في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة21)

مسألة : لو وقف مسجداً أو مقبرةً كفى في القبض صلاة واحدة فيه ، أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف وبعنوان التسليم والقبض1 .

مسألة : لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده ـ وكذا كلّ


1 ـ الاكتفاء بذلك هو المشهور ، بل المدّعى عليه الإجماع(1) ، ولعلّ وجهه صدق عنوان القبض بذلك . نعم ، بناءً على اعتبار كون القبض بإذن الواقف يعتبر إذنه بهذا العنوان ، أي بعنوان التسليم والقبض ، وهذا إنّما يلائم بناءً على ما قوّاه سابقاً من كفاية التسليم إلى بعض أفراد الكلّي بعنوان الاستحقاق ، كمسألة الدار المتقدّمة الموقوفة لسكنى الفقراء ، وأمّا بناءً على لزوم قبض المتولّي أوّلاً ، والحاكم الشرعي ثانياً ، وتعيّن الثاني عند عدم الأوّل فلا يستقيم ذلك ، إلاّ أن يقال بكفاية كليهما في القبض ، وهو غير بعيد .
وحكى السيّد في الملحقات أنّه ذكر غير واحد أنّه لا يكفي ; لأنّ الموقوف عليه هو الجنس ، ولا يتحقّق قبضه إلاّ بقبض جميع أفراده ، ولذا لا يكفي في الزكاة قبض بعض المستحقّين عن غيره ، بخلاف الحاكم الشرعي ، فإنّه يكفي قبضه عن الجميع . وأورد عليه بمنع توقّف قبض الجنس على قبض جميع أفراده ، بل يصدق بقبض البعض(2) .
أقول : إلاّ أن يقال بالفرق بين الجنس والعموم ، فإنّ الأوّل يتحقّق بالفرد دون الثاني ، وعليه فيتحقّق الفرق بين الوقف على جنس الفقير أو على عموم الفقراء ، فالأحوط ما ذكرنا من قبض الحاكم مع عدم المتولّي .

(1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 190 مسألة 7 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 190 مسألة 8 .

(الصفحة22)

وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت يده ـ لم يحتج إلى قبض حادث جديد ، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه ، بل لا يخلو من وجه1 .


1 ـ لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان في يده ، وكذا كلّ وليّ بالإضافة إلى المولّى عليه إذا وقف هكذا لم يحتج إلى قبض جديد بعدما كان تحت استيلائه وفي يده ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتصدّق على ولده وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ; لأنّ والده هو الذي يلي أمره(1) .
ورواية عليّ بن جعفر : إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنّها جائزة(2) بناءً على شمول الصدقة أو اختصاصها بالوقف ، وكون المراد من الجواز هو المضيّ واللزوم . وظاهر الروايتين أنّه يكفي في الجواز والمضيّ مجرّد كون الواقف هو الأب ، والموقوف عليه ولده الصغير أو أولاده كذلك ، لكن في المتن جعل الاحتياط في أن يقصد كون قبضه عنه ، بل نفى خلوّه عن الوجه ، والظاهر أنّ المراد أن يقصد كون بقاء الاستيلاء على العين الموقوفة بعنوان المولّى عليه ، وإلاّ فالقبض والإقباض حقيقة لا يعقل هنا ، لاتّحاد الشخص ، وأمّا نفي خلوّه عن الوجه ، فلما تقدّم من اعتبار القبض في صحّة الوقف ، ولكن يمكن أن يقال بدلالة الروايتين على الاستثناء كما لا يبعد ، بل عن كاشف الغطاء : لو نوى الخلاف فالأقوى الجواز(3) ، فالظاهر عدم تماميّة الوجه .

(1) الكافي : 7 / 31 ح7 ، التهذيب : 9 / 135 ح569 ، الاستبصار : 4 / 101 ح387 ، وعنها الوسائل : 19/178 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح1 .
(2) مسائل عليّ بن جعفر:195 ح411، وعنه الوسائل: 19/236، كتاب الهبات ب5ح5، وبحارالأنوار: 10/289.
(3) كشف الغطاء : 4 / 251 .

(الصفحة23)

مسألة : لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية مثلاً لم يحتج إلى قبض جديد; بأن يستردّها ثمّ يقبضها . نعم ، لابدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف ، والأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفيّة1 .

مسألة : فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي ـ كالوقف على الجهات العامّة ـ لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، ويكفي ما هو حاصل ، والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف2 .


1 ـ لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية ، بل بصورة الغصب غير الجائز لم يحتج إلى قبض جديد ; بأن يستردّها الواقف ثمّ يقبضها . نعم ، لابدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف ; لما مرّ من اعتبار الإذن في القبض ، وجعل في المتن أنّ الاحتياط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية ، والسرّ فيه مدخليّة هذا العنوان في موارد لزوم القبض ، ضرورة أنّ الواقف لو أقبضه بعنوان العارية مثلاً لا يكفي ذلك في القبض الذي هو شرط الوقف ، كما لا يخفى .

2 ـ فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي ـ كالوقف على الجهات العامّة ـ لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، بل لا يعقل كما عرفت ، وجعل في المتن الاحتياط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف ، والظاهر أنّ المراد تغيير النيّة بالإضافة إلى العين الموقوفة ، فإنّه كان مستولياً عليها بما أنّها لنفسه ، والآن يكون استيلاؤه بعنوان التولية ، والموقوف عليهم من الجهات العامّة ، كما إذا صار متولّياً من ناحية واقف غير نفسه ، وإلاّ فلا يعقل القبض كما عرفت ; لأنّه تحصيل الحاصل ، فتدبّر .


(الصفحة24)

مسألة : لا يشترط في القبض الفوريّة ،فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، وتمّ الوقف من حين القبض1 .

مسألة : لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً2 .


1 ـ ما تقدّم من الدليل على اعتبار القبض في صحّة الوقف إنّما كان مفاده مجرّد ذلك ، وأمّا فوريّة القبض فلا دليل عليها ، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، ويتوقّف تماميّة الوقف على القبض ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الفصل بينهما طويلاً غايته بحيث لا يرى العرف الارتباط بينهما أصلاً لا يبعد أن يقال بالعدم . نعم ، مقتضى الإطلاق في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ـ الدالّة على أنّ أولاده الكبار إذا لم يقبضوا حتّى يموت ـ الصحّة ما دامت الحياة وإن كان الفصل طويلاً جدّاً .

2 ـ لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً ; لأنّ المفروض مدخليّة القبض في الصحّة وعدم إمكان تحقّقه بعد الموت ; لاشتراط مقرونيّته بإذن الواقف ، ويدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة .
وكذا يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل تصدّق على وُلد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ; لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره ، وقال : لا يرجع في الصدقة إذا تصدّق بها ابتغاء وجه الله(1) فإنّ ذيل الرواية وإن كان مربوطاً بالصدقة

(1) التهذيب : 9 / 137 ح577 ، الاستبصار : 4 / 102 ح390 ، الفقيه : 4 / 182 ح639 ، وعنها الوسائل : 19 /180 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح5 ، وقد تقدّمت قطعة منه في ص19 .

(الصفحة25)

مسألة : يشترط في الوقف الدوام ; بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال : «وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً ، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان . نعم ، لو قصد به الحبس صح1 .


بالمعنى الأخصّ بقرينة قوله (عليه السلام) : «إذا تصدّق بها ابتغاء وجه الله» إلاّ أنّ صدرها إمّا خاصّ بالوقف ، أو الأعمّ منه ومن الصدقة .
ولا وجه لما عن المسالك من احتمال اختصاصه بالثاني(1) ، مع أنّ المشهور اشتراط القربة في الوقف(2) ، مع أنّ الصدقة الاصطلاحية إنّما يكون عدم جواز الرجوع فيها في صورة القبض ، مضافاً إلى احتمال أن يكون الذيل رواية مستقلّة .

1 ـ يشترط في الوقف الدوام ، بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال : «وقفت هذا البستان على الفقراء [إلى سنة]» بطل بعنوان الوقفيّة .
والدليل عليه هو الإجماع المدّعى فيما حكي عن جماعة(3) ، وربّما يستدلّ عليه بالأخبار المتضمّنة لأوقاف الأئمّة (عليهم السلام)(4) ، فإنّها مشتملة على التأبيد ، لكنّها لا دلالة فيها على انحصار الوقف بذلك ، إلاّ أن يقال : إنّ التأبيد معتبر في مفهوم الوقف في مقابل أخواته من السكنى ، والعمرى ، والرقبى ، وذكر السيّد في الملحقات: العمدة الإجماع إن تمّ(5) ، وهو مشعر بالترديد في تحقّق الإجماع ، وعليه فلو قرنه بمدّة لا

(1) مسالك الأفهام : 5 / 359 .
(2) مفتاح الكرامة : 9 / 15 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 186 مسألة 3 .
(3) الخلاف : 3 / 542 ـ 543 مسألة 8 ، غنية النزوع : 298 ، السرائر : 3 / 156ـ 157 .
(4) الوسائل : 19 / 173ـ 174 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 ح6 ـ 10 وص186 و187 ب6 ح2 و4 وص198ـ 204 ب10 .
(5) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 192 ، الشرط الثاني .

(الصفحة26)



يكون وقفاً ، وفي صحّته حبساً مع عدم كون المقصود الحبس تأمّل . نعم ، لو كان المقصود الحبس يصحّ ذلك ، وهنا بعض الروايات لابدّ من ملاحظتها .
الاُولى : صحيحة ابن مهزيار قال : قلت له : روى بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام): أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام) ، فكتب (عليه السلام) : هكذا هو عندي(1) . ودلالتها على أنّ الصحّة والبطلان راجعان إلى أصل الوقف بلحاظ التوقيت إلى وقت معلوم وعدمه ظاهرة ، لكن لا يعلم أنّ المراد هو الوقف الاصطلاحي في مقابل مثل الحبس .
الثانية : صحيحة الصفّار «قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضي ، قال قوم : إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقال آخرون : هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والذي هو غير موقّت أن يقول : هذا وقف ، ولم يذكر أحداً ، فما الذي يصحّ من ذلك؟ وما الذي يبطل؟ فوقّع (عليه السلام) : الوقوف بحسب ما يوقفها [أهلها](2) إن شاء الله(3) .

(1) الكافي : 7 / 36 ح31 ، الفقيه : 4 / 176 ح622 ، التهذيب : 9 / 132 ح561 ، الاستبصار : 4/99 ح383 ، وعنها الوسائل : 19/192 ، كتاب الوقوف والصدقات ب7 ح1 .
(2) من الحدائق الناضرة:22/136، ولكن كلمة أهلهاوردت في المكتوب الآخرللصفّار،الوسائل:19/175 ح1.
(3) التهذيب : 9 / 132 ح562 ، الاستبصار : 4 / 100 ح384 ، وعنهما الوسائل : 19 / 192 ، كتاب الوقوف والصدقات ب7 ح2 .

(الصفحة27)

مسألة : لو وقف على من ينقرض ـ كما إذا وقف على أولاده ـ واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ، ففي صحّته وقفاً أو حبساً ، أو بطلانه رأساً أقوال ، والأقوى هو الأوّل ، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر; بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع ، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته ، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع1 .


وهذه الرواية مرتبطة بالخصوصيّات المرعيّة في الموقوف عليه من حيث التعرّض له وعدمه ومن جهات اُخرى ، فلا ارتباط لها بالمقام .

1 ـ قد وقع الخلاف فيما لو وقف على من ينقرض ، كما إذا وقف على أولاده واقتصر على بطن ، أو بطون ممّن ينقرض غالباً ولم يذكر المصرف بعدهم، ففي صحّته وقفاً كما هو المشهور(1) ، أو حبساً كما حكي عن جماعة(2) ، أو بطلانه رأساً كما نسب إلى قائل غير معلوم(3) ، أقوال مختلفة ، وعلى تقدير صحّته يعبّر عنه بالوقف المنقطع الآخر .
والعمدة في المسألة ملاحظة اعتبار الدوام في الوقف وعدمه ، وقد عرفت دعوى الإجماع على الأوّل ، وهي على فرض تماميّتها ـ كما عرفت ـ الترديد فيها من مثل السيّد في الملحقات إنّما هي في مقابل الموقّت إلى مدّة ، لا مثل المقام .

(1) غاية المرام : 2 / 374 ، الحدائق الناضرة : 22 / 137 ، رياض المسائل : 9 / 288ـ 289 .
(2) مختصر النافع : 255 ، إرشاد الأذهان : 1 / 452 ، قواعد الأحكام : 2 / 388 ، الدروس الشرعيّة : 2/264 ، الروضة البهيّة : 3 / 169 .
(3) نقل هذا القول في المبسوط : 3 / 292 والخلاف : 3 / 543 مسألة 9 .

(الصفحة28)



وظاهر الصحيحة الاُولى من الصحيحتين المتقدّمتين في المسألة السابقة عدم اعتبار الدوام لو أبقينا الوقف فيها على ظاهره المقابل للحبس ، بل ظاهر الصحيحة الثانية أيضاً كذلك ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في الجواب فيها : «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» دالّ على ذلك .
ودعوى أنّ انقطاع الآخر مستلزم لعود الملكيّة إلى الواقف أو وارثه وهو مخالف للأصل مع الشكّ ، مدفوعة بمنع استلزام الوقف للخروج عن الملك ، بل هو لازم التأبيد ، وفي غيره لا دليل على الخروج ، وعنوان الوقف معناه الركود وحبس العين لا الخروج عن الملكيّة ، مع أنّ الخروج عن الملك في مدّة خاصّة لا مانع منه ، كما في باب الإجارة المستلزمة لخروج ملك المنفعة في مدّة معلومة وعوده إلى المالك بعدها ، فالعمدة ما ذكرنا من دعوى الإجماع على اعتبار الدوام في الوقف ، وقد عرفت أنّه غيرمعلوم، خصوصاً مع عدم التعرّض للشرط المذكور في كلام بعض(1)، والمناقشة فيه في كلام بعض آخر(2) ، أو الاستشكال فيه كما في كلام بعض ثالث(3) .
ثمّ إنّه حكي عن مختلف العلاّمة (قدس سره) الاستدلال على الصحّة وقفاً بأنّ الوقف نوع تمليك وصدقة ، فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ، وبأنّ تمليك الأخير ليس شرطاً في تمليك الأوّل ، وإلاّ لزم تقدّم المعلول على العلّة ، وبالخبر الوارد في وصيّة فاطمة (عليها السلام)(4) ، حيث جعلت أمر صدقاتها إلى أولادها ، مع احتمال

(1) كالمفيد في المقنعة : 652 ـ 656 .
(2) مسالك الأفهام : 5 / 354 ـ 355 .
(3) مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
(4) الكافي : 7 / 48 ح5 ، الفقيه : 4 / 180 ح632 ، التهذيب : 9 / 144 ح603 ، وعنها الوسائل : 19 /198 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح1 .

(الصفحة29)

مسألة : الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف ، وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل ، بخلاف الحبس ، فإنّه باق معه على ملك الحابس ويورّث ، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلاّ التصرّفات الناقلة ، فإنّها لا تجوز ، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً ، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع1 .


الانقراض(1) ، والكلّ قابل للنقاش كما لا يخفى .
كما أنّه ربما يستدلّ على البطلان بأنّ الوقف مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول ، فلا يصحّ ، كما لو وقف على مجهول في الابتداء(2) . وظهر جوابه ممّا تقدّم .
وانقدح من جميع ما ذكرنا صحّته وقفاً وإن كان منقطع الآخر ، ولازم ما ذكر الرجوع إلى الواقف أو ورثته بعد الانقراض كما في المتن ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر الوجه في قوله فيه : «بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع» فتدبّر جيّداً .

1 ـ الظاهر أنّ استلزام الوقف المؤبّد لزوال ملك الواقف ليس لأجل الوقف ، بل لأجل التأبيد المأخوذ فيه ، فإنّ الأبديّة لا تجتمع مع بقاء الملكيّة ; لعدم ترتّب أثر من آثار الملكيّة على العين الموقوفة ، ومنه يظهر أنّ الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته بعنوان الوقفيّة لا يكون موجباً لزوال الملك أصلاً . وأمّا الحبس فالملك فيه باق على ملك الحابس ، ويجوز له مطلق التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المحبس

(1، 2) مختلف الشيعة : 6 / 264 ـ 266 مسألة 37 .

(الصفحة30)

مسألة : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان : أظهرهما الأوّل ، وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه1 .


عليه المنفعة . وأمّا التصرّفات الناقلة فإنّها غير جائزة ، ضرورة استلزامها لجواز المنقول إليه استيفاء المنفعة ، وهو لا يجتمع مع الحبس الموجب للجواز .
ويمكن أن يقال بأنّ الحبس لا يزيد على الإجارة ، فإذا آجر المالك ملكه خمسين سنة تصحّ الإجارة ويجوز للمؤجر التصرّفات الناقلة ، خصوصاً مع علم المنقول إليه بذلك ، فالجمع بين التصرّف الناقل للعين ، وبين عدم جواز استيفاء المنقول إليه من المنفعة ممكن . نعم ، قد عرفت أنّ في المؤبّد يوجب الخروج عن الملكيّة وإن لم يكن الوقف بنفسه مستلزماً لذلك ، وسيأتي في مسائل الحبس إن شاء الله تعالى أنّه لو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات ، مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة ، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ولا يعود إلى المالك أو وارثه(1) ، فالبقاء على ملك الحابس مطلقاً ممنوع ، فانتظر .

1 ـ لو فرض انقراض الموقوف عليه في الوقف المنقطع الآخر والرجوع إلى ورثة الواقف مع عدمه ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت ، أو حين الانقراض؟ في المسألة قولان ، استظهر في المتن الأوّل ، ولعلّ الوجه فيه عدم استلزام الوقف

(1) في ص113 ـ 114 مسألة 1 .

(الصفحة31)

مسألة : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه ، دون غيره1 .


للخروج عن الملك  إلاّ في الوقف المؤبّد ، وفي المقام لم يخرج عن ملك الواقف ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون تحت اختيار الموقوف لاستفادة المنفعة ، فإذا فرض انقراضهم فلا محالة ترجع إلى الوارث حال الموت ، كما إذا آجر العين ثمّ مات المؤجر في أثناء مدّة الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة ترجع إلى الوارث حال الموت لا انقضاء مدّة الإجارة .
وتظهر الثمرة كما في المتن فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ، ثمّ انقرض ، فعلى ما استظهره في المتن يشارك الولد ابن أخيه ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه يرجع عليه إلى الولد الباقي ، كما لا يخفى .

1 ـ ليس الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته منحصراً بما إذا انقرض الموقوف عليه ، بل من مصاديقه ما إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الاُولى ممّن يصحّ الوقف عليه ، وفي الطبقة الثانية ممّن لا يصحّ الوقف عليه ، فإنّ عدم الصحّة بمنزلة الانقراض ، كالمثال المذكور في المتن من الوقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على البيع والكنائس ، فإنّه كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يصحّ الوقف على مثلهما ، وعدم الصحّة بمنزلة الانقراض الذي يلازم كون الوقف منقطع الآخر ، فتدبّر .


(الصفحة32)

مسألة : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ . وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني1 .


1 ـ قد فصّل في المتن في الوقف المنقطع الأوّل بين ما كان الانقطاع مستنداً إلى جعل الواقف ، كما إذا وقفه قبل مجيء الشهر الكذائي بأنّه إذا جاء رأس ذلك الشهر فهو وقف ، وبين ما كان الانقطاع مستنداً بحكم الشرع ; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ممّن يصحّ ، فاحتاط البطلان في الفرض الأوّل ، كما أنّه احتاط ونهى عن ترك هذا الاحتياط بالإضافة إلى تجديد الصيغة ، واستظهر الصحّة بالنسبة إلى خصوص من يصحّ في الفرض الثاني .
والوجه في التفصيل أنّه ربما لا يكاد أن يجتمع الوقف مع العلم باستناد الانقطاع إلى جعله ، كما في مثال الشهر المزبور ، فالأحوط عند إرادة الوقف تجديد الصيغة عند مجيء رأس الشهر المزبور ، وهذا بخلاف ما إذا كان بحكم الشرع ، فإنّ عدم الصحّة بالإضافة إلى الطبقة الاُولى التي لا يصحّ الوقف عليها شرعاً لا ينافي قصد الوقفيّة ، والتبعيض في مفاده ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ـ غير عزيز وإن احتاط استحباباً في الذيل بتجديده عند انقراض الأوّل .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الوقف المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في

(الصفحة33)

مسألة : لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، ويدخل في منقطع الآخر . وإذا مات الواقف ، فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً ، وإلاّ بقي على وقفيّته1 .


الوسط غير صالح للوقف عليه ، فاستظهر فيه الصحّة بالإضافة إلى الطرفين ، واحتاط بالتجديد عند انقراض الثاني الذي لا يصحّ الوقف عليه .
والوجه في الاستظهار المزبور أنّه لا مجال للإشكال فيه من جهة التبعيض ; لأنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ، لكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي بالنسبة إلى تجديد الصيغة بعد انقراض الموقوف عليه المتوسّط الذي لا يصحّ الوقف عليه ، كما لا يخفى .

1 ـ إذا وقف وشرط عوده إليه عند حاجته بنحو شرط النتيجة ، فالأكثر على صحّة الوقف والشرط(1) ، وحكي عن المرتضى دعوى الإجماع عليه(2) وجماعة على بطلانه من الأصل(3) ، ومنهم : ابن إدريس مع دعواه الإجماع عليه(4) وعن ثالث صحّته بنحو الحبس لا الوقف(5) .
وقد قوّى في المتن القول الأوّل ; لأنّه مضافاً إلى عموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(6) وإلى

(1) مختلف الشيعة : 6 / 255 مسألة 27 ، رياض المسائل : 9 / 296 ـ 297 ، ملحقات العروة الوثقى : 2/202 .
(2) الانتصار : 468 ـ 469 .
(3) المبسوط : 2 / 81 وج3 / 300 ، المختصر النافع : 255 ، الوسيلة : 370 .
(4) السرائر : 3 / 156 ـ 157 .
(5) شرائع الإسلام : 2 / 217 ، قواعد الأحكام : 2 / 389 ، التنقيح الرائع : 2/305ـ 306 .
(6) سورة المائدة : 5 / 1 .

(الصفحة34)



قوله (عليه السلام) في الرواية المتقدّمة : «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله»(1) مرجع هذا الشرط إلى كونه وقفاً ما لم يحتجّ إليه ، فيدخل في منقطع الآخر ، وبعد عروض الحاجة يرجع إليه، ويصير ميراثاً، ولو فرض عدم عروض الحاجة يبقى على وقفيّته.
ويؤيّده ما حكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصّة «ينبع» من جعله وقفاً ما دام لم يحتج الحسن والحسين (عليهما السلام)(2) . ولا فرق بين حاجة نفسه وحاجة غيره .
لكنّه استدلّ على القول بالبطلان بخبر إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير ، قال : إن احتجت إلى شيء من المال فأنا أحقّ به ، ترى ذلك له وقد جعله لله يكون له في حياته ، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثاً ، أو يمضي صدقة؟ قال : يرجع ميراثاً على أهله(3) .
وحكي عن المسالك أنّه نقله هكذا : إن احتجت إلى شيء من مالي أو من غلّته فإنّي أحقّ به ، أله ذلك وقد جعله لله ، وكيف يكون حاله إذا هلك الرجل أيرجع ميراثاً؟ إلى آخره(4) .
وبخبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضاً(5) ، مع أنّا ذكرنا مراراً عدم تعدّد الرواية في مثل هذه الموارد، ولكن من المحتمل قويّاً عدم بطلان الوقف بل صحّة الشرط، وكون

(1) في ص26 .
(2) الكافي: 7/49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 199 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح3.
(3) التهذيب : 9 / 135 ح568 ، وعنه الوسائل : 19 / 177 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح3 .
(4) مسالك الأفهام : 5 / 365 .
(5) التهذيب : 9 / 146 ح607 .

(الصفحة35)

مسألة : يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط ، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول ـ كمجيء زيد ـ أو على غير حاصل يقينيّ الحصول فيما بعد ، كما إذا قال : «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل على الأحوط . نعم ، لا بأس بالتعليق على شيء حاصل ، سواء علم بحصوله أم لا ، كما إذا قال : «وقفت إن كان اليوم جمعة» وكان كذلك1 .


الرجوع ميراثاً إنّما هو لأجل عروض الحاجة وتحقّق الشرط ، ويؤيّده التعبير بالرجوع الدالّ على أصل الصحّة .
وقد استدلّ للبطلان بوجوه اُخر ضعيفة لا مجال لذكرها .

1 ـ المشهور اعتبار التنجيز(1) ، وفي الجواهر بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه(2) ، وعن الحدائق : إنّي لم أقف عليه في جملة من كتب المتقدّمين ، منها : كتاب النهاية للشيخ والمبسوط ، والسرائر لابن إدريس ، وكذا المقنعة للشيخ المفيد (قدس سره)(3) ، فلو علّق على شرط كقدوم زيد ، أو صفة كمجيء رأس الشهر لم يصحّ ، ولا دليل عليه بالخصوص ، كما اعترف به صاحب المسالك(4) ، وحينئذ فإن تحقّق الإجماع فهو ، وإلاّ فهو مشكل .
نعم ، ادّعى صاحب الجواهر أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها حال وقوعها(5) ، وهو أيضاً مشكل ، ولذا ذكر سيّد العروة في الملحقات أنّ

(1) الحدائق الناضرة : 22 / 142 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 196 .
(2) جواهر الكلام : 28 / 55 و 63 .
(3) الحدائق الناضرة : 22 / 142 .
(4) مسالك الأفهام : 5 / 357 .
(5) جواهر الكلام : 28 / 63 .

(الصفحة36)



الأحوط مراعاة الاحتياط كما في المتن . نعم ، لو علّق على أمر محقّق الوقوع حال الإنشاء مع العلم به ، كما إذا قال : «وقفت إن كان هذا يوم الجمعة» مع العلم بأنّه يوم الجمعة صحّ ، بل لا ينبغي الإشكال وإن نقل عن بعض بطلانه أيضاً (1); لأنّه بصورة التعليق ، بل استظهر الصحّة مع عدم العلم أيضاً ، فلو قال : «وقفت على أولاد زيد إن كانوا عدولاً» مع عدالتهم ، غاية الأمر عدم علمه بذلك ، فإنّه لم يتأخّر الأثر حينئذ ، ثمّ قال : «وقفت إن جاء زيد» أنّه يحتمل وجوهاً :
أحدها : أن يكون على نحو الشرط المتأخّر على وجه الكشف ، فإذا كان يجيء في الواقع يكون وقفاً من الأوّل .
ثانيها : أن يكون على نحو الواجب المعلّق; بأن يكون المراد إنشاء الملكيّة حين المجيء ، ولازمه عدم جواز التصرّف بوجه آخر قبله لو علم بمجيئه ; لأنّه إنشاء وقفيّته في ذلك الوقت .
ثالثها : أن يكون على نحو الواجب المشروط على نحو الوصيّة ، بمعنى حصول الوقفيّة بعد ذلك لا حين الإنشاء ، وإشكال تأخير الأثر عن السبب إنّما يرد في الوجه الأخير دون الأوّلين ، أمّا الأوّل : فواضح ، وأمّا الثاني : فلأنّ المنشأ الوقفيّة حين المجيء ، وقد حصلت حين الإنشاء(2) .
قلت : والظاهر أنّ المنسبق إلى الذهن من الوجوه الثلاثة هو الوجه الأخير الذي يستلزم تأخير الأثر عن السبب ، والظاهر بملاحظة دعوى الإجماع وإن كانت غير ثابتة ، وبملاحظة أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها

(1) الناقل هو صاحب الجواهر في ج28 ص63 .
(2) ملحقات العروة : 2 / 196 .

(الصفحة37)

مسألة : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل1 .

مسألة : من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وغيره ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره . وإن كان بنحو الترتيب ، فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ، ثمّ غيره فمنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم الصور2 .


حال وقوعها لزوم مراعاة الاحتياط ، من دون فرق بين التعليق على أمر مجهول الحصول ، بل متوقّعة ، كمجيء زيد ، أو أمر يقينيّ الحصول مع فرض عدم حصوله فعلاً ، كمجيء رأس الشهر . وأمّا في صورة حصوله وتحقّقه سواء كان معلوماً أو مجهولاً ، فالظاهر الصحّة وعدم لزوم مراعاة الاحتياط ، خلافاً لما حكي عن بعض ، نظراً إلى أنّه بصورة التعليق كما مرّ .
1 ـ لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن كان المفهوم منه عرفاً أنّه أوصى بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل ، والظاهر أنّ المراد الفرق بين صورة شرط الفعل وشرط النتيجة ، والوجه في صحّة الأوّل أنّه وصيّة بأن يوقف ولا مانع منه ، بخلاف الثاني ; لأنّ الوقف يحتاج إلى سبب، كما عرفت .
2 ـ بلا خلاف كما عن جماعة(1) ، أو الإجماع كما عن جماعة اُخرى(2) ، وربما

(1) مسالك الأفهام: 5/361، مفاتيح الشرائع: 3/211 ، الحدائق الناضرة : 22 / 155 ، رياض المسائل : 9/292.
(2) السرائر : 3 / 155 ، التنقيح الرائع : 2 / 305 .

(الصفحة38)



يستدلّ عليه ببعض الأخبار ، مثل :
مكاتبة عليّ بن سليمان بن رشيد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها عن أبي ، وبعضها استفدتها ولا آمن الحدثان ، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فما ترى جعلت فداك ، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين ، أو أبيعها وأتصدّق بثمنها عليهم في حياتي ؟ فإنّي أتخوّف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي ، فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيّام حياتي أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : فهمت كتابك في أمر ضياعك ، فليس لك أن تأكل منها من الصدقة ، فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة ، فبع وتصدّق ببعض ثمنها في حياتك ، وإن تصدّقت أمسكت لنفسك ما يقوتك ، مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
وخبر طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن أبيه أنّ رجلاً تصدّق بدار له وهو ساكن فيها ، فقال : الحين اُخرج منها(2) .
ولكن نوقش في دلالة الخبر; بأنّ مقتضاه وجوب الخروج عن الدار بعد أن أوقفها على غيره ، ولا دلالة له على عدم جواز الوقف لنفسه ، وفي دلالة المكاتبة بأنّ المراد أنّه إذا وقف على الفقراء لا يجوز أن يأكل منه ما دام حياته ، ولا دلالة فيها على عدم جواز أن يجعل شيئاً من الوقف لنفسه مدّة حياته .
فالعمدة في دليل المنع ـ كما أفاده السيّد في الملحقات ـ الإجماع(3) ، ولازمه

(1) الكافي : 7 / 37 ح33 ، الفقيه : 4 / 177 ح623 ، التهذيب : 9 / 129 ح554 ، وعنها الوسائل : 19/176 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح1 .
(2) التهذيب : 9 / 138 ح582 ، الاستبصار : 4 / 103 ح394 ، وعنهما الوسائل : 19 / 178 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح4 .
(3) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 197 .

(الصفحة39)

مسألة : لو وقف على غيره كأولاده ، أو الفقراء مثلاً وشرط أن يقضي ديونه ، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق الماليّة ، كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف ، لم يصحّ وبطل الوقف ، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه . هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه ، وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم; بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان


الاقتصار على القدر المتيقّن منه ، وإلاّ فمقتضى العموم الوارد في الوقف والعمومات الواردة في عموم العقود هو الجواز .
ثمّ إنّه على تقدير القول بالمنع ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره ، وإن كان بنحو الترتيب يتصوّر فيه الأنواع الثلاثة في الوقف المنقطع ، ويجري فيه حكم كلّ واحد منها كما لا يخفى . نعم ، في صورة التشريك كما لو وقف على نفسه والفقراء قيل ببطلانه ، وقيل : يكون تمامه للفقراء ، وقيل ببطلانه في نصفه ، وقيل ببطلانه في ربعه(1) ، وقد قوّى السيّد فيها أنّه إن أراد التوزيع بطل في نصفه وصحّ في نصفه للفقراء ، وإن كان مراده بيان المصرف صحّ في تمامه للفقراء ; إذ مع كونه له وللفقراء على وجه بيان المصرف يمكن دفع تمامه للفقراء(2) ، كما أنّه احتمل في صورة إرادة التوزيع أن يكون تمامه للفقراء ، فتدبّر .

(1) المسالك : 5 / 362 ، الحدائق الناضرة : 22 / 159 ـ 160 ، رياض المسائل : 9 / 294 ، مفتاح الكرامة : 9/30.
(2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 198 .

(الصفحة40)

الشرط تختلف الصور ، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، كما لو شرك نفسه مع غيره ، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل ، فيصحّ على الظاهر فيما بعده ، لكنّ الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه1 .


1 ـ قد فرض في هذه المسألة صورتين :
الاُولى : أنّه لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلاً وشرط أن يقضي ديونه ، أو ما عليه من الحقوق الماليّة الشرعيّة كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف بحيث كان الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه أيضاً ، فالمشهور بطلان الشرط والوقف(1) ; سواء شرط أداء دين معيّن ، أو أطلق الدين ، وسواء شرط إدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا لا فرق بين تعيين المؤونة وعدمه ، والوجه في البطلان كون هذا الشرط منافياً لمقتضى الوقف ، إذ مقتضاه خروجه عن العين والمنفعة .
وربما يقال : بأنّ غاية الأمر أن يكون الشرط فاسداً ، والشرط الفاسد لا يكون مفسداً ، والتحقيق أنّه في هذه الصورة يرجع إلى الوقف لنفسه ، وهو باطل بمقتضى ما مرّ .
الثانية : أن لا يكون الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه ، بل بعد فرض صيرورة جميع المنافع ملكاً للموقوف عليهم يشترط عليهم أداء ديونه ، أو مثله من المنافع بنحو شرط الفعل ، فقد قوّى فيها في المتن الصحّة ; لأنّه لم يدخل نفسه في الموقوف عليهم بوجه ، وأولى بالصحّة ما لو كان قصده استثناء مقدار ديونه من منافع

(1) الحدائق الناضرة : 22 / 160 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 198 .
<<التالي الفهرس السابق>>