في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة7)




كتاب المضاربة



(الصفحة8)




بسم الله الرحمن الرحيم

هذا شرح كتاب المضاربة وجملة من الكتب التي بعده من كتاب تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه ، وكان الشروع ليلة ولادة الإمام الحادي عشر الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) والد وليّنا ومولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بحقّه وحقّ آبائه الطاهرين المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن الله أستمدّ وأستعين لإتمام شرح الكتب التي لم تُشرح بعد إن شاء الله تعالى .

8 ربيع الثاني 1420 القمرية .


(الصفحة9)





[تعريف المضاربة]

وتسمّى قراضاً ، وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر ، ولو حصل ربح يكون بينهما . ولو جعل تمام الربح للمالك يُقال له : البضاعة ، وحيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفي ، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك» على كذا ، وفي القبول : «قبلتُ» وشبهه1.


1 ـ وكلاهما أعني المضاربة والقراض من باب المفاعلة ، والأوّل لغة أهل العراق ، والثاني لغة أهل الحجاز ، وكأنّ المضاربة من الضرب في الأرض; لكون التجارة في تلك الأزمنة ملازمة غالباً للسفر، كقوله تعالى : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ}(1) ولابدّ في التوجيه ـ أي توجيه باب المفاعلة ـ إمّا أن يُقال بمنع دلالة باب المفاعلة على التقوّم الصدوري بشخصين ، كما يشعر به قوله تعالى : {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(2).


(1) سورة النساء : 4 / 101 .
(2) سورة البقرة : 2/9 .

(الصفحة10)



وقد أورد المحقّق الاصفهاني في حاشية كفاية الاُصول في ذيل حديث لا ضرر ولا ضرار موارد كثيرة من الكتاب العزيز والاستعمالات العربية قد ذكر فيها صيغة المفاعلة(1) مع عدم الدلالة على ما ذكر ، فراجع .
أو يقال بدلالة باب المفاعلة على ذلك ابتداءً وبالأصل ، وتكون الآية نظير قوله تعالى : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(2) ، وعليه فالتسمية باسم المضاربة باعتبار كون المالك سبباً والعامل مباشراً، كما يظهر من صاحب العروة(3) ، وباسم القراض باعتبار قطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتّجر به ، وقطع العامل جزءاً من عمله لذلك وتخصيصه به .
ولعلّ السرّ في مشروعيّة المضاربة مع شدّة اهتمام الشارع بعدم تحقّق الربا ـ حتّى جعل مثل سيّدنا الاُستاذ الماتن (قدس سره) الحيل الشرعية في باب الربا غير مشروعة(4) ـ ومع اهتمامه أيضاً بعدم تحقّق الجهالة سيّما في العقود الماليّة; وهي متحقّقة في المضاربة لعدم تعيّن مقدار الربح بوجه ليعلم الكسر المشاع منه ، أنّ بناء النظام الإسلامي على حفظ اقتصاد المجتمع في جانب الشؤون الاعتبارية والأعمال الفرعية والتكاليف الشرعية ، وربما يوجد في المجتمع الإسلامي من لا يقدر على التجارة وتحصيل الربح مع وجود الإمكانات الماليّة له ، كما أنّه ربما يوجد من يقدر على التجارة ولكنّه لا يكون له رأس المال والإمكانات كذلك بوجه ، فغرض الشارع أن تصرف كلتا القدرتين في الشؤون الاقتصادية حتّى لا يكون للمجتمع الإسلامي

(1) نهاية الدراية في شرح الكفاية : 4/437 .
(2) سورة الأنفال : 8 / 30 .
(3) العروة الوثقى : 2/525 .
(4) تحرير الوسيلة : 1/512 ، كتاب البيع ، القول في الربا ، مسألة 6 .

(الصفحة11)



افتقار إلى غيرهم ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الاقتصاد من أهمّ اُمور المجتمع ، ويتفرّع عليه اُمور كثيرة من المحاسن والمضارّ المتعدِّدة الفردية والاجتماعية ; ولذا نرى الأمر بإيتاء الزكاة عقيب الأمر بإقامة الصلاة في كثير من موارد الكتاب العزيز ، ولعلّه يكون مُشعراً بافتقار المجتمع إلى الاُمور العبادية والاقتصادية ، وإلاّ فالواجبات كثيرة ، وعطفها على الأمر بإقامة الصلاة ممكن، وظنّي أنّ تشريع المضاربة في الإسلام من أدلّة كماله وتمامه .
والظاهر أنّه ليس كالبيع والإجارة والنكاح والطلاق من العقود والإيقاعات الإمضائية ، غاية الأمر مع الاختلاف من حيث الشرائط ، بل هي أمرٌ تأسيسي لم يكن له سابقة في الملل الاُخرى وبين العقلاء ، كما لا يخفى .
ونظره إلى الدِّين والدُّنيا فراراً عن الربا ، كجعل المتعة فيه فراراً عن الزنا ، كما فصّلنا القول فيه في بحث نكاح المتعة المتقدّم في كتاب النكاح(1) .
ثمّ إنّه ذكر المحقّق الأردبيلي في كتاب زبدته المشتمل على آيات الأحكام ما يرجع إلى أنّ في المضاربة آيات ثلاث ; الاُولى : {فَانتَشِرُوا فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ}(2) . والثانية : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ}(3) ، والثالثة : {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ}(4) ، ثمّ أورد على الاستدلال ـ كما صنعه بعض من فقهاء الحنفيّة

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح : 324 ، القول في النكاح المنقطع .
(2) سورة الجمعة : 62 / 10 .
(3) سورة النساء : 4 / 101 .
(4) سورة المزمّل : 73 / 20 .

(الصفحة12)



والشافعيّة ـ بأنّه لا دلالة فيها إلاّ بعموم بعيد ، وآية البيع والتجارة أقرب منها(1) . وأنت خبير بأنّه بعد توجيه كلامه من جهة أنّ مراده من العموم هو الإطلاق ، ضرورة عدم ثبوت العموم في شيء منها ، أنّ الإطلاق أيضاً محلّ منع ; لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، بل في مقام الإهمال أو أمر آخر كقصر الصلاة ، مضافاً إلى أنّ ما في ذيل كلامه من أنّ آية البيع والتجارة أقرب منها ممنوع ، ضرورة عدم كون المضاربة بيعاً ، بل صدق التجارة عليها مشكل بل ممنوع ; لأنّها مقدّمة لحصول التجارة وتحقّقها لا أنّها بنفسها أيضاً تجارة .
هذا بالإضافة إلى ما لو كان الربح الحاصل بينهما بصورة الكسر المشاع الذي هو المتيقّن الذي لا خلاف فيه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(2) ، أمّا لو جعل تمام الربح للمالك فليس مضاربة بل بضاعة ، والظاهر ثبوت اُجرة المثل للعامل مع عدم اشتراط المجّانيّة ; لكون العمل محترماً واقعاً بأمر المالك ، فيجب فيه اُجرة المثل كسائر الموارد ، اللّهمَّ إلاّ أن يكون قصد العامل التبرّع والمجّانية ، أو كان للعمل ظهور عقلائي في ذلك ، وسيأتي الكلام فيما بعد إن شاء الله تعالى(3) . ثمّ إنّه حيث إنّ المضاربة من العقود يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ عليه بالظهور العرفي العقلائي كسائر الموارد ، ولا يعتبر أن يكون على سبيل الحقيقة فإنّ أصالة الظهور المعتمد عليها عند العرف والعقلاء أعمّ من أصالة الحقيقة، كما قد قرّر في محلّه ، فيكفي في الإيجاب الصادر من المالك لرأس المال «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك» بكذا ، وفي القبول «قبلت» و«رضيت» وشبهها ، وسيأتي

(1) زبدة البيان : 587 .
(2) في ص21 .
(3) في ص 42 ـ 43 .

(الصفحة13)

[شرائط المضاربة]

مسألة 1 : يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار ، وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس ، وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال ، فلو كان عاجزاً مطلقاً بطلت ، ومع العجز في بعضه لا تبعد الصحّة بالنسبة على إشكال . نعم ، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقاً ، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى. وفي رأس المال أن يكون عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين ; سواء كان على العامل أو غيره إلاّ بعد قبضه . وأن يكون درهماً وديناراً، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض.
نعم، جوازها بمثل الأوراق النقديةونحوها من الأثمان غير الذهب والفضّة لايخلو من قوّة ، وكذا في الفلوس السود . وأن يكون معيّناً، فلا تصحّ بالمبهم; كأن يقول : «قارضتك بأحد هذين» أو «بأيّهما شئت». وأن يكون معلوماً قدراً ووصفاً . وفي الربح أن يكون معلوماً ، فلو قال : «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت . وأن يكون مشاعاً مقدّراً بأحد الكسور;


بعض الخصوصيات الاُخر المعتبر في المتعاقدين في باب المضاربة ، فانتظر .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ المضاربة عقد مستقلّ بحياله وله اعتبار خاصّ عند الشارع، ولا تكون من مصاديق الوكالة كما يظهر من المالكيّة على ما حكي(1) ، ولا الشركة بين المالك والعامل من جهة رأس المال والعمل ، كما حكي عن بعض آخر من فقهاء الناس ، كما أنّه لا تنطبق على الربا بوجه ، ويؤيّده إمكان عدم حصول الربح رأساً ، فهي في الحقيقة عنوان آخر يترتّب عليها أحكام خاصّة على ما سيأتي .


(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : 3/517 .

(الصفحة14)

كالنصف أو الثلث ، فلو قال : «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس ، أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم» مثلاً لم تصحّ . وأن يكون بين المالك والعامل لا يشاركهما الغير ، فلو جعلا جزءاً منه لأجنبيّ بطلت إلاّ أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة1.


1ـ لا شبهة في اعتبار الاُمور المعتبرة في المتعاقدين من البلوغ والعقل والاختيار في سائر العقود ، خصوصاً العقود المالية هنا أيضاً ، وأمّا الاُمور الخاصّة المعتبرة هنا فهي عبارة عن :
1: يشترط في ربّ المال أن لا يكون محجوراً لفلس ، ضرورة أنّ المضاربة تصرّف في المال ، وإذا حكم على ربّ المال بعدم جواز التصرّف فلا تصحّ المضاربة الصادرة منه ، والظاهر أنّ المحجورية لسفه أيضاً كذلك ; لعدم الفرق كما لايخفى .
2: يشترط في العامل القدرة على التجارة والتكسّب برأس المال ، فإن كان عاجزاً عنها وكان عجزه مطلقاً بطلت المضاربة ; لعدم تحقّق الغرض منها قطعاً كما هو المفروض ، وأمّا لو كان عاجزاً عن التجارة بجميع رأس المال لا ببعضه ، فقد نفى البُعد في المتن عن الصحّة بالإضافة إلى ذلك البعض مع التعقّب بالإشكال ، ولعلّ السرّ فيه عدم تبعّض العقد ، مضافاً إلى إمكان جعل رأس المال بيد من يقدر على التجارة بالجميع ، فيكون ربحه أكثر والنفع الحاصل أزيد ، وقد عرفت(1) أنّ الغرض من تشريع المضاربة عدم ركود الإمكانات المالية وكذا الإمكانات العملية الحسبية ، وهذا بخلاف ما لو باع عبداً وحرّاً بعنوان العبودية ، حيث إنّه بعد استكشاف الحال يصير البيع مبعّضاً من دون أن يلزم تال فاسد .


(1) في ص10 .

(الصفحة15)



وربما يقال هنا أيضاً بأنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحلّ إلى عقود متعدِّدة على أجزاء رأس المال وإن كانت بحسب الإنشاء واحدة ، وعليه فلا موجب للحكم بالبطلان بالإضافة إلى الجميع ، بل يتعيّن الحكم بالصحّة فيما يقدر عليه والبطلان فيما يعجز عنه ،(1) ولكنه يرد عليه أنّ الانحلال هل هو على وفق القاعدة ، أم على خلافها ، فعلى التقدير الأوّل لا مانع من التبعيض والحكم بالصحّة بالنسبة إلى البعض ، وأمّا على الثاني فالحكم بالصحّة في بعض الموارد على خلاف القاعدة لابدّ من الاقتصار فيه على خصوص ذلك البعض ، والظاهر ذلك ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ العقود تابعة للقصود ، والألفاظ لا دلالة لها على الانحلال بوجه ، مع أنّ لازمه صحّة المضاربة بالنسبة إلى ما يقدر عليه ولو كان في غاية القلّة ، كما لايخفى .
هذا ، وقد ذكرنا في تعليقاتنا على العروة الوثقى أنّه إن كان المراد بالقدرة هي القدرة على المعاملة في الجميع في مقابل العجز مطلقاً ، كما يدلّ عليه قوله (قدس سره): «فإنّه إذا كان» الخ ، فيرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة ، ولا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها . وإن كان المراد بها هي القدرة ولو في الجملة ، نظراً إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة ، ولا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة والمضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداءً بخلاف الإجارة; لأ نّ عدم ثبوت التمليك فيها لا يخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية ، فيرد عليه منع الحكم فيما فرعه على ذلك ، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقاً ، أو بالإضافة إلى خصوص المقدار المقدور واشتراكهما في الربح فيه ، لا اختصاص المالك به وثبوت الاُجرة للعامل مع الجهل بالبطلان .(2)


(1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 18 ـ 19 .
(2) الحواشي على العروة الوثقى: 226 حاشية الشرط العاشر .

(الصفحة16)



ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة ، ففي المتن : أنّه تبطل المضاربة في ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة ، ففي المتن : أنّه تبطل المضاربة في الأثناء لو كان العجز الطارئ هو العجز مطلقاً ، وبالإضافة إلى البعض لو كان العجز مخصوصاً به على الأقوى، والفرق بين هذه الصورة ، وبين ما لو كان العجز كذلك من الأوّل ، حيث استشكل في الصحّة فيه أنّه لا دليل على البطلان في الصورة الاُولى ، وعدم العجز للتالي لا يكون معتبراً في صحّة المضاربة ، وفي الصورة الثانية يجري مسألة الانحلال وعدمه على ما عرفت ، فالفرق بين المقامين موجود ، فتدبّر جيّداً .
ويمكن أن يكون قوله : «على الأقوى» ناظراً إلى أصل مسألة طروّ العجز في الأثناء ، وأنّ العجز الطارئ إن كان بالإضافة إلى الجميع تبطل المضاربة بالنسبة إلى الجميع على الأقوى ، وإن كان بملاحظة البعض تبطل بالنسبة إلى خصوص البعض ، مثل صورة العجز حال المضاربة، وعليه فلا دلالة لكلامه على أولويّة طروّ العجز لملاحظة البعض على وجوده حال المضاربة كذلك ، وأنّه في صورة الطروّ أقوى من جهة البطلان من صورة الوجود حال المضاربة، فتأمّل .
والذي يقتضيه النظر الدقيق في معنى العبارة ، خصوصاً مع ملاحظة كلمة «نعم» الظاهرة في الاستدراك أن يقال: إنّ النظر في صورة وجود العجز حال المضاربة بالإضافة إلى البعض إلى صحّة المضاربة في البعض المقدور بعد الفراغ عن البطلان في البعض غير المقدور ، وفي الحقيقة يكون النظر إلى سراية البطلان إلى الجميع وعدمها ، وقد نفى البُعد في هذه الصورة عن الصحّة في البعض المقدور بضميمة الإشكال الناشئ عن عدم الانحلال ، كما عرفت أنّه مقتضى العقود تابعة للقصود والألفاظ الواقعة في مقام الإنشاء ، والنظر في صورة طروّ العجز بعد المضاربة إلى أقوائية البطلان بالنسبة إلى غير المقدور ، وبقاء المقدور على حاله من صحّة

(الصفحة17)



المضاربة بالنسبة إليه ، ففي الحقيقة يكون البطلان في هذه الصورة منحصراً بغير المقدور وعدم تحقّق السراية بوجه ، والسرّ أنّ المضاربة كانت في حال وقوعها واجدة لشرطها;وهي القدرة على التجارة بالجميع. غاية الأمر طروّ العجز بالإضافة إلى البعض ، والغرض أنّ البطلان فيه لا يسري إلى المقدور بوجه ، كما لا يخفى .
3: يشترط في رأس المال هنا أن يكون عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا الدّين ; سواء كان على العامل أو غيره إلاّ بعد قبضه ، وأهمّ الدليل على اعتبار هذا الشرط أمران :
أحدهما : ملاحظة أنّ المضاربة هل هي أمرٌ على خلاف القاعدة الأوّلية ، أم على وفقها ؟ فعلى الأوّل ـ الذي هو الظاهر ; لأنّ مقتضى القاعدة كون تمام الربح للمالك ; لأنّه نماء ماله ، وثبوت اُجرة المثل بالإضافة إلى العامل لاحترام عمله المأذون فيه، كما لايخفى ـ لا دليل على الصحّة في المقام بعد اختصاص أدلّتها الخاصّة بالعين المقابلة للمنفعة والدَّين ، ولزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل والقاعدة على القدر المتيقّن .
ثانيهما : موثّقة السكوني الواردة في الدّين ; وهي ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده ، فيقول: هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتّى تقبضه منه(1) . ولكنّ الظاهر أنّ الحكم بعدم الصلاحيّة إنّما هو لأجل عدم ثبوت رأس المال رأساً لا باعتبار كونه ديناً ، ضرورة أنّه مع ثبوت رأس المال عند المديون وقدرته على أداء الدّين وإقباضه وحضوره لذلك لا أثر للقبض منه ثمّ الإقباض والإعطاء إيّاه ، فمورد

(1) الكافي:  5/240 ح 4 ، الفقيه: 3/144 ح 634 ، تهذيب الأحكام: 6/195 ح 428 و ج 7/192 ح 84 ، وعنها الوسائل: 19/23 ، كتاب المضاربة ب 5 ح 1 .

(الصفحة18)



الموثّقة لاينطبق على المدّعى كما أفاده بعض الأعلام (قدس سره)(1) .
اللّهمَّ إلاّ أن يقال: إنّ جعل الغاية هو القبض لا مجرّد الكون عنده شاهد على أنّ للقبض مدخلية ، و لعلّه لعدم التعيّن بدونه ، فتدبّر .
هذا بالإضافة إلى الدَّين .
وأمّا بالنسبة إلى المنفعة ، فالمعروف بينهم وإن كان هو عدم الجواز ، إلاّ أنّ اعتبار إعطاء المال أو دفعه إلى العامل لا ينافي صحّة المضاربة بالنسبة إلى المنفعة ، فمن أعطى منفعة داره إلى سنة مثلاً إلى العامل بعنوان المضاربة فأيّ دليل يدلّ على البطلان  ،إلاّ أن يُقال : بأنّ الظاهر من نصوص المضاربة إعطاء المالك ماله للعامل ليعمل به على أن يكون رأس المال محفوظاً والربح بينهما على حسب ما قرّر ، وهو لا ينطبق على المنفعة; لأنّها غير قابلة للبقاء(2) ، ولكن يرد عليه: أنّ المال المتعلّق بالمالك قد يتلف بأجمعها أو ببعضها في تالي الزمان ، فكيف يكون محفوظيّة رأس المال بأجمعه معتبرة في المضاربة ، فالأولى بل الأقوى عدم اعتبار هذا الشرط ، ولذا جعلنا اعتباره في التعليقة على العروة بنحو الأحوط(3) .
4: يشترط في رأس المال أن يكون درهماً وديناراً ، فلا تصحّ بالذهب و الفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض . نعم ، نفى في المتن خلوّ الجواز عن القوّة في الأوراق النقدية الثمنية غير الذهب والفضّة ، وكذا في الفلوس السود ، ومنشأ توهّم الاختصاص بالدرهم والدينار تخيّل ثبوت الإجماع عليه ، كما نفى عنه البُعد صاحب العروة (قدس سره)(4) ، مع أنّ الظاهر عدم تحقّقه ، فإنّ المحكي عن

(1 ، 2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 9 ـ 10 .
(3) الحواشي على العروة الوثقى: 224 ، حاشية الشرط الأوّل .
(4) العروة الوثقى: 2/527 ، الشرط الثاني .

(الصفحة19)



الخلاف(1) والغنية(2) وجواهر القاضي(3) دعوى الإجماع على الصحّة في الدراهم والدنانير لا على عدمها في غيرهما، مع أنّه يمكن أن يُقال باختصاص ذلك بالزمان الذي كان الرائج فيه كون الدرهم والدينار ثمناً ، لا مثل زماننا هذا الذي لا يكونان ثمناً ، خصوصاً الدينار ، فإنّ السكّة الذهبية الرائجة إنّما تكون مثمناً واقعاً، ولذا قد حكمنا فيها بعدم وجوب الزكاة كما سيأتي .
مضافاً إلى عدم تعرّض كثير من الفقهاء لأصل المسألة ، وإلى استناد بعض المتعرّضين بغير الإجماع ، وإلى عدم حجّية الإجماع المنقول خصوصاً في مثل المسألة ، أضف إلى ذلك أنّ فرض الاختصاص ينافي حكمة المضاربة في مثل زماننا هذا ممّا لا تكون الدراهم والدنانير معمولة بعنوان الثمنية، ولذا نفينا وجوب الزكاة فيهما لعدم كونهما بهذا العنوان ، بل بعنوان المثمنية ولو كانا مسكوكين ، فالظاهر صحّة المضاربة بجميع الأثمان ولو كان ورقة نقديّة ايرانية ، أو ديناراً عراقيّاً ، أو ريالاً حجازياً ، أو درهماً بحرينيّاً ، أو ليرة سوريّة ، أو غيرها ممّا لا يكون درهماً ولا ديناراً . نعم ، صحّتها بالعروض محلّ تأمّل، وإن كان مقتضى بعض أدلّة الباب الصحّة فيها أيضاً .
نعم ، لا إشكال في التوكيل في البيع ثمّ جعل الثمن المأخوذ بعنوان المضاربة ، ولكن ذكر السيّد في العروة أنّه لو قال للعامل: بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه(4) ، والظاهر أنّ مرجع

(1) الخلاف: 3/459 مسألة 1 .
(2) غنية النزوع: 266 .
(3) جواهر الفقه: 124 .
(4) العروة الوثقى: 2/527 ذيل الشرط الثاني .

(الصفحة20)



ما أفاده إلى عدم جريان المعاطاة في المضاربة ، ضرورة أنّه مع الجريان لا حاجة إلى التوكيل في تجديد العقد ، خصوصاً مع أنّ المضاربة من العقود غير اللازمة ، كما سيجيء إن شاء الله(1) ، فالظاهر الصحّة .
5: يشترط في رأس المال أن يكون معيّناً لا مبهماً ، فلو قال : «قارضتك بأحد هذين» أو «الأثمان الموجودة في أحد الكيسين» لم يصحّ ، وقد أورد على اعتبار هذا الأمر زائداً على اعتبار معلوميّة القدر والوصف ـ الآتي إن شاء الله تعالى ـ بأنّ دعوى أنّ أحدهما والفرد المبهم لا وجود له في الخارج; إذ الوجود يساوق التشخّص ، مدفوعة بوجود نظائره في الواجب التخييري والعلم الإجمالي بالأحكام التكليفيّة والوضعيّة الموجب لتنجّزها وحرمة مخالفته ، ونحن قد ذكرنا في كتاب الإجارة أنّه لو آجر أحد هذين العبدين المتساويين في الخصوصيّات لا دليل على بطلان الإجارة(2) ، اللّهمَّ إلاّ أن يكون هناك إجماع على الخلاف وهو غير ثابت .
إلاّ أن يُقال : إنّ بناء الشارع في العقود على رعاية اُمور لا تؤثّر في الاختلاف والتنازع والتخاصم ، وفي صورة الإبهام تكون هذه الجهة موجودة ولو أحياناً ، فإنّه لو لم يتّفقا على شيء منهما يبقى الاختلاف بحاله ، ولا مجال لفصل الخصومة بسبب القضاء ، إذن فلا يبعد الاعتبار ، وما ورد في قصّة شعيب خطاباً لموسى من {إنِّى أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَينِ}(3) لعلّ المراد هو الإبهام حال المقاولة لا العقد ، ويؤيّده عدم اتّفاقهما في جميع الخصوصيات ظاهراً ، فتدبّر .


(1) في ص 34 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة: 18 ـ 20 .
(3) سورة القصص: 28/27 .
<<التالي الفهرس السابق>>