في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة241)

مسألة : قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا . والأوّل على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ، فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتّى يقع المنذور مجازاة له . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى; من فعل واجب أو مندوب ، أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً لله تعالى حيث وفّقه عليها ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره، فلابدّ أن يكون فيه منفعة دينيّة أو دنيويّة للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه ، مثل أن يقول : «إن شاع بين الناس المنكرات فلله عليّ كذا» .
وإن كان من فعل الله تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ، ويحسن طلبه منه تعالى ، كشفاء مريض ، أو هلاك عدوّ ديني ، أو أمن في البلاد ونحوها ، فلا ينعقد في عكسه ، كما إذا قال : «إن أهلك الله هذا المؤمن الصالح» أو قال : «إن وقع القحط في البلاد فكذا» . وأمّا نذر الزجر ، فلابدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه ـ فعلاً أو تركاًـ اختياريّاً للناذر ، وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر


وكذا الصوم في السفر إلاّ في بعض الموارد النادرة واجباً كان; كالصيام بدل الهدي في الحجّ ثلاثة أيّام لمن لا يقدر عليه ، قال الله تعالى : {ثَلاَثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ}(1) ، أم مستحبّاً; كصيام ثلاثة أيّام في المدينة مع شرائط خاصّة ، والمذكور هناك بيان الوجه في الصحّة فراجع .

(1) سورة البقرة : 2 /196 .

(الصفحة242)

زاجراً عنه ، كفعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب1 .


1 ـ الغرض من هذه المسألة بعد بيان أنّ النذر المعلّق على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ـ بيان أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه ، وكان غرض الناذر هو الشكر بعنوان الجزاء له بإتيان المنذور أو تحقّقه . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى من فعل واجب أو مستحبّ ، أو ترك حرام أو مكروه ، أو مباحاً مع القصد المذكور في المسألة السابقة ، فيلتزم بالمنذور شكراً له تعالى ، حيث وفّقه على المعلّق عليه ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد .
وإن كان من فعل غيره من الناس ، كاعطائه الدراهم مثلاً ، فلابدّ أن تكون فيه منفعة دينيّة أو محلّلة دنيوية للناذر ، صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه كالمثال المذكور في المتن . ومن هذا القبيل النذر المعلّق على أن يصير ولده مثلاً صالحاً مواظباً على تكاليفه من الصلاة والصيام ونحوهما ، أو يصير ذا رتبة عالية في مراتب تحصيلاته الحوزويّة أو الجامعية ، أو يصير دكتوراً ونحوه ، فإنّ جميع ذلك صالح لأن يشكر عليه وإن لم يكن تحت اختياره ، فتدبّر .
وإن كان من فعل الله تعالى فلابدّ من أن يكون أمراً مناسباً للطلب منه والشكر عليه ، كالأمثلة المذكورة فيه ، ولا ينعقد في عكسه ممّا لا يسوغ تمنّيه ولا يحسن الطلب منه ، كإهلاك العبد الصالح ومثله .
وإن كان نذر الزجر فيعتبر فيه أمران :
أحدهما : أن يكون الشرط والمعلّق عليه فعلاً أو تركاً اختياريّاً للناذر ، ثانيهما : أن يكون صالحاً لأن يزجر عنه حتّى يقع النذر أجراً عليه ، فلا ينعقد فيما علّق على

(الصفحة243)

مسألة : إن كان الشرط فعلاً اختياريّاً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر ، وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فلله عليّ كذا» . وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر ، فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد1 .

مسألة : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان ، بل قولان : أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض


ترك التصدّق إلى الفقراء زجراً عنه ، كما أنّه لا ينعقد على فعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب ، كما هو ظاهر .

1 ـ الغرض من هذه المسألة ـ بعدما تقدّم من أنّ النذر على قسمين : نذر شكر ونذر زجر ـ بيان المائز بين القسمين ، وأنّه ليس إلاّ القصد ، ففي مثال واحد يمكن أن يكون نذر شكر ، ويمكن أن يكون نذر زجر ، أو مختلفاً بحسب الحالتين ، فينعقد في إحداهما دون الاُخرى ، أو في أحد الشخصين دون الآخر ، لكن تخصيص موضوع المسألة بما إذا كان الشرط فعلاً للناذر إنّما هو لأجل ما ذكرنا في المسألة السابقة من اعتبار أمرين في نذر زجر : أحدهما : كون الشرط أمراً اختياريّاً للناذر ، والثاني : أن يكون قصده الزجر عنه ، لكنّ التخصيص بالفعل وجهه غير ظاهر ; لجريانه في الترك أيضاً .


(الصفحة244)

نوافله الراتبة ـ كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاًـ في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام ، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ ، فالظاهر عدم انعقاده ، هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح ، مثل كونه أفرغ للعبادة ، أو أبعد عن الرياء ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد1 .


1 ـ لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء ، وظاهره عدم الفرق بين الأزمنة التي تكره بعض هذه العبادات فيها ، كالنافلة بعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس ، وصوم يوم عاشوراء ، وغيرها ; لما تقرّر في محلّه من أنّ معنى كراهة العبادة في بعض الأزمنة أقلّية الثواب ، لا مرجوحيّة الفعل بالإضافة إلى الترك المطلق ، وبين غيرها .
وأمّا المكان فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل; كالصلاة في مسجد المحلّة ، حيث إنّ الصلاة في مسجد السوق أو المسجد الجامع أفضل ، والوجه فيه ثبوت الرجحان في المكان المنذور بالإضافة إلى الترك فيه ، وبين ما إذا لم يكن فيه رجحان كالبراري مثلاً ، وذكر أنّ في انعقاده وتعيّنه وجهين ، بل قولين : أقواهما الانعقاد ، والوجه فيه أنّ النذر إنّما تعلّق بأصل إيجاد العبادات المذكورة في مكان خاصّ ، وعدم الرجحان في ذلك المكان لا يوجب أن يكون المنذور خارجاً عن الطاعة وعن عنوان العبادية .
نعم ، لو تعلّق النذر بخصوصيّة الإيقاع في ذلك المكان الذي لا رجحان فيه ، كما إذا كان المنذور بعض الفرائض أو النوافل التي يأتي بها على القاعدة ولو في غير ذلك المكان ، فالظاهر حينئذ عدم الانعقاد إلاّ مع طروّ عنوان راجح على ذلك المكان وإن لم يكن في نفسه راجحاً ، كما في المثالين المذكورين في المتن ، فلا إشكال حينئذ في الانعقاد .


(الصفحة245)

مسألة : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزئ إلاّ الإتيان بركعتين ، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ يكفي كلّ ما هو كذلك ولو بتسبيحة واحدة ، أو الصلاة على النبيّ وآله صلوات الله عليهم ، أو التصدّق بشيء إلى غير ذلك1 .

مسألة : لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً ، فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن ، وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة ، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية إثني عشر شهراً ولو متفرّقاً ، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي ـ ظاهراًـ صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً ، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ،


1 ـ لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم واحد، لتحقّق الطبيعة غير المقيّدة بالوحدة والتعدّد به ، كما في سائر الطبائع المأمور بها ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فقد نفى البُعد عن إجزاء ركعة واحدة بعنوان الوتر ، وإن كان قصده غير الرواتب فلابدّ من الإتيان بركعتين ; لعدم فرد للطبيعة غيرهما في صورة عدم إرادة الوتر .
ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الإسم ولو بشقّ تمرة ، أو كفّ من حنطة أو مثلهما .
ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ كفى كلّ ما هو كذلك ولو كان في غاية القلّة ، كتسبيحة واحدة; أي قول «سبحان الله» فقط ، أو الصلاة على النبيّ والآل ولو مرّة ، أو الصدقة ولو كانت قليلة ، كما لا يخفى .


(الصفحة246)

وله أن يأتي بالشهر ملفّقاً ، فيشرع في أثناء شهر ويكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل . نعم ، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص1 .

مسألة : لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان ، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام; من مرض ، أو حيض ، أو نفاس ، أو سفر ، لكن يجب القضاء على الأقوى2 .


1 ـ لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً ، فإن قيّده بالتتابع تعيّن ، وكذا إن قيّده بالتفريق فكذلك ، ومع عدم التقييد بشيء منهما يكون مخيّراً ، ولو نذر صيام سنة يكون الظاهر مع الإطلاق كفاية إثني عشر شهراً ولو متفرّقاً من حيث الأيّام والشهور ، وكذا لو نذر صيام شهر ، والظاهر أيضاً أنّ المراد بالشهر هو القمري لا الشمسي ، كما أنّ المراد بالسنة أيضاً ذلك إلاّ مع التصريح بالخلاف فيهما ، ويجوز في نذر صوم الشهر أن يأتي بالشهر ملفّقاً ; بأن يشرع في أثناء الشهر ويكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل ولو كان أقلّ من ثلاثين .
نعم ، مع الإتيان به متفرّقاً ـ كأن يأتي في كلّ شهر بأربع أو خمس ـ لايجوز الاكتفاء بالشهر الناقص وإن كان يكفي في صورة الصيام فيه تماماً أو ملفّقاً ، كما عرفت .

2 ـ لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان : عيد الفطر ، وعيد الأضحى ; لحرمة الصيام فيهما ، ولا ينعقد النذر بالنسبة إليه ، فيجب عليه الإفطار فيهما ولا قضاء عليه ; لما عرفت من عدم انعقاد النذر بالإضافة إليهما ، مع العلم بأنّ السنة لا تخلو منهما ، ففي الحقيقة نذر صيام سنة معيّنة ينحلّ إلى نذر صيام أيّامها ، ولا يكاد

(الصفحة247)

مسألة : لو نذر صوم كلّ خميس مثلاً فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار; من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، أفطر ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر ، وعلى الأحوط


يمكن انعقاده بالإضافة إليهما ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ; لجواز الإفطار ، بل حرمة الصيام مع أحد هذه الاُمور في شهر رمضان ، لكن الدليل على القضاء هنا هو كونه مقتضى القاعدة في جميع الموارد .
إلاّ أن يقال بأنّ مقتضى ما ذكر في العيدين من عدم وجوب القضاء عدم الوجوب بالنسبة إلى الحيض والنفاس اللذين يعلم باتّفاقهما نوعاً . نعم ، بالإضافة إلى السفر والمرض اللذين يمكن عدم اتّفاقهما بالمرّة ينعقد النذر بالنسبة إليهما ، فيجب القضاء ، فالظاهر وجوب القضاء مطلقاً .
هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل : موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن عبدالله بن ميمون ، عن عبدالله بن جندب قال : سأل عبّاد بن ميمون وأنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً وأراد الخروج إلى مكّة ، فقال عبدالله بن جندب : سمعت من رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً ، فحضرته نيّة في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام)؟ قال : يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك(1) . وبعض الروايات الاُخر .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء .

(1) الكافي : 7 / 457 ح16 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1139 ، وعنهما الوسائل : 23/313 ، كتاب النذر والعهد ب13 ح1 .

(الصفحة248)

فيهما وإن لا يخلو من قوّة بالنسبة إلى العيدين1 .

مسألة : لونذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة2 .


1 ـ لو نذر صوم يوم كلّ خميس مثلاً فصادف بعضها أحد العيدين ، أو أحد العوارض التي لا يجوز معه الصيام ـ كالمرض ، والحيض ، والنفاس ، والسفر ـ يجب عليه الإفطار في الجميع ، وفصّل في المتن بين الاُمور المذكورة ، فحكم بوجوب القضاء في غير العيدين والسفر على الأقوى ، وعلى الأحوط فيهما وإن نفى الخلوّ عن القوّة بالإضافة إلى العيدين .
والظاهر أنّ الوجه في الوجوب في موارده هو ما عرفت من كونه مقتضى القاعدة الدالّة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة والصيام ، والوجه في الاحتياط في السفر هو مثل الرواية المتقدّمة . غاية الأمر أنّ ضعفها بالإرسال ، وغيره مانع عن الفتوى على طبقها ، وأمّا نفي الخلوّ عن القوّة في العيدين فلأجل عدم إمكان الالتزام بالانحلال واستثنائهما عن متعلّق النذر ; لأنّ المنذور هو الصوم كلّ خميس ، فمع المصادفة مع أحد العيدين وإن كان لا يجوز الصيام فيه ، إلاّ أنّه لا وجه لعدم وجوب القضاء كما عرفت .

2 ـ لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب فيه القضاء والكفّارة ، كالإفطار في شهر رمضان مع وجوب الصوم عليه فيه . غاية الأمر أنّ الكفّارة هنا كفّارة الحنث، وهناك كفّارة الإفطار في شهر رمضان عامداً ، وإن كان لا فرق بين الكفّارتين من حيث المقدار ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(1) .

(1) في ص271 ـ 272.

(الصفحة249)

مسألة : لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروريّ ، ويفطر ثمّ يقضيه ولا كفّارة عليه1 .

مسألة : لو نذر زيارة أحد الأئمّة (عليهم السلام) أو بعض الصالحين لزم ، ويكفي الحضور والسلام على المزور ، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع عدم ذكرهما فيه ، وإن عيّن إماماً لم يجزئ غيره وإن كانت زيارته أفضل ، كما أنّه لو عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه ، وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن ، فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء2 .


1 ـ كما أنّه يجوز له السفر في شهر رمضان وإن كان الصوم واجباً عليه فيه ، كذلك يجوز له السفر في يوم نذر صومه بنحو التعيّن وإن كان السفر غير ضروري في المقامين ، وكذا يكون مثل السفر في رمضان في وجوب القضاء وعدم ثبوت الكفّارة عليه ، ويحتمل الفرق بين ما إذا كان السفر ضروريّاً ، فلا تجب فيه الكفّارة ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، فتجب ، إلاّ أنّ عدم وجوب الكفّارة في شهر رمضان في كلتا الصورتين دليل على عدم الوجوب هنا أيضاً ، كما لا يخفى .

2 ـ لو نذر زيارة قبر أحد الأئمّة (عليهم السلام) أو بعض الصالحين من العلماء والعبّاد لزم ، ويكفي الحضور والسلام على المزور ولو مرّة ، بل لايبعد الاكتفاء بمجرّد الحضور كذلك ، خصوصاً في غير الأئمّة (عليهم السلام) ، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع كون متعلّق النذر مجرّد الزيارة ولم يذكرا فيه ، وإن عيّن إماماً مخصوصاً لم يكف في الوفاء بالنذر زيارة غيره وإن كانت أفضل ، كما أنّه لا يجب التبديل في صورة العجز عن زيارة من نذر زيارته ، ولو عيّن زماناً مخصوصاً تعيّن ، فلو تركها فيه

(الصفحة250)

مسألة : لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) ماشياً ، انعقد مع القدرة وعدم الضرر ، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي ، فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاد ماشياً ، وإن عيّن وقتاً وفات عمداً حنث وعليه الكفّارة ، والأقوى عدم وجوب القضاء ، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه1 .


عامداً يتحقّق الحنث ووجوب الكفّارة ، وقوّى في المتن عدم وجوب القضاء ، والظاهر أنّ وجهه عدم معهوديّة القضاء في مثل هذه الاُمور ، بل غاية الأمر وجوب الوفاء بالنذر فيها أيضاً .

1 ـ لو نذر أن يحجّ ماشياً أو يزور الحسين (عليه السلام) كذلك ، فالمعتبر في الانعقاد القدرة ـ وهو واضح ـ وعدم الضرر ، والظاهر أنّ المراد بالضرر هو الحرج الذي يكون مقتضى قاعدة نفيه عدم مجعوليّة الحكم الشرعي معه مطلقاً ولو كان حكماً وضعيّاً ، وعدم المجعولية إنّما هو على سبيل العزيمة لا الرخصة كما حقّقناه في البحث عن القاعدة . وأمّا الضرر ، فقد ذكرنا مراراً تبعاً للاستاد المحقّق الماتن (قدس سره) أنّ قاعدة نفي الضرر لا تكون قاعدة فقهيّة واقعة في مقابل أدلّة الأحكام بالعناوين الأوّلية كما هو المعروف ، بل حكم حكومي صادر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) من مقام حكومته وإمارته .
نعم ، قد يلحظ الضرر بالإضافة إلى بعض الأحكام ، كاشتراء ماء الوضوء مع كونه ضروريّاً على ما قرّر في بحث الوضوء ، لكن الظاهر أنّ المراد به هو الحرج لا الضرر في مثل باب الوضوء .
وكيف كان ، فمع انعقاد النذر المذكور لو حجّ أو زار راكباً ، فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت تجب عليه الإعادة ماشياً وفاءً بالنذر ، وإن عيّن وقتاً ولم يف بالنذر

(الصفحة251)

مسألة : ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر ، أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ، ولو لأجل العبور من الشطّ ونحوه . ولو انحصر الطريق في البحر ، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد ، إلاّ إذا كان مراده فيما يمكن المشي ، فيجب في سائر الطريق . وإن طرأ ذلك بعد النذر ، فإن كان مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي منه فيما بعد انتظر ، وإن كان معنيّاً وطرأ ذلك في الوقت ، أو مطلقاً ولم يتمكّن مطلقاً ، سقط عنه ولا شيء عليه1 .


عمداً تحقّق الحنث ووجوب كفّارته ، وقد قوّى في المتن عدم وجوب القضاء ; لأنّ المنذور هو الحجّ ماشياً في الوقت المعيّن ، والمفروض أنّه مع فوته لا يكاد تحقّق القدرة عليه ثانياً ، ولا دليل على وجوب القضاء في مثل الحجّ . غاية الأمر لزوم الإعادة في موارد الإفساد بعنوان الجزاء والعقوبة لا القضاء ، وقد ذكر في الذيل . وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه .

1 ـ لا يجوز لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها كالعبور من الشطّ . ولو انحصر الطريق في البحر ، فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد النذر مطلقاً ، سواء كان عالماً بذلك أو جاهلاً ، إلاّ إذا كان مراده المشي في بعض الطريق الذي يمكن المشي فيه . وإن طرأ الانحصار بعد تحقّق النذر في حال العدم ، فإن كان النذر مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي معه يجب عليه الانتظار إلى وقتها ، وإن كان معيّناً وطرأ ذلك في الوقت أو مطلقاً ولم يتحقّق التمكّن ولم يتوقّع أصلاً ، سقط عنه لزوم المشي ولا كفّارة عليه بعد عدم إمكان تحقّق المنذور ، كما هو ظاهر .


(الصفحة252)

مسألة : لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ، والأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحجّ ، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان1 .


1 ـ لو طرأ لمن نذر المشي في الحجّ العجز عنه في بعض الطريق دون بعض ، فقد احتاط وجوباً لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ; لأنّ الظاهر تحقّق الانحلال ورجوع النذر إلى المشي في كلّ بعض ، مضافاً إلى قاعدة الميسور وإن كان في صحّتها إشكال مذكور في محلّه .
وقد وردت في هذا المجال روايات :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)أنّه قال : أيّما رجل نذر نذراً أن يمشي إلى بيت الله الحرام ، ثمّ عجز عن أن يمشي فليركب ، وليسق بدنة إذا عرف الله منه الجهد(1) . والظاهر أنّ مورد السؤال هو العجز عن المشي مطلقاً ، لا العجز عن البعض دون البعض ، ولكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي في المقام .
نعم ، في رواية رفاعة وحفص ـ بالإضافة إلى تبعيض المشي ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً؟ قال : فليمش ، فإذا تعب فليركب(2) . وظاهر الجواب جواز الركوب ولو مع القدرة على المشي من دون أن يكون حافياً ، ولأجله ربما يستشكل فيه بأنّه مع القدرة على المشي ولو من دون أن يكون حافياً كيف ينتقل إلى الركوب .

(1) التهذيب : 8 / 315 ح1171 ، وعنه الوسائل : 23 / 322 ، كتاب النذر والعهد ب20 ح1 .
(2) الكافي : 7 / 458 ح19 ، الاستبصار : 4 / 50 ح172 ، تهذيب الأحكام : 8 / 304 ح1130 ، الفقيه : 2 /246 ح1181 ، وعنها الوسائل : 23 / 307 ، كتاب النذر والعهد ب8 ح2 .

(الصفحة253)

مسألة : لو نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت ، ولا يجزئ مثلها أو قيمتها مع وجودها . ومع التلف ، فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر ولا شيء عليه ، وإن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط ، فيتصدّق بالبدل ، ويكفّر أيضاً على الأقوى إن كان الإتلاف اختياريّاً عمدياً 1 .


ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فقد احتاط في المتن وجوباً أن يقوم فيها بقدر الإمكان ، ولعلّه لأجل أنّ المشي مركّب من القيام وحركة الرجلين بالكيفيّة المخصوصة ، فمع العجز عن الحركة يبقى وجوب القيام على حاله ولو على نحو الاحتياط الوجوبي .
ويدلّ عليه موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ علياً (عليه السلام)سُئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمرّ في المعبر؟ قال : فليقم في المعبر قائماً حتّى يجوز(1) . لكن جماعة من الفقهاء أفتوا بالاستحباب(2) ، خلافاً لظاهر الشرائع(3)وبعض آخر(4) ، ولا يجوز ترك الاحتياط كما في المتن .

1 ـ لو نذر التصدّق بعين شخصيّة يجب التصدّق بها ما دامت موجودة ، ولا يجزئ مثلها أو قيمتها في هذا الحال ، ومع التلف ففيه فرضان :

(1) الكافي : 7 / 455 ح6 ، الفقيه : 3 / 235 ح113 ، تهذيب الأحكام : 5 / 478 ح1693 ، الاستبصار : 4/50 ح171 ، وعنها الوسائل : 11 / 92 ، كتاب الحجّ أبواب وجوبه وشرائطه ب37 ح1 .
(2) المعتبر : 2 / 763 ، منتهى المطلب : 2 / 875 ط ق ، تحرير الأحكام : 2 / 106 ، مقصد 14 بحث 19 ، تذكرة الفقهاء : 7 / 103 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 319 ، الروضة البهيّة : 2 / 182 ، مسالك الأفهام : 11/330 ، مدارك الأحكام : 7 / 103 ـ 104 .
(3) شرائع الإسلام: 1 / 231.
(4) المبسوط : 1 / 303 ، التنقيح الرائع : 1 / 422 ـ 423 ، الحدائق الناضرة : 14 /227 ، رياض المسائل : 6/77 .

(الصفحة254)

مسألة : لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم ولا يملك المنذور له الإبراء منه ، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه ، ولا يلزم على المنذور له القبول ، فإن امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر ، إلاّ إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ، ومطلقاً في غيره ، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره يجب التصدّق عليه . نعم ، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة . ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه1 .


أحدهما : أن يكون التلف لا بإتلاف منه ، وقد حكم فيه في المتن بانحلال النذر وأنّه لا شيء عليه ، وظاهره عدم وجوب التصدّق بالمثل أو القيمة المأخوذين من المتلف ، نظراً إلى قاعدة الإتلاف التي موردها إتلاف مال الغير . نعم ، لا ينبغي الارتياب في عدم ترتّب كفّارة عليه ; لعدم كون الإتلاف من فعله .
ثانيهما : أن يكون التلف بإتلاف منه ، فحكمه على الأحوط من حيث الضمان حكم إتلاف مال الغير ; لأنّه قد نذر التصدّق بشخصه ، ولذا يجري فيه احتمال عدم جواز بيعه ، فيتصدّق بالبدل مثلاً أو قيمةً ، والأقوى وجوب الكفّارة عليه إن كان الإتلاف عن إرادة وقصد ; لصدق حنث النذر به ، وهو موجب للكفّارة .

1 ـ لو نذر التصدّق بشيء على شخص معيّن يجب الوفاء بهذا النذر ، وهنا حكمان :


(الصفحة255)



أحدهما : أنّ المنذور له كما أنّه لا يملك ذلك الشيء بمجرّد النذر ، كذلك لا يملك إبراء الناذر منه ; لعدم الدليل على تأثير الإبراء هنا وإن كان قد يتعلّق بأمر محتمل ، كالأمر اليقيني ، كالإبراء من الدين القطعي أو الاحتمالي ، وكذلك الإبراء من كثير من الحقوق .
ثانيهما : أنّ الواجب على الناذر إنّما هو التصدّق ، وأمّا المنذور له فلا يجب عليه القبول ، بل له الامتناع عنه ، وحينئذ إذا كان الامتناع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ومطلقاً في غيره فمقتضى الاستثناء انحلال النذر ، وفي غيره نفى البُعد عن عدم الانحلال ، وفرّع عليه أنّه لو رجع عن امتناعه قبل خروج وقته ، وكذا في غير الموقّت يجب الوفاء بالنذر ; لأنّ المفروض عدم الانحلال .
ولو كان نذره الصدقة متعلّقاً بعين معيّنة وامتنع المنذور له عن قبولها فلا إشكال في أنّه يجوز للناذر الانتفاع بها ; لأنّه لا مجال لتوهّم عدم الجواز المستلزم لفوات المنافع ، وفي المتن جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . أمّا جواز الإتلاف ، فلعدم كونه إتلافاً لمال الغير ، ضرورة أنّ منذور التصدّق به لا يخرج عن ملك الناذر بمجرّد النذر ، وهذا من دون فرق بين ما إذا كان الإتلاف حقيقيّاً أو بناقل شرعيّ ، وما ذكرناه من الاحتمال الراجع إلى عدم جواز بيعه في شرح المسألة المتقدّمة فإنّما هو في صورة عدم الامتناع ، وأمّا معه فالظاهر جواز إتلافه مطلقاً ، ومنه يظهر الفرق بين المسألتين في الضمان وعدمه ، وفي ثبوت الكفّارة وعدمها ، فتدبّر .
ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته مع القبول وعدم الامتناع ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة التي تخرج من الأصل مع اشتراكها في عدم الخروج عن الملكيّة ، بناءً على عدم الإشاعة وإن كان على

(الصفحة256)

مسألة : لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه ، كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه ، والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح . ولو نذر شيئاً للإمام (عليه السلام) أو بعض أولاده ، فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ، من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المسجد والقنطرة ونحو ذلك وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم ، وصلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين ، والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم ، وإقامة مجالس تعزيتهم ، هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف


خلاف ما حقّقناه في كتاب الخمس(1) ، لكن الخروج من الأصل لا يتوقّف على الإشاعة ، فإنّ المديون يخرج دينه من الأصل وإن لم يكن هناك إشاعة بوجه .
ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه ، وفي المتن على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه . ولعلّ السرّ في قيام الوارث مقامه صيرورته ذا حقّ كالمورّث وإن كان قد عرفت أنّه لا يملك الإبراء منه ، إلاّ أنّ عدم الملكيّة المزبورة لا ينافي كونه ذا حقّ ، وخصوصيّة المورد المذكور أنّ الموت قبل القبض لا يلازم الامتناع عن القبول حتّى يتوهّم انحلال النذر ، بل من الممكن تحقّق القبول بعد الإعطاء .
وبالجملة : فمقتضى الاحتياط قيام الوارث مقام المنذور له ، خصوصاً في المورد المذكور كما لايخفى .

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 207 ـ 208 و248 .

(الصفحة257)

إلى جهة خاصّة ، وإلاّ اقتصر عليها1 .

مسألة : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن ، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه ، وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه2 .


1 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : أن ينذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة ، ففي المتن أنّه يجب صرفه في مصالحه ، كالاُمور المذكورة فيه ، ويشكل الأمر بالإضافة إلى زماننا هذا لو نذر شيئاً لمشهد من مشاهد العراق ، فإنّ صرف الناذر الشيء المنذور في مصرفه غير مقدور له ، والإلقاء في الضرائح المقدّسة ـ مع عدم العلم بالصرف المذكور بل مع العلم بعدمه ; لأنّ الحكومة تتسلّط عليه وتصرفه فيما تشاء ـ غير جائز ، فالظاهر أنّ الحكم في هذا الفرض أيضاً حكم الفرض الآتي .
الثاني : أن ينذر شيئاً لنفس الإمام المدفون في تلك المشاهد أو بعض أولاده ، والظاهر جواز صرفه في سُبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ، ولا فرق في ذلك بين الصدقة على المساكين ، وإعانة الزائرين ـ خصوصاً إذا كانوا من الفقراء ـ وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المساجد والقناطر ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الأولى الاقتصار على الاُمور المذكورة في المتن إذا لم يكن قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إليها ، وإلاّ يجب الاقتصار عليها .

2 ـ لو عيّن شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ، أو مسجد من المساجد أو نحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل بلا إشكال ، وأمّا النماء المنفصل فقد

(الصفحة258)

مسألة : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته ، وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ، ويحسب إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته1 .


نهى عن ترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل نفى خلوّه عن الوجه ، ومن الواضح أنّ المراد هو الحمل واللبن قبل الانفصال حين تعلّق النذر ، وإلاّ فلا إشكال في كونه لمالكه ، والسرّ في الأوّل هي التبعية العرفيّة ، فإنّ الحمل في بطن الشاة واللبن الموجود في ضرعها تابعان عرفاً لها ولا تفكيك بينهما وبين الشاة كذلك ، فتدبّر .

1 ـ الأصل في هذه المسألة رواية محمّد بن يحيى الخثعمي ـ وهو من ثقات ابن أبي عمير ـ قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر (عليه السلام) ، فسلّم عليه ثمّ جلس وبكى ، ثمّ قال له : جعلت فداك ، إنّي كنت أعطيت الله عهداً إن عافاني الله من شيء كنت أخافه على نفسي أن أتصدّق بجميع ما أملك ، وأنّ الله عافاني منه ، وقد حوّلت عيالي من منزلي إلى قبّة في خراب الأنصار ، وقد حملت كلّ ما أملك ، فأنا بائع داري وجميع ما أملك ، فأتصدّق به؟
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : انطلق وقوّم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة واعرف ذلك ، ثمّ اعمد إلى صحيفة بيضاء ، فاكتب فيها جملة ما قوّمت ، ثمّ انظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة وأوصه ، ومره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك وجميع ما تملك فيتصدّق به عنك ، ثمّ ارجع إلى منزلك وقم في مالك على ما كنت فيه ، فكلْ أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل ، ثمّ انظر كلّ شيء تصدّق به فيما تستقبل من صدقة ، أو صلة قرابة ، أو في وجوه البرّ ، فاكتب ذلك كلّه

(الصفحة259)

مسألة : لو عجز الناذر عن المنذور ـ في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ـ انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه . نعم ، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على الأقوى ، والأحوط مدّان1 .


واحصه ، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه ، فمره أن يخرج إليك الصحيفة ، ثمّ اكتب فيها جملة ما تصدّقت وأخرجت من صدقة أو برّ في تلك السنة ، ثمّ افعل ذلك في كلّ سنة حتّى تفي لله بجميع ما نذرت فيه ، ويبقى لك منزلك ومالك إن شاء الله .
قال : فقال الرجل : فرّجت عنّي ياابن رسول الله جعلني الله فداك(1) .
والظاهر أنّ مورد الرواية كالمتن صورة المشقّة ، وإلاّ فاللازم الوفاء بالنذر في مفروض المسألة كما هو مقتضى القاعدة .

1 ـ قد مرّ(2) اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر وتحقّقه ، فاعلم أنّه مع طروّ العجز في وقت العمل إن كان النذر موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ينحلّ النذر ويسقط عنه  ولا شيء عليه ; لعدم تعمّد الحنث . نعم ، فيما إذا نذر صوماً فعجز عنه يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، كما في رواية محمّد بن منصور ، أنّه سأل موسى ابن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال : يتصدّق لكلّ يوم بمدّ من حنطة(3) .

(1) الكافي : 7 / 458 ح23 ، تهذيب الأحكام : 8 / 307 ح1144 ، وعنهما الوسائل : 23 /314 ، كتاب النذر والعهد ب14 ح1 .
(2) في ص239 ـ 240.
(3) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .

(الصفحة260)

مسألة : النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل; من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، ويتحقّق الحنث وتجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى ، وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط ، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه . وإن كان مطلقاً كان وقته العمر ، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق ، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء . وإن كان ترك شيء ، ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّة ، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّة ، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر ، كما مرّ في اليمين1 .


والأحوط الأولى مدّان ، كما في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يجعل عليه صياماً في نذر فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) . فإنّ الرواية الاُولى قرينة على حمل هذه على الاستحباب ; لظهورها في عدم وجوب أكثر من مدّ .

1 ـ النذر المتعلّق بإيجاد عمل كالأمثلة المذكورة في المتن إن كان موقّتاً تعيّن ذلك الوقت ، ويتحقّق الحنث ووجوب الكفّارة بترك ذلك العمل المنذور في الوقت المعيّن له ، غاية الأمر أنّه قد فصّل في المتن بين أن يكون ذلك العمل صوماً ، فقد قوّى وجوب القضاء فيه ، وبين أن يكون صلاة فاحتاط وجوباً بالقضاء ، وبين غيرهما فاستظهر عدم الوجوب .
وأنا أقول : أمّا الدليل على وجوب القضاء في الصوم فهي رواية عبدالله بن

(1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .

<<التالي الفهرس السابق>>