جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


3 سورة آل عمران - 121 - 129

وَ إِذْ غَدَوْت مِنْ أَهْلِك تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَعِدَ لِلْقِتَالِ وَ اللّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمّت طائفَتَانِ مِنكمْ أَن تَفْشلا وَ اللّهُ وَلِيهُمَا وَ عَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَ لَقَدْ نَصرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدّكُمْ رَبّكُم بِثَلَثَةِ ءَالَفٍ مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلى إِن تَصبرُوا وَ تَتّقُوا وَ يَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُم بخَمْسةِ ءَالَفٍ مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُسوِّمِينَ (125) وَ مَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلا بُشرَى لَكُمْ وَ لِتَطمَئنّ قُلُوبُكُم بِهِ وَ مَا النّصرُ إِلا مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الحَْكِيمِ (126) لِيَقْطعَ طرَفاً مِّنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائبِينَ (127) لَيْس لَك مِنَ الأَمْرِ شىْءٌ أَوْ يَتُوب عَلَيهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظلِمُونَ (128) وَ للّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذِّب مَن يَشاءُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ (129)

بيان


رجوع إلى ما بدأت به السورة من تنبيه المؤمنين بما هم عليه من الموقف الصعب، و تذكيرهم بنعم الله عليهم من إيمان و نصر و كفاية، و تعليمهم ما يسبقون به إلى شريف مقصدهم، و هدايتهم إلى ما يسعدون به في حياتهم و بعد مماتهم.

و فيها قصة غزوة أحد، و أما الآيات المشيرة إلى غزوة بدر فإنما هي من قبيل الضميمة المتممة و محلها محل شاهد القصة و ليست مقصودة بالأصالة على ما سيجيء.

قوله تعالى: "و إذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال" إذ ظرف متعلق بمحذوف كاذكر و نحوه، و غدوت من الغدو و هو الخروج غداة، و التبوئة تهيئة المكان للغير أو إسكانه و إيطانه المكان، و المقاعد جمع، و أهل الرجل كما ذكره الراغب - من يجمعه و إياهم نسب أو بيت أو غيرهما كدين أو بلد أو صناعة، يقال: أهل الرجل لزوجته و لمن في بيته من زوجة و ولد و خادم و غيرهم، و للمنتسبين إليه من عشيرته و عترته، و يقال: أهل بلد كذا لقاطنيه، و أهل دين كذا لمنتحليه، و أهل صناعة كذا لصناعها و أساتيدها، و يستوي فيه المذكر و المؤنث و المفرد و الجمع و يختص استعماله بالإنسان فأهل الشيء خاصته من الإنسان.

و المراد بأهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصته و هم جمع، و ليس المراد به هاهنا شخص واحد بدليل قوله: غدوت من أهلك إذ يجوز أن يقال: خرجت من خاصتك و من جماعتك و لا يجوز أن يقال: خرجت من زوجتك و خرجت من أمك، و لذا التجأ بعض المفسرين إلى تقدير في الآية فقال: إن التقدير: خرجت من بيت أهلك، لما فسر الأهل بالمفرد، و لا دليل يدل عليه من الكلام.

و سياق الآيات مبني على خطاب الجمع و هو خطاب المؤمنين على ما تدل عليه الآيات السابقة و اللاحقة ففي قوله: و إذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين، التفات من خطابهم إلى خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان الوجه فيه ما يلوح من آيات القصة من لحن العتاب فإنها لا تخلو من شائبة اللوم و العتاب و الأسف على ما جرى و ظهر من المؤمنين من الفشل و الوهن في العزيمة و القتال، و لذلك أعرض عن مخاطبتهم في تضاعيف القصة و عدل إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يخص به فقال: و إذ غدوت من أهلك، و قال: إذ تقول للمؤمنين أ لن يكفيكم، و قال: ليس لك من الأمر شيء، و قال: قل إن الأمر كله لله، و قال: فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم، و قال: و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية.

فغير خطاب الجمع في هذه الموارد إلى خطاب المفرد، و هي موارد تحبس المتكلم الجاري في كلامه عن الجري فيه لما تغيظه و تهيج وجده، بخلاف مثل قوله في ضمن الآيات: و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم، و قوله: و الرسول يدعوكم في أخريكم، لأن العتاب فيهما بخطاب الجمع أوقع دون خطاب المفرد، و بخلاف مثل قوله في ضمن الآيات: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم الآية، لأن الامتنان ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أخذه غائبا أوقع و أشد تأثيرا في النفوس، و أبعد من الوهم و الخطور، فتدبر في الآيات تجد صحة ما ذكرناه.

و معنى الآية: و اذكر إذ خرجت بالغداة من أهلك تهيىء للمؤمنين مقاعد للقتال أو تسكنهم و توقفهم فيها و الله سميع لما قيل هناك، عليم بما أضمرته قلوبهم، و المستفاد من قوله: و إذ غدوت من أهلك، قرب المعركة من داره (صلى الله عليه وآله وسلم) فيتعين بذلك أن الآيتين ناظرتان إلى غزوة أحد فتتصل الآيتان بالآيات الآتية النازلة في شأن أحد لانطباق المضامين على وقائع هذه الغزوة، و به يظهر ضعف ما قيل: إن الآيتين في غزوة بدر، و كذا ما قيل: إنهما في غزوة الأحزاب، و الوجه ظاهر.

قوله تعالى: "و الله سميع عليم" أي سميع يسمع ما قيل هناك، عليم يعلم ما كان مضمرا في قلوبكم، و فيه دلالة على كلام جرى هناك بينهم، و أمور أضمروها في قلوبهم، و الظاهر أن قوله: إذ همت، متعلق بالوصفين.

قوله تعالى: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا و الله وليهما" الهم ما هممت به في نفسك و هو القصد، و الفشل ضعف مع الجبن.

و قوله و الله وليهما، حال و العامل فيه قوله: همت، و الكلام مسوق للعتاب و اللوم، و كذا قوله: و على الله فليتوكل المؤمنون، و المعنى: أنهما همتا بالفشل مع أن الله وليهما و لا ينبغي لمؤمن أن يفشل و هو يرى أن الله وليه، و مع أن المؤمنين ينبغي أن يكلوا أمرهم إلى الله و من يتوكل على الله فهو حسبه.

و من ذلك يظهر ضعف ما قيل: إن هذا الهم هم خطرة لا هم عزيمة لأن الله تعالى مدحهما، و أخبر أنه وليهما، و لو كان هم عزيمة و قصد لكان ذمهم أولى إلى مدحهم.



و ما أدري ما ذا يريد بقوله: إنه هم خطرة، أ مجرد الخطور بالبال و تصور مفهوم الفشل؟ فجميع من هناك كان يخطر ببالهم ذلك، و لا معنى لذكر مثل ذلك في القصة قطعا، و لا يسمى ذلك هما في اللغة، أم تصورا معه شيء من التصديق، و خطورا فيه شوب قصد؟ كما يدل عليه ظهور حالهما عند غيرهما، و لو كان مجرد خطور من غير أي أثر لم يظهر أنهما همتا بالفشل، على أن ذكر ولاية الله لهم و وجوب التوكل على المؤمن إنما يلائم هذا الهم دون مجرد الخطور، على أن قوله: و الله وليهما، ليس مدحا بل لوم و عظة على ما يعطيه السياق كما مر.

و لعل منشأ هذا الكلام ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: فينا نزلت، و ما أحب أنها لم تكن، لقوله: و الله وليهما ففهم من الرواية أن جابرا فهم من الآية المدح.

و لو صحت الرواية فإنما يريد جابر أن الله تعالى قبل إيمانهم و صدق كونهم مؤمنين حيث عد نفسه وليا لهم، و الله ولي الذين آمنوا و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت، لا أن الجملة واقعة موقع المدح في هذا السياق الظاهر في العتاب.

قوله تعالى: "و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة" إلى آخر الآية ظاهر السياق أن تكون الآية مسوقة سوق الشاهد لتتميم العتاب و تأكيده فتكون تؤدي معنى الحال كقوله: و الله وليهما، و المعنى: و ما كان ينبغي أن يظهر منكم الهم بالفشل و قد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة، و ليس من البعيد أن يكون كلاما مستقلا سيق مساق الامتنان بذكر نصر عجيب من الله بإنزال الملائكة لإمدادهم و نصرهم يوم بدر.

و لما ذكر تعالى نصره إياهم يوم بدر و قابل ذلك بما هم عليه من الحال - و من المعلوم أن كل من اعتز فإنما يعتز بنصر الله و عونه فليس للإنسان من قبل نفسه إلا الفقر و الذلة - و لذلك قال: و أنتم أذلة.

و من هنا يعلم أن قوله: و أنتم أذلة لا ينافي أمثال قوله تعالى: و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين: "المنافقون: - 8" فإن عزتهم إنما هي بعزة الله، قال تعالى: فإن العزة لله جميعا: "النساء: - 139" و ذلك بنصر الله المؤمنين كما قال تعالى: و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا و كان حقا علينا نصر المؤمنين: "الروم: - 47" فإذا كان الحال هذا الحال فلو اعتبر حال المؤمنين من حيث أنفسهم لم يكن لهم إلا الذلة.

على أن واجهة حال المؤمنين أيضا يوم بدر كانت تقضي بكونهم أذلة قبال ما كان عليه المشركون من القوة و الشوكة و الزينة، و لا ضير في إضافة الذلة النسبية إلى الأعزة و قد أضافها الله سبحانه إلى قوم مدحهم كل المدح حيث قال: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين الآية: "المائدة: - 54".

قوله تعالى: "إذ تقول للمؤمنين أ لن يكفيكم"، الإمداد من المد و هو إيصال المدد على نعت الاتصال.

قوله تعالى: "بلى أن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا"، بلى كلمة تصديق و الفور و الفوران: الغليان يقال: فار القدر إذا غلا و جاش، ثم استعير للسرعة و العجلة فاستعمل في الأمر الذي لا ريث فيه و لا مهلة فمعنى من فورهم هذا من ساعتهم هذه.

و الظاهر أن مصداق الآية هو يوم بدر، و إنما هو وعد على الشرط و هو ما يتضمنه قوله: إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا.

و أما ما يظهر من بعض المفسرين أنه وعد بإنزال الملائكة إن جاءوهم بعد فورهم هذا يعني يوم بدر بأن يكون المراد من فورهم هذا هو يوم بدر لا في يوم بدر، و كذا ما يظهر من بعض آخر أنه وعد بإنزالهم في سائر الغزوات بعد بدر كأحد و حنين و الأحزاب فمما لا دليل عليه من لفظ الآية.

أما يوم أحد فلا محل لاستفادة نزول الملائكة فيه من الآيات و هو ظاهر، و أما يوم الأحزاب و يوم حنين فالقرآن و إن كان يصرح بنزول الملائكة فيهما فقد قال في قصة الأحزاب: إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها: "الأحزاب: - 9" و قال: و يوم حنين "إلى أن قال": و أنزل جنودا لم تروها: "التوبة: - 26" إلا أن لفظ هذه الآية: بلى أن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا، قاصر عن إفادة عموم الوعد.

و أما نزول ثلاثة آلاف يوم بدر فلا ينافي قوله تعالى في سورة الأنفال: فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين: "الأنفال: - 9" لمكان قوله: مردفين أي متبعين لآخرين و هم الألفان الباقيان المكملان للعدد على ما ذكر في هذه الآيات.

قوله تعالى: "و ما جعله الله إلا بشرى لكم"، الضمير راجع إلى الإمداد، و لفظة عند ظرف يفيد معنى الحضور، و قد كان أولا مستعملا في القرب و الحضور المكاني المختص بالأجسام ثم توسع فاستعمل في القرب الزماني ثم في مطلق القرب و الحضور المعنوي كيفما كان، و قد استعمل في القرآن في مختلف الفنون.

و الذي يفيده في هذا المقام أعني قوله: و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم بالنظر إلى ما سبقه من قوله: و ما جعله الله إلا بشرى لكم و لتطمئن قلوبكم به هو المقام الربوبي الذي ينتهي إليه كل أمر و حكم، و لا يكفي عنه و لا يستقل دونه شيء من الأسباب، فالمعنى: أن الملائكة الممدين ليس لهم من أمر النصر شيء بل هم أسباب ظاهرية يجلبون لكم البشرى و طمأنينة القلب، و إنما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغني عنه شيء، و هو الله الذي ينتهي إليه كل أمر، العزيز الذي لا يغلب، الحكيم الذي لا يجهل.

قوله تعالى: "ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم" إلى آخر الآيات، اللام متعلق بقوله: و لقد نصركم الله، و قطع الطرف كناية عن تقليل عدتهم و تضعيف قوتهم بالقتل و الأسر كما وقع يوم بدر فقتل من المشركين سبعون و أسر سبعون، و الكبت هو الإخزاء و الإغاظة.



و قوله: ليس لك من الأمر شيء معترضة، و فائدتها بيان أن الأمر في القطع و الكبت لله، و ليس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه صنع حتى يمدحوه و يستحسنوا تدبيره إذا ظفروا على عدوهم و نالوا منه، و يلوموه و يوبخوه إذا دارت الدائرة عليهم و يهنوا و يحزنوا كما كان ذلك منهم يوم أحد على ما حكاه الله تعالى.

و قوله: أو يتوب عليهم معطوف على قوله: يقطع، و الكلام متصل، و قوله: و لله ما في السموات و ما في الأرض، بيان لرجوع أمر التوبة و المغفرة إلى الله تعالى، و المعنى: أن هذا التدبير المتقن منه تعالى إنما هو ليقطع طرفا من المشركين بالقتل و الأسر أو ليخزيهم و يخيبهم في سعيهم أو ليتوب عليهم أو ليعذبهم، أما القطع و الكبت فلأن الأمر إليه لا إليك حتى تمدح أو تذم، و أما التوبة و العذاب فلأن الله هو المالك لكل شيء فيغفر لمن يشاء، و يعذب من يشاء، و مع ذلك فإن مغفرته و رحمته تسبقان عذابه و غضبه فهو الغفور الرحيم.

و إنما أخذنا قوله: و لله ما في السموات و ما في الأرض، في موضع التعليل للفقرتين الأخيرتين أعني قوله: أو يتوب اه، لما في ذيله من اختصاص البيان بهما أعني قوله: يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء.

و قد ذكر المفسرون وجوها أخر في اتصال قوله: ليقطع طرفا، و في معنى العطف في قوله: أو يتوب عليهم أو يعذبهم، و كذا في ما يعلله قوله: ليس لك من الأمر شيء، و ما يعلله قوله: و لله ما في السموات و ما في الأرض، أغمضنا عن التعرض لها و البحث عنها لقلة الجدوى فيها لمخالفتها ما يفيده ظاهر الآيات بسياقها الجاري، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع مطولات التفاسير.

بحث روايي

في المجمع،: عن الصادق (عليه السلام) أنه قال كان سبب غزوة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر، لأنه قتل منهم سبعون و أسر سبعون قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم تبكين على قتلاكم فإن الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن و العداوة لمحمد فلما غزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد أذنوا لنسائهم في البكاء و النوح، و خرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل و أخرجوا معهم النساء. فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك جمع أصحابه و حثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي بن سلول: يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف و المرأة و العبد و الأمة على أفواه السكك و على السطوح فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دورنا، و ما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا كان الظفر لهم علينا. فقام سعد بن معاذ و غيره من الأوس فقالوا: يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطمعون فينا و أنت فينا؟ لا حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا، و من نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله. فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيه، و خرج مع نفر من أصحابه يتبوءون موضع القتال كما قال تعالى: و إذ غدوت من أهلك الآية و قعد عنه عبد الله بن أبي بن سلول، و جماعة من الخزرج اتبعوا رأيه. و وافت قريش إلى أحد و كان رسول الله عبأ أصحابه و كانوا سبعمائة رجل و وضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب، و أشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان، فقال لعبد الله بن جبير و أصحابه: إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان، و إن رأيتموهم هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا و الزموا مراكزكم. و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، و قال: إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم. و عبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه، و دفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و حمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، و وضع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سوادهم و انحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع، و نظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير: قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة؟ فقال لهم عبد الله: اتقوا الله فإن رسول الله قد تقدم إلينا أن لا نبرح، فلم يقبلوا منه، و أقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، و بقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا. و كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدي من بني عبد الدار فقتله علي، و أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي و سقطت الراية فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي حتى قتل تسعة نفر من بني عبد الدار حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب فانتهى إليه علي فقطع يده اليمنى فأخذ اللواء باليسرى فضرب يسراه فقطعها فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره، ثم التفت إلى أبي سفيان فقال: هل عذرت في بني عبد الدار؟ فضربه علي على رأسه فقتله، و سقط اللواء فأخذتها غمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها. و انحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير و قد فر أصحابه و بقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب ثم أتى المسلمين من أدبارهم، و نظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها، و انهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هزيمة عظيمة، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كل وجه. فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال: إلي أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله و عن رسوله؟ و كانت هند بنت عتبة في وسط العسكر فكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا و مكحلة، و قالت: إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا. و كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد، و كانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك كذا و كذا، و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا فقال وحشي: أما محمد فلم أقدر عليه، و أما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطىء على جرف نهر فسقط، و أخذت حربتي فهززتها و رميته بها فوقعت في خاصرته و خرجت من ثنته فسقط فأتيته فشققت بطنه، و أخذت كبده، و جئت به إلى هند فقلت هذه كبد حمزة، فأخذتها في فمها فلاكتها فجعله الله في فمها مثل الداعضة و هي عظم رأس الركبة فلفظتها و رمت بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فبعث الله ملكا فحمله و رده إلى موضعه قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره، و قطعت أذنيه، و قطعت يده و رجله و لم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أبو دجانة سماك بن خرشة و علي، فكلما حملت طائفة على رسول الله استقبلهم علي فدفعهم عنه حتى تقطع سيفه فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه ذا الفقار، و انحاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ناحية أحد فوقف فلم يزل علي (عليه السلام) يقاتلهم حتى أصابه في رأسه و وجهه و بدنه و بطنه و رجليه سبعون جراحة، كذا أورده علي بن إبراهيم في تفسيره فقال جبرائيل: إن هذه لهي المواساة يا محمد، فقال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه مني و أنا منه فقال جبرائيل: و أنا منكما. قال أبو عبد الله: نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جبرائيل بين السماء و الأرض على كرسي من ذهب و هو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي.



و في رواية القمي و بقيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسيبة بنت كعب المازنية و كانت تخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزواته تداوي الجرحى و كان ابنها معها فأراد أن ينهزم و يتراجع فحملت عليه و قالت: يا بني إلى أين تفر عن الله و عن رسوله، فردته فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بارك الله فيك يا نسيبة، و كانت تقي رسول الله بصدرها و ثدييها حتى أصابتها جراحات كثيرة. و حمل ابن قمئة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال: أروني محمدا لا نجوت إن نجا، فضربه على حبل عاتقه، و نادى: قتلت محمدا و اللات و العزى.

أقول: و في القصة روايات أخر ربما تخالف هذه الرواية في بعض فقراتها.

منها: ما في هذه الرواية أن عدة المشركين كانت خمسة آلاف فإن غالب الروايات أنهم كانوا ثلاثة آلاف رجل.

و منها: ما فيها أن عليا (عليه السلام) قتل حاملي الراية و هم تسعة و يوافقها فيه روايات أخر، و رواه ابن الأثير في الكامل عن أبي رافع، و بقية الروايات تنسب قتل بعضهم إلى غيره (عليه السلام) و التدبر في القصة يؤيد ما في هذه الرواية.

و منها: ما فيها أن هندا أعطت وحشيا عهدا في قتل حمزة فإن ما روته أهل السنة أن الذي أعطاه العهد مولاه جبير بن مطعم وعده تحريره على الشرط، و إتيانه بكبد حمزة إلى هند دون جبير يؤيد ما في هذه الرواية.

و منها: ما فيها أن جميع المسلمين تفرقوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا علي و أبو دجانة و هو الذي اتفقت عليه الروايات، و في بعضها ذكر لغيرهما حتى أنهي من ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ثلاثين رجلا لكن هذه الروايات ينفي بعضها ما في بعض، و عليك بالتدبر في أصل القصة و القرائن التي تبين الأحوال حتى يخلص لك الحق، فإن هذه القصص و الروايات شهدت مواقف موافقة و مخالفة و مرت بأجواء نيرة و مظلمة حتى انتهت إلينا.

و منها: ما فيها أن الله بعث ملكا فحمل كبد حمزة فرده إلى موضعه، و ليس في غالب الروايات، و في بعضها كما في الدر المنثور عن ابن أبي شيبة و أحمد و ابن المنذر عن ابن مسعود في حديث قال: ثم قال أبو سفيان: قد كان في القوم مثلة و إن كانت لمن غير ملإ منا ما أمرت و لا نهيت، و لا أحببت و لا كرهت، و لا ساءني و لا سرني، : قال فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، و أخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أ أكلت شيئا؟ قالوا: لا قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار، الحديث.

و في روايات أصحابنا و غيرهم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصيب يومئذ بشجة في جبهته، و كسرت رباعيته: و اشتكت ثنيته رواه مغيرة.

و في الدر المنثور، أخرج ابن إسحاق، و عبد بن حميد، و ابن جرير، و ابن المنذر عن ابن شهاب، و محمد بن يحيى بن حيان، و عاصم بن عمرو بن قتادة، و الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، و غيرهم كل قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد.

قالوا: لما أصيب قريش أو من ناله منهم يوم بدر من كفار قريش و رجع فلهم إلى مكة، و رجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم و أبناؤهم و إخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب و من كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب، ففعلوا فأجمعت قريش لحرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خرجت بجدتها و جديدها، و خرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة و لئلا يفروا، و خرج أبو سفيان و هو قائد الناس فأقبلوا حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السنجة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة.

فلما سمع بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمون بالمشركين قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني رأيت بقرا تنحر، و رأيت في ذباب سيفي ثلما، و رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا المدينة و تدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، و إن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها.

و نزلت قريش منزلها أحدا يوم الأربعاء فأقاموا ذلك اليوم و يوم الخميس و يوم الجمعة، و راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث.

و كان رأي عبد الله بن أبي مع رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى رأيه في ذلك أن لا يخرج إليهم، و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكره الخروج من المدينة فقال رجال من المسلمين - ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد و غيرهم ممن كان فاته يوم بدر و حضوره -: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم و ضعفنا فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله أقم بالمدينة فلا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، و لا دخلها علينا إلا أصبنا منهم فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر، و إن دخلوا قاتلهم النساء و الصبيان و الرجال بالحجارة من فوقهم، و إن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا، و لم يزل الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلبس لأمته، و ذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة ثم خرج عليهم و قد ندم الناس، و قالوا: استكرهنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل.

فخرج رسول الله في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة و أحد تحول عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس، و مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب ذباب سيفه فاستله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - و كان يحب الفال و لا يعتاف - لصاحب السيف: شم سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم، و مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزل بالشعب من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره و عسكره إلى أحد، و تعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للقتال و هو في سبعمائة رجل.



و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرماة عبد الله بن جبير - و الرماة خمسون رجلا - فقال: انضح عنا الجبل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كان علينا أو لنا فأنت مكانك لنؤتين من قبلك، و ظاهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين درعين.

و في الدر المنثور، أيضا عن ابن جرير عن السدي في حديث: و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أحد في ألف رجل، و قد وعدهم الفتح أن يصبروا فرجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه، و قالوا له: ما نعلم قتالا و لئن أطعتنا لترجعن معنا. و قال: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، و هم بنو سلمة و بنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله، و بقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبعمائة.

أقول: بنو سلمة و بنو حارثة حيان من الأنصار فبنو سلمة من الخزرج و بنو حارثة من الأوس.

و في المجمع،: روى ابن أبي إسحاق و السدي و الواقدي و ابن جرير و غيرهم و قالوا: كان المشركون نزلوا بأحد يوم الأربعاء في شوال سنة ثلاث من الهجرة، و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم يوم الجمعة، و كان القتال يوم السبت النصف من الشهر، و كسرت رباعية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و شج في وجهه ثم رجع المهاجرون و الأنصار بعد الهزيمة و قد قتل من المسلمين سبعون، و شد رسول الله بمن معه حتى كشفهم، و كان المشركون مثلوا بجماعة، و كان حمزة أعظم مثلة.

أقول: الروايات في قصة أحد كثيرة جدا و لم نرو من بينها فيما تقدم و يأتي إلا النزر اليسير الذي يتوقف عليها فهم معاني الآيات النازلة فيها، فالآيات في شأن القصة أقسام: فمنها: ما تتعرض لفشل من فشل من القوم و تنازع أو هم أن يفشل يومئذ.

و منها: ما نزل و لحنه العتاب و اللوم على من انهزم و انكشف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد كان الله حرم عليهم ذلك.

و منها: ما يتضمن الثناء على من استشهد قبل انهزام الناس، و من ثبت و لم ينهزم و قاتل حتى قتل.

و منها: ما يشتمل على الثناء الجميل على من ثبت إلى آخر الغزوة و قاتل و لم يقتل.

3 سورة آل عمران - 130 - 138

يَأَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لا تَأْكلُوا الرِّبَوا أَضعَفاً مّضعَفَةً وَ اتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَ اتّقُوا النّارَ الّتى أُعِدّت لِلْكَفِرِينَ (131) وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ الرّسولَ لَعَلّكمْ تُرْحَمُونَ (132) * وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِّن رّبِّكمْ وَ جَنّةٍ عَرْضهَا السمَوَت وَ الأَرْض أُعِدّت لِلْمُتّقِينَ (133) الّذِينَ يُنفِقُونَ فى السرّاءِ وَ الضرّاءِ وَ الْكظِمِينَ الْغَيْظ وَ الْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يحِب الْمُحْسِنِينَ (134) وَ الّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَحِشةً أَوْ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاستَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَن يَغْفِرُ الذّنُوب إِلا اللّهُ وَ لَمْ يُصرّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئك جَزَاؤُهُم مّغْفِرَةٌ مِّن رّبِّهِمْ وَ جَنّتٌ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ (136) قَدْ خَلَت مِن قَبْلِكُمْ سنَنٌ فَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَانظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنّاسِ وَ هُدًى وَ مَوْعِظةٌ لِّلْمُتّقِينَ (138)

بيان


آيات داعية إلى الخير، زاجرة عن الشر و السوء، و هي مع ذلك لا تفقد الاتصال بما قبلها و لا ما بعدها من الآيات الشارحة لقصة غزوة أحد، و بيان ما كان في المؤمنين يومئذ من مساوىء الحالات و الخصال المذمومة التي لا يرتضيها الله سبحانه، و هي الموجبة لما دب فيهم من الوهن و الضعف و معصية الله و رسوله، فالآيات من تتمة الآيات النازلة في غزوة أحد.

ثم هدايتهم إلى ما يأمنون به الوقوع في هذه الورطات المهلكة، و العقبات المردية و دعوتهم إلى تقوى الله و الثقة به و الثبات على طاعة الرسول، فهذه الآيات التسع خاصة فيها ترغيب و تحذير، فهي ترغب المؤمنين على المسارعة إلى الخير و هي الإنفاق في سبيل الله في السراء و الضراء، و كظم الغيظ و العفو عن الناس، و يجمعها بث الإحسان و الخير في المجتمع، و الصبر على تحمل الأذى و السوء، و الصفح عن الإساءة قبالة الإساءة، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تستحفظ بها حياة المجمتع و يشد بها عظمه فيقوم على ساق، و من لوازم هذا الإنفاق و الإحسان ترك الربا و لذلك بدأ به، و هو كالتوطئة للدعوة إلى الإحسان و الإنفاق، فقد مر في آيات الإنفاق و الربا من سورة البقرة أن الإنفاق بجميع طرقه من أعظم ما يعتمد عليه بنية المجتمع، و أنه الذي ينفخ روح الوحدة في المجتمع الإنساني فتتحد به قواه المتفرقة فتنال بذلك سعادته في الحياة، و يقوى به على دفع كل آفة مهلكة أو موذية تقصده، و إن الربا من أعظم ما يضاد الإنفاق في خاصته هذه.

فهذا ما يرغبهم الله فيه ثم يرغبهم في أن لا ينقطعوا عن ربهم بقواطع الذنوب و المعاصي فإن أتوا بما لا يرضاه لهم ربهم تداركوه بالتوبة و الرجوع إليه ثانيا و ثالثا من غير أن يكسلوا أو يتوانوا، و بهذين الأمرين يستقيم سيرهم في صراط الحياة السعيدة فلا يضلون و لا يقفون فيهلكوا.

و هذا البيان كما ترى أحسن طريق يهدي به الإنسان إلى تكميل نفسه بعد ظهور النقص و أجود سبيل في علاج الرذائل النفسانية التي ربما دبت في النفوس المحلاة بالفضائل فأورثت السفال و السقوط و هددت بالهلكة و الردى.

تعليم القرآن و قرانه العلم بالعمل

و هذا من دأب القرآن في تعليمه الإلهي إذ لم يزل يجعل في مدة نزولها - و هي ثلاث و عشرون سنة - لكليات تعاليمه مواد أولية حتى إذا عمل بشيء منها أخذ صورة العمل الواقع مادة لتعليمهم ثانيا فألقاها إليهم بعد إصلاح الفاسد من أجزائه و تركيبه بالصحيح الباقي، و ذم الفاسد، و الثناء على الصحيح المستقيم و الوعد الجميل و الشكر الجزيل لفاعله، فكتاب الله العزيز كتاب علم و عمل لا كتاب فرض و تقدير، و لا كتاب تعمية و تقليد.

فمثله مثل المعلم يلقي إلى تلامذته الكليات العلمية في أوجز بيان و أقصر لفظ و يأمرهم بالعمل بها ثم يأخذ ما عملوه ثانيا و يحلله إلى أوائل أجزائه من صحيح و فاسد فيبين لهم موارد النقص و القصور مشفعة بالعظة و الوعيد، و يمدح موارد الاستقامة و الصحة و يقارنها بالوعد و الشكر و يأمرهم بالعمل ثانيا، و هذا فعاله حتى يكملوا في فنهم و يسعدوا في جدهم.

و هذا الذي ذكرناه من الحقائق القرآنية اللائحة للمتدبر الدقيق في بادىء مرة فتراه سبحانه ينزل كليات الجهاد مثلا في آياته بادىء مرة: كتب عليكم القتال الآيات: "البقرة" 216 و يأمر المؤمنين به فيها ثم يأخذ قصة بدر ثانيا و يأمرهم بما يبين لهم فيها ثم قصة أحد ثم قصة أخرى و هكذا، و تراه سبحانه يقص قصص السابقين من الأنبياء و أممهم ثم يجعلها بعد إصلاحها و بيان وجه الحق فيها عبرة للاحقين و دستورا لعملهم و هكذا، و قد نزل في هذه الآيات من هذا القبيل قوله: فسيروا في الأرض الآية، و قوله: و كأين من نبي الآيات.

قوله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا" إلى آخر الآيات الثلاث قد مر سابقا وجه إطلاق الأكل و إرادة الأخذ، و قوله: أضعافا مضاعفة يشير إلى الوصف الغالب في الربا فإنه بحسب الطبع يتضاعف فيصير المال أضعافا مضاعفة بإنفاد مال الغير و ضمه إلى رأس المال الربوي.

و في قوله: و اتقوا النار التي أعدت للكافرين، إشارة إلى كفر آكل الربا كما مر في سورة البقرة في آيات الربا: و الله لا يحب كل كفار أثيم: "البقرة: 276".

قوله تعالى: "سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة"، المسارعة هي الاشتداد في السرعة و هي ممدوحة في الخيرات، و مذمومة في الشرور.

و قد قورن في القرآن الكريم المغفرة بالجنة في غالب الموارد، و ليس إلا لأن الجنة دار طهارة لا يدخل فيها قذارات المعاصي و الذنوب و أدرانها، و لا من تقذر بها إلا بعد المغفرة و الإزالة.

و المغفرة و الجنة المذكورتان في هذه الآية تحاذيان ما في الآيتين التاليتين، أما المغفرة فتحاذي ما في قوله: و الذين إذا فعلوا فاحشة، و أما الجنة فتحاذي ما في قوله: الذين ينفقون في السراء و الضراء.

و أما قوله: جنة عرضها السموات و الأرض، فالمراد بالعرض السعة و هو استعمال شائع، و كان التعبير كناية عن بلوغها في السعة غايتها أو ما لا يحدها الوهم البشري، و له معنى آخر سنشير إليه في البحث الروائي الآتي.

و قوله: أعدت للمتقين كالتوطئة لذكر ما يذكره بعد من أوصاف المتقين، فإن الغرض هو بيان الأوصاف التي ترتبط بحال المؤمنين في المقام أعني عند نزول هذه الآيات و قد نزلت بعد غزوة أحد و قد جرى عليهم و منهم ما جرى من الضعف و الوهن و المخالفة، و هم مع ذلك مشرفون على غزوات أخر مثلها، و حوادث تشابهها، و بهم حاجة إلى الاتحاد و الاتفاق و التلاؤم.

قوله تعالى: "الذين ينفقون في السراء و الضراء" إلى آخر الآية السراء و الضراء ما يسر الإنسان و ما يسوؤه أو اليسر و العسر، و الكظم في الأصل هو شد رأس القربة بعد ملئها فاستعير للإنسان إذا امتلأ حزنا أو غضبا، و الغيظ هيجان الطبع للانتقام بمشاهدة كثرة ما لا يرتضيه، بخلاف الغضب فهو إرادة الانتقام أو المجازاة، و لذلك يقال: غضب الله و لا يقال: اغتاظ.

و في قوله: و الله يحب المحسنين، إشارة إلى أن ما ذكره من الأوصاف معرف لهم، و إنما هو معرف للمحسنين في جنب الناس بالإحسان إليهم، و أما في جنب الله فمعرفهم ما في قوله تعالى: و بشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون الآيات: "الأحقاف: 13" بل هذا الإحسان المذكور في هذه الآيات هو المحتد للمذكور في قوله: الذين ينفقون في السراء و الضراء، الآية فإن الإنفاق و نحوه إذا لم يكن لوجه الله لم يكن له منزلة عند الله سبحانه على ما يدل عليه قوله تعالى فيما سبق من الآيات: مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الآية و غيره.

و يدل على ما ذكرناه قوله تعالى: "و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين": العنكبوت - 69، فإن هذا الجهاد هو بذل الجهد و لا يكون إلا فيما يخالف هوى النفس و مقتضى الطبع، و لا يكون إلا إذا كان عندهم إيمان بأمور يقتضي الجري على مقتضاها، و الثبات عليها مقاومة بإزاء ما يحبه طبع الإنسان و تشتهيه نفسه، و لازمه بحسب القول و الاعتقاد أن يكونوا قائلين ربنا الله و هم مستقيمون عليه، و بحسب العمل أن يقيموا هذا القول بالجهاد في عبادة الله فيما بينهم و بين الله، و بالإنفاق و حسن العشرة فيما بينهم و بين الناس، فتحصل مما ذكرنا أن الإحسان إتيان الأعمال على وجه الحسن من جهة الاستقامة و الثبات على الإيمان بالله سبحانه.

قوله تعالى: الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم" إلى قوله: "و نعم أجر العاملين" الفاحشة ما تتضمن الفحش و القبيح من الأفعال، و شاع استعماله في الزنا، فالمراد بالظلم بقرينة المقابلة سائر المعاصي الكبيرة و الصغيرة، أو خصوص الصغائر على تقدير أن يراد بالفاحشة المنكر من المعاصي و هي الكبائر، و في قوله: ذكروا الله إلخ دلالة على أن الملاك في الاستغفار أن يدعو إليه ذكر الله تعالى دون مجرد التلفظ باعتياد و نحوه، و قوله: و من يغفر الذنوب إلا الله تشويق و إيقاظ لقريحة اللواذ و الالتجاء في الإنسان.



و قوله: و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون، إنما قيد به الاستغفار لأنه يورث في النفس هيئة لا ينفع معه ذكر مقام الرب تعالى و هي الاستهانة بأمر الله، و عدم المبالاة بهتك حرماته، و الاستكبار عليه تعالى، و لا تبقى معه عبودية و لا ينفع معه ذكر، و لذلك بعينه قيده بقوله: و هم يعلمون، و هذه قرينة على كون الظلم في صدر الآية يشمل الصغائر أيضا، و ذلك أن الإصرار على الذنب يستوجب الاستهانة بأمر الله و التحقير لمقامه سواء كان الذنب المذكور من الصغائر أو الكبائر، فقوله: ما فعلوا أعم من الكبيرة، و المراد بما فعلوا هو الذي ذكر في صدر الآية، و إذ ليست الصغيرة فاحشة فهو ظلم النفس لا محالة.

و قوله: أولئك جزاؤهم مغفره بيان لأجرهم الجزيل، و ما ذكره تعالى في هذه الآية هو عين ما أمر بالمسارعة إليه في قوله: و سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة إلخ و من ذلك يعلم أن الأمر إنما كان بالمسارعة إلى الإنفاق و كظم الغيظ و العفو عن الناس و الاستغفار.

قوله تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا"، السنن جمع سنة و هي الطريقة المسلوكة في المجتمع، و الأمر بالسير في الأرض لمكان الاعتبار بآثار الماضين من الأمم الغابرة، و الملوك و الفراعنة الطاغية حيث لم ينفعهم شواهق قصورهم، و لا ذخائر كنوزهم، و لا عروشهم و لا جموعهم، و قد جعلهم الله أحاديث يعتبر بها المعتبرون، و يتفكه بها المغفلون.

و أما حفظ آثارهم و كلاءة تماثيلهم و الجهد في الكشف عن عظمتهم و مجدهم الظاهر الدنيوي الذي في أيامهم فمما لا يعتني به القرآن، فإنما هي الوثنية التي لا تزال تظهر كل حين في لباس، و سنبحث إن شاء الله في هذا المعنى في بحث مستقل نحلل فيه معنى الوثنية.

قوله تعالى: "هذا بيان للناس" الآية التقسيم باعتبار التأثير فهو بلاغ و إبانة لبعض و هدى و موعظة لآخرين.

بحث روايي

في المجمع،: في قوله تعالى: جنة عرضها السموات و الأرض،: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل إذا كانت الجنة عرضها السماوات و الأرض فأين تكون النار؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل؟ أقول: و رواه السيوطي في الدر المنثور، عن التنوخي في كتاب جاء به من هرقل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأله عن هذه الآية فأجاب عنها بذلك، و رواه أيضا بطريق آخر عن أبي هريرة: أن رجلا سأله عن ذلك فأجاب بذلك.

و ما فسر كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن المراد كون النار في علم الله تعالى - كما أن الليل عند مجيء النهار في علم الله تعالى - فإن أريد أن النار لا يعزب عن علمه تعالى فمن المعلوم أن هذا الجواب لا يدفع الإشكال فإن السؤال إنما هو عن مكان النار لا عن علم الله تعالى بها، و إن أريد أن من الممكن أن يكون هناك مكان آخر وراء السماوات و الأرض تكون النار متمكنة فيها فهو و إن لم يكن مستبعدا في نفسه لكن مقايسة الجنة و النار بالنهار و الليل حينئذ لا تكون في محلها، فإن الليل لا يخرج عن حيطة السماوات و الأرض عند مجيء النهار فالحق أنه تفسير غير مرضي.

و أظن أن الرواية ناظرة إلى معنى آخر و توضيحه: أن الآخرة بنعيمها و جحيمها و إن كانت مشابهة للدنيا و لذائذها و آلامها و كذلك الإنسان الحال فيها و إن كان هو الإنسان الذي في الدنيا بعينه على ما هو مقتضى ظواهر الكتاب و السنة غير أن النظام الحاكم في الآخرة غير النظام الحاكم في الدنيا، فإنما الآخرة دار أبدية و بقاء، و الدنيا دار زوال و فناء، و لذلك كان الإنسان يأكل و يشرب و ينكح و يتمتع في الجنة فلا يعرضه ما يعرض هذه الأفعال في الدنيا، و كذلك الإنسان يحترق بنار الجحيم، و يقاسي الآلام و المصائب في مأكله و مشربه و مسكنه و قرينه في النار و لا يطرأ عليه ما يطرأ عليه معها و هو في الدنيا، و يعمر عمر الأبد و لا يؤثر فيه ذلك كهولة أو شيبا أو هرما و هكذا، و ليس إلا أن العوارض و الطواري المذكورة من لوازم النظام الدنيوي دون مطلق النظام الأعم منه و من النظام الأخروي، فالدنيا دار التزاحم و التمانع دون الآخرة.

و مما يدل عليه أن الذي نجده في ظرف مشاهدتنا من الحوادث الواقعة يغيب عنا إذا شاهدنا غيره ثانيا كحوادث الأمس و حوادث اليوم، و الليل و النهار و غير ذلك، و أما الله سبحانه فلا يغيب عنه هذا الذي نشاهده أولا و يغيب عنا ثانيا و لا الذي نجده بعده و لا مزاحمة بينهما، فالليل و النهار و كذا الحوادث المقارنة لهما متزاحمات متمانعات بحسب نظام المادة و الحركة، و هي بعينها لا تتزاحم و لا تتمانع بحسب نظام آخر، و يستفاد ذلك من قوله تعالى: أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا: "الفرقان: - 46".

و إذا أمكن ذلك في مثل الليل و النهار و هما متزاحمان جاز في السماوات و الأرض أن تسع ما يساويهما سعة، و تسع مع ذلك شيئا آخر يساويه مقدارا كالجنة و النار مثلا لكن لا بحسب نظام هذه الدار بل بحسب نظام الآخرة، و لهذا نظائر في الأخبار كما ورد: أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، و ما ورد: أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره.

فعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل؟ لظهور أن لو كان المراد أن الله سبحانه لا يجهل الليل إذا علم بالنهار لم يرتبط بالسؤال، و كذا لو كان المراد أن الليل يبقى في الخارج مع مجيء النهار اعترض عليه السائل بأن الليل يبطل مع وجود النهار إذا قيسا إلى محل واحد من مناطق الأرض، و إن اعتبرا من حيث نفسهما فالليل بحسب الحقيقة ظل مخروط حادث من إنارة الشمس، و هو يدور حول الكرة الأرضية بحسب الحركة اليومية فالليل و النهار سائران حول الأرض دائما من غير بطلان و لا عينيه.

و للرواية نظائر بين الروايات كما ورد في تفسير قوله تعالى: ليميز الله الخبيث من الطيب: الأنفال - 37، من قوله (عليه السلام): إذا غابت الشمس فأين يصير هذا الشعاع المنبسط على الأرض؟ الحديث، و سيجيء البحث عنها.

و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس الآية: أخرج البيهقي عن علي بن الحسين أن جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها، فقالت: إن الله يقول: و الكاظمين الغيظ، قال: قد كظمت غيظي، قالت: و العافين عن الناس، قال: قد عفا الله عنك، قالت و الله يحب المحسنين، قال: اذهبي فأنت حرة.

أقول: و هو مروي من طرق الشيعة أيضا، و ظاهر الرواية أنه (عليه السلام) يفسر الإحسان بما يزيد على هذه الصفات و هو كذلك بحسب إطلاق مفهومه غير أن الصفات المذكورة قبله من لوازم معناه فمن الممكن أن يعرف بها الإحسان.

و اعلم أن هناك روايات كثيرة جدا في حسن الخلق و سائر الأخلاق الفاضلة كالإنفاق و الكظم و العفو و نحوها واردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أخرنا إيرادها إلى محل آخر أنسب لها.

و في المجالس، عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي: أن قوله تعالى: و الذين إذا فعلوا فاحشة "إلخ" نزل في بهلول النباش، و كان ينبش القبور فنبش قبر واحدة من بنات الأنصار فأخرجها و نزع أكفانها و كانت بيضاء جميلة فسول له الشيطان فزنى بها ثم ندم فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرده، ثم اعتزل الناس و انقطع عنهم يتعبد و يتبتل في بعض جبال المدينة حتى قبل الله توبته و نزل فيه القرآن.

أقول: و الرواية مفصلة نقلناها ملخصة، و لو صحت الرواية لكانت سببا آخر لنزول الآية غير السبب الواحد الشامل لمجموع آيات القصة.

و في تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: و لم يصروا على ما فعلوا الآية قال: الإصرار أن يذنب المذنب فلا يستغفر الله و لا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قال إبليس: يا رب و عزتك لا أزال أغوي بني آدم ما كانت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله: و عزتي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.



و في الكافي، عن الصادق (عليه السلام): لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار.

و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال و في كتاب الله نجاة من الردى، و بصيرة من العمى، و شفاء لما في الصدور فيما أمركم الله به من الاستغفار و التوبة قال الله: و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم - ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله - و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون، و قال: و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه - ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، فهذا ما أمر الله به من الاستغفار، و اشترط معه التوبة و الإقلاع عما حرم الله فإنه يقول: إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه، و بهذه الآية يستدل أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلا العمل الصالح و التوبة.

أقول: قد استفاد (عليه السلام) الإقلاع و عدم العود بعد التوبة من نفي الإصرار، و كذا احتياج التوبة و الاستغفار إلى صالح العمل بعده من عموم الكلم الطيب في قوله: إليه يصعد الكلم الطيب الآية.

و في المجالس، عن الصادق (عليه السلام) قال لما نزلت هذه الآية: و الذين إذا فعلوا فاحشة، صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا له: يا سيدنا لم تدعونا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا فقال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذاك فقال: لست لها، فقال الوسواس الخناس: أنا لها قال: بما ذا؟ قال أعدهم و أمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوها أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة.

أقول: و الرواية مروية من طرق أهل السنة أيضا.

3 سورة آل عمران - 139 - 148

وَ لا تَهِنُوا وَ لا تحْزَنُوا وَ أَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسسكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَس الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَ تِلْك الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ يَتّخِذَ مِنكُمْ شهَدَاءَ وَ اللّهُ لا يحِب الظلِمِينَ (140) وَ لِيُمَحِّص اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكَفِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَ يَعْلَمَ الصبرِينَ (142) وَ لَقَدْ كُنتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْت مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنتُمْ تَنظرُونَ (143) وَ مَا محَمّدٌ إِلا رَسولٌ قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهِ الرّسلُ أَ فَإِين مّات أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرّ اللّهَ شيْئاً وَ سيَجْزِى اللّهُ الشكرِينَ (144) وَ مَا كانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوت إِلا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَباً مّؤَجّلاً وَ مَن يُرِدْ ثَوَاب الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنهَا وَ مَن يُرِدْ ثَوَاب الاَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنهَا وَ سنَجْزِى الشكِرِينَ (145) وَ كَأَيِّن مِّن نّبىٍّ قَتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصابهُمْ فى سبِيلِ اللّهِ وَ مَا ضعُفُوا وَ مَا استَكانُوا وَ اللّهُ يحِب الصبرِينَ (146) وَ مَا كانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَن قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ إِسرَافَنَا فى أَمْرِنَا وَ ثَبِّت أَقْدَامَنَا وَ انْصرْنَا عَلى الْقَوْمِ الْكفِرِينَ (147) فَئَاتَاهُمُ اللّهُ ثَوَاب الدّنْيَا وَ حُسنَ ثَوَابِ الاَخِرَةِ وَ اللّهُ يحِب المُْحْسِنِينَ (148)

بيان


الآيات كما ترى تتمة للآيات السابقة المبتدئة بقوله: يا أيها الذين ءامنوا، كما أن الآيات السابقة بأوامرها و نواهيها توطئة لهذه الآيات التي تشتمل على أصل المقصود من أمر و نهي و ثناء و توبيخ.

قوله تعالى: "و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" الوهن: هو الضعف في خلق أو خلق على ما ذكره الراغب، و المراد به هنا ضعفهم من حيث العزيمة و الاهتمام على إقامة الدين و قتال أعدائه، و الحزن خلاف الفرح و إنما يعرض الإنسان بفقده شيئا يملكه مما يحبه أو أمرا يقدر نفسه مالكة له.

و في قوله تعالى: و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، دلالة على أن سبب وهنهم و حزنهم ما شاهدوه من إصابة القرح إياهم، و استعلاء الكفار عليهم، فإن المشركين و إن لم ينالوا كل الغلبة و الظفر على المؤمنين و لم تختتم الوقعة على الانهزام التام من المؤمنين لكن الذي أصاب المؤمنين كان أشد و أوجع و هو شهادة سبعين من سراتهم و شجعانهم، و وقوع ما وقع في عقر دارهم فكان هذا سبب وهنهم و حزنهم، و وقوع قوله: و أنتم الأعلون "إلخ" موقع التعليل هو الوجه في كون هذين النهيين نهيا عن وهن و حزن واقعين لا مقدرين و لا متوقعين.

و قد أطلق قوله: الأعلون من غير تقييد و لكن اشترط بالإيمان فمحصل المعنى: لا ينبغي لكم أن تهنوا في عزمكم، و لا أن تحزنوا لما فاتكم من الظفر على أعدائكم، و الانتصار منهم إن كان فيكم الإيمان، فإن الإيمان أمر يستصحب علاءكم البتة إذ هو يلازم التقوى و الصبر و فيهما ملاك الفتح و الظفر، و أما القرح الذي أصابكم فلستم بمتفردين فيه بل القوم - و هم المشركون - قد أصابهم مثله فلم يسبقوكم في شيء حتى يوجب ذلك وهنكم و حزنكم.

و اشتراط علوهم بالإيمان مع كون الخطاب للذين آمنوا إنما هو للإشارة إلى أن الجماعة و إن كانوا لا يفقدون الإيمان إلا أنهم غير عاملين بما يقتضيه من الصفات كالصبر و التقوى و إلا لأثر أثره.

و هذا حال كل جماعة مختلفة الحال في الإيمان فيهم المؤمن حقا و الضعيف إيمانا و المريض قلبا، و يكون مثل هذا الكلام تنشيطا لنفس مؤمنهم، و عظة لضعيفهم و عتابا و تأنيبا لمريضهم.

قوله تعالى: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" القرح - بفتح القاف - الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج، و القرح - بالضم - أثرها من داخل كالبثرة و نحوها - قاله الراغب - و كأنه كناية عما أصابهم يوم أحد بفرض مجموع المسلمين شخصا واحدا أصابه جراحة من عدوه و هو قتل من قتل منهم، و جراحة من جرح منهم، و فوت النصر و الفتح بعد ما أطلا عليهم.

و هذه الجملة أعني قوله: إن يمسسكم "إلخ" و ما بعدها من الجمل المتسقة إلى قوله: و يمحق الكافرين في موضع التعليل كما مر - لقوله: و لا تهنوا و لا تحزنوا اه كما أن قوله: و أنتم الأعلون تعليل آخر.

و الفرق بين النوعين من التعليل أن الأول أعني قوله: و أنتم الأعلون إلخ، تعليل من طريق التخطئة لظنهم، فإنهم إنما وهنوا و حزنوا لما ظنوا علاء المشركين عليهم فخطاهم الله بأن ملاك العلاء معكم إن كنتم مؤمنين لا مع المشركين، و قد قال تعالى: و كان حقا علينا نصر المؤمنين: "الروم: 47".

و أما الثاني فمن طريق بيان حال الفريقين - المؤمنين و المشركين - أو بيان الحكم و المصالح التي ترجع إلى أصل واحد و هو السنة الإلهية الجارية بمداولة الأيام بين الناس.

قوله تعالى: "و تلك الأيام نداولها بين الناس" اليوم هو المقدار المعتد به من الزمان اللازم لحدوث الحوادث فيختلف باختلاف الحوادث، و قد شاع استعماله فيما بين طلوع الشمس و غروبها، و ربما استعمل في الملك و السلطنة و القهر و نحوها بعلاقة الظرف و المظروف، فيقال يوم جماعة كذا و يوم آل فلان أي تقدمهم و حكومتهم على غيرهم، و قد يقال لنفس الزمان الذي وقع فيه ذلك، و المراد بالأيام في الآية هو هذا المعنى.

و المداولة جعل الشيء يتناوله واحد بعد آخر.

فالمعنى: أن السنة الإلهية جرت على مداولة الأيام بين الناس من غير أن توقف على قوم و يذب عنها قوم لمصالح عامة تتبع هذه السنة لا تحيط أفهامكم إلا ببعضها دون جميعها.



قوله تعالى: "و ليعلم الله الذين ءامنوا و يتخذ منكم شهداء" إلخ عطف على محذوف حذف للتلويح على أنه مما لا تحيط به الأفهام و لا تدركه العقول إلا من بعض جهاتها، و الذي ينفع المؤمنين العلم به هو ما ذكره بقوله: و ليعلم الله الذين ءامنوا و يتخذ منكم شهداء إلخ و بقوله: و ليمحص الله الذين ءامنوا و يمحق الكافرين.

أما قوله: و ليعلم الله الذين ءامنوا، فالمراد به ظهور إيمان المؤمنين بعد بطونه و خفائه، فإن علمه تعالى بالحوادث و الأشياء في الخارج عين وجودها فيه فإن الأشياء معلومة له تعالى بنفس وجودها لا بصورة مأخوذة منها نظير علومنا و إدراكاتنا و هو ظاهر، و لازم ذلك أن يكون إرادته تعالى العلم بشيء هي إرادة تحققه و ظهوره و حيث قال: و ليعلم الله الذين ءامنوا، فأخذ وجودهم محققا أفاد ذلك إرادة ظهور إيمانهم، و إذا كان ذلك على سنة الأسباب و المسببات لم يكن بد من وقوع أمور توجب ظهور إيمان المؤمن بعد خفائه فافهم ذلك.

و أما قوله: و يتخذ منكم شهداء، فالشهداء شهداء الأعمال و أما الشهداء بمعنى المقتولين في معركة القتال فلا يعهد استعماله في القرآن، و إنما هو من الألفاظ المستحدثة الإسلامية، كما مر في قوله تعالى: و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء: البقرة - 143، على أن قوله: و يتخذ، أيضا لا يلائم الشهداء بمعنى المقتولين في المعركة كثير ملاءمة، فلا يقال: اتخذ الله فلانا مقتولا في سبيله و شهيدا كما يقال: اتخذ الله إبراهيم خليلا، و اتخذ الله موسى كليما، و اتخذ الله النبي شهيدا يشهد على أمته يوم القيامة.

و قد غير السياق فقال: و يتخذ منكم شهداء، و لم يقل: و يتخذهم شهداء لأن الشهادة و إن أضيفت إلى الأمة في قوله: و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس: البقرة - 143، إلا أنها من قبيل وصف البعض المضاف إلى الكل، و الشهداء بعض الأمة دون كلهم، و قد مر بيان ذلك في سورة البقرة، و يمكن أن يتأيد هذا الذي ذكرناه بقوله بعده: و الله لا يحب الظالمين.

و أما قوله: "و ليمحص الله الذين ءامنوا و يمحق الكافرين" فالتمحيص هو تخليص الشيء من الشوائب الخارجة، و المحق إنفاد الشيء تدريجا و إزالته شيئا فشيئا، و هذا التمحيص من حكم مداولة الأيام و مصالحها، و هو غير العلم بالذين آمنوا الذي هو أيضا من حكم مداولة الأيام، فإن تمييز المؤمن من غير المؤمن أمر و تخليص إيمانه بعد التمييز من شوائب الكفر و النفاق و الفسوق أمر آخر، و لذلك قوبل بالمحق للكافرين، فالله سبحانه يزيل أجزاء الكفر و نحوه من المؤمن شيئا فشيئا حتى لا يبقى إلا إيمانه، فيكون خالصا لله، و يبيد أجزاء الكفر و الشرك و الكيد من الكافر شيئا فشيئا حتى لا يبقى شيء.

فهذه وجوه من الحكمة في مداولته تعالى الأيام بين الناس، و عدم استمرار الدولة بين قوم خاص، و لله الأمر كله يفعل ما يشاء، و لا يفعل إلا الأصلح الأنفع كما قال: كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض: الرعد - 17، و قال الله تعالى قبيل هذه الآيات: ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فنفى أن يكون لنبيه من الأمر شيء، و قصر الأمر في نفسه يحكم في خلقه كيف يشاء.

و هذا الكلام أعني ما يبين أن الأيام مقسومة بين الناس لغرض الامتحان و تمييز المؤمن من الكافر و تمحيص المؤمنين و محق الكافرين مع ما مر من نفي رجوع الأمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكشف عن أن المؤمنين كان يظن أكثرهم أن كونهم على دين الحق سبب تام في غلبتهم أينما غزوا و ظهورهم على الباطل كيفما كانوا، فهم يملكون الأمر لا يدفعون عن ذلك، و قد أجرأهم على هذا الحسبان ما شاهدوه يوم بدر من ظهورهم العجيب على عدوهم و نزول ملائكة النصر، و هذا ظن فاسد يوجب بطلان نظام الامتحان و التمحيص و في ذلك بطلان مصلحة الأمر و النهي و الثواب و العقاب، و يؤدي ذلك إلى انهدام أساس الدين فإنما الدين دين الفطرة غير مبني على خرق العادة الجارية و السنة الإلهية القائمة في الوجود بابتناء الغلبة و الهزيمة على أسبابهما العادية.

شرح سبحانه - بعد بيان أن الأيام دول متداولة لغرض الامتحان و الابتلاء - في ملامتهم في حسبان هذا النظر الباطل و بيان حقيقة الحال فقال: أم حسبتم إلى آخر الآيات.

قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله" إلى آخر الآيتين و هذا أعني ظنهم أن يدخلوا الجنة من غير أن يمتحنوا لازم الظن المذكور آنفا، و هو أنهم لما كانوا على الحق و الحق لا يغلب عليه فأمر الظفر و الغلبة إليهم، لن ينهزموا و لن يغلبوا أبدا، و من المعلوم أن لازم هذا الظن أن يكون كل من آمن بالنبي و لحق بجماعة المؤمنين سعيدا في دنياه بالغلبة و الغنيمة، و سعيدا في آخرته بالمغفرة و الجنة، و يبطل الفرق بين ظاهر الإيمان و حقيقته و يرتفع التمايز بين الدرجات، فإيمان المجاهد و إيمان المجاهد الصابر واحد، و من تمنى خيرا ففعله إذا حان حينه كان كمن تمنى خيرا ثم تولى إذا أصابه.



و على هذا فقوله: أم حسبتم أن تدخلوا "إلخ" من قبيل وضع المسبب موضع السبب أي حسبتم أن الدولة مكتوبة لكم فأنتم لا تبتلون بل تدخلون الجنة من غير أن يتميز المستحق لها منكم من غير المستحق، و صاحب الدرجة الرفيعة منكم من غيره؟.

و أما قوله تعالى: و لقد كنتم تمنون الموت الآية ففيه تثبيت أن ظنهم ذاك كان فاسدا فإنهم كانوا يتمنون الموت قبل حضور الغزوة حتى إذا حضرت و رأوه رأي العين لم يقدموا و لم يتناولوا ما كانوا يتمنونه، بل فشلوا و تولوا عن القتال، فهل كان من الجائز أن يدخلوا الجنة بمجرد هذا التمني من غير أن يمتحنوا أو يمحصوا؟ أو لم يكن من الواجب أن يختبروا.

و بهذا يظهر أن في الكلام تقديرا، و المعنى: فقد رأيتموه و أنتم تنظرون فلم تقدموا عليه، و يمكن أن يكون قوله: تنظرون كناية عن عدم إقدامهم أي تكتفون بمجرد النظر من غير إقدام، و فيه عتاب و توبيخ.

كلام في الامتحان و حقيقته

لا ريب أن القرآن الكريم يخص أمر الهداية بالله سبحانه غير أن الهداية فيه لا تنحصر في الهداية الاختيارية إلى سعادة الآخرة أو الدنيا فقد قال تعالى فيما قال: الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى،: طه: - 50، فعمم الهداية لكل شيء من ذوي الشعور و العقل و غيرهم، و أطلقها أيضا من جهة الغاية، و قال أيضا: الذي خلق فسوى و الذي قدر فهدى،: الأعلى - 3، و الآية من جهة الإطلاق كسابقتها.

و من هنا يظهر أن هذه الهداية غير الهداية الخاصة التي تقابل الإضلال فإن الله سبحانه نفاها و أثبت مكانها الضلال في طوائف و الهداية العامة لا تنفي عن شيء من خلقه، قال تعالى: و الله لا يهدي القوم الظالمين: الجمعة - 5، و قال: و الله لا يهدي القوم الفاسقين: الصف - 5، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

و كذا يظهر أيضا أن الهداية المذكورة غير الهداية بمعنى إراءة الطريق العامة للمؤمن و الكافر كما في قوله تعالى: إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا: الدهر - 3، و قوله: و أما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى:، حم السجدة - 17، فإن ما في هاتين الآيتين و نظائرهما من الهداية لا يعم غير أرباب الشعور و العقل و قد عرفت أن ما في قوله: ثم هدى و قوله: و الذي قدر فهدى عام من حيث المورد و الغاية جميعا، على أن الآية الثانية تفرع الهداية على التقدير، و الهداية الخاصة لا تلائم التقدير الذي هو تهيئة الأسباب و العلل لسوق الشيء إلى غاية خلقته، و إن كانت تلك الهداية أيضا من جهة النظام العام في العالم داخلة في حيطة التقدير لكن النظر غير النظر فافهم ذلك.

و كيف كان فهذه الهداية العامة هي هدايته تعالى كل شيء إلى كمال وجوده، و إيصاله إلى غاية خلقته، و هي التي بها نزوع كل شيء إلى ما يقتضيه قوام ذاته من نشوء و استكمال و أفعال و حركات و غير ذلك، و للكلام ذيل طويل سنشرحه إن ساعدنا التوفيق إن شاء الله العزيز.

و الغرض أن كلامه تعالى يدل على أن الأشياء إنما تنساق إلى غاياتها و آجالها بهداية عامة إلهية لا يشذ عنها شاذ، و قد جعلها الله تعالى حقا لها على نفسه و هو لا يخلف الميعاد، كما قال تعالى: إن علينا للهدى و إن لنا للآخرة و الأولى: الليل - 13، و الآية كما ترى تعم بإطلاقها الهداية الاجتماعية للمجتمعات و الهداية الفردية مضافة إلى ما تدل عليه الآيتان السابقتان.

فمن حق الأشياء على الله تعالى هدايتها تكوينا إلى كمالها المقدر لها و هدايتها إلى كمالها المشرع لها، و قد عرفت فيما مر من مباحث النبوة أن التشريع كيف يدخل في التكوين و كيف يحيط به القضاء و القدر فإن النوع الإنساني له نوع وجود لا يتم أمره إلا بسلسلة من الأفعال الاختيارية الإرادية التي لا تقع إلا عن اعتقادات نظرية و عملية فلا بد أن يعيش تحت قوانين حقة أو باطلة، جيدة أو ردية، فلا بد لسائق التكوين أن يهيىء له سلسلة من الأوامر و النواهي الشريعة و سلسلة أخرى من الحوادث الاجتماعية و الفردية حتى يخرج بتلاقيه معهما ما في قوته إلى الفعل فيسعد أو يشقى و يظهر ما في مكمن وجوده، و عند ذلك ينطبق على هذه الحوادث و هذا التشريع اسم المحنة و البلاء و نحوهما.

توضيح ذلك أن من لم يتبع الدعوة الإلهية و استوجب لنفسه الشقاء فقد حقت عليه كلمة العذاب إن بقي على تلك الحال، فكل ما يستقبله من الحوادث المتعلقة بها الأوامر و النواهي الإلهية و يخرج بها من القوة إلى الفعل تتم له بذلك فعلية جديدة من الشقاء و إن كان راضيا بما عنده مغرورا بما يجده، فليس ذلك إلا مكرا إلهيا فإنه يشقيهم بعين ما يحسبونه سعادة لأنفسهم و يخيب سعيهم في ما يظنونه فوزا لأنفسهم، قال تعالى: و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين: آل عمران - 54، و قال: و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله،: فاطر - 43، و قال: ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون،: الأنعام - 123، و قال: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملي لهم إن كيدي متين،: الأعراف - 183، فما يتبجح به المغرور الجاهل بأمر الله أنه سبق ربه في ما أراده منه بالمخالفة و التمرد فإنه يعينه على نفسه فيما أراده، قال تعالى: "أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون": العنكبوت - 4، و من أعجب الآيات في هذا الباب قوله تعالى "فلله المكر جميعا": الرعد - 42.



فجميع هذه المماكرات و المخالفات و المظالم و التعديات التي تظهر من هؤلاء بالنسبة إلى الوظائف الدينية، و كل ما يستقبلهم من حوادث الأيام و يظهر بها منهم ما أضمروه في قلوبهم و دعتهم إلى ذلك أهواؤهم، مكر إلهي و إملاء و استدراج فإن من حقهم على الله أن يهديهم إلى عاقبة أمرهم و خاتمته و قد فعل، و الله غالب على أمره.

و هذه الأمور بعينها إذا نسبت إلى الشيطان كانت أقسام الكفر و المعاصي إغواء منه لهم، و النزوع إليها دعوة و وسوسة و نزعة و وحيا و إضلالا، و الحوادث الداعية و ما يجري مجراها زينة له و وسائل و حبائل و شبكات منه على ما سيجيء بيانه في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى.

و أما المؤمن الذي رسخ في قلبه الإيمان فما تظهر منه من الطاعات و العبادات و كذا الحوادث التي تستقبله فيظهر منه عندها ذلك، ينطبق عليها مفهوم التوفيق و الولاية الإلهية و الهداية بالمعنى الأخص نوع انطباق، قال تعالى: "و الله يؤيد بنصره من يشاء": آل عمران - 13، و قال: "و الله ولي المؤمنين": آل عمران - 68، و قال: "الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور": البقرة - 257، و قال: "يهديهم ربهم بإيمانهم": يونس - 9، و قال: "أ و من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس": الأنعام - 122، هذا إذا نسبت هذه الأمور إلى الله سبحانه، و أما إذا نسبت إلى الملائكة فتسمى تأييدا و تسديدا منهم، قال تعالى: "أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه": المجادلة - 22.

ثم إنه كما أن الهداية العامة تصاحب الأشياء من بدء كونها إلى آخر أحيان وجودها ما دامت سالكة سبيل الرجوع إلى الله سبحانه كذلك المقادير تدفعها من ورائها كما هو ظاهر قوله تعالى: "و الذي قدر فهدى": الأعلى - 3، فإن المقادير التي تحملها العلل و الأسباب المحتفة بوجود الشيء هي التي تحول الشيء من حال أولى إلى حال ثانية و هلم جرا فهي لا تزال تدفع الأشياء من ورائها.

و كما أن المقادير تدفعها من ورائها كذلك الآجال و هي آخر ما ينتهي إليه وجود الأشياء تجذبها من أمامها كما يدل عليه قوله تعالى: "ما خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق و أجل مسمى و الذين كفروا عما أنذروا معرضون": الأحقاف - 3، فإن الآية تربط الأشياء بغاياتها و هي الآجال، و الشيئان المرتبطان إذا قوي أحدهما على الآخر كان حاله بالنسبة إلى قرينه هو المسمى جذبا و الآجال المسماة أمور ثابتة غير متغيرة فهي تجذب الأشياء من أمامها و هو ظاهر.

فالأشياء محاطة بقوى إلهية: قوة تدفعها، و قوة تجذبها، و قوة تصاحبها و تربيها و هي القوى الأصلية التي تثبتها القرآن الكريم غير القوى الحافظة و الرقباء و القرناء كالملائكة و الشياطين و غير ذلك.

ثم إنا نسمي نوع التصرفات في الشيء إذا قصد به مقصد لا يظهر حاله بالنسبة إليه: هل له صلوحه أو ليس له؟ بالامتحان و الاختبار، فإنك إذا جهلت حال الشيء أنه هل يصلح لأمر كذا أو لا يصلح؟ أو علمت باطن أمره و لكن أردت أن يظهر منه ذلك أوردت عليه أشياء مما يلائم المقصد المذكور حتى يظهر حاله بذلك هل يقبلها لنفسه أو يدفعها عن نفسه؟ و تسمي ذلك امتحانا و اختبارا و استعلاما لحاله، أو ما يقاربها من الألفاظ.

و هذا المعنى بعينه ينطبق على التصرف الإلهي بما يورده من الشرائع و الحوادث الجارية على أولي الشعور و العقل من الأشياء كالإنسان، فإن هذه الأمور يظهر بها حال الإنسان بالنسبة إلى المقصد الذي يدعى إليه الإنسان بالدعوة الدينية فهي امتحانات إلهية.

و إنما الفرق بين الامتحان الإلهي و ما عندنا من الامتحان أنا لا نخلو غالبا عن الجهل بما في باطن الأشياء فنريد بالامتحان استعلام حالها المجهول لنا، و الله سبحانه يمتنع عليه الجهل و عنده مفاتح الغيب، فالتربية العامة الإلهية للإنسان من جهة دعوته إلى حسن العاقبة و السعادة امتحان لأنه يظهر و يتعين بها حال الشيء أنه من أهل أي الدارين دار الثواب أو دار العقاب.



و لذلك سمى الله تعالى هذا التصرف الإلهي من نفسه أعني التشريع و توجيه الحوادث بلاء و ابتلاء و فتنة فقال بوجه عام: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا": الكهف - 7، و قال: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا": الدهر - 2، و قال: "و نبلوكم بالشر و الخير فتنة": الأنبياء - 35، و كأنه يريد به ما يفصله قوله: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن": الفجر - 16، و قال: "إنما أموالكم و أولادكم فتنة": التغابن - 15، و قال: "و لكن ليبلوا بعضكم ببعض": محمد - 4، و قال: "كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون": الأعراف - 163، و قال: "و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا": الأنفال - 17، و قال: "أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين": العنكبوت - 3.

و قال في مثل إبراهيم: "و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات": البقرة - 124، و قال في قصة ذبح إسماعيل: "إن هذا لهو البلاء المبين": الصافات - 106، و قال في موسى: "و فتناك فتونا": طه - 40، إلى غير ذلك من الآيات.

و الآيات كما ترى تعمم المحنة و البلاء لجميع ما يرتبط به الإنسان من وجوده و أجزاء وجوده كالسمع و البصر و الحياة، و الخارج من وجوده المرتبط به بنحو كالأولاد و الأزواج و العشيرة و الأصدقاء و المال و الجاه و جميع ما ينتفع به نوع انتفاع، و كذا مقابلات هذه الأمور كالموت و سائر المصائب المتوجهة إليه، و بالجملة الآيات تعد كل ما يرتبط به الإنسان من أجزاء العالم و أحوالها فتنة و بلاء من الله سبحانه بالنسبة إليه.

و فيها تعميم آخر من حيث الأفراد فالكل مفتنون مبتلون من مؤمن أو كافر، و صالح أو طالح، و نبي أو من دونه، فهي سنة جارية لا يستثنى منها أحد.

فقد بان أن سنة الامتحان سنة إلهية جارية، و هي سنة عملية متكئة على سنة أخرى تكوينية و هي سنة الهداية العامة الإلهية من حيث تعلقها بالمكلفين كالإنسان و ما يتقدمها و ما يتأخر عنها أعني القدر و الأجل كما مر بيانه.

و من هنا يظهر أنها غير قابلة للنسخ فإن انتساخها عين فساد التكوين و هو محال، و يشير إلى ذلك ما يدل من الآيات على كون الخلقة على الحق، و ما يدل على كون البعث حقا كقوله تعالى: "ما خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق و أجل مسمى": الأحقاف - 3، و قوله تعالى: "أ فحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون": المؤمنون - 115، و قوله تعالى: "و ما خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق و لكن أكثرهم لا يعلمون": الدخان - 39، و قوله تعالى: "من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت": العنكبوت - 5، إلى غيرها فإن جميعها تدل على أن الخلقة بالحق و ليست باطلة مقطوعة عن الغاية، و إذا كانت أمام الأشياء غايات و آجال حقة و من ورائها مقادير حقة و معها هداية حقة فلا مناص عن تصادمها عامة، و ابتلاء أرباب التكليف منها خاصة بأمور يخرج بالاتصال بها ما في قوتها من الكمال و النقص و السعادة و الشقاء إلى الفعل، و هذا المعنى في الإنسان المكلف بتكليف الدين امتحان و ابتلاء فافهم ذلك.

و يظهر مما ذكرناه معنى المحق و التمحيص أيضا، فإن الامتحان إذا ورد على المؤمن فأوجب امتياز فضائله الكامنة من الرذائل، أو ورد على الجماعة فاقتضى امتياز المؤمنين من المنافقين و الذين في قلوبهم مرض صدق عليه اسم التمحيص و هو التمييز و كذا إذا توالت الامتحانات الإلهية على الكافر و المنافق و في ظاهرهما صفات و أحوال حسنة مغبوطة فأوجبت تدريجا ظهور ما في باطنهما من الخبائث، و كلما ظهرت خبيثة أزالت فضيلة ظاهرية كان ذلك محقا له أي إنفادا تدريجيا لمحاسنها، قال تعالى: "و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين ءامنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين و ليمحص الله الذين ءامنوا و يمحق الكافرين": آل عمران - 141.

و للكافرين محق آخر من جهة ما يخبره تعالى أن الكون ينساق إلى صلاح البشر و خلوص الدين لله، قال تعالى: "و العاقبة للتقوى": طه - 132، و قال: "إن الأرض يرثها عبادي الصالحون": الأنبياء - 105.

قوله تعالى: "و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" الموت زهاق الروح و بطلان حياة البدن، و القتل هو الموت إذا كان مستندا إلى سبب عمدي أو نحوه، و الموت و القتل إذا افترقا كان الموت أعم من القتل، و إذا اجتمعا كان الموت هو ما بحتف الأنف و القتل خلافه.
<<        الفهرس        >>