في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة641)


ا لـتفصيل، بل نسب الـغفلـة إلى أساطين الـعلم و الـفقه.
و تقدّم منّا: أنّه مضافاً إلى ظهور كلام ابن حمزة في «ا لـوسيلـة» في كون الـتفصيل الـذي اختاره إنّما يكون مورده غير الـمسكر، بل كلامه صريح في ذلك فراجع، أنّ الإعضالات الأربعـة ـ الـتي ذكر في كلامه: أنّها لا تنحلّ إلاّ بالالتزام بمسكريـة الـعصير الـمغلّي بنفسه ـ كلّها مندفعـة، و أنّه لا دليل على كون الـعصير الـمغلّى بنفسه متّصفاً بالإسكار لا محا لـة.
و كيف كان: فإن اُحرز فيه الإسكار فهو نجس، و لايطهر با لـتثليث; لعدم دلالـة دليل على كون الـتثليث مطهّراً له أيضاً، بل لابدّ من استحا لـته و انقلابه خلاًّ; حتّى يطهر بالاستحا لـة الـموجبـة لتغيّر الـموضوع، و تبدّل الـعنوان.
ولو شكّ في حصول الإسكار له، فمقتضى قاعدة الـطهارة الـحكم بطهارته، كما هو ظاهر.


(الصفحة642)

سادسها: الانتقال، فإنّه موجب لطهارة الـمنتقل، إذا اُضيف إلى الـمنتقل إليه، و عدّ جزء منه، كانتقال دم ذي الـنفس إلى غير ذي الـنفس. و كذا لو كان الـمنتقل غير الـدم، و الـمنتقل إليه غير الـحيوان من الـنبات و غيره.
ولو علم عدم الإضافـة، أو شكّ فيها من حيث عدم الاستقرار في بطن الـحيوان مثلاً على وجه يستند إليه ـ كا لـدم الـذي يمصّه الـعلق ـ بقي على الـنجاسـة1 .



ا لـسادس: في مطهّريـة الانتقال

(1) لا إشكال في أنّ دم ذي الـنفس الـذي يكون محكوماً با لـنجاسـة، إذا انتقل إلى حيوان غير ذي الـنفس; بحيث عدّ جزء منه، و مضافاً إليه فقط، و انقطعت إضافته الأوّليـة، يصير طاهراً، لا لأجل الاستحا لـة; لما عرفت: من أنّ معناها تبدّل الـحقيقـة و تغاير الـماهيـة الـنوعيـة، و هو غير متحقّق في الـمقام; لعدم تبدّل الـحقيقـة الـدمويـة إلى حقيقـة اُخرى مغايرة، بل غايـة الأمر تبدّل الإضافـة و تغيّر الانتساب و الـجزئيـة.
بل لأجل كون نفس هذا الـتبدّل، موجباً للاتّصاف با لـجزئيـة للمنتقل إليه، و الـمفروض أنّ مقتضى الـدليل طهارة دمه; لكونه غير ذي الـنفس، فدم الإنسان إذا انتقل إلى بقّ أو قمل أو سمك فرضاً; بحيث صار جزء من أحد هذه الـحيوانات، و منقطعاً عنه الإضافـة الأوّليه، يكون طاهراً لذلك.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما هو الـمعمول في هذه الأزمنـة; من تزريق دم الإنسان إلى إنسان آخر قليل الـدم بعنوان الـعلاج، يؤثّر في صيرورته طاهراً، بعد اتّصافه بكونه من الـبواطن للمنتقل إليه، على تقدير كون الـدم في الـباطن طاهراً; فإنّ الـدم بعد الـخروج


(الصفحة643)


من الـمنتقل عنه و إن اتّصف با لـنجاسـة، إلاّ أنّه بعد انقطاع الإضافـة الأوّليـة و صيرورته با لـتزريق من الـبواطن للإنسان الـمنتقل إليه يصير طاهراً; للإضافـة الـثانويـة، و كونه معدوداً من الـباطن با لـنسبـة إليه، فهذا الـقسم لا إشكال فيه.
كما أنّه لا إشكال في عدم حصول الـطهارة، و في الـبقاء على الـنجاسـة; فيما لو لم تنقطع الإضافة الأوّلية بوجه، بل كان هو الـمضاف إليه فقط، كا لـدم الـذي يمصّه العلق من الإنسان، فإنّه لايكون مضافاً إلاّ إلى الإنسان، وتبدّل ظرفه ومكانه لايوجب الطهارة، كما إذا وقع دم الإنسان في إناء مثلاً، ففي هذه الصورة يكون الـدم باقياً على الـنجاسة.
إنّما الإشكال فيما لو شكّ في بقاء الإضافـة الأوّليـة و انقطاعها، و ثبوت الإضافـة الـثانويـة، كما إذا لم يستقرّ في بطن الـحيوان مثلاً، على وجه يستند إليه، و الـظاهر أنّه لا مانع من جريان استصحاب الإضافـة الأوّليـة، و الـحكم ببقائها، و ترتّب الـنجاسـة عليه; لإنّ الاتّصاف و الإضافـة الـذي كان هو الـمناط في الـحكم با لـنجاسـة، كان متيقّناً سابقاً، و الآن مشكوك الـبقاء، فيحكم به للاستصحاب.
ثمّ إنّه ربّما يفرض الانتقال; بنحو يصحّ أن يضاف إلى كلّ من المنتقل إليه، والمنتقل عنه حقيقـة; لجواز اجتماع الإضافات الـمتعدّدة كذلك، لعدم الـتنافي، و لأنّ الإضافـة خفيفـة الـمؤونـة، و في هذا الـفرض لابدّ من ملاحظـة الـدليل على الـنجاسـة:
فإن كان الـدليل عليها في كلّ منهما، دليلاً لبّياً من إجماع أو سيرة، فمقتضى الأخذ با لـقدر الـمتيقّن، عدم شمول شيء منهما لمورد الاجتماع، فا لـلازم الـرجوع إلى الأصل الـعملي; و هو استصحاب بقاء الـنجاسـة.
و إن كان الـدليل عليها في واحد لفظياً، و في الآخر لبّياً، فا لـلازم الأخذ بمقتضى الـدليل اللفظي الـشامل لمورد الاجتماع، و ترك الآخر; لعدم الـشمول له.


(الصفحة644)


و إن كان الـدليل عليها في كلّ منهما لفظياً: فإن كان أحدهما بالإطلاق، و الآخر با لـعموم فا لـدليل الـعام مقدّم على الـمطلق; لتقدّم الـدلالـة الـوضعيـة على الإطلاق.
و إن كان كلّ منهما بالإطلاق أو با لـعموم، فيجري فيه حكم تعارض الإطلاقين أو الـعامّين.
ثمّ إنّه لافرق في مطهّريـة الانتقال بين الـدم و بين غيره من الـنجاسات أو الـمتنجّسات. كما أنّه لافرق في الـمنتقل إليه بين أن يكون حيواناً أو غيره من الـنبات أو غيره، فإذا شرب الـحيوان الـطاهر الـبولَ، أو الـماءَ الـمتنجّس و صار جزء منه، يصير طاهراً، كما أنّه إذا سقى الـشجر با لـماء الـمتنجّس، يصير الـماء طاهراً بعد صيرورته جزء منه، كما هو ظاهر.



(الصفحة645)

سابعها: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر بجميع أقسامه، حتّى الـرجل الـمرتدّ عن فطرة إذا تاب، فضلاً عن الـمرئـة. و يتبع الـكافرَ فضلاتُه الـمتّصلـة به; من شعره، و ظفره، و بصاقه، و نخامته، و قيحه، و نحو ذلك1 .



ا لـسابع: في مطهّريـة الإسلام

(1) كون الإسلام مطهّراً للكافر; إنّما هو لأنّه بالإسلام يتبدّل عنوان الـكافر و يتغيّر موضوعه، فلا يبقى وجه لبقاء الـنجاسـة الـتي يكون موضوعها الـكافر نظير الاستحا لـة الـمتقدّمـة الـموجبـة لتغيّر عنوان الـنجس، و تبدّله إلى عنوان طاهر أو مشكوك الـطهارة، كما عرفت. مع دعوى الإجماع عليه كما عن «ا لـمنتهى» و «ا لـذكرى» و غيرهما، بل عن «ا لـمستند» دعوى الـضرورة.
فلا إشكال في أصل الـحكم، إنّما الـكلام في أمرين:
الأوّل: أنّه يستفاد من الـمتن، أنّ الـمرتدّ الـفطري إذا تاب، تكون توبته مقبولـة ظاهراً و باطناً و لو كان رجلاً، و لأجله يحكم عليه با لـطهارة، و هو أحد الأقوال الـثلاثـة في الـمسأ لـة، الـذي ذهب إليه جماعـة من الـمحقّقين.
و الـقولان الآخران: عبارة عن الـقول الـمشهور الـذي هو مقابل هذا الـقول، و هو عدم قبول توبته و إسلامه أصلاً; و أنّه مخلّد في الـنار كبقيـة الـكفّار.
و الـقول الـثا لـث: الـذي مرجعه إلى الـتفصيل و الالتزام بقبول توبته و إسلامه واقعاً; و فيما بينه و بين اللّه سبحانه، و عدم قبولها ظاهراً، فيحكم بكفره و نجاسته و سائر الآثار الـمترتّبـة على الـكفّار.
و من الـقائلين بما في الـمتن من يقول ـ مضافاً إلى قبول توبته و إسلامه ـ بأنّه لا يترتّب عليه بعدها شيء من الأحكام الـثلاثـة الـمترتّبـة على المرتدّ: من وجوب قتله


(الصفحة646)


مع الإمكان، و انقطاع الـزوجيـة; و أنّه تعتدّ زوجته عدّة الـوفاة، و انتقال أموا لـه الـموجودة حال الارتداد إلى الـورثـة، و قد حكي هذا الـقول عن ابن ا لـجنيد، ولكنّه شاذّ لا يعبأ به.
و كيف كان: فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة، و قبلها نقول: إنّ مقتضى الـقاعدة قبول توبته; لأنّه بسببها يصير مسلماً واقعاً، و يتحقّق فيه ما يعتبر في صدق الإسلام ممّا تقدّم الـبحث عنه في ذيل الـبحث عن نجاسـة الـكافر في فصل الـنجاسات; و ذلك لأنّه ليس الـمراد با لـتوبـة الـمفروضـة إلاّ الـتوبـة الـواقعيـة، و الـرجوع عن الارتداد و الـندم عليه حقيقـة، و مع هذا الـوصف لايرى نقص في إسلامه، فمقتضى الـقاعدة الـقبول.
ولكن ربّما يستدلّ ببعض الـروايات على عدم الـقبول، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـمرتدّ.
فقال: «من رغب عن الإسلام، و كفر بما اُنزل على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إسلامه، فلا توبـة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و قسّم ما ترك على ولده».(1)
و صحيحـة الـحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل إلى أبي ا لـحسن الـرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام، ثمّ كفر و أشرك; و خرج عن الإسلام، هل يستتاب، أو يقتل و لايستتاب؟
فكتب (عليه السلام): «يقتل».(2)
وصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي ا لحسن (عليهما السلام) قال: سأ لته عن مسلم تنصّر.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 6.


(الصفحة647)


قال: «يقتل و لايستتاب».
قلت: فنصراني أسلم، ثمّ ارتدّ.
قال: «يستتاب، فإن رجع، و إلاّ قتل».(1)
و غيرها ممّا يظهر منها عدم قبول توبته; فإنّ نفي الـتوبـة له ظاهر في عدم قبولها، و عدم ترتّب الأثر عليها.
و بعبارة اُخرى: ظاهر في استدامـة كفره و عدم تبدّله إلى الإسلام بوجه، و إلاّ فلو كان مسلماً قبلت توبته لا محا لـة. و كذا عدم الاستتابـة ظاهر في عدم ترتّب الأثر على الـتوبـة، و إلاّ فمع ثبوت الأثر لها لا يبقى موقع لعدم الاستتابـة، كما لايخفى.
و اُجيب عن الاستدلال بصحيحـة ابن مسلم: بأنّه يحمل إطلاق نفي الـتوبـة في مثلها على إرادة نفيها بالإضافـة إلى الأحكام الـثلاثـة الـمتقدّمـة، لا مطلقاً:
إمّا لاقتران نفي الـتوبـة فيها بالأحكام الـمذكورة الـصا لـح لصرفه إليها، فيكون من الـكلام الـمقرون بما يصلح للقرينيـة، الـمحقّق في محلّه سقوطه عن الـحجّيـة.
و إمّا لأنّها أظهر الأحكام، فينصرف إليها الإطلاق.
و إمّا لقرينيـة لام الـجرّ الـموجبـة لظهور نفي الـتوبـة فيما كان الـمنفيّ أمراً راجعاً له لاغير، فلا يشمل ما كان عليه، كوجوب عباداته، أو لا له و لا عليه كطهارته، فإنّ فائدة الـطهارة إنّما تكون لغيره.
و إمّا للقطع و الإجماع على ثبوت تكليفه بالإسلام و سائر أحكامه من الـصلاة و غيرها، الـموقوفـة على الـطهارة، و الـعلم بصحّتها منه ـ من جهـة أنّه لولاها لزم الـتكليف بما لايطاق، و هو ممتنع عند الـعدليـة ـ يستلزم الـعلم بتحقّق الـطهارة.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 5.


(الصفحة648)


و عن الاستدلال با لـصحيحتين الاُخريين: بأنّ عدم استتابته لايقتضي كفره و نجاسته على تقدير توبته، فلعلّ عدم استتابته من جهـة أنّ توبته لايترتّب عليها ارتفاع الأحكام الـثلاثـة الـثابتـة عليه بالارتداد، فلا أثر لتوبته بالإضافـة إليها، و عدم ارتفاع الأحكام الـثلاثـة أعمّ من الـكفر.
هذا، ولكن الـظاهر أنّ الاقتران بالأحكام الـمذكورة، لاينافي إطلاق نفي الـتوبـة أصلاً، بل مقتضى الـمغايرة الـتي يدلّ عليها الـعطف، أنّ نفي الـتوبـة أمر، و الأحكامَ الـمذكورة أمر آخر، بل الـمعطوف عليه من قبيل الـموضوع للمعطوف، و الـمراد: أنّ توبته لاتنفع، بل هو في حا لـها كافر، و أنّ وجودها كعدمها، فيترتّب عليه الأحكام الـمذكورة.
كما أنّ الاقتران بالأحكام الـمذكورة لايوجب أظهريتها; بحيث يتحقّق الانصراف،
لو لم يدّع كون غيرها أظهر; بلحاظ كونه من أحكام مطلق الـكفر. و عدم كون الـطهارة له ممنوع; بعد اقتضائها لسعـة دائرة الـمعاشرة، و عدم الـتحذّر و الاجتناب عنه. و الـقطع و الإجماع على تقدير تحقّقهما لايقتضيان ثبوت الـطهارة; لإمكان دعوى سقوط شرطيتها في هذه الـصورة.
و كيف كان: فا لـظاهر أنّ نفي الـتوبـة مرجعه إلى عدم تأثيرها في رفع شيء من آثار الـكفر الـتي عمدتها الـنجاسـة.
هذا، ولكنّ الـمستفاد من الـصحيحتين الاُخريين، أنّ عدم الاستتابـة إنّما هو لأجل عدم قبول الـتوبـة. كما أنّه يستفاد منهما الـملازمـة بين عدم الاستتابـة و الـقتل، و الاستتابـة و عدمه، فتصير الـروايتان قرينتين على أنّ الـمراد من عدم الـتوبـة هو وجوب الـقتل، لا عدمها بحيث يترتّب عليه جميع الأحكام الـتي عمدتها الـنجاسـة.


(الصفحة649)


و إن شئت قلت: إنّ رفع الـيد عن الـقاعدة الـمقتضيـة لقبول توبته و ارتفاع نجاسته، بمثل قوله (عليه السلام) في الـروايـة الاُولى: «فلا توبـة له» مع ملاحظـة ما ذكرنا، مشكل جدّاً.
ثمّ إنّه لو وصلت الـنوبـة إلى الاستصحاب، فلا مجال لاستصحاب الـكفر الـمقتضي لبقائه، بعد وجود ملاك الإسلام، و ثبوت ما يعتبر فيه في الـمرتدّ بعد الـتوبـة، و الـرجوع الـحقيقي عن الارتداد، كما هو الـمفروض.
كما أنّه لا مجال لاستصحاب الـنجاسـة الـتي هي عمدة آثار الـكفر، بعد تغاير الـموضوع و تعدّده; فإنّ الـكافر و الـمسلم موضوعان متغايران عنواناً و حكماً، و إن كان الـشخص واحداً، فلا يجري الاستصحاب الـحكمي بعد تغاير الـموضوع.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق نفي الـتوبـة عنه، نفيها بلحاظ الاُمور الاُخرويـة أيضاً، فيعاقب بارتداده، و لايرتفع عنه الـعقاب بتوبته.
و لاينافيه ما يدلّ على أنّ «ا لـتائب من الـذنب كمن لا ذنب له» و غيره من أدلّـة الـتوبـة، بناءً على شمول مثل «ا لـذنب» الـوارد فيها للارتداد; نظراً إلى أنّه ذنب، بل من أعظم الـذنوب، كما يؤيّده بعض الـروايات الـواردة في الـكبائر الـدالّ على أنّ من جملتها بل أوّلها الـشرك با للّه الـعظيم. وجه عدم الـمنافاة: قابليـة تلك الأدلّـة للتخصيص بما ورد في الـفطري ممّا يدلّ على أنّه لا توبـة له.
ولكنّ الـمستفاد من قوله تعا لـى: (وَ لَيْسَتِ الـتَّوْبَةُ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ الـسَّيِّئآتِ حَتّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنّى تُبْتُ الاْنَ وَ لاَ الَّذينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ اُولئِكَ اَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً اَليماً).(1)

(1) ا لـنساء / 18.


(الصفحة650)


أنّ الاستحقاق للعذاب إنّما هو من آثار بقاء الـكفر إلى حال الـموت، أو عدم الـتوبـة إلى أن يحضر أحدهم الـموت، فا لـتوبـة قبل حضور الـموت مؤثّرة في رفع الاستحقاق; من دون فرق بين الـفطري و غيره، و عليه فالآيـة تصير قرينـة على عدم ثبوت الإطلاق لدليل نفي الـتوبـة للفطري بحيث يشمل الآثار الاُخرويـة أيضاً.
و يؤيّده ما عن الـباقر (عليه السلام): من أنّه «من كان مؤمناً فحجّ و عمل في إيمانه، ثمّ أصابته في إيمانه فتنـة فكفر، ثمّ تاب و آمن، يحسب له كلّ عمل صا لـح عمله في إيمانه، و لايبطل منه شيء».
الأمر الـثاني: في أنّه يتبع الـكافر في طهارته بالإسلام فضلاته الـمتّصلـة به; من بصاقه، و عرقه، و شعره، و نخامته، و غير ذلك، فتتّصف با لـطهارة أيضاً تبعاً:
إمّا لأنّ نجاستها كانت تبعاً لنجاسـة بدنه لأنّه لم يدلّ دليل با لـخصوص على نجاسـة هذه الأشياء، بل الـحكم بها إنّما هو لأجل الـتبعيـة، فإذا حكم بطهارة بدنه بسبب الإسلام زا لـت الـنجاسـة الـتبعيـة لامحا لـة.
و إمّا لصدق إضافتها إلى الـمسلم، كما في الـمحكي عن «ا لـجواهر» و غيره.
و اُورد على هذا الـوجه: بأنّ الإضافـة إلى الـمسلم إنّما تجدي في الـطهارة لو كان منشأ الإضافـة الـتكوّن فيه، و هو غير حاصل في الـفرض.
و إمّا لحديث الـجبّ الـشامل بإطلاقه للنجاسـة في هذه الأشياء أيضاً.
و اُورد عليه: بأنّه يختصّ بالآثار الـمستندة إلى الـسبب الـسابق على الإسلام، و بقاء الـنجاسـة و نحوها ليس مستنداً إلى ذلك، بل إلى استعداد ذاته.
و إمّا لعدم معهوديـة أمر من أسلم بتطهير بدنه من الاُمور الـمذكورة، مع عدم خلوّ بدنه عن شيء منها غا لـباً.


(الصفحة651)


و اُورد عليه: بأنّ هذا الـمقدار لايكفي في رفع الـيد عن استصحاب الـنجاسـة إلاّ أن يكون الـمراد معهوديـة الـعدم.
و الـعمدة هو الـوجه الأوّل الـراجع إلى قصور دليل الـنجاسـة عن الاقتضاء لنجاسـة هذه الأشياء، بعد زوال الـكفر و الاتّصاف بالإسلام، و لامجال لاستصحاب الـنجاسـة أصلاً، فمقتضى قاعدة الـطهارة ثبوتها لها.


(الصفحة652)

ثامنها: الـتبعيـة، فإنّ الـكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الـطهارة، أباً كان، أو جدّاً، أو اُمّاً. و أمّا تبعيـة الـطفل للسابي الـمسلم إن لم يكن معه أحد آبائه، فمحلّ إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة.
و يتبع الـميّتَ بعد طهارته آلاتُ تغسيله: من الـخرقـة الـموضوعـة عليه، و ثيابه الـتي غسّل فيها، و يد الـغاسل، و الـخرقـة الـملفوفـة بها حين غسله. و في باقي بدنه و ثيابه إشكال، أحوطه الـعدم، بل الأولى الاحتياط فيما عدا يد الـغاسل1 .



ا لـثامن: في مطهّريـة الـتبعيـة

(1) لابدّ في مطهّريـة الـتبعيـة من ملاحظـة مواردها كلّ واحد مستقلاًّ; و أنّه هل قام الـدليل فيه عليها أم لا؟
فنقول منها: تبعيـة ولد الـكافر إذا أسلم له في الـطهارة; بمعنى صيرورة الـولد طاهراً أيضاً بسبب إسلام من هو ولد له، و قد نفي الـخلاف و الإشكال فيه كما عن «ا لـجواهر». و استدلّ عليه بروايـة حفص بن غياث قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل من أهل الـحرب إذا أسلم في دار الـحرب، فظهر عليهم الـمسلمون بعد ذلك.
فقال: «إسلامه إسلام لنفسه ولولده الـصغار، و هم أحرار، و ما لـه و متاعه و رقيقه له، فأمّا الـولد الـكبار فهم فيء للمسلمين، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ...».(1)
ولكن ربّما يقال: بأنّه ليس الـملاك في الـتبعيـة في هذا الـمورد ـ الـراجعـة إلى تبعيـة الـولد لأشرف الأبوين ـ هذه الـروايـة، لكي يرد عدم شمولها للجدّ و الـجدّة; لاختصاصها بالأب أو الأبوين. مع أنّها ضعيفـة الـسند بقاسم بن محمّد، و علي بن محمّد

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب جهاد الـعدوّ، الـباب 43، الـحديث 1.


(الصفحة653)


ا لـقاشاني الـضعيف.
بل الـمدرك: أنّه لا دليل على نجاسـة ولد الـكافر غير الإجماع و عدم الـقول با لـفصل بين الـمميّز الـمظهر للكفر و غيره، و لا إجماع على نجاسـة ولد الـكافر إذا أسلم أحد أبويه أو جدّه مثلاً، فدليل الـنجاسـة قاصر الـشمول عن الـمقام رأساً.
و يؤيّد هذا الـقول أنّه لو لم يكن دليل الـنجاسـة قاصراً، و كان مقتضاه ثبوتها في الـمقام أيضاً، أمكن أن يقال: بعدم ثبوت الـتنافي بينه و بين روايـة حفص; لعدم صراحتها في الـطهارة، غايته كون إسلام الـكافر إسلاماً لولده الـصغار من جهـة الـحرّيـة، و عدم كونه فيئاً للمسلمين، لا من جهـة الـطهارة أيضاً فتدبّر.
لكنّ الأمر سهل بعد ما عرفت: من عدم الـخلاف، بل عن «ا لـجواهر» كون الـحكم ـ بنحو الـعموم ـ مفروغاً عنه.
و منها: تبعيـة الـطفل للسابي الـمسلم إذا لم يكن معه أحد آبائه في خصوص الـطهارة، كما هو الـمشهور، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب.
و عن الإسكافي و الـشيخ و الـقاضي و الـشهيد: تبعيته له في الإسلام.
و الـعمدة في الـحكم با لـطهارة في هذا الـمورد أيضاً، قصور دليل الـنجاسـة عن الـشمول له; لوضوح عدم تحقّق الإجماع و عدم الـقول با لـفصل في هذا الـمورد، مع ذهاب الـمشهور إلى الـطهارة.
و أمّا سائر الـوجوه، كقاعدة الـطهارة بعد عدم جريان استصحاب الـنجاسـة; لتغيّر الـموضوع و تبدّله، أو معارضته باستصحاب طهارة الـملاقي الـمقتضيـة للتساقط، و كدليل الـحرج و الـنبوي: «كلّ مولود يولد على الـفطرة ...» و كا لـسيرة فقابل للمناقشـة.


(الصفحة654)


كما أنّ الـتبعيـة في الإسلام خا لـيـة عن الـدليل رأساً و ما في الـمتن من الاستشكال في الـتبعيـة في الـطهارة في هذا الـمورد، بل جعل الـعدم غير خال عن الـقوّة، فإنّما هو لتماميـة الـمقتضي للنجاسـة عنده، و عدم تماميـة الأدلّـة الـمقتضيـة للطهارة، ولكنّ الـظاهر ـ كما عرفت ـ عدم تماميـة الـمقتضي.
و منها: تبعيّـة آلات تغسيل الـميّت له في الـطهارة; من الـثوب الـذي يغسل فيه، و الـخرقـة الـتي تستر بها عورته، و الـسدّة الـتي هي الـباب الـتي يغسل عليها، و يد الـغاسل، و الـخرقـة الـملفوفـة بها.
و الـوجه في ذلك: هي الـسيرة الـجاريـة على عدم غسل هذه الاُمور بعد تغسيل الـميّت، مع أنّ مثل الـثوب و الـخرقـة يحتاج في تطهيره إلى الـعصر، و لم يعهد الـعصر فيهما.
و ربّما يستدلّ لذلك بالإطلاق الـمقامي; نظراً إلى أنّ سكوت الـنصوص عن الـتعرّض لتطهيرها، أمارة على طهارتها، و لا سيّما الـثوب و الـخرقـة، فقد تضمّنت الـنصوص ذكرهما، و أغفلت حكم تطهيرهما. ولكنّ الـشيخ الأعظم (قدس سره) تنظّر ـ فيما حكي عنه ـ فيما عدا الـيد من الآلات، و هو الـوجه في احتياط الـمتن فيه.
نعم، في ثياب الـغاسل و باقي بدنه غير الـيد حيث لم تجرِ الـعادة على إصابـة الـماء لهما حال الـتغسيل، الـظاهر أنّه لايحكم فيهما با لـطهارة; لعدم الـدليل عليه.
و كيف كان: فا لـعمدة في هذا الـمورد هو ملاحظـة الـسيرة الـعمليـة من الـمتشرّعـة، فحيث تحقّقت على عدم الـتطهير يحكم فيه با لـطهارة الـتبعيـة، و مع عدم تحقّقها يكون مقتضى الـدليل الـنجاسـة.


(الصفحة655)

تاسعها: زوال عين الـنجاسـة با لـنسبـة إلى الـصامت من الـحيوان، و بواطن الإنسان، فيطهر منقار الـدجاجـة الـملوّثـة با لـعذرة; بمجرّد زوال عينها و جفاف رطوبتها، و كذا بدن الـدابّـة الـمجروح، و فم الـهرّة الـملوّث با لـدم و نحوه، و ولد الـحيوان الـمتلطّخ به عند الـولادة; بمجرّد زوا لـه عنها.
و كذا يطهر فم الإنسان إذا أكل أو شرب نجساً أو متنجّساً; بمجرّد بلعه1 .



ا لـتاسع: في مطهّريـة زوال الـعين

يقع الـكلام في هذا الأمر في مقامين:

ا لـمقام الأوّل: في زوال الـعين با لـنسبـة إلى الـحيوان غير الآدمي

(1) و عن «ا لـحدائق» دعوى الـشهرة على حصول الـطهارة بذلك في خصوص الـهرّة. وحكي فيها عن جملـة من الـمتأخّرين إلحاق غيرها من سائر الـحيوانات بها.
و الـعمدة في هذا، الـسيرة الـقطعيـة الـمستمرّة من الـخلف و الـسلف على مباشرة الـحيوانات، و عدم الـتحرّز من الـهرّة و نظائرها; ممّا يعلم عادة تلوّثها با لـنجاسـة، كدم الـولادة و الـجروح، و الـمنيّ الـخارج منها، و كا لـميتـة و الـعذرة و الـمياه الـنجسـة عند الأكل و الـشرب منها، مع الـعلم عادة بعدم ورود مطهّر عليها.
و كأنّه لوضوح الـحكم، لم يقع مورداً للسؤال من الـمسلمين، و لا للبيان من الأئمّـة الـمعصومين، عليهم أفضل صلوات الـمصلّين، مع شدّة الابتلاء بذلك.
و الـظاهر عموم الـسيرة، و عدم اختصاصها بصورة احتمال ورود الـمطهّر، خصوصاً بعد ملاحظـة ندرة وجود الـمياه الـكثيرة أو الـجاريـة في بلاد الـمسلمين في تلك الأزمنـة. فدعوى الاختصاص بهذه الـصورة، كما عن «نهايـة الأحكام» حيث إنّه


(الصفحة656)


خصّ الحكم با لطهارة بصورة غيبة الحيوان بنحو يحتمل ورود الـمطهّر عليه، غريبـة.
و أضعف منه دعوى الـحكم با لـنجاسـة حتّى يعلم بورود الـمطهّر عليها; اعتماداً على الاستصحاب، لوضوح كون الـسيرة الـقاطعـة مانعـة عن جريان الاستصحاب.
و كيف كان: فلا ينبغي الارتياب في تحقّق هذه الـسيرة، و في كفايتها في الـحكم با لـطهارة.
ولكنّه ربّما يستدلّ لذلك: بما دلّ على طهارة سؤر الـهرّة من إجماع «ا لـخلاف» و الـنصوص الـدالّـة عليه، مع العلم بنجاسـة فمها عادة، لأكل الفأرة أو الميتـة أو شرب المايع الـمتنجّس و غيره، فإنّها و إن كانت في مقام إثبات الـطهارة الـذاتيـة لسؤرها في قبال سؤر الـكلب، حيث إنّه نجس ذاتاً، إلاّ أنّ عدم الـتعرّض فيها للتنبيه على اختصاص الـحكم بصورة عدم الـتلوّث با لـنجاسـة وقتاً ما ـ مع غلبـة الـتلوّث بها ـ أمارة على الـطهارة مطلقاً ولو في الـصورة الـمذكورة.
و بصحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـغطايـة و الـحيّـة و الـوزغ، يقع في الـماء فلا يموت، أيتوضّأ منه للصّلاة؟
قال: «لا بأس به».
وسأ لته: عن فأرة وقعت في حبّ دهن، واُخرجت قبل أن يموت، أيبيعه من مسلم؟
قال: «نعم، و يدهن منه».(1)
فإنّ الـحكم بجواز الـبيع من الـمسلم، إنّما هو لأجل طهارة الـدهن، و عدم صيرورته متنجّساً بوقوع الـفأرة فيه، و هو يلازم الـحكم بطهارة موضوع بولها و بعرها.
وبموثّقـة عمّار بن موسى، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: سئل عمّا تشرب منه الحمامة.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 9، الـحديث 1.


(الصفحة657)


فقال: «كلّ ما اُكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب».
و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب.
فقال: «كلّ شيء من الـطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا توضّأ منه، و لا تشرب».(1) و زاد فيما رواه الـشيخ عن الـكليني: و سئل عن ماء شربت منه الـدجاجـة.
قال: «إن كان في منقارها قذر لم يتوضّأ منه، و لم يشرب، و إن لم يعلم أنّ في منقارها قذراً توضّأ منه و اشرب».(2)
فإنّ الـحكم بطهارة الـماء الـذي شرب منه باز أو صقر أو عقاب، مع عدم رؤيـة الـدم في منقارها، يدلّ على كون زوال الـعين مطهّراً لمنقارها; لأنّها من جوارح الـطيور، و الـعلم الـعادي حاصل بنجاسـة منقارها بملاقاة شيء من الـنجاسات، فطهارة سؤرها دليل على مطهّريـة زوال الـعين با لـنسبـة إليها.
واُورد على الاستدلال بهذه الأدلّة: بأنّه لم يعلم استناد الـطهارة في هذه الروايات إلى كون زوال الـعين مطهّراً، كما هو الـمدّعى، بل يحتمل أن يكون منشأها عدم سرايـة النجاسة من الـمتنجّس الجامد الـخا لي عن الـعين إلى ملاقياته; لأنّ مفاد الـروايات مجرّد طهارة الـماء، أو مثله كا لـدهن، و أمّا أنّ منشأ الـطهارة ماذا؟ فلا دلالـة لها عليه.
و من الـممكن أن يكون الـمنشأ ما ذكر، كما أنّه يمكن أن يكون الـوجه فيه عدم تنجّس الـحيوانات الـمتقدّمـة بشيء، لا أنّها تتنجّس، و تطهّر بزوال الـعين عنها; و ذلك لأنّه لم يدلّ دليل على نجاسـة كلّ جسم لاقى نجساً بنحو الـعموم أو الإطلاق، بل هو أمر

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 9، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 9، الـحديث 3.


(الصفحة658)


متصيّد من ملاحظـة الأخبار الـواردة في موارد خاصّـة; نظراً إلى عدم احتمال خصوصيـة في تلك الـموارد.
و با لـجملـة: لم يدلّ دليل على تنجّس بدن الـحيوان با لـملاقاة، حتّى تكون تلك الأدلّـة ناظرة إلى حصول الـطهارة له بزوال الـعين.
و هنا احتمال آخر; و هو أن يقال: بأنّ هذه الأدلّـة مخصّصـة لدليل الاستصحاب، و ناظرة إلى عدم جريانه في الـحيوان غير الآدمي; فإنّ تعليق نفي الـبأس عمّا شرب منه باز أو صقر أو عقاب ـ في موثّقه عمّار الـمتقدّمـة ـ على ما إذا لم ير في منقارها دم، و الـحكمَ بعدم جواز الـتوضّي و الـشرب مع الـرؤيـة، يشهد بأنّ الـنظر فيها إنّما هو إلى عدم جريان الاستصحاب فيها مع عدم الـرؤيـة، و عدم إحساس الـنجاسـة; لاحتمال ورود مطهّر عليه، كشربه من بحر أو نهر أو ماء كثير و مثله.
و با لـجملـة: مفاد هذه الأدلّـة يمكن أن يكون مجرّد الـتخصيص في دليل الاستصحاب بالإضافـة إلى الـحيوان، لاكون زوال الـعين متطهّراً، كما لايخفى.
و يدفع الاحتمال الأوّل: أنّه لامجال له بعد قيام الـدليل على منجّسيـة الـمتنجّس كا لـنجس، خصوصاً فيما إذا لم يكن هناك واسطـة، كما هو الـمفروض في هذه الـروايات، و قد تقدّم الـبحث في ذلك مفصّلاً في أحكام الـنجاسات، فراجع.
و أمّا الاحتمال الـثاني فيدفعه: أنّ استفادة الـعموم لاتبتني على إلغاء الـخصوصيـة من الـموارد الـخاصّـة الـواردة فيها الـروايات، بل يوجد فيها ما يستفاد منه الـعموم با لـدلالـة اللفظيـة، و ذلك مثل موثّقـة عمّار الـواردة في رجل وجد في إنائه فأرة، الـمشتملـة على قوله (عليه السلام): «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، ثمّ يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كلّ ما


(الصفحة659)


أصابه ذلك الـماء، و يعيد الـوضوء و الـصلاة ...».(1)
و من الـمعلوم: أنّه لا خصوصيـة للفأرة، و لا لنجاسـة الـميتـة، فلابدّ من أن تكون هذه الـروايات، ناظرة إلى عدم اختصاص حصول الـطهارة بعد عروض الـتنجّس با لـغسل، بل له طريق آخر; و هو زوال الـعين في خصوص الـحيوان.
و أمّا الاحتمال الـثا لـث فيردّه: أنّه لو كان الـنظر في هذه الـروايات إلى تخصيص أدلّـة الاستصحاب، لكان الـلازم تعليق الـحكم بعدم الـجواز ـ في مثل موثّقـة عمّار ـ على الـعلم بعدم ورود الـمطهّر، لا على رؤيـة الـدم الـظاهرة في وجود عينه، و من الـمعلوم ثبوت الـفرق بين وجود الـعين، و بين الـعلم بعدم ورود الـمطهّر و إن لم يكن با لـفعل دم مرئي، فتخصيص الـحكم بما إذا شكّ في ورود الـمطهّر عليه الـراجع إلى الـتخصيص في دليل الاستصحاب، خلاف ظاهر الـروايات.
فالإنصاف: أنّ مقتضى الـروايات كا لـسيرة، ثبوت الـطهارة في الـحيوان بزوال الـعين، و لا استبعاد في كونه مطهّراً بالإضافـة إليه أصلاً.

ا لـمقام الـثاني: في مطهّريـة زوال الـعين با لـنسبـة إلى بواطن الإنسان، كفمه، وأنفه، واُذنه

ولكنّه قد وقع الـكلام في أنّ بواطن الإنسان، هل تتنجّس بملاقاة الـنجاسـة، و تطهر بزوال الـعين عنها، أو أنّها لا تقبل الـنجاسـة أصلاً، بل الـنجس إنّما هي الـعين الـموجودة في الـباطن، لا الـباطن؟
و ممّا يترتّب على الـوجهين: أنّه لو كان في فمه شيء من الـدم، فريقه نجس مادام

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 4، الـحديث 1.


(الصفحة660)


ا لـدم موجوداً على الـوجه الأوّل، فإذا لاقى شيئاً نجسه، بخلافه على الـوجه الـثاني، فإنّ الـريق طاهر، و الـنجس هو الـدم فقط، فإن أدخل إصبعه مثلاً في فمه، و لم يلاقِ الـدم لم ينجس.
و إن لاقى الـدم ينجس إذا قلنا: بأنّ ملاقاة الـنجس في الـباطن، أيضاً موجبـة للتنجّس، و إلاّ فلا ينجس أصلاً إلاّ إذا أخرجه و هو ملوّث با لـدم.
و كيف كان: فا لـظاهر أنّ الـبواطن إذا كانت مادون الـحلق، فلا ثمرة لهذا الـنزاع فيها; للقطع بصحّـة الـصلاة من الـمصلّي الـواجد للشرائط الـمراعي لها، مع الـعلم بملاقاة الـدم الـموجود في الـباطن له، و كذا الـعذرة و الـبول، بل بصحّـة الـصّلاة ممّن أكل أو شرب نجساً كا لـخمر، أو متنجّساً كا لـماء مثلاً.
و إذا كانت ما فوق الـحلق، كباطن الـفم و الأنف و الاُذن و الـعين، فا لـظاهر أنّ الـنجاسـة الـملاقيـة له إن كانت متكوّنـة في الـباطن، لا توجب تنجّسه; لموثّقـة عمّار الـساباطي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الـدم، هل عليه أن يغسل باطنه؟ يعني جوف الأنف.
فقال: «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه».(1)
فإنّ عدم وجوب غسل الـباطن الـمستفاد من حصر الـوجوب في الـظاهر، مرجعه إلى عدم تنجّسه، فإنّ الـنجاسـة في جلّ الـنجاسات بل كلّها إنّما استفيدت من الأمر بغسل ملاقيها، فإذا لم يكن غسل الـملاقي واجباً، فهو دليل على عدم تنجّسه. و با لـجملـة: لا دليل على الـتنجّس في هذا الـفرض.
و أمّا إذا كانت الـنجاسـة الـملاقيـة خارجيـة، فا لـظاهر أنّه لادليل على الـتنجّس

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 24، الـحديث 5.

<<التالي الفهرس السابق>>