في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة381)





[القول في الحوالة]

أمّا الحوالة ، فحقيقتها: تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره; وهي متقوِّمة بأشخاص ثلاثة : المُحيل وهو المديون ، والمحتال وهو الدائن ، والمُحال عليه . ويعتبر فيهم البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، وفي المحتال عدم الحجر للفلس ، وكذا في المحيل إلاّ على البري . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور ، مثل: «أحلتك بما في ذمّتي من الدَّين على فلان» وما يفيد معناه ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك ، ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط1.


1 ـ حقيقة الحوالة عبارة عن تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، ومنه يظهر أنّها متقوِّمة بأشخاص ثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه ; لأنّ الدَّين متقوّم بشخصين ، وإحالته إلى الغير توجب الافتقار إلى الغير ، فهنا أشخاص ثلاثة ، ويعتبر في الجميع ما مرّ اعتباره في الضمان من البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، ويعتبر في خصوص المحتال عدم الحجر لأجل الفلس; لأنّ الصغر والسفاهة داخلان في البلوغ والرشد ، فلا يبقى إلاّ الحجر لأجل المرض أو الفلس ، ولا خفاء

(الصفحة382)

مسألة 1 : يشترط في صحّة الحوالة ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ اُمور :
منها : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، فلا تصحّ في غيره وإن وجد سببه ، كمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لا يوجد ، كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
ومنها : تعيين المال المحال به ; بمعنى عدم الإبهام والترديد . وأمّا معلوميّة مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو كان مجهولاً عندهما ومعلوماً معيّناً واقعاً لا بأس به ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة.


في أنّ الحوالة لا تكون تصرّفاً من المريض ، بل طريق إلى وصول ماله الذي ينتقل إلى الورثة بعداً; لأنّ المفروض مرض الموت كما مرّ في كتاب الحجر (1) .
وأمّا المفلَّس المحجور عليه لأجل ذلك ، فإحالته توجب تضييع حقّ الغرماء ; لأنّ المديون الأوّل ربما يكون أقرب إلى وصول المال وأداء الدَّين من المحال عليه ، كما أنّه يعتبر ذلك في المحيل إلاّ على فرض صحّة الحوالة على البري ، كما سيأتي .
ثمّ إنّه أفاد أنّ الحوالة عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، فالأوّل من المحيل المديون والثاني من المحتال الدائن ، وأمّا المحال عليه فهو وإن كانت الحوالة متقوّمة به أيضاً ، إلاّ أنّه لا يكون طرفاً للعقد; سواء قلنا بعدم اعتبار قبوله أو باعتباره ، ولا يعتبر في إيجابها لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ لفظ يدلّ على الإحالة المذكورة ، كما أنّ الأمر في القبول أيضاً كذلك ، فإنّه يكفي فيه كلّ لفظ يدلّ على الرضا بذلك .
ثمّ إنّه يعتبر في عقد الحوالة ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط كما في الضمان على ما تقدّم .


(1) في ص338 .

(الصفحة383)

ومنها : رضا المحال عليه وقبوله على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، وعلى الأقوى في الحوالة على البري ، أو بغير جنس ما على المحال عليه1.


1 ـ يشترط في صحّة الحوالة مضافاً إلى ما مرّ اُمور وإن كان الاعتبار في بعضها بنحو الاحتياط الوجوبي ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى :
الأوّل : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل واشتغلت عهدته به ، ضرورة أنّه مع عدم الاشتغال لا خصوصيّة له ولا مجال للحوالة ، فإنّها ترجع حينئذ إلى استدعاء وطلب من المحتال وإجابة لالتماسه ، ولو فرض اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل . نعم ، يمكن فرض توكيله في تأدية الدَّين في هذه الصورة وأخذه عن المديون وكالة عن الدائن ، وقد عرفت أنّ حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، فالتعبير بها في العرف في موارد عدم ثبوت الدَّين أيضاً ليس تعبيراً حقيقيّاً ، بل مسامحيّاً ومجازاً ، ولا فرق في عدم صحّة الحوالة مع عدم اشتغال ذمّة المحيل بين أن يكون السبب غير التامّ موجوداً ، كمال الجعالة قبل العلم والاستحقاق ، أم لم يوجد كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
الثاني : تعيين المال المحال به ; بمعنى عدم الإبهام والترديد بالمعنى المتقدِّم في كتاب الضمان (1) ، وأمّا معلوميّة المقدار أو الجنس عند المحيل أو المحتال ، فقد استظهر في المتن عدم اعتبارها ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة ، فلو أحال الدَّين الذي عليه على المحال عليه المديون بأضعاف هذا الدَّين من غير علم للمحيل أو المحتال بالمقدار أو بالجنس فلا دليل على بطلان الحوالة .


(1) في ص362 .

(الصفحة384)

مسألة 2 : لايعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدَّين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البري على الأقوى1.


الثالث : رضا المحال عليه ، وقد فصّل فيه في المتن بين صورة اشتغال ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، فاحتاط وجوباً اعتباره ، وبين صورة الحوالة على البري بناءً على صحّتها ، أو بغير جنس ما أحال عليه ، فقد قوّى الاعتبار ، والوجه في الصورة الثانية واضح ، وأمّا الصورة الاُولى ، فإن قلنا بعدم الاعتبار يلزم أن لا يكون الدائن مستحقّاً لاستدعاء دينه وطلبه ، ولكن حيث يكون المحال عليه مديوناً للمحيل فاشتغال ذمّته للمحتال ـ مع أنّ المحال عليه لا يكون مديوناً له ـ إنّما هو على سبيل الاحتياط ، خصوصاً مع تقوّم الحوالة به ، كما لا يخفى .

1 ـ قد قوّى في المتن صحّة الحوالة على البري ، لكن قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بالصحّة: لكن يكون ذلك بالضمان أشبه (1) ، بل عن المحدّث الكاشاني : الأظهر أنّها ضمان (2) ، وأورد عليهما في الجواهر : بأنّ فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم حصول إنشاء ذلك من المحال عليه حتّى تكون ضماناً ، بل أقصاه الرضا بما أنشأ المحيل (3) .
وكيف كان ، فقد وافق الماتن في الحكم بالصحّة المشهور(4) ، بل الإجماع المحكي عن السرائر(5) ، مضافاً إلى الموافقة للسيرة العملية من المتشرّعة ، ولكن حكي عن

(1) شرائع الإسلام: 2 / 113 .
(2) مفاتيح الشرائع: 3 / 149 .
(3) جواهر الكلام: 26 / 165 .
(4) مفتاح الكرامة: 5 / 406 ـ 407 ، جواهر الكلام: 26 / 165 ، رياض المسائل: 8/588 .
(5) السرائر: 3 / 79 .

(الصفحة385)

مسألة 3 : لا فرق في المحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة ـ بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك ـ على بري ، أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثليّاً كالحنطة والشعير ، أو قيميّاً كالغنم والثوب بعدما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة مثلاً بسبب كالسلم ، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً1.


بعض ابتناء الخلاف على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء ، فعلى الأوّل لا تجوز وعلى الثاني تجوز (1) ، والظاهر أنّها عنوان برأسه وإن لحقها حكم أحد العنوانين في بعض الأحوال والآخر في الآخر . ودعوى استبعاد اختلاف مقتضاها; لأنّها في بعض الصور انتقال ، وفي بعض الصور ضمان ، ليست إلاّ مجرّد الاستبعاد ، وإلاّ فقد عرفت أنّها عنوان مستقلّ كالصلح بناءً على كونه عقداً برأسه ، وإن أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو نحوها ، فتدبّر .

1 ـ عدم الفرق في المحال به بين الاُمور المذكورة في المتن واضح بعد أنّه لم ينهض دليل على ثبوت الفرق ، وقد ثبت في المسألة السابقة صحّة الحوالة على البري . نعم ، فيما إذا كان العمل الثابت على عهدة المحيل مقيّداً بالمباشرة تصريحاً أو انصرافاً ، لا معنى للحوالة به على الغير ; لعدم إمكان تحقّق المباشرة حينئذ ، ولا مجال لتوهّم الفرق بين المثلي والقيمي بعدما كان القيمي المحال به موصوفاً بما يرفع الجهالة ، وأنّه كالثابت على ذمّة المحيل ، فتأمّل .


(1) غاية المراد: 2 / 226 ، جامع المقاصد: 5 / 359 ، مسالك الأفهام: 4 / 215 .

(الصفحة386)

مسألة 4 : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدَّين المحال به ، مع الدَّين الذي على المحال عليه جنساً ونوعاً . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان عليه لرجل مثلاً دراهم وله على آخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو على أنحاء : فتارةً: يُحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، واُخرى: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم ، وثالثة: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها ، لا إشكال في صحّة النحو الأوّل ، وكذا الثالث ، ويكون هو كالحوالة على البري . وأمّا الثاني ففيه إشكال ، فالأحوط فيما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يحال عليه الدراهم وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي1.


1 ـ لا ريب في صحّة الحوالة في صورة اتّحاد الدَّين المحال به مع الدَّين الذي للمحيل على المحال عليه ، وعدم اختلافهما من حيث الجنس والنوع . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان لرجل عليه دراهم وله على الآخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو كما في المتن على صور :
الاُولى : أن يحيل الأوّل على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، ونفى الإشكال في المتن في أواخر المسألة في صحّة هذه الصورة ، ولكن لابدّ من أن يُقال : إنّ التبديل المذكور لابدّ وأن يكون بنحو الصلح أو مثله ، وإلاّ فلو كان بنحو البيع يعتبر التقابض في المجلس ; لاعتباره في بيع النقدين ، والمفروض أنّه غير متحقّق هنا .
الثانية : أن يحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل

(الصفحة387)

مسألة 5 : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ، واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال ، والمحتال مع المحال عليه . وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي . وأمّا إن وقعت على النحو الأخير ، أو كانت الحوالة على البري ، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله1.


ما عليه من الدنانير الدراهم ، وقد استشكل في ذيل كلامه في صحّة هذه الصورة ، واحتاط بتبديل الدنانير بالدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يُحال عليه الدراهم ، وإن كان قد قوّى الصحّة مع التراضي لرجوعه إلى الصلح ومثله ، وإلاّ فقد عرفت أنّه لو كان بصورة البيع يعتبر التقابض في المجلس غير المتحقّق هنا .
الثالثة : الصورة المفروضة مع بقاء الدنانير على حالها ، وقد نفى الإشكال في صحّته; لأنّه يكون كالحوالة على البري التي قد قوّى صحّتها في المسألة الثانية ; لأنّ ما على المحال عليه لا يكون ثابتاً في ذمّته ، وما على ذمّته لم تتحقّق الحوالة بالإضافة إليه ، فهو كالحوالة على البري ، والظاهر أنّه أحسن الصور الثلاثة المفروضة في المقام ، فتدبّر .

1 ـ لو فرض تحقّق الحوالة جامعة للشروط المعتبرة السابقة يترتّب عليها اُمور :
الأوّل : براءة ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ; لأنّ الغرض من الحوالة ذلك; أي حصول البراءة للمحيل عن الدَّين .


(الصفحة388)

مسألة 6 : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غنيّ غير مماطل ، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله ، ولو كان جاهلاً فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، فله الفسخ والعود على المحيل ، ولا فسخ مع الفقر الطارئ ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ1.


الثاني : اشتغال ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه ; لأنّه بعد قبول الحوالة ورضاه بها تصير ذمّته مشغولة له; سواء كانت مشغولة بالإضافة إلى المحيل ، أو بريئة بناءً على ما سبق من صحّة الحوالة على البريء .
الثالث : براءة ذمّة المحال عليه بالإضافة إلى المحيل بما له عليه إن كانت الحوالة بمثل ما عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدِّمة في المسألة الرابعة ، أو على النحو الثاني مع التراضي بناءً على ما أفاده الماتن (قدس سره) على ما مرّ ، وإن وقعت على النحو الأخير من تلك الأنحاء اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان للأوّل على الثاني دين يبقى على حاله كالأوّل . وكذا إن كانت الحوالة على البري ، فإنّه يتحقّق فيها اشتغال ذمّة المحيل للمحال عليه ، وليس الرضا وقبول الحوالة دليلاً على التبرّع والمجّانية ، فلعلّه يريد أداء بعض حقوق المحيل غير المالية من دون قصد المجّانية ، هذه هي الاُمور المترتّبة على الحوالة الصحيحة والصور المتصوّرة فيها فاعرف .

1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأوّل : أ نّه حيث إنّ الحوالة عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، فكما أنّه لا يجب على المحيل الإيجاب ، كذلك لا يجب على المحتال القبول ، وهذا من دون فرق بين أن

(الصفحة389)

مسألة 7 : الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة إلاّ على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال ، كما أشرنا إليه . والمراد بالإعسار أن لا يكون عنده ما يوفي به الدَّين زائداً على مستثنياته ، ويجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم1.


يكون المحال عليه غنيّاً غير مماطل ، أو فقيراً معدماً ، أو غيرهما .
الثاني : أنّ الحوالة مع قبول المحتال لازمة ، كما هو مقتضى أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد شكّ في لزومه وعدمه .
الثالث : لو كان المحتال جاهلاًبإعسار المحال عليه ـ وسيأتي معنى الإعسار في المسألة اللاحقة ـ فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، وأنّه لا يكون قادراً على الأداء فله الفسخ والعود على المحيل; لأنّه مع عدم ثبوت حقّ الفسخ لا يتحقّق الغرض من الحوالة .
الرابع : أنّه لا فسخ مع الفقر الطارئ على الحوالة لاستصحاب اللزوم ، كما أنّه لا يزول الخيار باليسار الطارئ للاستصحاب أيضاً .

1 ـ قد عرفت حكم الحوالة من حيث اللزوم وعدمه ، والتفصيل بين صورة الإعسار وصورة عدمه ، والغرض من هذه المسألة بيان المراد من الإعسار ، وفي المتن : أنّ المراد به أن لا يكون عنده ما يوفي به الدَّين زائداً على مستثنيات الدَّين ، كما أنّها حيث تكون لازمة في نفسها يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الثلاثة الذين هم أركان الحوالة على ما عرفت; لما مرّ في كتاب الضمان من جواز اشتراط الخيار لعموم «المؤمنون عند شروطهم »(1) .


(1) في ص364 ـ 365 .

(الصفحة390)

مسألة 8 : يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، كما لو أحال المديون زيداً على عمرو ، ثمّ أحاله عمرو على بكر ، وهو على خالد وهكذا ، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه ، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ، ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه ، وهكذا1.

مسألة 9 : لو قضى المحيل الدَّين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه ، فإن كان ذلك بمسألته رجع المُحيل عليه ، وإن تبرّع لم يرجع2.


1 ـ يجوز الترامي في الحوالة بأحد وجهين :
أحدهما : تعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، كما لو أحال المديون الأصلي زيداً المحتال على عمرو ، ثمّ أحاله عمرو على بكر ، ثمّ أحاله بكر على خالد ، والسرّ في الجواز في هذا الوجه صيرورة ذمّة المحال عليه مشغولة بالدَّين بسبب قبول الحوالة وإن لم تكن مشغولة بدونه ، وعليه فلا يبقى فرق بينه وبين المديون الأصلي ، فكما أنّه تجوز الحوالة للثاني ، كذلك تجوز للأوّل ; لعدم الفرق أصلاً .
ثانيهما : تعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه ، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه وهكذا ، والوجه في الجواز في هذه الصورة أيضاً اشتغال ذمّة المحيل في جميع المراحل وتحقّق القبول من المحال عليه ، فلا يكون في البين فقد شرط أو وجود مانع ، كما هو ظاهر .

2 ـ لو قضى شخص المحيل الدَّين الذي كان للمحتال عليه ، وأدّاه بعد تحقّق الحوالة ، يصير ذلك سبباً لحصول البراءة للمحال عليه ; لأنّه كان مديوناً بسبب الحوالة ، وقد أدّى دينه المديون الأصلي ، فتتحقّق براءة الذمّة له ولا مجال لبقاء

(الصفحة391)

مسألة 10 : لو أحال على بري وقبل المحال عليه ، هل له الرجوع على المحيل بمجرّده ، أو ليس له إلاّ بعد أداء الدَّين للمحتال؟ الأقرب الثاني1.

مسألة 11 : لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، أو أحال المشتري


الاشتغال ، وقد فرّع عليه في المتن قوله : فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه ، وإن تبرّع لم يرجع ، والظاهر أنّ مراده أنّ قضاء المحيل وأداءه الدَّين إلى المحتال إن كان إجابة لمسألة المحال عليه ذلك وقبولاً لاستدعائه ، يرجع المحيل إلى المحال عليه الذي صارت ذمّته مشغولة بعد تحقّق الحوالة ولوكان ديناً بالذات . وإن كان المحيل متبرّعاً في قضاء الدَّين لا مجال له حينئذ للرجوع; لأنّه أبرأ ذمّة المحال عليه من دون مسألته واستدعائه ، ومن المعلوم عدم اعتبار قيد المباشرة في أداء الدَّين ، كما في سائر الموارد .

1 ـ إذا كان المحال عليه بريئاً وقد قبل الحوالة مع هذا الوصف واشتغلت ذمّته للمحتال لأجل قبوله ، فهل له الرجوع على المحيل بمجرّد الحوالة وقبولها ، أو ليس له ذلك إلاّ بعد أداء الدَّين للمحتال؟ قد جعل في المتن الأقرب الثاني ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في بعض المسائل المتقدِّمة(1) من أنّ قبول البريء الحوالة لا يرجع إلى أداء دين المحيل تبرّعاً ومجّاناً ، بل يمكن أن يكون لأجل حفظ ماء وجهه أو لبعض الجهات الاُخر ، وعليه فجواز رجوعه إلى المحيل يتوقّف على قضاء دينه وأدائه إلى المحتال .


(1) في ص388 .

(الصفحة392)

البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن بطلان البيع بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة ، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع فيه1.

مسألة 12 : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجيّ ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال ، وجب عليه دفعه إليه ، ولو لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته2.


1 ـ لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، فقبل المشتري الحوالة بتخيّل صحّة البيع واشتغال ذمّته للبائع بالثمن ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن أنّ البيع كان باطلاً من أصله ولم يتحقّق فيه النقل والانتقال بالإضافة إلى المبيع والثمن ، بطلت الحوالة ; لأنّ قبولها كان لأجل تخيّل الصحّة وتحقّق النقل والانتقال ، وقد إنكشف الخلاف ، وهذا بخلاف ما إذا عرض للبيع الفسخ بالخيار أو بالإقالة ، فإنّه لا يكشف عن بطلان الحوالة بعد كون الفسخ من الحين لا من الأصل ، والحوالة متفرّعة على الأصل كما لا يخفى .

2 ـ إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، كما إذا كان ماله عنده أمانة فأحال دائنه عليه وقبل الدائن المحتال الحوالة ، وجب على ذلك الشخص دفعه إليه لفرض كونه مالاً له وهو أمينه ، والدائن قابل للحوالة ، فلو لم يعمل الأمين ما وجب عليه ، ولم يدفع المال المعيّن إلى المحتال تبقى ذمّة المحيل على حالها; لفرض عدم تحقّق العمل الرافع للاشتغال ، ولم ينتقل الدَّين حينئذ إلى المحال عليه كما في الموارد الاُخر ; لأنّ المفروض أنّ المحال عليه ، أمينه والمال المحال به مال معيّن

(الصفحة393)

القول في الكفالة

وهي التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ; وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له; وهو صاحب الحقّ ، والإيجاب من الأوّل ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود ، نحو «كفلت لك نفس فلان» ، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك ، والقبول من الثاني ممّا دلّ على الرضا بذلك1.

مسألة 1 : يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار ، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل ، فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ2.


خارجيّ ، فالدَّين باق على ذمّة المحيل من دون انتقال .

1 ـ الكفالة عبارة عن التعهّد والالتزام للدائن بإحضار نفس له عليها حقّ حتّى يمكن له قضاء دينه منه والوصول إلى الحقّ الذي عليه ، ويعبّر عن صاحب الحقّ بالمكفول له ، وعن الملتزم بالإحضار الكفيل . وهي عقد وإنشاء واقع بينهما ، غاية الأمر أنّ الإيجاب من المتعهّد بالإحضار ، والقبول من صاحب الحقّ ، ولا مدخلية للفظ خاصّ وصيغة مخصوصة لهذا العقد ، بل يكفي في الإيجاب كلّ لفظ دالّ على المقصود; نحو «كفلت لك نفس فلان» ، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» أو نحو ذلك ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك أيّ لفظ كان ، ولا مدخلية لرضا المكفول وموافقته لذلك ، كما في المثال على ما مرّ من اعتبار قوله .

2 ـ يشترط في الكفيل ما اشترطناه في المحيل من البلوغ والعقل والاختيار وأمر زائد على ما ذكر; وهو التمكّن من الإحضار والقدرة عليه ; لأنّه الغرض من الكفالة ، وأمّا المكفول له فلا يعتبر فيه البلوغ والعقل وإن كان طرفاً للعقد قطعاً ،

(الصفحة394)

مسألة 2 : لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له ، والأقوى عدم اعتبار رضا المكفول وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه . والأحوط اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد; بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول1.


فتصحّ الكفالة للصبي والمجنون مع قبول الولي وإذنه في ذلك ; لأنّه لا يبقى مع قبوله مجال للحكم بالبطلان ، خصوصاً مع أنّها تعهّد بالالتزام بالإحضار ليتمكّن المكفول له من الوصول إلى حقّه عليه .

1 ـ لا ريب في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له; لتقوّم عقد الكفالة بهما كما ذكرناه في تعريف الكفالة; لأنّها تعهّد والتزام في مقابله . وأمّا المكفول ، فقد قوّى في المتن عدم اعتبار رضاه وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على الخالية عن هذا القبول ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(1) . نعم ، احتاط بالاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد; بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول ، كما أنّه يعتبر في باب الحوالة رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه .
ولكن الظاهر وجود الفرق بين الحوالة والكفالة ، أمّا اعتبار الأشخاص الثلاثة في الحوالة فالوجه فيه واضح ; لأنّ المحيل يريد نقل ذمّته إلى المحال عليه ، والمحتال لا يكون له حقّ الرجوع إلى المحيل بعد تحقّق الحوالة الجامعة ، والمحال عليه يشتغل ذمّته بذلك وإن كانت بريئة ، فلا محيص عن اعتبار رضاهم جميعاً . وأمّا هنا فالغاية إحضار المديون للدائن والالتزام له بذلك . ومن المعلوم أنّ

(1) في ص400 ـ 403 .

(الصفحة395)

مسألة 3 : كلّ من عليه حقّ ماليّ صحّت الكفالة ببدنه ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال . نعم ، يشترط أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه ـ كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل ـ لم تصحّ . وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع; بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيِّنة عليه بالحقّ . وكذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص ، دون من عليه عقوبة من حقوق الله تعالى كالحدّ والتعزير ، فإنّها لا تصحّ1.


المديون لا يكون راضياً به نوعاً ، بل كان مريداً للغيبوبة وعدم الحضور عند الدائن ، بل عدم التمكّن من إحضاره لذلك ، فلا وجه لاعتبار رضاه وصيرورته طرفاً للعقد ، فتدبّر جيّداً .
لكن حيث إنّ إحضاره نوع تسلّط عليه ، وهو لا يكون مرضياً له عادةً ، فمقتضى الاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه وكونه طرفاً للعقد أيضاً .

1 ـ قد عرفت أنّ حقيقة الكفالة هي التعهّد بإحضار الشخص ببدنه ، وهي تصحّ في الموارد التالية :
الأوّل : أن يكون المكفول من عليه حقّ ماليّ ، ولا يعتبر العلم بمقدار ذلك المال . نعم ، يعتبر أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه الناقص ـ كالجاعل في الجعالة قبل أن يتحقّق العمل من العامل ـ لم تصحّ الكفالة .
الثاني : أن يكون المكفول من يستحقّ عليه الحضور في مجلس الشرع; بأن تكون عليه دعوى مسموعة ـ وقد ذكرت شرائط سماع الدعوى في كتاب

(الصفحة396)

مسألة 4 : يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تكون حالّة مع ثبوت الحقّ كذلك ، ولو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة ونقصاً1.


القضاء(1) ـ وإن لم تقم عليه البيِّنة بالحقّ .
الثالث : أن يكون المكفول من عليه عقوبة من حقوق الخلق غير ماليّ كعقوبة القصاص،فإنّه تصحّ الكفالة والتعهّدبإحضارمثله ليتمكّن من إعمال القصاص ومثله.
واستثنى في الذيل ما إذا كان المكفول من عليه عقوبة من حقوق الله تبارك وتعالى كالحدّ والتعزير ، والوجه فيه أنّ المستحقّ فيه هو الخالق دون الخلق حتّى الحاكم الشرعي ، فلا يستحقّ أحد عليه الحضور ، ولو ثبت استحقاقه للحدّ والتعزير . نعم ، مع حضوره والتمكّن منه يجري عليه الحكم بأمر الحاكم .
وقد ذكر الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في كتاب الحدود أنّ الزاني الذي حدّه الرجم إذا فرّ من الحفيرة التي جعل فيها لإجراء حدّ الرجم لا تجب إعادته إليها ، إمّا مطلقاً أو في بعض الصور(2) فراجع ، ومنه يظهر أنّ صورة اجتماع الحقّين كما في باب السرقة يجوز الكفالة فيه بالإضافة إلى حقّ الناس ، ولا تجوز بالنسبة إلى حقّ الله تعالى كما لا يخفى .

1 ـ إذا كان الحقّ الثابت على المكفول حالاًّ يصحّ إيقاع الكفالة كذلك

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: كتاب القضاء والشهادات: 75 ـ 98.
(2) المقنعة: 780 ، الكافي في الفقه: 407 ، المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة: 254 ، الجامع للشرائع: 551 ، الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: 9 / 91 ، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 700 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 412 .

(الصفحة397)

مسألة 5 : عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، ويجوز جعل الخيار فيه لكلّ من الكفيل والمكفول له مدّة معيّنة1.


ومؤجّلة ، وأمّا إذا كان الحقّ الثابت عليه مؤجّلاً لا تصحّ الكفالة حالّة لفرض عدم ثبوت الحقّ عليه كذلك ، وإذا كانت مطلقة ينصرف الإطلاق إلى الحالّ لو كان الدَّين الثابت عليه كذلك ، وفي صورة التأجيل يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادةً ونقصاً; ليكون حقّ المكفول على الكفيل ظاهراً غير محتمل لذلك ـ أي للزيادة والنقيصة ـ حتّى يتحقّق موضوع للاختلاف والتشاجر ، ويتعيّن وضع كلّ واحد منهما .

1 ـ عقد الكفالة لازم كما هو مقتضى أصالة اللزوم في كلّ عقد شكّ في لزومه وجوازه ، مضافاً إلى أنّ الغرض من الكفالة لا يتحقّق إلاّ بذلك ، وعليه فلا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة الجارية في كلّ عقد لازم ، ولا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع كخياري المجلس والحيوان ، أو لا يكون لها موضوع هنا كخياري الغبن والعيب . نعم ، لا مانع من ثبوت جواز اشتراط الخيار لكلّ من الكفيل والمكفول له مع تعيين المدّة; لعموم «المؤمنون عند شروطهم »(1) .
ثمّ إنّ هنا فرعاً; وهو أنّه لو كان الكفيل متمكِّناً من الإحضار حال إيقاع عقد الكفالة ـ كما هو الشرط فيه على ما تقدّم ـ فعرض له العجز وعدم التمكّن بعد العقد ، فهل ينفسخ عقد الكفالة بذلك ، أم لا؟ الظاهر هو الأوّل ; لأنّه يرجع إلى عدم إمكان الوفاء بالعقد ، فهو بمنزلة تعذّر تسليم المبيع في البيع الطارئ بعد عقده الذي هو في رأس العقود اللازمة بالأصل ، كما لا يخفى .


(1) تقدّم في ص36 وغيره .

(الصفحة398)

مسألة 6 : إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط ، جاز مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة مطلقة ـ على ما مرّ ـ أو معجّلة ، وبعد الأجل إذا كانت مؤجّلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل تسليمه إلى المكفول له ، فإن سلّمه له بحيث يتمكّن منه فقد برئ ممّا عليه ، وإن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم ، فيحبسه حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه في مثل الدَّين . وأمّا في مثل حقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار ، ويحبس حتّى يحضره ويسلّمه . وإن كان غائباً ، فإن علم موضعه ويمكن للكفيل إحضاره اُمهل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى ولم يأت به من غير عذر حبس كما مرّ ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره ، فمع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره وحبسه لذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه .
وأمّا إلزامه بأداء الدَّين في هذه الصورة فمحلّ تأمّل . نعم ، لو أدّى تخلّصاً من الحبس يطلق ، ومع عدم الرجاء لم يكلّف بإحضاره ، والأقرب إلزامه بأداء الدَّين ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه; بأن طالبه المكفول له وكان متمكِّناً منه ولم يحضره حتّى هرب . نعم ، لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب العادة حال عقد الكفالة يشكل صحّتها ، وأمّا لو عرض ذلك فالظاهر عدم عروض البطلان ، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل ، فلا يبعد حينئذ إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به ، خصوصاً في هذه الصورة1.


1 ـ إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط فحيث إنّها عقد لازم لا تنفسخ إلاّ بالإقالة أو مثلها ، كالخيار المشروط فيها على ما عرفت ، فإن كانت الكفالة معجّلة ، أو مطلقة منصرفة إلى المعجّلة يجوز للمكفول له مطالبة الكفيل بإحضاره

(الصفحة399)



عاجلاً ، كما أنّه إذا كانت مؤجّلة يجوز ذلك له بعد حلول الأجل ، وفي هذا الفرض يتصوّر للمسألة صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كان المكفول حاضراً ، ففي هذه الصورة يجب على الكفيل بعد المطالبة المذكورة تسليم المكفول إلى المكفول له ، فإن لم يمتنع عن ذلك سلّمه له بحيث يتمكّن منه ، فقد برئ الكفيل ممّا عليه من لزوم الإحضار ، وإن امتنع من ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم لأنّه لابدّ منه ، فالحاكم حينئذ يحبس الكفيل حتّى يحضر المكفول له ، وحينئذ فإن كان ما عليه حقّ ماليّ لا يجب إلاّ أداؤه ، فيكفي الأداء من غير الحضور عند المكفول له ، وإن كان مثل حقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فالمتعيّن الحبس حتّى يرضى بالإحضار; لفرض تمكّن الكفيل من ذلك .
الصورة الثانية : ما إذا كان المكفول غائباً ، فإن علم الكفيل موضعه ويمكن من إحضاره اُمهل بقدر مجيئه وذهابه ، فإذا مضت مدّة الإمهال ولم يأت به من غير عذر له في ذلك يحبس الكفيل ـ كما مرّ ـ لغرض العلم بموضعه والتمكّن من إحضاره ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره ، فمع رجاء الظفر به مع الفحص قد نفى البُعد في المتن عن تكليف الحاكم إيّاه بإحضاره وحبسه لذلك ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه ، وفسّر التفريط في الفرع الآتي بأن طالبه المكفول له وكان الكفيل متمكِّناً منه ولم يحضره حتّى هرب ، وقد تأمّل في إلزامه بأداء الدَّين في هذه الصورة .
والوجه فيه ظاهراً أنّ الواجب عليه بمقتضى عقد الكفالة هو إحضار المكفول عند المكفول له . وأمّا الدَّين فلا يرتبط به ولا يصير مديوناً ، وعدم الوفاء بعقد الكفالة ليس إلاّ المخالفة للحكم التكليفي ، ولا يوجب اشتغال الذمّة وثبوت الحكم الوضعي . نعم ، لو أدّى برضاه تخلّصاً من الحبس يصير كالمتبرّع بأداء دين الغير ،

(الصفحة400)

مسألة 7 : لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال ، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أدّاه ، وإن أذن له في الأداء كان له الرجوع; سواء أذن له في الكفالة أيضاً أم لا . وإن أذن له في الكفالة دون الأداء ، فهل يرجع عليه أم لا؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له


هذا مع رجاء الظفر به مع الفحص .
وأمّا مع عدم الرجاء فيسقط التكليف بإحضاره . واستقرب في المتن إلزامه بأداء الدَّين ، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه بالمعنى الذي تقدّم ، والوجه فيه كونه سبباً لضياع حقّه وعدم إمكان أداء الدَّين ، إمّا بأصل الكفالة ، أو بالتفريط المذكور معها ، ففي الحقيقة كأنّه المتلف لمال الغير والباعث على عدم وصول حقّه إليه ، فهو كما لو اُكره المديون على عدم أداء الدَّين ، وقد استشكل في صحّة عقد الكفالة فيما لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب العادة ثابتاً حال العقد; لأنّه يرجع عرفاً إلى عدم التمكّن من الإحضار الذي قد عرفت(1) أنّه من شروط صحّة عقد الكفالة .
وأمّا لو عرض ذلك فقد استظهر عدم عروض البطلان ، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل ، وهذا هو الفرع الذي تعرّضنا له سابقاً ، واستظهرنا فيه بطلان عقد الكفالة وأنّه مثل الإقالة ، لكن الوجه فيما أفاده الماتن هو الاستصحاب الذي هي إحدى أدلّة أصالة اللزوم على ما قرّر في محلّه ، ولكن الظاهر بملاحظة حكمة تشريع الكفالة هو ما ذكرنا ، وعلى ما في المتن فقد نفى البُعد حينئذ عن إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به ، خصوصاً في صورة التفريط .


(1) في ص393 .
<<التالي الفهرس السابق>>