في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة521)



من حدّ إلى حدّ مع بقائها على شخصيّتها . وإن اُريد انتساب تكليف المنوب عنه بعد التنزيل إلى النائب بالعرض نظراً إلى أنّ ذات النائب نزلت منزلة ذات المنوب عنه فهو هو بالعناية ، فكذا فعله فعله بالعناية وأمره أمره كذلك ، ففيه : أنّ التكليف العرضي لايجدي في الانبعاث الحقيقي وهو مضايف للبعث الحقيقي ، وقصد الامتثال متفرّع عليه .
وإن اُريد أنّ مقتضى تنزيل الذات منزلة ذات اُخرى شرعاً جعل تكليف مماثل جدّاً لتكليف المنوب عنه ـ نظير تنزيل المؤدّي منزلة الواقع في باب الخبرـ فالتكليف المماثل وإن كان حقيقيّاً في حدّ نفسه إلاّ أنّه بعناية أنّه الواقع فهو تكليف حقيقيّ من حيث ذاته وواقعي من حيث العنوان عناية فكذا هنا ، فتكليف النائب حقيقي من حيث نفسه وتكليف المنوب عنه عيناً بالعناية ، فهو معنى صحيح ولكنّه يحتاج إلى الدليل ، وليس مجرّد الإمضاء دالاًّ على هذا المعنى إلاّ على تقدير عدم إمكان قصد الامتثال إلاّ بتوجيه تكليف حقيقي إلى النائب مع أنّه ممكن(1) .
ومنها : أنّ مباشرة الفاعل قد تكون دخيلة في الغرض المترتّب من الفعل للمولى ، فلا يسقط الأمر بفعل الغير ولو كان توصّلياً . وقد لاتكون لها دخل في الغرض ، فيمكن أن يكون مثل هذا الأمر محرّكاً للغير نحو هذا الفعل مراعاة لصديقه واستخلاصاً له عن العقاب وعن بعده عن ساحة المولى ، فيصحّ تقرّب النائب بأمر المنوب عنه .
وأُورد عليه بأنّ الغرض إن كان مترتّباً على فعل كلّ منهما بما هما هما فمثله يجب كفاية لا عيناً ، وإن كان مترتّباً على فعل المنوب عنه فقط . غاية الأمر أنّه أعمّ من المباشري والتسبيبي ، بل أعمّ ممّا بالذات وما بالعرض ، فمثله يوجب توجّه تكليف

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 229 ـ 230 .

(الصفحة522)



حقيقي إلى المنوب عنه ، فيحرّكه نحو الفعل الأعمّ ، ويستحيل أن يكون المحرِّك له محرِّكاً لغيره ولو كان الغرض أعمّ . غاية الأمر سقوط التكليف بسقوط غرضه الحاصل بفعل الغير إذاكان توصّلياً ، وحيث إنّ المفروض هي التعبّدية فلا يسقط الغرض إلاّ مع قصد الامتثال ، وهو متوقّف على محرّكية الأمر(1) .
ومنها : أنّ فعل النائب تارة باستنابة من المنوب عنه ، واُخرى بمجرّد نيابة الغير من دون استنابة، فإن كان بالنحوالأوّل فالمنوب عنه كما يتقرّب بأمره بفعله المباشري كذلك يتقرّب بأمره بفعله التسبيبي ، فلا حاجة إلى تقرّب النائب حتّى يطالب بالأمر المقرّب له ، فالتوسعة حينئذ في الآلة العاملة لا في الأمر المتعلّق بالعمل . وإن كان بالنحو الثاني فرضى المنوب عنه بالفعل المنوب فيه كاف في تقرّبه ولا حاجة إلى تقرّب النائب ، ومبنى الشقّين معاً على عدم لزوم قصد التقرّب من النائب أصلاً ، بل يأتي بذات العمل القابل للانتساب إلى المنوب عنه والتقرّب به شأنه .
وأُورد عليه بأنّ الشق الأوّل مبنيّ على إمكان تعلّق التكليف بالأعمّ ممّا هو تحت اختياره وما هو تحت اختيار الغير كما في المقام ، حيث إنّه يتوسّط بين الفعل التسبيبي وبين ما يتسبّب إليه إرادة الفاعل المختار وهو محلّ الكلام ، والشقّ الثاني يرجع إلى الجواب عن الوجه الأوّل من وجهي الإشكال ، فتدبّر(2) .
ومنها : ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتاب الإجارة ممّا حاصله : أنّ دفع الإشكال موقوف على تقديم أمرين :
الأوّل : أنّ غاية كلّ فعل هي فائدته القائمة به ، وهي بوجودها الخارجي غاية وبوجودها العلمي علّة غائية ، والأمر ليس من فوائد الفعل بوجوده الخارجي ،

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 230 ـ 231 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 231 .

(الصفحة523)



كيف وهو متقدّم عليه ولا يعقل بقاؤه بعد وجود الفعل ، فليس بوجوده العلمي علّة غائية حتّى يوصف بكونه داعياً وباعثاً .
الثاني : أنّ موافقة المأتيّ به للمأمور به من عناوين الفعل ، وقصد الامتثال مرجعه إلى قصد إتيان المماثل للمأمور به من حيث إنّه كذلك ، وقصد موافقة الأمر مرجعه إلى قصد ما يوافق المأمور به من حيث إنّه كذلك ، ولا يخفى عليك أنّ موافقة المأتيّ به تارةً بالإضافة إلى ذات المأمور به ، واُخرى بالإضافة إلى المأمور به بما هو مأمور به ، ومرجع الأوّل إلى موافقة الفرد للطبيعي وهو أجنبيّ عن قصد القربة ، ولا ينطبق عليه عنوان من العناوين الحسنة .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ النائب تارةً يأتي بالفعل ـ الموافق لما أمر به المنوب عنه ـ عن المنوب عنه ، من دون قصد عنوانه بل يدعوه إليه داع آخر ، فالفعل المنسوب إلى المنوب عنه غير عبادي ، واُخرى يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً لما أُمر به المنوب عنه لا عن المنوب عنه، فالفعل لا يقع عبادياً لا عن المنوب عنه لعدم إتيانه عنه ، ولا عن النائب لعدم المضايف فيه ، إذ لا مأمور به له حتّى يقصد كون المأتي به موافقاً للمأمور به ، ومجرّد كونه موافقاً لذات المأمور به لا يجدي في العبادية . وثالثة يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه ، فهذا العنوان المقصود حيث إنّه عن المنوب عنه فمضايفه بالإضافة إليه فعليّ ، وبعد فرض انتسابه إلى من كان مضايفه فعليّاً فيه يمكن إتيان الفعل المعنون بهذا العنوان في ذاته بقصد عنوانه من أيّ شخص كان ، حيث لا يتفاوت تعنون الفعل بهذا العنوان بتفاوت الأشخاص ، وإن كان صيرورته عبادياً بقصده لابدّ فيها من انتسابه إلى من كان مضايف العنوان فعلياً فيه(1) .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 232 ـ 233 .

(الصفحة524)



ومرجع ما أفاده إلى أنّه لا يلزم في ثبوت وصف العبادية توجّه الأمر إلى الفاعل ، وإتيانه المأمور به بداعي الأمر المتوجّه إليه ، بل يكفي فيه كون العمل المأتيّ به موافقاً للمأمور به والإتيان به كذلك ، مع إمكان صحّة الانتساب إلى مَنْ كان مأموراً بذاك الأمر ، فإذا فرض قيام الدليل على صحّة النيابة ـ ومرجعه إلى إمكان الانتساب إلى المنوب عنه ـ فلا يبقى من جهة العبادية نقصان وخلل أصلاً ، من دون فرق بين ما إذا كان هناك استنابة أم لا ، فإنّ ثبوت الأمر وتوجّهه إلى المنوب عنه وصحّة الانتساب إليه على ماهو مقتضى أدلّة مشروعية النيابة والإتيان به بقصد الموافقة للمأمور به بما هو كذلك يكفي في وقوعه عبادة ; لثبوت الأمر من ناحية وصحّة الانتساب من ناحية اُخرى ، والإتيان بها بهذا العنوان من ناحية ثالثة ، وعليه فلا حاجة في حصول التقرّب المقوّم للعبادية توجّه الأمر إلى الفاعل أصلاً .
وهذا هو الجواب الصحيح عن الوجه الثاني ، وبه يظهر الجواب عن الوجه الأوّل ، فإنّ مقتضى ما ذكرنا هو حصول القرب للمنوب عنه بسبب إتيان النائب المنوب فيه بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه ، بداهة أنّه إذا كانت عباديّته لأجل الإتيان به بذلك القصد عن المنوب عنه فلازمه هو حصول القرب للمنوب عنه ، ولا وجه لتقرّب النائب أصلاً ، فالقصد يتحقّق من النائب والقرب يقع للمنوب عنه من دون محذور ، ولا وجه للالتزام بعدم لزوم قصد التقرّب على النائب وأنّ رضا المنوب عنه بما نسب إليه كاف في مقربية العمل له ، كما أنّه لا وجه للالتجاء إلى إنكار النيابة بالمعنى المعروف وإرجاع النيابة إلى ما يساوق إهداء الثواب .
مضافاً إلى ما أورد على الأوّل بعد توجيهه بأنّ غرضه ليس تعلّق التكليف

(الصفحة525)



بالأعمّ من الفعل ومن الرضا بما يؤتى به عنه، بحيث يكون الرضا أحد فردي الواجب التخييري ، وأيضاً ليس غرضه تعلّق التكليف بالأعم من الفعل المباشري والفعل المرضيّ به ; لاستحالة تعلّق التكليف بما ليس من إيجادات المكلّف ، كما أنّه ليس المراد أنّ صدور الفعل مع الرضا به كاف في المقرّبية ، بل الغرض أنّ الفعل المنسوب إليه بالنيابة المشروعة إذا رضي به المنوب عنه بما هو موافق لأمره وبما هو دين الله عليه قربيّ منه ، بحيث لو صدر منه مباشرة من حيث كونه كذلك لكان مقرّباً له بلا شبهة .
ومحصّل الإيراد أنّه لا يتم في النيابة عن الميّت ، فإنّ المكلّف به هو العمل مع قصد الامتثال ، فلابدّ في سقوط التكليف من حصول هذا المقيّد في هذه النشأة ، فكون العمل في هذه النشأة وقيده في نشأة الآخرة ليس امتثالاً للتكليف الذي لا موقع له إلاّ في النشأة الدنيوية .
وإلى ما أورد على الثاني بأنّه مناف لظاهر النصوص والفتاوى ، فإنّ الحجّ الذي يستنيب فيه الحيّ العاجز لا يراد منه إلاّ إسقاط التكليف المتوجّه إليه بالاستنابة لا مجرّد تحصيل ثوابه ، مضافاً إلى أنّ تقرّب النائب وإيصال الثواب إنّما يتصوّر فيما كان مستحباً في حقّ النائب كالحجّ والزيارة المندوبين ، وأمّا القضاء عن الميّت وجوباً أو تبرّعاً فلا أمر للنائب إلاّ الأمر الوجوبي أو الندبي بالنيابة لا بالمنوب فيه ، وأوامر النيابة توصّلية(1) .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الجواب الصحيح عن الوجه الأوّل ما ذكر ، فتدبّر .
بقي الكلام في الواجبات النظامية التي قام الإجماع بل الضرورة على جواز أخذ

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 234 ـ 235 .

(الصفحة526)



الاُجرة فيها(1) ، فإن قلنا بعدم استلزام القول بالجواز في غيرها بشيء من الإيرادات العقلية المتقدّمة ـ كما هو الحقّ وقد عرفت ـ فلا يكون الحكم بالجواز فيها مخالفاً لحكم العقل وللقاعدة . وأمّا إن قلنا بالاستلزام فلابدّ من أن يكون خروج الواجبات النظامية والحكم بالجواز فيها مستنداً إلى دليل ، وفي الحقيقة يرد على المشهور(2) القائلين بالمنع النقض بالواجبات النظامية ولابدّ لهم من الجواب، وقد اُجيب عن ذلك بوجوه :
منها : خروجها بالإجماع والسيرة القائمين على الجواز في خصوصها .
ويرد عليه أنّه إنّما يجدي إذا كان المنع لدليل تعبّدي ، فإنّه على هذا التقدير يخصّص عمومه بالإجماع والسيرة المذكورين ، وأمّا إذا كان المنع لأمر عقليّ كما عرفت فلا موقع لتخصيصه بما عدا الواجبات النظامية كما هو ظاهر .
ومنها : ما عن جامع المقاصد من تخصيص الجواز بصورة سبق قيام من به الكفاية بالعمل(3) .
ويرد عليه أنّه مناف لإطلاق كلام الأصحاب ، فإنّ ظاهرهم ثبوت الجواز بالإضافة إلى السابق أيضاً . وبعبارة اُخرى مرجعه إلى تسليم الإشكال ; لأنّه مع سبق قيام من به الكفاية يسقط الوجوب ، ولا يكون أخذ الأُجرة حينئذ في مقابل الواجب .
ومنها : ما نسب إلى صاحب الرياض (قدس سره) من اختصاص المنع بالواجبات الذاتية

(1) مجمع الفائدة والبرهان : 8 / 89 ، رياض المسائل : 5 / 37 ـ 38 ، كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 2 / 137 .
(2) مسالك الافهام : 3 / 130 ، الحدائق الناضرة : 18 / 211 ، مفاتيح الشرائع : 3 / 11 .
(3) جامع المقاصد : 7 / 181 .

(الصفحة527)



النفسية ـ كدفن الميّت وتعليم الأحكام ـ لا الواجبات المقدّمية كالصناعات التي هي مقدّمة لحفظ النظام الواجب(1) .
وأُورد عليه بأنّ المنع ليس لدليل لبّي حتّى يؤخذ فيه بالمتيقّن ، ولا لفظيّ ليدّعى انصرافه عن الواجب الغيري ، بل المانع أمر عقلي ينافي طبيعة الوجوب نفسياً كان أم غيرياً(2) .
ويمكن الجواب عنه بأنّ القدر المسلّم من حفظ النظام الواجب هو حفظه بنحو لايوجب الهرج والمرج ، والاُجرة لاتقع في مقابل ماتعلّق به التكليف ، بل هي واقعة في مقابل المقدّمات ، ضرورة أنّها تقع في مقابل الطبابة والخياطة ونحوهما ، وهذه الاُمور مقدّمة لتحقّق الواجب ، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يسري الوجوب من ذي المقدّمة إليها ، فلا يستلزم القول بالجواز فيها شيئاً من الإيرادات العقلية المتقدّمة ، ولكنّ مقتضاه التصرّف في كلام الرياض ; لأنّ لازمه جواز أخذ الاُجرة مع حفظ الوجوب الغيري وثبوته ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر بطلان ما عن بعض الأعلام في مقام الجواب عن صاحب الرياض ; من أنّ تلك الصناعات مع انحفاظ النظام متّحدان في الوجود ، كالإلقاء والإحراق والضرب والتأديب ، والمقدّمة المتّحدة الوجود مع ذيها لاتجب بوجوب مقدّمي ، لاستحالة التوصّل بشيء إلى نفسه(3) .
وجه البطلان أنّ الفعل التوليدي يستحيل أن يكون متّحد الوجود مع المتولّد

(1) رياض المسائل : 5 / 37 ـ 38 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .
(3) راجع حاشية المكاسب للميرزا محمّد تقي الشيرازي : 153 ، والحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .

(الصفحة528)



منه ، ومن الواضح مغايرة الخياطة وانحفاظ النظام وكذا غيرها ، فهذا الوجه خال عن الإشكال ، وإن كان لا يلائم التعبير عن مثل الخياطة حينئذ بالواجب النظامي ، فإنّ الواجب هو ذو المقدّمة والخياطة لاتكون واجبة أصلاً ، وفي الحقيقة يخرج ذلك عن محلّ البحث ; وهو أخذ الاُجرة على الواجب كما هو ظاهر .
ومنها: غير ذلك من الوجوه المذكورة التي تظهر مع ما يمكن أن يجري فيها من المناقشة للمتتبّع المتأمِّل .


(الصفحة529)

[الإجارة لحفظ المتاع وضمانه]

مسألة  : يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة ، ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ولو من غير تقصير منه ; بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة بأنّه لو ضاع المتاع أو سرق من البستان أو الدار شيء خسره ، فتضمين الناطور إذا ضاع أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع 1 .


1 ـ أمّا جواز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة ، فلأنّ الحفظ والحراسة منفعة عقلائيّة محلّلة مقصودة للعقلاء ، ولايكون أكل المال في مقابله أكلاً للمال بالباطل ، فمقتضى العمومات والقواعد الأوّلية هي الصحّة والمشروعية ، ويدلّ عليه بالخصوص مفهوم رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ; لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام ولم يأخذ على الثياب(1) . فإنّ مدلولها جواز أخذ الاُجرة والجعل على الثياب وحفظها من الضياع والسرقة ، فأصل الجواز ممّا لا إشكال فيه .
وأمّا جواز اشتراط الضمان عليه ولو من غير تقصير ، فإن كان بنحو شرط الفعل بمعنى تدارك الخسارة وجبرها فلا إشكال فيه أيضاً . وأمّا إذا كان بنحو شرط النتيجة فربما يقال بعدم الصحّة ; لأنّ شرط ضمان الأمين مخالف للكتاب(2) الدالّ على عدم ضمانه ، وعبارة المتن مشعرة بل دالّة على ذلك أيضاً  .

(1) التهذيب : 6 / 314 ح869 ، وسائل الشيعة : 19 / 140 ، كتاب الإجارة ب28 ح3 .
(2) سورة التوبة 9 : 91 .

(الصفحة530)



وسيأتي إن شاء الله تعالى في مسألة عدم ضمان المستأجر تحقيق الكلام في ذلك فانتظر .
ثمّ إنّ مفاد رواية إسحاق بن عمّار ثبوت الضمان فيما لو أخذ الجعل على الثياب ، وظاهر إطلاقها الثبوت ولو مع عدم اشتراط الضمان وهذا مخالف للإجماع(1) ، فلابدّ من تقييده بصورة الاشتراط ، ولكنّ الذي يبعّد التقييد أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين صورة أخذ الجعل على الحمّام أو على الثياب ; لعدم الضمان في كلا الفرضين مع عدم الاشتراط وثبوته فيهما معه ، فاللاّزم حينئذ طرح الرواية ، وقد عرفت أنّه لا حاجة إليها في أصل إثبات الجواز .

(1) غنية النزوع : 288 ، الحدائق الناضرة : 21/543 ، رياض المسائل : 6/18 ، مفتاح الكرامة : 7 / 251 ، جواهر الكلام : 27 / 215 .

(الصفحة531)

[لو عمل عملاً لشخص بطلبه استحقّ اُجرة المثل إن لم يتبرّع به]

مسألة  : لو طلب من شخص أن يعمل له عملاً فعمل استحقّ عليه اُجرة مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله ، وإن قصد التبرّع لم يستحقّ اُجرة وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة1 .


1 ـ أمّا استحقاق اُجرة مثل العمل على الطالب إن كان العمل ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله فهو المشهور(1) شهرة عظيمة ، بل لم ينقل الخلاف فيه . نعم ، في الشرائع في كتاب الجعالة : لو استدعى الردّ ولم يبذل الاُجرة لم يكن للرادّ شيء ; لأنّه متبرّع بالعمل(2) ، وظاهره عدم استحقاق الاُجرة مع استدعاء الردّ وعدم بذلها معلّلاً بثبوت التبرّع ولم يعلم المراد من التعليل ، فإنّه إن كان المراد ثبوت قصد التبرّع للعامل بعمله الذي هو الردّ فالمفروض عدمه ، وإن كان المراد ثبوت التبرّع تعبّداً فلم يقم دليل على هذا التعبّد . وكيف كان ، فالظاهر أنّه لاخلاف محقّق في الضمان . وعن مجمع البرهان : يحتمل أن يكون مجمعاً عليه(3) .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن ثبوت الاستحقاق ، وإن كان من قصد الآمر إتيانه تبرّعاً ، كما أنّ مقتضى إطلاقه أنّه لا فرق بين ما إذا كان العامل ممّن شأنه أخذ الاُجرة ومعدّاً نفسه لذلك ، وبين ما إذا لم يكن كذلك . كما أنّ مقتضى إطلاقه أيضاً ثبوت الاستحقاق مع عدم قصد التبرع وإن لم يقصد أخذ الاُجرة أيضاً ، بناءً على ثبوت قسم ثالث وهو عدم قصد التبرّع ولا أخذ الاُجرة .
والاستحقاق الراجع إلى الضمان بهذه الكيفية المطلقة قد وقع الإشكال في

(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 83 ، مفتاح الكرامة : 7 / 274 .
(2) شرائع الإسلام : 3 / 164 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 83 .

(الصفحة532)



مستنده ووجه ثبوته ، نظراً إلى أنّ الضمان إمّا أن يكون بالعقد أو باليد أو بالإتلاف ، والجميع محلّ اشكال .
أمّا العقد، فلأنّ المفروض أنّه لا عقد صحيح في البين لا بعنوان الإجارة ولا بعنوان الجعالة ; لأنّ الفرض عدم تعيين الاُجرة والجعل ، بل الثابت مجرّد الطلب من الشخص أن يعمل له عملاً بدون تعيين الاُجرة ، بل يقصد المجانيّة كما في بعض صور المسألة ، فلا يكون هنا عقد صحيح في البين . نعم ، يمكن أن يقال بأنّ مستند الضمان هي قاعدة ما يضمن ، نظراً إلى ثبوته في الصحيح فيتحقّق في فاسده أيضاً ، إلاّ أنّه قد حقّق في محلّه أنّها لاتكون قاعدة مستقلّة موجبة للضمان ، بل منشأ الضمان فيها إمّا قاعدة الإقدام أو اليد أو غيرهما كما تقدّم سابقاً(1) ، فهي قاعدة اصطيادية مستفادة من القواعد الاُخر الحاكمة بثبوت الضمان في موارد العقود الفاسدة ، وقد تقدّم عن الشهيدين(2) القول بعدم ثبوت اُجرة المثل فيما إذا كان بطلان الإجارة لأجل عدم ذكر الاُجرة أو اشتراط عدمها ، وإن وقع الاختلاف بينهما وبين جامع المقاصد في عدم الفرق في ذلك بين إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال، أو ثبوته ، كما اختاره جامع المقاصد(3) .
وأمّا قاعدة اليد، فلو قلنا بشمولها للمنافع أيضاً فلا محيص عن اختصاصها بما إذا كان تحت اليد ولو تبعاً ، ضرورة أنّه بدونه لا تشمله القاعدة ، ومجرّد المطالبة لا يوجب ثبوت اليد على المنفعة بوجه .
وأمّا قاعدة الإتلاف، فغير شاملة أيضاً ; لأنّ استناد الفعل وهو الإتلاف إلى

(1) في ص328 ـ 329.
(2) في ص326.
(3) جامع المقاصد: 7 / 120 ـ 121.

(الصفحة533)



الفاعل المباشر أقوى من الطالب الآمر ، ومجرّد الطلب لا يصحّح استناده إلى الطالب أصلاً .
وحكي عن المسالك(1) وغيرها(2) أنّ الموجب للضمان استيفاء المنفعة ذات المالية ، وهو بعد لزوم تقييده بعدم كون صاحبها قاصداً للتبرّع والمجانيّة لا دليل على اقتضائه للضمان ، فإنّ مجرّد الاستيفاء ولو كان مسبوقاً بالطلب والأمر لا دليل على إيجابه للضمان ما لم ينطبق عليه شيء من القواعد الدالّة على الضمان .
وأمّا التمسّك بقاعدة الإقدام ، فمضافاً إلى ما مرّ منّا(3) من المناقشة فيها صغرى وكبرى لا تجري في جميع صور المسألة ; لعدم تحقّق الإقدام فيما إذا كان من قصد الآمر التبرّع والمجانيّة .
نعم ، يمكن التمسّك له بقاعدة احترام مال المسلم التي دلّت عليها رواية أبي بصير(4) ، وقد تقدّم البحث في هذه القاعدة مفصّلاً والجواب عن المناقشات التي أُوردت على التمسّك بها(5) فراجع ، وأنّه يمكن الرجوع إليها ، سواء قلنا : بأنّ المراد من الحرمة المتعلّقة بمال المؤمن هي الحرمة التكليفيّة أو الحرمة الوضعيّة ، واستدلّ بها في الجواهر(6) وتبعه السيّد صاحب العروة(7) ، وهذا هو الدليل على الضمان في مثل المسألة ، ومنه يظهر الوجه لعدم الاستحقاق في صورة قصد التبرع للعامل ،

(1) مسالك الافهام : 5 / 229 .
(2) الحدائق الناضرة : 21 / 633 ، بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 301 ـ 302 .
(3) في ص329 ـ 332.
(4) تقدّمت في ص332.
(5) في ص332 ـ 337.
(6) جواهر الكلام : 27 / 335 .
(7) العروة الوثقى : 5 / 12 مسألة 19 .

(الصفحة534)



فإنّه مع هذا القصد لامجال لاحترام ماله وثبوت الضمان ، كما لا يخفى .

***

[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
قال في الشرائع : إذا دفع سلعة إلى غيره ليعمل فيها عملاً ، فإن كان ممّن عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسّال والقصّار فله اُجرة مثل عمله ، وإن لم تكن له عادة وكان العمل ممّا له اُجرة فله المطالبة ; لأنّه أبصر بنيّته . وإن لم يكن ممّا له اُجرة بالعادة لم يلتفت إلى مدّعيها(1) .
أقول : الظاهر أنّ مفروض المسألة ما إذا لم يكن الدفع إلى الغير بعنوان الاستئجار; بأن يكون هناك إجارة معاطاتية حتّى يعتبر في صحّتها جميع ما يعتبر في الإجارة العقدية من تعيين الاُجرة وغيره ، ضرورة أنّه على هذا التقدير لا يكون فرق بين من كان من عادته أن يستأجر لذلك العمل ، ومن لم يكن من عادته كذلك ، كما أنّه لا فرق بين أن يكون العمل ممّا له اُجرة في العادة ، وما إذا لم يكن كذلك ، كما أنّه على هذا التقدير تتعيّن الاُجرة المسمّـاة ، ولا تصل النوبة إلى اُجرة المثل إلاّ إذا فرض بطلانها فتثبت اُجرة المثل ، كما في جميع موارد بطلان الإجارة على ما تقدّم(2) .
وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ مفروض المسألة ما إذا لم يكن هناك استئجار ، بل كان الدفع بعنوان مجرّد الإذن ، وحينئذ فثبوت اُجرة

(1) شرائع الإسلام : 2 / 188 .
(2) في ص325 ـ 328.

(الصفحة535)



المثل للعامل مع كون العادة فيه أن يستأجر لذلك العمل إنّما هو باعتبار كون العادة قرينة على عدم تحقّق العمل منه تبرّعاً ، بل بقصد العوض ، وحينئذ يرتفع الإشكال في ثبوت اُجرة المثل ; لأنّه بعدما كان العمل واقعاً بإذن صاحب السلعة وصادراً ممّن لم يقصد بعمله التبرّع بشهادة العادة فهو محترم لابدّ من أداء عوضه الواقعي ; لأنّ المفروض عدم تعيين اُجرة في مقابله ، فلا محيص عن اُجرة المثل . نعم ، مقتضى إطلاق العبارة عدم الفرق بين أن يكون العمل عائداً نفعه إليه ، كما إذا كانت السلعة مملوكة له والعمل يؤثّر فيها أثراً مثل الغسل والقصارة ، وبين أن لم يكن كذلك ، كما إذا أمره بخياطة ثوب الغير أو دفعه إليه مع رضا الغير بذلك ، فإنّ الاُجرة ثابتة على الآمر أو الدافع ; لأنّه الذي استوفى عمل العامل وإن رجع نفعه إلى صاحب الثوب .
نعم ، ربّما يناقش في أصل الضمان في المسألة بأنّ سبب الضمان ـ كما قلنا ـ إمّا العقد الصحيح أو اليد أو الإتلاف أو التغرير الذي تدلّ عليه قاعدة الغرور ، وشيء منها غير موجود في المقام ، أمّا العقد فالمفروض عدم تحقّقه واليد غير معقول في باب الأعمال إلاّ في أعمال العبد ، والإتلاف لا يكاد يكون مستنداً إلى الدافع والآمر لأنّ المباشر أقوى ، والتغرير أيضاً لا يجري في المقام خصوصاً مع العلم بالفساد ، وليس هنا سبب آخر مقتض لثبوت الضمان .
ولكن الذي يدفع المناقشة أنّ ما دلّ على احترام عمل المسلم ـ إذا لم يتحقّق بقصد التبرّع بضميمة كونه صادراً بإذن صاحب السلعة وأمره ـ يكفي في إثبات الضمان وثبوت الاُجرة على عهدة صاحب السلعة ،

(الصفحة536)



ويؤيّده جريان سيرة المتشرّعة وقيامها على مثله ، ولا حاجة إلى تجشّم دعوى صدق الإتلاف على الاستيفاء ، كما لايخفى .
هذا فيما إذا كانت له عادة ، وأمّا إذا لم يكن ممّن عادته أن يستأجر لذلك ولكن العمل كان له اُجرة في العادة ، فبحسب مقام الثبوت لا خفاء في ثبوت اُجرة المثل له إذا لم يكن متبرّعاً في إيجاده ، لعين ما تقدّم من الدليل على استحقاق اُجرة المثل . وأمّا بحسب مقام الإثبات فحيث لا يكون هناك عادة منه على أخذ الاُجرة عليه ربّما يمكن أن يتوهّم بأنّه لا دليل على قصد العوض الموجب لثبوت اُجرة المثل ، ولكن الذي يدفع التوهّم أنّه لابدّ في مثل ذلك الرجوع إلى العامل ; لأنّه لا يعرف إلاّ من قبله وهو أبصر بنيّته وأعلم بقصده ، فإذا ادّعى عدم نيّة التبرّع يكفي ذلك إثباتاً للاستحقاق وثبوت اُجرة المثل .
وأمّا ما أفاده صاحب الشرائع من عدم الالتفات إلى دعوى مدّعي الاُجرة فيما إذا لم يكن العمل ممّا له اُجرة بالعادة فليس المراد منه عدم الالتفات ; لعدم اتّصاف العمل بالمالية حتّى يكون ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، بل الظاهر أنّ المفروض ماليّة العمل من حيث هو ، ولكن لم يتحقّق فيه عادة على أخذ الاُجرة عليه ، وذلك كحفظ متاع الغير ، فإنّه وإن كان متّصفاً بالمالية ولذا يجوز الاستئجار عليه ـ كما في مورد الرواية الصحيحة المتقدّمة في مسألة عدم ضمان صاحب الحمّامـ إلاّ أنّه لم يعهد نوعاً أخذ الاُجرة عليه ولم تتحقّق عادة على ذلك ، بل كانت العادة جارية على إيجاده مجّاناً بعنوان الوديعة وبقصد الإحسان ، وعليه فالعمل المفروض له مالية ذاتاً ، والعادة جارية على عدم أخذ الاُجرة في مقابله .


(الصفحة537)



وحينئذ لابدّ من ملاحظة أنّ جريان العادة هل يكفي في عدم الالتفات إلى دعوى مدّعي الاُجرة في مقام الإثبات بعدما كان مستحقّاً لها ثبوتاً إذا كان قصده على خلاف العادة ، ولم يتحقّق منه التبرّع والإحسان واقعاً كما هو مختار الشرائع ، أو أنّه حيث يكون قول العامل موافقاً للأصل ـ حيث إنّ الأصل عدم قصد التبرّع والإحسان ، ولا تعارضه أصالة عدم قصد العوض ; لأنّ الاستحقاق لا يتوقّف على قصد العوض ، بل عدم قصد التبرّع كاف في ثبوت الاستحقاق ـ يكون قوله مقدّماً وملتفتاً إليه كما ربما يحتمل؟ وجهان مبنيّان على أنّ قرينة العادة هل توجب ظهور حال العامل في اقترانه بقصد التبرّع حتّى يكون ذاك الظهور حاكماً على الأصل ، ويكون قوله مخالفاً للظاهر لا يلتفت إليه ، أو أنّها لا تبلغ تلك المرتبة الموجبة للظهور ، فتصل النوبة إلى الأصل ويكون قوله موافقاً له ملتفتاً إليه ؟ فمبنى قول الشرائع هو الوجه الأوّل ، ومبنى الاحتمال الثاني هو الوجه الثاني ، وهو الأظهر فتدبّر . [انتهى كلامه مدّظلّه من كتاب الإجارة الثاني] .


(الصفحة538)

[الاستئجار لحيازة المباحات]

مسألة  : لو استأجر أحداً في مدّة معيّنة لحيازة المباحات ـ كما إذا استأجره شهراً للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء ـ وقصد باستئجاره له ملكيّة ما يحوزه ، فكلّ ما يحوز الأجير في تلك المدّة يصير ملكاً للمستأجر إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة . وأمّا لو قصد ملكيتها لنفسه تصير ملكاً له ولم يستحقّ الاُجرة ، ولو لم يقصد شيئاً فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال ، ولو استأجره للحيازة لابقصد التملّك ـ كما إذا كان له غرض عقلائيّ لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك ـ لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة ، فلا مانع من تملّك الغير له1 .


1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو استأجر أحداً في مدّة معيّنة لحيازة المباحات وقصد باستئجاره له ملكيّة ما يحوزه الأجير ، وكان قصده العمل له والوفاء بعقد الإجارة . وبعبارة اُخرى كان قصد الأجير بحيازته تملّك من استأجره ، وقد حكم فيه في المتن بصيرورته ملكاً لمن استأجره بمجرّد الحيازة كذلك .
ويمكن الاستشكال فيه بأنّ عقد الإجارة يؤثّر أثره من حين العقد ; وهو في هذا الفرع مجرّد ملكيّة الحيازة التي هي عمل الأجير فيما إذا كانت منفعته الحيازية أو مطلق منافعه ملكاً للمستأجر بنحو الأجير الخاصّ الذي سبق الكلام فيه مفصّلاً(1) ، وأمّا ملكيّة ما يحوزه الأجير فلا اقتضاء لعقد الإجارة في ثبوتها ، خصوصاً مع أنّه لا ثبوت ولا تعيّن له إلاّ معلّقاً على تقدير الحيازة  خارجاً .

(1) في ص421 وما بعده.

(الصفحة539)



هذا، مضافاً إلى أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ من حاز ملك(1) الذي ورد بمعناه ـ مثل قوله (عليه السلام)  : لليد ما أخذت ، وللعين ما رأت(2) ، وإن لم يكن منصوصاً بلفظه ـ أنّ الحيازة سبب قهريّ شرعي لملك الحائز ومن يتقوّم به الحيازة ، من دون مدخلية للقصد فيه أصلاً ، فقصد تملّك المستأجر لا يجدي في ثبوت ملكيّته بعد قيام الحيازة بالأجير مباشرة .
وأُجيب عن الإشكال الأوّل بأنّ الحيازة كالخياطة ، فكما أنّ أثر الخياطة مملوك بملك الخياطة كذلك أثر الحيازة بعد جعل الشارع إيّاها سبباً مملوك بملك الحيازة ، وكون الأثر هيئة تارةً وعيناً اُخرى لا يؤثّر في الفرق ; لأنّ منفعة كلّ شيء بحسبه وبتناسبه(3) .
واُورد على هذا الجواب بأنّ أثر الخياطة هي الهيئة ، بل التعبير بالأثر مسامحة ; لأنّ الخياطة هي إيجاد الهيئة الخاصّة ، والإيجاد والوجود متّحدان ذاتاً مختلفان اعتباراً بخلاف الحيازة ، فإنّ أثرها بمقتضى سببيّتها شرعاً هو ملك ما يحوزه ، والملك غير قابل لأن يملك بالإجارة(4) .
ويدفعه أنّ الملك وإن كان غير قابل لأن يملك بالإجارة ، إلاّ أنّ ملكيّة المحاز إنّما هو بسبب ملكيّة الحيازة لا بسبب الإجارة ، كما إذا استأجره لأن يبيع ويشتري للمستأجر ، فإنّه إذا باع له يملك الثمن من حيث البيع لا من حيث الإجارة ، فلا مانع

(1) وسائل الشيعة : 25 / 411 ، كتاب إحياء الموات ب1 ، مستدرك الوسائل: 17 / 112، كتاب إحياء الموات ب1.
(2) الكافي : 6 / 223 ح6 ، وسائل الشيعة : 23 / 391 ، أبواب الصيد ب38 ح1 .
(3) حكاه المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 134 .
(4) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 134 .

(الصفحة540)



في المقام من ثبوت ملكيّة المحاز للمستأجر بسبب الحيازة التي هي مملوكة له بالإجارة لا بسبب الإجارة .
واُجيب عن الإشكال الثاني بأنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية وإن كان هو أنّ المحاز ملك للحائز مباشرة ـ ومرجعه إلى عدم جريان النيابة في الحيازة وعدم صحّتها فيها ـ إلاّ أنّه بعد ملاحظة ما دلّ على قبول مثل ذلك للنيابة والجمع بينه وبين الأدلّة الأوّلية يتعيّن البناء على أنّ المحاز ملك لمالك الحيازة لا من قامت به الحيازة ، نظير : من أحيى أرضاً مواتاً فهي له(1) ، ومن بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة(2) . والدليل على قبول مثله للنيابة ـ مضافاً إلى أنّ الرجوع إلى المرتكز العرفي الذي هو المعيار المائز بين ما تدخله النيابة والوكالة وما لا تدخله يقتضي البناء على كون مثل الاحتطاب والاحتشاش من الاُمور التي تدخله النيابة ـ أنّه لا إشكال في كون القبض قابلاً للنيابة في كلّ مورد كان موضوعاً لحكم شرعي ، مع أنّ الحيازة من أنواعه وأنحائه .
الثاني : الصورة المتقدّمة مع قصد الأجير من الحيازة الملكيّة لنفسه ، وقد حكم فيه في المتن بأنّ المحاز يصير ملكاً له . غاية الأمر أنّه لا يستحقّ الاُجرة .
ويمكن الاستشكال فيه بما يستفاد من الجواهر من أنّ حيازة الأجير حيازة المستأجر ويده على المباح يد المستأجر ، كما أنّ يد العبد على ما حازه يد مولاه ،

(1) التهذيب : 7 / 152 ح673 ، الاستبصار : 3 / 108 ح382 ، وسائل الشيعة : 25 / 412 ، كتاب إحياء الموات ب1 ح5 .
(2) الفقيه : 1 / 152 ح704 ، وسائل الشيعة : 5 / 204 ، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب8 ح2 .
<<التالي الفهرس السابق>>