جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج14 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


19 سورة مريم - 73 - 80

وَ إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَتٍ قَالَ الّذِينَ كَفَرُوا لِلّذِينَ ءَامَنُوا أَى الْفَرِيقَينِ خَيرٌ مّقَاماً وَ أَحْسنُ نَدِيّا (73) وَ كمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسنُ أَثَثاً وَ رِءْياً (74) قُلْ مَن كانَ فى الضلَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرّحْمَنُ مَداّ حَتى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمّا الْعَذَاب وَ إِمّا الساعَةَ فَسيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شرّ مّكاناً وَ أَضعَف جُنداً (75) وَ يَزِيدُ اللّهُ الّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَ الْبَقِيَت الصلِحَت خَيرٌ عِندَ رَبِّك ثَوَاباً وَ خَيرٌ مّرَداّ (76) أَ فَرَءَيْت الّذِى كفَرَ بِئَايَتِنَا وَ قَالَ لأُوتَينّ مَالاً وَ وَلَداً (77) أَطلَعَ الْغَيْب أَمِ اتخَذَ عِندَ الرّحْمَنِ عَهْداً (78) كلا سنَكْتُب مَا يَقُولُ وَ نَمُدّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّا (79) وَ نَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَ يَأْتِينَا فَرْداً (80)

بيان

هذا هو الفصل الثاني من كلماتهم المنقولة عنهم، و هو ردهم الدعوة النبوية بأنها لا تنفع في حسن حال المؤمنين بها شيئا و لو كانت حقة لجلبت إليهم زهرة الحياة الدنيا التي فيها سعادة العيش من أبنية رفيعة و أمتعة نفيسة و جمال و زينة، فالذي هم عليه من الكفر و قد جلب لهم خير الدنيا خير مما عليه المؤمنون و قد غشيهم رثاثة الحال و فقد المال و عسرة العيش، فكفرهم هو الحق الذي ينبغي أن يؤثر دون الإيمان الذي عليه المؤمنون و قد أجاب الله عن قولهم بقوله: "و كم أهلكنا" إلخ، و قوله: "قل من كان في الضلالة" إلخ، ثم عقب ذلك ببيان حال بعض من اغتر بقولهم.

قوله تعالى: "و إذا تتلى عليهم آياتنا" إلى آخر الآية، المقام اسم مكان من القيام فهو المسكن، و الندي هو المجلس و قيل خصوص مجلس المشاورة، و معنى "قال الذين كفروا للذين آمنوا" أنهم خاطبوهم فاللام للتبليغ كما قيل، و قيل: تفيد معنى التعليل أي قالوا لأجل الذين آمنوا أي لأجل إغوائهم و صرفهم عن الإيمان، و الأول أنسب للسياق كما أن الأنسب للسياق أن يكون ضمير عليهم راجعا إلى الناس أعم من الكفار و المؤمنين دون الكفار فقط حتى يكون قوله: "قال الذين كفروا" من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر.

و قوله: "أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا" أي للاستفهام و الفريقان هما الكفار و المؤمنون، و كان مرادهم أن الكفار هم خير مقاما و أحسن نديا من المؤمنين الذين كان الغالب عليهم العبيد و الفقراء لكنهم أوردوه في صورة السؤال و كنوا عن الفريقين لدعوى أن المؤمنين عالمون بذلك يجيبون بذلك لو سئلوا من غير تردد و ارتياب.

و المعنى: و إذا تتلى على الناس - و هم الفريقان الكفار و المؤمنون - آياتنا و هي ظاهرات في حجتها واضحات في دلالتها لا تدع ريبا لمرتاب، قال فريق منهم و هم الذين كفروا للفريق الآخر و هم الذين آمنوا: أي هذين الفريقين خير من جهة المسكن و أحسن من حيث المجلس - و لا محالة هم الكفار - يريدون أن لازم ذلك أن يكونوا هم سعداء في طريقتهم و ملتهم إذ لا سعادة وراء التمتع بأمتعة الحياة الدنيا فالحق ما هم عليه.

قوله تعالى: "و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا و رءيا" القرن: الناس المقترنون في زمن واحد، و الأثاث: متاع البيت، قيل: لا يطلق إلا على الكثير و لا واحد له من لفظه، و الرئي بالكسر فالسكون: ما رئي من المناظر، نقل في مجمع البيان، عن بعضهم: أنه اسم لما ظهر و ليس بالمصدر و إنما المصدر الرأي و الرؤية يدل على ذلك قوله: "يرونهم مثليهم رأي العين" فالرأي: الفعل، و الرئي: المرئي كالطحن و الطحن و السقي و السقي و الرمي و الرمي.

انتهي.

و لما احتج الكفار على المؤمنين في حقية ملتهم و بطلان الدعوة النبوية التي آمن به المؤمنون بأنهم خير مقاما و أحسن نديا في الدنيا و قد فاتهم أن للإنسان حياة خالدة أبدية لا منتهى لها و إنما سعادته في سعادتها و الأيام القلائل التي يعيش فيها في الدنيا لا قدر لها قبال ما لا نهاية له و لا أنها تغني عنه شيئا.

على أن هذه التمتعات الدنيوية لا تحتم له السعادة و لا تقيه من غضب الله إن حل به يوما و ما هو من الظالمين ببعيد فليسوا في أمن من سخط الله و لا طيب في عيش يهدده الهلاك و لا في نعمة كانت في معرض النقمة و الخيبة.

أشار إلى الجواب عنه بقوله: "و كم أهلكنا قبلهم" و الظاهر أن الجملة حالية و كم خبرية لا استفهامية، و المعنى: أنهم يتفوهون بهذه الشبهة الواهية - نحن خير منكم مقاما و أحسن نديا - استخفافا للمؤمنين و الحال أنا أهلكنا قرونا كثيرة قبلهم هم أحسن من حيث الأمتعة و المناظر.

و قد نقل سبحانه نظير هذه الشبهة عن فرعون و عقبه بحديث غرقه و هلاكه، قال: "و نادى فرعون في قومه قال يا قوم أ ليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي أ فلا تبصرون؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين، فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب - إلى أن قال - فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا و مثلا للآخرين": الزخرف: 56.

قوله تعالى: "قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا" إلى آخر الآية، لفظة كان في قوله: "من كان في الضلالة" تدل على استمرارهم في الضلالة لا مجرد تحقق ضلالة ما، و بذلك يتم التهديد بمجازاتهم بالإمداد و الاستدراج الذي هو إضلال بعد الضلال.

و قوله: "فليمدد" صيغة أمر غائب و يئول معناه إلى أن من الواجب على الرحمن أن يمده مدا، فإن أمر المتكلم مخاطبه أن يأمره بشيء معناه إيجاب المتكلم ذلك على نفسه.

و المد و الأمداد واحد لكن ذكر الراغب في المفردات، أن أكثر ما جاء الأمداد في المحبوب و المد في المكروه و المراد أن من استقرت عليه الضلالة و استمر هو عليها - و المراد به الكفار كناية - فقد أوجب الله على نفسه أن يمده بما منه ضلالته كالزخارف الدنيوية في مورد الكلام فينصرف بذلك عن الحق حتى يأتيه أمر الله من عذاب أو ساعة بالمفاجاة و المباهتة فيظهر له الحق عند ذلك و لن ينتفع به.

فقوله: "حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب و إما الساعة فسيعلمون" إلخ، دليل على أن هذا المد خذلان في صورة إكرام و المراد به أن ينصرف عن الحق و اتباعه بالاشتغال بزهرة الحياة الدنيا الغارة فلا يظهر له الحق إلا في وقت لا ينتفع به و هو وقت نزول البأس أو قيام الساعة.

كما قال تعالى: "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده": المؤمن: 85، و قال: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا": الأنعام: 158.

و في إرجاع ضمير الجمع في قوله: "رأوا ما يوعدون" إلى "من" رعاية جانب معناه كما أن في إرجاع ضمير الإفراد في قوله: "فليمدد له" إليه رعاية جانب لفظه.

و قوله: "فسيعلمون من هو شر مكانا و أضعف جندا" قوبل به قولهم السابق: "أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا" أما مكانهم حين يرون العذاب - و الظاهر أن المراد به عذاب الدنيا - فحيث يحل بهم عذاب الله و قد كان مكان صناديد قريش المتلو عليهم الآيات حين نزول العذاب، قليب بدر التي ألقيت فيها أجسادهم و أما مكانهم يوم يرون الساعة فالنار الخالدة التي هي دار البوار، و أما ضعف جندهم فلأنه لا عاصم لهم اليوم من الله و يعود كل ما هيئوه لأنفسهم من عدد و عدة سدى لا أثر له.

قوله تعالى: "و يزيد الله الذين اهتدوا هدى" إلى آخر الآية، الباقيات الصالحات الأعمال الصالحة التي تبقى محفوظة عند الله و تستعقب جميل الشكر و عظيم الأجر و قد وعد الله بذلك في مواضع من كلامه.



و الثواب جزاء العمل قال في المفردات،: أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة - إلى أن قال - و الثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو - إلى أن قال - و الثواب يقال في الخير و الشر لكن الأكثر المتعارف في الخير.

انتهى و المرد اسم مكان من الرد و المراد به الجنة.

و الآية من تمام البيان في الآية السابقة فإن الآية السابقة تبين حال أهل الضلالة و تذكر أن الله سيمدهم فهم يعمهون في ضلالتهم منصرفين عن الحق معرضين عن الإيمان لاعبين بما عندهم من شواغل الحياة الدنيا حتى يفاجئهم العذاب أو الساعة و تنكشف لهم حقيقة الأمر من غير أن ينتفعوا به و هؤلاء أحد الفريقين في قولهم: "أي الفريقين خير مقاما" إلخ.

و هذه الآية تبين حال الفريق الآخر و هم المؤمنون و أن الله سبحانه يمد المهتدين منهم و هم المؤمنون بالهدى فيزيدهم هدى على هداهم فيوفقون للأعمال الباقية الصالحة و هي خير أجرا و خير دارا و هي الجنة و دائم نعيمها فما عند المؤمنين من أمتعة الحياة و هي النعيم المقيم خير مما عند الكافرين من الزخارف الغارة الفانية.

و في قوله: "عند ربك" إشارة إلى أن الحكم بخيرية ما للمؤمنين من ثواب و مرد حكم إلهي لا يخطىء و لا يغلط البتة.

و هاتان الآيتان - كما ترى - جواب ثان عن حجة الكفار أعني قولهم: "أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا".

قوله تعالى: "أ فرأيت الذي كفر بآياتنا و قال لأوتين مالا و ولدا" كما أن سياق الآيات الأربع السابقة يعطي أن الحجة الفاسدة المذكورة قول بعض المشركين ممن تلي عليه القرآن فقال ما قال دحضا لكلمة الحق و استغواء و استخفافا للمؤمنين كذلك سياق هذه الآيات الأربع و قد افتتحت بكلمة التعجيب و اشتملت بقول يشبه القول السابق و اختتمت بما يناسبه من الجواب يعطي أن بعض الناس ممن آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو كان في معرض ذلك بعد ما سمع قول الكفار مال إليهم و لحق بهم قائلا لأوتين مالا و ولدا يعني في الدنيا باتباع ملة الشرك كان في الإيمان بالله شؤما و في اتخاذ الآلهة ميمنة.

فرده الله سبحانه بقوله: "أطلع الغيب" إلخ.

و أما ما ذكره الأكثر بالبناء على ما ورد من سبب النزول أن الجملة قول أحد المتعرقين في الشرك من قريش خاطب به خباب بن الأرت حين طالبه دينا كان له عليه، و أن معنى الجملة لأوتين مالا و ولدا في الجنة فأؤدي ديني فشيء لا يلائم سياق الآيات إذ من المعلوم أن المشركين ما كانوا مذعنين بالبعث أصلا، فقوله لأوتين مالا و ولدا إذا بعثت و عند ذلك أؤدي ديني لا يحتمل إلا الاستهزاء و التهكم و لا معنى لرد الاستهزاء بالاحتجاج كما هو صريح قوله: "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا" إلخ.

و نظير هذا القول في السقوط ما نقل عن أبي مسلم المفسر أن الآية عامة فيمن له هذه الصفة.

فقوله: "أ فرأيت الذي كفر بآياتنا" مسوق للتعجيب، و كلمة "أ فرأيت" كلمة تعجيب و قد فرعه بفاء التفريع على ما تقدمه من قولهم: "أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا" لأن كفر هذا القائل و قوله: "لأوتين مالا و ولدا" من سنخ كفرهم و مبني على قولهم للمؤمنين لا خير عند هؤلاء و سعادة الحياة و عزة الدنيا و نعمتها و لا خير إلا ذلك عند الكفار و في ملتهم.

و من هنا يظهر أن لقوله: "و قال لأوتين مالا و ولدا" نوع ترتب على قوله "كفر بآياتنا" و أنه إنما كفر بآيات الله زاعما أن ذلك طريقة ميمونة مباركة تجلب لسالكها العزة و القدرة و ترزقه الخير و السعادة في الدنيا و قد أقسم بذلك كما يشهد به لام القسم و نون التأكيد في قوله: "لأوتين".

قوله تعالى: "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا" رد سبحانه عليه قوله: "لأوتين مالا و ولدا بكفري" بأنه رجم بالغيب لا طريق له إلى العلم فليس بمطلع على الغيب حتى يعلم بأنه سيؤتى بكفره ما يأمله و لا بمتخذ عهدا عند الله حتى يطمئن إليه في ذلك، و قد جيء بالنفي في صورة الاستفهام الإنكاري.

قوله تعالى: "كلا سنكتب ما يقول و نمد له من العذاب مدا" كلا كلمة ردع و زجر و ذيل الآية دليل على أنه سبحانه يرد بها ما يتضمنه قول هذا القائل من ترتب إيتاء المال و الولد على الكفر بآيات الله و محصله أن الذي يترتب على قوله هذا ليس هو إيتاء المال و الولد فإن لذلك أسبابا أخر بل هو مد العذاب على كفره و رجمه فهو يطلب بما يقول في الحقيقة عذابا ممدودا يتلو بعضه بعضا لأنه هو تبعة قوله لا إيتاء المال و الولد و سنكتب قوله و نرتب عليه أثره الذي هو مد العذاب فالآية نظيرة قوله: "فليدع ناديه سندع الزبانية": العلق: 18.

و من هنا يظهر أن الأقرب أن يكون المراد من كتابة قوله تثبيته ليترتب عليه أثره لا كتابته في صحيفة عمله ليحاسب عليه يوم القيامة كما فسره به أرباب التفسير، على أن قوله الآتي: "و نرثه ما يقول" لا يخلو على قولهم من شائبة التكرار من غير نكتة ظاهرة.

قوله تعالى: "و نرثه ما يقول و يأتينا فردا" المراد بوراثة ما يقول أنه سيموت و يفنى و يترك قوله: لأوتين بكفري مالا و ولدا، و قد كان خطيئة لازمة له لزوم المال للإنسان محفوظة عند الله كأنه مال ورثه بعده ففي الكلام استعارة لطيفة.

و قوله: "و يأتينا فردا" أي وحده و ليس معه شيء مما كان ينتصر به و يركن إليه بحسب وهمه فمحصل الآية أنه سيأتينا وحده و ليس معه إلا قوله الذي حفظناه عليه فنحاسبه على ما قال و نمد له من العذاب مدا.

هذا ما يقتضيه البناء على كون قوله في أول الآيات "لأوتين مالا و ولدا" ناظرا إلى الإيتاء في الدنيا، و أما بناء على كونه ناظرا إلى الإيتاء في الآخرة كما اختاره الأكثر فمعنى الآيات كما فسروها تعجب من الذي كفر بآياتنا و هو عاص بن وائل أو وليد بن المغيرة و قال: أقسم لأوتين إذا بعثت مالا و ولدا في الجنة، أ علم الغيب حتى يعلم أنه في الجنة؟ - و قيل: أ نظر في اللوح المحفوظ - أم اتخذ عند الرحمن عهدا بقول لا إله إلا الله حتى يدخل به الجنة - و قيل: أ قدم عملا صالحا كلا و ليس الأمر كما قال - سنكتب ما يقول بأمر الحفظة أن يثبتوه في صحيفة عمله و نمد له من العذاب مدا و نرثه ما يقول أي ما عنده من المال و الولد بإهلاكنا إياه و إبطالنا ملكه و يأتينا أي يأتي الآخرة فردا ليس عنده شيء من مال و ولد و عدة و عدد.

بحث روائي

في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: "أ فرأيت الذي كفر بآياتنا - و قال لأوتين مالا و ولدا" إنه العاص بن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي و كان أحد المستهزءين، و كان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق فأتاه يتقاضاه فقال له العاص: أ لستم تزعمون أن في الجنة الذهب و الفضة و الحرير؟ قال: بلى. قال: فموعد ما بيني و بينك الجنة، فو الله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا.



و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و مسلم و سعيد بن منصور و عبد بن حميد و الترمذي و البيهقي في الدلائل و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن حبان و ابن مردويه عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا و كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: لا و الله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت: لا و الله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني و لي ثم مال و ولد فأعطيك فأنزل الله: "أ فرأيت الذي كفر بآياتنا إلى قوله و يأتينا فردا".

أقول: و روى أيضا ما يقرب منه عن الطبراني عن خباب.

و أيضا عن سعيد بن منصور عن الحسن عن رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يسم خبابا و أيضا عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس عن رجال من الصحابة.

و قد تقدم أن الروايات لا تنطبق على سياق الآيات فإن الروايات صريحة في أن الكلمة إنما صدرت عن العاص بن وائل على سبيل الاستهزاء و السخرية على أن النقل القطعي أيضا يؤيد أن المشركين لم يكونوا قائلين بالبعث و النشور.

ثم الآيات تأخذ في رد كلمته بالاحتجاج و لو كانت كلمة استهزاء من غير جد لم يكن للاحتجاج عليها معنى إذ الاحتجاج لا يستقيم إلا على قول جدي و إلا كان هزلا فالروايات على صراحتها في كونها كلمة استهزاء لا تنطبق على الآية.

و لو حمل على وجه بعيد على أنه إنما قال: "لأوتين مالا و ولدا" على وجه الإلزام و التبكيت لخباب من غير أن يعتقده لا على وجه الاستهزاء! لم يكن لذكر الولد مع المال وجه و كفاه أن يقول لأوتين مالا مع أن في بعض هذه الروايات أنه قال لخباب: إنكم تزعمون أنكم ترجعون إلى مال و ولد و لم يعهد من مسلمي صدر الإسلام شيوع القول بأن في الجنة توالدا و تناسلا و لا وقعت في شيء من القرآن إشارة إلى ذلك.

هذا أولا.

و لم يكن للقسم و التأكيد البالغ في قوله: "لأوتين" وجه إذ الإلزام و التبكيت لا حاجة فيه إلى تأكيد.

و هذا ثانيا.

و لم يكن لإطلاق الإيتاء في قوله "لأوتين" من دون أن يقيده بالجنة أو الآخرة دفعا للبس نكتة ظاهرة.

و هذا ثالثا.

و لم يصلح للرد عليه و إبطاله إلا قوله تعالى: كلا سنكتب ما يقول و نمد له من العذاب" إلى آخر الآيتين، و أما قوله: "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا" فغير وارد عليه البتة إذ الإلزام و التبكيت لا يتوقف على العلم بصدق ما يلزم به حتى يتوقف عن منشإ علمه بل يجامع غالبا العلم بالكذب و إنما على التزام الخصم الذي يراد إلزامه به أو بما يستلزمه.

و هذا رابعا.

و اعلم أنه ورد في ذيل قوله: "و الباقيات الصالحات" الآية أخبار عن النبي و أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و قد أشرنا إليها في الجزء الثالث عشر من الكتاب في بحث روائي في ذيل الآية 46 من سورة الكهف.

19 سورة مريم - 81 - 96

وَ اتخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لهَُمْ عِزّا (81) َكلا سيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيهِمْ ضِداّ (82) أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسلْنَا الشيَطِينَ عَلى الْكَفِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّا (84) يَوْمَ نحْشرُ الْمُتّقِينَ إِلى الرّحْمَنِ وَفْداً (85) وَ نَسوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشفَعَةَ إِلا مَنِ اتخَذَ عِندَ الرّحْمَنِ عَهْداً (87) وَ قَالُوا اتخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً (88) لّقَدْ جِئْتُمْ شيْئاً إِدّا (89) تَكادُ السمَوَت يَتَفَطرْنَ مِنْهُ وَ تَنشقّ الأَرْض وَ تخِرّ الجِْبَالُ هَداّ (90) أَن دَعَوْا لِلرّحْمَنِ وَلَداً (91) وَ مَا يَنبَغِى لِلرّحْمَنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً (92) إِن كلّ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ إِلا ءَاتى الرّحْمَنِ عَبْداً (93) لّقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدّهُمْ عَدّا (94) وَ كلّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَرْداً (95) إِنّ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ سيَجْعَلُ لهَُمُ الرّحْمَنُ وُدّا (96)

بيان

هذا هو الفصل الثالث مما نقل عنهم و هو شركهم بالله باتخاذ الآلهة و قولهم: "اتخذ الرحمن ولدا" سبحانه و الجواب عن ذلك.

قوله تعالى: "و اتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا" هؤلاء الآلهة هم الملائكة و الجن و القديسون من الإنس و جبابرة الملوك فإن أكثرهم كانوا يرون الملك قداسة سماوية.

و معنى كونهم لهم عزا كونهم شفعاء لهم يقربونهم إلى الله بالشفاعة فينالون بذلك العزة في الدنيا ينجر إليهم الخير و لا يمسهم الشر، و من فسر كونهم لهم عزا بشفاعتهم لهم في الآخرة خفي عليه أن المشركين لا يقولون بالبعث.

قوله تعالى: "كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا" الضد بحسب اللغة المنافي الذي لا يجتمع مع الشيء، و عن الأخفش أن الضد يطلق على الواحد و الجمع كالرسول و العدو و أنكر ذلك بعضهم و وجه إطلاق الضد في الآية و هو مفرد على الآلهة و هي جمع بأنها لما كانت متفقة في عداوة هؤلاء و الكفر بعبادتهم كانت في حكم الواحد و صح بذلك إطلاق المفرد عليها.

و ظاهر السياق أن ضميري "سيكفرون" و "يكونون" للآلهة و ضميري "بعبادتهم" و "عليهم" للمشركين المتخذين للآلهة و المعنى: سيكفر الآلهة بعبادة هؤلاء المشركين و يكون الآلهة حال كونهم على المشركين لا لهم، ضدا لهم يعادونهم و لو كانوا لهم عزا لثبتوا على ذلك دائما و قد وقع ذلك في قوله تعالى: "و إذا رءا الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون:" النحل: 86.

و أوضح منه قوله: "و الذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم:" فاطر: 14.

و ربما احتمل أن يكون بالعكس من ذلك أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة و يكونون على الآلهة ضدا كما في قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا و الله ربنا ما كنا مشركين": الأنعام: 23، و يبعده أن ظاهر السياق أن يكون "ضدا" و قد قوبل به "عزا" في الآية السابقة، وصفا للآلهة دون المشركين و لازم ذلك أن يكون الآلهة الذين هم الضد هم الكافرين بعبادة المشركين نظرا إلى خصوص ترتب الضمائر.

على أن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: سيكفرون بهم على حد ما يقال: كفر بالله، و لا يقال: كفر بعبادة الله.

و المراد بكفر الآلهة يوم القيامة بعبادتهم و كونهم عليهم ضدا هو ظهور حقيقة الأمر يومئذ فإن شأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه لأهل الجمع لا حدوثها و لو لم تكن الآلهة كافرين بعبادتهم في الدنيا و لا عليهم ضدا بل بدا لهم ذلك يوم القيامة لم تتم حجة الآية فافهم ذلك، و على هذا المعنى يترتب قوله: "أ لم تر" "على قوله: "كلا سيكفرون بعبادتهم" إلخ.

قوله تعالى: "أ لم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا" الأز و الهز بمعنى واحد و هو التحريك بشدة و إزعاج و المراد تهييج الشياطين إياهم إلى الشر و الفساد و تحريضهم على اتباع الباطل و إضلالهم بالتزلزل عن الثبات و الاستقامة على الحق.

و لا ضير في نسبة إرسال الشياطين إليه تعالى بعد ما كان على طريق المجازاة فإنهم كفروا بالحق فجازاهم الله بزيادة الكفر و الضلال و يشهد بذلك قوله: "على الكافرين" و لو كان إضلالا ابتدائيا لقيل: "عليهم" من غير أن يوضع الظاهر موضع المضمر.

و الآية و هي مصدرة بقوله: "أ لم تر" المفيد معنى الاستشهاد مسوقة لتأييد ما ذكر في الآية السابقة من كون آلهتهم عليهم ضدا، فإن تهييج الشياطين إياهم للشر و الفساد و اتباع الباطل معاداة و ضدية و الشياطين و هم من الجن من جملة آلهتهم و لو لم يكن هؤلاء الآلهة عليهم ضدا ما دعوهم إلى ما فيه هلاكهم و شقاؤهم.

فالآية بمنزلة أن يقال: هؤلاء الآلهة الذين يحسبونهم لأنفسهم عزا هم عليهم ضد و تصديق ذلك أن الشياطين و هم من آلهتهم يحركونهم بإزعاج نحو ما فيه شقاؤهم و ليسوا مع ذلك مطلقي العنان بل إنما هو بإذن من الله يسمى إرسالا و على هذا فالآية متصلة بسابقتها و هو ظاهر.

و جعل صاحب روح المعاني، هذه الآية مترتبة على مجموع الآيات من قوله: "و يقول الإنسان ء إذا ما مت لسوف أخرج حيا" إلى قوله: "و يكونون عليهم ضدا" و متصلة به و أطنب في بيان كيفية الاتصال بما لا يجدي نفعا و أفسد بذلك سياق الآيات و اتصال ما بعد هذه الآية بما قبلها.

قوله تعالى: "فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا" العد هو الإحصاء و العد يفني المعدود و ينفده و بهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم و الانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحدا بعد آخر حتى تنتهي و هو اليوم الموعود عليهم.

و إذ كان مدة بقاء الإنسان هي مدة بلائه و امتحانه كما ينبىء عنه قوله: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا": الكهف: 7 كان العد بالحقيقة عدا للأعمال المثبتة في صحيفة العمر، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة و يستقصى للإنسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أو نقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقه جسمه كذلك مكث الإنسان في الدنيا لأن يتم به خلقة نفسه و إن يعد الله ما قدر له من العطية و يستقصيه.

و على هذا فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لأن مدة بقائه مدة عد سيئاته ليحاسب عليها و يعذب بها و لا لمؤمن صالح لأن مدة بقائه مدة عد حسناته ليثاب بها و يتنعم و الآية لا تقيد العد و إن فهم من ظاهرها في بادىء النظر عد الأنفاس أو الأيام.

و كيف كان فقوله: "فلا تعجل عليهم" تفريع على ما تقدم، و قوله: "إنما نعد" تعليل له و هو في الحقيقة علة التأخير و محصل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الآلهة و كانوا هم و آلهتهم منتهين إلينا غير خارجين من سلطاننا و لا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أو بالقضاء و لا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعد لهم أنفاسهم أو أعمالهم عدا.

قوله تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" الوفد هم القوم الواردون لزيارة أو استنجاز حاجة أو نحو ذلك و لا يسمون وفدا إلا إذا كانوا ركبانا و هو جمع واحده وافد.

و ربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية "إلى الرحمن" قوله في الآية التالية: "إلى جهنم" أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة و إنما سمي حشرا إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه.

و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: "و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا" فسر الورد بالعطاش و كأنه مأخوذ من ورود الماء أي قصده ليشرب و لا يكون ذلك إلا عن عطش فجعل بذلك الورد كناية عن العطاش، و في تعليق السوق إلى جهنم بوصف الإجرام إشعار بالعلية و نظيره تعليق الحشر إلى الرحمن في الآية السابقة بوصف التقوى.

و معنى الآية ظاهر.



قوله تعالى: "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" و هذا جواب ثان عن اتخاذهم الآلهة للشفاعة و هو أن ليس كل من يهوى الإنسان شفاعته فاتخذه إلها ليشفع له يكون شفيعا بل إنما يملك الشفاعة بعهد من الله و لا عهد إلا لآحاد من مقربي حضرته، قال تعالى: "و لا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق و هم يعلمون": الزخرف: 86.

و قيل: المراد أن المشفع لهم لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا و العهد هو الإيمان بالله و التصديق بالنبوة، و قيل: وعده تعالى له بالشفاعة كما في الأنبياء و الأئمة و المؤمنين و الملائكة على ما في الأخبار، و قيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن يتبرأ من الحول و القوة و أن لا يرجو إلا الله، و الوجه الأول هو الأوجه و هو بالسياق أنسب.

قوله تعالى: "و قالوا اتخذ الرحمن ولدا" من قول الوثنيين و بعض خاصتهم، و إن قال ببنوة الآلهة أو بعضهم لله سبحانه تشريفا أو تجليلا لكن عامتهم و بعض خاصتهم - في مقام التعليم - قال بذلك تحقيقا بمعنى الاشتقاق من حقيقة اللاهوت و اشتمال الولد على جوهرة والده، و هذا هو المراد بالآية و الدليل عليه التعبير بالولد دون الابن، و كذا ما في قوله: "إن كل من في السماوات و الأرض" إلى تمام ثلاث آيات من الاحتجاج على نفيه.

قوله تعالى: "لقد جئتم شيئا إدا" إلى تمام ثلاث آيات، الإد بكسر الهمزة: الشيء المنكر الفظيع، و التفطر الانشقاق، و الخرور السقوط، و الهد الهدم.

و الآيات في مقام إعظام الذنب و إكبار تبعته بتمثيله بالمحسوس يقول: لقد أتيتم بقولكم هذا أمرا منكرا فظيعا تكاد السماوات يتفطرن و ينشققن منه و تنشق الأرض و تسقط الجبال على السهل سقوط انهدام إن دعوا للرحمن ولدا.

قوله تعالى: "و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا" إلى تمام أربع آيات.

المراد بإتيان كل منهم عبدا له توجه الكل إليه و مثوله بين يديه في صفة المملوكية المحضة فكل منهم مملوك له لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا و ذلك أمر بالفعل ملازم له ما دام موجودا، و لذا لم يقيد الإتيان في الآية بالقيامة بخلاف ما في الآية الرابعة.

و المراد بإحصائهم و عدهم تثبيت العبودية لهم فإن العبيد إنما تتعين لهم أرزاقهم و تتبين وظائفهم و الأمور التي يستعملون فيها بعد الإحصاء و عدهم و ثبتهم في ديوان العبيد و به تسجل عليهم العبودية.

و المراد بإتيانه له يوم القيامة فردا إتيانه يومئذ صفر الكف لا يملك شيئا مما كان يملكه بحسب ظاهر النظر في الدنيا و كان يقال: إن له حولا و قوة و مالا و ولدا و أنصارا و وسائل و أسبابا إلى غير ذلك فيظهر يومئذ إذ تتقطع بهم الأسباب أنه فرد ليس معه شيء يملكه و أنه كان عبدا بحقيقة معنى العبودية لم يملك قط و لن يملك أبدا فشأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه.

و يظهر بما تقدم أن الذي تتضمنه الآيات من الحجة على نفي الولد حجة واحدة و محصلها أن كل من في السماوات و الأرض عبد لله مطيع له في عبوديته ليس له من الوجود و آثار الوجود إلا ما آتاه الله فأخذه هو ممتثلا لأمره تابعا لإرادته من غير أن يملك من ذلك شيئا، و ليس من عبوديتها هذا فحسب بل الله أحصاهم و عدهم فسجل عليهم العبودية و أثبت كلا في موضعه و سخره مستعملا له فيما يريده منه فكان شاهدا لعبوديته، و ليس هذا المقدار فحسب بل سيأتيه كل منهم فردا لا يملك شيئا و لا يصاحبه شيء و يظهر بذلك حقيقة عبوديتهم للكل فيشهدون ذلك و إذا كان هذا حال كل من في السموات و الأرض فكيف يمكن أن يكون بعضهم ولدا لله واجدا لحقيقة اللاهوت مشتقا من جوهرتها، و كيف تجتمع الألوهية و الفقر؟.

و أما انتهاء وجود الأشياء إليه تعالى وحده كما تضمنته الآية الأولى فمما لا يرتاب فيه مثبتو الصانع سواء في ذلك الموحدون و المشركون و إنما الاختلاف في كثرة المعبود و وحدته و كثرة الرب بمعنى المدبر و لو بالتفويض و عدمها.

قوله تعالى: "إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" الود و المودة المحبة و في الآية وعد جميل منه تعالى أنه سيجعل للذين آمنوا و عملوا الصالحات مودة في القلوب و لم يقيده بما بينهم أنفسهم و لا بغيرهم و لا بدنيا و لا بآخره أو جنة فلا موجب لتقييد بعضهم ذلك بالجنة و آخرين بقلوب الناس في الدنيا إلى غير ذلك.

و قد ورد في أسباب النزول، من طرق الشيعة و أهل السنة أن الآية نزلت في علي (عليه السلام)، و في بعضها ما ورد من طرق أهل السنة أنها نزلت في مهاجري الحبشة و في بعضها غير ذلك و سيجيء في البحث الروائي الآتي.

و على أي حال فعموم لفظ الآية في محله، و الظاهر أن الآية متصلة بقوله السابق: سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا".

بحث روائي

في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: "كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا" يوم القيامة أي يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيامة و يتبرءون منهم و من عبادتهم إلى يوم القيامة.

و في الكافي، بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله عز و جل: "إنما نعد لهم عدا" قال: ما هو عندك؟ قلت: عد الأيام قال الآباء و الأمهات يحصون ذلك و لكنه عدد الأنفاس.

و في نهج البلاغة، من كلامه (عليه السلام): نفس المرء خطاه إلى أجله.

و فيه، قال (عليه السلام): كل معدود متنقص و كل متوقع آت.

و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر محمد بن علي: في قوله: "إنما نعد لهم عدا" قال: كل شيء حتى النفس.

أقول: و هي أشمل الروايات و لا يبعد أن يستفاد منها أن ذكر النفس في الروايات من قبيل ذكر المثال.

و في محاسن البرقي، بإسناده عن حماد بن عثمان و غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال يحشرون على النجائب.

و في تفسير القمي، بإسناده عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفسير قوله عز و جل: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" قال: يا علي الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله عز و جل فأحبهم و اختصهم و رضي أعمالهم فسماهم الله متقين.

الحديث.

أقول: ثم روى القمي حديثا آخر طويلا يذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه تفصيل خروجهم من قبورهم و ركوبهم من نوق الجنة و وفودهم إلى الجنة و دخولهم فيها و تنعمهم بما رزقوا من نعمها.

و في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في الآية قال: أما و الله ما يحشرون على أقدامهم و لا يساقون سوقا و لكنهم يؤتون بنوق من الجنة لم تنظر الخلائق إلى مثلها رحالها الذهب و أزمتها الزبرجد فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة.

أقول: و روى أيضا هذا المعنى عن ابن أبي الدنيا و ابن أبي حاتم و ابن مردويه من طرق عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل يصف فيه ركوبهم و وفودهم و دخولهم الجنة.

و استقرارهم فيها و تنعمهم من نعمها.



و رواه فيه عن عدة من أرباب الجوامع عن علي (عليه السلام).

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: قوله: "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال: إلا من دان بولاية أمير المؤمنين و الأئمة من بعده فهو العهد عند الله.

أقول: و روى في الدر المنثور، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن من أدخل على مؤمن سرورا فقد سرني و من سرني فقد اتخذ عند الله عهدا.

الحديث، و روى عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): أن المحافظة على العهد هو المحافظة على الصلوات الخمس، و هنا روايات أخر من طرق الخاصة و العامة قريبة مما أوردناه و يستفاد من مجموعها أن العهد المأخوذ عند الله اعتقاد حق أو عمل صالح ينجي المؤمن يوم القيامة و أن ما ورد في الروايات من قبيل المصاديق المتفرقة.

و اعلم أيضا أن الروايات السابقة مبنية على كون المراد ممن يملك الشفاعة في الآية هو الذي ينال الشفاعة أو الأعم من الشفعاء و المشفوع لهم، و أما لو كان المراد هم الشفعاء فالأخبار أجنبية منها.

و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت: قوله عز و جل: "و قالوا اتخذ الرحمن ولدا" قال هذا حيث قالت قريش: إن لله عز و جل ولدا و أن الملائكة إناث فقال الله تبارك و تعالى ردا عليهم "لقد جئتم شيئا إدا" أي عظيما "تكاد السماوات يتفطرن منه" يعني مما قالوه و مما رموه به و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا" مما قالوه و مما رموه به "أن دعوا للرحمن ولدا فقال الله تبارك و تعالى: "و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم و عدهم عدا و كلهم آتيه يوم القيامة فردا" واحدا واحدا.

في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): قلت: قوله عز و جل "إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا" قال: ولاية أمير المؤمنين هي الود الذي ذكره الله:. أقول: و رواه في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عنه (عليه السلام).

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه و الديلمي عن البراء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي عندك ودا و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله "إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا" قال: فنزلت في علي.

و فيه، أخرج الطبراني و ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب "إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا" قال: محبة في قلوب المؤمنين.

و في المجمع،: في الآية: قيل فيه أقوال: أحدها أنها خاصة في علي فما من مؤمن إلا و في قلبه محبة لعلي (عليه السلام). عن ابن عباس و في تفسير أبي حمزة الثمالي: حدثني أبو جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فقالهما فنزلت هذه الآية: و روى نحوه عن جابر بن عبد الله: : أقول قال في روح المعاني،: الظاهر أن الآية على هذا مدنية، و أنت خبير بأن لا دلالة في شيء من الأحاديث على وقوع القصة في المدينة أصلا.

و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف: أنه لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم شيبة بن ربيعة و عتبة بن ربيعة و أمية بن خلف فأنزل الله "إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات - سيجعل لهم الرحمن ودا".

أقول: صريح الحديث كون الآية مدنية و يدفعه اتفاق الكل على كون السورة بجميع آياتها مكية و قد تقدم في أول السورة.

و فيه، أخرج الحكيم الترمذي و ابن مردويه عن علي قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قوله: "سيجعل لهم الرحمن ودا" ما هو؟ قال: المحبة في قلوب المؤمنين و الملائكة المقربين، يا علي إن الله أعطى المؤمن ثلاثا: المقة و المحبة و الحلاوة و المهابة في صدور الصالحين.

أقول: المقة المحبة و في معناه بعض روايات أخر من طرق أهل السنة مبنية على عموم لفظ الآية و هو لا ينافي خصوص مورد النزول.

19 سورة مريم - 97 - 98

فَإِنّمَا يَسرْنَهُ بِلِسانِك لِتُبَشرَ بِهِ الْمُتّقِينَ وَ تُنذِرَ بِهِ قَوْماً لّدّا (97) وَ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تحِس مِنهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسمَعُ لَهُمْ رِكْزَا (98)

بيان

الآيتان ختام السورة يذكر سبحانه فيهما تنزيل حقيقة القرآن و هي أعلى من أن تنالها أيدي الأفهام العادية أو يمسه غير المطهرين إلى مرتبة الذكر بلسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و يذكر أن الغاية من هذا التيسير أن يبشر به المتقين من عباده و ينذر به قوما لدا خصماء، ثم لخص إنذارهم بتذكير هلاك من هلك من القرون السابقة عليهم.

قوله تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوما لدا" التيسير و هو التسهيل ينبىء عن حال سابقة ما كان يسهل معها تلاوته و لا فهمه و قد أنبأ سبحانه عن مثل هذه الحالة لكتابه في قوله: "و الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم:" الزخرف: 4، فأخبر أنه لو أبقاه على ما كان عليه عنده - و هو الآن كذلك - من غير أن يجعله عربيا مقروا لم يرج أن يعقله الناس و كان كما كان عليا حكيما أي آبيا متعصيا أن يرقى إليه أفهامهم و ينفذ فيه عقولهم.

و من هنا يتأيد أن معنى تيسيره بلسانه تنزيله على اللسان العربي الذي كان هو لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنبىء الآية أنه تعالى يسره بلسانه ليتيسر له التبشير و الإنذار.

و ربما قيل: إن معنى تيسيره بلسانه إجراؤه على لسانه بالوحي و اختصاصه بوحي الكلام الإلهي ليبشر به و ينذر.

و هذا و إن كان في نفسه وجها عميقا لكن الوجه الأول مضافا إلى تأيده بالآيات السابقة و أمثالها أنسب و أوفق بسياق آيات السورة.

و قوله: "و تنذر به قوما لدا" المراد قومه، (صلى الله عليه وآله وسلم) و اللد جمع ألد من اللدد و هو الخصومة.

قوله تعالى: "و كم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا" الإحساس هو الإدراك بالحس، و الركز هو الصوت، قيل: و الأصل في معناه الحس، و محصل المعنى أنهم و إن كانوا خصماء مجادلين لكنهم غير معجزي الله بخصامهم فكم أهلكنا قبلهم من قرن فبادوا فلا يحس منهم أحد و لا يسمع لهم صوت.

20 سورة طه - 1 - 8

بِسمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْءَانَ لِتَشقَى (2) إِلا تَذْكرَةً لِّمَن يخْشى (3) تَنزِيلاً مِّمّنْ خَلَقَ الأَرْض وَ السمَوَتِ الْعُلى (4) الرّحْمَنُ عَلى الْعَرْشِ استَوَى (5) لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا وَ مَا تحْت الثرَى (6) وَ إِن تجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنّهُ يَعْلَمُ السرّ وَ أَخْفَى (7) اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسمَاءُ الحُْسنى (8)

بيان

غرض السورة التذكرة من طريق الإنذار تغلب فيها آيات الإنذار و التخويف على آيات التبشير غلبة واضحة، فقد اشتملت على قصص تختتم بهلاك الطاغين و المكذبين لآيات الله و تضمنت حججا بينة تلزم العقول على توحيده تعالى و الإجابة لدعوة الحق و تنتهي إلى بيان ما سيستقبل الإنسان من أهوال الساعة و مواقف القيامة و سوء حال المجرمين و خسران الظالمين.

و قد افتتحت الآيات - على ما يلوح من السياق - بما فيه نوع تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يتعب نفسه الشريفة في حمل الناس على دعوته التي يتضمنها القرآن فلم ينزل ليتكلف به بل هو تنزيل إلهي يذكر الناس بالله و آياته رجاء أن تستيقظ غريزة خشيتهم فيتذكروا فيؤمنوا به و يتقوا فليس عليه إلا التبليغ فحسب فإن خشوا و تذكروا و إلا غشيتهم غاشية عذاب الاستئصال أو ردوا إلى ربهم فأدركهم وبال ظلمهم و فسقهم و وفيت لهم أعمالهم من غير أن يكونوا معجزين لله سبحانه بطغيانهم و تكذيبهم.

و سياق آيات السورة يعطي أن تكون مكية و في بعض الآثار أن قوله: فاصبر على ما يقولون" الآية: - 130 مدنية و في بعضها الآخر أن قوله: "لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم" الآية: - 131، مدنية و لا دليل على شيء من ذلك من ناحية اللفظ.

و من غرر الآيات في السورة قوله تعالى: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى".

قوله تعالى: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" طه حرفان من الحروف المقطعة افتتحت بهما السورة كسائر الحروف المقطعة التي افتتحت بها سورها نحو الم الر و نظائرهما و قد نقل عن جماعة من المفسرين في معنى الحرفين أمور ينبغي أن يجل البحث التفسيري عن إيرادها و الغور في أمثالها، و سنلوح إليها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.

و الشقاوة خلاف السعادة قال الراغب: و الشقاوة كالسعادة من حيث الإضافة فكما أن السعادة في الأصل ضربان: سعادة أخروية و سعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب: سعادة نفسية و بدنية و خارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب - إلى أن قال - قال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا، و كل شقاوة تعب، و ليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة.

انتهي.

فالمعنى ما أنزلنا القرآن لتتعب نفسك في سبيل تبليغه بالتكلف في حمل الناس عليه.

قوله تعالى: "إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض و السماوات العلى" التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشيء و إذ كان الإنسان ينال حقائق الدين الكلية بفطرته كوجوده تعالى و توحده في وجوب وجوده و ألوهيته و ربوبيته و النبوة و المعاد و غير ذلك كانت أمورا مودعة في الفطرة غير أن إخلاد الإنسان إلى الأرض و إقباله إلى الدنيا و اشتغاله بما يهواه من زخارفها اشتغالا لا يدع في قلبه فراغا أنساه ما أودع في فطرته و كان إلقاء هذه الحقائق إلفاتا لنفسه إليها و تذكرة له بها بعد نسيانها.

و من المعلوم أن ذلك إعراض و إنما سمي نسيانا بنوع من العناية و هو اشتراكهما في الأثر و هو عدم الاعتناء بشأنه فلا بد في دفع هذا النسيان الذي أوجبه اتباع الهوى و الانكباب على الدنيا من أمر ينتزع النفس انتزاعا و يدفعها إلى الإقبال إلى الحق دفعا و هو الخشية و الخوف من عاقبة الغفلة و وبال الاسترسال حتى تقع التذكرة موقعها و تنفع في اتباع الحق صاحبها.

و بما تقدم من البيان يظهر وجه تقييد التذكرة بقوله: "لمن يخشى" و أن المراد بمن يخشى من كان في طبعه ذلك بأن كان مستعدا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحق حتى إذا بلغت إليه التذكرة ظهرت في باطنه الخشية فآمن و اتقى.

و الاستثناء في قوله: "إلا تذكرة" استثناء منقطع - على ما قالوا - و المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك و لكن ليكون مذكرا يتذكر به من من شأنه أن يخشى فيخشى فيؤمن بالله و يتقي.

فالسياق على رسله يستدعي كون "تذكرة" مصدرا بمعنى الفاعل و مفعولا له لقوله: "ما أنزلنا" كما يستدعي كون قوله: "تنزيلا" بمعنى اسم المفعول حالا من ضمير "تذكرة" الراجع إلى القرآن، و المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك و لكن لتذكر الخاشعين بكلام إلهي منزل من عنده.

و قوله: "تنزيلا ممن خلق الأرض و السماوات العلى" العلى جمع عليا مؤنث أعلى كفضلى و فضل، و اختيار خلق الأرض و السماوات صلة للموصول و بيانا لإبهام المنزل لمناسبته معنى التنزيل الذي لا يتم إلا بعلو و سفل يكونان مبدأ و منتهى لهذا التسيير، و قد خصصا بالذكر دون ما بينهما إذ لا غرض يتعلق بما بينهما و إنما الغرض بيان مبدإ التنزيل و منتهاه بخلاف قوله: له ما في السماوات و الأرض و ما بينهما" إذ الغرض بيان شمول الملك للجميع.

قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" استئناف يذكر فيه مسألة توحيد الربوبية التي هي مخ الغرض من الدعوة و التذكرة و ذلك في أربع آيات "الرحمن - إلى قوله - له الأسماء الحسنى".

و قد تقدم في قوله تعالى "ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار": الأعراف: 54، أن الاستواء على العرش كناية عن الاحتواء على الملك و الأخذ بزمام تدبير الأمور و هو فيه تعالى - على ما يناسب ساحة كبريائه و قدسه - ظهور سلطنته على الكون و استقرار ملكه على الأشياء بتدبير أمورها و إصلاح شئونها.

فاستواؤه على العرش يستلزم إحاطة ملكه بكل شيء و انبساط تدبيره على الأشياء سماويها و أرضيها جليلها و دقيقها خطيرها و يسيرها، فهو تعالى رب كل شيء المتوحد بالربوبية إذ لا نعني بالرب إلا المالك للشيء المدبر لأمره، و لذلك عقب حديث الاستواء على العرش بحديث ملكه لكل شيء و علمه بكل شيء و ذلك في معنى التعليل و الاحتجاج على الاستواء المذكور.

و معلوم أن "الرحمن" و هو مبالغة من الرحمة التي هي الإفاضة بالإيجاد و التدبير و هو يفيد الكثرة أنسب بالنسبة إلى الاستواء من سائر الأسماء و الصفات و لذلك اختص من بينها بالذكر.

و قد ظهر بما تقدم أن "الرحمن" مبتدأ خبره "استوى" و "على العرش" متعلق بقوله "استوى" و المراد بيان الاستواء على العرش و هذا هو المستفاد أيضا من سائر الآيات فقد تكرر فيها حديث الاستواء على العرش كقوله: "ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار:" الأعراف: 54، و قوله: "ثم استوى على العرش يدبر الأمر:" يونس: 3، و قوله: "ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي:" الم السجدة: 4، و قوله: "ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض": الحديد: 4، إلى غير ذلك.

و بذلك يتبين فساد ما نسب إلى بعضهم أن قوله "الرحمن على العرش" مبتدأ و خبر ثم قوله "استوى" فعل فاعله "ما في السماوات" و قوله "له" متعلق بقوله: "استوى" و المراد باستواء كل شيء له تعالى جريها على ما يوافق إرادته و انقيادها لأمره.



و قد أشبعنا الكلام في معنى العرش في ذيل الآية 54 من سورة الأعراف في الجزء الثامن من الكتاب، و سيأتي بعض ما يختص بالمقام في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: "له ما في السماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى" الثرى على ما قيل: هو التراب الرطب أو مطلق التراب، فالمراد بما تحت الثرى ما في جوف الأرض دون التراب و يبقى حينئذ لما في الأرض ما على بسيطها من أجزائها و ما يعيش فيها مما نعلمه و نحس به كالإنسان و أصناف الحيوان و النبات و ما لا نعلمه و لا نحس به.

و إذا عم الملك ما في السماوات و الأرض و من ذلك أجزاؤهما عم نفس السماوات و الأرض فليس الشيء إلا نفس أجزائه.

و قد بين في هذه الآية أحد ركني الربوبية و هو الملك، فإن معنى الربوبية كما تقدم آنفا هو الملك و التدبير.

قوله تعالى: "و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى" الجهر بالقول: رفع الصوت به، و الإسرار خلافه، قال تعالى: "و أسروا قولكم أو اجهروا به:" الملك: 13، و السر هو الحديث المكتوم في النفس، و قوله: "و أخفى" أفعل التفضيل من الخفاء على ما يعطيه سياق الترقي في الآية و لا يصغى إلى قول من قال: إن "أخفى" فعل ماض فاعله ضمير راجع إليه تعالى، و المعنى: أنه يعلم السر و أخفى علمه.

هذا.

و في تنكير "أخفى" تأكيد للخفاء.

و ذكر الجهر بالقول في الآية أولا ثم إثبات العلم بما هو أدق منه و هو السر و الترقي إلى أخفى يدل على أن المراد إثبات العلم بالجميع، و المعنى: و إن تجهر بقولك و أعلنت ما تريده - و كأن المراد بالقول ما في الضمير من حيث إن ظهوره إنما هو بالقول غالبا - أو أسررته في نفسك و كتمته أو كان أخفى من ذلك بأن كان خفيا حتى عليك نفسك فإن الله يعلمه.

فالأصل ترديد القول بين المجهور به و السر و أخفى و إثبات العلم بالجميع ثم وضع إثبات العلم بالسر و أخفى موضع الترديد الثاني و الجواب إيجازا.

فدل على الجواب في شقي الترديد معا و على معنى الأولوية بأوجز بيان كأنه قيل: و إن تسأل عن علمه بما تجهر به من قولك فهو يعلمه و كيف لا يعلمه؟ و هو يعلم السر و أخفى منه فهو في الكلام من لطيف الصنعة.

و ذكر بعضهم أن المراد بالسر ما أسررته من القول إلى غيرك و لم ترفع صوتك به، و المراد بأخفى منه ما أخطرته ببالك هذا و الذي ذكره حق في الإسرار لكن القول لا يسمى سرا إلا من جهة كتمانه في النفس فالمعول على ما قدمناه من المعنى.

و كيف كان فالآية تثبت علمه تعالى بكل شيء ظاهر أو خفي فهي في ذكر العلم عقيب الاستواء على العرش نظيرة قوله تعالى: "ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها" الآية: الحديد: 4، و معلوم أن علمه تعالى بما يجري في ملكه و يحدث في مستقر سلطانه من الحوادث يستلزم رضاه بذلك و إذنه و بنظر آخر مشيئته لهذا النظام الجاري و هذا هو التدبير.

فالآية تثبت عموم التدبير كما أن الآية السابقة كانت تثبت عموم الملك و مجموع مدلوليهما هو الملك و التدبير و ذلك معنى الربوبية المطلقة فالآيتان في مقام التعليل تثبت بهما ربوبيته تعالى المطلقة.

قوله تعالى: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" بمنزلة النتيجة لما تقدم من الآيات و لذلك كان الأنسب أن يكون اسم الجلالة خبرا لمبتدإ محذوف و التقدير هذا المذكور في الآيات السابقة هو الله لا إله إلا هو... إلخ، و إن كان الأقرب بالنظر إلى استقلال الآية و جامعيتها في مضمونها أن يكون اسم الجلالة مبتدأ و قوله: "لا إله إلا هو" خبره، و قوله: "له الأسماء الحسنى" خبرا بعد خبر.

و كيف كان فقوله: "الله لا إله إلا هو" يمكن أن يعلل بما ثبت في الآيات السابقة من توحده تعالى بالربوبية المطلقة و يمكن أن يعلل بقوله بعده: "له الأسماء الحسنى".

أما الأول فلأن معنى الإله في كلمة التهليل إما المعبود و إما المعبود بالحق فمعنى الكلام الله لا معبود حق غيره أو لا معبود بالحق موجود غيره و المعبودية من شئون الربوبية و لواحقها فإن العبادة نوع تمثيل و ترسيم للعبودية و المملوكية و إظهار للحاجة إليه فمن الواجب أن يكون المعبود مالكا لعابده مدبرا أمره أي ربا له و إذ كان تعالى رب كل شيء لا رب سواه فهو المعبود لا معبود سواه.

و أما الثاني فلأن العبادة لأحد ثلاث خصال إما رجاء لما عند المعبود من الخير فيعبد طمعا في الخير الذي عنده لينال بذلك، و إما خوفا مما في الإعراض عنه و عدم الاعتناء بأمره من الشر و إما لأنه أهل للعبادة و الخضوع.

و الله سبحانه هو المالك لكل خير لا يملك شيء شيئا من الخير إلا ما ملكه هو إياه و هو المالك مع ذلك لما ملكه و القادر على ما عليه أقدره و هو المنعم المفضل المحيي الشافي الرازق الغفور الرحيم الغني العزيز و له كل اسم فيه معنى الخير فهو سبحانه المستحق للعبادة رجاء لما عنده من الخير دون غيره.

و الله سبحانه هو العزيز القاهر الذي لا يقوم لقهره شيء و هو المنتقم ذو البطش شديد العقاب لا شر لأحد عند أحد إلا بإذنه فهو المستحق لأن يعبد خوفا من غضبه لو لم يخضع لعظمته و كبريائه.

و الله سبحانه هو الأهل للعبادة وحده لأن أهلية الشيء لأن يخضع له لنفسه ليس إلا لكمال فالكمال وحده هو الذي يخضع عنده النقص الملازم للخضوع و هو إما جمال تنجذب إليه النفس انجذابا أو جلال يخر عنده اللب و يذهب دونه القلب و له سبحانه كل الجمال و ما من جمال إلا و هو آية لجماله، و له سبحانه كل الجلال و كل ما دونه آيته.

فالله سبحانه لا إله إلا هو و لا معبود سواه لأنه له الأسماء الحسنى.

و معنى ذلك أن كل اسم هو أحسن الأسماء التي هي نظائره له تعالى، توضيح ذلك أن توصيف الاسم بالحسن يدل على أن المراد به ما يسمى في اصطلاح الصرف صفة كاسم الفاعل و الصفة المشبهة دون الاسم بمعنى علم الذات لأن الأعلم إنما شأنها الإشارة إلى الذوات و الاتصاف بالحسن أو القبح من شأن الصفات باشتمالها على المعاني كالعادل و الظالم و العالم و الجاهل، فالمراد بالأسماء الحسنى الألفاظ الدالة على المعاني الوصفية الجميلة البالغة في الجمال كالحي و العليم و القدير، و كثيرا ما يطلق التسمية على التوصيف، قال تعالى: "قل سموهم" أي صفوهم.

و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى: "و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في أسمائه": الأعراف: 180، أي يميلون من الحق إلى الباطل فيطلقون عليه من الأسماء ما لا يليق بساحة قدسه.



فالمراد بالأسماء الحسنى ما دل على معان وصفية كالإله و الحي و العليم و القدير دون اسم الجلالة الذي هو علم الذات، ثم الأسماء تنقسم إلى قبيحة كالظالم و الجائر و الجاهل، و إلى حسنة كالعادل و العالم، و الأسماء الحسنة تنقسم إلى ما فيه كمال ما و إن كان غير خال عن شوب النقص و الإمكان نحو صبيح المنظر و معتدل القامة و جعد الشعر و ما فيه الكمال من غير شوب كالحي و العليم و القدير بتجريد معانيها عن شوب المادة و التركيب و هي أحسن الأسماء لبراءتها عن النقص و العيب و هي التي تليق أن تجري عليه تعالى و يتصف بها.

و لا يختص ذلك منها باسم دون اسم بل كل اسم أحسن فله تعالى لمكان الجمع المحلى باللام المفيد للاستغراق في قوله تعالى: "له الأسماء الحسنى" و تقديم الخبر يفيد الحصر فجميعها له وحده.

و معنى كونها له تعالى أنه تعالى يملكها لذاته و الذي يوجد منها في غيره فهو بتمليك منه تعالى على حسب ما يريد كما يدل عليه سوق الآيات الآتية سوق الحصر كقوله: "هو الحي لا إله إلا هو": المؤمن: 65، و قوله: "و هو العليم القدير": الروم: 54 و قوله: هو السميع البصير": المؤمن: 56، و قوله: "إن القوة لله جميعا": البقرة: 165، و قوله: "فإن العزة لله جميعا": النساء: 139، و قوله: "و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء": البقرة: 255، إلى غير ذلك.

و لا محذور في تعميم ملكه بالنسبة إلى جميع أسمائه و صفاته حتى ما كان منها عين ذاته كالحي و العليم و القدير و كالحياة و العلم و القدرة فإن الشيء ربما ينسب إلى نفسه بالملك كما في قوله تعالى: "رب إني لا أملك إلا نفسي": المائدة: 25.

بحث روائي

في المجمع،: "في قوله ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله تعالى: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام): أقول: و رواه في الدر المنثور، عن عبد بن حميد و ابن المنذر عن الربيع بن أنس و أيضا عن ابن مردويه عن ابن عباس.

و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورم فأنزل الله تبارك و تعالى: طه بلغة طي يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى - إلا تذكرة لمن يخشى".

أقول: و روى ما في معناه في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) و في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي (عليه السلام)، و روى هذا المعنى أيضا في الدر المنثور، عن ابن المنذر و ابن مردويه و البيهقي عن ابن عباس.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن علي قال: لما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا" قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا و يضع رجلا فهبط عليه جبريل فقال: "طه" يعني الأرض بقدميك يا محمد "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" و أنزل "فاقرءوا ما تيسر من القرآن".

أقول: و المظنون المطابق للاعتبار أن تكون هذه الرواية هي الأصل في القصة بأن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام على قدميه في الصلاة حتى تورمت قدماه ثم جعل يرفع قدما و يضع أخرى أو قام على صدور قدميه أو أطراف أصابعه فذكر في كل من الروايات بعض القصة سببا للنزول و إن كان لفظ بعض الروايات لا يساعد على ذلك كل المساعدة.

نعم يبقى على الرواية أمران: أحدهما: أن في انطباق الآيات بما لها من السياق على القصة خفاء.

و ثانيهما: ما في الرواية من قوله: "فقال طه يعني الأرض بقدميك يا محمد" و نظيره ما مر في رواية القمي "فأنزل الله: طه بلغة طي يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" و معناه أن طه جملة كلامية مركبة من فعل أمر من وطأ يطأ و مفعوله ضمير تأنيث راجع إلى الأرض، أي طإ الأرض و ضع قدميك عليها و لا ترفع إحداهما و تضع الأخرى.

فيرد عليه حينئذ أن هذا الذيل لا ينطبق على صدر الرواية فإن مفاد الصدر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرفع رجلا و يضع أخرى في الصلاة إثر تورم قدميه يتوخى به أن يسكن وجع قدمه التي كان يرفعها فيستريح هنيئة و يشتغل بربه من غير شاغل يشغله و على هذا فرفع الكلفة و التعب عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما يناسب الحال إنما هو بأن يؤمر بتقليل الصلاة أو بتخفيف القيام لا بوضع القدمين على الأرض حتى يزيد ذلك في تعبه و يشدد وجعه فلا يلائم قوله "طه" قوله: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" و لعل قوله: "يعني الأرض بقدميك" من كلام الراوي و النقل بالمعنى.

على أنه مغاير للقراءات المأثورة البانية على كون "طه" حرفين مقطعتين لا معنى وضعي لهما كسائر الحروف المقطعة التي صدرت بها عدة من السور القرآنية.

و ذكر قوم منهم أن معنى "طه" يا رجل ثم قال بعضهم: إنه لغة نبطية و قيل: حبشية، و قيل: عبرانية، و قيل: سريانية، و قيل: لغة عكل، و قيل: لغة عك، و قيل: هو لغة قريش، و احتمل الزمخشري أن يكون لغة عك و أصله يا هذا قلبت الياء طاء و حذفت ذا تخفيفا فصارت طاها، و قيل: معناه يا فلان، و قرأ قوم طه بفتح الطاء و سكون الهاء كأنه أمر من وطأ يطأ و الهاء للسكت و قيل: إنه من أسماء الله و لا عبرة بشيء من هذه الأقوال و لا جدوى في إمعان البحث عنها.

نعم ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) كما في روح المعاني، و عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما عن معاني الأخبار، بإسناده عن الثوري: أن طه اسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في روايات أخرى: أن يس من أسمائه و روى الاسمين معا في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن سيف عن أبي جعفر.

و إذ كانت تسمية سماوية ما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعى و لا يعرف به قبل نزول القرآن و لا أن لطه معنى وصفيا في اللغة و لا معنى لتسميته بعلم ارتجالي لا معنى له إلا الذات مع وجود اسمه و اشتهاره به و كان الحق في الحروف المقطعة في فواتح السور أنها تحمل معاني رمزية ألقاها الله إلى رسوله، و كانت سورة طه مبتدئة بخطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "طه ما أنزلنا عليك" إلخ كما أن سورة يس كذلك "يس و القرآن الحكيم إنك لمن المرسلين" بخلاف سائر السور المفتتحة بالحروف المقطعة و ظاهر ذلك أن يكون المعنى المرموز إليه بمقطعات فاتحتي هاتين السورتين أمرا راجعا إلى شخصه (صلى الله عليه وآله وسلم) متحققا به بعينه فكان وصفا لشخصيته الباطنة مختصا به فكان اسما من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا أطلق عليه و قيل: طه أو يس كان المعنى من خوطب بطه أو يس ثم صار علما بكثرة الاستعمال.

هذا ما تيسر لنا من توجيه الرواية فيكون بابه باب التسمي بمثل تأبط شرا و من قبيل قوله: أنا ابن جلا و طلاع الثنايا.

إذا أضع العمامة تعرفوني.

يريد أنا ابن من كثر فيه قول الناس: جلا جلا حتى سمي جلا.

و في احتجاج الطبرسي، عن الحسن بن راشد قال: سئل أبو الحسن موسى (عليه السلام) عن قول الله: "الرحمن على العرش استوى" فقال: استولى على ما دق و جل.



و في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن مازن: أن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن قول الله عز و جل: "الرحمن على العرش استوى" فقال: استوى من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء:. أقول: و رواه القمي أيضا في تفسيره، عنه (عليه السلام) و رواه أيضا في التوحيد، بإسناده عن مقاتل بن سليمان عنه (عليه السلام): و رواه أيضا في الكافي، و التوحيد، بالإسناد عن عبد الرحمن بن الحجاج عنه (عليه السلام): و زادا "لم يبعد منه بعيد و لم يقرب منه قريب استوى من كل شيء".

و في الاحتجاج، عن علي (عليه السلام): في حديث "الرحمن على العرش استوى" يعني استوى تدبيره و علا أمره.

أقول: ما ورد من التفسير في هذه الروايات الثلاث تفسير لمجموع الآية لا لقوله "استوى" و إلا عاد قوله: "الرحمن على العرش" جملة تامة مركبة من مبتدإ و خبر و لا يساعد عليه سياق سائر آيات الاستواء كما تقدمت الإشارة إليه.

و يؤيد ذلك ما في الرواية الأخيرة من قوله: "و علا أمره" بعد قوله: "استوى تدبيره" فإنه ظاهر في أن الكون على العرش مقصود في التفسير فالروايات مبنية على كون الآية كناية عن الاستيلاء و انبساط السلطان.

و في التوحيد، بإسناده عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زعم أن الله من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك. ثم قال: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا، و من زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور، و من زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا.

و فيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل و فيه: قال السائل: فقوله: "الرحمن على العرش استوى"؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): بذلك وصف نفسه، و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له، و لا أن يكون العرش حاويا له و لا أن يكون العرش ممتازا له و لكنا نقول هو حامل العرش و ممسك العرش، و نقول من ذلك ما قال: "وسع كرسيه السماوات و الأرض". فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته و نفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاويا و أن يكون عز و جل محتاجا إلى مكان أو إلى شيء مما خلق بل خلقه محتاجون إليه.

أقول: و قوله (عليه السلام): فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته إلخ، إشارة إلى طريقة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير الآيات المتشابهة من القرآن مما يرجع إلى أسمائه و صفاته و أفعاله و آياته الخارجة عن الحس و ذلك بإرجاعها إلى المحكمات و نفي ما تنفيه المحكمات عن ساحته تعالى و إثبات ما ثبت بالآية و هو أصل المعنى المجرد عن شائبة النقص و الإمكان التي نفاها المحكمات.

فالعرش هو المقام الذي يبتدىء منه و ينتهي إليه أزمة الأوامر و الأحكام الصادرة من الملك و هو سرير مقبب مرتفع ذو قوائم معمول من خشب أو فلز يجلس عليه الملك ثم إن المحكمات من الآيات كقوله تعالى: "ليس كمثله شيء": الشورى: 11، و قوله: "سبحان الله عما يصفون": الصافات - 159، تدل على انتفاء الجسم و خواصه عنه تعالى فينفي من العرش الذي وصفه لنفسه في قوله: "الرحمن على العرش استوى": طه: 5، و قوله: "و رب العرش العظيم": المؤمنون: 86، كونه سريرا من مادة كذا على هيئة خاصة و يبقى أصل المعنى و هو أنه المقام الذي يصدر عنه الأحكام الجارية في النظام الكوني و هو من مراتب العلم الخارج من الذات.

و المقياس في معرفة ما عبرنا عنه بأصل المعنى أنه المعنى الذي يبقى ببقائه الاسم و بعبارة أخرى يدور مداره صدق الاسم و إن تغيرت المصاديق و اختلفت الخصوصيات.

مثال ذلك أن السراج ظهر أول يوم و هو آلة الاستضاءة في ظلمة الليل و مصداقه يومئذ إناء يجعل فيه فتيلة على مادة دسمة و يشتعل رأسها فتشعل بما تجذب من الدسومة و تضيء ما حولها مثلا، ثم انتقل الاسم إلى مثل الشموع و المصابيح النفطية و لم يزل ينتقل من مصداق إلى مصداق حتى استقر اليوم في السراج الكهربائي الذي ليس معه من مادة المصداق الأولي و لا هيئته شيء أصلا غير أنه آلة الاستضاءة في الظلمة و بذلك يسمى سراجا حقيقة.

و نظيره السلاح الذي كان أول ما ظهر اسما لمثل الفأس من النحاس أو المجن مثلا و هو اليوم يطلق حقيقة على مثل المدفع و القنبلة الذرية و قد سرى هذا النوع من التحول و التطور إلى كثير من وسائل الحياة و الأعمال التي يعتورها الإنسان في عيشته.

و بالجملة كانت الصحابة لا يتكلمون في غير الأحكام من معارف الدين مما يرجع إلى أسمائه و صفاته و أفعاله و غيرها غير أنهم ينفون عنه لوازم التشبيه بما ورد من آيات التنزيه و يسكتون عن المعنى الإثباتي الذي يبقى بعد النفي فيقولون مثلا في مثل قوله: "الرحمن على العرش استوى" إن الاستواء بمعنى استقرار الجسم في مكان بالاعتماد عليه منفي عنه تعالى و أما أن المراد بالاستواء ما هو؟ فالله أعلم بمراده، و الأمر مفوض إليه و قد ادعي إجماعهم على ذلك، بل قال بعضهم: إن أهل القرون الثلاثة الأول من الهجرة مجمعون على التفويض، و هو نفي لوازم التشبيه و السكوت عن البحث في أصل المراد.

لكنه مدفوع بأن طريقة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المأثورة منهم هي الإثبات و النفي معا و الإمعان في البحث عن حقائق الدين دون النفي المجرد عن الإثبات و الدليل على ذلك ما حفظ عنهم من الأحاديث الجمة التي لا يسع إنكارها إلا لمكابر.

بل الذي روي عن أم سلمة رضي الله عنها: في معنى الاستواء أنها قالت: "الاستواء غير مجهول و الكيف غير معقول و الإقرار به إيمان و الجحود به كفر" يدل على أنها كانت ترى هذا الرأي و لو كانت ترى ما نسب إلى الصحابة لقالت: الاستواء مجهول و الكيف غير معقول، إلخ.

نعم الأكثرون من الصحابة و التابعين و تابعيهم من السلف على هذه الطريقة و قد نسبه الغزالي إلى الأئمة الأربعة: أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد، و إلى البخاري و الترمذي و أبي داود السجستاني من أرباب الصحاح و إلى عدة من أعيان السلف.

و كان الذي دعاهم إلى السكوت عن الإثبات - كما ذكره جمع - هو أن الثابت بعد المنفي خلاف ظاهر اللفظ فيكون من التأويل الذي حرم الله ابتغاءه في قوله: "و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله": آل عمران: 7، بناء على الوقف على "إلا الله" بل تعدى بعضهم إلى مطلق التفسير فمنعه قائلا - كما نقله الآلوسي - أن كل من فسر فقد أول و من لم يفسر لم يؤول لأن التأويل هو التفسير.

و قد تقدم في ذيل آية المحكم و المتشابه من سورة آل عمران بيان أن التأويل الذي يذكره و يذمه غير المعنى المخالف لظاهر اللفظ و أن رد المتشابه إلى المحكم و بيانه به ليس من التأويل في شيء و كذا أن التأويل غير التفسير.

ثم إن هؤلاء القوم على احتياطهم في البيانات الدينية الراجعة إلى أسمائه و صفاته تعالى و اقتصارهم على النفي من غير إثبات لم يسلكوا هذا المسلك فيما ورد في الكتاب و السنة من وصف أفعاله تعالى كالعرش و الكرسي و الحجب و القلم و اللوح و كتب الأعمال و أبواب السماء و غيرها بل حملوها على ما هو المعهود عندنا من مصاديق العرش و الكرسي و القلم و اللوح و غير ذلك مع أن الجميع ذو ملاك واحد و هو استلزام ما يجب تنزيهه تعالى عنه من الحاجة و الإمكان.



و ذلك أن الذي أوجد أمثال العرش و الكرسي و اللوح و القلم عندنا معاشر البشر هو الحاجة فإنما اتخذنا الكرسي لنستريح عليه أو نتعزز به و اتخذنا العرش لنستريح عليه و نتعزز به و نظهر التفرد بالعزة و العظمة و نمثل به التعيين بالملك و السلطان و اتخذنا اللوح و القلم و الكتابة لمسيس الحاجة إلى حفظ ما غاب عن الحس و التحرز عن النسيان و نحو ذلك و على هذا النمط.

فأي فرق بين الآيات المتشابهة التي تثبت له تعالى السمع و البصر و اليد و الساق و الرضا و الأسف التي توهم التجسم المنتهي إلى الحاجة و الإمكان و بين الآيات التي تثبت له عرشا و كرسيا و ملأ و حملة لعرشه و لوحا و قلما و هي توهم الحاجة و الإمكان؟ ثم أي فرق بين المحكم الذي يرفع التشابه في الطائفة الأولى و هو قوله: "ليس كمثله شيء" و بين المحكم الذي يرفع تشابه الطائفة الثانية و هو قوله: "و الله هو الغني" مثلا.

نعم ذكر الإمام الرازي اعتذارا عن ذلك أن لو فتحنا باب التأويل في هذه الأمور أدى ذلك إلى جواز تأويل جميع معارف الدين و أحكام الشرع و هو قول الباطنية.

و أنت خبير بأن تأويل الجميع حتى الأحكام التي تضمنتها الدعوة الدينية و أجراها بين الناس تعليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تربيته دفع للضرورة و مكابرة مع البداهة و ليس من هذا القبيل ما قام الدليل على تشابهه و كانت هناك آية محكمة يمكن أن يرد إليها و يرتفع بها تشابهه فإبقاؤه على ظاهره سدا لباب التأويل في سائر المعارف المحكمة غير المتشابهة من قبيل إماتة حق لإماتة باطل و إن شئت فقل إماتة باطل بإحياء باطل آخر على أنك عرفت أن رد المتشابه إلى المحكم ليس من التأويل في شيء.

و ألجأ الاضطرار بعض هؤلاء أن قالوا إن خلق هذا الجسم النوراني العظيم الذي يدهش العقول بعظمته على هيئة سرير ذي قوائم و حمله و وضعه فوق السماوات السبع من غير جالس يجلس عليه أو حاجة تدعو إليه و حفظه كذلك في أزمنة لا نهاية لها إنما هو من باب اللطف خلقه الله ليخبر به المؤمنين فيؤمنوا به بالغيب فيؤجروا و يثابوا في الآخرة، و نظيره اللوح و القلم و سائر الآيات العظام الغائبة عن الحس.

و سقوط هذا القول غني عن البيان.

و بعد هذه الطائفة المسماة بالمفوضة الطبقة المسماة بالمؤولة و هم الذين يجمعون في تفسير المتشابهات من آيات الأسماء و الصفات بين الإثبات و النفي فينزهونه عن لوازم الحاجة و الإمكان بتأويلها - بمعنى الحمل على خلاف الظاهر - إلى معان توافق الأصول المسلمة من الدين أو المذهب، و هؤلاء منشعبون على شعب: منهم من اكتفى في الإثبات بعين ما نفاه بالدليل و هم الذين يفسرون الأسماء و الصفات بنفي النقائص، فمعنى العلم عندهم عدم الجهل و معنى العالم من ليس بجاهل و على هذا السبيل.

و لازمه تعطيل الذات المتعالية عن صفات الكمال و البراهين العقلية و ظواهر الكتاب و السنة و نصوصهما تدفعه، و هو من أقوال الصابئة المتسربة في الإسلام.

و منهم من فسرها بمعان مخالفة لظواهرها من كل ما احتمله عقل أو نقل لا يخالف الأصول المسلمة و هو المسمى عندهم بالتأويل.

و منهم من اكتفى بالمحتملات النقلية و لم يعتبر العقل.

و قد عرفت مما تقدم من أبحاثنا في المحكم و المتشابه أن تفسير الكتاب العزيز بغير الكتاب و السنة القطعية من التفسير بالرأي الممنوع في الكتاب و السنة.

و جل هؤلاء الطوائف الثلاث المسمين بالمؤولة يسلكون في أفعاله تعالى مما لا يرجع إلى الصفة مسلك السلف المسمين بالمفوضة في إبقائها على ظواهرها من المصاديق المعهودة عندنا، و أما ما يرجع منها بنحو إلى الصفة فيؤولونه، ففي قوله: "الرحمن على العرش استوى" يؤولون الاستواء إلى مثل الاستيلاء و الاستعلاء و يبقون العرش، و هو فعل له تعالى غير راجع إلى الصفة على ظاهره المعهود و هو الجسم المخلوق على هيئة سرير مقبب ذي قوائم، و فيما ورد من طرق الجماعة أن الله ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا يؤولون نزوله بنزول رحمته و يفسرون السماء الدنيا بفلك القمر، و هكذا.

و قد عرفت فيما مر أن حمل الآية على خلاف ظاهرها لا مسوغ له و لا دليل يدل عليه فلم ينزل الكتاب إلغازا و تعمية ثم الحديث فيه المحكم و المتشابه كالقرآن و إبقاء المتشابه من القرآن على ظاهره بالاستناد إلى ظاهر مثله الوارد في الحديث هو في الحقيقة رد لمتشابه القرآن إلى متشابه الحديث و قد أمرنا برد متشابه القرآن إلى محكمه.

ثم إن في عملهم بهذه الروايات و تحكيمها على ظاهر الكتاب مغمضا آخر و ذلك أنها أخبار آحاد ليست بمتواترة و لا قطعية الصدور، و ما هذا شأنه يحتاج في العمل بها حتى في صحاحها إلى حجية شرعية بالجعل أو الإمضاء، و قد اتضح في علم الأصول اتضاحا يتلو البداهة أن لا معنى لحجية أخبار الآحاد في غير الأحكام كالمعارف الاعتقادية و الموضوعات الخارجية.

نعم الخبر المتواتر و المحفوف بالقرائن القطعية كالمسموع من المعصوم مشافهة حجة و إن كان في غير الأحكام لأن الدليل على العصمة بعينه دليل على صدقه و هذه كلها مسائل مفروغ عنها في محلها من شاء الوقوف فليراجع.

و في سنن أبي داود، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس و نهكت الأموال أو هلكت فاستسق لنا فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى و نستشفع بالله تعالى عليك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك أ تدري ما تقول؟ و سبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال: ويحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك. ويحك أ تدري ما الله؟ إن الله فوق عرشه و عرشه فوق سماواته لهكذا و قال بأصابعه مثل القبة، و إنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب.

أقول: و متنه لا يخلو من اختلال، و إنما أوردناه لكونه من أصرح الأخبار في جسمية العرش، و هنا روايات تدل على أن له قوائم، و أخرى تدل على أن له حملة أربع، و أخرى تدل على أنه فوق السماوات بحذاء الكعبة، و أخرى تدل على أن الكرسي عنده كحلقة ملقاة في ظهري فلاة السماوات و الأرض بالنسبة إلى الكرسي كذلك، و قد تقدم طريقة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير أمثال هذه الأخبار و قد أوردنا في تفسير سورة الأعراف في الجزء الثامن من الكتاب ما يستفاد منه محصل نظرهم (عليهم السلام).

و في معاني الأخبار، بإسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: "يعلم السر و أخفى" قال: السر ما أكننته في نفسك و أخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.

و في المجمع، روي عن السيدين الباقر و الصادق (عليهما السلام): "السر" ما أخفيته في نفسك و "أخفى" ما خطر ببالك ثم أنسيته.
<<        الفهرس        >>