في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة281)

مسألة : يتحقّق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة بعدم الرقبة ، أو عدم التمكّن من شرائه ، أو غير ذلك ممّا هو مذكور في الفقه ، ويتحقّق العجز عن الصيام ـ الموجب لتعيّن الإطعام ـ بالمرض المانع منه ، أو خوف زيادته ، بل حدوثه إن كان لمنشأ عقلائي ، وبكونه شاقّاً عليه بما لا يتحمّل ، وهل يكفي وجود المرض ، أو خوف حدوثه ، أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال ، أو يعتبر اليأس؟ وجهان ، بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان . نعم ، لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال إلى الإطعام ، ولو أخّر الإطعام إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصوم تعيّن ولم يجزئ الإطعام1 .


الذمّة ، وفي مثل هذه الموارد لا مجال للزوم التكرار ، نظراً إلى العلم الإجمالي ، وذلك لعدم الدليل على اعتبار النيّة أزيد ممّا ذكر ، بل في المتن أنّه لو علم أنّ عليه إعتاق عبد مثلاً ولكن لم يعلم أنّ وجوب ذلك هل هي لأجل كونه منذوراً بنفسه ، أو كفّارة عمّا يكون العتق كفّارة له ؟ كفى الإعتاق الواحد بنيّة ما في الذمّة ، والوجه فيه ما ذكرنا .

1 ـ قد عرفت أنّه مع العجز عن العتق يسقط التكليف به في المرتّبة ، وفي صورة الجمع ، وأمّا في المخيّرة فيتحقّق الانتقال إلى غيره ، والكلام هنا إنّما هو في أنّه بماذا يتحقّق العجز؟ فاعلم أنّه يتحقّق بعدم الرقبة ، كما في زماننا هذا ، سيّما مثل بلادنا ، أو عدم القدرة الماليّة على شرائه ، أو عدم رضى المالك ببيعه ، أو بمثل ذلك ، هذا بالإضافة إلى العتق .
وأمّا الصيام فيتحقّق العجز عنه بالمرض الموجود المانع منه ، أو خوف زيادته ،

(الصفحة282)

مسألة : ليس طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام والانتقال إلى الإطعام ، وكذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار ; لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك1 .


أو خوف حدوثه إن كان له منشأ عقلائي ، والجامع أن يكون الصوم شاقّاً عليه بما لا يتحمّل في العادة .
وهل يكفي وجود شيء من الاُمور المذكورة في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال ، أو يعتبر اليأس الكلّي؟ فيه وجهان ، بل قولان ، نفى خلوّ أوّلهما من رجحان إلاّ فيما إذا كان رجاء البرء بعد زمان قصير ، فإنّه يشكل الانتقال إلى الإطعام ، والوجه في المستثنى منه أنّ الملاك في أمثال المقام هي الحالة الفعليّة ، لا اليأس الكلّي الذي قلّ ما يمكن أن يتحقّق ، والوجه في الاستثناء أنّه إذا كان رجاء البرء بعد زمان قصير لا يحكم العرف في مثله بتحقّق العجز الموجب للانتقال إلى الإطعام ، كما أنّه في المستثنى منه لو أخّر الإطعام مع جوازه إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصيام لا يجوز له الإطعام بعد كونه في الرتبة المتأخّرة عنه ، كما لا يخفى .

1 ـ لا يكون طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام باعتبار إخلالهما بالتتابع حتّى يتحقّق الانتقال إلى الإطعام ، وكذا عروض الاضطرار على السفر الموجب للإفطار ; لما سيأتي في بعض المسائل الآتية(1) من عدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك، مع أنّ الحيض يتحقّق غالباً في كلّ شهر ولو مرّة ، فإذا فرض قدحه في التتابع يلزم أن لا تقدر المرأة عليه نوعاً ، مع أنّ الأمر ليس كذلك .

(1) أي في مسألة 8 .

(الصفحة283)

مسألة : المعتبر في العجز والقدرة هو حال الأداء لا حال الوجوب ، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام ، فلم يعتق حتّى انعكس صار فرضه الصيام وسقط عنه وجوب العتق1 .

مسألة : لو عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم ولو ساعة من النهار ، ثمّ وجد ما يعتق لم يلزمه العتق ، فله إتمام الصيام ويجزئ ، وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه ، بل الظاهر أنّه أفضل ، ولو عرض ما يوجب استئنافه ـ بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع ـ تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه . وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام ، فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز2 .


1 ـ المناط في القدرة والعجز ليس حال وجوب الكفّارة ، بل حال أداء الواجب والإتيان به ، فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق وعاجزاً عن الصيام ، فلم يتحقّق العتق حتّى انعكس الأمر صار فرضه الصيام وسقط عنه وجوب العتق ; لأنّ المفروض عدم القدرة على الثاني وثبوتها بالإضافة إلى الأوّل ، ولا مجال لتوهّم وجوب العتق حينئذ مع عدم القدرة عليه ، كما هو ظاهر .

2 ـ لو عجز عن العتق في الكفّارة المرتّبة فشرع في الصوم الذي انتقلت إليه وظيفته في صورة العجز عن العتق ، كما هو كذلك في الكفّارة المرتّبة ، ثمّ وجد ما يعتق ولو بعد ساعة من النهار الذي شرع في الصيام فيه ، فهنا أمران :
أحدهما : عدم لزوم العتق وجواز إتمام الصيام والاكتفاء بذلك في الكفّارة ، ويكفي فيه الاستصحاب الدالّ على بقاء حكم ما كان ثابتاً قبل الشروع .
ثانيهما : جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق ، وفي المتن فيه وجه ، بل

(الصفحة284)

مسألة : يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات ، والحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط ، فلا يجوز تخلّل الإفطار ولا صوم آخر بين أيّامها وإن كان لكفّارة اُخرى ; من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره ، أو مخيّراً ، أو جمعاً ، وكذا بين ما وجب فيه شهران ، أو ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين ، ومتى أخلّ بالتتابع وجب الاستئناف . ويتفرّع على وجوبه أنّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر ـ واجب في زمان معيّن ـ بين أيّامه ، فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان ـ أو قبل خميس معيّن مثلاً نذر صومه ـ بيوم أو يومين لم يجزئ ووجب استئنافه1 .


الظاهر أنّه أفضل ، والوجه فيه أنّ الوظيفة الأوّلية كانت هي العتق ، غاية الأمر أنّه مع الاعتقاد بالعجز عنها انتقل إلى الصيام ، فإذا بان الخلاف لا مانع من الرجوع إلى الوظيفة الأوّلية ، لكن لا يتعيّن عليه ذلك ، وإلاّ يلزم الرجوع قبل انتهاء شهرين متتابعين ولو بيوم واحد ، وهو واضح البطلان . ولو عرض ما يوجب استئنافه ، بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع تعيّن عليه العتق مع القدرة عليه ; لفرض بطلان التتابع وصيرورة الأمر كالأوّل وعند عدم الشروع . وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام ، فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز وحصلت القدرة على الصيام .

1 ـ يجب التتابع في الصيام بالمعنى الآتي في جميع الكفّارات ، من غير فرق بين المرتّبة والمخيّرة وما يجب فيه الجمع ، وكذا من دون فرق بين الشهرين ، وبين ثلاثة أيّام ، ويترتّب عليه أنّه متى أخلّ بالتتابع يجب الاستئناف من رأس ليحصل التتابع ، ويتفرّع على وجوبه أنّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل

(الصفحة285)

مسألة : إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار ، فلو وقع لعذر ـ كالإكراه ، أو الاضطرار ، أو المرض ، أو الحيض ، أو النفاس ـ لم يضرّ به ، ومنه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضروريّاً دون غيره ، وكذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها; بأن تذكّر بعد الزوال . وكذا الحال فيما إذا كان تخلّل صوم آخر لا بالاختيار ، كما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه ما إذا نذر صوم كلّ خميس مثلاً ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فلا يضرّ تخلّل المنذور ، ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة ، ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة . نعم ، في صوم ثلاثة أيّام يخلّ تخلّله في المفروض ، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها . نعم ، لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع ، كما إذا نذر الصيام يوماً ويوماً لا ، فلا يضرّ


صوم آخر واجب معيّن ـ كصوم شهر رمضان ـ بينه .
ويدلّ عليه ما رواه المشايخ الثلاثة ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : فإن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق؟ قال : ينتظر حتّى يصوم شهر رمضان ثمّ يصوم شهرين متتابعين ، وإن ظاهر وهو مسافر انتظر حتّى يقدم(1) .
لكن جريان هذا الحكم بالإضافة إلى ما يجب فيه صوم ثلاثة أيّام مبنيّ على الاحتياط ; لقوّة احتمال أن يكون المراد ثلاثة أيّام متواليات ، فتدبّر جيّداً .

(1) الكافي : 6 / 156 ح12 ، تهذيب الأحكام : 8/17 ح53 وص322 ح1193 ، الاستبصار : 3 / 267 ح957 ، الفقيه : 3 / 343 ح1648 ، وعنها الوسائل : 22 / 364 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب4 ح1 ، وفي البحار : 104 / 172 ح15 و16 ومستدرك الوسائل : 15 / 411 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب4 ح18662 عن نوادر ابن عيسى : 64 ح131 .

(الصفحة286)

التخلّل به1 .

مسألة : يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة ـ مرتّبة كانت أو مخيّرة ـ صيام شهر ويوم متتابعاً ، ويجوز التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر ، فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفّارة يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم ، ولا يجوز له الاقتصار على شعبان ، وكذا يجوز الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوماً ، ولا يجوز قبله بثلاثين2 .


1 ـ إنّما يقدح في التتابع المعتبر في الصيام ـ على ما عرفت في المسألة السابقة ـ الإفطار الواقع في البين عن اختيار ، فلو وقع لعذر كالموارد المذكورة في المتن لم يضرّ بالتتابع ، ومنه ما إذا عرض له السفر الضروري; كالسفر لعلاج مرض لا يعالج إلاّ فيه ، وأيضاً منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ; كما إذا ارتفع نسيانه بعد الزوال .
وفي المتن قد فصّل في مثل نذر كلّ خميس مثلاً بين ما إذا كان الواجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فلا يخلّ تخلّل المنذور ، ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة ، ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة ، وبين ما إذا كان الواجب عليه صيام ثلاثة أيّام ، فاللازم الشروع فيها بحيث لم يتخلّل المنذور بينها ، كما عرفت في بعض المسائل السابقة ، واستثنى منه ما إذا كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع ، كما إذا نذر صوماً يوماً ويوماً لا ، فلا يضرّ التخلّل به ، والوجه في جميع الصور لزوم الجمع بين رعاية التتابع والمنذور ، وفي صوم شهرين متتابعين مع ملاحظة النذر المذكور لا يمكن بغير هذا النحو المستلزم للقول بعدم إخلال توسّط النذر والعمل به ، وهذا بخلاف ثلاثة أيّام إلاّ في الفرض الذي ذكر في المتن ، فتدبّر جيّداً .

2 ـ الأصل في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمّد بن مسلم المتقدّم ; وهي ما

(الصفحة287)

مسألة : من وجب عليه صيام شهرين، فإن شرع فيه من أوّل الشهر يجزئ هلاليّان وإن كانا ناقصين ، وإن شرع في أثنائه ففيه وجوه ، بل أقوال ، أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص ، فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة ; من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما ، والأحوط صيام ستّين يوماً ، ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً يتعيّن ذلك ويجب الستّين (الستون ظ)1 .


رواه عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : فإن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق؟ قال : ينتظر حتّى يصوم شهر رمضان ، ثمّ يصوم شهرين متتابعين ، وإن ظاهر وهو مسافر انتظر حتّى يقدم .
وأمّا جواز التفريق ولو اختياراً لو صام شهراً ويوماً متتابعاً بالإضافة إلى بقيّة المدّة ، فيدلّ عليه مثل صحيحة جميل بن درّاج ، أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفّارة؟ ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن صام فمرض فأفطر أيستقبل ، أو يتمّ ما بقي عليه؟ قال : إن صام شهراً ثمّ مرض استقبل ، فإن زاد على الشهر يوماً أو يومين بنى عليه ، الحديث(1) .
ومن الظاهر أنّه لا يكون المراد من قوله : «إن صام شهراً» إلاّ صيام شهر أو أقلّ في مقابل الزيادة يوماً أو يومين أو أكثر ، كما أنّه لا اختصاص لذلك بكفّارة الظهار ، بل المراد الكفّارة التي تشتمل على صيام شهرين متتابعين ظهاراً كانت أو غيرها .

1 ـ من وجب عليه صيام شهرين; سواء كان الوجوب بعنوان الكفّارة ، أو

(1) الكافي : 6 / 155 ح10 ، الفقيه : 3 / 343 ح1647 ، تهذيب الأحكام : 8 / 9 ح28 ، وعنها الوسائل : 22 /363 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب3 ح1 .

(الصفحة288)



بعنوان النذر مثلاً ، إن شرع فيه من أوّل شهر لا إشكال في أنّه يجزئ هلاليّان وإن كانا ناقصين ; لصدق عنوان الشهرين حقيقة ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الشهر في الشرع عبارة عن الشهر الهلالي كما هو المسلّم في شهر رمضان .
نعم ، ذكرنا في كتاب الخمس ـ الذي يكون من الاُمور المتعلّقة له ما يفضل عن مؤونة السنة من الأرباح ـ أنّه لا يبعد أن يكون المراد بالسنة هي الشمسيّة المشتملة على جميع الفصول الأربعة(1) التي يختلف الناس فيها بالنظر إلى الأرباح ، لكن هذا يختصّ بباب الخمس ولا يجري في سائر الأبواب .
وكيف كان ، فمع الشروع من أوّل الشهر في مفروض المسألة لا إشكال في الاجتزاء بالهلاليّين مطلقاً . وإن شرع في أثناء الشهر ففيه أقوال :
أحدها : ما وصفه المحقّق في الشرائع بأنّه أشبه(2) ، وهو أنّه إن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصاً ، ويكمل الأوّل ثلاثين .
ثانيها : تتميم ما فات من الشهر الأوّل من الشهر الثالث ; لأنّه أقرب إلى الشهر الحقيقي .
ثالثها : انكسار الشهرين بانكسار الأوّل ; لأنّ الثاني لا يدخل حتّى يكمل الأوّل ، فيتمّ من الثاني الذي يليه ثلاثين أو مقدار ما فات منه ، ويتمّ الثاني من الذي يليه كذلك .
والظاهر أنّ ما جعله في المتن أوجه الأقوال هو القول الثاني ، وفرّع عليه أنّه لو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة ، من غير فرق بين نقص

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 120 .
(2) شرائع الإسلام : 3 / 75 .

(الصفحة289)



الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما ، وقد جعله صاحب الجواهر هو الأشبه(1) ، والوجه فيه أنّ عنوان الشهر الثاني باق بحاله ، غاية الأمر أنّه فات منه مقدار ما نقص من الشهر الأوّل ، فيجب تتميمه .
وذكر صاحب الجواهر أنّ الثمرة بين الأقوال تظهر فيما لو صام من آخر رجب يوماً وهو ناقص ، ثمّ أتبعه بشعبان وهو كذلك ، فيقضي تسعة وعشرين من شوّال على الأوّل ، وناقصاً منه بواحد على الثاني ، وينتفى التتابع على الثالث في محلّ الفرض ; لكون الذي صامه ثلاثين وهو نصف ما عليه ، وفي غيره ـ بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان ـ صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً ، لكن إطلاق ما يظهر من صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة عن الصادق (عليه السلام)(2) من صحّة التتابع فيمن صام شعبان في الظهار إذا كان قد زاد يوماً يتمّ على مختار المصنّف; يعني صاحب الشرائع ، أمّا على انكسارهما وإتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتمّ إلاّ في صورة تمام الشهرين ، أمّا إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتمّ ; لعدم حصول الزيادة(3) .
قلت : والظاهر هو ما في المتن ، والصحيحة محمولة على الغالب من تماميّة الشهر نوعاً . ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي صيام ستّين يوماً ; للعلم بتحقّق شهرين شرعيّين معه كما لايخفى .
ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً ، كما عرفت موارده فيما تقدّم من المسألة الثامنة ، ففي المتن يتعيّن ذلك ويجب الستّين (الستّون ظ) ،

(1) جواهر الكلام : 32 / 249 وج33 / 280 .
(2) الكافي : 4 / 139 ح5 ، الفقيه : 2 / 97 ح437 ، تهذيب الأحكام : 4/283 ح857 ، وعنها الوسائل : 10 / 375 ، كتاب الصيام ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب4 ح1 .
(3) جواهر الكلام : 33 / 280 .

(الصفحة290)

مسألة : يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم إليهم ، ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر ، ولا يتقدّر الإشباع بمقدار ، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلَّ أو كثر . وأمّا في التسليم فلابدّ من مدّ لا أقلّ ، والأفضل بل الأحوط مدّان ، ولابدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزئ إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين ، أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين ، ولا يجب الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ـ ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة اُخرى ـ لأجزأ وكفى1 .


ويمكن الالتزام فيه بهذا القول أيضاً ، فإنّها لو كانت حائضة في الثلاثة الاُولى من الشهر يجب عليها التتميم بهذا المقدار من الشهر الثالث .

1 ـ إذا أراد إطعام المساكين الستّين، أو العشرة كما في كفّارة اليمين ـ على ما عرفت(1) ـ فهو مخيّر بين إشباع الكلّ ، أو التسليم إليهم ، أو التبعيض ، ولا شبهة في أنّه لا يكفي أقلّ من مدّ في التسليم ، بل في جملة من الروايات مدّ :
كصحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قال الله ـ عزّوجلّ ـ لنبيّه (صلى الله عليه وآله) : {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ . . .* قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}(2) فجعلها يميناً ، وكفّرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قلت : بما كفّر؟ قال : أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : ثوب يواري به

(1) في ص230 ـ 231 و 273.
(2) سورة التحريم : 66 / 1 ـ2 .

(الصفحة291)

مسألة : الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة ، وإن كان


عورته(1) . وفي بعض الروايات مدّان(2) ، لكنّها محمولة على الاستحباب ، كما أنّه مقتضى الاحتياط الاستحبابي .
والعمدة كما في المتن أنّه لابدّ من إكمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزئ إشباع ثلاثين ، أو التسليم إليهم مرّتين ، وكذلك إشباع خمسة أو التسليم إليهم هكذا وإن كان في بعض الروايات الجواز في صورة عدم وجدان العدد ، كموثّقة السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن لم يجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً(3) .
ثمّ إنّه لا يجب الاجتماع ولا يعتبر، لا في صورة اختيار التسليم ولا في فرض اختيار الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً ولو في غير زمان واحد ، بل في أوقات متفرّقة ولو لم تكن من سنة واحدة ، بل في سنتين أو أزيد ، لكن لا بمقدار يعدّ أمرين مختلفين لأجزأ وكفى ; لعدم الدليل على اعتبار الاجتماع ولا زمان واحد ، كما هو غير خفيّ .

(1) الكافي : 7 / 452 ح4 ، تهذيب الأحكام : 8/295 ح1093 ، الاستبصار : 4 / 51 ح176 ، نوادر ابن عيسى : 59 ح115 ، وعنها الوسائل : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح1 ، وفي البحار : 104 / 242 ح145 ومستدرك الوسائل : 15 / 417 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب11 ح18685 عن نوادر ابن عيسى .
(2) تهذيب الأحكام : 8/23 ح75 ، وعنه الوسائل : 22 / 382 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح6 .
(3) الكافي : 7 / 453 ح10 ، تهذيب الأحكام : 8/298 ح1102 ، الاستبصار : 4 / 53 ح184 ، وعنها الوسائل : 22 / 386 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب16 ح1 .

(الصفحة292)

الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً1 .

مسألة : يجزئ في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب الناس; من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه; من حنطة أو شعير أو ذرّة أو دخن وغيرها ، وإن كان بلا إدام . نعم ، الأحوط في كفّارة اليمين ـ وما كانت كفّارته كفّارتها ـ عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم ، وإن كان الاجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة . والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل . وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ ومطبوخ; من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأُرز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقها ، ويجزئ التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً2 .


1 ـ لا ينبغي الإشكال في أنّ الإطعام المأمور به بعنوان الكفّارة يتحقّق بالإشباع ولو مرّة واحدة ، لكن الأفضل الإشباع في يومه وليلته غداةً وعشاءً ، وفي رواية ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : في كفّارة اليمين يعطى كلّ مسكين مدّاً على قدر ما يقوت إنساناً من أهلك في كلّ يوم، الخ(1) .

2 ـ قد ورد في الآية الشريفة الواردة في كفّارة اليمين قوله تعالى : {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}(2) . وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله

(1) تفسير العيّاشي : 1 / 337 ح171 ، وعنه الوسائل : 22 / 382 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح8 وبحار الأنوار : 104 / 225 ح46 .
(2) سورة المائدة : 5 / 89 .

(الصفحة293)

مسألة : التسليم إلى المسكين تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل1 .


عزّوجلّ : {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}قال : هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ ، ومنهم من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبين ذلك ، وإن شئت جعلت لهم أُدماً والأُدم أدناه الملح ، وأوسطه الخلّ والزيت ، وأرفعه اللحم(1) .
والرواية دالّة على أنّ الآية الشريفة كما تكون ناظرة إلى كيفيّة الطعام ، كذلك تكون ناظرة إلى الكمّية وأنّ الأوسط هو مدّ واحد ، ويدلّ على هذا المضمون طائفة من الروايات(2) .
ثمّ إنّ كلمة «الإطعام» دالّة على طعام مطبوخ وإن كان الطعام مستعملاً بنفسه في الحنطة أو مع الشعير غير المطبوخين ، وإن كان الظاهر أنّه لا إشكال في إجزاء التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً وإن كانا غير مطبوخين ، فيظهر من جميع ذلك أنّ الملاك هو ما يتحقّق به الإشباع وإن كان خبزاً من دون إدام أو تمراً أو زبيباً ، كما هو ظاهر ، ويكفي في الإدام مجرّد الملح أو ما هو مثله .

1 ـ قد عرفت في المسألة الحادية عشر أنّه يتخيّر في الإطعام الواجب بعنوان الكفّارة بين الإشباع وبين التسليم ، فاعلم أنّ التسليم إلى المسكين ليس مجرّد إباحة التصرّف الموجبة لجريان أحكام الإباحة عليها ولو فرض لزومها ، بل هو في

(1) الكافي : 7 / 453 ح7 ، تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1098 ، الاستبصار : 4 / 53 ح183 ، وعنها الوسائل : 22 / 381 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح3 .
(2) وسائل الشيعة : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 .

(الصفحة294)

مسألة : يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه . وكذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً ، وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً ، والظاهر أنّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ1 .


الحقيقة تمليك لازم ، فيملك المسكين ما قبضه ويفعل به ما يشاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل كما لو كانت الملكيّة الكذائيّة ثابتة له من غير جهة الكفّارة .

1 ـ إذا كان التكفير بالتسليم الذي أحد فردي الواجب التخييري يتساوى الصغير والكبير في ذلك ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير هو التسليم إلى وليّه .
فهنا أمران :
أحدهما : التساوي ولزوم إعطاء الصغير مدّاً ; لأنّ الواجب هو إعطاء ستّين مدّاً مكان الإشباع .
ثانيهما : لزوم التسليم إلى الوليّ ; لعدم كون الصغير له القابليّة من هذه الجهة ، كما استدلّ به المحقّق في الشرائع(1) ، وكان قبضه كالعدم وقبوله بمنزلة عدم القبول .
ويدلّ على الأمر الأوّل رواية يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين ، أيعطي الصغار والكبار سواء ،

(1) شرائع الإسلام : 3 / 78 ، المقصد الرابع ، المسألة السادسة .

(الصفحة295)

مسألة : لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار ; من غير فرق بين الإشباع والتسليم ، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم


والنساء والرجال ، أو يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال : كلّهم سواء(1) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير(2) .
هذا إذا كان بنحو الإعطاء والتسليم .
وأمّا إذا كان بنحو الإشباع ، فقد فصّل فيه بين ما إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فيكونون مثلهم ، وبين ما إذا كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، ولعلّ المنشأ رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يجزئ إطعام الصغير في كفّارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير(3) بعد الحمل على صورة الإعطاء بقرينة الرواية السابقة وإلغاء الخصوصيّة عن اليمين ، واحتاط استحباباً بالاحتساب كذلك مطلقاً ، ثمّ إنّه استظهر أنّه لا يعتبر في إشباع الصغار إذن الوليّ ; لعدم الدليل على ذلك ، مضافاً إلى أنّه ليس تصرّفاً .

(1) تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1101 ، الاستبصار : 4 / 53 ح181 ، وعنهما الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح3 .
(2) تهذيب الأحكام : 8 / 300 ح1113 ، وعنه الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح2 .
(3) الكافي : 7 / 454 ح12 ، تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1100 ، الاستبصار : 4 / 53 ح182 ، وعنها الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح1 .

(الصفحة296)

ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم1 .

مسألة : لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وإن تعذّر انتظر . ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتى عشرة مرّة ، والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم ، وأن يكون في أيّام متعدّدة2 .


1 ـ لا ينبغي الإشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو في صورة الاختيار ; من غير فرق بين الإشباع والتسليم ; لعدم تبدّل عنوانه بذلك ، وعدم الخروج عن هذا الوصف بإعطاء أزيد من مدّ ، والمفروض كونه من كفّارات متعدّدة ، وفرّع عليه أنّه لو أفطر تمام شهر رمضان وفرض كونه ثلاثين يوماً جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم ، والوجه فيه ما ذكرنا .

2 ـ لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وهل المراد أنّ جواز النقل إلى غير البلد يتوقّف على التعذّر في البلد ، أو أنّ وجوب النقل إلى غيره إنّما هو لأجل كونه أحد فردي الواجب التخييري ، فالتعيّن بسببه كما في سائر الموارد ، وإلاّ فأصل الجواز ثابت ولو مع عدم التعذّر في البلد ، والأوّل كما في زكاة الفطرة ، بل مطلق الزكاة كما ربما يحتمل ، ولكن الظاهر هو الثاني; لعدم الدليل على الأوّل .
ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ولكن لابدّ من تشريك جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ليتحقّق

(الصفحة297)

مسألة : المراد بالمسكين ـ الذي هو مصرف الكفّارة ـ هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة ، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلاً ولا قوّة ، ويشترط فيه الإسلام ، بل الإيمان على الأحوط; وإن كان جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب لا يخلو من قوّة ، وأن لا يكون ممّن تجب نفقته على الدافع ، كالوالدين ، والأولاد ، والزوجة الدائمة دون المنقطعة ، ودون سائر الأقارب والأرحام حتّى الإخوة والأخوات ، ولا يشترط فيه العدالة ، ولا عدم الفسق . نعم ، لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء . وفي جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان ، لا يخلو الجواز من رجحان; وإن كان الأحوط


الستّون ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة ـ موثّقة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن لم يجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً(1) ، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتى عشرة مرّة مع وجود واحد آخر ، وإلاّ لكان اللازم جواز إعطاء واحد ستّين مرّة مع وجود تمام العدد وعدم نقصه في البلد ، ومن الظاهر أنّه خلاف غرض الشارع . نعم ، مع عدم التمكّن من العدد الكامل لا محيص من التكرار بنحو عرفت .
وفي الذيل احتاط وجوباً بالاقتصار على الإشباع دون التسليم ; لأنّه أقرب إلى غرض الشارع ، وأن يكون في أيّام متعدّدة; لئلاّ يختلط مع ما ذكرنا من أنّ الأفضل في الإطعام الواحد غذاؤه يوماً وليلة ، كما عرفت في المسألة الثانية عشر ، مضافاً إلى دلالة الموثّقة على ذلك ، فراجع .

(1) تقدّمت في ص291 .

(الصفحة298)

الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج التامّ الذي يحلّ معه أخذ الزكاة1 .


1 ـ المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفّارة كما في الآية الواردة في كفّارة اليمين(1) والنصوص الواردة في الكفّارات المختلفة(2) هو الفقير الذي يستحقّ الزكاة(3) ، وقد شاع أنّ الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، والمراد به من لا يملك قوت سنة لا فعلاً ولا قوّةً .
ويشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط ، وإن نفى الخلوّ عن القوّة بالإضافة إلى جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب .
قلت : قد مرّ في العتق أنّ المذكور في الكتاب في كفّارة قتل الخطأ هو قوله تعالى : {فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة}(4) . وقد مرّ أيضاً الاتّفاق على أنّ المراد بالإيمان هو الإسلام ، وكذا قول صاحب الجواهر ممّا يرجع إلى عدم اختصاص ذلك بقتل الخطأ والشمول لقتل العمد أيضاً(5) .
وأمّا ، هنا فقد ورد فيه موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستّين مسكيناً ـ إلى أن قال : ـ قلت : فيعطيه الضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال : نعم ، وأهل الولاية أحبّ إليّ(6) .

(1) سورة المائدة: 5 / 89 .
(2) وسائل الشيعة : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 .
(3) راجع مسالك الأفهام : 10 / 101 وجواهر الكلام : 33 / 271 .
(4) النساء : 4/92 .
(5) قد مرّ جميع ذلك في ص278 .
(6) تهذيب الأحكام : 8 / 298 ح1103 ، الاستبصار : 4 / 53 ح185 ، نوادر ابن عيسى : 59 ح117 ، وعنها الوسائل : 22 / 388 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب18 ح2 ، وفي البحار : 104 / 242 ح147 عن نوادر ابن عيسى ، وفي ص224 ح41 عن تفسير العيّاشي : 1 / 336 ح166 ، وفي مستدرك الوسائل : 15 / 422 ب15 ح2 و3 عن النوادر والعيّاشي .

(الصفحة299)



ويدلّ على عدم جواز إعطاء الناصب رواية يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن (عليه السلام) ـ في حديث الكفّارة ـ قال : ويتمّم إذا لم يقدر على المسلمين وعيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممّن لا ينصب(1) .
ويشترط أيضاً أن لا يكون المسكين ممّن تجب نفقته على الدافع ; كالوالدين ، والأولاد ، والزوجة الدائمة واجبة النفقة على زوجها ، معلّلاً له في الشرائع بأنّهم أغنياء بالدافع(2) ، وأضاف إليه في الجواهر انسباق غيرهم من الأدلّة خصوصاً ، مع ملاحظة قوله تعالى : {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}(3) المشعر بكون المساكين غيرهم ، وملاحظة قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن الوارد في الزكاة : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والاُمّ ، والولد ، والمملوك ، والزوجة(4) ،(5) هذا وأمّا الزوجة غير الدائمة التي لا تجب نفقتها وسائر الأقارب كذلك ، فيجوز إعطاء الكفّارة إليه حتّى الإخوة والأخوات .
ولا يشترط فيه العدالة ، ولا عدم الفسق ; لعدم الدليل على الاشتراط . نعم ، المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء لا يجوز دفع الكفّارة إليه ; للاطمئنان بكونه منافياً لغرض الشارع من عدم تقوية من كان متجاهراً بالفسق بالنحو المذكور ، كما هو غير خفيّ .

(1) تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1101 ، الاستبصار : 4 / 53 ح185 ، وعنهما الوسائل : 22 / 388 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب18 ح1 .
(2) شرائع الإسلام : 3 / 79 .
(3) سورة المائدة : 5 / 89 .
(4) الكافي : 3 / 552 ح5 ، تهذيب الأحكام : 4 / 56 ح150 ، الاستبصار : 2 / 33 ح101 ، وعنها الوسائل : 9/240 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1 .
(5) جواهر الكلام : 33 / 287 .

(الصفحة300)

مسألة : يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً ; من غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن منخرقاً ، أو منسحقاً وبالياً بحيث ينخرق بالاستعمال، فلا يكتفى بالعمامة والقلنسوة والحزام والخفّ والجورب ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد ، خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير ، فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء به ، والأحوط أن يكون ممّا يواري عورته . ويعتبر فيها العدد كالإطعام ، فلو كرّر على واحد ـ بأن كساه عشر مرّات ـ لم تحسب إلاّ واحدة ، ولا فرق في المكسوّ بين الصغير والكبير ، والذكر والاُنثى .
نعم ، في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره ـ كابن شهر أو شهرين ـ إشكال ، فلا يترك الاحتياط . والظاهر اعتبار كونه مخيطاً فيما كان المتعارف فيه المخيطيّة دون ما لا يحتاج إلى الخياطة ، فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط في الفرض لم يجزئ . نعم ، الظاهر أنّه لا بأس بأن يدفع اُجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه ، ولا يجزئ إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس ، ولا إعطاء لباس الصغير للكبير ، ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها ، وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال ، إلاّ إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها ، ولو تعذّر تمام العدد كسا الموجود وانتظر الباقي . والأحوط


ثمّ إنّ في جواز إعطاء غير الهاشمي الكفّارة إلى الهاشميّ قولان ، نفى خلوّ الجواز عن الرجحان ، والظاهر أنّ منشأه أنّه لا دليل على عدم الجواز ، ولا يجوز القياس بباب الزكاة ; لأنّه قياس محض . نعم ، لا ينبغي الإشكال في أنّ الأحوط الاقتصار على موضع الضرورة .

<<التالي الفهرس السابق>>