في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)



وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ قياس المقام بمثل الدار من القياس مع الفارق; إذ العبرة في تحقّق الشركة بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف; وهي غير متحقّقة في مثال الدار بخلاف ما نحن فيه ، حيث لا يكون وجود الكلّي في الخارج منحازاً عن وجود الفرد الخارجي ، بل الكلّي موجود بوجود الفرد ، وحينئذ فالموجود الواحد في الخارج مضاف إلى مالكين ، ولكن بنحوين من الإضافة ، فإنّه بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك ، وبلحاظ الكلّي مملوك للمشتري . والحاصل أنّ اختلاف نحوي الإضافة لا يوجب عدم تحقّق الشركة بينهما(1) .
أقول : الظاهر وجود الفرق بين صورة مزج منّ من حنطة بصبرة الغير ، وبين صورة بيع منّ من صبرته من زيد مثلاً ، فإنّ الظاهر تحقّق الشركة في الصورة الاُولى إن قلنا بأنّ مزج الحنطة بالحنطة موجب للشركة ، وعدم تحقّقها في الصورة الثانية التي يعبّر عنها بالكلّي في المعيّن ، ولا دليل على لزوم الإشاعة في تحقّق الشركة ، بل كما أفاده صاحب العروة أنّ الشركة قد تكون بنحو الإشاعة وقد تكون بنحو الكلّي في المعيّن ، كما أنّه لا دليل على جريان الحكم الذي ذكرناه في الشركة في جميع فروضها ، بل في بعض أقسامها; وهي الشركة بنحو الإشاعة ، ولذا يجوز لمالك الصبرة التصرّف في الجميع إلاّ في المنّ الواحد منه في المثال المفروض ، من دون توقّف على إجازة صاحب المنّ بوجه وإن كان يبعد هذا الفرق في بادئ النظر .
وكيف كان ، فيدلّ على صحّة الشركة العقدية مضافاً إلى عموم ما يدلّ على صحّة العقود والتجارة عن تراض ، مثل صحيحة هشام بن سالم المتقدِّمة في أوّل

(1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 185 ـ 186 .

(الصفحة102)

مسألة 4 : يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة; من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وعدم الحجر لفلس أو سفه1.

مسألة 5 : لا تصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال نقوداً كانت أو عروضاً ، وتسمّى تلك شركة العنان ، ولا تصحّ في الأعمال ; وهي المسمّاة بشركة الأبدان; بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما; سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصّل كلّ منهما بالحيازة من الحطب مثلاً يكون مشتركاً


بحث الشركة(1); وهي وإن كانت غير ظاهرة في ثبوت الثمن الذي يشترى به السلعة بينهما بنحو الاشتراك ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المتفاهم العرفي منها ذلك ، خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الربح لهما والخسران عليهما .
هذا ، وأمّا الشركة في بابي الزكاة والخمس ، وكذا في الموقوفات العامّة مثل القناطير والأمكنة العامّة ، فلسيّد العروة في هذا المجال كلام مفصّل مذكور في ملحقات العروة في كتاب القضاء ، وقد أوردناه مع ما يرد عليه في نفس الكتاب(2) ، فراجع .

1 ـ حيث إنّ الشركة العقدية بالمعنى المذكور من العقود الصحيحة الماليّة ، فيعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وعدم المحجوريّة لفلس أو سفه وأمثال ذلك ، إذ لا خصوصيّة فيها من هذه الجهة كما لايخفى .


(1) في ص 94 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 272 ـ 277 .

(الصفحة103)

بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه .
نعم ، لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة ـ كسنة أو سنتين ـ على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبِلَ الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة ، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض .
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه ، وأشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس ـ لا مال لهما ـ على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ، ويكون ذلك بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكَّل كلٌّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه; بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما ، فيكون حينئذ الربح والخسران بينهما .
ولا تصحّ أيضاً شركة المفاوضة; وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما ـ من ربح تجّارة أو فائدة زراعة ، أو اكتساب ، أو إرث ، أو وصيّة ، أو غير ذلك ـ شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان1.


1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان انحصار الشركة المسبّبة عن المعاقدة بالشركة العقدية المذكورة المعبّر عنها بشركة العنان ، وهنا بعض العناوين الاُخر من الشركة ولكنّها غير صحيحة :
منها : شركة الأبدان; بأن أوقع العقد إثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركة بينهما; سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، أو

(الصفحة104)



تعاقدا على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة يكون مشتركاً بينهما ، فإنّه لا تتحقّق الشركة بذلك بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وما حازه ، ولعلّ من هذا القبيل الشركة المتعارفة في هذه الأزمنة ، من أن يتعهّد صاحب السيّارة مثلاً لأن يجعل سيّارته تحت اختيار الآخر على أن يكون ما يعمله الآخر بها ـ من حمل متاع أو نقل مسافر ـ ويأخذ من الأجر لهما على طبق ما اتّفقا عليه من النسبة .
هذا ، ولكن حكي عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) صحّة شركة الأعمال ما لم يتحقّق إجماع على خلافه(1) .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه إن أرادوا بذلك ـ أي بشركة الأعمال ـ عقد الشركة في الاُجرتين اللتين تحصل لهما من عملهما ، كما هو غير بعيد من ظاهر كلماتهم ، فلا ينبغي الإشكال في بطلانها; لعدم الدليل على صحة تمليك المعدوم ، وإن أرادوا بها الشركة في نفس المنفعة; بأن يملّك كلّ منهما نصف خياطته مثلاً في ذلك اليوم لصاحبه في قبال تمليك صاحبه كذلك ، فلا نعلم وجهاً لبطلانها ، فإنّها من شركة المنافع(2) .
أقول : هذا يرجع إلى المصالحة المذكورة في المتن ; لأنّ تمليك المنفعة في مقابل تمليك المنفعة لا ينطبق عليه عنوان غير عنوان المصالحة ، فمرجع ما أفاده إلى تلك المصالحة ، وهي قد تقع بنحو مذكور ، وقد تقع بنحو تمليك المنفعة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ في مقابل تمليك الآخر كذلك بالعوض المذكور .
ومنها: شركة الوجوه; وهي على أشهرمعانيها ـ كمايظهرمن عنوانها ـ أن يشترك

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 10/193 .
(2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 190 ـ 191 .

(الصفحة105)

مسألة 6 : لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة ، كانت الاُجرة مشتركة بينهما . وكذا لو حاز اثنان معاً مباحاً ، كما لو اقتلعا معاً شجرة ، أو اغترفا ماءً دفعةً بآنية واحدة ، كان ما حازاه مشتركاً بينهما . وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة ، وتقسّم الاُجرة و ماحازاه بنسبة عملهما ، ولو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح1.


اثنان وجيهان لا مال لهما على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ، ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا الوصول إلى مثل هذه النتيجة وكَّل كلّ منهما الآخر في أن يبتاع النصف له في ذمّته فتكون أيضاً الربح والخسران بينهما ، لتحقّق الشركة بالابتياع كذلك ، وإلاّ ففي الصورة الاُولى ليس هناك شيء يشتركان فيه بالفعل ، ولا معنى لتمليك المعدوم ، وقد تقرّر في محلّه أنّ التمليك في باب الإجارة يغاير هذا .
ومنها : شركة المفاوضة; وهي أن يعقد اثنان على أنّ كلّ ربح يحصل له من أمر اختياري كالزراعة والتجارة ، أو غير اختياري كالإرث والوصيّة مشترك بينه وبين الآخر ، وكلّ خسارة ترد عليه من أيّ سبب وأيّة ناحية تكون بينهما ، والسرّ في البطلان ما أشرنا إليه من أنّه تمليك معدوم ، فانحصرت الشركة الصحيحة بشركة العنان المسمّـاة بالشركة العقدية .

1 ـ لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة كانت الاُجرة مشتركة بينهما ، وليس ذلك من شركة الأبدان ; لأنّ الملكيّة للاُجرة قد حصلت بنفس الإجارة ، غاية الأمر أنّهما يستحقّان على المستأجر تمام الاُجرة بنفس عقد الإجارة ، وهو يستحقّ عليهما العمل ، فتعدّد الأجير ووحدة المستأجر في عمل

(الصفحة106)

مسألة 7 : يشترط في عقد الشركة العنانية أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده; سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة كالمائعات أم لا ، كالدراهم والدنانير ، كانا مثليين أم قيميين ، وفي الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز ، لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط ، ولو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه ، وفائدته الإذن في التجارة في مثله1.


واحد لا يكون من الشركة في الأبدان ، واستحقاقهما الاُجرة إنّما هو بنسبة عملهما . وكذا لو حاز اثنان معاً شيئاً واحداً مباحاً ، كما إذا اقتلعا معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً دفعة واحدة بآنية واحدة من البحر أو البئر ، يكون ما حازاه مشتركاً بينهما ، لا لأجل شركة الأبدان الباطلة ، بل لأجل كون الحيازة كذلك موجبة للملكيّة بنسبة الحيازة ، ولو لم تعلم النسبة في المثالين فمقتضى الاحتياط التصالح .

1 ـ يشترط في عقد الشركة العنانية الصحيحة أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده; سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة القهريّة كالمائعات ، أم لا كالدراهم والدنانير; سواء كانا مثليين أم قيميين، فصاحباالدارين إذاأراداالشركة بهذاالنحولابدّ من التنصيف، مثلاً; بأن يملّك كلّ واحد منهما نصف داره إلى الآخر; لتتحقّق الشركة بالإضافة إلى كلّ واحد منهما ، والدليل على اعتبار الامتزاج بهذا النحو على ما ورد في بعض الكلمات هو الإجماع على ما ادّعاه جماعة(1) ، مع أنّ الفقهاء (قدس سرهم) بين من لم يتعرّض

(1) تذكرة الفقهاء: 2/221 ، الركن الثالث ، الوسيلة: 262 ، رياض المسائل: 9/55 .

(الصفحة107)

مسألة 8 : لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب إلاّ إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالمورّث فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال ، ويتّبع في الإطلاق والتقييد ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع . هذا من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل والتكسّب ، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك ـ اقتصر عليه ولا يتعدّى إلى غيره1.


لهذه الجهة أصلاً كالمحقّق(1) والشهيد (قدس سرهما)(2) ، وبين من كان معقد إجماعه أمراً آخر(3) .
وعليه: فالظاهر عدم تحقّق انعقاد الإجماع على اعتبار الامتزاج الذي هو الأعمّ من الامتزاج المعتبر في الشركة القهرية على ما عرفت في أوّل بحث الشركة(4) ، ضرورة أنّه مع الاتّحاد لا يبقى حاجة إلى الشركة العنانية .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لابدّ في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتمييز لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة ، كما مثّلنا بالدارين اللذين يكون كلّ واحد منهما لشخص واحد ، فتدبّر في هذا المقام حتّى لا يختلط عليك الأمر .

1 ـ قد عرفت(5) أنّه في موارد تحقّق الشركة القهريّة لا يجوز لأحد الشريكين

(1) شرائع الإسلام: 2/129 ـ 130 .
(2) اللمعة الدمشقيّة: 22 .
(3) الخلاف: 3/327 ـ 328 ، السرائر: 2/399 ، جواهر الفقه: 73 ، المؤتلف من المختلف: 1/588 مسألة 2 .
(4) في ص 94 ـ 95 .
(5) في ص98 .

(الصفحة108)

مسألة 9 : حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ ، يقتصر على المتعارف ، فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلاّ مع التعارف ، والموارد فيهما مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ ، وجاز لهما كلّ ما تعارف; من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك . نعم ، لو عيّنا شيئاً لم يجز لهما المخالفة


التصرّف في المال المشترك إلاّ بإذن الآخر ، ولا يكون جواز تصرّف المأذون ملازماً لجواز تصرّف الآذن ، فيمكن أن لا يجوز للآذن مع ثبوت الجواز للمأذون ; لعدم الملازمة ، كما لعلّه سيجي تحقيقه في مسائل القسمة .
فاعلم أنّه في مورد ثبوت الشركة العقدية أو العنانية يكون الحكم أيضاً كذلك ، أي لا يجوز لواحد من الشريكين التصرّف في المال المرتبط بالآخر ; لعدم حصول الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة بعد ، أو لكون الامتزاج فيها أعمّ من الامتزاج المعبّر في القهريّة كما عرفت ، وإيقاع عقد الشركة لا يقتضي الجواز لا مطابقة ولا إطلاقاً ، إلاّ إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه ، ومثّل له في المتن بما إذا كانت الشركة القهريّة حاصلة ابتداءً فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال والمتّبع في الإطلاق والتقييد هو نفس ذلك الإذن ، كما أنّ المتّبع في جواز التكسّب من كلّ منهما أو من أحدهما ذلك .
هذا كلّه من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل ، فمع الإطلاق لابدّ أن يكون العمل ممّا فيه المصلحة بنظرهما ، كالعامل في باب المضاربة ، فإنّ الجواز مقصور على ما يرى العامل فيه المصلحة ، وإن عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما ، أو البزازة أو غير ذلك من تكسّب خاصّ ـ لابدّ من الاقتصار عليه ، ولا يجوز التعدّي إلى غيره كما هو واضح .

(الصفحة109)

عنه إلاّ بإذن الشريك ، وإن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف1.

مسألة 10 : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما ، فإن تساوى تساويا فيهما ، وإلاّ يتفاضلان حسب تفاوته; من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف . ولو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، أو تساويهما فيه مع تفاوت فيه ، فإن جعل الزيادة للعامل منهما ، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال ، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ، ففي صحّة العقد والشرط معاً ، أو بطلانهما ، أو صحّة العقد دون الشرط أقوال ، أقواها أوّلها2.


1 ـ لابدّ في الشركة العقدية من كلّ ناحية الاقتصار على المتعارف أو الإذن الخاصّ ; لأنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا تحقّق عقد الشركة وانعقد موضوع الشركة العنانية ، لا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال للبيع في بلد آخر إلاّ مع التعارف الذي تكون الموارد والأماكن والأزمان فيها مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ من المالك الأصلي . وكذا من جهة سائر الخصوصيّات التي يمكن الفرق فيها في المعاملات من جهة الجنس المشترى والبائع والمشتري ومقدار زمان النسيئة ، وغير ذلك من الجهات . ولو عيّنا في العقد شيئاً خاصّاً لم يجز لهما المخالفة عنه إلاّ مع الإذن من الآخر ، وفي صورة التعدّي والتفريط يتحقّق الضمان كسائر الموارد .

2 ـ لا شبهة في أنّه إذا كانت الشركة العقديّة مطلقة غير معيّنة فيها مقدار الربح والخسران بالإضافة إلى الشريكين ، يكون مقتضى إطلاقها ملاحظة النسبة مع

(الصفحة110)



المالين ، فإن تساوى فيهما تساويا في الربح والخسران ، وإن تفاضلا يتحقّق التفاضل فيهما بالنسبة ، وهذا من دون فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو من كليهما ، وفي الصورة الثانية لا فرق بين صورتي التساوي في العمل والاختلاف فيه أصلاً . ولو شرط التفاوت في الربح مع عدم الاختلاف في مقدار المال ، أو شرط التساوي في الربح مع ثبوت التفاوت والتفاضل في المال ، فإن جعل الزيادة لخصوص العامل ، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال; لأنّ مرجع جعل الزيادة إلى جعلها في مقابل أصل العمل ، أو الزيادة فيه وهو لا مانع منه أصلاً ، وإن جعل الزيادة لغير العامل ، أو لمن كان عمله أنقص ففي المسألة أقوال ثلاثة :
أحدها : القول بصحّة العقد والشرط معاً; وهو الذي قوّاه الماتن (قدس سره) تبعاً للسيّد في العروة ، مستدلاًّ بعموم قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم(1) . قال : ودعوى أنّه مخالف لمقتضى العقد كما ترى . نعم ، هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة ، بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل .
ودعوى أنّ العمل بالشرط غير لازم; لأنّه في عقد جائز ، مدفوعة أوّلاً : بأنّه مشترك الورود; إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ، وثانياً: بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط ، والمفروض في صورة عدم الفسخ ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين(2) .


(1) تقدّم في ص36 .
(2) العروة الوثقى: 2/585 مسألة 3484 .

(الصفحة111)



ثانيها : ما اختاره بعض الأعلام (قدس سره) من بطلان الشرط دون العقد ، أمّا بطلان الشرط فلمخالفته للسنّة ; لأنّ مقتضاها تبعيّة الربح للمال في الملك وكونه لصاحبه ، فاشتراط كونه كلاًّ أو بعضاً لغيره يكون من الشرط المخالف للسنّة ، وقال في توضيحه ما ملخّصه : إنّ الربح المشترط كونه للغير ، إذا كان موجوداً بالفعل ومملوكاً له فلا مانع من أخذه في العقد; لأنّه شرط سائغ ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يصحّ أخذه شرطاً; إذ لا يصحّ تمليك المعدوم ، ويكون من الشرط المخالف للسنّة إلاّ ما أخرجه الدليل ، كالمضاربة ونحوها .
ولذا لم يتوقّف أحد في بطلان هذا الشرط إذا اُخذ في ضمن عقد آخر كالبيع والإجارة; بأن يشترط البائع على المشتري في عقد بيع الدار مثلاً أن تكون أرباح بستانه له ، فإنّه فاسد جزماً ، إذا الشرط لا يكون مشرّعاً ، هذا إذا كان بصورة شرط النتيجة ، وأمّا إذا كان بصورة شرط الفعل فهو أيضاً كذلك وإن كان قد يفصّل بينهما ، وأمّا عدم بطلان العقد فلعدم اقتضاء بطلان الشرط لبطلان العقد كما قد تقرّر في محلّه(1) .
ثالثها : بطلان كليهما ; أمّا بطلان الشرط فلما ذكر ، وأمّا بطلان العقد فلاستلزام بطلان الشرط لبطلان العقد .
والتحقيق يوافق القول الأوّل من صحّة العقد والشرط معاً ; لأنّ بطلان الشرط المخالف للسنّة لا يكون أمراً قابلاً للتخصيص حتّى أخرجه الدليل في مثل المضاربة ، أفهل يمكن الالتزام بأنّ الشرط المحرّم للحلال أو المحلّل للحرام باطل

(1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 202 ـ 203 .

(الصفحة112)

مسألة 11 : العامل من الشريكين أمين ، فلا يضمن التلف إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، وإن ادّعى التلف قبل قوله . وكذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي والتفريط وقد أنكر1.

مسألة 12 : عقدالشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ، والظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها لا بالمزج ونحوه ، كمزج اللوز باللوز ، والجوز بالجوز ، والدرهم والدينار بمثلهما ، ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه ، فيتخلّص فيه بالتصالح . وكذا ينفسخ


بنحو العموم ، الذي يكون قابلاً للتخصيص في بعض الموارد; لأنّ سياقه آب عن ذلك ، فثبوت الدليل في مثل المضاربة دليل على عدم كونه مخالفاً للسنّة ، بل مخالفاً للإطلاق القابل للتقييد بالاشتراط .
وأمّا البطلان في مثل ما إذا اُخذ في ضمن عقد لازم آخر ، كالبيع والإجارة المذكورين ، فعلى تقدير تسليمه فإنّما هو لأجل الجهالة السارية في باب الشروط ، فتوجب بطلان مثلهما ، أو لأجل الإشكال في أصل شرط النتيجة في مقابل شرط الفعل ، لا لأجل كون المنفعة معدومة ، وإلاّ فلو فرض حصول الربح للبستان وكذا علم مقداره ، فلا إشكال في صحّة الشرط المذكور إلاّ على الفرض الثاني ، والتحقيق في محلّه .

1 ـ لا شبهة في أنّ العامل من الشريكين الذي بيده المال أمين بالأمانة المالكيّة ، كالعامل في باب المضاربة ، وعليه: فيجري عليه حكم الأمين من عدم ضمانه مع التلف من دون تعدٍّ وتفريط ، وقبول قوله مع ادّعاء التلف ، وكذا في مقابل دعوى الشريك التعدّي والتفريط كسائر الموارد .


(الصفحة113)

بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السّفه ، ولا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً مع عدم جواز تصرّف الشريك1.

مسألة 13 : لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه ، إلاّ إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع ، فيجب عليهما الوفاء ، وكذا في ضمن عقد جائز ، فيجب الوفاء ما دام العقد باقياً2.


1 ـ عقد الشركة جائز من الطرفين إجماعاً; لعدم كونه من العقود اللازمة ، مضافاً إلى أنّه لا يكون أهمّ من المضاربة الجائزة كما تقدّم ، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ العقد ، وحينئذ فإن كان الامتزاج فيها مغايراً للامتزاج الموجب للشركة القهرية ـ لما تقدّم(1) من أنّ الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة أخصّ من الامتزاج المعتبر في الشركة العقدية ـ يرجع بعد الانفساخ كلّ مال إلى صاحبه من دون إشكال ، وأمّا في غيره فلابدّ من التخلّص بصلح ونحوه ، وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس والسفه; للخروج عن صلاحية الإذن المعتبر بسبب أحد هذه الاُمور ، لكن نفى البُعد في المتن عن بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً مع عدم جواز تصرّف الشريك ، ولعلّ الوجه فيه عدم لزوم التفكيك; لعدم توقّف انحفاظ المال عليه ، وإلاّ فالظاهر لزوم القسمة .

2 ـ لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم; لعدم استلزام جعل الأجل للزوم الشركة ولو إلى ذلك الأجل ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضاء الأجل ، إلاّ إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد لازم كالبيع والإجارة ، فيجب عليهما الوفاء

(1) في ص 94 ـ 95 و 107 .

(الصفحة114)

مسألة 14 : لو تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد ، أو بصحّة عقدها في غيره . هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلاًّ ، وإلاّ فلا إشكال . وعلى الصحّة لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر1.


بهذا الشرط تكليفاً ، وأمّا عدم تأثير الرجوع على تقدير المخالفة فلا ، غاية الأمر أنّه يكون عدم الوفاء به موجباً لجواز الفسخ في ذلك العقد اللازم ، نظراً إلى خيار تخلّف الشرط كما هو واضح . وأمّا إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد جائز ، فالظاهر أيضاً بمقتضى ما تقدّم وجوب الوفاء بالشرط ما دام كون ذلك العقد الجائز باقياً ، فراجع .

1 ـ لو تبيّن بطلان عقد الشركة لجهة موجبة له ، فحيث إنّ الشركة العقديّة متقوّمة بالإذن ، فإذا كان إذنهما متقيّداً بالشركة الحاصلة بالعقد ، أو بصحّة عقد الشركة في غيره ، تكون المعاملات الواقعة غير صحيحة لعدم ثبوت الإذن فيها ، وإذا لم يكن إذنهما متقيّداً بذلك فالظاهر أنّ المعاملات الواقعة محكومة بالصحّة ، وعلى تقديرها يكون لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، وإذا اتّجر كلّ منهما أو واحد مستقلاًّ يكون له اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر ، وأمّا لو اتّجرا معاً من دون استقلال فلا يستحقّ شيئاً من اُجرة المثل ; لأنّ العمل كان مشتركاً بينهما . نعم ، لو اُحرز أنّ عمل أحدهما يكون أنقص من الآخر يكون للآخر بنسبة الزيادة اُجرة المثل بالإضافة إلى حصّة الآخر ، والسرّ في إضافة الحصّة إلى الآخر واضح ; لعدم الاستحقاق بالإضافة إلى عمل حصّة نفسه . هذا تمام الكلام في مسائل الشركة .

(الصفحة115)

القول في القسمة

وهي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض; بمعنى جعل التعيين بعدما لم تكن معيّنة بحسب الواقع ، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً ، وليست ببيع ولا معاوضة ، فلا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصّان بالبيع ، ولا يدخل فيها الرّبا وإن عمّمناه لجميع المعاوضات1.


1 ـ حقيقة القسمة تعيين حصّة كلّ شريك بعدما لم تكن معيّنة بحسب الواقع ، كما في امتزاج الماء بالماء والخلّ بالخلّ الموجب للشركة القهريّة الواقعيّة ، ولا تكون الحصص متميِّزة ولا متعيّنة عرفاً ولا عقلاً ، وليست القسمة عبارة عن تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً ، فإنّه يرد عليه:
أوّلاً: عدم التعيّن الواقعي في المثال الذي فرضناه; لعدم التمييز ولو عقلاً فضلاً عن العرف .
وثانياً: لزوم الرجوع إلى القرعة فقط في مثل تلك الموارد ، كما وردت بالإضافة إلى قطيع غنم دخل فيها غنم مملوك للآخر من غير تعيين ، من غير حاجة إلى شيء آخر من تعديل السّهام وغيره ، كما يأتي إن شاء الله تعالى .
ويدلّ على مشروعيّة القسمة الكتاب; كقوله تعالى : {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى}(1) ، وقوله تعالى : {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}(2) ، والسنّة : فقد روي أنّ عبدالله بن يحيى كان قسّاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) (3)، وقد قسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر على

(1) سورة النساء : 4/8 .
(2) سورة القمر : 54/28 .
(3) المبسوط: 8/133 و 134 .

(الصفحة116)

مسألة 1 : لابدّ في القسمة من تعديل السهام; وهو إمّا بحسب الأجزاء والكمّية كيلاً ووزناً ، أو عدّاً ، أو مساحة ، وتسمّى قسمة إفراز ، وهي جارية في المثليّات; كالحبوب والأدهان والأخلّ والألبان ، وفي بعض القيميّات المتساوية الأجزاء; كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها ، وقطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها . وإمّا بحسب القيمة والمالية ، كما في القيميّات إذا تعدّدت; كالأغنام والعقار والأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة ، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوت قيمة أحدها مع اثنين منها ، فيجعل


ثمانية عشر سهماً(1) ، بل هي من ضروريّات الفقه ، ولا تكون بيعاً ولا معاوضة; بأن يبيع كلّ شريك أو يعاوض سهمه من كلّ جزء ، الآخر في مقابل الجزء المتعلّق به ، بل هي أمر مستقلّ برأسه مشروع بالأدلّة المتقدّمة ، وعليه فلا يجري في القسمة خيار المجلس ولا خيار الحيوان; لاختصاصهما بمقتضى أدلّتهما بالبيع ، ولا يدخل فيها الربا وإن عمّمناه لجميع المعاوضات ، نظراً إلى عدم كونها معاوضة ، بل مجرّد تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض .
وهل هي منصب كما ربما يتوهّم من ثبوت القاسم لعليّ (عليه السلام) كمنصب القضاء والإمارة ، أو يكون مثل الكتابة والوزن وأشباههما من احتمال إعداده لإيقاع هذا العمل إذا اُحتيج إليه; لوجود جميع الشرائط المعتبرة في بعض دون بعض; مثل الاطّلاع على الحساب كما سيأتي؟ لكنّه استظهر صاحب الجواهر الأوّل; نظراً إلى إرسالهم له إرسال المسلّمات(2) ، فكأنّه ثبت إجماع على ذلك ، والأمر سهل .


(1) المبسوط: 8/133 .
(2) جواهر الكلام: 40/327 .

(الصفحة117)

الواحد سهماً والاثنان سهماً ، وتسمّى هذه قسمة التعديل . وإمّا بضمّ مقدار من المال مع بعض السّهام ليعادل الآخر; كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة ، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأوّل ، وتسمّى هذه قسمة الردّ1.


1 ـ القسمة على أقسام :
منها : قسمة إفراز ، ومجراها المثليّات; كالحبوب والأدهان والألبان وغيرها ، وبعض القيميات المتساوية الأجزاء; كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها ، وقطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها ، والتعديل الواقع في هذا القسم يكون بحسب الأجزاء والكمّية كيلاً أو وزناً ، أو عدّاً ، أو مساحة .
ومنها : قسمة التعديل; وهي جارية في القيميات إذا تعدّدت ، والملاك فيها هي القيمة والماليّة; كالأغنام والعقاروالأشجار إذاساوى بعضهامع بعض بحسب القيمة; كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام تكون قيمة أحدها مساوية لقيمة الباقين ، فيجعل الواحد سهماً والاثنان سهماً ، وأمّا إذا اشتركا في غنمين متساوي القيمة ـ كما إذا اشتراهما بمال مشترك ـ فالقسمة فيها قسمة إفراز ، كما تقدّم في الصورة الاُولى .
ومنها : قسمة الردّ; وهو ما إذا ضمّ مقدار من المال ـ أي من أحد الشريكين ـ مع بعض السّهام ليعادل الآخر; كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة ، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار يتساوى مع الأوّل ، وكأنّه يكون لكلّ منها أربعة دنانير مع النصف ، ولعدم حصول الترجيح تتحقّق القسمة بين الغنمين ، فمن وقع له الغنم الذي تكون قيمته خمسة دنانير لابدّ له أن يردّ إلى الآخر نصف دينار ليعادل الآخر; لفرض كون شركتهما بنحو التساوي ، وإلاّ فقبل القسمة لا يعلم بأنّه على من يجب له ردّ نصف دينار ، كما هو أوضح من أن يخفى .


(الصفحة118)

مسألة 2 : الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة ممّا يمكن فيها التقسيم ، حتّى فيما إذا كانت في جنس واحد من المثليّات; بأن يقسّم متفاضلاً ويضمّ إلى الناقص دراهم مثلاً تجبر نقصه ويساوي مع الزائد قيمة ، وكذا إذا كانت في ثلاثة أغنام تساوي قيمة واحد منها مع الآخرين; بأن يجعل غالي قيمةً مع أحد الآخرين سهماً ، وضمّ إلى السهم الآخر ما يساويهما قيمة ، وهكذا .
وأمّا قسمة التعديل ، فقد لا تتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل ، كما أنّ قسمة الإفراز قد لا تتأتّى كالمثال الثاني .
وقد تتأتّى الأقسام الثلاثة; كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم ، ووزنة شعير قيمتها خمسة ، ووزنة حمّص قيمتها خمسة عشر ، فإذا قسّم كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز ، وإن جعلت الحنطة مع الشعير سهماً والحمّص سهماً كانت قسمة تعديل ، وإن جعل الحمّص مع الشعير سهماً والحنطة مع خمسة دراهم سهماً كانت قسمة الردّ ، ولا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلاّ قسمة الردّ مع إمكان غيرها ، فإنّ في صحّتها إشكالاً ، بل الظاهر العدم . نعم ، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها1.


1 ـ الغرض من هذه المسألة أنّ الأقسام الثلاثة للقسمة المذكورة في المسألة السابقة حتّى قسمة الردّ المحتاجة إلى ضمّ أمر زائد على المال المشترك إلى أحدهما أو أحدها قد تتأتّى في بعض الموارد; كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أشياء ، كالحنطة التي قيمتها عشرة دراهم ، والشعير الذي قيمته خمسة ، والحِمّص الذي قيمته خمسة عشر ، فإنّه حينئذ إذا قسّم كلّ واحدة من العناوين الثلاثة نصفين تكون قسمة إفراز ، وإن جعلت الحنطة مع القيمة المذكورة مع الشعير الذي لوحظ فيه

(الصفحة119)

مسألة 3 : لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة ، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة ، فجعلت ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار ، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء ، فقسّمت ثلاثة أقسام معدّلة بخشبة أو حبل لايدرى مقدار طولهما صحّ1.


قيمته المذكورة سهماً ، والحمّص الذي كان قيمته خمسة عشر تصير قسمة تعديل .
وإن جعل الحمّص مع الشعير سهماً ، والحنطة مع خمسة دراهم سهماً ، كانت قسمة الردّ ، ولكن حيث إنّ قسمة الردّ تفتقر إلى ضمّ أمر زائد على المال المشترك ، فلا دليل على صحّتها حتّى مع التراضي ، لعدم كون القسمة بيعاً ولا معاوضة كما عرفت ، ففي مورد إمكان قسمة غير الردّ لا دليل على صحّة قسمة الردّ . نعم ، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها .
وأمّا قسمة الإفراز فقد لا تتأتّى في بعض الموارد ، كما في القيميّات المتعدّدة المختلفة من حيث القيمة ، كما أنّ قسمة التعديل قد لا تتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل ، أي صورة الاختلاف في القيمة مع عدم تساوي بعضها مع بعض ولو مع فرض القلّة والكثرة ، والظاهر صحّة القسمة بجميع أقسامها إلاّ قسمة الردّ مع إمكان غيرها على ما عرفت .

1 ـ لو كانت القسمة معدّلة ـ ولازمها عدم إضافة بعض السّهام على بعض آخر ـ لا يعتبر تعيين مقدار السّهام بعد عدم كون القسمة بيعاً ولا معاوضة أصلاً ، بل هي عبارة عن مجرّد تمييز الحصص وتشخيصها ، فيمكن تحقّق القسمة بمكيال مجهول المقدار في نفسه ، أو خشبة أو حبل مجهول الطول كذلك في المثالين المذكورين في المتن ونظائرهما كما هو واضح .


(الصفحة120)

مسألة 4 : لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها ، فإن كانت قسمة ردّ ، أو كانت مستلزمة للضرر فللشريك الآخر الامتناع ولم يجبر عليها ، وتسمّى هذه قسمة تراض ، وإن لم تكن قسمة ردّ ولا مستلزمة للضرر يجبر عليها الممتنع ، وتسمّى قسمة إجبار . فإن كان المال لا يمكن فيه إلاّ قسمة الإفراز أو التعديل فلا إشكال . وأمّا فيما أمكن كلتاهما ، فإن طلب قسمة الإفراز يجبر الممتنع ، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل ، فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء ـ كحنطة وشعير وتمر وزبيب ـ فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اُجبر الممتنع ، وإن طلب قسمة تعديل بحسب القيمة لم يجبر . وكذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان ، فيجبر الممتنع عن قسمة كلّ منهما على حدة ، ولا يجبر على قسمة التعديل . نعم ، لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل اُجبر الممتنع على الثانية دون الاُولى1.


1 ـ لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها ، فإن كانت القسمة المطلوبة قسمة الردّ المستلزمة لضمّ مال غير مشترك إلى المال المشترك كما عرفت ، أو كانت مستلزمة للضرر على الشريك الآخر فله الامتناع ، ولا يجبر عليها لا لجريان قاعدة «لا ضرر» في الفرض الثاني ، لماعرفت من أنّها بعيدة عن الأحكام الفقهيّة بمراحل كما تقرّر في محلّه ، بل لأجل عدم الدليل على وجوب القبول أو الإجبار في هذه الصورة ، وتسمّى هذه قسمة تراض ، ولعلّ التسمية بملاحظة توقّفها كذلك على رضا الشريك وموافقته .
وإن لم تكن قسمة ردّ ولا مستلزمة للضرر بوجه ، فيجبر الممتنع من الشريكين أو الشركاء عليها وتسمّى قسمة إجبار; لجوازه بل وجوبه ، فإن كان المال لا يمكن فيه إلاّ خصوص قسمة الإفراز أو خصوص قسمة التعديل فلا إشكال ، وأمّا فيما إذا
<<التالي الفهرس السابق>>