في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة21)



6: يشترط في رأس المال أن يكون معلوماً قدراً ووصفاً ، واعتباره أيضاً محلّ إشكال ، خصوصاً بالإضافة إلى المجهول الذي يؤول إلى العلم; كما لو قارضه بما في الكيس المعيّن المجهول المقدار ثمّ يعدّانه ليعلم قدره ، وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره)(1)أنّ الجهالة تمنع من تحقّق الربح الذي يكون مشتركاً بين المالك والعامل ، وحيث إنّه روح هذه المعاملة فيحكم ببطلانها مع الجهالة ، وجوابه ظاهر لا يحتاج إلى البيان .
7: يشترط في الربح أن يكون معلوماً ، فلو قال: «إنّ لك مثل ما جعل فلان لعامله» مع عدم العلم به بطلت المضاربة ، والوجه في اعتبار هذا الأمر واضح بعدما كان الغرض الأصلي من المضاربة للطرفين هو الربح ، فلا معنى لأن يكون مجهولاً .
8: يشترط في الربح أن يكون مشاعاً مقدّراً بأحد الكسور; كالنصف والثلث ، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو أضاف إلى أحد الكسور مقداراً أيضاً بطلت ، وأولى من ذلك ما لو جعل مقداراً من الربح له أو لنفسه والباقي للآخر ، فلو قال : «قارضتك مائة ألف توماناً على أن تعطيني خمسة آلاف توماناً في كلّ شهر» تبطل أيضاً .
هذا ، وقد ذكرنا في التعليقة على العروة أنّه لا دليل على اعتبار هذا الأمر ، خصوصاً مع الوثوق والاطمئنان بحصول الزائد على القدر المتيقّن(2) ، فإذا فرضنا أنّ الإتجار والتكسّب بالمبلغ المزبور يترتّب عليه عادة أزيد من خمسة آلاف توماناً فأيّ مانع من صحّة هذه المضاربة وإن لم يكن مقدار الزيادة معلوماً بوجه ، والظاهر أنّ العمل المتعارف في البنك الإسلامي الذي يدّعي أصحابه علناً المضاربة ، خصوصاً في مقام أخذ الأموال من الناس بصورة الوديعة كثيرة المدّة أو قليلها من

(1) جواهر الكلام: 26/359 .
(2) الحواشي على العروة الوثقى: 225 ، حاشية الشرط الخامس .

(الصفحة22)



هذا القبيل ، فإنّ الربح المعطى من قبل البنك وإن كان بنحو الكسر المشاع ، إلاّ أنّ الكسر المشاع الملحوظ إنّما هو بالإضافة إلى رأس المال ، لا بالإضافة إلى الربح الحاصل الذي يحصل بسبب تجارة البنك ، وقد يقع الخلط بين الأمرين في بعض الأذهان ، فيتخيّلون أنّ هذا الكسر المشاع هو الكسر المشاع المأخوذ في باب المضاربة ، غفلة عن أنّ ذلك الكسر إنّما هو بالنسبة إلى الربح ، وهذا الكسر إنّما هو بالإضافة إلى رأس المال ، فيعطون لأجل كلّ مائة من رأس المال ثمانية عشر توماناً مع أنّ إضافته إلى الربح مجهولة حتّى للمتصدّين لأمر البنك نوعاً .
وبالجملة: فالصحّة إنّما تبتني على ما ذكرنا ، وأمّا على ما ذكروه من الكسر المشاع بالإضافة إلى الربح فلا يبقى مجال للصحّة أصلاً . مع أنّ البنك لا يكون عمله منحصراً بالمضاربة التي يكون فيها رأس المال للمالك ، بل يكون لنفسه رأس المال المذكور في خصوصيّات البنوك ، وحينئذ لا يعلم أنّ التجارة التي تقع منه هل هي برأس ماله أو رأس مال المالك أو المشترك بينهما ، وفي صورة الاشتراك لا تعلم النسبة .
نعم ، ربما يستدلّ على البطلان مطلقاً بأنّ ظاهر كون الربح مشتركاً بين المالك والعامل ـ على ما دلّت عليه النصوص ـ هو اشتراكهما في كلّ جزء منه على نحو الإشاعة، وعليه فاختصاص أحدهما بجزء منه دون الآخر يكون على خلاف مفهوم المضاربة ، فلا يشمله دليل صحّتها ، والقاعدة تقتضي البطلان ، وفيه: أنّ مفاد أدلّة المضاربة ثبوت الاشتراك في الربح في مقابل اختصاص أحدهما به ، وهو حاصل في المقام ، ولا دليل على لزوم كون الشركة في الربح بنحو الإشاعة كما لا يخفى .


(الصفحة23)



وقد حكي عن صاحب العروة(1) الإلتزام بذلك في باب المساقاة مع أنّها والمزارعة والمضاربة من هذه الجهة من واد واحد من دون فرق بينها ، كما لا يخفى . ويظهر من الجواهر(2) ثبوت الإجماع على اعتبار كون الشركة بنحو الكسر المشاع ، والظاهر عدم ثبوته ، فتدبّر .
9: أن يكون الربح بين العامل والمالك ، فلو جعل جزءاً منه ولو بصورة الكسر المشاع للأجنبي لا تصحّ المضاربة ، إلاّ أن يكون للأجنبي مدخليّة في متعلّق التجارة وحصول الربح ، فإنّه يكون حينئذ كالعامل ، والسرّ في المستثنى منه أنّ ثمرة العقد لا تتجاوز عن المتعاقدين، ولا معنى للتجاوز عنهما كما هو واضح لا يخفى . قال المحقّق في الشرائع : ولو شرط لأجنبي وكان عاملاً صحّ ، وإن لم يكن عاملاً فسد ، وفيه وجه آخر(3) .
وفي الجواهر:ولكن في المسالك لابدّ من ضبط العمل بما يرفع الجهالة، وكونه من أعمال التجارة لئلاّ يتجاوز مقتضاها ، وإنّما وصفه بالأجنبي مع كونه عاملاً; لأنّ المراد بالعامل هنا من يكون إليه التصرّف في جميع ما يقتضيه العقد ، وهذا المشروط له ليس كذلك،وإنّما اشترط عليه عمل مخصوص;بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو أن يدلّل عليه،ونحو ذلك من الأعمال الجزئيّة المضبوطة،فلو جعل عاملاً في جميع الأعمال كان العامل ـ الذي هو أحد أركان العقد ـ متعدِّداً،وهو غير محلّ الفرض ـ إلى أن حكى فيها عنها ـ أنّ المراد بـ«وجه آخر» في كلام المحقّق صحّة الشرط له وإن

(1) العروة الوثقى: 2/616 ، الشرط التاسع .
(2) جواهر الكلام: 26/364 ـ 365 .
(3) شرائع الإسلام: 2/141 .

(الصفحة24)

مسألة 2 : يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة ، فلو دفع إلى الزارع مالاً ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما ، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته وتكون الفائدة بينهما ، لم يصحّ ولم يقع مضاربة1.


لم يعمل لعموم «المؤمنون» و «أوفوا» أو أنّ المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل ، رجوعاً إلى أصله; لئلاّ يخالف مقتضى العقد ولإقدام العامل على أنّ له ما عيّن له خاصّة(1) ، قلت : الجمع بين الأجنبي وبين كونه عاملاً وبين خروجه عن عقد المضاربة بحيث لا يعتبر رضاه مشكل جدّاً .

1 ـ لا خفاء في أنّ مشروعيّة المضاربة إنّما تكون للاسترباح بالتجارة والتكسّب ، وقد عرفت في أوّل كتاب المضاربة أنّها مأخوذة من الضرب في الأرض الذي كانت التجارة ملازمة له في ذلك الزمان نوعاً، فلو دفع إلى الزارع مالاً ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما ، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته وتكون الفائدة بينهما ، لم يصحّ ولم يقع مضاربة ، والمثال خصوصاً في زماننا هذا كثير; كأن يعطي رأس المال إلى من يشتري الأرض ويحدث فيه الدور المتعدّدة حتّى يبيعها ويحصل فيه الربح ، وحتّى إعطاء رأس المال إلى من يشتري بعض المعامل المولّدة فيبيع توليداته كذلك ، وإعطاء رأس المال إلى من يشتري السيّارة ويحمل معها المسافر لتحصيل الربح ، وكذا الأمثلة الاُخر .
أمّا عدم الوقوع مضاربة فواضح; لما عرفت من أنّ حقيقتها الاسترباح بالتجارة والتكسّب ، و أمّا عدم الصحّة مطلقاً فلاحتياجها إلى الدليل وهو مفقود

(1) مسالك الأفهام: 4/368 ، جواهر الكلام: 26/368 ـ 369 .

(الصفحة25)



في غير المضاربة . نعم، حكي أنّ بناء بعض البنوك كبنك المسكن على الجعالة ، فإن كان واجداً لشرائطها فهو ، وإلاّ فهي باطلة أيضاً .
ثمّ إنّ صاحب العروة بعد أن اعتبر الاسترباح بالتجارة علّل ذلك بأنّ القدر المعلوم من الأدلّة هي التجارة(1) ، واُورد عليه في بعض الشروح بأنّه لا وجه للتمسّك بالقدر المتيقّن مع وجود الإطلاقات والعمومات في البين مع الصدق العرفي(2) .
قلت : الظاهر اختلاف الكلمات في بادئ النظر من هذه الجهة ، فظاهر بعضهم أنّ الغرض من دفع المال إلى الغير هو الاتّجار به(3) ، وظاهر بعض آخر أنّه هو العمل كصاحب الجواهر (قدس سره)(4) ، ويؤيّده التعبير بالعامل في مقابل المالك لا التاجر ، كما أنّه يؤيّده عدم اعتبار هذا الشرط ـ أي الاسترباح بالتجارة ـ في بعض الكتب ، كالشيخين في المقنعة(5) والنهاية(6) ، ولكن الظاهر أنّ مرادهم من العمل هي التجارة لا مطلق العمل الشامل للزراعة والحرفة والصناعة ، مع أنّك عرفت أنّ المضاربة مخالفة، للقاعدة من جهات مختلفة(7) فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن، ودعوى وجود الإطلاقات والعمومات كما عرفت ممنوعة إن كان المراد هي الإطلاقات والعمومات في خصوص باب المضاربة ، فراجع .


(1) العروة الوثقى: 2/529 ، الشرط التاسع .
(2) مهذّب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 19/244 .
(3) العروة الوثقى: 2/525 .
(4) جواهر الكلام: 26/336 .
(5) المقنعة: 632 ـ 633 .
(6) النهاية: 426 ـ 427 .
(7) في ص 15 ـ 17 .

(الصفحة26)

[مسائل المضاربة]

مسألة 3 : الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها ، ولا يعتبر الخلوص فيها . نعم ، لو كانت قلباً يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ1.

مسألة 4 : لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحداً في استيفائه ، ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجباً وقابلاً من الطرفين . وكذا لو كان المديون هو العامل ، يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ، ثمّ إيقاعها عليه موجباً وقابلاً 2.


1 ـ لا يعتبر الخلوص في الدراهم ، بل هي مع المغشوشيّة وعدم الخلوص فيها لو كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة  بها، ولو كانت قلباً بحيث يجب كسرها ولم يجز جعلها ثمناً في المعاملات لم تصحّ المضاربة بها; لعدم ثبوت الماليّة لها. ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع أنّه لا يقع بالمغشوش; سواء كان الغشّ أقلّ أو أكثر(1) ، والظاهر أنّ المراد بالمغشوش في كلامه هو القلب وإلاّ فلا وجه للحكم بالبطلان ، خصوصاً مع رواجها في المعاملة متضمّنة بهذا الوصف ، وأمّا القلب فقد عرفت البطلان فيه ، وإليه يرجع ما عن جامع المقاصد(2) من تقييد نحو عبارة المحقّق المذكورة بما إذا لم يكن متعاملاً به . قال : فلو كان معلوم الصرف بين الناس جازت به المعاملة ويصحّ جعله مالاً للقراض; سواء كان الغش أقلّ أو أكثر كما هو ظاهر ، والضابطة هو الرواج في سوق العرف والعقلاء وعدمه .

2 ـ لو كان له دين على شخص ، فتارةً: يكون المديون غير العامل ، واُخرى:

(1) شرائع الإسلام: 2/139 .
(2) جامع المقاصد: 8/66 .

(الصفحة27)

مسألة 5 : لو دفع إليه عروضاً وقال: بعها ويكون ثمنها مضاربة لم تصحّ ، إلاّ إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها1.


يكون المديون العامل .
ففي الصورة الاُولى: حكم بجواز أن يوكّل أحداً في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجباً وقابلاً من الطرفين ، والظاهر أنّ المقصود ما إذا أراد الوكيل في الاستيفاء أن يصير عاملاً له في المضاربة ، فإنّه حينئذ يصير موجباً من ناحية الموكّل وقابلاً من نفسه لفرض كونه العامل ، وإن كانت العبارة قاصرة عن إفادة هذا المعنى .
وفي الصورة الثانية: حكم بجواز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ثمّ إيقاعها عليه موجباً وقابلاً ، وقد عرفت(1) أنّ الدليل عليه هي موثّقة السكوني المتقدِّمة ، وعرفت(2) أيضاً أنّ موردها صورة عدم وجود مال للعامل يدفع به دينه ، وإلاّ ففي صورة الوجود وحضوره لإعطاء الدّين لا حاجة إلى القبض ولا التوكيل عليه ، بل تجوز المضاربة من ناحية المالك والعامل . غاية الأمر الافتقار إلى القصد في المعاملة التي يوقعها بعد ذلك ، وأنّها هل هي بعنوان المضاربة ـ كما إذا كانت له أموال شخصية أيضاً; إذ لا يعتبر أن يكون الثمن في المعاملة المرتبطة بالمضاربة شخصياً كما لا يخفى ـ أو بعنوان شخصه والتكسّب لنفسه ، اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّ الحاجة إلى القبض إنّما هو لعدم التعيّن للدين بدونه ، كما لا يخفى .

1 ـ لو دفع إليه عروضاً وقلنا بعدم جواز المضاربة بالعروض فاللازم أن يوكّله في بيعه وأخذ ثمنه ، فإن أراد أن يجعل ثمنه مضاربة فاللازم توكيله في إيقاع عقد

(1 ، 2) في ص 17 ـ 18 .

(الصفحة28)

مسألة 6 : لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلاً لم يكن مضاربة ، بل هي معاملة فاسدة ، فما وقع فيه من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه ، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال ، ويحتمل بقاؤه على إباحته ، وعليه اُجرة مثل الشبكة1.


المضاربة بالثمن المأخوذ; سواء كان هو العامل أو غيره ، ففي الاُولى يصير موجباً وقابلاً من الطرفين دون الثانية ، والوجه فيه واضح ، هذا لو لم نقل بجريان المعاطاة في المضاربة; كما يستفاد من العروة فيما لو قال : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً كما تقدّم(1) ، وإلاّ فلا حاجة إلى العقد أصلاً ، إلاّ أن يقال : إنّ المقصود من الإيجاب والقبول ليس خصوص العقد المشتمل على ألفاظ مخصوصة، بل أعمّ منه ومن المعاطاة ، فإنّ الحاجة إلى الإنشاء محفوظة في كلا الفرضين كما لا يخفى .
وعليه: ففيما إذا لم يكن هناك إلاّ شخص واحد يمكن أن يُقال بعدم إمكان تحقّق المعاطاة ، بخلاف ما لو كان في البين شخصان وكان الإعطاء متحقّقاً من ناحية واحد; كما إذا كان الثمن موجوداً عند البائع وأعطى المبيع إلى المشتري بقصد إنشاء البيع ، وأمّا مع الانحصار بواحد فكيف يمكن تحقّق المعاطاة وإن لم تحتج إلاّ إلى إعطاء واحد كما في المضاربة ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلاً لا تكون هذه المعاهدة بمضاربة ; لعدم ثبوت رأس المال فيها أوّلاً ، وعدم ثبوت الاسترباح بالتجارة ثانياً ، بل هي معاملة فاسدة ، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه; لتعلّق قصد الحيازة بها ولو كانت الشبكة

(1) في ص 19 ـ 20 .

(الصفحة29)

مسألة 7 : لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربة ، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال ، وعليه اُجرة مثل عمل العامل1.


للغير ، فإنّ الظاهر أنّ الشبكة إذا كانت مغصوبة مثلاً وقصد بها حيازة السمك يملكه ، فلا شبهة في مفروض المسألة في تملّك مقدار حصّته التي قصدها لنفسه ، وأمّا ما قصده لغيره فقد استشكل في ملكيّته له ; لأنّ قصده للغير كان بعنوان المضاربة ، والمفروض عدم ثبوتها ، ولا يكون هناك عنوان معاملي آخر ، كما أنّه لا يكون توكيل في حيازة النصف لمالك الشبكة ، ولا يكون إيقاع عقد المضاربة مستلزماً للتوكيل في الحيازة بناءً على جريان الوكالة في الحيازة كما هو الظاهر; لأنّه مضافاً إلى منع الاستلزام المذكور نقول: إنّ قبول الوكالة لا يكون في المفروض تبرّعاً ومجّاناً بل مع العوض ، والمفروض جهالته في المقام ، فلا يمكن أن يكون من هذا القبيل .
واحتمل في المتن بقاءه على حالته الأصلية من الإباحة ; لعدم تعلّق الحيازة بها أصلاً ولا وكالة ، وعلى كلا التقديرين عليه اُجرة مثل الشبكة كما لا يخفى ، ولا يتوقّف ملكيّة السمك بالحيازة على كونه مالكاً للشبكة أو مأذوناً ، بل الظاهر تحقّق الحيازة ولو بالشبكة المغصوبة كما عرفت .

1 ـ لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما بالكسر الذي توافقا عليه لا تكون مضاربة; لعدم تحقّق الاسترباح بالتجارة على ما عرفت ، بل تكون المعاملة فاسدة ، ولازمها كون الثمرة والنتاج لربّ المال وعليه اُجرة مثل العمل ، ومثل هذا المعنى شائع في زماننا هذا في مثل السيّارة التي يعطيها

(الصفحة30)

مسألة 8 : تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز ، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين ، فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته ، وكذا لو كان عنده ألف دينار مثلاً وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير»1.

مسألة 9 : لا فرق بين أن يقول : «خذ هذا المال قراضاً ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: « . . . والربح بيننا» أو يقول: « . . . ولك نصف الربح» أو « . . . لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح . وكذلك


صاحبها لمن يعمل بها ويحمل المسافر بسببها من محلّ إلى محلّ آخر وتجعل الاُجرة بينهما ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت المضاربة وبطلان المعاهدة الواقعة ، بل الاُجرة بأجمعها لصاحب السيّارة وعليه اُجرة مثل عمل العامل ، وفيما لو فرض غصب السيّارة وحمل المسافر بسببها لا يكون عليه اُجرة مثل العمل أيضاً; لعدم وقوعه بأمره وإذنه ، فلا يكون عمله محترماً بوجه ، فلا فرق في عدم تحقّق المضاربة وعدم ترتيّب آثارها بين صورتي الإذن وعدمها كما لا يخفى ، والحكمة التي ذكرناها لتشريع المضاربة وجعلها في الإسلام لا تقتضي الحكم بالصحّة في الموارد المذكورة; لكونها حكمة أوّلاً لا علّة ، وكون الحكمة المذكورة ممّا لم ينصّ عليها في رواية أو مثلها ، فلا يدور الحكم مدارها كما في سائر الموارد .

1 ـ لعدم الدليل على اختصاص المضاربة برأس المال المفروز ، بل تصحّ بالمشاع مع حفظ الشرائط المتقدِّمة في رأس المال ، التي منها كونه معلوماً قدراً ووصفاً ، أو ممّا يؤول إلى العلم ، فتصحّ المضاربة في مثل الفرضين المذكورين في المتن ، ولا تكون الإشاعة موجبة لعدم كون رأس المال عيناً .


(الصفحة31)

لا فرق بين أن يقول : «خُذه قراضاً ولك نصف ربحه» أو يقول : « . . . لك ربح نصفه» فإنّ مفاد الجميع واحد عرفاً1.

مسألة 10 : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد; مع اشتراط تساويهما فيما يستحقّان من الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل ، ولو قال: «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً بالنصف مثلاً متساوياً بينهما; بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة ، وبالاختلاف; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً ، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة . نعم ، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين ، وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط ، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال; بأن



1 ـ وجه عدم الفرق ما أفاده في الذيل من كون مفاد الجميع واحداً عرفاً ، وإن شئت قلت : بحسب الظهور العقلائي الذي هو الملاك في العقود ، وعليه فتقع المضاربة بصيغة الأمر ولا تكون مثل البيع ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد الوقوع على سبيل المعاطاة ، وحصول المضاربة بالإعطاء الواقع عقيب الأمر والأخذ بعد الإعطاء ، وقد احتمل في المعاطاة في مثل البيع مع احتياجه إلى العوضين وثبوت التمليك، الاكتفاء بإعطاء المبيع من جانب البائع وأخذه من جانب المشتري ، فضلاً عن المقام الذي ليس فيه عوضان ، ولا يكون مشتملاً على التمليك ، كما عرفت(1) .


(1) في ص 15 .

(الصفحة32)

يكون للعامل الستّة من اثني عشر ، ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة ، ففي صحّته وجهان بل قولان ، أقواهما البطلان1.


1 ـ يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد; سواء اشترط تساويهما فيما يستحقّان من الربح ، أو فضل أحدهما على الآخر ولو في صورة التساوي في العمل ; لأنّه لا دليل على لزوم التساوي في الربح مع التساوي في العمل ، بل يجري الحكم على طبق المعاقدة والمعاهدة ، ويعمل على طبق ظهور اللفظ عرفاً ، فلو قال : «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء من دون تفاضل .
ثمّ إنّه ذكر السيّد في العروة في أواخر كتاب المضاربة إنّه إذا تعدّد العامل; كأن ضارب اثنين بمائة مثلاً بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال; كأن يقول: على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لا يميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط; لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها .
فلو عمل أحدهما وربح ، وعمل الآخر ولم يربح أو خسر ، يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر منه عمل; لأنّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولا يعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة»(1) .


(1) العروة الوثقى: 2/579 مسألة 3475 .

(الصفحة33)



ومبنى أصل كلامه على تعدّد المضاربة وعدم تعدّدها ، فعلى الأوّل يلحق كلاًّ منهما حكم نفسه لو خلّي وطبعه إلاّ مع الشرط ، وعلى الثاني يجري حكم الواحد ، فيتحقّق الاشتراك في الربح ويجبر به خسران الآخر ، هذا إذا تعدّد العامل .
وأمّا إذا تعدّد المالك واتّحد العامل; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بالنصف مثلاً متساوياً بينهما; بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة ، أو بالاختلاف; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً ، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة; لأنّه المجموع المركّب من نصف النصف وثلثه ، وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة .
وقد استدرك الماتن (قدس سره) صورة واحدة; وهي ما إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين ، وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط ، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال; بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ، ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة ، ففي الصحّة وعدمها وجهان بل قولان ، وقد جعل الأقوى البطلان ، ولعلّ الوجه فيه أنّه مع اتّحاد العامل كما هو المفروض ، وكون رأس المال مشتركاً بينهما بالسّوية ، وكون الربح تابعاً لرأس المال من دون تفاضل بين المالكين في أيّة جهة مرتبطة بهذه المعاملة ، لا مجال للتفاضل .
نعم ، لو كانت المضاربة متعدّدة ، أو كان العامل كذلك ، أو كون رأس المال مختلفاً أو متميِّزاً ، لم يكن مانع من ذلك ، وأمّا مع الوحدة من جميع الجهات وعدم تميّز رأس المال من كلّ واحد من الشريكين لا يبقى موقع للصحّة ، خصوصاً بعد كون مشروعيّة المضاربة على خلاف القاعدة كما ذكرناه مراراً ، فالأقوى كما في المتن البطلان ، ولكن السيّد في العروة جعل الأقوى الصحّة ، معلّلاً بمنع عدم جواز

(الصفحة34)

مسألة 11 : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها ، قبل الشروع في العمل وبعده ، قبل حصول الربح وبعده ، صار المال كلّه نقداً ، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد ، بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه . ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان المقصود لزومها بحيث لا تنفسخ بفسخ أحدهما ـ بأن جعل ذلك كناية عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه ـ بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى ، وإن كان المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به ، ولا يبعد لزوم العمل عليهما ، وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم ـ كالبيع والصلح ونحوهما ـ فلا إشكال في لزوم العمل به1.


الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك الشرط ، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو مخالف لمقتضى إطلاقها، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمِّنة للشركة(1) .
وفيه: أنّه مبنيّ على جواز جعل مقدار من الربح للأجنبي ، وقد ذكرنا عدم الجواز ، فراجع .

1 ـ المضاربة من العقود الجائزة ، وهل الوجه فيه الإجماع ، أو قصور أدلّة اللزوم عن الشمول للعقود الإذنية الفاقدة للتمليك والتملّك ; لعدم التزام من أحدهما بشيء كي يشمله «أوفوا بالعقود» ، بل إنّما هي مجرّد إذن وإباحة للتصرّف من أحدهما وقبول من الآخر كالعارية ، ولا ينافي ذلك وقوع التجارة والبيع والشراء من العامل ، مع أنّه لا بيع إلاّ في ملك ، ولا يكون هنا وكالة من قبل المالك حتّى يقع البيع

(1) العروة الوثقى: 2/543 ذيل مسألة 3417 .

(الصفحة35)



له ويكون آثار البيع مترتّبة بالإضافة إليه ، كخياري الغبن والعيب ونحوهما ، فلابدّ من الالتزام بدخوله في ملكه آناًما قبل البيع ليقع في ملكه ، وإلاّ فكيف يجتمع عدم ملكيّة العامل لرأس المال مع وقوع البيع له ، ولذا ذكرنا(1) أنّ المضاربة على خلاف القاعدة من جهات مختلفة ، وأنّ الحكمة الباعثة على تشريعها هي أهمّية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي ، وإن كانت على خلاف القواعد السارية في العقود ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالظاهر هو الثاني ، فلا مجال للمناقشة في أنّ الأوّل غير معلوم ، ولا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده ، وكذا لا فرق بين أن يكون قبل حصول الربح أو بعده ، كما أنّه لا فرق بين صيرورة المال كلّه نقداً ، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد ، والظاهر أنّه لا فرق بين صورة اشتراط الأجل فيها وعدمه ، فإنّه يجوز الفسخ في الصورة الاُولى قبل حلول الأجل وانقضائه .
ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان بنحو شرط النتيجة; وهو أن يكون المراد عدم قابليّتها للانفساخ ، فلا شبهة في بطلان الشرط لكونه مخالفاً للكتاب والسنّة ، ولكنّه لا يسري البطلان إلى أصل المضاربة; لعدم الملازمة بين فساد الشرط وفساد المشروط ، فإنّ الشرط هو التزام في التزام لا مرتبطاً به بحيث يتبعه في اللزوم والجواز ، وعدم لزوم العمل بالشروط الابتدائية للإجماع عليه ، والتحقيق في محلّه . وإن كان المقصود شرط الفعل; بأن لا يتحقّق الفسخ من أحدهما خارجاً ـ وإن كانت المعاملة في نفسها جائزة قابلة للفسخ ـ فلا بأس به .
وتظهر الثمرة بين الصورتين في أنّ الفسخ في الصورة الاُولى يؤثّر في الانفساخ من دون استلزام مخالفة حكم تكليفي أصلاً ، وأمّا في الصورة الثانية فيؤثّر في

(1) في ص 15 ـ 17 و 25 .

(الصفحة36)

مسألة 12 : الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة ، فتصحّ بالمعاطاة ، ولو وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما1.


الانفساخ مع الاستلزام المذكور ، فتدبّر .
ونفى البُعد عن لزوم العمل عليهما نظراً إلى عدم اختصاص لزوم الوفاء بالشرط بالشروط في ضمن العقود اللازمة; لإطلاق دليل لزوم الوفاء بالشرط ، وهو مثل قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم(1) . نعم ، مع فسخ المضاربة وانحلالها لا يبقى مجال للزوم الوفاء ; لعدم بقاء المشروط ، ومن هنا يظهر أنّه لو شرطاه في ضمن عقد جائز آخر لم يفسخ يلزم الوفاء به ، وأولى من ذلك ما لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع والصلح ونحوهما ، فإنّه لا إشكال في لزوم العمل بالشرط لا مجرّد نفي البُعد .

1 ـ فإنّ جريان المعاطاة والفضوليّة في العقود لا يكون على خلاف القاعدة ، فإنّ مرجع الأوّل إلى عدم اعتبار اللفظ في مقام الإنشاء ، بل يمكن تحقّقه بالفعل الدالّ عليه عرفاً ، اللّهمَّ إلاّ في مورد ثبوت الإجماع على الخلاف وعدم الجريان ، كالمعاطاة في النكاح ، ومرجع الثاني إلى عدم اعتبار صدور السبب من المالك أو من يقوم مقامه . وبعبارة اُخرى إلى عدم مقارنة الرّضا وطيب النفس ، ولا دليل على الاعتبار في العقود وإن كان الظاهر اعتباره في باب الإيقاعات على وفق القاعدة أو

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2/159 ، تهذيب الأحكام: 7/371 ح 1503 ، الاستبصار: 3/232 ح 833 ، قضاء الحقوق للصوري: 18 ح 5، عوالي اللئالي: 1/218 ح 84 و ص 293 ح 173 و ج 2/257 ح 7 ، وعنها الوسائل: 21/276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4 ، و بحار الأنوار: 49/162 و ج 75/96 ح 18 و ج 77/167 ، و مستدرك الوسائل: 13/301 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب 5 ح 7 .

(الصفحة37)

مسألة 13 : تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل . وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا؟ الأقوى عدم الجواز1.


خلافها ، والتفصيل في محلّه من بحث المعاطاة في كتاب المكاسب ، فتدبّر جيّداً .
وقد مرّ(1) أنّ قوله : «خذه قراضاً ولك النصف من الربح» يمكن أن يكون ناظراً إلى المعاطاة بعد هذا القول ، لا وقوع الإيجاب به .

1 ـ لازم كون المضاربة من العقود الجائزة البطلان بسبب موت كلّ من المالك والعامل ، كما هو الشأن في سائر العقود الجائزة ، وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى المضاربة بسبب إجازتهم بحالها أم لا؟ وفي المتن الأقوى العدم ، ولعلّ الوجه فيه أنّ المضاربة تبطل بمجرّد عروض الموت ، فلا يبقى شيء ولو اعتباراً بعده ، واللازم في الإجازة وجود الموضوع لها ، ضرورة أنّه لا مجال لإجازة عقد غير واقع ، فالمقام نظير الإجازة بعد الردّ في باب الفضولي ، حيث إنّه بالردّ ينتفي الموضوع رأساً فلا موقع للإجازة أصلاً ، وقد ذكر صاحب العروة أنّه قد يُقال بعدم الجواز; لعدم علقة له ـ أي للوارث ـ بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه . وهذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدّة حياته ، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة; لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف . وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلاً ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته .
ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان

(1) في ص 30 ـ 31 .

(الصفحة38)

مسألة 14 : العامل أمين فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، كما أنّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة ، بل هي واردة على صاحب المال ، ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة ـ كما هو شريك في الربح ـ ففي صحّته وجهان ، أقواهما العدم . نعم ، لو كان مرجعه إلى اشتراط أنّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه مثلاً من كيسه لا بأس به، ولزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم ، بل لا يبعد لزوم الوفاء به ولو كان في ضمن عقد جائز ما دام باقياً . نعم ، له فسخه ورفع موضوعه ، كما أنّه لا بأس بالشرط ـ على وجه غير بعيد ـ لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة1.


بموته ، فإنّه لا يجوز للوارث إجازتها، ولكنّه مع ذلك قال: يمكن أن يُقال: يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد ، فكونه سيصير له كاف ، و مرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورّث ، لاقبوله ، ولا تنفيذه الخ(1) ، والحقّ أنّه لا محصّل لما أفاده من احتمال الصحّة بعدما عرفت من كون لازم العقد الجائز البطلان بالموت .

1 ـ وقع التعرّض في المسألة لأمرين :
أحدهما : أنّ العامل أمين بالأمانة المالكيّة ، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، كما في الوديعة والعارية ، كما أنّه لا ضمان عليه لو عرض له الخسارة في التجارة من دون تلف أو تعيّب ، بل هي واردة على

(1) العروة الوثقى: 2/543 ـ 544 مسألة 3418 .

(الصفحة39)



صاحب المال الذي هو المالك .
ثانيهما : أنّه لو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة كما هو شريك معه في الربح ، ففي صحّته وجهان ، قد جعل في المتن الأقوى العدم ، ولكن السيّد في العروة قال : إذا اشترط المالك على العامل أن تكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ، ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل ; لأنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك ، وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط(1) .
وقد علّقنا عليه في حاشية العروة أنّ الثاني هو الأقوى ، إلاّ إذا كان مرجع اشتراط كون الخسارة عليه أو ثبوت الضمان إلى لزوم تداركه من ماله ، فإنّه حينئذ لا مانع من الصحّة ويجب عليه العمل به على تقدير الخسارة أو التلف ، والروايات الدالّة على كون الوضيعة على صاحب المال لا دلالة فيها على بطلان الاشتراط في المقام ، فإنّها دالّة على حكم صورة الإطلاق لا الاشتراط(2) .
وعليه: فالاشتراط المذكور في كلام العروة راجع إلى الشرط المنافي لمقتضى العقد لا لإطلاقه ، وهو الوجه في الحكم بعدم الصحّة كما في المتن ، ضرورة أنّ الماهية تقتضي كون الخسارة على المالك; لعدم انتقال المال منه إلى العامل ، وعدم وقوع التعدّي والتفريط منه كما هو المفروض .
ولا فرق بين أن يكون الاشتراط في ضمن عقد لازم أو جائز ما دام كونه باقياً

(1) العروة الوثقي: 2/532 مسألة 3393 .
(2) الحواشي على العروة الوثقى: 228 .

(الصفحة40)



كما عرفت .
وعن بعضهم(1) القول بانقلاب عقد المضاربة عند اشتراط الضمان على العامل قرضاً ، فيكون جميع الربح للعامل ولا يكون للمالك إلاّ رأس المال ، مستنداً إلى مثل صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : مَنْ ضمن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله ، وليس له من الربح شيء(2) .
ولكنّها وإن كانت صحيحة لكن الانقلاب المذكور مخالف لما هو المشتهر من كون العقود تابعة للقصود ، فإذا كان المقصود المضاربة، فلا وجه للانتقال إلى القرض ، غاية الأمر البطلان، دون الانقلاب ، إلاّ أنّها لا ارتباط لها بالمقام ، لورودها في التضمين من أوّل الأمر ، لا اشتراط الضمان عند التلف ، بل لم يفرض فيها الضرر والخسران ، وكلمة التضمين لا دلالة لها على ذلك ، بل المفروض فيها حصول التجارة وتحقّق الربح ، مع أنّ أصل الانقلاب يكون على خلاف القاعدة ; لأنّ العقود تابعة للقصود ، وبطلان الشرط على تقديره إنّما يؤثّر في خصوص بطلان الشرط ، أو مضافاً إلى أصل المعاملة أيضاً ، ولا مجال للانقلاب إلى غير ما هو المقصود ، فتدبّر .
ولعلّ ذكر صاحب الوسائل الرواية في أبواب أحكام المضاربة دليلاً على ارتباطها بالمضاربة ، كما لايخفى .
وبعبارة اُخرى: أنّها واردة في القرض ابتداءً الذي يعبّر عنه بالضمان المطلق ، لا في انقلاب المضاربة إلى القرض بالاشتراط الملازم للحكم بصحّة الاشتراط ،

(1) العروة الوثقى: 5/163 ـ 164 تعليقة السيّد الگلپايگاني.
(2) الكافي: 5/240  ح 3، الفقيه: 3/144 ح632 ، تهذيب الأحكام: 7/190 ح839 ، وعنها الوسائل: 19/22 ، كتاب المضاربة ب4 ح1 .
<<التالي الفهرس السابق>>