر الآية إشارة إلى حكمة النهي عن الإمساك للمضارة فإن التزوج لتتميم سعادة الحياة، و لا يتم ذلك إلا بسكون كل من الزوجين إلى الآخر و إعانته في رفع حوائج الغرائز، و الإمساك خاصة رجوع إلى الاتصال و الاجتماع بعد الانفصال و الافتراق، و فيه جمع الشمل بعد شتاته، و أين ذلك من الرجوع بقصد المضارة.

فمن يفعل ذلك أي أمسك ضرارا فقد ظلم نفسه حيث حملها على الانحراف عن الطريقة التي تهدي إليها فطرته الإنسانية.

على أنه اتخذ آيات الله هزوا يستهزىء بها فإن الله سبحانه لم يشرع ما شرعه لهم من الأحكام تشريعا جامدا يقتصر فيه على أجرام الأفعال أخذا و إعطاء و إمساكا و تسريحا و غير ذلك، بل بناها على مصالح عامة يصلح بها فاسد الاجتماع، و يتم بها سعادة الحياة الإنسانية، و خلطها بأخلاق فاضلة تتربى بها النفوس، و تطهر بها الأرواح، و تصفو بها المعارف العالية: من التوحيد و الولاية و سائر الاعتقادات الزاكية، فمن اقتصر في دينه على ظواهر الأحكام و نبذ غيرها وراء ظهره فقد اتخذ آيات الله هزوا.

و المراد بالنعمة في قوله تعالى: و اذكروا نعمة الله عليكم، نعمة الدين أو حقيقة الدين و هي السعادة التي تنال بالعمل بشرائع الدين كسعادة الحياة المختصة بتألف الزوجين، فإن الله تعالى سمى السعادة الدينية نعمة كما في قوله تعالى: "و أتممت عليكم نعمتي:" المائدة - 3، و قوله تعالى: "و ليتم نعمته عليكم:" المائدة - 6، و قوله تعالى: "فأصبحتم بنعمته إخوانا:" آل عمران - 103.

و على هذا يكون قوله تعالى بعده: و ما أنزل عليكم من الكتاب و الحكمة يعظكم به، كالمفسر لهذه النعمة، و يكون المراد بالكتاب و الحكمة ظاهر الشريعة و باطنها أعني أحكامها و حكمها.

و يمكن أن يكون المراد بالنعمة مطلق النعم الإلهية، التكوينية و غيرها فيكون المعنى: اذكروا حقيقة معنى حياتكم و خاصة المزايا و محاسن التألف و السكونة بين الزوجين و ما بينه الله تعالى لكم بلسان الوعظ من المعارف المتعلقة بها في ظاهر الأحكام و حكمها فإنكم إن تأملتم ذلك أوشك أن تلزموا صراط السعادة، و لا تفسدوا كمال حياتكم و نعمة وجودكم، و اتقوا الله و لتتوجه نفوسكم إلى أن الله بكل شيء عليم، حتى لا يخالف ظاهركم باطنكم، و لا تجترءوا على الله بهدم باطن الدين في صورة تعمير ظاهره.

قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، العضل المنع، و الظاهر أن الخطاب في قوله: فلا تعضلوهن، لأوليائهن و من يجري مجراهم ممن لا يسعهن مخالفته، و المراد بأزواجهن، الأزواج قبل الطلاق، فالآية تدل على نهي الأولياء و من يجري مجراهم عن منع المرأة أن تنكح زوجها ثانيا بعد انقضاء العدة سخطا و لجاجا كما يتفق كثيرا، و لا دلالة في ذلك على أن العقد لا يصح إلا بولي.

أما أولا: فلأن قوله: فلا تعضلوهن، لو لم يدل على عدم تأثير الولاية في ذلك لم يدل على تأثيره.

و أما ثانيا: فلأن اختصاص الخطاب بالأولياء فقط لا دليل عليه بل الظاهر أنه أعم منهم، و أن النهي نهي إرشادي إلى ما يترتب على هذا الرجوع من المصالح و المنافع كما قال تعالى: ذلكم أزكى لكم و أطهر.

و ربما قيل: إن الخطاب للأزواج جريا على ما جرى به قوله: و إذا طلقتم النساء، و المعنى: و إذا طلقتم النساء يا أيها الأزواج فانقضت عدتهن فلا تمنعوهن أن ينكحن أزواجا يكونون أزواجهن، و ذلك بأن يخفى عنهن الطلاق لتضار بطول العدة و نحو ذلك.



و هذا الوجه لا يلائم قوله تعالى: أزواجهن، فإن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: أن ينكحن أو أن ينكحن أزواجا و هو ظاهر.

و المراد بقوله تعالى: فبلغن أجلهن، انقضاء العدة، فإن العدة لو لم تنقض لم يكن لأحد من الأولياء و غيرهم أن يمنع ذلك و بعولتهن أحق بردهن في ذلك.

على أن قوله تعالى: أن ينكحن، دون أن يقال: يرجعن و نحوه ينافي ذلك.

قوله تعالى: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله و اليوم الآخر، هذا كقوله فيما مر: و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر الآية، و إنما خص الموردان من بين الموارد بالتقييد بالإيمان بالله و اليوم الآخر، و هو التوحيد، لأن دين التوحيد يدعو إلى الاتحاد دون الافتراق، و يقضي بالوصل دون الفصل.

و في قوله تعالى: ذلك يوعظ به من كان منكم التفات إلى خطاب المفرد عن خطاب الجمع ثم التفات عن خطاب المفرد إلى خطاب الجمع، و الأصل في هذا الكلام خطاب المجموع أعني خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمته جميعا لكن ربما التفت إلى خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده في غير جهات الأحكام كقوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها، و قوله فأولئك هم الظالمون، و قوله: و بعولتهن أحق بردهن في ذلك، و قوله: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله، حفظا لقوام الخطاب، و رعاية لحال من هو ركن في هذه المخاطبة و هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه هو المخاطب بالكلام من غير واسطة، و غيره فمخاطب بوساطته، و أما الخطابات المشتملة على الأحكام فجميعها موجهة نحو المجموع، و يرجع حقيقة هذا النوع من الالتفات الكلامي إلى توسعة الخطاب بعد تضييقه و تضييقه بعد توسعته فليتدبر فيه.

قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم و أطهر، الزكاة هو النمو الصالح الطيب، و قد مر الكلام في معنى الطهارة، و المشار إليه بقوله: ذلكم عدم المنع عن رجوعهن إلى أزواجهن، أو نفس رجوعهن إلى أزواجهن، و المآل واحد، و ذلك أن فيه رجوعا من الانثلام و الانفصال إلى الالتيام و الاتصال، و تقوية لغريزة التوحيد في النفوس فينمو على ذلك جميع الفضائل الدينية، و فيه تربية لملكة العفة و الحياء فيهن و هو أستر لهن و أطهر لنفوسهن، و من جهة أخرى فيه حفظ قلوبهن عن الوقوع على الأجانب إذا منعن عن نكاح أزواجهن.

و الإسلام دين الزكاة و الطهارة و العلم، قال تعالى: "و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة:" آل عمران - 164، و قال تعالى: "و لكن يريد ليطهركم:" المائدة - 7.

قوله تعالى: و الله يعلم و أنتم لا تعلمون، أي إلا ما يعلمكم كما قال تعالى.

"و يعلمهم الكتاب و الحكمة": آل عمران - 164، و قال تعالى: "و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء،: البقرة - 255، فلا تنافي بين هذه الآية و بين قوله تعالى: و تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون الآية أي يعلمون بتعليم الله.

قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.

الوالدات هن الأمهات، و إنما عدل عن الأمهات إلى الوالدات لأن الأم أعم من الوالدة كما أن الأب أعم من الوالد و الابن أعم من الولد، و الحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة و الولد و المولود له، و أما تبديل الوالد بالمولود له، ففيه إشارة إلى حكمة التشريع فإن الوالد لما كان مولودا للوالد ملحقا به في معظم أحكام حياته لا في جميعها كما سيجيء بيانها في آية التحريم من سورة النساء إن شاء الله كان عليه أن يقوم بمصالح حياته و لوازم تربيته، و منها كسوة أمه التي ترضعه، و نفقتها، و كان على أمه أن لا تضار والدة لأن الولد مولود له.



و من أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسرين: أنه إنما قيل: المولود له دون الوالد: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهن لأن الأولاد للآباء و لذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، و أنشد المأمون بن الرشيد: و إنما أمهات الناس أوعية.

مستودعات و للآباء أبناء.

انتهى ملخصا، و كأنه ذهل عن صدر الآية و ذيلها حيث يقول تعالى: أولادهن و يقول: بولدها، و أما ما أنشده من شعر المأمون فهو و أمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكلامه كلام الله تعالى و تقدس.

و قد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة، و أمر التشريع، حكم الاجتماع و أمر التكوين فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي، أو حقيقة تكوينية.

و جملة الأمر في الولد أن التكوين يلحقه بالوالدين معا لاستناده في وجوده إليهما معا، و الاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأمم: فبعض الأمم يلحقه بالوالدة، و بعضهم بالوالد و الآية تقرر قول هذا البعض، و تشير إليه بقوله: المولود له كما تقدم، و الإرضاع إفعال من الرضاعة و الرضع و هو مص الثدي بشرب اللبن منه، و الحول هو السنة سميت به لأنها تحول و إنما وصف بالكمال لأن الحول و السنة لكونه ذا أجزاء كثيرة ربما يسامح فيه فيطلق على الناقص كالكامل، فكثيرا ما يقال: أقمت هناك حولا أو حولين إذا أقيم مدة تنقص منه أياما.

و في قوله تعالى: لمن أراد أن يتم الرضاعة، دلالة على أن الحضانة و الإرضاع حق للوالدة المطلقة موكول إلى اختيارها و البلوغ إلى آخر المدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك و إن لم تشأ التكميل فلها ذلك، و أما الزوج فليس له في ذلك حق إلا إذا وافقت عليه الزوجة بتراض منهما كما يشير إليه قوله تعالى فإن أرادا فصالا "إلخ".

قوله تعالى: و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها، المراد بالمولود له هو الوالد كما مر، و الرزق و الكسوة هما النفقة و اللباس، و قد نزلهما الله تعالى على المعروف و هو المتعارف من حالهما، و قد علل ذلك بحكم عام آخر رافع للحرج، و هو قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها، و قد فرع عليه حكمين آخرين، أحدهما: حق الحضانة و الإرضاع الذي للزوجة و ما أشبهه فلا يحق للزوج أن يحول بين الوالدة و ولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة و حرج عليها، و ثانيهما: نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن تمنعه عن الرؤية و نحو ذلك، و ذلك قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده، و النكتة في وضع الظاهر موضع الضمير أعني في قوله.

بولده دون أن يقول به رفع التناقض المتوهم، فإنه لو قيل: و لا مولود له به رجع الضمير إلى قوله ولدها و كان ظاهر المعنى: و لا مولود له بولد المرأة فأوهم التناقض لأن إسناد الولادة إلى الرجل يناقض إسنادها إلى المرأة، ففي الجملة مراعاة لحكم التشريع و التكوين معا أي أن الولد لهما معا تكوينا فهو ولده و ولدها و له فحسب تشريعا لأنه مولود له.

قوله تعالى: و على الوارث مثل ذلك، ظاهر الآية: أن الذي جعل على الوالد من الكسوة و النفقة فهو مجعول على وارثه إن مات، و قد قيل في معنى الآية أشياء أخر لا يوافق ظاهرها، و قد تركنا ذكرها لأنها بالبحث الفقهي أمس فلتطلب من هناك، و الذي ذكرناه هو الموافق لمذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من الأخبار، و هو الموافق أيضا لظاهر الآية.



قوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور إلى آخر الآية، الفصال الفطام، و التشاور: الاجتماع على المشورة، و الكلام تفريع على الحق المجعول للزوجة و نفي الحرج عن البين، فالحضانة و الرضاع ليس واجبا عليها غير قابل التغيير، بل هو حق يمكنها أن تتركه.

فمن الجائز أن يتراضيا بالتشاور على فصال الولد من غير جناح عليهما و لا بأس، و كذا من الجائز أن يسترضع الزوج لولده من غير الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه بالامتناع عن إرضاعه، أو لعلة أخرى من انقطاع لبن أو مرض و نحوه إذا سلم لها ما تستحقها تسليما بالمعروف بحيث لا يزاحم في جميع ذلك حقها، و هو قوله تعالى: و إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.

قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، أمر بالتقوى و أن يكون هذا التقوى بإصلاح صورة هذه الأعمال، فإنها أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة و لذلك قال تعالى: و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، و هذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن الآية من قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بكل شيء عليم، فإن تلك الآية مشتملة على قوله تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، و المضارة ربما عادت إلى النية من غير ظهور في صورة العمل إلا بحسب الأثر بعد.

قوله تعالى: و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا، التوفي هو الإماتة، يقال: توفاه الله إذا أماته فهو متوفى بصيغة اسم المفعول، و يذرون مثل يدعون بمعنى يتركون و لا ماضي لهما من مادتهما، و المراد بالعشر الأيام حذفت لدلالة الكلام عليه.

قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف المراد ببلوغ الأجل انقضاء العدة، و قوله: فلا جناح "إلخ" كناية عن إعطاء الاختيار لهن في أفعالهن فإن اخترن لأنفسهن الازدواج فلهن ذلك، و ليس لقرابة الميت منعهن عن شيء من ذلك استنادا إلى بعض العادات المبنية على الجهالة و العمى أو الشح و الحسد فإن لهن حقا في ذلك معروفا في الشرع و ليس لأحد أن ينهى عن المعروف.

و قد كانت الأمم على أهواء شتى في المتوفى عنها زوجها، بين من يحكم بإحراق الزوجة الحية مع زوجها الميت أو إلحادها و إقبارها معه، و بين من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إلى آخر عمرها كالنصارى، و بين من يوجب اعتزالها عن الرجال إلى سنة من حين الوفاة كالعرب الجاهلي، أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو كذلك عند بعض الملل الراقية، و بين من يعتقد أن للزوج المتوفى حقا على الزوجة في الكف عن الازدواج حينا من غير تعيين للمدة، كل ذلك لما يجدونه من أنفسهم أن الازدواج للاشتراك في الحياة و الامتزاج فيها، و هو مبني على أساس الأنس و الألفة، و للحب حرمة يجب رعايتها، و هذا و إن كان معنى قائما بالطرفين، و مرتبطا بالزوج و الزوجة معا فكل منهما أخذته الوفاة كان على الآخر رعاية هذه الحرمة بعد صاحبه، غير أن هذه المراعاة على المرأة أوجب و ألزم، لما يجب عليها من مراعاة جانب الحياة و الاحتجاب و العفة، فلا ينبغي لها أن تبتذل فتكون كالسلعة المبتذلة الدائرة تعتورها الأيدي واحدة بعد واحدة، فهذا هو الموجب لما حكم به هذه الأقوام المختلفة في المتوفى عنها زوجها، و قد عين الإسلام هذا التربص بما يقرب من ثلث سنة، أعني أربعة أشهر و عشرا.

قوله تعالى: و الله بما تعملون خبير، لما كان الكلام مشتملا على تشريع عدة الوفاة و على تشريع حق الازدواج لهن بعدها، و كان كل ذلك تشخيصا للأعمال مستندا إلى الخبرة الإلهية كان الأنسب تعليله

<<        الفهرس        >>