جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



و في قوله: فأصبحتم بنعمته إخوانا تكرار للامتنان الذي يدل عليه قوله: و اذكروا نعمة الله عليكم، و المراد بالنعمة هو التأليف فالمراد بالأخوة التي توجده و تحققه هذه النعمة أيضا تألف القلوب فالأخوة هاهنا حقيقة ادعائية.

و يمكن أن يكون إشارة إلى ما يشتمل عليه قوله: "إنما المؤمنون إخوة" الآية: الحجرات - 10، من تشريع الأخوة بينهم فإن بين المؤمنين أخوة مشرعة تتعلق بها حقوق هامة.

قوله تعالى: و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، شفا الحفرة طرفها الذي يشرف على السقوط فيها من كان به.

و المراد من النار إن كان نار الآخرة فالمراد بكونهم على شفا حفرتها أنهم كانوا كافرين ليس بينهم و بين الوقوع فيها إلا الموت الذي هو أقرب إلى الإنسان من سواد العين إلى بياضها فأنقذهم الله منها بالإيمان.

و إن كان المراد بيان حالهم في مجتمعهم الفاسد الذي كانوا فيه قبل إيمانهم و تألف قلوبهم، و كان المراد بالنار هي الحروب و المنازعات - و هو من الاستعمالات الشائعة بطريق الاستعارة - فالمقصود أن المجتمع الذي بني على تشتت القلوب و اختلاف المقاصد و الأهواء، و لا محالة لا يسير مثل هذا المجتمع بدليل واحد يهديهم إلى غاية واحدة بل بأدلة شتى تختلف باختلاف الميول الشخصية و التحكمات الفردية اللاغية التي تهديهم إلى أشد الخلاف و الاختلاف - يشرفهم إلى أردإ التنازع، و يهددهم دائما بالقتال و النزال، و يعدهم الفناء و الزوال، و هي النار التي لا تبقى و لا تذر على حفرة الجهالة التي لا منجا و لا مخلص للساقط فيها.

فهؤلاء هم طائفة من المسلمين كانوا آمنوا قبل نزول الآية بعد كفرهم، و هم المخاطبون الأقربون بهذه الآيات لم يكونوا يعيشون مدى حيوتهم قبل الإسلام إلا في حال تهددهم الحروب و المقاتلات آنا بعد آن، فلا أمن و لا راحة و لا فراغ، و لم يكونوا يفقهون ما حقيقة الأمن العام الذي يعم المجتمع بجميع جهاتها من جاه و مال و عرض و نفس و غير ذلك.

ثم لما اجتمعوا على الاعتصام بحبل الله، و لاحت لهم آيات السعادة، و ذاقوا شيئا من حلاوة النعم وجدوا صدق ما يذكرهم به الله من هنيء النعمة و لذيذ السعادة فكان الخطاب أوقع في نفوسهم و نفوس غيرهم.



و لذلك بني الكلام و وضعت الدعوة على أساس المشاهدة و الوجدان دون مجرد التقدير و الفرض فليس العيان كالبيان، و لا التجارب كالفرض و التقدير، و لذلك بعينه أشار في التحذير الآتي في قوله: و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا "الخ" إلى حال من قبلهم فإن مآل حالهم بمرأى و مسمع من المؤمنين فعليهم أن يعتبروا بهم و بما آل إليه أمرهم فلا يجروا مجراهم و لا يسلكوا مسلكهم.

ثم نبههم الله على خصوصية هذا البيان فقال: كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.

قوله تعالى: و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر "الخ"، التجربة القطعية تدل على أن المعلومات التي يهيئها الإنسان لنفسه في حياته - و لا يهيىء و لا يدخر لنفسه إلا ما ينتفع به - من أي طريق هيأها و بأي وجه ادخرها تزول عنه إذا لم يذكرها و لم يدم على تكرارها بالعمل، و لا نشك أن العمل في جميع شئونه يدور مدار العلم يقوى بقوته، و يضعف بضعفه و يصلح بصلاحه، و يفسد بفساده، و قد مثل الله سبحانه حالهما في قوله: "البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه و الذي خبث لا يخرج إلا نكدا،" الآية: الأعراف - 58.

و لا نشك أن العلم و العمل متعاكسان في التأثير فالعلم أقوى داع إلى العمل و العمل الواقع المشهود أقوى معلم يعلم الإنسان.

و هذا الذي ذكر هو الذي يدعو المجتمع الصالح الذي عندهم العلم النافع و العمل الصالح أن يتحفظوا على معرفتهم و ثقافتهم، و أن يردوا المتخلف عن طريق الخير المعروف عندهم إليه، و أن لا يدعوا المائل عن طريق الخير المعروف و هو الواقع في مهبط الشر المنكر عندهم أن يقع في مهلكة الشر و ينهوه عنه.

و هذه هي الدعوة بالتعليم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هي التي يذكرها الله في هذه الآية بقوله: يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر.

و من هنا يظهر السر في تعبيره تعالى عن الخير و الشر بالمعروف و المنكر فإن الكلام مبني على ما في الآية السابقة من قوله: و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا الخ.

و من المعلوم أن المجتمع الذي هذا شأنه يكون المعروف فيه هو الخير، و المنكر فيه هو الشر، و لو لا العبرة بهذه النكتة لكان الوجه في تسمية الخير و الشر بالمعروف و المنكر كون الخير و الشر معروفا و منكرا بحسب نظر الدين لا بحسب العمل الخارجي.

و أما قوله: "و لتكن منكم أمة، فقد قيل: "إن" من للتبعيض بناء على أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كذا الدعوة من الواجبات الكفائية.

و ربما قيل: إن "من" بيانية و المراد منه و لتكونوا بهذا الاجتماع الصالح أمة يدعون إلى الخير فيجري الكلام على هذا مجرى قولنا: ليكن لي منك صديق أي كن صديقا لي.

و الظاهر أن المراد بكون "من" بيانية كونها نشوئية ابتدائية.

و الذي ينبغي أن يقال: أن البحث في كون من تبعيضية أو بيانية لا يرجع إلى ثمرة محصلة فإن الدعوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أمور لو وجبت لكانت بحسب طبعها واجبات كفائية إذ لا معنى للدعوة و الأمر و النهي المذكورات بعد حصول الغرض فلو فرضت الأمة بأجمعهم داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر كان معناه أن فيهم من يقوم بهذه الوظائف فالأمر قائم بالبعض على أي حال، و الخطاب إن كان للبعض فهو ذاك، و إن كان للكل كان أيضا باعتبار البعض، و بعبارة أخرى المسئول بها الكل و المثاب بها البعض، و لذلك عقبه بقوله: و أولئك هم المفلحون فالظاهر أن من تبعيضية، و هو الظاهر من مثل هذا التركيب في لسان المحاورين و لا يصار إلى غيره إلا بدليل.

و اعلم أن هذه الموضوعات الثلاثة أعني الدعوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ذوات أبحاث تفسيرية طويلة عميقة سنتعرض لها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله تعالى.

و كذا ما يتعلق بها من الأبحاث العلمية و النفسية و الاجتماعية.

قوله تعالى: و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.

لا يبعد أن يكون قوله: من بعد ما جاءهم البينات متعلقا بقوله: و اختلفوا فقط و حينئذ كان المراد بالاختلاف التفرق من حيث الاعتقاد و بالتفرق الاختلاف و التشتت من حيث الأبدان و قدم التفرق على الاختلاف لأنه كالمقدمة المؤدية إليه لأن القوم مهما كانوا مجتمعين متواصلين اتصلت عقائد بعضهم ببعض و اتحدت بالتماس و التفاعل، و حفظهم ذلك من الاختلاف فإذا تفرقوا و انقطع بعضهم عن بعض أداهم ذلك إلى اختلاف المشارب و المسالك، و لم يلبثوا دون أن يستقل أفكارهم و آراؤهم بعضها عن بعض، و برز فيهم الفرقة، و انشق عصا الوحدة فكأنه تعالى يقول: و لا تكونوا كالذين تفرقوا بالأبدان أولا، و خرجوا من الجماعة، و أفضاهم ذلك إلى اختلاف العقائد و الآراء أخيرا.

و قد نسب تعالى هذا الاختلاف في موارد من كلامه إلى البغي.

قال تعالى: "و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم": البقرة - 213، مع أن ظهور الاختلاف في العقائد و الآراء ضروري بين الأفراد لاختلاف الأفهام لكن كما أن ظهور هذا الاختلاف ضروري كذلك دفع الاجتماع لذلك، و رده المختلفين إلى ساحة الاتحاد أيضا ضروري فرفع الاختلاف ممكن مقدور بالواسطة، و إعراض الأمة عن ذلك بغي منهم، و إلقاء لأنفسهم في تهلكة الاختلاف.

و قد أكد القرآن الدعوة إلى الاتحاد، و بالغ في النهي عن الاختلاف، و ليس ذلك إلا لما كان يتفرس من أمر هذه الأمة، أنهم سيختلفون كالذين من قبلهم بل يزيدون عليهم في ذلك، و قد تقدم مرارا أن من دأب القرآن أنه إذا بالغ في التحذير عن شيء و النهي عن اقترافه كان ذلك آية وقوعه و ارتكابه، و هذا أمر أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا كما أخبر به القرآن، و أن الاختلاف سيدب في أمته ثم يظهر في صورة الفرق المتنوعة، و أن أمته ستختلف كما اختلفت اليهود و النصارى من قبل و سيجيء الرواية في البحث الروائي.

و قد صدق جريان الحوادث هذه الملحمة القرآنية فلم تلبث الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن تفرقوا شذر مدر، و اختلفوا في مذاهب شتى بعضهم يكفر بعضا من لدن عصر الصحابة إلى يومنا هذا، و كلما رام أحد أن يوفق بين مختلفين منها أولد ذلك مذهبا ثالثا.

و الذي يهدينا إليه البحث بالتحليل و التجزية أن أصل هذا الاختلاف ينتهي إلى المنافقين الذين يغلظ القرآن القول فيهم و عليهم و يستعظم مكرهم و كيدهم فإنك لو تدبرت ما يذكره الله تعالى في حقهم في سور البقرة و التوبة و الأحزاب و المنافقين و غيرها لرأيت عجبا، و كان هذا حالهم في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لما ينقطع الوحي ثم لما توفاه الله غاب ذكرهم و سكنت أجراسهم دفعة.



كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا.

أنيس و لم يسمر بمكة سامر.

و لم يلبث الناس دون أن وجدوا أنفسهم و قد تفرقوا أيادي سبإ، و باعدت بينهم شتى المذاهب، و استعبدتهم حكومات التحكم و الاستبداد، و أبدلوا سعادة الحيوة بشقاء الضلال و الغي.

و الله المستعان، و المرجو من فضل الله أن يوفقنا لاستيفاء هذا البحث في تفسير سورة البراءة إن شاء الله.

قوله تعالى: يوم تبيض وجوه و تسود وجوه إلى آخر الآيتين، لما كان المقام مقام الكفر بالنعمة و هو نظير الخيانة مما يوجب خسة الانفعال و الخجل ذكر سبحانه من بين أنواع عذاب الآخرة ما يناسبها بحسب التمثيل و هو سواد الوجه الذي يكنى به في الدنيا عن الانفعال و الخجل و نحوهما كما يشعر أو يدل على ذلك قوله تعالى: فأما الذين اسودت وجوههم أ كفرتم بعد إيمانكم.

و كذا ذكر من ثواب الشاكرين لهذه النعمة ما يناسب الشكر و هو بياض الوجه المكنى به في الدنيا عن الارتضاء و الرضا.

قوله تعالى: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، الظرف متعلق بقوله: نتلوها، و المراد كون التلاوة تلاوة حق من غير أن يكون باطلا شيطانيا، أو متعلق بالآيات باستشمام معنى الوصف فيه أو مستقر متعلق بمقدر، و المعنى أن هذه الآيات الكاشفة عن ما يصنع الله بالطائفتين: الكافرين و الشاكرين مصاحبة للحق من غير أن تجري على نحو الباطل و الظلم، و هذا الوجه أوفق لما يتعقبه من قوله: و ما الله يريد ظلما.

قوله تعالى: و ما الله يريد ظلما للعالمين، تنكير الظلم و هو في سياق النفي يفيد الاستغراق، و ظاهر قوله: للعالمين و هو جمع محلى باللام أن يفيد الاستغراق، و المعنى على هذا أن الله لا يريد ظلما أي ظلم فرض لجميع العالمين، و كافة الجماعات، و هو كذلك فإنما التفرق بين الناس أمر يعود أثره المشئوم إلى جميع العالمين و كافة الناس.

قوله تعالى: و لله ما في السموات و الأرض و إلى الله ترجع الأمور، لما ذكر أن الله لا يريد الظلم علل ذلك بما يزول معه توهم صدور الظلم فذكر أن الله تعالى يملك جميع الأشياء من جميع الجهات فله أن يتصرف فيها كيف يشاء فلا يتصور في حقه التصرف فيما لا يملكه حتى يكون ظلما و تعديا.

على أن الشخص إنما ينحو الظلم إذا كان له حاجة لا يتمكن من رفعها إلا بالتعدي على ما لا يملكه، و الله الغني الذي له ما في السماوات و الأرض هذا ما قرره بعضهم لكنه لا يلائم ظاهر الآية فإن هذا الجواب يبتني بالحقيقة على غناه تعالى دون ملكه، و المذكور في الآية هو الملك دون الغنى، و كيف كان فملكه دليل أنه تعالى ليس بظالم.

و هناك دليل آخر و هو أن مرجع جميع الأمور أيا ما كانت إليه تعالى فليس لغيره تعالى من الأمر شيء حتى يسلبه الله عنه و ينتزعه من يده و يجري فيه إرادة نفسه فيكون بذلك ظالما، و هذا هو الذي يشير إليه قوله: و إلى الله ترجع الأمور.

و الوجهان كما ترى متلازمان أحدهما مبني على أن كل شيء له تعالى و الثاني مبني على أن شيئا من الأمور ليس لغيره تعالى.

قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس، المراد بإخراج الأمة للناس و الله أعلم إظهارها لهم، و مزية هذه اللفظة الإخراج أن فيها إشعارا بالحدوث و التكون قال تعالى: "الذي أخرج المرعى": الأعلى - 4، و الخطاب للمؤمنين فيكون قرينة على أن المراد بالناس عامة البشر و الفعل أعني قوله: كنتم منسلخ عن الزمان - على ما قيل - و الأمة إنما تطلق على الجماعة و الفرد لكونهم ذوي هدف و مقصد يؤمرونه و يقصدونه، و ذكر الإيمان بالله بعد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من قبيل ذكر الكل بعد الجزء أو الأصل بعد الفرع.

فمعنى الآية أنكم معاشر المسلمين خير أمة أظهرها الله للناس بهدايتها لأنكم على الجماعة تؤمنون بالله و تأتون بفريضتي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من المعلوم أن انبساط هذا التشريف على جميع الأمة لكون البعض متصفين بحقيقة الإيمان و القيام بحق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هذا محصل ما ذكروه في المقام.

و الظاهر و الله أعلم أن قوله: كنتم غير منسلخ عن الزمان و الآية تمدح حال المؤمنين في أول ظهور الإسلام من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار، و المراد بالإيمان هو الإيمان بدعوة الاجتماع على الاعتصام بحبل الله و عدم التفرق فيه في مقابل الكفر به على ما يدل عليه قوله قبل: أ كفرتم بعد إيمانكم الآية، و كذا المراد بإيمان أهل الكتاب ذلك أيضا فيئول المعنى إلى أنكم معاشر أمة الإسلام كنتم في أول ما تكونتم و ظهرتم للناس خير أمة ظهرت لكونكم تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تعتصمون بحبل الله متفقين متحدين كنفس واحدة، و لو كان أهل الكتاب على هذا الوصف أيضا لكان خيرا لهم لكنهم اختلفوا منهم أمة مؤمنون و أكثرهم فاسقون.

و اعلم أن في الآيات موارد من التفات من الغيبة إلى الخطاب و من خطاب الجمع إلى خطاب المفرد و بالعكس، و فيها موارد من وضع الظاهر موضع الضمير كتكرر لفظ الجلالة في عدة مواضع، و النكتة في الجميع ظاهرة للمتأمل.

بحث روائي

في المعاني، و تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: اتقوا الله حق تقاته قال يطاع فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى، و يشكر فلا يكفر.

و في الدر المنثور، أخرج الحاكم و ابن مردويه من وجه آخر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اتقوا الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى.

و فيه، أخرج الخطيب عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

أقول: قد مر في البيان المتقدم كيفية استفادة معنى الحديثين الأولين من الآية، و أما الحديث الثالث فإنما هو تفسير بلازم المعنى، و هو ظاهر.

و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن تفسير وكيع، عن عبد خير قال: سألت علي بن أبي طالب عن قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته قال: و الله ما عمل بها غير بيت رسول الله نحن ذكرناه فلا ننساه، و نحن شكرناه فلن نكفره، و نحن أطعناه فلم نعصه. فلما نزلت هذه الآية قال الصحابة لا نطيق ذلك فأنزل الله: فاتقوا الله ما استطعتم قال وكيع: ما أطقتم الحديث.

و في تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: اتقوا الله حق تقاته، قال: منسوخة، قلت و ما نسختها؟ قال: قول الله: فاتقوا الله ما استطعتم.

أقول: و يستفاد من رواية وكيع أن المراد بالنسخ في رواية العياشي بيان مراتب التقوى، و أما النسخ بمعناه المصطلح كما نقل عن بعض المفسرين فهو معنى يرده ظاهر الكتاب.



و في المجمع، عن الصادق (عليه السلام): في الآية: و أنتم مسلمون بالتشديد.

و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: و اعتصموا بحبل الله جميعا الآية: أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، و طرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تزالوا و لن تضلوا بعده أبدا.

و في المعاني، عن السجاد (عليه السلام) في حديث: و حبل الله هو القرآن.

أقول: و في هذا المعنى روايات أخرى من طرق الفريقين.

و في تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): آل محمد هم حبل الله الذي أمر بالاعتصام به فقال: و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا.

أقول: و في هذا المعنى روايات أخر، و قد تقدم في البيان ما يتأيد به معناها، و يؤيدها أيضا ما يأتي من الروايات.

و في الدر المنثور، أخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لكم فرط، و إنكم واردون علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ قيل: و ما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله عز و جل سبب طرفه بيد الله، و طرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا و لن تضلوا، و الأصغر عترتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. و سألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تعلموهما فإنهما أعلم منكم.

أقول: و حديث الثقلين من المتواترات التي أجمع على روايتها الفريقان، و قد تقدم في أول السورة أن بعض علماء الحديث أنهى رواته من الصحابة إلى خمس و ثلاثين راويا من الرجال و النساء، و قد رواه عنهم جم غفير من الرواة و أهل الحديث.

و في الدر المنثور، أيضا أخرج ابن ماجة و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن، أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): افترقت بنو إسرائيل على إحدى و سبعين فرقة، و إن أمتي ستفترق على اثنتين و سبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة قالوا: يا رسول الله و من هذه الواحدة؟ قال: الجماعة، ثم قال: اعتصموا بحبل الله جميعا: أقول: و الرواية أيضا من المشهورات، و قد روتها الشيعة بنحو آخر كما في الخصال، و المعاني، و الاحتجاج، و الأمالي، و كتاب سليم بن قيس، و تفسير العياشي، و اللفظ كما في الخصال، بإسناده إلى سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن أمة موسى افترقت بعده على إحدى و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية، و سبعون في النار، و افترقت أمة عيسى بعده على اثنتين و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية، و إحدى و سبعون في النار، و إن أمتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية، و اثنتان و سبعون في النار.

أقول: و هي الموافقة لما يأتي.

و في الدر المنثور، أخرج أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و صححه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة، و تفرقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة.

أقول: و هذا المعنى مروي بطرق أخرى عن معاوية و غيره.

و فيه، أخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى و سبعين ملة، و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم و أصحابي.

أقول و عن جامع الأصول، لابن الأثير عن الترمذي عن ابن عمرو بن العاص عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): مثله و في كمال الدين، بإسناده عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة.

و في تفسير القمي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة، لا تخطئون طريقهم و لا يخطأ، شبر بشبر، و ذراع بذراع، و باع بباع، حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود و النصارى تعني يا رسول الله؟ قال: فمن أعني؟ لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة، و آخره الصلوة.

و عن جامع الأصول، فيما استخرجه من الصحاح، و عن صحيح الترمذي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: و الذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم و زاد رزين حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى إن كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم فلا أدري أ تعبدون العجل أم لا؟.

أقول: و هذه الرواية أيضا من المشهورات، رواها أهل السنة في صحاحهم و غيرهم، و روتها الشيعة في جوامعهم.

و في الصحيحين، عن أنس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب أصحابي فليقالن إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

و في الصحيحين، أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي أو قال من أمتي فيحلئون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدوا على أعقابهم القهقرى فيحلئون.

أقول: و هذا الحديث أيضا من المشهورات، رواها الفريقان في صحاحهم و جوامعهم عن عدة من الصحابة كابن مسعود و أنس و سهل بن ساعد و أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و عائشة و أم سلمة و أسماء بنت أبي بكر و غيرهم و عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

و الروايات على كثرتها و تفننها تصدق ما استفدناه من ظاهر الآيات الكريمة، و توالي الحوادث و الفتن يصدق الروايات.

و في الدر المنثور، أخرج الحاكم و صححه عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه، و من مات و ليس عليه إمام جماعة فإن موتته ميتة جاهلية.

أقول: و الرواية أيضا من المشهورات مضمونا، و قد روى الفريقان عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

و عن جامع الأصول، من الترمذي و سنن أبي داود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال طائفة من أمتي على الحق.



و في المجمع،: في قوله تعالى: أ كفرتم بعد إيمانكم الآية: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): هم أهل البدع و الأهواء و الآراء الباطلة من هذه الأمة.

و فيه، و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية: عن أبي عمرو الزبيري عن الصادق (عليه السلام) قال: يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم، و هم الأمة التي بعث الله فيها و منها و إليها، و هم الأمة الوسطى، و هم خير أمة أخرجت للناس.

أقول: و قد مر الكلام في توضيح معنى الرواية في تفسير قوله تعالى: "و من ذريتنا أمة مسلمة لك": البقرة - 128.

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر: كنتم خير أمة أخرجت للناس قال: أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

و فيه، أخرج أحمد بسند حسن عن علي، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء نصرت بالرعب، و أعطيت مفاتيح الأرض، و سميت أحمد، و جعل التراب لي طهورا، و جعلت أمتي خير الأمم.

3 سورة آل عمران - 111 - 120

لَن يَضرّوكمْ إِلا أَذًى وَ إِن يُقَتِلُوكُمْ يُوَلّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمّ لا يُنصرُونَ (111) ضرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بحَبْلٍ مِّنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِّنَ النّاسِ وَ بَاءُو بِغَضبٍ مِّنَ اللّهِ وَ ضرِبَت عَلَيهِمُ الْمَسكَنَةُ ذَلِك بِأَنّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقٍّ ذَلِك بِمَا عَصوا وّ كانُوا يَعْتَدُونَ (112) * لَيْسوا سوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ أُمّةٌ قَائمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَتِ اللّهِ ءَانَاءَ الّيْلِ وَ هُمْ يَسجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسرِعُونَ فى الْخَيرَتِ وَ أُولَئك مِنَ الصلِحِينَ (114) وَ مَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيرٍ فَلَن يُكفَرُوهُ وَ اللّهُ عَلِيمُ بِالْمُتّقِينَ (115) إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنىَ عَنْهُمْ أَمْوَلُهُمْ وَ لا أَوْلَدُهُم مِّنَ اللّهِ شيْئاً وَ أُولَئك أَصحَب النّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فى هَذِهِ الْحَيَوةِ الدّنْيَا كمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صرّ أَصابَت حَرْث قَوْمٍ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَأَهْلَكتْهُ وَ مَا ظلَمَهُمُ اللّهُ وَ لَكِنْ أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ (117) يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتّخِذُوا بِطانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْوَهِهِمْ وَ مَا تُخْفِى صدُورُهُمْ أَكْبرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الاَيَتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَأَنتُمْ أُولاءِ تحِبّونهُمْ وَ لا يحِبّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتَبِ كلِّهِ وَ إِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا ءَامَنّا وَ إِذَا خَلَوْا عَضوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ (119) إِن تمْسسكُمْ حَسنَةٌ تَسؤْهُمْ وَ إِن تُصِبْكُمْ سيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَ إِن تَصبرُوا وَ تَتّقُوا لا يَضرّكمْ كَيْدُهُمْ شيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ محِيطٌ (120)

بيان

الآيات الكريمة - كما ترى - تنعطف إلى ما كان الكلام فيه قبل من التعرض لحال أهل الكتاب و خاصة اليهود في كفرهم بآيات الله و إغوائهم أنفسهم، و صدهم المؤمنين عن سبيل الله، و إنما كانت الآيات العشر المتقدمة من قبيل الكلام في طي الكلام، فاتصال الآيات على حاله.

قوله تعالى: لن يضروكم إلا أذى "الخ" الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضرر: إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيويا كان أو أخرويا على ما ذكره الراغب مفردات القرآن.

قوله تعالى: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله و حبل من الناس، الذلة بناء نوع من الذل، و الذل بالضم ما كان عن قهر، و بالكسر ما كان عن تصعب و شماس على ما ذكره الراغب، و معناه العام حال الانكسار و المطاوعة، و يقابله العز و هو الامتناع.

و قوله: ثقفوا أي وجدوا، و الحبل السبب الذي يوجب التمسك به العصمة، و قد استعير لكل ما يوجب نوعا من الأمن و العصمة و الوقاية كالعهد و الذمة و الأمان، و المراد و الله أعلم: أن الذلة مضروبة عليهم كضرب السكة على الفاز أو كضرب الخيمة على الإنسان فهم مكتوب عليهم أو مسلط عليهم الذلة إلا بحبل و سبب من الله، و حبل و سبب من الناس.

و قد كرر لفظ الحبل بإضافته إلى الله و إلى الناس لاختلاف المعنى بالإضافة فإنه من الله القضاء و الحكم تكوينا أو تشريعا، و من الناس البناء و العمل.

و المراد بضرب الذلة عليهم القضاء التشريعي بذلتهم، و الدليل على ذلك قوله: أينما ثقفوا فإن ظاهر معناه أينما وجدهم المؤمنون أي تسلطوا عليهم، و هو إنما يناسب الذلة التشريعية التي من آثارها الجزية.

فيئول معنى الآية إلى أنهم أذلاء بحسب حكم الشرع الإسلامي إلا أن يدخلوا تحت الذمة أو أمان من الناس بنحو من الأنحاء.

و ظاهر بعض المفسرين أن قوله: ضربت عليهم الذلة، ليس في مقام تشريع الحكم بل إخبار عن ما جرى عليه أمرهم بقضاء من الله و قدر فإن الإسلام أدرك اليهود و هم يؤدون الجزية إلى المجوس، و بعض شعبهم كانوا تحت سلطة النصارى.

و هذا المعنى لا بأس به و ربما أيده ذيل الكلام إلى آخر الآية فإنه ظاهر في أن السبب في ضرب الذلة و المسكنة عليهم ما كسبته أيديهم من الكفر بآيات الله، و قتل الأنبياء، و الاعتداء المستمر إلا أن لازم هذا المعنى اختصاص الكلام في الآية باليهود و لا مخصص ظاهرا، و سيجيء في ذلك كلام في تفسير قوله تعالى: "و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء": المائدة - 64.



قوله تعالى: و باءوا بغضب من الله و ضربت عليهم المسكنة، باءوا أي اتخذوا مباءة و مكانا، أو رجعوا، و المسكنة أشد الفقر، و الظاهر أن المسكنة أن لا يجد الإنسان سبيلا إلى النجاة و الخلاص عما يهدده من فقر أو أي عدم، و على هذا فيتلاءم معنى الآية صدرا و ذيلا.

قوله تعالى: ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون، و المعنى أنهم عصوا و كانوا قبل ذلك يستمرون على الاعتداء.

قوله تعالى: ليسوا سواء - إلى قوله: - بالمتقين السواء مصدر أريد به معنى الوصف أي ليسوا مستوين في الوصف و الحكم فإن منهم أمة قائمة يتلون آيات الله "الخ"، و من هنا يظهر أن قوله: من أهل الكتاب "الخ" في مقام التعليل يبين به وجه عدم استواء أهل الكتاب.

و قد اختلف في قوله: قائمة فقيل: أي ثابتة على أمر الله، و قيل: أي عادلة، و قيل: أي ذو أمة قائمة أي ذو طريقة مستقيمة، و الحق أن اللفظ مطلق يحتمل الجميع غير أن ذكر الكتاب و ذكر أعمالهم الصالحة يعين أن المراد هو القيام على الإيمان و الطاعة.

و الآناء جمع إنى بكسر الهمزة أو فتحها، و قيل: إنو و هو الوقت.

و المسارعة المبادرة و هي مفاعلة من السرعة قال في المجمع،: و الفرق بين السرعة و العجلة أن السرعة هي التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه، و هي محمودة و ضدها الإبطاء، و هو مذموم، و العجلة هي التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه و هي مذمومة، و ضدها الأناة و هي محمودة، انتهى، و الظاهر أن السرعة في الأصل وصف للحركة، و العجلة وصف للمتحرك.

و الخيرات مطلق الأعمال الصالحة من عبادة أو إنفاق أو عدل أو قضاء حاجة، و هو جمع محلى باللام، و معناه الاستغراق، و يكثر إطلاقه على الخيرات المالية كما أن الخير يكثر إطلاقه على المال.

و قد عد الله سبحانه لهم جمل مهمات الصالحات، و هي الإيمان، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و المسارعة في كل خير، ثم وصفهم بأنهم صالحون فهم أهل الصراط المستقيم و زملاء النبيين و الصديقين و الشهداء لقوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين": الحمد - 7، و قوله تعالى: "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين" الآية: النساء - 69، قيل: المراد بهؤلاء الممدوحين عبد الله بن سلام و أصحابه.

قوله تعالى: و ما يفعلوا من خير فلن يكفروه، من الكفران مقابل الشكر أي يشكر الله لهم فيرده إليهم من غير ضيعة كما قال تعالى: "و من تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم": البقرة - 158، و قال: "و ما تنفقوا من خير فلأنفسكم - إلى أن قال - و ما تنفقوا من خير يوف إليكم و أنتم لا تظلمون": البقرة - 272.

قوله تعالى: إن الذين كفروا لن تغني عنهم، ظاهر وحدة السياق أن المراد بهؤلاء، الذين كفروا هم الطائفة الأخرى من أهل الكتاب الذين لم يستجيبوا دعوة النبوة، و كانوا يوطئون على الإسلام، و لا يألون جهدا في إطفاء نوره.

و ربما قيل: إن الآية ناظرة إلى حال المشركين فتكون التوطئة لما سيشير إليه من قصة أحد لكن لا يلائمه ما سيأتي من قوله: و تؤمنون بالكتاب كله و إذا لقوكم قالوا آمنا "الخ" فإن ذلك بيان لحال اليهود مع المسلمين دون حال المشركين، و من هناك يظهر أن اتصال السياق لم ينقطع بعد.



و ربما جمع بعض المفسرين بين حمل هذه الآية على المشركين و حمل تلك على اليهود، و هو خطأ.

قوله تعالى: مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الآية الصر البرد الشديد، و إنما قيد الممثل بقوله: في هذه الحيوة الدنيا ليدل على أنهم منقطعون عن الدار الآخرة فلا يتعلق إنفاقهم إلا بهذه الحيوة، و قيد حرث القوم بقوله: ظلموا أنفسهم ليحسن ارتباطه بقوله بعده: و ما ظلمهم الله.

و محصل الكلام أن إنفاقهم في هذه الحيوة و هم يريدون به إصلاح شأنهم و نيل مقاصدهم الفاسدة لا يثمر لهم إلا الشقاء، و فساد ما يريدونه و يحسبونه سعادة لأنفسهم كالريح التي فيها صر تهلك حرث الظالمين، و ليس ذلك إلا ظلما منهم لأنفسهم فإن العمل الفاسد لا يأتي إلا بالأثر الفاسد.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم الآية سميت الوليجة بطانة و هي ما يلي البدن من الثوب و هي خلاف الظهارة لكونها تطلع على باطن الإنسان و ما يضمره و يستسره، و قوله: لا يألونكم أي لا يقصرون فيكم، و قوله: خبالا أي شرا و فسادا، و منه الخبل للجنون لأنه فساد العقل، و قوله: ودوا ما عنتم، ما مصدرية أي ودوا و أحبوا عنتكم و شدة ضرركم، و قوله: قد بدت البغضاء من أفواههم أريد به ظهور البغضاء و العداوة من لحن قولهم و فلتات لسانهم ففيه استعارة لطيفة و كناية، و لم يبين ما في صدورهم بل أبهم قوله: و ما تخفي صدورهم أكبر للإيماء إلى أنه لا يوصف لتنوعه و عظمته و به يتأكد قوله: أكبر.

قوله تعالى: ها أنتم أولاء تحبونهم الآية، الظاهر أن أولاء اسم إشارة و لفظة ها للتنبيه، و قد تخلل لفظة أنتم بين ها و أولاء، و المعنى أنتم هؤلاء على حد قولهم: زيد هذا و هند هذه كذا و كذا.

و قوله: و تؤمنون بالكتاب كله، اللام للجنس أي و أنتم تؤمنون بجميع الكتب السماوية النازلة من عند الله: كتابهم و كتابكم، و هم لا يؤمنون بكتابكم، و قوله، و إذا لقوكم قالوا آمنا، أي إنهم منافقون، و قوله: و إذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ العض هو الأخذ بالأسنان مع ضغط، و الأنامل جمع أنملة و هي طرف الإصبع.

و الغيظ هو الحنق، و عض الأنامل على شيء مثل يضرب للتحسر و التأسف غضبا و حنقا.

و قوله: قل موتوا بغيظكم دعاء عليهم في صورة الأمر و بذلك تتصل الجملة بقوله: إن الله عليم بذات الصدور أي اللهم أمتهم بغيظهم إنك عليم بذات الصدور أي القلوب أي النفوس.

قوله تعالى: إن تمسسكم حسنة تسؤهم، المساءة خلاف السرور، و في الآية دلالة على أن الأمن من كيدهم مشروط بالصبر و التقوى.

<<        الفهرس        >>