في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة181)



البحث فيه، لعدم مناسبته مع فصل الوصية بالحج، الذي نحن فيه، و يقع الكلام فيها من جهات:
الجهة الاولى: ان كون عمل جزء من العبادة الواجبة او المستحبة، لا يستلزم اتصافه بالاستحباب مستقلا الاّ فيما إذا قام الدليل على كونه كذلك، فنرى ان الركوع الذي هو جزء من الصلاة لا دليل على استحبابه مستقلا، بخلاف السجود، الذي قام الدليل فيه.
و امّا الحج، فالقدر المتيقن فيه: ان الطواف، الذي هو جزء ركني منه و من العمرة، مستحب في نفسه، و قد عقد في الوسائل بابا بل ازيد لذلك، و ذكر في عنوان الباب الرابع من ابواب الطواف باب استحباب التطوع بالطواف و تكراره، و اختياره على العتق المندوب، و اورد فيه روايات متعدّدة:
منها: رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، انه قال: يا ابان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت اسبوعا؟ فقلت: لا، و الله ما ادري. قال: يكتب له ستّة الاف حسنة، و يمحى عنه ستة الاف سيئة، و يرفع له ستّة الاف درجة.(1) قال الشيخ الراوي للحديث: و روي استحق بن عمّار: و يقتضى له ستّة الاف حاجة.(2)
و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبيد الله (عليه السلام) قال: ان الله جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة، منها ستون للطائفين...، الحديث(3).

1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع ح ـ 1.
3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع ح ـ 3.

(الصفحة182)



و منها: غير ذلك من الروايات التي اوردها في هذا الباب، و ذكر في عنوان الباب السابع، باب انه يستحب للحاج ان يطوف ثلثمائة و ستين اسبوعا... و في عنوان الباب التاسع، باب ان من اقام بمكة سنة استحب له اختيار الطواف المندوب على الصلاة المندوبة. و يظهر مما هو المعروف، من: ان الطواف بالبيت صلاة، ان الطواف تحية البيت، كما ان الصلاة تحية المساجد.
الجهة الثانية: قد مرّ في فصل النيابة: ان النيابة امر على خلاف القاعدة، لا يصار اليها الاّ في موارد قام الدليل على مشروعيتها فيها، و قد قام الدليل على جريانها في الطواف.
و في كشف اللثام: «كانه لا خلاف فيه، حيّا كان او ميّتا، و الاخبار به متظافرة... ».
و قد وردت روايات في الطواف عن المعصومين احياء و امواتا، و عقد في الوسائل بابا في ذلك، و هو الباب السادس و العشرون من ابواب النيابة، كما انه قد وردت روايات كثيرة في الطواف عن الاقارب و اهل البلد، ففي رواية يحيى الازرق، قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): الرجل يحج عن الرجل يصلح له ان يطوف عن اقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء(1). و الظاهر انه ليس المراد تعليق الجواز على قضاء المناسك كلها، كما لا يخفى.
و في رواية ابي بصير: قال: ابو عبد الله (عليه السلام): من وصل ابا او ذا قرابة له، فطاف عنه، كان له اجره كاملا، و للذي طاف عنه مثل اجره، و يفضل هو بصلته اياه بطواف اخر.(2)

1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الواحد و العشرون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثامن عشر ح ـ 2.

(الصفحة183)



ثم ان الكلام في النيابة في الطواف يقع في مقامين، و قد وقع بينهما الخلط في الكلمات، كما يظهر بمراجعتها:
المقام الاوّل: في الطواف المستحب، الذي هو محلّ البحث في هذه المسألة، و قد قام الدليل على مشروعية النيابة عن الغائب عن مكة، فيه كما عرفت في الروايات السّابقة، و امّا الحاضر، ففي المتن، تبعا لغيره: التفصيل بين المعذور و غيره بالجواز في الاوّل دون الثاني و العمدة اقامة الدليل على الجواز في الصورة الاولى، لانه لا حاجة في اثبات العدم في الصورة الثانية الى الدليل، بعد كون مقتضى القاعدة ـ على ما عرفت ـ عدم مشروعية النيابة في غير ما قام الدليل عليها.
و الظاهر ان ما يمكن ان يستدل به على ذلك، امران:
احدهما: صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق، قال: كنت الى جنب ابي عبد الله (عليه السلام) و عنده ابنه عبد الله و ابنه الذي يليه، فقال له رجل: اصلحك الله، يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علّة؟ فقال: لا، لو كان ذلك يجوز لامرت ابني فلانا فطاف عني، سمّي الاصغر و هما يسمعون.(1) و المراد من الذيل كما في مرآة العقول للعلامة المجلسي: انه سمّى الولد الاصغر مع حضور الاكبرايضا، و هما يسمعان، للدلالة على ان عبد الله لا يكون صالحا للنيابة في الطواف، فكيف يكون اماما، كما ادّعاه لنفسه بعد ابيه؟ فغرض الراوي من نقل الذيل حطّ مرتبة عبد الله بالنحو المذكور. و كيف كان، فدلالة الرواية على عدم الجواز في.
صورة الحضور و عدم العلّة، واضحة، و امّا الجواز مع العلّة، فلا دلالة لها عليه، غاية

1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الواحد و الخمسون ح ـ

(الصفحة184)



الامر، اشعارها به من جهة ظهور السؤال في مفروغية عدم الجواز مع عدم العلّة، و لم يقع في الجواب تعرض له بوجه. و من الواضح: ان مجرد الاشعار لا يكفي في مقابل القاعدة المذكورة.
ثانيهما: الروايات المتعددة الواردة في المريض المغلوب و المغمى عليه و الكسيرو المبطون، الدالة على انه يطاف عنهم، مثل: صحيحة حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المريض المغلوب و المغمى عليه، يرمى عنه و يطاف عنه.(1)
و صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: المبطون و الكسيريطاف عنهما و يرمى عنهما.(2) و صحيحة حبيب بن الخثعمي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يطاف عن المبطون و الكسير.(3) بتقريب عمومها و شمولها للطواف المستحب ايضا، او بدعوى: انه لا خصوصية للطواف الواجب في مسألة النيابة، بل تجري في الطواف المستحب ايضا.
و لكن يدفع الاوّل: ظهور الروايات في الطواف الواجب، لاجل عطف الرمي على الطواف في بعضها، و دلالة الجميع على لزوم الطواف عنهم، و وجوبه امّا بالهيئة او بمادة الامر، كما في الرواية الاخيرة. و عليه، لا مجال للاشكال في كون المراد منها هو الطواف الواجب.
و يدفع الثاني: منع دعوى عدم الخصوصية بعد كون الطواف الواجب لا بد من وقوعه و تحققه في الخارج، فاذا صار المكلف معذورا بالاعذار المذكورة ينتقل الى النيابة، التي مرجعها الى تحققه من النائب و اضافته الى المنوب عنه، بمقتضى النيابة، و امّا الطواف المستحب الذي لا يلزم ان يتحقق في الخارج، فمن الممكن

1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب التاسع و الاربعون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب التاسع و الاربعون ح ـ 3.
3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب التاسع و الاربعون ح ـ 5.

(الصفحة185)



عدم مشروعية النيابة فيه حتى عن المعذور.
و بالجملة: جريان النيابة في الطواف الواجب لا يستلزم جريانها في الطواف المستحب بوجه. و على ما ذكرنا لم ينهض دليل على مشروعية النيابة في الطواف المستحب للحاضر بمكة، و لو كان معذورا بهذه الاعذار، فضلا عن غيرها، كمالا يخفى.
ثم ان المعيار و الملاك في الحضور و الغيبة هو حكم العرف، و لعله يختلف باختلاف الازمنة، و لا يبعد ان يكون في مثل زماننا ـ مع وجود الوسائل النقلية المتنوعة و امكان طي الطريق بين مكة و المدينة باقلّ من خمس ساعات مع السيارة، و باقل من ساعة مع الطائرة ـ يكون الحضور في المدينة حضورا في مكة ايضا، و كيف كان، فالحاكم هو العرف، و لا عبرة بما في مرسل عبد الرحمن بن ابي نجران، عمّن حدثه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة. قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة، قال: قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال: عشرة اميال.(1) لان ارسالها مانع عن حجيتها، فالمعيار ما ذكرنا.
المقام الثاني: في النيابة في الطواف الواجب، و لا خلاف و لا اشكال نصّا و فتوى في جريان النيابة في الطواف الواجب، في الاعذار الاربعة المتقدمة المذكورة في النصوص، انّما الاشكال و الخلاف في الحيض: قال في المسالك: «و يدخل في عموم العبارة ـ يعني قول المحقق في الشرايع:

1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثامن عشر ح ـ 3.

(الصفحة186)



و لا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر الاّ مع العذر، الحائض لان عذرهامانع شرعي من دخول المسجد، و انما يتصور لحوقها مع ضيق الوقت بالحج بالنسبة الى طواف العمرة، او خروج القافلة بالنسبة الى طواف الحج، و في جواز استنابتها حينئذ، نظر لانتفاء النص الدال على ذلك، بل قد حكم الاكثر بعدولها الى حج الافراد عند ضيق الوقت عن الطواف و اتمام عمرة التمتع، و رواه جميل بن دراج في الصحيح، و هو يقتضي عدم جواز النيابة، و لو قيل بجواز الاستنابة مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن اهلها في البلاد البعيدة، كان قويّا... » و قال في المدارك، بعد ان حكى عن جدّه ما ذكر: «و هو غير بعيد. و يقوى الجواز في طواف النساء، بل مقتضى صحيحة ابي ايوب ابراهيم بن عثمان الخزاز، جواز تركه و الحال هذه... ».
و في كشف اللثام: «من اصحاب الاعذار او الغيبة: الحائض إذا ضاق الوقت، او لم يمكنها المقام حتى تطهر... » و في الدروس: «في استنابة الحائض عندي تردد... » و في الجواهر، في توضيح كلام الدروس: «لعلّه من ذلك، و من عدم قابليّتهالوقوع الطواف، الذي هو كالصلاة منها، فكذا نائبها، و من بطلان متعتها، و عدولها الى حج الافراد لو قدمت الى مكة حائضا و قد تضيق وقت الوقوف، اذ لو كانت النيابة مشروعة لصحّت متعتها... »
اقول: الكلام في معذورية الحيض يقع في فروض ثلاثة: الحيض مع تضيق الوقت عن اتمام عمرة التمتع و الاحرام بالحج و ادراك الوقوفين، و الحيض مع تضيق الوقت عن البقاء حتى تطهر و تطوف طواف الحج، و الحيض مع تضيق الوقت عن طواف النساء، لاجل خروج القافلة في الاخيرين.
امّا الصورة الاولى: فقد وردت فيها رواية صحيحة، و افتى الاكثر على طبقها،

(الصفحة187)



و هي رواية جميل بن دراج، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت الى مكّة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات، فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن ابي عمير ـ الرّاوي عن جميل ـ: كما صنعت عايشة.(1) و مقتضى الرواية، و ان كان عدم جريان النيابة في هذا الفرض و انتقال الفرض الى حجّ الافراد، الذي تكون عمرته واقعة بعد الحج، الاّ انه لا محيص عن الاخذ بها، لكونها رواية صحيحة و قد عمل بها الاكثر، و لكن لا دلالة لها على عدم جريان النيابة في جميع الفروض الثلاثة، كما يستفاد من الجواهر في توضيح كلام الدروس، على ما عرفت انفا، لعدم الملازمة مع وضوح الفرق، لانه مع عدم الجريان في الاخيرين يلزم اما فقدان الحج للطواف مطلقا او خصوص طواف النساء، و امّا المشقة الشديدة غير القابلة للتحمل بانقطاعها عن اهلها، كما لا يخفى.
فالرواية دالة على حكم موردها فقط، و عدم جريان النيابة فيه.
و امّا الصورة الاخيرة: فقد وردت فيها ايضا رواية صحيحة، و هي رواية ابي ايوب الخزاز، قال: كنت عند ابي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل ليلا فقال له: اصلحك الله، امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء. فقال: لقد سألت عن المسألة اليوم. فقال: اصلحك الله انا زوجها، و قد احببت ان اسمع ذلك منك، فاطرق كانه يناجي نفسه و هو يقول: لا يقيم عليها جمّالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها، تمضي و قد تم حجّها.(2) و تقدم استدلال صاحب المدارك بها، لكنها اجاب عنه صاحب الجواهر بما

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب التاسع و الخمسون ح ـ 1.

(الصفحة188)



لفظه: «قلت: و هو كذلك، الاّ انه بقرينة عدم القائل به يجب حمله على الاستنابة، و لعلّه لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها و طهارتها، لا انه يطاف عنهامع حضورها، حال حيضها، بل جعل المدار على ذلك في صحة الاستنابة عنها في الطواف متجّه».
اقول: الظاهر انه على تقدير عدم القائل بالرواية و اعراض الاصحاب عنها، يكون اللازم طرحها، لكون الاعراض قادحا في الاعتبار، و لو كانت الرواية في اعلى درجة الصحّة. و عليه، فتصير هذه الصورة كالصورة الثانية الاتية، مما لم يردفيه نص خاص، و اللازم استفادة حكم الصورتين من طريق اخر.
ثم انه لو بنينا على الاخذ بالرّواية، غاية الامر، توجيهها بعدم كون المراد منها سقوط طواف النساء، و عدم وجوبه عليها في تلك الحال، كما يؤيّده التمهيد الذي وقع في مناجاة الامام مع نفسه، و انه لا يقيم عليها جمالها من ناحية، و لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها من ناحية اخرى، فان مقتضى هذا التمهيد، الذي مرجعه الى ثبوت المشقة و الحرج، الرافع للحكم، عدم سقوط الطواف بالمرة، بل رفع لزوم قيد المباشرة المعتبر في حال عدم العذر، فانه موجب للحرج لا اصل الطواف، بالاعم من المباشرة و التسبيب، و كيف كان، فعلى تقدير التوجيه تحمل الرواية على الاستنابة من دون تقييد بالطهارة و الغيبة، لان الوجه في التقييد بالطهارة ماافاده في كلامه المتقدم، من عدم: قابلية الحائض لوقوع الطواف نيابة عنها، لعدم صحتها من نفسها، مع ان اعتبار ذلك في النيابة ممنوع، فانه لا يعتبر فيها الاّ مجردصحة وقوع العمل من النائب، و امّا صحّة وقوعه من المنوب عنه في حال النيابة، فلم يدل دليل على اعتبارها، و الاّ يلزم عدم صحة النيابة من المغمى عليه، الذي هو احد الاعذار الاربعة المذكورة في الرواية، لان المغمى عليه بوصف كونه كذلك لا يمكن ان تتحقق منه العبادة الصحيحة، و اولى منه النيابة عن الميت،

(الصفحة189)



التي هي منصوص عليها في الروايات الكثيرة في الصلاة و الصوم و الحج و غيرها، فاذا كانت النيابة عن الميت صحيحة، فكيف لا تصح النيابة عن الحائض؟ ! و امّا الوجه في التقييد بالغيبة: ورود بعض الروايات في اعتبارها، مع ان مورده الطواف الاستحبابي، و الكلام في الطواف الواجب، مضافا الى ان الحضور مع ثبوت العلة و العذر لا يمنع من الاستنابة بوجه.
و امّا ما ذكره في الذيل مما يرجع الى التعميم لطواف الحج ايضا، بمعنى انه تصح استنابة الحائض فيه مع القيدين، فيرد عليه، مضافا الى ما ذكر في طواف النساء: انه حيث يكون هنا التكليف بالسعي بين الطوافين، فماذا تفعل الحائض به مع الاستنابة المذكورة، لانه لا يجوز تركه رأسا و لا يجوز تقديمه على طواف الحج، و لا مجال للاستنابة فيه، ايضا بعد عدم شرطية الطهارة فيه فالانصاف: ان ما افاده صاحب الجواهر في هذا المقام، مما لا يمكن الاخذ به بوجه.
و امّا الصورة الثانية: فقد عرفت ورود الروايات في الاعذار الاربعة، و الظاهران المتفاهم منها ـ خصوصا مع الالتفات الى تعددها، و عدم وجود قادر جامع بينها الاّ الاشتراك في ثبوت العذر و تحققه ـ عدم الاختصاص بهذه الاعذار، و ثبوت الحكم في الحيض ايضا، و يؤيّده الرواية الواردة في الصورة الاخيرة، على تقديرحملها على الاستنابة، فان الحرج المتحقق في موردها متحقق في هذه الصورة ايضا.
و عليه، فمقتضى الروايات بالغاء الخصوصية او بالاشتراك في العلة، ثبوت الاستنابة في هذه الصورة. و لعله يأتي تتميم البحث في باب الطواف ان شاء الله تعالى.
الجهة الثالثة: في ان سائر افعال الحج، كالوقوفين و رمي الجمار و المبيت بمنى و حلق الرأس، لم يقم دليل على استحبابها مستقلة، مع قطع النظر عن الحجّ، بل يمكن دعوى: انه

(الصفحة190)



لا ريب في العدم. نعم، وقع الاشكال في خصوص السّعي، و انه هل يكون مستحبا مستقلا كالطواف او يكون كسائر اعمال الحجّ؟ و قد استدل في «المستمسك» على استحبابه ببعض الرّوايات، مثل ما رواه في الوسائل عن احمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن، عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل من الانصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند الله اجر من حجّ ماشيا من بلاده، و مثل اجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة.(1) و ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن اسلم عن يونس عن ابي بصير، قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من بقعة احبّ الى الله من المسعى، لانه يذلّ فيها كل جبّار.(2)و الظاهر عدم تمامية الاستدلال بشيء من الروايتين:
امّا الاولى: فلان قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل من الانصار، على ما حكاه ابو جعفر (عليه السلام) لو كان مقصورا على ما ذكر، من غير ان يكون له صدر و ذيل، لكان استفادة الاستحباب منه بمكان من الامكان، و لكن الظاهر انه جزء من الرواية المفصلة، التي وردت في ثواب اعمال الحج و مناسكه، و قد قطعها صاحب الوسائل، و نقل هذا الجزء الوارد في السعي في بابه ـ كما هو دأبه في موارد كثيرة ـ مع ان قرينية الصدر او الذيل تبطل بالتقطيع، و هذه احدى النقائص الموجودة في كتاب الوسائل، التي دعت سيدنا المحقق الاستاذ البروجردي «قدس سره الشريف» الى تشكيل لجنة لجمع احاديث الشيعة، خاليا عن نقائص الوسائل،

1 ـ وسائل ابواب السعى باب وجوبه ح ـ 15.
2 ـ وسائل ابواب السعى باب وجوبه ح ـ 1.

(الصفحة191)



سمّاه ب «جامع احاديث الشيعة» و قد خرج من اجزائه و مجلداته المطبوعة ما يقرب من عشرين جزء. و كيف كان، فقد روى بنفسه في موضع اخر عن الصدوق و الشيخ و المحاسن باسانيدهم، عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس، قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يحدث الناس بمكة، فقال: ان رجلا من الانصار جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله) يسأله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان شئت فاسأل، و ان شئت اخبرك عمّا جئت تسألني عنه، فقال: اخبرني يا رسول الله، فقال: جئت تسألني مالك في حجتك و عمرتك؟ و انّ لك إذا توجّهت الى سبيل الحجّ ثم ركبت راحلتك ثم قلت: بسم الله و الحمد الله ثم مضت راحلتك، لم تضع خفّا و لم ترفع خفا الاّ كتب الله لك حسنة و محى عنك سيئة، فاذا احرمت و لبيت كان لك بكلّ تلبية لبيّتها عشر حسنات، و محي عنك عشر سيّئات، فاذا طفت بالبيت الحرام اسبوعا كان لك بذلك عند الله عهد و ذخر يستحي ان يعذبك بعده ابدا، فاذا صليت الركعتين خلف (عنده) المقام كان لك بهما الفا حجة متقبلة، فاذا سعيت بين الصفا و المروة سبعة اشواط كان لك مثل اجر من حجّ ماشيا من بلاده، و مثل اجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة... الخ(1). و من الواضح: دلالة الرواية على ترتب الثواب على السّعي في ضمن الحجّ او العمرة لا السعي مطلقا، و الا يلزم الالتزام بترتب الثواب على سائر الاعمال، حتى مثل حلق الرّأس.
و امّا الثانية: فلأن محبوبية المسعى و شدّتها بنحو لا تكون بقعة احبّ منه، لا تستلزم استحباب السعي مطلقا، خصوصا مع التعليل المذكور فيها، و هي مذلة كل جبّار.

1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني ح ـ 7.

(الصفحة192)

مسألة 15 ـ لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الاسلام و علم او ظنّ ان الورثة لا يؤدّون عنه ان ردّها اليهم، وجب عليه ان يحج بها عنه، و ان زادت عن اجرة الحجّ ردّ الزيادة اليهم، و الاحوط الاستيذان من الحاكم مع الامكان، و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء، و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه، و في الحاق غير حجة الاسلام بها من اقسام الحج الواجب او سائر الواجبات، مثل الزكاة و نحوها اشكال، و كذا في الحاق غر الوديعة، كالعين المستأجرة و العارية و نحوها، فالاحوط ارجاع الامر الى الحاكم و عدم استبداده به، و كذا الحال لو كان الوارث منكرا او ممتنعا، و امكن اثباته عند الحاكم او امكن اجباره، فيرجع في الجميع الى الحاكم، و لا يستبدّ به1 .


و قد ظهر انه لم ينهض دليل على استحباب السعي، و لا يظهر ذلك من الروايات، و بذلك يظهر الاشكال في المتن من جهة دلالته على ظهور بعض الروايات فيه، مع انه يرد عليه اشكال اخر، و هو: انه مع الظهور المذكور، كيف لا يحكم بالاستحباب؟ الاّ ان يقال بعدم القائل به، فتأمل.
1 - لا اشكال و لا خلاف في اصل المسألة و الحكم فيها، بنحو الاجمال، و الاصل فيها ورود الرواية فيها، و لاجله كان موردا لتعرض الاصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ قديما و حديثا في كتبهم الفقهية لها، اعم من الكتب التفريعية و الكتب المعدّة لنقل مفاد الروايات بعين الالفاظ الصادرة عنهم (عليهم السلام) كنهاية الشيخ (قدس سره).
و الرواية هي صحيحة بريد العجلي، التي رواها المشايخ الثلاثة بالاسانيدالصحيحة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل استود عني مالا و هلك و ليس لولده شيء، و لم يحج حجة الاسلام. قال: حجّ عنه و ما فضل فاعطهم.(1) و في رواية الشيخ بدل «ما فضل»: ان فضل منه شيء. و لو فرض

1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثالث عشر ح ـ 1.

(الصفحة193)



ضعف في الرواية، يكون استناد المشهور اليها و الفتوى على طبقها، مع كونها مخالفة للقاعدة، لعدم كون من عنده الوديعة وصيا للميت و لا وارثا له، بل اجنبي عنه، و لا يناسبه الحكم بجواز صرف الوديعة في الحج، بل بوجوبه ـ كما سيأتي البحث عنه ان شاء الله تعالى ـ، جابرة لضعفها، و كيف كان، فلا اشكال في اصل الحكم نصا و فتوى، و بعد ذلك يقع الكلام في جهات:
الجهة الاولى: ان صريح المتن: وجوب صرف الوديعة في الحج، فهي وظيفة شرعية و حكم لزومي على الودعيّ. و لكنه في العروة عبّر اوّلا بالجواز ثم اتى بكلمة «بل» للترقيو حكم بالوجوب، و منشأ الترديد: ان هيئة افعل، و ان كانت ظاهرة في الوجوب، الاّ ان وقوعها عقيب الحظر او في مقام توهمه ربما يمنع عن الظهور المذكور، و المقام من قبيل الثاني، لكن الظاهر خصوصا بلحاظ وحدة السياق مع قوله (عليه السلام): و ما فضل فاعطهم، حيث ان ظهوره في الوجوب لا مجال للترديد فيه، ان المراد منه هوالوجوب ايضا، كما في المسالك و غيرها.
الجهة الثانية: ان الرواية و ان كانت مطلقة، الاّ ان الاصحاب قيدوها بما إذا علم او ظنّ بعدم تأديتهم لو دفع الوديعة اليهم. و لا اشكال فيه عندهم، و لم يحك فيه شبهة و لا اشكال، و ان اقتصر في محكي الشرايع و القواعد و اللمعة و الارشاد و غيرها، على خصوص صورة العلم، و عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر: الحاق الظن الغالب به.
و القدر المتيقن من مورد الرواية، صورة العلم بعدم التأدية على تقدير الدفع،

(الصفحة194)



و يلحق به الظن المتاخم للعلم، الذي يعبّر عنه بالاطمينان، لانه حجة عقلائية، و لا يبعد ان يكون المراد من الظن الغالب هو الاطمينان لا مطلق الظن، كما في ظاهر المتن و العروة، كما ان الظاهر خروج صورة العلم بالتأدية او الاطمينان بها، عن الرواية، للانصراف الناشيء عن ملاحظة مناسبة الحكم و الموضوع، فان ترجيح الاجنبي على الوارث، خصوصا مع كونه ولدا، ليس الاّ للاهتمام بامر الحج و فريضته، و بخروج الميت عن دين الله و الاشتغال به، و مع العلم بالتادية من الوارث، و كذا الاطمينان، لا مجال للايجاب على الاجنبي بوجه، و يؤيّده تقييد مورد السؤال بما لم يكن لولده شيء، فان الظاهر منه ـ كما سيأتي ـ ان المراد هو وجود احتمال عدم الصرف في الحج، لاجل الفقر الموجود فيهم فلا يشمل صورة العلم بالصرف فيه. انما الاشكال في الصور الاخرى، و لا بد للوصول الى حكمها من ملاحظة الدليل على التقييد و منشأه، و يحتمل فيه امران:
احدهما: انه حيث يكون الحكم في الرواية على خلاف القاعدة ـ كما عرفت ـ فلا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن، و الرجوع في غيره الى مقتضى القاعدة.
و عليه، فالحكم في هذه الصور هي التأدية التي الوارث.
و يدفعه: ان الرواية حيث تكون دليلا لفظيا، تكون حجة بمقدار ظهورها اللفظي، و مقتضى اطلاق السؤال و ترك الاستفصال الشمول، خصوصا مع ان قوله في السؤال: ليس لولده شيء. مع ان ظاهره انه لا مدخل له فيه، لا بد و ان يكون المراد منه ان حاجة الوارث، تورث احتمال عدم التأدية و صرف الوديعة في حوائجهم و رفع فقرهم، و لا توجب الحاجة العلم او الاطمينان بالعدم و عليه، فلا مجال لرفع اليد عن الاطلاق و التقييد المذكور نعم، قد عرفت خروج صورة العلم بالتأدية او الاطمينان بها عنه، للانصراف المؤيّد بهذا القول في السؤال، كما مرّ.

(الصفحة195)



ثانيهما: الاجماع على التقييد المذكور و جعله في «المستمسك» هو الاظهر في المنشائية للتقييد، و لكن لم يقع التصريح به او بمثله في الكلمات، بل نسب في مثل العروة الى الاصحاب، و هو ليس بظاهر في الاجماع، و لذا لم يعتن به جماعة من المتأخرين، بل افتوا بمقتضى اطلاق الرواية، مع انّك عرفت اختلاف كلماتهم في التقييد ـ سعة وضيقا ـ فلا بد من الاخذ بالقدر المتيقن من معقده، و الظاهر انه هو الاخذ بالسعة، لضيق دائرة الخروج عن مقتضى الاطلاق، بخلاف الاخذبالضيق، و هو العلم فقط، لانه تصير دائرة الخروج موسعة، كما لا يخفى.
و كيف كان، فان ثبت اجماع فالحكم كما ذكر، و الاّ فمجرد الشهرة الفتوائية لا تكون حجة صالحة للنهوض في مقابل الاطلاق، كما قرّر في محلّه.
الجهة الثالثة: هل يشترط في جواز تصرف الودعي الاستيذان من الحاكم؟ احتاطه في المتنوجوبا في صورة الامكان، التي يكون المراد منها وجود الحاكم و التمكن من الرجوع اليه، و امكان اثبات الحق، و هي استقرار حجة الاسلام على المستودع عنده. و عن التذكرة، الفتوى بوجوب الاستيذان منه. و عن الروضة: «و هل يتوقف تصرفهم على اذن الحاكم؟ الاقوى ذلك، مع القدرة على اثبات الحقّ عنده، لان ولاية اخراج ذلك قهرا على الوارث اليه، و لو لم يمكن، فالعدم اقوى، حذرا من تعطيل الحق، الذي يعلم من بيده المال ثبوته و اطلاق النص اذن له... » و حكي في اللمعة قولا بالافتقار الى اذن الحاكم مطلقا، حتى مع عدم امكانه. و عليه، و لو لم يمكن، يبقى الحق معطّلا، و في اللمعة: انه بعيد. هذا: و مقتضى اطلاق الصحيحة عدم الحاجة الى الاستيدان، و لكن في المدارك: «ان الرواية انما تضمنت امرالصادق (عليه السلام) لبريد في الحج عمن له الوديعة، و هو اذن و زيادة... » و في الجواهر:

(الصفحة196)



احتمال ان الامر لبريد اذن له فيه، فلا اطلاق فيه حينئذ يدل على حلافها.
اقول: لا مجال لاستفادة الاذن من الرواية، بل الظاهر انّها في مقام بيان الحكم الشرعي، و هو وجوب الصرف في الحج على الودعي، لانه مضافا الى ان كلام الامام (عليه السلام)انّما وقع جوابا عن سؤال بريد، و من المعلوم: ان السؤالو الاستفهام عن الحكم الشرعي يغاير الاستيذان المتفرع على وضوح الحكم عند المستأذن، و تعلق غرضه بالاستيذان، كما هو ظاهر. يكون قوله: حج عنه، باعتبار ظهوره في الوجوب و هو لا يجتمع مع الاذن، بيانا لنفس الحكم الشرعي، و الجمع بين الامرين. لو لم يكن مستحيلا، خصوصا باعتبار كونهما مترتبين غير واقعين في عرض واحد، لا يكون متفاهما لدى العرف قطعا، و يؤيد ما ذكر: انه لا اشكال في كون الامر بالاعطاء، في قوله: و ما فضل فاعطهم، ليس الاّ لبيان الحكم الشرعي، لانه لا يجري فيه احتمال اشتراط الاستيذان، و الظاهر وحدة السّياق، فالانصاف: انه لم ينهض دليل لاعتباره، و لا وجه لجعله مقتضى الاحتياط اللزومي، نعم، الاحتياط حسن، على كل حال.
الجهة الرابعة: هل يختص الحكم، و هو وجوب الحج عن المستودع على الودعى، بما إذالم يكن للوارث شيء، ام لا؟ استظهر في المتن، الثاني. و منشأ احتمال الاختصاص اشتمال السؤال على قوله: و ليس لولده شيء. و قد نقله صاحب الجواهر هكذا، و ليس لولده علم بشيء. لكنه بهذه الصورة لم توجد في شيء من منابع الحديث و الجوامع الرّوائية، و المراد على هذا التقدير: انه لم يكن لولده علم بثبوت وديعة للميت عند الودعيّ، و بثبوت حجة الاسلام عليه. و من المعلوم: انه على هذا التقدير لا اختصاص للحكم بصورة جهل الوارث، بل يعمّ صورة العلم،

(الصفحة197)



لو بكلا الامرين.
و امّا على النقل الاوّل: فالظاهر ان المراد عدم ثبوت شيء من المال للورّاثو تحقق الفقر لهم ذاتا، لا عدم وجود تركة زائدة على الوديعة، بحيث كانت التركة منحصرة بها. و الوجه في التعرض له في السؤال: امّا ما اشرنا اليه انفا من كون الفقر موجبا لاحتمال صرفهم الوديعة ـ على تقدير الرّد اليهم ـ في حوائجهم الشخصية، و رفع فقرهم و حاجتهم، و امّا احتمال كون الفقر موجبا لرفع الشارع التكليف بحجة الاسلام، و حكمه بجواز صرف الوديعة الى الورّاث للصرف في انفسهم، و هذا الاحتمال بعيد، خصوصا من مثل بريد، الذي هو من اجلاّء الرّواة و اعيانهم.
و كيف كان، فالظاهر انه لا خصوصية لهذه الجهة في الحكم، و ان كان اصله على خلاف القاعدة، بل الملاك على ما هو المتفاهم منه عند العرف، هو العلم او الظن على ما هو مقتضى التقييد بالاجمال او اعم منهما، و من مجرد احتمال عدم صرف الوديعة في الحج، على تقدير الرّد اليهم، كمّا هو مقتضى الاطلاق، و لا مدخل للفقر في ذلك، بل ربما يكون الغني اولى بعدم الصرف، لاجل عدم مبالاته بالتكليف الشرعي و الوظيفة الالهية. فالانصاف: عدم خصوصية لهذاالقيد اصلا.
الجهة الخامسة: ان الظاهر ان مقتضى الرواية ثبوت وظيفة على الودعيّ، و هي صرف الوديعة في الحج ـ بمعنى ايجاد الحج عن الميت ـ سواء كان بالمباشرة او بالاستنابة، و لا مجال لاحتمال الاختصاص بالاوّل، و ان كان هو المخاطب بقوله (عليه السلام)حجّ عنه. لعدم استفادة العرف الاختصاص بوجه، و عدم كون تكليفه اضيق من

(الصفحة198)



الوارث، الذي كان بصدد الحج عن المورث، حيث انه ليست وظيفته المباشرة، بل يجوز له الاستنابة، كما تقدّم.
الجهة السادسة: هل للوديعة خصوصية ام لا، بل الملاك هو وجود مال الميت عند الاجنبي، سواء كان بنحو الوديعة او العارية او الدين او الاجارة، بعد تمامية وقتها او قبلها بالبيع مسلوب المنفعة في مدة الاجارة او الغصب و ما شابهما؟ استشكل في المتن في التعميم، و لكن الظاهر عدم تمامية الاشكال، لانه لا يرى العرف خصوصية للوديعة، بل ربما يكون ثبوت الحكم في مثل العارية بطريق اولى، لانتفاع المستعير بها ايضا، بخلاف الودعي، الذي لا يجوز له الانتفاع بالوديعة اصلا، و مجرد كون الحكم على خلاف القاعدة لا يقتضي الاقتصار على جميع الخصوصيات المذكورة في السؤال، و لو لم ير العرف لها خصوصية و لم يمكن لها دخل بنظرهم في الحكم، فالظاهر ان هذه الخصوصية المستفادة من قوله: استودعني، لا يكون لها مدخلية، بل الملاك، ما عرفت من وجود المال عند الاجنبي بأية كيفيّة وقعت في يده، اواشتغلت ذمته به.
الجهة السابعة: هل الحكم يختص بما إذا كان على الميت حجة الاسلام او يعم غيرها، سواءكان من اقسام الحج، كالحج الواجب بمثل النذر و الحج النيابي، الثابت على عهدة الميت، مع عدم اعتبار قيد المباشرة فيه، ام كان من الواجبات المالية، كالزكاة و الخمس و نحوهما، كالدّين؟ فيه و جهان، بل قولان: حكى القول الاوّل في المستند عن جماعة، كما حكى الثاني عن اخرين، و حكاه في كشف اللثام عن

(الصفحة199)



الدروس، و استدل للثاني بامور:
الاوّل: الغاء الخصوصية من حجة الاسلام المذكورة في السؤال، و حملها على ان ذكرها من باب المثال، كالغاء الخصوصية من الوديعة و من عدم ثبوت شيء من المال للوارث، و قد استدل به السيّد (قدس سره) في العروة.
و يرد عليه: انه لا مجال لالغاء هذه الخصوصية بعد كون حجة الاسلام لها موقعية خاصة و شأن مخصوص في الشريعة، حتى يقال لتاركه عند الموت: مت يهوديّا او نصرانيّا. و عبّر عن تركه بالكفر في الآية الشريفة، بناء على كون المراد منها الكفر بمجرد الترك. فان اطلاق الكفر عليه، و ان لم يكن بنحو الحقيقة، بل بنحو المجازو المسامحة، الاّ ان الاطلاق كذلك يكشف عن الاهميّة و الشأن الخاص. و عليه، فلا مجال لدعوى الغاء الخصوصية من هذه الجهة، و يكفي مجرد الشك و عدم الاحراز في ذلك، كما هو ظاهر.
الثاني: تنقيح المناط، كما استدل به السيد (قدس سره) في العروة ايضا، تبعالصاحبي المسالك و المدارك.
و يرد عليه: ان تشخيص المناط القطعي، ممّا لا سبيل اليه، و المناط الظني، ليس بحجة حتى ينقّح.
الثالث: ما حكاه في العروة عن المستند، و حكم بفساده جدّا، و هو ان وفاء ماعلى الميت من الدين او نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك، و اولوية الورثة بالتركة انّما هي مادامت موجودة، و امّا إذا بادر احد الى صرف المال، فيما عليه لا يبقى مال، حتى تكون الورثة اولى به.
هذا، و لكن المذكور في المستند لا يكون مذيّلا بالذيل المذكور في العروة، قال فيه: «مقتضى الاخبار المتواترة معنى، المصرحة بوجوب قضاء الحج عن الميت من اصل ماله من غير خطاب الى شخص معين، وجوبه على كل مكلف، و هو يجعل

(الصفحة200)



الوجوب الكفائي للمستودع اصلا ثانيا، فالتوقف على الاذن يحتاج الى دليل... ».
و يدفعه: ان تلك الاخبار انما وردت في مقام اصل التشريع، فلا ينافي ولاية الوارث، و الا يلزم جواز حج الاجنبي و اخذ العوض قهرا من الوارث، مع انه ورد في باب الدين روايات ظاهرة في كون التكليف متوجها الى الوارث، و لا مجال لمداخلة الحاكم الشرعي فيه اصلا فضلا عن غيره.
الرّابع: ما استدل به السيد (قدس سره) في العروة ايضا في خصوص صورة العلم او الظن القوى بعدم صرف الورثة، على تقدير الدفع اليهم، من انّ المال إذا كان بحكم مال الميت فيجب صرفه عليه، و لا يجوز دفعه الى من لا يصرفه عليه، بل و كذا على القول بالانتقال الى الورثة، حيث انه يجب صرفه في دينه، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه الى الوارث لتفويته على الميت.
نعم، يجب الاستيذان من الحاكم، لانه وليّ من لا وليّ له، و يكفي الاذن الاجمالي، فلا يحتاج الى اثبات وجوب ذلك الواجب عليه، كما قد يتخيل. نعم، لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث، يجب الدفع اليه، بل لو كان الوارث منكرا اوممتنعا، و امكن اثبات ذلك عند الحاكم، او امكن اجباره عليه، لم يجز لمن عنده ان يصرفه بنفسه.
اقول: لو قلنا بالقول الاوّل، و انه في صورة ثبوت مثل الدين على الميّت لا ينتقل من التركة بمقدار الدين الى الوارث، بل يبقى على ملك الميت، و اللازم صرفه فيه و رفع اشتغال ذمته به، ففيه صور ثلاثة:
الاولى: ما إذا كانت التركة منحصرة في الوديعة، و لم يكن للميت شيء سواها، و كان الدين مستغرقا لها، سواء كان بمقدارها او كان الدين زائدا عليها.
و في هذه الصورة لا تكون الوديعة ملكا الاّ للميت، و ليس للورثة منها شيء بعنوان

<<التالي الفهرس السابق>>