جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



فتلخص من جميع ما مر أن المراد بالآية أعني قوله: "ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا" إلى آخر الآية، أنه لا جناح على الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيما ذاقوه من خمر أو غيره من المحرمات المعدودة بشرط أن يكونوا ملازمين للتقوى في جميع أطوارهم و متلبسين بالإيمان بالله و رسوله، و محسنين في أعمالهم عاملين بالواجبات و تاركين لكل محرم نهوا عنه فإن اتفق لهم أن ابتلوا بشيء من الرجس الذي هو من عمل الشيطان قبل نزول التحريم أو قبل وصوله إليهم أو قبل تفقههم به لم يضرهم ذلك شيئا.

و هذا نظير قوله تعالى في آيات تحويل القبلة في جواب سؤالهم عن حال الصلوات التي صلوها إلى غير الكعبة: "و ما كان الله ليضيع إيمانكم": "البقرة: 134".

و سياق هذا الكلام شاهد آخر على كون هذه الآية: "ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح، إلخ" متصلة بما قبلها من الآيات و أنها نازلة مع تلك الآيات التي لسانها يشهد أنها آخر الآيات المحرمة للخمر نزولا، و أن بعض المسلمين كما يشعر به لسان الآيات - على ما استفدناه - آنفا لم يكونوا منتهين عن شربها ما بين الآيات السابقة المحرمة و بين هذه الآيات.

ثم وقع السؤال بعد نزول هذه الآيات عن حال من ابتلي بذلك و فيهم من ابتلي به قبل نزول التحريم، و من ابتلي به قبل التفقه، و من ابتلي به لغير عذر فأجيبوا بما يتعين به لكل طائفة حكم مسألته بحسب خصوص حاله، فمن طعمها و هو على حال الإيمان و الإحسان، و لا يكون إلا من ذاقها من المؤمنين قبل نزول التحريم أو جهلا به فليس عليه جناح، و من ذاقها على غير النعت فحكمه غير هذا الحكم.

و للمفسرين في الآية أبحاث طويلة، منها ما يرجع إلى قوله: "فيما طعموا" و قد تقدم خلاصة الكلام في ذلك.

و منها ما يرجع إلى ذيل الآية من حيث تكرر التقوى فيه ثلاث مرات، و تكرر الإيمان و تكرر العمل الصالح و ختمها بالإحسان.

فقيل: إن المراد بقوله: "إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات" اتقوا المحرم و ثبتوا على الإيمان و الأعمال الصالحة، و بقوله: "ثم اتقوا و آمنوا" ثم اتقوا ما حرم عليهم بعد كالخمر و آمنوا بتحريمه، و بقوله: "ثم اتقوا و أحسنوا" ثم استمروا و ثبتوا على اتقاء المعاصي و اشتغلوا بالأعمال الجميلة.

و قيل: إن هذا التكرار باعتبار الحالات الثلاث: استعمال الإنسان التقوى و الإيمان بينه و بين نفسه، و بينه و بين الناس، و بينه و بين الله تعالى، و الإحسان على هذا هو الإحسان إلى الناس ظاهرا.

و قيل: إن التكرار باعتبار المراتب الثلاث: المبدإ و الوسط و المنتهى، و هو حق التقوى.

و قيل: التكرار باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن تترك المحرمات توقيا من العقاب، و الشبهات تحرزا عن الوقوع في الحرام، و بعض المباحات تحفظا للنفس عن الخسة، و تهذيبا عن دنس الطبيعة.

و قيل: إن الاتقاء الأول اتقاء عن شرب الخمر و الإيمان الأول هو الإيمان بالله، و الاتقاء الثاني هو إدامة الاتقاء الأول و الإيمان الثاني إدامة الإيمان الأول، و الاتقاء الثالث هو فعل الفرائض، و الإحسان فعل النوافل.

و قيل: إن الاتقاء الأول اتقاء المعاصي العقلية، و الإيمان الأول هو الإيمان بالله و بقبح هذه المعاصي، و الاتقاء الثاني اتقاء المعاصي السمعية و الإيمان الثاني هو الإيمان بوجوب اجتناب هذه المعاصي، و الاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد و ما يتعلق بالغير من الظلم و الفساد، و المراد بالإحسان الإحسان إلى الناس.

و قيل: إن الشرط الأول يختص بالماضي، و الشرط الثاني بالدوام على ذلك و الاستمرار على فعله، و الشرط الثالث يختص بمظالم العباد، إلى غير ذلك من أقوالهم.

و جميع ما ذكروه مما لا دليل عليه من لفظ الآية أو غيرها يوجب حمل الآية عليه، و هو ظاهر بالتأمل في سياق القول فيها و الرجوع إلى ما قدمناه.

بحث روائي



في تفسير العياشي، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: بينا حمزة بن عبد المطلب و أصحاب له على شراب لهم يقال له السكركة. قال: فتذاكروا الشريف فقال لهم حمزة: كيف لنا به؟ فقالوا: هذه ناقة ابن أخيك علي، فخرج إليها فنحرها ثم أخذ كبدها و سنامها فأدخل عليهم، قال: و أقبل علي (عليه السلام) فأبصر ناقته فدخله من ذلك، فقالوا له: عمك حمزة صنع هذا، قال: فذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكا ذلك إليه. قال: فأقبل معه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل لحمزة: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالباب، قال: فخرج حمزة و هو مغضب فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغضب في وجهه انصرف قال: فقال له حمزة: لو أراد ابن أبي طالب أن يقودك بزمام فعل، فدخل حمزة منزله و انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: و كان قبل أحد، قال: فأنزل الله تحريم الخمر فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بآنيتهم فأكفئت، قال: فنودي في الناس بالخروج إلى أحد فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خرج الناس و خرج حمزة فوقف ناحية من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فلما تصافحوا حمل في الناس حتى غيب فيهم ثم رجع إلى موقفه، فقال له الناس: الله الله يا عم رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شيء، قال: ثم حمل الثانية حتى غيب في الناس ثم رجع إلى موقفه فقالوا له: الله الله يا عم رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شيء. فأقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآه نحوه أقبل مقبلا إليه فعانقه و قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين عينيه ثم قال: احمل على الناس فاستشهد حمزة، و كفنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تمرة. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحو من سرياني هذا، فكان إذا غطى وجهه انكشف رجلاه و إذا غطى رجلاه انكشف وجهه قال: فغطى بها وجهه، و جعل على رجليه إذخر. قال فانهزم الناس و بقي علي (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صنعت؟ قال: يا رسول الله لزمت الأرض فقال: ذلك الظن بك، قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنجز لي يا رب ما وعدتني فإنك إن شئت لم تعبد.

و عن الزمخشري في ربيع الأبرار، قال: أنزل في الخمر ثلاث آيات: "يسألونك عن الخمر و الميسر" فكان المسلمون بين شارب و تارك إلى أن شربها رجل فدخل في صلاته فهجر فنزل: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى" فشربها من شربها من المسلمين حتى شربها عمر فأخذ لحي بعير فشج رأس عبد الرحمن بن عوف، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغفر: و كاين بالقليب قليب بدر. من القنيات و الشرب الكرام. و كاين بالقليب قليب بدر. من السري المكامل بالسنام. أ يوعدنا ابن كبشة أن نحيى. و كيف حياة أصداء و هام. أ يعجز أن يرد الموت عني. و ينشرني إذا بليت عظامي. ألا من مبلغ الرحمن عني. بأني تارك شهر الصيام. فقل لله يمنعني شرابي. و قل لله: يمنعني طعامي. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فأنزل الله سبحانه و تعالى: "إنما يريد الشيطان إلى قوله فهل أنتم منتهون" فقال عمر: انتهينا.



و في الدر المنثور،: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و النحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فأتاه ناس فأكلوا و شربوا حتى انتشوا من الخمر، و ذلك قبل أن تحرم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار: خير، و قالت قريش: قريش خير فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره فكان سعد مفزور الأنف قال: فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر، إلى آخر" الآية.

أقول: و الروايات في القصص التي أعقبت تحريم الخمر في الإسلام كثيرة من طرق الجمهور على ما فيها من الاختلاف الشديد.

أما هؤلاء الذين ذكر منهم الشرب من الصحابة فلا شأن لنا في البحث عنهم فيما نحن بصدده من البحث المرتبط بالتفسير غير أن هذه الروايات تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن في الآيات إشعارا أو دلالة على أن رهطا من المسلمين ما تركوا شرب الخمر بعد نزول آية البقرة حتى نزلت آية المائدة.

نعم ورد في بعض الروايات أن عليا (عليه السلام) و عثمان بن مظعون كانا قد حرما الخمر على أنفسهما قبل نزول التحريم، و قد ذكر في الملل و النحل رجالا من العرب حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، و قد وفق الله سبحانه بعض هؤلاء أن أدرك الإسلام و دخل فيه، منهم عامر بن الظرب العدواني، و منهم قيس بن عامر التميمي و قد أدرك الإسلام، و منهم صفوان بن أمية بن محرث الكناني و عفيف بن معديكرب الكندي و الأسلوم اليامي و قد حرم الزنا و الخمر معا، و هؤلاء آحاد من الرجال جرى كلمة الحق على لسانهم، و أما عامتهم في الجاهلية كعامة أهل الدنيا يومئذ إلا اليهود فقد كانوا يعتادون شربها من غير بأس حتى حرمها الله سبحانه في كتابه.

و الذي تفيده آيات الكتاب العزيز أنها حرمت في مكة قبل الهجرة كما يدل عليه قوله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي": "الأعراف: 33" و الآية مكية، و إذا انضمت إلى قوله تعالى: "يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما": "البقرة: 291"، و هي آية مدنية نازلة في أوائل الهجرة لم يبق شك في ظهور حرمتها للمسلمين يومئذ، و إذا تدبرنا في سياق آيات المائدة، و خاصة فيما يفيده قوله: "فهل أنتم منتهون" و قوله: "ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا،" الآية انكشف أن ما ابتلي به رهط منهم من شربها فيما بين نزول آية البقرة و آية المائدة إنما كان كالذنابة لسابق العادة السيئة نظير ما كان من النكاح في ليلة الصيام عصيانا حتى نزل قوله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم": "البقرة: 178".

فقد تبين أن في هذه الروايات كلاما من وجهين: أحدهما: من جهة اختلافها في تاريخ تحريم الخمر فقد مر في الرواية الأولى أنها قبيل غزوة أحد، و في بعض الروايات: أن ذلك بعد غزوة الأحزاب.

لكن الأمر في ذلك سهل في الجملة لإمكان حملها على كون المراد بتحريم الخمر فيها نزول آية المائدة و إن لم يوافقه لفظ بعض الروايات كل الموافقة.

و ثانيهما: من جهة دلالتها على أن الخمر لم تكن بمحرمة قبل نزول آية المائدة أو أنها لم تظهر حرمتها قبلئذ للناس و خاصة للصحابة مع صراحة آية الأعراف المحرمة للإثم و آية البقرة المصرحة بكونها إثما، و هي صراحة لا تقبل تأويلا.

بل من المستبعد جدا أن تنزل حرمة الإثم بمكة قبل الهجرة في آية تتضمن جمل المحرمات أعني قوله: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون": "الأعراف: 33"، ثم يمر عليه زمان غير يسير، و لا يستفسر المؤمنون معناه من نبيهم و لا يستوضحه المشركون و أكبر همهم النقض و الاعتراض على كتاب الله مهما توهموا إليه سبيلا.

بل المستفاد من التاريخ أن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للخمر كتحريمه الشرك و الزنا كان معروفا عند المشركين يدل على ذلك ما رواه ابن هشام في السيرة عن خلاد بن قرة و غيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم: أن أعشى بني قيس خرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أ لم تغتمض عيناك ليلة أرمدا.

و بت كما بات السليم مسهدا.

القصيدة.

فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسلم فقال له: يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى: و الله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب، فقال له: يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر فقال الأعشى: أما هذه فإن في النفس منها لعلالات، و لكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك و لم يعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلا يبقى لهذه لروايات إلا أن تحمل على استفادتهم ذلك باجتهادهم في الآيات مع الذهول عن آية الأعراف، و للمفسرين في تقريب معنى هذه الروايات توجيهات غريبة.

و بعد اللتيا و التي فالكتاب نص في تحريم الخمر في الإسلام قبل الهجرة، و لم تنزل آية المائدة إلا تشديدا على الناس لتساهلهم في الانتهاء عن هذا النهي الإلهي و إقامة حكم الحرمة.

و في تفسير العياشي،: عن هشام عن الثقة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قيل له: روي عنكم: أن الخمر و الأنصاب و الأزلام رجال؟ فقال: ما كان ليخاطب الله خلقه بما لا يعقلون.

و فيه،: عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر و قامت عليه البينة فسأل عليا فأمره أن يجلده ثمانين جلدة، فقال قدامة: يا أمير المؤمنين ليس علي حد أنا من أهل هذه الآية: "ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات - جناح فيما طعموا" فقرأ الآية حتى استتمها فقال له علي (عليه السلام): كذبت لست من أهل هذه الآية ما طعم أهلها فهو حلال لهم، و ليس يأكلون و لا يشربون إلا ما يحل لهم. أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن أبي الربيع عنه (عليه السلام)، و رواه أيضا الشيخ في التهذيب، بإسناده عن ابن سنان عنه (عليه السلام)، و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا.

و قوله (عليه السلام): +" ما طعم أهلها فهو حلال لهم، إلخ "+ منطبق على ما قررناه في البيان السابق من معنى الآية فراجع.

و في تفسير الطبري، عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات: "يسألونك عن الخمر و الميسر،" الآية فتركوها ثم نزلت: "تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا" فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: "إنما الخمر و الميسر" إلى قوله فهل أنتم منتهون".

أقول: ظاهره نسخ آية النحل لآية البقرة ثم نسخ آيتي المائدة لآية النحل، و أنت لا تحتاج في القضاء على بطلانه إلى بيان زائد.



و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا قط إلا و في علم الله أنه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر، و لم يزل الخمر حراما و إنما ينقلون من خصلة ثم خصلة، و لو حمل ذلك جملة عليهم لقطع بهم دون الدين، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس أحد أرفق من الله تعالى فمن رفقه تبارك و تعالى أنه ينقلهم من خصلة إلى خصلة و لو حمل عليهم جملة لهلكوا.

و في الكافي، بإسناده عن عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله عز و جل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس - من عمل الشيطان فاجتنبوه" قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كلما تقمرت به حتى الكعاب و الجوز، قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها.

و فيه،: بإسناده عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل مسكر حرام، و كل مسكر خمر.

أقول: و الرواية مروية من طرق أهل السنة أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لفظها: كل مسكر خمر، و كل خمر حرام رواها البيهقي و غيره، و قد استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأن كل مسكر حرام، و أن كلما يقامر عليه فهو ميسر.

و في تفسير العياشي،: عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: سألته عن النبيذ و الخمر بمنزلة واحدة هما؟ قال: لا، إن النبيذ ليس بمنزلة الخمر، إن الله حرم الخمر قليلها و كثيرها كما حرم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأشربة المسكر، و ما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حرم الله.

و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: إن الله لم يحرم الخمر لإثمها و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبتها عاقبة الخمر فهو خمر، و في رواية: فما فعل فعل الخمر فهو خمر.

أقول: و الأخبار في ذم الخمر و الميسر من طرق الفريقين فوق حد الإحصاء من أراد الوقوف عليها فعليه بجوامع الحديث.

5 سورة المائدة - 94 - 99

يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَيَبْلُوَنّكُمُ اللّهُ بِشىْءٍ مِّنَ الصيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْتُلُوا الصيْدَ وَ أَنتُمْ حُرُمٌ وَ مَن قَتَلَهُ مِنكُم مّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيَا بَلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّرَةٌ طعَامُ مَسكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِك صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمّا سلَف وَ مَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَ اللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) أُحِلّ لَكُمْ صيْدُ الْبَحْرِ وَ طعَامُهُ مَتَعاً لّكُمْ وَ لِلسيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صيْدُ الْبرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتّقُوا اللّهَ الّذِى إِلَيْهِ تحْشرُونَ (96) جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْت الْحَرَامَ قِيَماً لِّلنّاسِ وَ الشهْرَ الْحَرَامَ وَ الهَْدْى وَ الْقَلَئدَ ذَلِك لِتَعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ أَنّ اللّهَ بِكلِّ شىْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ وَ أَنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ (98) مّا عَلى الرّسولِ إِلا الْبَلَغُ وَ اللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَ مَا تَكْتُمُونَ (99)

بيان

الآيات في بيان حكم صيد البر و البحر في حال الإحرام.

قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم و رماحكم" البلاء هو الامتحان و الاختبار، و لام القسم و النون المشددة للتأكيد، و قوله: بشيء من الصيد يفيد التحقير ليكون تلقينه للمخاطبين عونا لهم على انتهائهم إلى ما سيواجههم من النهي في الآية الآتية، و قوله: "تناله أيديكم و رماحكم" تعميم للصيد من حيث سهولة الاصطياد كما في فراخ الطير و صغار الوحش و البيض تنالها الأيدي فتصطاد بسهولة، و من حيث صعوبة الاصطياد ككبار الوحش لا تصطاد عادة إلا بالسلاح.

و ظاهر الآية أنها مسوقة كالتوطئة لما ينزل من الحكم المشدد في الآية التالية، و لذلك عقب الكلام بقوله: "ليعلم الله من يخافه بالغيب" فإن فيه إشعارا بأن هناك حكما من قبيل المنع و التحريم ثم عقبه بقوله: "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم".

قوله تعالى: "ليعلم الله من يخافه بالغيب" لا يبعد أن يكون قوله: ليبلونكم الله ليعلم كذا كناية عن أنه سيقدر كذا ليتميز منكم من يخاف الله بالغيب عمن لا يخافه لأن الله سبحانه لا يجوز عليه الجهل حتى يرفعه بالعلم، و قد تقدم البحث المستوفى عن معنى الامتحان في تفسير قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة،" الآية: "آل عمران: 124" في الجزء الرابع من هذا الكتاب، و تقدم أيضا معنى آخر لهذا العلم.

و أما قوله: "من يخافه بالغيب" فالظرف متعلق بالخوف، و معنى الخوف بالغيب أن يخاف الإنسان ربه و يحترز ما ينذره به من عذاب الآخرة و أليم عقابه، و كل ذلك في غيب من الإنسان لا يشاهد شيئا منه بظاهر مشاعره، قال تعالى: "إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمن بالغيب": "يس: 11"، و قال: "و أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب": "ق: 33"، و قال: "الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون": "الأنبياء: 49".

و قوله: "فمن اعتدى بعد ذلك" أي تجاوز الحد الذي يحده الله بعد البلاء المذكور فله عذاب أليم.
<<        الفهرس        >>