في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)

مسألة 43 : لو تلف المال أو وقع خسران ، فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ، ولم تكن له بيِّنة قدّم قول العامل . وكذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه; كما لو ادّعى أنّه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني وقد اشتراه فخسر ، وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط ، أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه . نعم ، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلاّ بإذنه; كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر ، فادّعى العامل كونه بإذنه وأنكره ، قدّم قول المالك1.


يكون الحقّ مع المدّعى عليه مع يمينه ، كما في سائر الموارد على ما هو المقرّر في كتاب القضاء الذي شرحناه مع التفصيل(1) .

1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لصور تنازع المالك والعامل ، وهي كثيرة :
الاُولى : لو تلف المال أو وقع خسران ، فادّعى المالك على العامل الخيانة والتفريط في الحفظ ، ولم يكن للمالك بيِّنة على دعواه ، فإنّ القول قول العامل مع يمينه لأنّه منكر; لمطابقة قوله مع أصالة عدم الخيانة أو التفريط في الحفظ ، أو مع أصالة عدم الضمان استصحاباً أو براءةً .
الثانية : ما لو ادّعى المالك عليه الاشتراط ، أو مخالفته لما شرط عليه; كما لو ادّعى عليه أنّه اشترط أن لا يشتري الجنس الفلاني فاشتراه فخسر ، وأنكر العامل أصل هذاالاشتراط وقال بأنّ المالك لم يشترط في ضمن عقد المضاربة هذا الشرط، أو قال بأنّه لم يقع في الخارج مخالفة هذا الشرط مع تسليم أصله ، وفي هاتين الصورتين يكون القول قول العامل مع عدم ثبوت البيِّنة للمالك على دعواه ; لمطابقة

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 121 ـ 131 .

(الصفحة82)

مسألة 44 : لو ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المنكر1.

مسألة 45 : لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال: اشتريتها لنفسي ، وقال المالك: اشتريته للقراض ، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، وقال صاحب المال: اشتريتها لنفسك ، قدّم قول العامل بيمينه2.


قوله مع أصالة عدم الاشتراط ، أو عدم مخالفة الشرط كما في الفرض الأوّل .
الثالثة : لو وقع النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلاّ بإذنه ، كما لو سافر بالمال وقلنا بعدم جواز السفر به إلاّ مع الإذن ، أو باع نسيئة كذلك فتلف أو خسر ، فادّعى العامل إذن المالك إيّاه في ذلك وأنكر المالك الإذن ، وفي هذه يقدّم قول المالك مع عدم ثبوت البيِّنة للعامل; لأنّ قول المالك مطابق لأصالة عدم الإذن وهو محال; لجريان الأصل في المسبّب مع جريانه في السبب إذا كانت السببيّة شرعيّة ، كما قرّر في محلّه من علم الاُصول .

1 ـ تقديم قول المالك ـ أي مع يمينه ـ إنّما هو لمطابقة قوله لأصالة عدم الردّ ، مع أنّه عرفاً منكر ، وقد ذكرنا في كتاب القضاء أنّ الملاك في تشخيص المدّعي والمدّعى عليه اللذين وقع التعبير بهما في كلام النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو العرف(1) ، كسائر العناوين الواقعة موضوعة للأحكام .

2 ـ لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها لنفسي فبالنتيجة تمام الربح لي ، وقال المالك: اشتريته للقراض فالربح مشترك ، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض فالخسران على المالك ، وقال صاحب المال : اشتريتها

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 75 ـ 77 و ص 115 ـ 116 .

(الصفحة83)

مسألة 46 : لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه ، وادّعى العامل أنّه قارضه ، يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى ، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها . ولو حصل ربح فادّعى المالك قراضاً والعامل إقراضاً ، يحتمل التحالف أيضاً بلحاظ محطّها ، وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها ، ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب1.

مسألة 47 : لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئاً من الربح ، وادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه ، فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه ، فيحلف على نفي المضاربة ، فله تمام الربح لو كان ،



لنفسك فالخسران عليك ، ففي المتن قدّم قول العامل بيمينه ، ولعلّه لأنّه أعرف بنيّته من غيره; لعدم المائز بين الأمرين في المقام إلاّ بالنيّة ، فالظاهر معه .

1 ـ لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه فالتلف أو الخسارة عليه لوقوعه في ملكه ، وادّعى العامل أنّه قارضه فالتلف أو الخسارة على المالك ، كما هو الحكم في المضاربة ، فقد احتمل في المتن التحالف بلحاظ نفس الدعوى ومرجعها ، واحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجع الدعوى ، واستقرب في الذيل أقربيّة الثاني ، ولعلّ الوجه فيه أنّ الملاك والمعيار عند العقلاء هو مرجع الدعوى ومآلها لا نفس محطّ الدعوى ، ومنه يظهر حكم الصورة الثانية ; وهو ما لو حصل في التجارة ربح فادّعى المالك المضاربة وثبوت الربح بينهما ، وادّعى العامل ثبوت الإقراض الملازم لكون الربح له خاصّة ، فالاحتمالان المذكوران جاريان فيه ، لكن الأقرب هو تقديم قول المالك ; لأنّ الملاك هو مرجع الدعوى لا نفس الدعوى ومحطّها على ما عرفت .


(الصفحة84)

واحتمال التحالف هنا ضعيف1.

مسألة 48 : يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّة من الربح; بأن يقول : إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه ، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة ، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة ، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود ، بل يجوز أن يكون عروضاً أو ديناً أو منفعة2.


1 ـ لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة الذي يكون استحقاق تمام الربح للمالك ، وادّعى العامل المضاربة المشتركة ربحها بين المالك والعامل حسب ما قرّراه ، ففي المتن أنّه يقدّم قول المالك بيمينه ، فيحلف على نفي المضاربة ، فله تمام الربح لو حصل ، وأضاف أنّ احتمال التحالف هنا ضعيف ، والوجه فيه: أنّه لا يترتّب ثمرة على النزاع في البضاعة والمضاربة إلاّ مجرّد تمحّض الربح للمالك ، أو الاشتراك بينه وبين العامل فيه ، فثبوت النصف من الربح للمالك هو الأمر المتيقّن الذي لا يختلفان فيه .
وأمّا النصف الآخر ، فالعامل يدّعيه والمالك ينكره ، فيقدّم قوله بيمينه على نفي المضاربة وإن كانت صورة النزاع بنحو التحالف . وأمّا احتمال ضعف التحالف هنا ، فلاشتراك الدعويين في كون رأس المال للمالك ، ولم يصر العامل مالكاً لشيء منه ، بخلاف المفروض في بعض المسائل السابقة ، وأمّا الاختلاف هنا فيكون بالإضافة إلى الربح فقط كما عرفت ، والعامل يدّعي مقداراً منه والمالك ينكره .

2 ـ يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّة من الربح; بأن يقول : إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه ، فتكون جعالة تفيد

(الصفحة85)

مسألة 49 : يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة ، لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة . وكذا يجوز للقيّم الشرعي كالوصي والحاكم الشرعي مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة ، بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربة ، وصرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت ، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصي ، فرأى الصلاح في ذلك1.


فائدة المضاربة ، ولا يشترط فيها ما يشترط فيها ، فلا يعتبر أن يكون رأس المال من النقود ، بل يجوز أن يكون عروضاً أو ديناً أو منفعة ، ولكنّه يبتني أوّلاً : على عدم اعتبار كون الطرف في الجعالة شخصاً خاصّاً ومخاطباً مخصوصاً ، وثانياً : على عدم اعتبار كون المعلّق عليه فعل المخاطب ، بل يجوز أن يكون أمراً خارجاً عن اختياره أيضاً كالربح في المقام ، حيث إنّ حصول الربح لا يكون باختيار المخاطب ، والتحقيق في بحث الجعالة فانتظر .

1 ـ يجوز للولي الشرعي كالأب والجدّ له المضاربة بمال الصغير ، وكون الربح الحاصل مشتركاً بينه وبين العامل كما في سائر موارد المضاربة ، لكن الكلام في أنّه هل يكفي مجرّد عدم المفسدة في ذلك ، أم اللازم مراعاة المصلحة؟ فالأوّل : كما لو فرض حفظ المال متوقّفاً على أن يكون في يد العامل ، والثاني : كما إذا كان هناك احتمال حصول الربح للصغير زائداً على أصل ماله ورأسه ، فيه وجهان مذكوران في جميع الموارد ، ولكن الاحتياط يستلزم رعاية المصلحة وعدم الاكتفاء بمجرّد عدم المفسدة ، وإن كان فرض توقّف الحفظ على أن يكون رأس المال في يد العامل أيضاً رعايةً للمصلحة وإن لم يكن هناك ربح .


(الصفحة86)

مسألة 50 : لو مات العامل وكان عنده مال المضاربة ، فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال ، وإن علم به فيه من غير تعيين ـ بأن كان ما تركه مشتملاً عليه وعلى مال نفسه ، أو كان عنده أيضاً ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض ـ يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين . وهل هو بإعمال القرعة ، أو إيقاع التصالح ، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم؟ وجوه ، أقواها القرعة ، وأحوطها التصالح .
نعم ، لو كان للميّت ديّان وعنده مال مضاربة ، ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو



وكما يجوز للولي الشرعي ذلك ، كذلك يجوز للقيّم الشرعي كالوصي والحاكم الشرعي مع الأمن من التلف وملاحظة الغبطة والمصلحة ، بل يجوز للوصي على ثلث الميّت إذا أوصى الميّت بذلك; أي بدفعه إلى العامل وصرف الحصّة من الربح في المصارف التي عيّنها للثلث ، كالصرف في تعزية أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وإقامة شعائره وتعظيمها ، بل في صورة عدم التصريح بذلك في الوصية ، بل التصريح بتفويض أمر الثلث إلى نظر الوصي ، فرأى الصلاح في ذلك خصوصاً في زماننا هذا ، حيث يعلنون أعضاء البنوك الإسلامية بالأخذ بعنوان المضاربة وإعطاء الربح بهذا العنوان ، سيّما على ما تقدّم من مبنانا في عدم لزوم كون الربح بالإضافة إلى ما حصل من رأس المال الذي هو المجهول عند الإغضاء نوعاً ، بل يكفي تعيّن مقدار خاصّ للربح وإن كانت النسبة بينه وبين مجموع الربح الحاصل مجهولاً ، بل كانت النسبة بينه وبين رأس المال معلوماً بشرط أن يكون ذلك المقدار ربحاً للمال بنظر العرف والعادة ، كما قرّر سابقاً ، فراجع .


(الصفحة87)

اُسوة الغرماء . وكذا الحال لو علم المال جنساً وقدراً ، واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج ، فالأقوى فيه القرعة أيضاً ، خصوصاً إذا كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة ، ومع الامتزاج كان المجموع مشتركاً بين أربابه بالنسبة .
ولو علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان ، وكان الجميع لورثته . وكذا لو احتمل بقاؤه فيها . ولو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ، ولم يعلم أنّه هل بقي فيها ، أو ردّه إلى المالك أو تلف؟ ففيه إشكال ، وإن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو من قوّة ، والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة1.


1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لصور موت العامل وكان عنده مال المضاربة علماً أو احتمالاً; وهي كثيرة تالية :
الاُولى : ما لو علم بوجوده فيما تركه بعينه ، ولا إشكال في هذه الصورة في وجوب ردّ المعلوم إلى المالك من دون زيادة ولا نقصان .
الثانية : ما لو علم بوجوده فيما تركه لا بعينه; بأن كان ما تركه العامل مشتملاً عليه وعلى مال نفسه ، أو كان عنده ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض ، فإنّه يُعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه الأموال ، والظاهر أنّ الحكم في الجميع هو القرعة; لأنّه القدر المتيقّن من دليل القرعة من جهة كونه من حقوق الناس التي لا سبيل إلى الاطّلاع عليها غير القرعة . نعم ، الأحوط التصالح ليتحقّق تراضي الطرفين أو الأطراف .
وأمّا التقسيم بينهم على نسبة أموالهم فلا دليل عليه إلاّ عدم وجود المرجّح ،

(الصفحة88)



وتنصيف الدرهم في الوديعة إذا أودع كلّ واحد من شخصين درهماً عند شخص واحد ، فتلف أحدهما من غير تعدّ ولا تفريط ومن دون تعيّن ، فإنّه ينصف الدرهم الموجود الباقي ، مع أنّ القرعة طريق لتشخيص الحقّ ، فلا مجال لدعوى عدم وجود المرجّح ، كما أنّه لا يمكن التجاوز عن مورد الدرهم الودعي إلى جميع الموارد المشابهة ، خصوصاً مع مخالفته للعلم الإجمالي كما لايخفى ، فالأقوى الرجوع إلى دليل القرعة وإن كان الأحوط التصالح لما ذكرنا .
نعم ، لو كان للميّت العامل ديّان وعنده مال مضاربة ، ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء ، كما وقع هذا التعبير في موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول: من يموت وعنده مال المضاربة ، قال : إن سمّـاه بعينه قبل موته ، فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو اُسوة الغرماء(1) .
وهل المراد بكون المالك اُسوة الغرماء أنّ حاله حالهم ، فكما أنّهم يشتركون مع الوارث ، فكذلك هو يشترك معهم أيضاً ، أو أنّ المراد بذلك ليس هو الشركة ، بل عدم الانتقال إلى الورثة إلاّ بعد أداء ماله كمالهم ؟ والظاهر هو الثاني ، وإن استفاد صاحب الوسائل عنوان الشركة ، حيث ذكر في عنوان الباب «أنّ من كان بيده مضاربة فمات ، فإن عيّنها لواحد بعينه فهي له ، وإلاّ قسّمت على الغرماء بالحصص» مع أنّه على خلاف المقطوع به ، فإنّه لو كان المالك مجهولاً لوجب إخراجه في مصرف مجهول المالك لا إعطاؤه إلى الغرماء ـ ومنهم: المالك ـ بالحصص ، فهي بعيدة عن المقام جدّاً .


(1) تهذيب الأحكام: 7/192 ح 851 ، الفقيه: 3/144 ح 636 ، و عنهما الوسائل: 19/29 ، كتاب المضاربة ب13 ح1 .

(الصفحة89)



الثالثة : ما لو علم المال جنساً وقدراً واشتبه بين أموال الناس من جنسه له أو لغيره ، من دون أن يتحقّق فيه امتزاج أصلاً ، فإن كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة ـ وإن كانت متّحدة جنساً وقدراً ـ فالحقّ فيه الرجوع إلى القرعة ، ولا مجال لدعوى الشركة بعد عدم حصول الامتزاج ، وإلاّ فمع عدم تحقّق الامتزاج لا سبيل إلى الشركة ، بل يتشخّص بالقرعة ، ومع تحقّق الامتزاج كان المجموع مشتركاً بين أربابه بالنسبة .
الرابعة : ما لو علم بعدم وجود مال المضاربة في التركة ، واحتمل أنّه قد ردّه في زمن حياته إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، وفي هذه الصورة لا يحكم على العامل الميّت بالضمان ، بل يكون جميع الأموال للورثة ، وكذا لو احتمل بقاؤه فيها .
ويظهر من صاحب العروة ثبوت الضمان في غير الفرض الأخير ، نظراً إلى عموم قوله (صلى الله عليه وآله) : «على اليد ما أخذت . . .»(1) حيث إنّ الأظهر باعتقاده شموله للأمانات أيضاً ، قال : ودعوى خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها ، مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها ، كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف . وأمّا صورة التفريط والإتلاف ، ودعوى الردّ في غير الوديعة ، ودعوى التلف والنكول عن الحلف ، فهي باقية تحت العموم الخ(2) .
ولكن الظاهر عدم ثبوت الضمان ; لأنّه مضافاً إلى كون على اليد مخدوشاً من حيث السند تكون دلالته أيضاً ممنوعة ، نظراً إلى عدم شمولها للمقام; لأنّ يد الأمين خارجة عنها تخصّصاً قطعاً ، وقد مرّ(3) أنّ العامل أمين لا يكون ضامناً ، فالأصل في

(1) تقدّم في ص 69 .
(2) العروة الوثقى: 2/572 قطعة من مسألة 3460 .
(3) في ص 38 .

(الصفحة90)



المقام عدم الضمان .
الخامسة : ما لو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ، ولم يعلم بأنّه هل بقي فيها ، أو ردّه إلى المالك ، أو تلف؟ فقد استشكل فيه في المتن ثمّ قال : «وإن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو عن قوّة ، والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة» ولعلّ الوجه في الاستشكال حجّية قاعدة اليد وأماريتها هنا ، ولا مجال معها لاستصحاب عدم الردّ إلى المالك ومثله كما في سائر الموارد ، حيث إنّه مع وجود اليد الشرعيّة لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم الانتقال إليه ومثله .
وقد عرفت خروج مثل الأمانات عن عموم «على اليد» وإلاّ فاللازم أن يُقال بأنّ المال إذا تلف في يد الأمين ، ولم يعلم أنّه بتعدٍّ منه أو تفريط ، يكون ضمانه ثابتاً على من تلف في يده ; لأنّ ضمانه بالأخذ قد صار ثابتاً ، والتفريط أو التعدّي يكونان مشكوكين ، فيجب أن يحكم بالضمان استصحاباً له وعدم ثبوت التعدّي والتفريط ، وأصالة عدمها لا تثبت الضمان كما لايخفى .
نعم ، مقتضى الاحتياط غير اللازم ـ أنّه لو لم يكن في الورثة قاصر ـ إخراج المشكوك عن دائرة الإرث; والله العالم بحقيقة الحال . هذا بحمد الله تمام الكلام في شرح كتاب المضاربة من تحرير الوسيلة للإمام الراحل المحقّق الاُستاذ الخميني قدّس سرّه الشريف .


(الصفحة91)




كتاب الشركة



(الصفحة92)






(الصفحة93)





[مسائل الشركة]

وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، وهي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ . وسببها قد يكون إرثاً وقد يكون عقداً ناقلاً ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو استأجرا عيناً ، أو صولحا عن حقّ . ولها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان :
أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة .
وثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر; سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً . ولها سبب آخر; وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقديّة بوجه1.


1 ـ الشركة قد تكون عقديّة ، وقد تعرّض لها في بعض المسائل الآتية ، وقد تكون غير عقديّة حاصلة بالإرث أو بالعقد الناقل ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو باعا المبيع المشترك بينهما من شخص واحد ، أو استأجرا معاً عيناً كالدار ونحوها ، أو صولحا عن حقّ متعلّق بهما بنحو الشركة ، ويظهر من المتن أنّ لها سببين آخرين يختصّان بالشركة في الأعيان ولا يجريان في غيرها كالدَّين والمنفعة :
أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً

(الصفحة94)

مسألة 1 : الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة; وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين ، كالماء بالماء والدهن بالدهن ، بل وغير متجانسين ، كدهن اللوز بدهن الجوزمثلاً ، رافع للامتياز عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك . وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، ففي كونه موجباً للشركة الواقعية تأمّل وإشكال ، ولا يبعد كونها ظاهريّة . وقد يوجب الشركة الظاهريّة الحكميّة; وهي مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، ومنها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى ، كالخشخاش


بآنية واحدة دفعة ، أو اشتركا معاً في نزح الماء من البئر وهكذا .
ثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء بماء أو خلّ بخلّ; سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً ، فإنّ الثاني أيضاً يوجب الشركة وإن كان إيجادها على خلاف رضا المالك وموجباً للتصرّف في مال الغير بغير إذنه .
وذكر في المتن سبباً ثالثاً; وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقدية بوجه ، والظاهر أنّ الوجه فيه أنّه في الشركة العقدية يكون هناك مال مشترك بينهما بأيّ سبب ، وقد توافقا على المعاملة به ، وفي التشريك يكون المقصود إيجاد التشريك من دون أن يكون هناك شركة ، فالمغايرة بين الأمرين متحقّقة من هذا الوجه ، ولعلّه يجي الكلام بعد ذلك في المسألة المتعرّضة للشركة العقدية فانتظر . وقد ورد في هذا التشريك جملة من الأخبار .
منها: صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يشترك في السلعة ؟ قال : إن ربح فله ، وإن وضع فعليه(1) .


(1) تهذيب الأحكام: 7/185 ح 817 ، و عنه الوسائل: 19/5 ، كتاب الشركة ب1 ح1 .

(الصفحة95)

بالخشخاش ، والدخن والسّمسم بمثلهما وجنسهما .
وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة ، فيتخلّص بالصلح ونحوه ، كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز ، وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز ، ولا تتحقّق الشركة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القيميّات بعضها ببعض ، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات ، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك ، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة1.


1 ـ الامتزاج الموجب للشركة قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة; سواء كان مع العمد والاختيار ، أو مع الوقوع قهراً; وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مايعين متجانسين ، بحيث لم يكن هناك رافع للامتياز بحسب الواقع لا عرفاً ولا عقلاً ، كالماء بالماء والدهن بالدهن ، خصوصاً مع عدم الاختلاف في الجودة والرداءة والصبغ والاُمور الاُخر أيضاً ، وأمّا المائعان غير المتجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، ففي المتن أنّ الامتياز وإن كان مرفوعاً عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك ، إلاّ أنّه لا يوجب الخروج عن الشركة الواقعيّة; لأنّ الملاك في أمثال ذلك هو العرف لا العقل .
وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، فقد تأمّل في المتن واستشكل في كونها شركة واقعيّة ، بل نفى البُعد عن كونها ظاهريّة ، ولكنّه استشكل بعض الأعلام (قدس سره) في أصل الشركة الظاهرية قهرية كانت أو اختياريّة; بأنّه لا معنى للشركة الظاهرية بعد العلم بعدم الاشتراك واقعاً ، فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما هي مجعولة في فرض الشكّ والجهل بالحكم الواقعي ، فلا معنى لثبوتها مع العلم به ، وقد دفع دعوى أنّ المراد من الشركة الظاهرية هو ترتيب آثارها في

(الصفحة96)



مقام العمل وإن لم تكن هناك شركة في الواقع ، بأنّه لا موجب لإجراء أحكام الشركة بعد العلم بعدمها واقعاً واستقلال كلّ منهما في ماله .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الامتزاج إذا كان على نحو يعدّ الممتزجان شيئاً واحداً عرفاً وأمراً ثالثاً مغايراً للموجودين السابقين ، كما في مزج السكّر بالخلّ ، حيث يوجب ذلك انعدامهما معاً وتولّد شيء جديد مغاير لهما يسمّى بالسكنجبين ، ففيه تكون الشركة واقعيّة ، فإنّ الموجود بالفعل مال واحد نشأ عن المالين اللذين يكون ملكاً لهما معاً; إذ لا موجب لاختصاص أحدهما به ، ولا ينافي ذلك أنّه لو اتّفق تفكيكهما بوجه من الوجوه ـ خصوصاً في زماننا هذا ـ يكون كلّ منهما مختصّاً بمالكه الأوّل ، وأمّا إذا كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعدّدة غير قابلة للتمييز خارجاً ، كما في مزج الدراهم بمثلها فلا موجب للقول بالشركة أصلاً ، فإنّ كلّ درهم موجود مستقلّ عن الآخر ومحفوظ في الواقع ، ولا يبعد أن يكون مزج الحنطة بالحنطة والحنطة بالشعير من هذا القبيل(1) .
أقول : لا يبعد أن يقال بأنّ تقابل الشركة الظاهريّة مع الشركة الواقعيّة ليس هو تقابل الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي ، حيث إنّه لا ينتقل إلى الأوّل إلاّ مع الشكّ في الثاني ، وأمّا مع العلم بعدمه فلا مجال للأوّل أصلاً كما لايخفى ، بل المقابلة بينهما إنّما هي بلحاظ أنّ الشركة الواقعيّة الحاصلة بالامتزاج إنّما هي بنحو لا يمكن التمييز عقلاً ، كامتزاج الماء بالماء أو الخلّ بالخلّ ، خصوصاً مع اتّفاقهما في الجودة والرداءة ، ومثل ذلك من الصفات .
وأمّا إذا كان بنحو لا يمكن التمييز عرفاً لا عقلاً ، فهي الشركة الظاهرية، وتشترك

(1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 182 ـ 183 .

(الصفحة97)

مسألة 2 : لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذِن أحد الشريكين شريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلاّ بإذن صاحبه ، ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم ، الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، والموارد مختلفة لابدّ من لحاظها ، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله


الشركتان في الأحكام ، ومن أقسام الشركة الظاهريّة خلط الحنطة بالشعير ، بل بحنطة اُخرى ، خصوصاً مع الاختلاف في الخصوصيّات من الجودة والرداءة وغيرهما من الصفات . وأمّا في باب الدراهم والدنانير ، فإن كان الامتزاج بجنسهما ونوعهما وصنفهما ـ كامتزاج ألف ورقة نقديّة «مائة ريالية إيرانيّة» مع الألف الآخر كذلك من دون ميز وخصوصيّة ـ فالظاهر أنّه من الامتزاج الموجب للشركة ويقع التخصيص بالقسمة ، هذا كلّه في غير القيميات .
وأمّا في القيميات ، فلا تتحقّق الشركة لا ظاهراً ولا واقعاً ، كما في اختلاط الثياب بعضها مع بعض ، والأغنام مع الأغنام ; لعدم تحقّق الامتزاج فيها أصلاً ، غاية الأمر الاشتباه في صورة الاختلاط ، ولذا نرى أنّ اختلاط الأغنام ـ مع كون كلّ واحد منها لمالك خاصّ في القرى نوعاً ـ لأجل وجود راع واحد ، لا يبقي مجالاً لتوهّم الشركة ، بل لو كان لها مجال لما اجتمعوا على هذه الكيفيّة ، إلاّ أن يُقال بأنّ غنم كلّ واحد يغاير الآخر من الخصوصيّات ويعرفه مالكه بها .
وكيف كان ، لو فرض تحقّق الاشتباه في صورة الاختلاط والتركيب يكون العلاج فيه القرعة التي هي المرجع في تشخيص الأموال ومالكها في أمثال هذه الموارد ، لكن مراعاة الاحتياط بالتصالح أولى; لأنّه طريق لإرضاء جميع المالكين كما لايخفى .


(الصفحة98)

وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاًّ أو بعضاً فيتّبع1.


1 ـ لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف قبل القسمة في المال المشترك ولو لم يكن زائداً على مقدار سهمه ، كالتصرّف في النصف فقط فيما إذا كانت الشركة بنحو التنصيف; لاستلزامه التصرّف في مال الغير ، ولا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه ، فكلّ جزء مشترك يكون مرتبطاً بكليهما ، وقد حقّقنا في البحث عن قاعدة اليد(1) أنّ الكسور المشاعة لها واقعيّة وحقيقة ، ولا تكون صرف الاعتبار ، ولا يكون المالك للنصف مثلاً مالكاً لأمر اعتباري ، بل المملوك له حقيقة هو النصف بنحو الإشاعة; بمعنى أنّ كلّ جزء يفرض يكون نصفه له ، فالتصرّف في المال المشترك تصرّف في مال الغير تتوقّف حلّيته على إذنه بمقتضى ما ذكرنا ، وحينئذ فمع الإذن يحلّ للشريك المأذون التصرّف في المال المشترك ، ولا ملازمة بين حلّية التصرّف له ، وبين حلّية التصرّف للآذن ، بل يحرم عليه ما لم يتحقّق له الإذن من الشريك الآذن قبلاً ، ويجب على المأذون أن يقتصر فيه على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً .
نعم ، في صورة الإطلاق وعدم التقييد يكون الإذن في الشيء إذناً في لوازمه ، فإذا أذِن للشريك الذي له أهل وعيال في سكنى الدار المشتركة يكون لازمه الإذن في إسكان أهله وعياله وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، ولا يبعد أن يُقال بالمقدار المطابق لشأنه بحسب خصوصيّاته والجهات الخاصّة فيه الواضحة للشريك; لأنّ الأشخاص مختلفة من هذه الجهة عنواناً وشأناً

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/409 ـ 418 .

(الصفحة99)

مسألة 3 : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدِّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، تطلق أيضاً على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما: اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها; بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به1.


ومسؤوليّةً ، وغير ذلك من الجهات العقلائية التي لها دخل في ذلك ، كزوجته واُسرتها وغيرهما ، ففي صورة الإطلاق يجوز ذلك كلّه إلاّ أن يصرّح بالمنع عن الجميع أو البعض ، فاللازم مراعاة ذلك كما لايخفى .
ثمّ إنّه لو فرض أنّ الشريك يحتاج إلى التصرّف في المال المشترك ، مثل أن لا يكون له مسكن ، ومن ناحية اُخرى لا يأذن له الشريك الآخر بوجه ، فلابدّ من التقسيم ولو من حيث الزمان ، وسيأتي شرائط القسمة وكيفيّتها إن شاء الله تعالى .

1 ـ كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدّم ذكرها ، كالإرث واشتراء شيء واحد في بيع واحد والحيازة وغيرها ، كذلك تطلق على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما .
قال السيّد (قدس سره) في العروة : كما أنّ هذه الشركة قد تكون في عين وقد تكون في

(الصفحة100)



منفعة ، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة ، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاًّ في التصرّف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها(1) . وقد مثّل للكلّي في المعيّن بما لو باع منّاً من الصبرة المعيّنة لزيد ، فإنّ المنّ الكلّي يكون لزيد والباقي للمالك البائع ، وبذلك يكونان شريكين في الصبرة المعيّنة .
وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة ، اللّهمَّ إلاّ أن يُراد بها عدم التعيين لا خصوص الثلث والربع ونحوهما(2) ، واُورد عليه بخروج هذا الفرض عن موضوع الشركة ، فإنّها إنّما تتحقّق فيما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر على نحو الإشاعة; بأن يكون لكلّ منهما حصّة في كلّ جزء من ذلك المال; لأنّه إذا كان مال كلّ منهما مستقلاًّ عن الآخر وإن كانا بحسب الوجود واحداً ، فإنّه لا تتحقّق الشركة فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ المالك يملك شيئاً والمشتري شيئاً آخر ; لأنّ الأوّل يملك الصبرة الخارجيّة والثاني يملك منّاً منه(3) .
ويؤيّد الإيراد أنّا قد ذكرنا في المسألة السابقة أنّه لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك إلاّ بإذن الآخر ، مع أنّه من الواضح جواز التصرّف له في المجموع إلاّ منّاً واحداً في المثال المفروض ، فيجوز له مع سائر الأجزاء من أشخاص آخرين بالبيع الصحيح غير المحتاج إلى الإذن بوجه .


(1) العروة الوثقى: 2/582 .
(2) جواهر الكلام: 26/286 .
(3) مستمسك العروة الوثقى: 13/13 ـ 14 .
<<التالي الفهرس السابق>>