في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة41)



وحكي هذا المعنى عن صاحبي الوافي(1) والحدائق(2) .
والإشكال الوارد على هذا الاحتمال أنّه يلزم أن تكون الرواية دالّة على حكم ضروري ، لأنّ التاجر المقترض لرأس المال يكون مالكاً لما اقترضه ، ولا محالة يكون الربح له; لأنّه نماء ملكه وثمرة رأس ماله ، غاية الأمر أنّه يجب عليه ردّ رأس المال فقط إلى المقرض; لفرض كونه قرضاً ، فهذا المعنى من هذه الجهة بعيد كما لا يخفى .
اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّها لدفع توهّم أنّ رأس المال حيث يكون للمقرض أوّلاً; لأنّ المفروض أنّ التاجر يكون فاقداً له ، فلا محالة يكون الربح أو بعضه راجعاً إلى المقرض ، فهي بصدد بيان أنّ تمام الربح يكون للتاجر; لأنّه تابع لرأس المال الذي يكون هو ملكه وخارجاً عن ملك المقرض بسبب القرض .
ويمكن أن يُقال : بأنّه من الواضح عدم ثبوت شيء من الربح للمقرض ، بل جميعه للمقترض ، بل في غير صورة القرض من الهبة وغيرها أيضاً ، فمقصود المولى (عليه السلام) أنّ اشتراط التضمين في صورة التلف أو الخسران في المضاربة يؤثّر في عدم الضمان إلاّ بمقدار رأس المال ، وفي المقابل يكون الربح للعامل ، وهذا أمر مخالف للقاعدة لم يلتزم به أحد من أصحابنا ، فالرواية معرض عنها كما لا يخفى .
هذا ، وأمّا ما أفاده في الذيل من أنّه لا بأس بالشرط ـ على وجه غير بعيد ـ لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة على عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط

(1) الوافي: 18/880 ذح 18482 و 18483 .
(2) الحدائق الناضرة: 21/202 .

(الصفحة42)

مسألة 15 : يجب على العامل ـ بعد عقد المضاربة ـ القيام بوظيفته; من تولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ، ومثل ذلك العامل; من عرض القماش والنشر والطيّ مثلاً ، وقبض الثمن وإحرازه في حرزه ، واستئجار ما جرت العادة باستئجاره ، كالدلاّل والوزّان والحمّال ، ويعطي اُجرتهم من أصل المال ، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة . نعم ، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة1.


النتيجة ، ففي غاية البُعد ، خصوصاً بعد كونه خلاف مقتضى العقد ، وعدم الدليل على الانتقال في أمثال هذه الموارد وهو ظاهر .
ودعوى أنّ إطلاق دليل لزوم الشرط يشمله ، مدفوعة بمنع ذلك بعد كونه مستلزماً لتحريم الحلال فتأمّل ، وبالجملة : فصحّة هذا النحو من شرط النتيجة أيضاً مشكلة .
فإنّ الانتقال المزبور لابدّ وأن يكون له سبب ، كبيع الدين على من هو عليه الذي يؤثّر في الإبراء وسقوط الدّين ، وأمّا ما له سبب خاصّ كالانتقال البيعي من دون السبب القولي أو الفعلي فلا يكاد يتحقّق بمجرّد الشرط إلاّ أن يكون الشرط بنحو شرط الفعل لا النتيجة،فحصول الانتقال المزبور بمجرّد الشرط في غاية البُعد .

1 ـ يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته ، وليس مرجع كون العقد جائزاً كما ذكرناه(1) إلى عدم وجوب شيء على أحد الطرفين ، بل جواز الفسخ في جميع الحالات في المقام كما تقدّم(2) . وأمّا ما دام لم يتحقّق الفسخ فوجوب العمل

(1 ، 2) في ص 34 ـ 35 .

(الصفحة43)

مسألة 16 : مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة; من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، إلاّ أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق . ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من الشخص الفلاني ، أو الطائفة الفلانية ، وغير ذلك من الشروط ، لم يجز له المخالفة ، ولو خالف ضمن المال والخسارة ، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة1.


بمقتضى العقد باق على حاله كما لا يخفى .
وعليه: ففي المقام يجب القيام بوظائف التاجر لنفسه مع حفظ الخصوصيّات; من مثل تلك التجارة المأذون فيها لو كان تجارة خاصّة ، ومثل ذلك الزمان والمكان ، ومثل ذلك العامل اُستاذاً أو تلميذاً ، وعرض القماش والنشر والطيّ مثلاً ، وأخذ الأثمان وحفظها في محفظة مأمونة ، وفي زماننا هذا في مثل البنك لو كانت الأثمان كثيرة ، واستئجار ما جرت العادة النوعية باستئجاره; كالدلاّل والوزّان والحمّال ، وإعطاء اُجرتهم من أصل المال .
نعم ، لو باشر مثل هذه الاُمور بنفسه من دون قصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ اُجرتها لنفسه . نعم ، لو استأجر فيما كان المتعارف فيه عدم الاستئجار ومباشرة العامل بنفسه كانت الاُجرة عليه لا على المالك ، والوجه في جميع ما ذكر واضح .

1 ـ تارةً يكون عقد المضاربة مطلقاً ، واُخرى يكون مقروناً مع الشرط .
ففي الصورة الاُولى: يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة من

(الصفحة44)



جهة الجنس والبائع والمشتري وغير ذلك; كالنقد والنسيئة ، وحتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بخصوص النقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس الآخر ، وبالجملة: في صورة الإطلاق يكون اللازم مراعاة المصلحة بحسب اعتقاده ، إلاّ أن يكون في البين تعارف موجب لانصراف الإطلاق إليه ; كما إذا كان المتعارف شراء الحنطة مثلاً لكون البلد محلّ نشؤها ، أو الأرُز مثلاً لكون البلد كذلك .
وفي الصورة الثانية: أعني ما يكون فيه عقد المضاربة مقروناً بالشرط أيّ شرط كان لا يجوز التخلّف عنه; سواء قلنا بأنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة أيضاً يجب الوفاء بها كما تقدّم(1) ، أو قلنا بأنّ غير مورد الشرط لا يكون مأذوناً فيه ، وعلى أيّ حال فلو تحقّقت المخالفة ضمن العامل أصل المال أو الخسارة ، لكن المذكور في المتن أنّه لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة .
والظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الربح كالنماء تابع لأصل المال ، والمفروض أنّه في عقد المضاربة قد التزم بثبوت حصّة من الربح للعامل ، اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّ الإذن كان مقيّداً ، ومع عدم رعاية القيد من طرف العامل لا يستحقّ من الربح شيئاً وإن كانت التجارة رابحة ، بل لا يستحقّ شيئاً أصلاً ولو اُجرة مثل العمل ; لعدم كونه مأذوناً فيه ، إلاّ أنّه استند في ذلك إلى دلالة جملة من الأخبار عليه ، مثل:
صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره ، قال : هو ضامن

(1) في ص 36 .

(الصفحة45)



والربح بينهما على ما شرط(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه ، قال : هو ضامن والربح بينهما(2) . وغيرهما من النصوص .
قال السيّد في العروة : ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها; لاستفادة العموم من بعضها الآخر(3) ، والظاهر أنّ المراد من البعض الآخر هي صحيحة الحلبي الدالّة على إطلاق مخالفة المشروط عليه ، وعليه: فالروايات بما أنّها معتبرة ظاهرة لابدّ من الأخذ بمفادها وإن كانت على خلاف القاعدة ، ولكن التقييد بكون التجارة رابحة يعطي أمراً إضافيّاً كما لا يخفى .
هذا ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره)في تقريراته التي قرّرها ولده الشاب الشهيد (قدس سره)في هذا المجال ما ملخّصه: يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكيّة كالبيع ، بأنّ الشرط فيها قد يكون أمراً خارجيّاً أجنبيّاً عن المبيع والثمن كالخياطة ، ففي مثله لا يمكن أن يكون قيداً لمتعلّق العقد; إذ المبيع وجود والشرط وجود آخر ، والنسبة بين الوجودين هي التباين ، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيّداً بوجود الآخر.
وقد يكون وصفاً لمتعلّق العقد ، وهو تارةً يكون من الأوصاف الذاتية المقوّمة للذات ، فهو قيد لا محالة; كأن يقول : «بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهباً» . وعليه: فلو تخلّف الوصف لكان البيع محكوماً بالبطلان لا محالة ، واُخرى لا يكون مقوّماً للذّات; كما لو باع العبد على أنّه كاتب ، ومثله لا يصلح أن يكون قيداً ، فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيّداً بالكتابة في بعض الأحيان ،

(1) تهذيب الأحكام: 7/193 ح 853 ، و عنه الوسائل: 19/18 ، كتاب المضاربة ب1 ح9 .
(2) تهذيب الأحكام: 7/190 ح 838 ، وعنه الوسائل: 19/16 ، كتاب المضاربة ب1 ح5 .
(3) العروة الوثقى: 2/533 ذيل مسألة 3394 .

(الصفحة46)



وحيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه; لأنّه من التعليق المبطل جزماً ، فينحصر أمره في كونه شرطاً .
هذا كلّه بالنسبة إلى المائز بين القيود والشروط في الأعيان الخارجيّة ، وأمّا إذا كان متعلّق العقد كلّياً في الذمّة ، فحيث إنّ وجود الكلّي ينحصر في وجود أفراده; إذ لا وجود له إلاّ في ضمنها ، كان الاشتراط ـ مقوّماً كان الشرط أو غيره ـ موجباً لتعدّد الوجود وامتياز المقيّد عن غيره ، ومن هنا يكون الشرط قيداً في متعلّق المعاملة لا محالة ، بحيث يكون متعلّقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها; لاقتضاء أخذ الوصف تخصّص الكلّي لا محالة .
وكذا الحال إذا كان متعلّق العقد عملاً من الأعمال ، فإنّه عرض من الأعراض ، وهو يختلف ويتعدّد في الوجود بما له من صفات .
هذا كلّه في العقود الالتزامية التمليكية ، وأمّا في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين: إذن المالك للعامل في العمل ، والتزامه بأن يكون الربح بينهما ، فهو من العقود الإذنيّة بلحاظ الجهة الاُولى ، ومن العقود الالتزاميّة بلحاظ الجهة الثانية، فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصيّة في البيع أو الشراء ، كان ذلك من تقييد الإذن لا محالة ، فيكون راجعاً إلى الجهة الاُولى في المضاربة . ومقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه ، وعليه: فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئاً ، وأمّا ما وقع من العمل خارجاً فهو معاملة فضوليّة تتوقّف على إجازة المالك .
وأمّا إذا كان الشرط أمراً خارجيّاً; كالخياطة والكتابة ونحوهما ، فيمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الاُولى ، فيكون من تعليق الإذن في التجارة على ذلك الفعل المعيّن ، ولا يقدح فيه التعليق ; لأنّ الممنوع إنّما هو التعليق في العقود التمليكيّة ،

(الصفحة47)



والمضاربة من العقود الإذنية ، ويمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الثانية; أعني التزامه بكون الربح بينهما ، وهذا هو الأظهر في الشروط التي لها مالية ، وعليه: فعند تخلّف العامل عن الشرط ، فللمالك أن يرفع يده عن التزامه هذا ، وإن كان إذنه في أصل التجارة باقياً فيأخذ تمام الربح ، ويكون للعامل اُجرة مثل عمله(1) ، انتهى .
وهذا الكلام وإن كان دقيقاً ومتيناً جيّداً ، إلاّ أنّ الحكم في الروايات بعدم ثبوت الاختيار لشيء من المالك والعامل في صورة التخلّف عن الشرط ـ بل بأنّ العامل ضامن قهراً والربح بينهما كذلك ـ لا ينطبق على أيّة قاعدة ، فلابدّ من الالتزام بمفادها ، وإن كان على خلاف القاعدة ، ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، كحمل المخالفة في النصوص على المخالفة الصّورية ، بدعوى أنّ قصد المالك حين إعطائه لرأس المال للعامل إنّما هو الاسترباح .
غاية الأمر أنّه كان يتخيّل أنّه إنّما يكون بشراء الأطعمة مثلاً ، لكن العامل لمـّا يعلم أنفعيّة شراء الحيوان مثلاً فيشتريه فلا يمكن أن يُقال: إنّه كان من غير إذن المالك ; لأنّه لمّا كان قصده الاسترباح كان راضياً بكلّ معاملة فيها ربح ، ومن هنا تكون المعاملة صحيحة والربح بينهما طبق ما قرّراه ، ومن الواضح بعد هذا الحمل ، بل عدم صحّته ; لأنّه لا فرق في صورة صحّة المضاربة بين الضمان والربح ، فلا مجال لهذا الحمل وكذا المحامل الاُخر ، خصوصاً مع أنّه لا داعي إليه بعد وجود الروايات الصحيحة ، وقد عرفت أنّ التقييد بكون التجارة رابحة لا دليل عليه ، بل صحيحة الحلبي التي اُطلق فيها المخالفة خصوصاً في السؤال تكون مطلقة من هذه الحيثيّة أيضاً ، فتدبّر جيّداً .


(1) المباني في شرح العروة ، كتاب المضاربة: 37 ـ 40 .

(الصفحة48)

مسألة 17 : لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلاّ بإذن المالك عموماً أو خصوصاً ، فلو خلط ضمن المال والخسارة ، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة1.

مسألة 18 : لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة ، خصوصاً في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص ، إلاّ أن يكون متعارفاً بين التجّار ـ ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلاني ـ بحيث ينصرف إليه الإطلاق ، فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن ، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما2.


ثمّ إنّ مثل ما ذكرنا ، العارية المضمونة التي اشترك فيها الانتفاع الخاصّ والاستفادة في مجلس مخصوص ، فإنّ الظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الضمان مع عدم جواز الاستفادة في غير ما اشترط ، مع أنّ العارية أيضاً من العقود الإذنية لا التمليكيّة ، كما لا يخفى .

1 ـ أمّا عدم جواز الخلط ، فلأنّه وإن لم يصرّح به المالك الإذن ، إلاّ أنّ ظاهر كلامه فيما إذا لم يأذن المالك عموماً أو خصوصاً ، ولم يكن هناك قرينة ، عليه الاتّجار بشخص رأس المال من دون خلط، فلو خلط وتخلّف ضمن المال والخسارة ، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة ، وقسمة رأس المال بين المالك والعامل على ما قرّراه في المضاربة ، والدليل عليه الروايات المتقدِّمة في المسألة السابقة، مع ما ذكرنا من أنّه لا داعي إلى الحمل على بعض المقام، ولا خصوصيّة لموردها الذي يتوهّم أنّه صورة الشرط الصريح ، بل يعمّ مثل ما ذكرنا ، فراجع .

2 ـ إذا لم يكن هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق لا يجوز البيع نسيئة الذي هو

(الصفحة49)

مسألة 19 : ليس للعامل أن يسافر بالمال ـ برّاً وبحراً ـ والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال إلاّ مع إذن المالك ولو بالانصراف لأجل التعارف ، فلو سافر به


في معرض تلف رأس المال نوعاً ، خصوصاً في بعض الأزمان و على بعض الأشخاص . نعم ، في صورة المتعارف كذلك; أي الذي ينصرف إليه الإطلاق كبعض البلاد أو كبعض الأجناس; كبيع السجادات في زماننا هذا الذي يتعارف فيه البيع نسيئة شهراً أو أزيد ، فلا مانع منه بشرط رعاية ما هو المتداول من أخذ الصك المعتبر في السوق بالنحو المتعارف فيه . ولو خالف في غير مورد الانصراف ، فإن حصل تلف أو تعيب فهو ضامن ، لكن لو استوفاه وحصل ربح بينهما على ما قرّراه على حسب ما يستفاد من الروايات المتقدِّمة بالتقريب الذي ذكرناه .
لكن ذكر السيّد في العروة أنّه إن اطّلع المالك ـ أي على البيع نسيئة ـ قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل ـ لعدم كونه مأذوناً فيه وعدم شمول النصوص السابقة; لظهورها في كون المال عند العامل بالفعل ـ وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل ، إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذ يرجع بمقدار الثمن(1) ، انتهى .
لكن دعوى كون الروايات السابقة ظاهرة في كون رأس المال عند العامل ممنوعة جدّاً .


(1) العروة الوثقى: 2/534 مسألة 3397 .

(الصفحة50)

ضمن التلف والخسارة ، لكن لو حصل ربح يكون بينهما . وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها1.

مسألة 20 : ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض وإن قلّ حتّى فلوس السقاء ، وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك ، وأمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال ، إلاّ إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه ، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات ـ كالقربة والجوالق ـ واُجرة المسكن ، ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادةً على وجه الاقتصاد ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفاً مثلاً لم يحسب له ، ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك ، فهي على نفسه إلاّ إذا كانت لمصلحة التجارة2.


1 ـ ظاهر الإطلاق الاتّجار بالمال مضاربة في بلد المال ، فليس للعامل أن يسافر به برّاً وبحراً والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال إلاّ مع إذن المالك صريحاً أو بالانصراف ،خصوصاً مع أنّ السفربالمال يوجبوقوعه في الخطر والتلف نوعاً ، فلو سافربه في غير صورة الجواز يضمن التلف والخسارة ، لكن مع حصول الربح يكون بينهماعلى ما قرّراه في المضاربة ،وكذالوأمره بالسفرإلى جهة خاصّة فسافر إلى غيرها ، وذلك لدلالة الروايات المتقدِّمة عليه وإن كانت على خلاف القاعدة ، كما مرّ(1).

2 ـ العمدة في الفرق بين السفر والحضر صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه

(1) في ص 47 .

(الصفحة51)

مسألة 21 : المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي ، فيشمل ما دون المسافة ، كما أنّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد إذا كانت لأجل عوارض السفر; كما إذا كانت للراحة من التعب ، أو لانتظار الرفقة ، أو خوف الطريق ، وغير ذلك، أو لاُمور متعلِّقة بالتجارة; كدفع العشور ، وأخذ جواز السفر . وأمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك ، فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل. وأمّا قبله ، فإن كان بقاؤه لإتمامه وغرض آخر ،


أبي الحسن (عليه السلام) قال في المضارب: ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه(1) . والمراد ممّا أنفق في سفره حصول الإنفاق خارجاً أوّلاً ، فلو صار ضيفاً لم يحسب له ، وكذا لو قتّر على نفسه; بأن لم يأكل الغذاء في العشاء مثلاً ، وكون الإنفاق المزبور دخيلاً في التجارة أصلاً ، أو لمصلحة الزيادة ثانياً ، وعليه: فجوائزه وعطاياه وضيافاته وما يصرف في التفريح والتفرّج ممّا لا دخل له في التجارة لا يكون من رأس المال ولا يرتبط بالمالك أصلاً .
كما أنّ المراد ممّا أنفق فيما إذا قدم بلده الذي هو من نصيب العامل هو الإنفاقات التي لا ترتبط بالتجارة ولا تكون مصلحة لها ، وأمّا إذا كانت كذلك كالإعلام في بعض المكتوبات،أو إعزام بعض الأشخاص للتبليغوالإعلام فلاإشكال في ثبوته على المالك، إلاّ إذا اشترط المالك أن تكون على العامل كما لا يخفى ، والمراد بالنفقة هو المعنى  العام  الشامل  للمأكول والملبوس والمشروب والمركوب واُجرة  المسكن ونحوها.


(1) الكافي: 5/241 ح 5، تهذيب الأحكام: 7/191 ح 847 ، وعنهما الوسائل: 19/24 ، كتاب المضاربة ب6 ح1 .

(الصفحة52)

فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، والأحوط احتسابها على نفسه . وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء ، وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه ، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به وإن عرض في الأثناء غرض آخر، وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة ، وأحوط منه الاحتساب على نفسه1.


1 ـ لا ريب في أنّ المراد بالسفر العرفي، لا الشرعي الذي يعتبر فيه خصوصيّات دخيلة في القصر; أي قصر الصلاة وترك الصيام ونحوهما; لأنّه قد وقع في مقابل كونه في البلد، مضافاً إلى اقتضاء مناسبة الحكم والموضوع ذلك ، وعليه: فيشمل ما دون المسافة الشرعيّة ، كما أنّه يشمل إقامة عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد ، كما هو الغالب في الأسفار في تلك البلاد خصوصاً السفر للتجارة .
نعم ، لابدّ أن يكون البقاء في السفر الذي يكون الإنفاق فيه من رأس المال إمّا لأجل الراحة من التعب ، أو لانتظار الرفقة ، أو خوف الطريق ، أو الاُمور المتعلّقة بالتجارة; كدفع العشور ، وأخذ جواز السفر . وأمّا مع البقاء للتفرّج ، أو لتحصيل مال لنفسه ، أو لغير هذه المضاربة من مضاربة اُخرى مثلاً ، فلا يكون من رأس المال في هذه المضاربة .
هذا كلّه إذا كان بعد تمام العمل في السفر ، وأمّا إذا كان قبله ، فإن كان بقاؤه لغرض إتمام العمل في هذه المضاربة وغرض آخر ولو كانت مضاربة اُخرى ، فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما ، ولكن احتاط في المتن استحباباً الاحتساب على نفسه; أي الغرض الآخر . وإن كان بقاؤه لغير غرض الإتمام فقط; لعدم توقّف الإتمام على البقاء أصلاً ، فهنا فرق بين نفقة البقاء فإنّما هي على نفسه ، وبين نفقة الرجوع لو كان الغرض من السفر الاتّجار بمال المضاربة كما هو المفروض ، فإنّما هي على رأس المال كسائر الموارد ، من دون فرق بين أن يعرض له في الأثناء غرض آخر وعدمه ، وإن

(الصفحة53)

مسألة 22 : لو كان عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة . وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح بينهما ، ومعهما إذا كان عاملاً لاثنين مثلاً1.


كان الأحوط الاستحبابي التوزيع في الصورة الاُولى، وكمال الاحتياط الاحتساب على نفسه كما لا يخفى ، فانقدح الضابط في ثبوت النفقة على رأس المال وعدمه .

1 ـ لو تعدّد أرباب المال ، كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره لا إشكال في توزيع النفقة ، لكن التوزيع هل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فالمنسوب إلى المشهور بل كأنّه المتسالم عليه بينهم هو القول الأوّل ، ونسب إلى بعض القول الثاني(1) ، ولا يبعد أن يكون ذلك هو الحقّ ، فإنّه إذا كان مال المضاربة في أحدهما ألفاً وفي الآخر آلافاً متعدّدة ، ولكن الأوّل يفتقر في التجارة إلى كثرة العمل وعدم افتقار الثاني إليها ، فهل مجرّد كون رأس المال فيه أكثر يقتضي التوزيع بنسبة المالين؟
وبعبارة اُخرى: الربح في المضاربة إنّما يلحظ بالنسبة إلى أصل العمل وكيفيّته وسهولته وصعوبته وأمثال ذلك ، ولا دخل في ذلك كثرة رأس المال وقلّته ، فالقاعدة تقتضي القول الثاني ، إلاّ أنّ الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين فيما إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح بينهما إذا كان عاملاً لاثنين مثلاً لا ينبغي أن يترك ، بل لايترك.


(1) جامع المقاصد: 8/112 ، مسالك الأفهام: 4/349 ، المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 54 .

(الصفحة54)

مسألة 23 : لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح . نعم ، لو أنفق وحصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فيعطي المالك تمام رأس ماله ، فإن بقي شيء يكون بينهما1.

مسألة 24 : الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة; بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئاً ، كما يجوز الشراء بالكلّي في الذمّة والدافع والأداء منه; بأن يشتري جنساً بألف درهم كلّي على ذمّة المالك ، ودفعه بعد ذلك من المال الذي عنده ، ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره ; لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة ، هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة; لأنّه من الاتّجار بالمال عرفاً .



1 ـ لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح ، بل الغلبة مقتضية لثبوت الإنفاق قبل ظهور الربح ، فإنّ الذهاب إلى السفر قبل أن يكون هناك تجارة ـ وكذا الأكل والشرب ـ يكون قبل ظهور الربح الحاصل على فرضه بوقوع مدّة في السفر والاتّجار فيه ، فلا مجال لأن يقال بعدم استحقاق النفقة قبل ظهور الربح ، ومن الممكن أن لا يظهر الربح أصلاً بل تحقّق الخسران ، وعليه: فلا يمكن القول بأنّه يجب عليه من مال نفسه .
نعم ، لو أنفق وحصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات ، فإن بقي بعد ذلك شيء زائد على رأس المال يكون بينهما على طبق ما قرّراه ، وإن لم يبق فيعطى المالك تمام رأس المال ، كما أنّه لو نقص عن رأس المال يكون الباقي الناقص بأجمعه للمالك ، كما لايخفى .


(الصفحة55)

نعم ، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه1.


1 ـ المتعارف في المعاملات كما هو الحال في هذه الأزمنة الشراء بالثمن الكلّي دون الثمن الشخصي ، غاية الأمر تقيّد ذلك في المضاربة بالأداء من مالها ، لكنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة; بأن يُعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئاً; لأنّه مأذون فيه قطعاً وإن كان غير متعارف ، فإن اشترى العامل بالثمن الشخصي الذي هو مال المالك ، فلا إشكال في وقوع المعاملة للمالك لكون الثمن مالاً له ، ولا تكون المعاملة فضولية بوجه; لتحقّق الإذن فيها قطعاً كما عرفت .
بل ذكر صاحب العروة أنّ المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلا يجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى: يجب أن يكون الثمن شخصيّاً من مال المالك لا كلّياً في الذمّة ، ثمّ قال : والظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لا يصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة .
ثمّ قال : ولا يخفى ما في هذه العلل ، والأقوى ـ كما هو المتعارف ـ جواز الشراء في الذمّة والدفع من رأس المال ـ إلى أن قال : ـ ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك في ذمّته من حيث المضاربة .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا . وإذا

(الصفحة56)



فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك يؤدّي من ماله الآخر .
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه . وعلى هذا الشراء صحيح ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له ، فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه: يمكن الحكم بصحّة الشراء وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً ، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح .
ويحتمل القول ببطلان الشراء; لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ; والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح ، فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار: أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق(1) .
ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكليّاً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه .
ثمّ قال : والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني (قدس سره) .
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له ، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً . ولو اختلف البائع

(1) يراجع الوسائل: 18/327 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين و القرض ب5 .

(الصفحة57)



والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره ـ وهو المالك المضارب ـ يقدّم قول البائع لظاهر الحال ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب(1) ، انتهى .
أقول : لابدّ هنا من ملاحظة جهات متعدّدة ترجع إلى أنّ المتعارف في الشراء هو الشراء بالثمن الكلّي لا الشخصي حتّى في المضاربة ; لعدم تعلّق غرض المالك بالشراء من عين نقوده ، خصوصاً بعد الحكم بالجواز في الأوراق النقدية ، كالورقة العُملة ونحوها على ما تقدّم . وإلى عدم كون العامل ضامناً لو تلف من غير تعدٍّ وتفريط; لأنّه أمين كالمستأجر. وإلى عدم صيرورته مالكاً للمال بوجه ولو بنحو الاستقراض . وإلى أنّ الشراء إنّما هو لأجل المضاربة والاسترباح بالتجارة . وإلى أنّ المفروض صورة عدم الاختلاف بين العامل والبائع بوجه . وإلى أنّ الشراء لا يكون فضوليّاً بوجه; لكونه مأذوناً فيه من قبل المالك . وإلى أنّه على فرض تلف مال المضاربة لا يجب على المالك الأداء من غيره ، وربما لا يكون له غير مال المضاربة شيء . وإلى أنّ غرض العامل دفع الثمن من مال المضاربة لا من مال آخر .
وبعد ملاحظة هذه الجهات وبعض الجهات الاُخر لا محيص إلاّ أن يُقال بأنّ العامل إنّما يشتري لنفسه بالثمن الكلّي الذي يريد دفعه من مال المضاربة ، والدفع منه ليس لأجل الاستقراض ، والقرض الموجب لصيرورته مالكاً له لا لأجل أنّ لازم ذلك كون تمام الربح له ; لإمكان أن يُقال بأنّ الاشتراط صار موجباً لعدم كون تمام الربح له ، بل لإذن المالك له في هذه الجهة ومن خصوص مال المضاربة ، ثمّ الجبران من المبيع ، ولا يتحقّق الغصب بوجه ، وهذا هو الذي لم يستبعده الآقا

(1) العروة الوثقى: 2/535 ـ 536 مسألة 3401 .

(الصفحة58)

مسألة 25 : لا يجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار ـ بأن يوكّل إليه أصل التجارة ـ من دون إذن المالك . نعم ، يجوز له التوكيل والاستئجار في بعض المقدّمات ، بل وفي إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلاّل ، وكذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلاّ بإذن المالك ، ومع الإذن إذا ضارب غيره يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى ، وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر ، أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك . وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره; بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأوّل ، فالأقوى عدم الصحّة1.


البهبهاني (قدس سره) مع حذف عنوان الغصبية; لعدم توهّمه في المقام بوجه كما لا يخفى .
هذا ، وقد ذكرنا في التعليقة على العروة يمكن أن يُقال بصحّة ما اختاره البهبهاني (قدس سره) في خصوص ما إذا لم يكن للعامل مال أصلاً ، ولا يرى لدى الناس لذمّته اعتبار ، بل تصدّيهم للمعاملة معه إنّما هو لأجل كونه عاملاً بيده أموال يقدر على الاتّجار بها ، ففي هذه الصورة قصد إيقاع المعاملة لنفسه لغو بحكم العرف ، إلاّ أن يُقال : إنّ لازم ذلك بطلان العقد رأساً لا صحّتها ووقوعها للمالك(1) ، وسيأتي في المسألة السابعة والعشرين رواية صحيحة دالّة على هذا المعنى ، فانتظر .

1 ـ لا يجوز للعامل مع الإطلاق أن يوكّل غيره في أصل الاتّجار بحيث يصير الغير كأنّه العامل مكانه . نعم ، يجوز له التوكيل والاستئجار في بعض المقدّمات ، وفي إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلاّل ; وذلك لأنّ المأذون في أصل التجارة والعمل التجاري هو شخصه دون غيره ، ومنه يظهر أنّه لا يجوز له أن

(1) الحواشي على العروة الوثقى: 229 ، الرابع .

(الصفحة59)



يضارب غيره أو يشاركه فيها إلاّ بإذن المالك .
أمّا الصورة الاُولى: فلأنّ مرجعه إلى عدم كونه مالكاً ولا عاملاً ; لأنّ المفروض أنّ المال للمالك في المضاربة الاُولى والعمل الصادر مرتبط بالعامل في الثانية . نعم ، حيث إنّك عرفت(1) أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، يجوز للمالك فسخ المضاربة الاُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر ، كما أنّ الأمر في الصورة الثانية يكون على هذا المنوال ، فإنّ الاشتراك في العمل وما يترتّب عليه إنّما هو على خلاف إذن المالك .
نعم ، يمكن له فسخ الاُولى وإيجاد مضاربة ثانية يكون المالك فيها واحداً والعامل متعدِّداً، كما فرضناه في بعض المسائل السابقة(2) ، وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره; بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأوّل ، ومرجعه إليه في الاُمور الحادثة المرتبطة بالمضاربة ، فقد قوّى في المتن عدم الصحّة ، والظاهر أنّ الوجه فيه أنّ تعدّد العامل في مضاربة واحدة وإن كان صحيحاً كما ذكرناه سابقاً ، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان العامل الثاني في عرض العامل الأوّل وطرفاً للمضاربة والمعاقدة. وأمّا إذا كان العامل الثاني في طول المالك الأوّل فلا دليل على الصحّة ، خصوصاً بعدما كان أصل المضاربة مع الأحكام المترتّبة عليها على خلاف القاعدة المعهودة في باب العقود .
وبعبارة اُخرى: لا وجه لاشتراك الربح بين العامل الأوّل وبين غيره مع عدم الدخالة للعامل الأوّل في التجارة كما هو المفروض; لأنّه وقوع التجارة من العامل

(1) في ص 34 .
(2) أي في المسألة العاشرة .

(الصفحة60)

مسألة 26 : الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً وبالعكس1.

مسألة 27 : الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ، ولا يتوقّف على الإنضاض ـ بمعنى جعل الجنس نقداً ـ ولا على القسمة . كما أنّ الظاهر صيرورته شريكاً مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة ، فيصحّ له مطالبة القسمة ، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح  ،ويترتّب عليه جميع آثار الملكيّة; من الإرث ، وتعلّق الخمس والزكاة ، وحصول الاستطاعة ، وتعلّق حقّ العرفاء وغير ذلك2.


الثاني ، وكون المال مرتبطاً بالمالك ، ولم يكن العامل الثاني طرفاً للمعاقدة مع المالك . نعم ، لا مانع من الإيكال إلى الدلاّل في بعض المعاملات التي يكون المتعارف فيها ذلك ، كما لايخفى .

1 ـ قد عرفت(1) أنّ وجوب العمل بالشرط لا يتوقّف على كون العقد لازماً ، بل في العقود الجائزة أيضاً يجب الوفاء بالشرط . نعم ، يصحّ فسخ العقد وبتبعه يرتفع وجوب الوفاء بالشرط ، فيجوز أن يشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً ، وبالعكس; أي من طرف العامل على المالك .

2 ـ لأنّه مقتضى عقد المضاربة الذي وقع فيه هذا التعهّد والقرار ، ولأنّ الربح الموجود إمّا أن لا يكون له مالك ، وإمّا أن يكون ، فعلى الثاني الذي لا محيص عنه

(1) في ص 36 .
<<التالي الفهرس السابق>>