في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)

مسألة : الوصيّة جائزة من طرف الموصي ، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح ، وتبديلها من أصلها ، أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك ، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله ، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله . وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها ، وهكذا . وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال1 .


به ، أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة ـ ولو اُجرة المثل ـ لنفسه ; لأنّه بقبوله الوصيّة الكذائيّة ، أو بعدم ردّها مع الإمكان كأنّه تبرّع بإجراء الوصيّة وتنفيذها وعدم أخذ الاُجرة أصلاً . نعم ، لو عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، ففي المتن يكون حاله حال متولّي الوقف; في أنّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ; لما ذكرنا من الوجه(1) ، ولا يكون القبول أو عدم الردّ موجباً للعمل بعنوان التبرّع ، كالأمثلة المذكورة في المتن المشتركة في قبول الموصى به للزيادة والنقصان ، فتأمّل .

1 ـ لا شبهة في أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي ; سواء كانت من العقود أو الإيقاعات ، فله أن يرجع فيها ما دام فيه الروح كلاًّ أو بعضاً من جهة الكمّية أو الكيفيّة ، كما أنّ له تغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك . غاية الأمر أنّه لو رجع عن

(1) في ص100 .

(الصفحة202)

مسألة : يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول ، وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان ، نحو : «رجعت عن وصيّتي ، أو أبطلتها ، أو عدلت عنها ، أو نقضتها» ونحوها . وبالفعل ، وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ، أو جائز كالهبة مع القبض ، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه1 .


بعض الجهات يبقى غيرها بحاله ، وفي المثال المذكور في المتن أنّه لو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ عدل بعد ذلك عن وصاية زيد وجعلها لعمرو ، يبقى أصل الوصيّة بحاله ، والوصيّ بعد العدول هو عمرو لا زيد ، وهكذا بالإضافة إلى سائر الجهات ، وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال ، كذلك له الرجوع في القيّم وفي الاُمور التي يتصدّاها ، كما عرفت أنّه لابدّ أن تكون تلك الاُمور مذكورة ومعيّنة من قبل الموصي في صورة إرادة التعيين .

1 ـ يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بأحد اُمور ثلاثة :
الأوّل : القول ، وهو كلّ لفظ دالّ عليه بالظهور العرفيّ المعتمد عليه عندهم ولو لم يكن على سبيل الحقيقة ، من دون فرق بين اللغات .
الثاني : إعدام موضوع الوصيّة وموردها بإتلاف الموصى به أو نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ونحوه ، أو بعقد جائز كالهبة ، والتقييد بالقبض في الهبة ليس لأجل توهّم اللزوم معه ، لما مرّ من عدم تحقّق اللزوم بمجرّد القبض ، بل لأجل توقّف الصحّة عليه(1) .

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الهبة مسألة 3 .

(الصفحة203)

مسألة : الوصيّة بعدما وقعت تبقى على حالها ، ويعمل بها لو لم يرجع الموصي وإن طالت المدّة ، ولو شكّ في الرجوع ـ ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ـ يحكم ببقائها وعدم الرجوع ، هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة; بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى الله عليه . وأمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، ولم يتّفق موته في ذلك السفر ، أو عن ذلك المرض ، بطلت تلك الوصيّة ، ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما ، وقامت قرائن ـ حاليّة أو مقاليّة ـ على عدم الإطلاق; وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها ، وإلاّ فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة ، إلاّ إذا نسخها ، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً1 .


الثالث : ما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كالمثال المذكور في المتن ، مع أنّ الوكالة جائزة .

1 ـ قد عرفت أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي ويجوز له الرجوع فيها ما دام فيه الروح باقياً ، فلو لم يتحقّق الرجوع يجب العمل بها وإن طالت المدّة بينها وبين زمان موته . ولو شكّ في الرجوع يحكم بالبقاء وعدم الرجوع ; سواء كان الشكّ للشبهة الموضوعية ، أو للشبهة الحكميّة ، كما إذا شكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ; لجريان الاستصحاب في كلا الفرضين على ما هو مقتضى التحقيق ، فإذا شكّ في وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ولم يقم دليل على النفي والإثبات فرضاً يجري استصحاب الوجوب الثابت في عصر الظهور ، لكن مورده ما إذا كانت الوصيّة

(الصفحة204)

مسألة : لا تثبت الوصيّة بالولاية ـ سواء كانت على المال أو على الأطفال ـ إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء ، لا منفردات ولا منضمّات بالرجال . وأمّا الوصيّة بالمال ، فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين ، وتمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين :


مطلقة ، وتوضيحه أنّ الوصية على ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن تكون الوصيّة مطلقة غير مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، وهكذا في زمن كذا ، وكان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى الله عليه .
الثاني : أن تكون مقيّدة بمثل أحد الاُمور المذكورة ، وفي هذا القسم لو لم يتحقّق موته مع القيد الذي ذكره تبطل الوصيّة بنفسها .
الثالث : أن تكون الوصيّة في حال مخصوص وظرف خاصّ ، كما إذا كان في جناح سفر أو في حال مرض ، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا قامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم إطلاق ، وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال ، فلا يجوز العمل بها مع عدم موته فيها ، وبين ما إذا لم تقم تلك القرائن فاستقرب لزوم الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة ، إلاّ في صورة الرجوع ، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما في المثال المذكور في المتن ، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم(1) من كفاية الكتابة في الوصيّة ، كما هو المتداول في الوصايا كما لا يخفى .

(1) في ص138 .

(الصفحة205)

أحدهما : أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ، فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، ونصفها باثنتين ، وثلاثة أرباعها بثلاث ، وتمامها بأربع .
ثانيهما : أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين ـ في دينهما ـ عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار1 .


1 ـ الوصيّة إن كانت متعلّقة بالولاية ; سواء كانت هي الولاية على المال ، أو القيمومة على الأطفال ، فهي لا تثبت إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء ، لا منفردات ولا منضمّـات بالرجال ، كسائر الموارد المشابهة ، إلاّ ما استثني .
وإن كانت متعلّقة بالمال ، فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل وامرأتين ، كما مرّ في كتاب القضاء(1) ، لكن تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين ، والأصل فيهما قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}(2) وقد وردت في جملة من الروايات المنقولة في الباب العشرين من أحكام الوصايا من كتاب الوسائل فيها روايات صحيحة دالّة على أنّ المراد من {آخران من غيركم} هما كافران ، معلّلاً في بعضها بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد(3) ، ويظهر من التعليل أنّ المورد هي الوصيّة بالمال ، كما أنّه يظهر من آخر

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 189 ـ 199 .
(2) سورة المائدة : 5 / 106 .
(3) الكافي : 7 / 4 ح2 وص398 ح2 ، الفقيه : 4 / 142 ح485 ، تهذيب الأحكام : 6 / 252 ح652 وج9/180 ح724 وعنها الوسائل : 19 / 310 و311 ، كتاب الوصايا ب20 ح3 و 5 .

(الصفحة206)

مسألة : لو كانت الورثة كباراً ، وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف في مصرف ، تثبت في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، ولا يحتاج إلى بيّنة . وإن أقرّ بها بعضهم دون بعض، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام ; لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى ، وإلاّ تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين . نعم ، لو كان المقرّ عدلاً واحداً وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص ، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة ، وبالجملة : المقرّ من الورثة شاهد


الاختصاص بصورة الضرورة وعدم عدول المسلمين(1) ، كما أنّه يدلّ بعض منها على الاختصاص بأهل الذمّة(2) ، مضافاً إلى كون الشاهدين مرضيّين عند أصحابنا بكونهما عدلين في دينهما .
وأمّا قبول شهادة المرأة الواحدة بالإضافة إلى الربع وهكذا حتّى يكمل تمامها بأربع ، فيدلّ عليه أيضاً روايات متعدّدة مذكورة في الباب الثاني والعشرين من الكتاب المذكور .
منها : صحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها(3) ، وأوردها في الباب مرّتين متعدّدتين على خلاف ما قلنا .

(1) وسائل الشيعة : 19 / 309 ـ 311 ، كتاب الوصايا ب20 ح1 و3 و 4 و 6 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 311 و 312 ، كتاب الوصايا ب20 ح5 و 7 .
(3) تهذيب الأحكام : 9 / 180 ح723 ، وعنه الوسائل : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح3 .

(الصفحة207)

بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ ، فيثبت به ما يثبت به1 .


1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : لو كانت الورثة كباراً وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه تثبت الوصية في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها ، من دون فرق بين أن يكون كلّهم عدولاً أم لم يكن ; لأنّ ذلك إنّما هو للأخذ بإقرارهم ولا يحتاج إلى بيّنة .
الثاني : لو أقرّ بالوصيّة بعض الورثة الكبار دون بعض آخر منهم ; سواء كان كباراً أم لم يكن ، فإن كان المقرّ منهم اثنين عدلين فما فوق تثبت الوصية في التمام أيضاً ، لقيام البيّنة ، مضافاً إلى الإقرار بالإضافة إلى المقرّين المشمول لقاعدة الإقرار المبحوث عنها في محلّها من البحث في القواعد الفقهية(1) ، ولا حاجة إلى شيء آخر ، وإن لم يكونا عدلين ، بل كان كلا المقرّين أو المقرّ الواحد غير عادل ، فمقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى حصّة المقرّ فقط ، ويحتاج الثبوت في الباقين إلى البيّنة .
نعم ، يستثنى من ذلك موردان :
أحدهما : ما إذا كان المقرّ الواحد عادلاً وكان متعلّق الوصيّة المال لشخص أو أشخاص ، فإنّك عرفت في المسألة السابقة كفاية شهادة عدل واحد مع ضمّ اليمين ، والمراد بها يمين المقرّ له ، فإنّه في هذا المورد يكفي المجموع من شهادة الواحد واليمين في ثبوت تمام الوصيّة ، وقد فصّل ذلك في كتاب القضاء(2) .
ثانيهما : ما إذا شهدت امرأة واحدة عادلة ، فإنّ مقتضى الروايات الكثيرة

(1) القواعد الفقهيّة : 1 / 63 ـ 82 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 189 ـ 199 .

(الصفحة208)

مسألة : لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبي ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه كغيره . نعم ، لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه ، كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية ـ خصوصاً إذا رأى منه الخيانة ـ الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، لكنّ الوارث والأجنبي في ذلك سيّان ، إلاّ فيما تعلّقت باُمور الميّت ، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره ، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره1 .


المشار إليها آنفاً أنّها تكفي في ثبوت ربع حصّة الوصيّة في الورثة ، وإن كانت وارثة يكون مقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى جميع حصّتها ، كما لا يخفى .

1 ـ لو أقرّ الوارث بأصل ثبوت الوصيّة وتحقّقها من الميّت قبل موته من دون أن يقرّ بالخصوصيّات كمّاً أو كيفاً أو غيرهما ، يكون الوارث في هذه الجهة كالأجنبي ، ويترتّب عليه أنّه ليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه هذا الإنكار كغيره ، إلاّ أن يدّعي العلم بعدمها وإن كان الوصيّ الواقعي مجهولاً له ، فإنّه في هذه الصورة له الإنكار ، وتسمع دعواه .
وقد استدرك في المتن من أصل المسألة ما لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة ، كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، فإنّه في هذه الصور يكون لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، من دون فرق بين الوارث ، كما ذكرناه ،

(الصفحة209)

مسألة : قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث ، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته ، وحتّى المجّانيّة والمحاباتيّة على الأقوى1 .


وبين الأجنبيّ .
ومنه يعلم أنّ ما ذكر في كتاب القضاء(1) من أنّه من شرائط سماع الدعوى أن يكون لها نفع بالإضافة إلى المدّعي ، ولذا لا يسمع مثلاً ادّعاء زيد أنّ عمراً مديون لبكر مع كون كليهما أجنبيّين عنه  لا يرتبطان به أصلاً ، وجه عدم المنافاة أنّ النفع العائد إلى المدّعي ربما لا يكون نفعاً دنيوياً ، بل نفعاً اُخرويّاً من جهة الحسبة والمساعدة مع العناوين المذكورة في المتن حتّى الميّت نفسه ، وإن نفى البُعد في الأخير عن أولوية الوارث من غيره ، وكون اختصاص الدعوى وحقّها به مقدّماً على غيره ، ولعلّه لشدّة الارتباط والاتّصال بينهما وكثرة محبّة الوارث بالنسبة إلى الميّت وإرادته لأن يصل الأجر والثواب إليه ، ويؤيّده أنّ المتصدّي لتجهيزاته هو الولد الذكر الأكبر الذي عليه قضاء ما فات عن أبيه قطعاً ، وعن اُمّه احتمالاً ، كما هو المبحوث عنه في محلّه من كتاب الصلاة .

1 ـ قد تقدّم في كتاب الحجر الذي عدّ المرض من أسبابه أنّ الوصيّة المشروعة نافذة في الثلث مطلقاً ، سواء كانت مطابقة لرأي الورثة أم لم تكن كذلك . نعم ، في الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث بحسب الوحدة والتعدّد ، فإن كان واحداً وأمضى الجميع لابدّ من الأخذ بتمام الوصيّة ، وإن كان متعدّداً فالزائد بلحاظ حقّ كلّ يتوقّف على الإجازة ، ويمكن التبعيض في الإجازة وعدمها ، وأمّا المنجّزات

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 79 ـ 80 .

(الصفحة210)

مسألة : لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت ، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به ، وإن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة ، فتخرج من الأصل ، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة1 .


فلاإشكال في نفوذها مطلقاً إذا لم تكن من المريض في مرض موته ، وإذا كانت منه فقد قوّينا خروجها من الأصل حتّى في التبرّعية والمجّانيّة التي هي مورد البحث ، فراجع ذلك الكتاب(1) .

1 ـ لو وقع منه الجمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في جميع ما تعلّقتا به ، سواء قلنا بأنّ المنجّزات من الأصل أو من الثلث ; لأنّ المفروض وفاء الثلث بكليهما وعدم ثبوت الزيادة على الثلث، وإن فرض عدم وفاءالثلث بكليهما فاللازم الابتداء بالمنجّزة وإخراجها من الأصل ; لأنّ المختار فيها كذلك ، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة ، لما عرفت(2) في كلا الأمرين من أنّ الملاك في الثلث هو الثلث حال الموت ، لا حال الوصيّة ، وأنّ الوصية بالزيادة على الثلث المذكور لا تكون باطلة من رأس بالإضافة إلى الزيادة ، بل متوقّفة على إجازة الورثة ، وقد مرّ التفصيل في هذا المجال في كتابي الحجر(3) والوصيّة(4) ، فراجع . هذا تمام الكلام في شرح كتاب الوصيّة .

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجر ، القول في المرض .
(2) في ص163ـ 164، ويلاحظ تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجر ، القول في المرض ، مسألة 4.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجر ، القول في المرض، مسألة 5 .
(4) في ص158 ـ 159 .

(الصفحة211)




كتاب

الايمان والنذور




(الصفحة212)





(الصفحة213)



كتاب

الأيمان والنذور


القول في اليمين

ويطلق عليها الحلف والقسم ، وهي ثلاثة أقسام :
الأوّل: مايقع تأكيداًوتحقيقاً للإخبار بوقوع شيء ماضياً أوحالاأو استقبالاً.
الثاني: يمين المناشدة ـ وهي ما يُقرن به الطلب والسؤال ـ يقصد بها حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول السائل : «أسألك بالله أن تفعل كذا» .
الثالث: يمين العقد ، وهي ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي ، كقوله : «والله لأصومنّ» أو « . . . لأتركنّ شرب الدخّان» مثلاً . لا إشكال في أنّه لا ينعقد القسم الأوّل ، ولا يترتّب عليه شيء سوى الإثم فيما كان كاذباً في إخباره عن عمد . وكذا لا ينعقد القسم الثاني ، ولا يترتّب عليه شيء من إثم أو كفّارة ; لا على الحالف في إحلافه ، ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله . وأمّا القسم الثالث ، فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ، ويجب برّه والوفاء به ، ويحرم حنثه ، ويترتّب على حنثه الكفّارة1 .


1 ـ قال الله تعالى في كفّارة اليمين : {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}(1) وهل المراد

(1) سورة المائدة : 5 / 89 .

(الصفحة214)



بالقيد الاحترازي ، فتدلّ الآية على مغايرة اليمين والحلف ولو بالعموم والخصوص المطلق ، أو أنّ المراد بالقيد التوضيحي وذكره كالعطف التفسيري ، ولعلّ وجهه عدم كون اليمين فعلاً ، بل إنّما هي اسم بخلاف الحلف الذي يكون مصدراً ، والظاهر هو الثاني .
وكيف كان ، فوجه التسمية في القسم الأوّل واضح ، وأمّا القسم الثاني ، فقد وقع التعبير عنه بالمناشدة في قول الحسين (عليه السلام) مخاطباً للعدوّ المحارب : أنشدكم الله كذا وكذا(1) ، وأمّا القسم الثالث ، فوجه التسمية بيمين العقد فيه أنّه القسم على تحقّق العهد على الفعل أو الترك ، كالمثالين المذكورين في المتن .
لا شبهة في أنّه لا ينعقد القسم الأوّل ، بل لا معنى لانعقاده ، ولا يترتّب عليه شيء سوى الإثم لو كان كاذباً في إخباره ، ولو كان الإخبار بالإضافة إلى الحال والاستقبال وكان متعلّق الحلف أمراً في اختياره ، فإنّه لا يجب عليه إيجاد ذلك الأمر تحقيقاً لليمين الواقعة وإن كان هذا الفرض يرجع إلى القسم الثالث كما لا يخفى ، وهذا القسم هي يمين العقد للتأكيد على تحقيق ما التزم به وتعهّد عليه من فعل أو ترك ، وهذا هو المبحوث عنه في كتاب اليمين وينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ، ويجب شرعاً العمل على طبقه ويترتّب على حنثه الكفّارة المذكورة في القرآن(2) .
لكنّ الجمع بين وجوب البرّ وحرمة الحنث كما في المتن ممّا ليس ينبغي ، ضرورة أنّه ليس هناك حكمان شرعيّان بحيث إذا لم يعمل على طبق النذر تتحقّق منه مخالفتان للحكم التكليفي الذي هو الوجوب والحرمة ، وهذا نظير ما ذكرناه في علم

(1) الأمالي للشيخ الصدوق : 222 ـ 223 قطعة من ح239 ، وعنه بحار الأنوار : 4 / 318ـ 319 قطعة من ح1 .
(2) سورة المائدة : 5 / 89 .

(الصفحة215)

مسألة : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ، ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى ، والظاهر أنّه لا يعتبر فيها العربيّة خصوصاً في متعلّقاتها1 .

مسألة : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو الله جلّ شأنه ، إمّا بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويلحق به ما لا يطلق على غيره ، كالرحمان ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ،


الاُصول من أنّ ما اشتهر من ثبوت حرمة الترك في مورد وجوب شيء وثبوت الوجوب في مورد حرمة شيء ليس بتمام ; لأنّ من خالف التكليف الوجوبي ولم يأت بالواجب لم يخالف إلاّ تكليفاً واحداً ، ومن خالف التكليف التحريمي فكذلك ، إلاّ مع إيجاد المنهيّ عنه مكرّراً ، والثابت في المقام هو وجوب الوفاء باليمين كالنذر ، ويؤيّده عدم تعدّد الكفّارة بوجه .

1 ـ أمّا انعقادها باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس غير القادر على التلفّظ بوجه فمّما لا شبهة فيه ; لأنّه ليس شيء أظهر منه في الدلالة على اليمين . وأمّا عدم الانعقاد بالكتابة فلعدم الدليل عليه ، وليست اليمين كالوصيّة التي يتعارف فيها الكتابة ، وقد عرفت أنّ في بعض الروايات دلالة عليه في الوصيّة(1) ، ومنها ما يدلّ على استحباب أن تكون وصيّة الرجل تحت رأسه عند المنام(2) .
واستظهر في المتن عدم اعتبار العربيّة في متعلّقاتها ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ غير العارف باللغة العربية لا يقدر على ذلك ، كالعارف باللغة الفارسيّة فقط .

(1  ، 2) في ص137 ـ 138 .

(الصفحة216)

كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» «والذي نفسي بيده» «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره ، لكنّ الغالب إطلاقها عليه ـ بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى ـ كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم ، ولا تنعقد بما لا ينصرف إليه كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر ، وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال ، فلا يترك الاحتياط1 .


1 ـ الظاهر من النصّ والفتوى هو أنّ الاهتمام باليمين تكليفاً ووضعاً إنّما هو لأجل كون المقسم به هو الله جلّ شأنه ، وأنّه الذي يجعله تأكيداً وتحقيقاً لما التزم وتعهّد به ، وأمّا غيره من الاُمور المقدّسة كالقرآن والكعبة والأنبياء ، وحتّى نبيّنا (صلى الله عليه وآله)والمعصومين من الأئمّة الطاهرين واُمّهم فاطمة الزهراء سلام الله عليها فلا تنعقد اليمين الاصطلاحيّة به وإن كان في موقعه من القداسة وعظمة الشأن ، فضلاً عن أبناء الأئمّة وبناتهم اللذين لا يكونان معصومين أصلاً ; سواء كانوا مع الواسطة أو بدونها .
ويدلّ عليه من الروايات صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن امرأة جعلت مالها هدياً لبيت الله إن أعارت متاعها لفلانة ، فأعار بعض أهلها بغير أمرها؟ فقال : ليس عليها هدي ، إنّما الهدي ما جعل الله هدياً للكعبة ، فذلك الذي يوفى به إذا جعل لله ، وما كان من أشباه هذا فليس بشيء ، ولا هدي لا يذكر فيه الله عزّوجلّ . وسُئل عن الرجل يقول : عليَّ ألف بدنة وهو محرم بألف حجّة ؟ قال : ذلك من خطوات الشيطان . وعن الرجل يقول وهو محرم بحجّه ؟ قال : ليس بشيء ، أو يقول : أنا أهدي هذا الطعام؟ قال : ليس بشيء ، إنّ الطعام لا يهدى ، أو يقول لجزور بعدما نحرت : هو يهديها لبيت الله ؟ قال : إنّما تهدى البدن

(الصفحة217)

مسألة : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالى لا بغيره ، فكلّ ماصدق عرفاً أنّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن


وهنّ أحياء ، وليس تهدى حين صارت لحماً(1) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : إذا قال الرجل : أقسمت ، أو حلفت فليس بشيء حتّى يقول : أقسمت بالله ، أو حلفت بالله(2) .
ثمّ إنّ القسم بالله تعالى تارةً : بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة ، أو ما يلحق به ممّا لا يطلق على غيره كالرحمان مثلاً .
واُخرى : بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ، كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» أو «الذي نفسي بيده» أو مثلهما .
وثالثة : بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره ، لكنّها تنصرف إليه عند الإطلاق ، كالأمثلة المذكورة في المتن .
نعم ، وقع الإشكال في تحقّق اليمين بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة غير المنصرفة إليه عند الإطلاق ، ولكن نوى به الله تعالى ، كالموجود الذي يطلق على الواجب والممكن ، ولكنّه أراد به الواجب ، و«القادر» المشترك بين من له القدرة بالذات ، وبين من له القدرة بالعرض والإعطاء ، وغير ذلك من الأمثلة ، والإشكال ينشأ من أنّها قَسم بغير الله مع فرض عدم الانصراف وإرادة خصوص الله منها ،ولأجله نهى عن ترك الاحتياط فيها .

(1) الكافي : 7 / 441 ح12 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 39 ح56 و57 ، تهذيب الأحكام : 8/312 ح1160 ، الفقيه : 3 / 231 ح1091 و1092 ، وعنها الوسائل : 23 / 233 ، كتاب الأيمان ب15 ح1 .
(2) الفقيه : 3 / 234 ح1102 ، تهذيب الأحكام : 8 / 301 ح1119 ، وعنهما الوسائل : 23 / 234 ، كتاب الأيمان ب15 ح3 .

(الصفحة218)

يقول : «وحقّ الله» و«بجلال الله» و«بعظمة الله» و«بكبرياء الله» و«لعمر الله» . وفي انعقادها بقوله : «بقدرة الله» و«بعلم الله» تأمّل وإن لا يخلو من قرب1 .

مسألة : لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه; بأن يقول : «والله» أو «بالله» أو «تالله لأفعلنّ كذا» بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف ـ كقوله : «أقسمت بالله» أو «حلفت بالله» ـ انعقدت أيضاً . نعم ، لا يكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته2 .

مسألة : لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) وسائر النفوس


1 ـ الملاك في انعقاد اليمين بالله هو الصدق العرفي وحكم العرف بأنّه حلف بالله تعالى ، من غير فرق بين الأمثلة المذكورة في المتن .
نعم ، فيه في انعقادها بقوله : «بقدرة الله» أو «بعلم الله» تأمّل وإن لا يخلو عن قرب ، ولعلّ وجه التأمّل أنّ القَسم بالقدرة والعلم قسم ببعض الأوصاف ، واللازم القسم بالموصوف ، والوجه في عدم خلوّ الانعقاد عن قرب هو كون صفاته عين ذاته لا زائدة عليه ، وعليه فالقسم بالبعض المذكور كأنّه قسم بالموصوف الذي هي صفاته عين ذاته ، فتدبّر .

2 ـ لا يعتبر في انعقاد اليمين أن يكون إنشاء القسم بحروفه التي هي عبارة عن الواو والباء والتاء ، بل لو أنشأ بصيغتي القسم والحلف كالمثالين المذكورين في المتن انعقدت أيضاً ، كما يدلّ عليه موثّقة السكوني المتقدّمة . نعم ، لا تنعقد بالصيغتين المذكورتين خالية عن لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته ، للموثّقة المذكورة أيضاً ، ولأنّ الصيغتين مطلقتان لا دلالة فيهما على كون القسم أو الحلف بالجلالة مع الاعتبار في الانعقاد ، كما عرفت .


(الصفحة219)

المقدّسة المعظّمة ، ولا بالقرآن الكريم ، ولا بالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة المحترمة1 .

مسألة : لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه; بأن يقول : «زوجتي طالق إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل» فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث ، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه ، وكذا اليمين بالبراءة من الله تعالى ، أو من رسوله (صلى الله عليه وآله) ، أو من دينه ، أو من الأئمّة (عليهم السلام); بأن يقول مثلاً : «برئت من الله» أو «من دين الإسلام إن فعلت كذا» ، أو «لم أفعل كذا» فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم ، هذا الحلف بنفسه حرام ويأثم حالفه ، من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله تعالى شأنه ، وكذا لا تنعقد بأن يقول : «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلاً2 .


1 ـ قد مرّ البحث في هذه الجهة في أوّل كتاب اليمين ، ولا نرى حاجة إلى الإعادة ، فراجع .

2 ـ يدلّ على عدم انعقاد اليمين بالطلاق أو مثله كالعتاق ونحوه ـ مضافاً إلى ما عرفت من الاختصاص بالحلف بالله تعالى شأنه ، وإلى أنّ مثل هذه الاُمور لا يكون مقسماً بها، بل الغرض تحقّقها عند المخالفة كما هو المتداول بين العامّة ، مع أنّه يتوقّف على ألفاظ مخصوصة أو شبهها، وليست اليمين من تلك الأسباب ـ جملة من الروايات:
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : كلّ يمين لا يراد بها

(الصفحة220)



وجه الله ـ عزّوجلّ ـ فليس بشيء في طلاق أو عتق (أو غيره خ ل)(1) . وقد نقلها في الوسائل في باب واحد مرّتين ، بل مرّات ظاهرها التعدّد وعدم الوحدة على خلاف ما قلناه مراراً .
ومنها : مرسلة صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ المنصور قال له : رفع إليّ أنّ مولاك المعلّى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال : والله ما كان ، فقال : لا أرضى منك إلاّ بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال : أبالأنداد من دون الله تأمرني أن أحلف؟! إنّه من لم يرض بالله فليس من الله في شيء ، الحديث(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
والظاهر منها أنّ اليمين بهذه الاُمور لا يؤثّر في تحقّق الحنث ولا في ترتّب الكفّارة عليه ، بل ولا في ثبوت الإثم على المخالفة ، وقد عطف على اليمين بهذه الاُمور اليمين بالبراءة من الله تعالى ، وكذا سائر الاُمور المقدّسة المحترمة المذكورة في المتن ، وفرّع عليه أنّه لايؤثّر في ترتّب الإثم على حنثه والكفّارة عليه ، واستدرك ترتّب الإثم على مجرّد الحلف بها مطلقاً ، من دون فرق بين الصدق والكذب ، والحنث وعدمه .
ويدلّ على عدم انعقاد اليمين بالبراءة ـ مضافاً إلى ما ذكرنا من اعتبار أن تكون اليمين بالجلالة بلفظها أو ما هو بمنزلته ، وعلى حرمة نفس مثل هذا الحلف ـ جملة من الروايات أيضاً .
منها : رواية يونس بن ظبيان قال : قال لي : يا يونس لا تحلف بالبراءة منّا ، فإنّه

(1) الكافي : 7 / 441 ح12 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 33 ح35 ، تهذيب الأحكام : 8/312 ح1160 ، الاستبصار : 4 / 47 ح160 ، وعنها الوسائل : 23 / 230 ، كتاب الأيمان ب14 ح2 .
(2) الكافي : 6 / 445 ح3 ، وعنه الوسائل : 23 / 230 كتاب الأيمان ب14 ح3 .

<<التالي الفهرس السابق>>