في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)

مسألة : لو علّق اليمين على مشيئة الله تعالى; بأن قال : «والله لأفعلنّ كذا إن شاء الله» ـ وكان المقصود التعليق على مشيئته تعالى ، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ـ لا تنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيئة غيره; بأن قال : «والله لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً ، فإنّه تنعقد على تقدير مشيئته ، فإن قال زيد : «أنا شئت أن تفعل كذا» انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه ، وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، ولو لم يعلم أنّه شاء أو لا ، لا يترتّب عليه أثر وحنث . وكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيئة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت


من حلف بالبراءة منّا صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ منّا(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من برئ من الله صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ من الله(2) . وقد ذكرنا مراراً حجّية مثل هذه المرسلة .
ويدلّ على ثبوت الكفّارة ولزوم الاستغفار مكاتبة محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد (عليه السلام) : رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ، ما توبته وكفّارته؟ فوقّع (عليه السلام) : يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله عزّوجلّ(3) .
وهكذا لا تنعقد اليمين بمثل ما إذا قال : «إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلاً ، لما ذكرنا .

(1) الكافي : 7 / 438 ح2 ، الفقيه : 3 / 236 ح1114 ، تهذيب الأحكام : 8 / 284 ح1042 ، وعنها الوسائل : 23/ 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح2 .
(2) الفقيه : 3 / 236 ح1115 ، وعنه الوسائل : 23 / 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح4 .
(3) الكافي : 7 / 461 ح7 ، الفقيه : 3 / 237 ح1127 ، وعنهما الوسائل : 23 / 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح3 .

(الصفحة222)

بالمحلوف عليه على ذلك التقدير1 .

مسألة : يعتبر في الحالف البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ،


1 ـ لو علّق اليمين على مشيئة غيره أو أمر من الاُمور ، فتارةً : يكون ذلك الغير هو الله تعالى ، واُخرى : يكون هو شخصاً آخر ، وثالثة : يكون شيئاً آخر غير المشيئة ، ففي الصورة الاُولى ، إن كان المراد من التعليق على مشيئة الله تعالى هو مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ; لأنّه غالباً أو دائماً يكون في كلامه هذا التعليق لأجل هذا المقصود ، فالظاهر أنّ وجود التعليق كالعدم ; لأنّ الغرض المقصود مجرّد التبرّك فقط ، وإن كان المقصود الواقعي التعليق الذي مرجعه إلى توقّف حصول المعلّق على المعلّق عليه ، فحيث إنّ المعلّق عليه هو مشيئته تعالى وهو غير معلوم ، فالظاهر عدم انعقاد اليمين ولو كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، فإنّهما مرادان له تعالى بالإرادة التشريعيّة لا المشيئة التكوينيّة .
وفي الصورة الثانية التي يكون التعليق فيها على مشيئة الغير ، فحيث إنّه يمكن الاطّلاع عليها وعلى عدمها ، ففيها فروض ثلاثة :
أحدها : صورة العلم بتحقّق مشيئة الغير لتحقّق المحلوف عليه ، ففي هذا الفرض تنعقد اليمين مع العلم المذكور ; لحصول المعلّق عليه .
ثانيها : صورة العلم بعدم تعلّق مشيئة الغير بالتحقّق المذكور ، وفي هذا الفرض لا تنعقد اليمين ; للعلم بعدم حصول المعلّق عليه .
ثالثها : صورة الشكّ في تعلّق مشيئة الغير وعدمه ، وفي هذا الفرض لا تنعقد اليمين ; للشكّ في حصول ما علّق عليه من مشيئة الغير ، وفي الصورة الثالثة التي يكون التعليق فيها على شيء آخر يكون الحكم كالصورة الثانية من دون فرق .


(الصفحة223)

وانتفاء الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره ، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد ، ولا المحجور عليه فيما حجر عليه1 .

مسألة : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، وكان المنع متوجّهاً إليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده . ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلا حنث ولا كفّارة عليه ، وهل يُشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما; حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادهما وحلّهما رافعاً لاستمرارها، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين؟ قولان : أوّلهما لا يخلو من رجحان ، فحينئذ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما; حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما2 .


1 ـ اعتبار الاُمور المذكورة في الحالف وعدم الانعقاد مع فقدان أمر من تلك الاُمور فممّـا لا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه(1) ، ولا حاجة إلى البحث عن وجهه بعد وضوحه ، خصوصاً مع تقدّم نظيره في باب الوصيّة(2) ومثله .

2 ـ أمّا عدم انعقاد يمين الولد مع منع الوالد ، وكذا يمين الزوجة مع منع الزوج في الجملة ، فيدلّ عليه جملة من الروايات التي من جملتها :

(1) اُنظر رياض المسائل : 11 / 457 ـ 458 وجواهر الكلام : 35 / 254 .
(2) في ص144 ـ 149 .

(الصفحة224)



صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة ، وقد رواه المشايخ الثلاثة . غاية الأمر أنّ الشيخ رواه بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني ، ورواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفر (عليه السلام)(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات ، وعمدة المقصود من الولد فيها هو الولد الكبير ، وإلاّ فالولد الصغير لا إشكال في ثبوت ولاية الأب عليه ، فأصل الحكم لا إشكال فيه أصلاً .
وقد استثنى في المتن عن ذلك ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، وفصّل فيه بين ما إذا كان المنع متوجّهاً إليه ـ أي إلى المحلوف عليه ـ وكان غرض المانع عدم تحقّقه ، وحينئذ لا ارتباط ليمين الولد والمرأة بالوالد والزوج ; لأنّ عدم تحقّق المحلوف عليه خلاف غرض الشارع . وأمّا إذا كان المنع متوجِّهاً إلى نفس الحلف، فقد نفى البُعد عن الانعقاد بحيث يترتّب عليه الإثم من هذه الجهة والكفّارة ، ولا ملازمة بين المنع عن الحلف ، والمنع عن المحلوف عليه بوجه ، وإطلاق الروايات يشمله .
وأمّا في غير ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، فللوالد والزوج

(1) الكافي : 5 / 443 ح5 وج7 / 440 ح6 ، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : 26 ح17 ، الأمالي للصدوق : 461 ح614 ، الفقيه : 3 / 227 ح1070 ، الأمالي للطوسي : 423 ح946 ، تهذيب الأحكام : 8 / 285 ح1050 ، وعنها الوسائل : 23 / 217 ، كتاب الأيمان ب10 ح2 وب11 ح1 ، وفي البحار : 96 / 262 ح4 وج104 / 217 ح8 عن أمالي الصدوق والطوسي ، وفي ج104 أيضاً ص232 ح78 عن نوادر ابن عيسى ، وفي ج78 / 267 ح18 عن تحف العقول : 381 .

(الصفحة225)

مسألة : لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ، أو بترك حرام أو مكروه ، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ . وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس ، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح ، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح ، ولو ساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضاً فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما ، بل لا يخلو من قوّة1 .


حلّ اليمين الواقعة ، ويؤثّر في ارتفاع آثار المخالفة تكليفاً ووضعاً .
نعم ، وقع الإشكال في شرطية إذنهما ورضاهما المقارن لليمين ، فلو حلفا من غير اطّلاعهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو أنّ منعهما مانع عن الانعقاد وحلّهما يكون رافعاً لاستمرارها ، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين؟ فيه قولان ، نفى خلوّ الأوّل عن القوّة ، ولعلّ السرّ فيه ظهور الروايات الواردة في الأوّل وأنّ الإذن شرط ، لا أنّ المنع مانع ، وفرّع على ذلك أنّه لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، ومقصوده ما إذا كان النظر مقصوراً على الحلف نفسه لا المحلوف عليه ، ونهى عن ترك الاحتياط في الجميع ، خصوصاً بالإضافة إليهما ، ولعلّ السرّ فيه قرب احتمال كون المنع مانعاً رعايةً لحقّهما ، والتفكيك بين توجّه النهي إلى الحلف أو المحلوف عليه مشكل ، خصوصاً مع لزوم الثاني على الحالف مطلقاً وإن لم يحلف .

1 ـ لا إشكال(1) في انعقاد اليمين فيما لو كان متعلّقها راجحاً شرعاً ، أعمّ من فعل

(1) كفاية الأحكام : 227 ـ 228 .

(الصفحة226)

مسألة : كما لاتنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً، تنحلّ إن تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى1 .


الواجب أو المستحبّ ، أو ترك الحرام أو المكروه ، كما أنّه لا إشكال(1) في الانعقاد فيما لو كان متعلّقها متساوي الطرفين بحسب الشرع ، ولكن ترجّح بحسب المنافع والأغراض العقلائيّة فعلاً أو تركاً .
إنّما الإشكال والخلاف في المباح الشرعي الذي لم يكن فيه ترجيح بحسب المنافع والأغراض العقلائية أيضاً ، فإنّ فيه قولين ، أشهرهما وأحوطهما الأوّل ، ونفى في المتن خلوّه عن القوّة .
ولعلّ السرّ فيه أنّ ما كان من قبيل الراجح الشرعي لا يحتاج إيقاعه إلى محرّك غير الشرع غالباً ، وكذا ما كان فيه منفعة وغرض عقلائي يكون ثبوت تلك المنفعة ووجود الغرض العقلائي باعثاً نوعاً إلى إيجاده من غير لزوم اليمين كذلك ، فتنحصر باعثيّة اليمين ومحرّكيتها بالصورة الأخيرة الفاقدة للمنفعة والغرض العقلائي أيضاً ، فيستفاد من ذلك أنّ الغرض الأصلي من تشريع اليمين وحكمة جعلها وترتيب الآثار عليها من لزوم الوفاء وحرمة المخالفة وترتّب الكفّارة هي هذه الصورة ، فتدبّر .

1 ـ إذا تعلّقت اليمين براجح ، ثمّ صار مرجوحاً تنحلّ اليمين ; لأنّ الرجحان معتبر في المتعلّق حدوثاً وبقاءً . غاية الأمر أنّه مع ارتفاع الرجحان في البقاء يكشف عن عدم الانعقاد من حينها ، ولا مجال لتوهّم كون الرجحان معتبراً حال اليمين وإن كان في حال العمل لم يكن كذلك، ولوعاد إلى الرجحان بعدالانحلال بسبب زواله لا دليل

(1) كفاية الأحكام : 227 ـ 228 .

(الصفحة227)

مسألة : إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره ، ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً . وكذا الحال في العسر والحرج الرافعين للتكليف1 .

مسألة : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها، وحرمت عليه مخالفتها ، ووجبت الكفّارة بحنثها ، والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً، فلو كانت جهلاً، أو نسياناً ، أو اضطراراً ، أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة2 .


على بقاءاليمين بعدكون مقتضى الاستصحاب بقاء الانحلال وعدم العود ، كما لايخفى.

1 ـ إنّما تنعقد اليمين على المتعلّق المقدور الشرعي والعرفي ، فلو حلف على فعل غير مقدور عرفاً لم تنعقد ; لأنّ الغرض من اليمين التحريك على الإيجاد ، فمع عدم القدرة عرفاً لا يكاد يمكن له ذلك ، كما أنّه لو حلفت المرأة على الصلاة والصيام في أيّام الحيض لا تنعقد ; لعدم القدرة الشرعيّة على ذلك ، والمراد هي القدرة عليه في ظرف تحقّق العمل . ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها ، فالظاهر انحلال اليمين إذا كان زوال القدرة في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً، وفي حكم زوال القدرة وعدمها حدوثاً وبقاءً العسر والحرج الرافعان للتكليف ، خصوصاً على ما قرّرناه في قاعدة نفي الحرج من أنّ سقوط التكليف معه إنّما هو على سبيل العزيمة لا الرخصة ، كما يؤيّده التعبير عن القاعدة بعدم الجعل .

2 ـ إذا انعقدت اليمين بشرائطها ففي المتن وجوب الوفاء بها وحرمة مخالفتها ، مع أنّك قد عرفت(1) أنّ في مثل ذلك لا يكون تكليفان : الوجوب والحرمة ، بحيث لو

(1) في ص214 ـ 215 .

(الصفحة228)

مسألة : لو كان متعلّق اليمين فعلاً ـ كالصلاة والصوم ـ فإن عيّن له وقتاً تعيّن وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة ، وحنثها بتركه بالمرّة ، ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت . وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلاً ، فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به مدّته ولو مرّة تحقّق الحنث1 .


تحقّقت المخالفة استحقّ عقابين لمخالفة الوجوب والحرمة معاً ، بل الظاهر ثبوت التكليف بوجوب الوفاء بها كالوفاء بالنذر . نعم ، لا شبهة في وجوب الكفّارة بحنثها ، كما يدلّ عليه الكتاب العزيز(1) . غاية الأمر أنّ الحنث الموجب للكفّارة عبارة عن المخالفة العمديّة ، فلو كانت جهلاً ، أو نسياناً ، أو اضطراراً ، أو إكراهاً فلا حنث يوجب الحرمة ، ولا يترتّب عليه الكفّارة ; لحديث الرفع المعروف(2) غير المختصّ بالأحكام التكليفيّة كما قرّر في محلّه .

1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لصورتين :
إحداهما : ما إذا كان متعلّق اليمين إيجاد فعل مخصوص ، وقد فصّل فيه في المتن بأنّه إن عيّن له وقتاً تعيّن ذلك الوقت للوفاء باليمين ، فإن أتى به فيه فقد وفى ، وإن لم

(1) سورة المائدة : 5 / 87 .
(2) الكافي : 2 / 462 ـ 463 ح1 و2 ، التوحيد : 353 ح24 ، الخصال : 417 ح9 ، وعنها الوسائل : 15/369ـ 370 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب65 ح1 ـ 3 .

(الصفحة229)

مسألة : لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم; سواء كان مقيّداً بزمان ، كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً ، لم يكن له إلاّ حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق ; سواء قيّده بزمان أم لا ، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة واحدة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ مرّة واحدة ، فلا تتكرّر الكفّارة ، والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة ، فلا يتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخّان في أكثر من جمعة ، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى ، والاحتياط حسن1 .


يأت به فيه فقد حنث وإن أتى به في وقت آخر ، فضلاً عمّا إذا لم يأت به فيه أيضاً . وإن لم يعيّن له وقتاً  بل أطلق ، فالوفاء بها يتحقّق بإيجاده مرّة في أيّ وقت كان ، كما إذا تعلّق به التكليف كذلك من دون يمين ، كما أنّ حنثها بتركه بالمرّة ، ولا يجب التكرار ، ولا يلزم الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يحصل ظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز بالمرض ومثله ، أو عروض الموت .
ثانيتهما : ما إذا كان متعلّق اليمين الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلاً ، وقد فصّل فيه أيضاً بين ما إذا كان الترك مقيّداً بزمان معيّن كالسنة في المثال المذكور ، فاللازم الترك في ذلك الزمان ، ويكون الحنث بالإيجاد فيه ولو مرّة ، وإن وقع الإطلاق فمقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به وفعل في تلك المدّة ولو مرّة واحدة تحقّق الحنث المحرّم والموجب للكفّارة .

1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان أنّ الحنث بماذا يتحقّق ، ويتعدّد أم لا؟ فنقول :

(الصفحة230)

مسألة : كفّارة اليمين : عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام ، وسيجيء تفصيلها في الكفّارات إن شاء الله تعالى1 .


لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم; سواء كان مقيّداً بزمان أو مطلقاً ، فالحنث إنّما يتحقّق بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان المحلوف عليه ترك عمل مطلقاً; أي غير مقيّد بالتعدّد والوحدة ، سواء قيّده بزمان أم لا ، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيجاد العمل الذي حلف على تركه ولو مرّة واحدة ، وعندئذ تنحلّ اليمين ولا يكون الإيجاد الثاني والثالث وهكذا موجباً لتعدّد الحنث وتكرّر الكفّارة .
وقد قوّى في المتن أنّ الأمر كذلك; أي من جهة عدم تعدّد الحنث لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة ، والسرّ فيه عدم انحلال مثل الحلف المزبور إلى الأيمان المتعدّدة حسب تعدّد أيّام الجمعة ، بل الحلف واحد تعلّق بالتروك المتعدّدة ، وحلّها بتحقّق الفعل في شرب الدخان ولو في يوم واحد ، وبترك الصوم كذلك . نعم ، لو فرض أنّ المقصود هو الانحلال لكان لكلّ يوم جمعة وفاء وحنث ، لكنّه خلاف الظاهر ، فإنّ مقتضاه عدم الانحلال ، ولازمه وحدة الوفاء والحنث .

1 ـ سيأتي في كتاب الكفّارات(1) إن شاء الله تعالى أنّ كفّارة اليمين عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم به الأهل ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر

(1) في ص273 .

(الصفحة231)

مسألة : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ; سواء كانت على الماضي أو المستقبل . نعم ، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه جاز بلا كراهة ولو كذباً ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها1 .


فصيام ثلاثة أيّام ، وأنّ كفّارة اليمين مذكورة في الكتاب العزيز ـ كما أشرنا إليه في أوّل البحث(1)ـ فانتظر .

1 ـ الأيمان الصادقة التي سمّيت بالتأكيدية والتحقيقيّة في أقسام اليمين المذكورة في أوّل مباحثه كلّها مكروهة ; سواء كانت على الماضي أو المستقبل ، بل وعلى الحال أيضاً . نعم ، لو كان المقصود بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه يجوز من دون كراهة ولو لم تكن صادقة ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، وقد وردت في هذا المجال روايات متعدّدة ، مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة .
كرواية إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك ، فحلف ، قال : لا جناح عليه ، وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه ، قال : لا جناح عليه ، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال : نعم(2) .

(1) في ص214 .
(2) الكافي : 7 / 440 ح4 ، تهذيب الأحكام : 8 / 285 ح1048 ، وعنهما الوسائل : 23 /224 ، كتاب الأيمان ب12 ح1 .

(الصفحة232)

مسألة : الأقوى جواز الحلف بغير الله في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة ، كما أنّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات1 .


وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على ذلك .
ثمّ إنّ في لزوم التوسّل إلى التورية خصوصاً لمن كان يحسنها مكان الحلف كاذباً كلاماً مذكوراً في بحث الكذب من المكاسب المحرّمة بالنسبة إلى مطلق الكذب ، والظاهر عدم اللزوم ، والتحقيق في محلّه .

1 ـ قد مرّ(1) أنّ الحلف الذي يترتّب عليه الأثر من حرمة المخالفة وثبوت الكفّارة ـ وهو الذي سمّيناه بالعهدي ـ لابدّ وأن يكون بلفظ الجلالة أو ما يقوم مقامه ، كالرحمان ، أو مقلّب القلوب والأبصار ، ونحوها ، وأمّا اليمين التأكيديّة التي لا يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة فيجوز أن تكون بغير الله ، كالقرآن ، والكعبة ، والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وغيرها ; لما عرفت(2) من أنّ المقصود منها مجرّد التأكيد والتحقيق لا العهد والالتزام . نعم ، اليمين في المرافعات والدعاوي إذا حلفها المنكر بعد عدم ثبوت البيّنة للمدّعي ، أو حلفها المدّعي بعد نكول المنكر عن اليمين ـ وبعبارة اُخرى اليمين التي هي فاصلة للخصومة ـ لا تتحقّق بالحلف بغير الله تعالى ، كما هو المذكور في كتاب القضاء(3) ، فراجع .

(1، 2) في ص216 ـ 218 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 221 ـ 231 .

(الصفحة233)






القول في النذر

مسألة : النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى على نحو مخصوص ، ولا ينعقد بمجرّد النيّة ، بل لابدّ من الصيغة ; وهي ما كان مفادها جعل فعل أو ترك على ذمّته لله تعالى; بأن يقول : «لله عليّ أن أصوم أو أن أترك شرب الخمر» مثلاً ، وهل يعتبر في الصيغة قول «لله» بالخصوص ، أو يجزئ غير هذه اللفظة من أسمائه المختصّة ، كما تقدّم في اليمين؟ الظاهر هو الثاني ، ولا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة ، خصوصاً لمن لا يُحسن العربيّة ، ولو اقتصر على قوله : «عليَّ كذا» لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى «لله» . ولو قال : «نذرت لله أن أصوم» مثلاً أو «لله عَليّ نذر صوم يوم» مثلاً ، لم ينعقد على إشكال ، فلا يترك الاحتياط1 .


1 ـ النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى على نحو مخصوص وكيفيّة خاصّة ، ولا ينعقد بصرف النيّة ، بل لابدّ من الصيغة الدالّة على ذلك ، وكان مدلولها جعل فعل أو ترك على ذمّته لله تعالى ، فالناذر هو الملتزم ، والمنذور هو الفعل أو الترك ، والمنذور له هو الله تبارك وتعالى ; كأن يقول : «لله عليّ أن أصوم يوم كذا أو أترك شرب الخمر في مدّة معلومة أو مطلقاً ما دام العمر» مثلاً .


(الصفحة234)



وبالجملة : التعهّد والجعل على الذمّة قد يجيء من قبل الله ، كما في آية الحجّ الدالّة على أنّ {للهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(1) الآية ، وقد يجيء من قبل المكلّف نفسه ، كما في النذر ، فيقول : «لله عَليّ كذا وكذا» .
وهل يعتبر في الصيغة قول : «لله» بالخصوص الذي هو لفظ الجلالة ، أو يجزئ غير هذه اللفظة من الأسماء المختصّة به ، كقوله : «للرحمن عليّ فعل كذا» أو الموصوف بالأوصاف المختصّة به ، كقوله : «لمقلّب القلوب والأبصار عَليّ فعل كذا» كما تقدّم في اليمين؟(2) الظاهر أنّه لا فرق بينه وبين اليمين من هذه الجهة ، فالتعميم هناك والتخصيص هنا يحتاج إلى دليل فارق ، وهو مفقود .
ولا يبعد الانعقاد بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة ، وإلاّ يلزم الاقتصار في وجوب الوفاء وغيره على من يعرف اللغة العربيّة ويحسنها ، مع أنّ غير العارف كثير ، والبارئ يطلق عليه الأسماء المتعدّدة حسب تعدّد اللغات وتكثّر الألسن ، فالانجليزي لا يعرف معنى «الله» نوعاً ، وليست صيغة النذر من العبادات ـ كالصلاة مثلاًـ حتّى يجب عليه تعلّم ألفاظها ولو مع عدم إدراك المعنى ، بل هي كما عرفت تعهّد والتزام من قبل العبد لله تعالى على عمل مخصوص .
نعم ، لو اقتصر على قوله : «عليّ كذا» فلا ينعقد النذر ; لأنّ دلالته على الالتزام وإن كانت ظاهرة ، إلاّ أنّ كون الالتزام لله تعالى ، لا يدلّ عليه هذا اللفظ ولو كان في نيّته ذلك ، لما عرفت من عدم الاكتفاء بالنيّة .
ولو قال : «نذرت لله أن أصوم» مثلاً ، أو «لله عليّ نذر صوم يوم» مثلاً ، فقد

(1) سورة آل عمران : 3 / 97 .
(2) في ص216 ـ 218 .

(الصفحة235)

مسألة : يشترط في الناذر البلوغ، والعقل، والاختيار ، والقصد ، وانتفاء الحجرفي متعلّق نذره، فلاينعقد نذرالصبيّ وإن كان مميّزاًوبلغ عشراً، ولا المجنون ولو أدواريّاً حال دوره، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد، ولا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته ، ولا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء1 .

مسألة : لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج; وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّه ، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه ، ولو أذِن لها فنذرت انعقد ، وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به2 .


حكم في المتن بعدم انعقاده على إشكال ينشأ من أنّه لا وجه لعدم الانعقاد بعد كون معنى النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى ، كما ربما يؤيّده الكتاب حكاية عن قول مريم : {إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً}(1) ومن أنّ الجمع بين كلمة «النذر» الدالّة على الالتزام لله ، وبين كلمة «لله» لا يكاد يستقيم ، فلا يترك الاحتياط .

1 ـ أمّا اعتبار الاُمور المذكورة الذي يتفرّع عليه البطلان في الموارد الفاقدة ، فيدلّ عليه ما مرّ مراراً(2) ، ولا حاجة إلى الإعادة بوجه أصلاً .

2 ـ في المسألة صورتان :
إحداهما : نذر الزوجة مع منع الزوج وإن كان متعلّقاً بما يكون ملكاً لها أو لها

(1) سورة مريم : 19 /26 .
(2) مثل ما مرّ في ص144 ـ 149 و 223.

(الصفحة236)



السلطنة عليه ، ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّ الزوج من الاستمتاع وغيره .
ويدلّ على حكمه رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ، ولا صدقة ، ولا تدبير ، ولا هبة ، ولا نذر في مالها إلاّ بإذن زوجها ، إلاّ في حجّ ، أو زكاة ، أو برّ والديها ، أو صلة قرابتها(1) . والظاهر منها اشتراط الإذن لا مجرّد عدم المنع .
كما ربما يؤيّده رواية الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : ليس على المملوك نذر إلاّ أن يأذن له سيّده(2) .
ثمّ إنّ تقييد النذر المنفي في الرواية الاُولى بمال الزوجة ليس لاختصاص النفس عنه ، بل يعمّ ما إذا كان عملاً منافياً للاستمتاع ، كنذر الصوم مثلاً ، نظراً إلى أنّ من محرّمات الصوم الجماع ، ولا يجتمع الصوم معه ، بل يمكن أن يقال بالشمول لمطلق أفعاله ولو لم يكن منافياً للاستمتاع ، كما إذا نذرت أن تصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة في كلّ يوم ، حيث إنّه لا ينافي الاستمتاع أصلاً ، وإطلاق عبارة المتن يشمله ; لأنّ مفادها عدم صحّة نذر الزوجة بدون إذن الزوج مطلقاً .
ويمكن الاستشكال في ذلك ، نظراً إلى أنّه لا دليل يظهر منه هذه الجهة ، فإنّه وإن لم يكن للقيد مفهوم لمنعه في مطلق القضايا المفهوميّة حتّى مفهوم الشرط ، إلاّ أنّ استفادة حكم المطلق من الرواية التيوقع فيهاالتقييدتحتاج إلى إلغاءالعرف خصوصيّة القيد ، وبالجملة : استفادة ما هو مفاد المتن من الرواية المذكورة في غاية الإشكال .

(1) الفقيه : 3 / 109 ح457 وص277 ح1315 ، تهذيب الأحكام : 7 / 462 ح1851 وج8 / 257 ح935 ، وعنهما الوسائل : 23 ح315 كتاب النذر والعهد ب15 ح1 .
(2) قرب الإسناد : 109 ح376 ، وعنه الوسائل : 23 / 316 ، كتاب النذر والعهد ب15 ح2 وبحار الأنوار : 104/217 ح10 .

(الصفحة237)

مسألة : النذر إمّا نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ; وهو ما علّق على أمر : إمّا شكراً لنعمة دنيويّة أو اُخرويّة ، كأن يقول : «إن رزقت ولداً فلله عليّ كذا» أو «إن وفّقت لزيارة بيت الله فلله عَليّ كذا» . وإمّا استدفاعاً لبليّة ، كأن يقول : «إن شفى الله مريضي فلله عَليّ كذا» . وإمّا نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه; زجراً للنفس عن ارتكابهما ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب ، أو بلت في الماء فلله عليّ كذا» أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما . وإمّا نذر تبرّع ، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شيء ، كأن يقول : «لله عليّ أن أصوم غداً» . لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين ، وفي انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد1 .


ولو أذن لها فنذرت انعقد ، وليس للزوج بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ومن المسائل المبتلى بها في زماننا هذا نذر المرأة الحائض الإحرام قبل المقيات في المدينة التي يكون الفصل بينها وبين مسجد الشجرة فرسخاً لئلاّ تحتاج إلى الإحرام مع هذه الحالة من مسجد الشجرة ، فإنّه إذا لم يتحقّق الإذن القبلي لا ينعقد النذر على ما هو مفاد المتن ، ولا يكفي مجرّد الرضا القلبي ، ولا عدم المنع البعدي كما لا يخفى ، لكن مرّ الإشكال فيه .
ثانيتهما : نذر الولد بدون إذن الوالد ، فإنّه لم يقم في النذر دليل على التوقّف على إذنه ، بل مانعيّة منعه ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به ، ولا ملازمة بين النذر واليمين في هذه الجهة ، كما يؤيّده اختلاف أحكامهما في كثير من الجهات .

1 ـ النذر على ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : هو نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ; وهو ما علّق على أمر : إمّا

(الصفحة238)



شكراً لنعمة دنيويّة أو اُخرويّة ، وإمّا استدفاعاً لبليّة ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وإطلاق عنوان المجازاة عليه إنّما هو بلحاظ كون التعهّد النذري جزاءً لوقوع المعلّق عليه من النعمة أو دفع البليّة ، ولذا يقع مثله بصورة القضيّة الشرطيّة الدالّة على ترتّب الجزاء على الشرط ، ولا ربط لهذا الأمر بمسألة ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة وعدمه ، كما لايخفى .
القسم الثاني : نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه زجراً للنفس عن ارتكابهما ، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما ، ولا ارتباط لهذا القسم أيضاً بما قد يتخيّل من أنّ ترك الواجب حرام وترك المستحبّ مكروه ، فإنّك قد عرفت(1) عدم ثبوت حكمين في الموارد المذكورة . غاية الأمر أنّه لا مجال لإنكار كون ترك الواجب غير جائز عقلاً ، وترك المستحبّ ترك لما هو راجح شرعاً .
القسم الثالث : هو نذر تبرّع لم يقع فيه التعليق على شيء شكراً أو زجراً ، بل كان مطلقاً ، كالمثال المذكور في المتن .
نفى في المتن الإشكال والخلاف عن انعقاد النذر في القسمين الأوّلين ، لكن ذكر أنّ في انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد ، وهو الظاهر ; لدلالة الكتاب(2) على صدق النذر على نذر مريم في قصّتها بما ترتبط إلى الولادة من غير حمل ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل :
موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يجعل عليه صياماً في نذر

(1) في ص214 ـ 215 .
(2) سورة مريم : 19 / 26 .

(الصفحة239)

مسألة : يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعةً لله تعالى ; صلاةً ، أو صوماً ، أو حجّاً ، ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به ، كزيارة المؤمنين ، وتشييع الجنازة ، وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائيّاً إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح ، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه ، فإن قصد به معنى راجحاً ; كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة ، أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه فعلاً أو تركاً بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيويّاً . وأمّا إذا لم يقصد به معنى راجحاً ، ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيّته ، فالظاهر عدم انعقاده ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه1 .


فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) .
ورواية محمّد بن منصور أنّه سأل موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال: يتصدّق لكلّ يوم بمدّمن حنطة(2)، فإنّ مقتضى ظاهر السؤال فيهما أو إطلاقه وترك الاستفصال دليل على صحّة النذر المذكور فيهما ، فتدبّر .

1 ـ يشترط في متعلّق النذر مطلقاً فعلاً أو تركاً أن يكون مقدوراً للناذر شرعاً وعرفاً ، إذ لا معنى للالتزام والتعهّد بما ليس كذلك ، ويشترط أيضاً إمّا أن يكون

(1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .
(2) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .

(الصفحة240)



طاعةً لله تعالى ; من الصلاة ، والصيام ، والحجّ ، وغيرها من العبادات التي يعتبر في صحّتها قصد القربة ، وإمّا أن يكون مندوباً إليه في الشرع ويصحّ التقرّب به وإن لم يكن قصده معتبراً في تحقّقه ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فينعقد في فعل كلّ واجب أو مندوب ، وترك كلّ حرام أو مكروه .
وأمّا المباح فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المقصود به معنى راجحاً ; كما إذا كان قصده من نذر أكل طعام مباح أو تركه كذلك التقوّي على العبادة أو منع النفس عن الشهوة ، فقد نفى الإشكال في انعقاده ، ولذا ذكرنا في كتاب الاجتهاد والتقليد في مبحث شرائط المرجع للتقليد أنّ المستفاد من الرواية المعروفة المحكية عن تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : من كان من الفقهاء الخ(1) أنّ من شرائط المرجعيّة المخالفة للهوى النفسانية ولو في الاُمور المباحة الشرعية .
وكيف كان ، فإن كان غرضه من فعل المباح أو تركه ما ذكرنا فلا إشكال في انعقاده ، كما أنّه نفى الإشكال عن عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه مرجوحاً ولو دنيويّاً وإن كان ذلك بسبب الاقتران ببعض العوارض وطروّ بعض الحالات ، وبين ما إذا لم يكن المقصود به ذلك ، فاستظهر عدم الانعقاد ، ولكن قال : لا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الالتزام بمتعلّق النذر حينئذ لا يكاد يرتبط بالله تبارك وتعالى ; لأنّ المفروض عدم الفرق بين وجوده وعدمه ، وعدم رجحان أحدهما على الآخر أصلاً .
ثمّ إنّه قد وقع البحث والكلام في وجه صحّة نذر الإحرام قبل الميقات، ونذر الصوم المستحبّي مقيّداً بالسفر ، مع أنّ الإحرام قبل الميقات في نفسه غير جائز ،

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الاجتهاد والتقليد : 75 ـ 77 .

<<التالي الفهرس السابق>>