في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة481)



بالنسبة إلى تلف البعض ، فالظاهر أنّ الأمر يدور مدار قيام العين عند العرف وعدمه ، ولا ينحصر ظاهراً عدم قيام العين بعينها بصورة التلف ، بل يشمل مثل طحن الحنطة وخياطة الثوب وصبغه .
الفرع الثالث : هبة الزوج للزوجة وبالعكس ، وقد قوّى فيهما أنّهما كالأجنبي وإن احتاط استحباباً بعدم الرجوع ، ولكن قوّى السيّد في الملحقات عدم جواز الرجوع ، مستنداً إلى صحيحة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ، ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز; لأنّ الله تعالى يقول : {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}(1) وقال : {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً}(2) ، وهذا يدخل في الصداق والهبة(3)(4) .
ولكنّ المشهور أو الأكثر على الجواز مع الكراهة(5) ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد ابن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة ؟ فقال : إن كان قال ذلك لله فليمضها وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها(6) .


(1) سورة البقرة : 2 / 229 .
(2) سورة النساء : 4 / 4 .
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 152 ح 624 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 423 ، الكافي: 7 / 30 ح 3 ، وعنها الوسائل: 19 / 239 ، كتاب الهبات ب7 ح1 .
(4) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ـ 172 .
(5) رياض المسائل: 9 / 392 ، مفاتيح الشرائع: 3 / 204 ، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 172 .
(6) الكافي: 7 / 32 ح 12 ، تهذيب الأحكام: 9 / 151 ح 617 وص154 ح 628 ، وعنهما الوسائل: 19 / 209 ، كتاب الوقوف والصدقات ب 13 ح 1 .

(الصفحة482)



ولكن ذكر السيّد (قدس سره) أنّها لا تقاوم الصحيحة السابقة ; لاحتمال كون المراد أنّه إذا قصد الصدقة ولم يقل لله فله الرجوع ، حيث إنّها مشروطة بقصد القربة لا أن يكون المراد الهبة (1) . وأنت خبير ببعد هذا الاحتمال وظهور الرواية في التفصيل بين الصدقة والهبة ، وعليه فالصحيحتان متعارضتان ، والشهرة مع الثانية ، فيؤخذ بها ويحكم بمجرّد الكراهة .
ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة والمدخول بها وغيره ، بل والمطلّقة الرجعية التي هي زوجة .
الفرع الرابع : أنّه لا يجوز الرجوع في الهبة المعوّضة ، والمراد منها الأعمّ ممّا اشترط فيها العوض ، أو عوّض المتّهب من دون اشتراط ، بل إثابة وجزاء ، ويدلّ عليه صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)   قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) .
وكلمة «صاحب» يمكن أن تقرأ مضمومة ، وعليه يرجع إلى اشتراط العوض ، وأن تقرأ مفتوحة ، وعليه يكون المراد الإثابة والجزاء .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان المتقدّمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء . والمراد بكلمة «تجوز» بقرينة المقابلة : تنفذ وتلزم .
ثمّ إنّه يمكن أن يقال بعدم جواز التصرّف في المال الموهوب قبل أن يفي بالشرط ، نظراً إلى رواية قاسم بن سليمان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الجارية

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 172 .
(2) تقدّمت في ص479 .

(الصفحة483)

مسألة 9 : يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالحنطة يطحنها ، والدقيق يخبزه ، والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها ، دون غير المغيّر ، كالثوب يلبسه ، والفراش يفرشه ، والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها . ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ، ومن الثاني قصارة الثوب1.


على أن يثاب فلا يثاب ، أله أن يرجع فيها؟ قال : نعم إن كان شرط عليه ، قلت : أرأيت إن وهبها له ولم يثبه أله أن يطأها أم لا؟ قال : نعم إذا كان لم يشترط عليه حين وهبها(1) . وربما احتمل أنّ المراد البناء على عدم الإثابة ، لا مطلق عدم الإثابة ومن المعلوم أنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى .
الفرع الخامس : أنّه لا يجوز الرجوع فيما إذا كان الواهب قاصداً للقربة ، وقد استدلّ على عدم الجواز في هذه الصورة بأنّه إمّا أن يدخل في عنوان الصدقة ، وإمّا لعموم ما دلّ على أنّ من أعطى لله أو في الله شيئاً فليس له أن يرجع فيه ، كما في جملة من الروايات التي تقدّمت بعضها ، أو لأنّها مع قصد القربة يستحقّ الواهب الثواب ويصير ذلك عوضاً ، فيدخل في الهبة المعوّضة التي عرفت عدم جواز الرجوع فيها .

1 ـ لا إشكال في عدم صدق قيام العين في صورة التلف ، ويلحق بالتلف التصرّف الناقل ، كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وفي فرض التصرّف أقوال :
أحدها : عدم جواز الرجوع مطلقاً أيّ تصرّف كان ، وقد نسب ذلك إلى أكثر

(1) تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 633 ، وعنه الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 2 .

(الصفحة484)

مسألة 10 : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً1.

مسألة 11 : الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها


المتأخِّرين(1) بل المشهور (2) .
ثانيها : جواز الرجوع الثابت قبل التصرّف مطلقاً .
ثالثها : التفصيل بين مثل البيع والصلح والهبة من التصرّفات الناقلة للملك وإن كانت جائزة ، ومثل الطحن والخياطة ونحوهما ممّا يكون مغيّراً للصورة ، وبين ما لا يكون كذلك كالسكنى وركوب الدابّة .
والمستند الوحيد في المسألة هي صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة(3) ، الدالّة على جواز الرجوع إذا كانت العين الموهوبة قائمة بعينها ، وعدمه مع عدم كونها كذلك ، ومن الظاهر دلالتها على القول الثالث ، بل احتمل إرجاع القولين الآخرين إلى هذا القول ، نظراًإلى أنّه من البعيد عدم جواز الرجوع بمجرّد ركوب الدابّة ، كما أنّه من المستبعد جدّاً جواز الرجوع مع التصرّف الناقل ، خصوصاً إذا كان لازماً كالبيع ونحوه . ثمّ إنّ الظاهر أنّ الامتزاج الدافع للامتياز يكون من مصاديق عدم قيام العين ، كما أنّ قصارة الثوب عكس ذلك .

1 ـ الوجه في المسألة الاشتراك في دليل الجواز ، من دون فرق بين الكلّ والبعض ، وكذا بين المشاع والمفروز .


(1) مسالك الأفهام: 6 / 33 ، الحدائق الناضرة: 22 / 335 ، رياض المسائل: 9 / 397 .
(2) جواهر الكلام: 27 / 186 ـ 187 .
(3) في ص478 .

(الصفحة485)

الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض1.

مسألة 12 : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; سواء كانت من الأدنى للأعلى أوالعكس، أومن المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه ، ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه2.

مسألة 13 : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض; بأن يهبه شيئاً مكافأتاً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى


1 ـ قد مرّ في بعض المسائل المتقدِّمة أنّ الهبة المعوّضة أعمّ ممّا اشترط فيها العوض ، أو عوّض عنها ولو مع عدم الاشتراط ، والمقصود هنا أنّ القسم الأوّل أعمّ ممّا إذا أعطى المتّهب العوض المشروط ، أو لم يعط .

2 ـ لو كانت الهبة مطلقة غير مشروط فيها العوض ، لا يجب على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; من دون فرق بين الأقسام المذكورة في المتن . نعم ، فيما إذا كانت الهبة من الأدنى للأعلى جعل الأولى بل الأحوط إعطاء العوض نظراً إلى اقتضاء الأدنائيّة ذلك ، ولو أعطى المتّهب العوض لم يجب على الواهب قبوله ; لأنّه لا دليل على وجوب قبوله للهبة . نعم ، لو فرض قبوله وأخذه تلزم الهبة من كلا الطرفين ولا يكون لواحد الرجوع . نعم ، مقتضى بعض الروايات المتقدِّمة أنّ مجرّد الإثابة من قبل المتّهب يوجب عدم جواز الرجوع ، ولكن الظاهر أنّ المراد ما ذكرنا .


(الصفحة486)

على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها1.

مسألة 14 : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن . ولو أطلق; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له2.


1 ـ لو اشترط الواهب العوض وقبل المتّهب كذلك وقبض الموهوب لا يلزم عليه شيء ، بل يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي مع القبول كذلك دفع العوض ، ومع الدفع وقبول الواهب وأخذه تلزم الهبة الاُولى ، وبدونه يجوز للواهب الرجوع في هبته مع الشرط المتقدّم ، فتدبّر .

2 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : ما لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض ، وفي هذا الفرض يتعيّن العوض ، واللازم على المتّهب على فرض قبول الهبة بذل ما عيّن لفرض التعيين .
الثاني : ما لو أطلق الهبة المشروط فيها العوض; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، ففيما إذا اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فجعل مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وجعل الأحوط منه التعويض بالأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .
هذا ، ويمكن أن يُقال: إنّ المستفاد من الروايات الواردة في هذا المجال المتقدّمة كلاًّ أو جلاًّ ، أنّ الملاك في عدم جواز الرجوع للواهب مطلق الثواب ولو كان قليلاً ،

(الصفحة487)

مسألة 15 : الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ; بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ; بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه1.

مسألة 16 : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ـ كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع ـ كان من مال المتّهب ، ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه ، ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه، بل لايخلو من قوّة، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز معها الرجوع . نعم ، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ


لا بمقدار الموهب ، إلاّ أن يُقال: إنّ المنصرف بل المتبادر من كلمة الثواب هي المماثلة أو الأكثرية ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ استظهر في هذه المسألة أنّه لا يلزم في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون العوض بعنوان الهبة ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ، أو بعنوان الإبراء من حقّ أو إيقاع عمل منه ، كالمثالين المذكورين في المتن ، غاية الأمر لزوم تحقّق القبول من الواهب إلاّ في مسألة الإبراء التي لا حاجة فيها إلى القبول ظاهراً ، والدليل على أصل المطلب إطلاق التعويض الوارد في الرواية ، فإنّ العوض لا ينحصر بالهبة من جانب المتّهب ، بل يشمل مثل الموارد المذكورة .

(الصفحة488)

سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب1.

مسألة 17 : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً2.


1 ـ لو رجع الواهب في هبته في الموارد التي يجوز له الرجوع فيها ، وكان في الموهوب نماء لم يكن حال الهبة ، فإن كان النماء منفصلاً حادثاً بعد العقد والقبض الذي هو شرط صحّته ـ كالأمثلة المذكورة في المتن ـ فكلّها من مال المتّهب ـ ولا ربط لها بالواهب ـ للحدوث في ملكه ، والفسخ إنّما يؤثّر من حينه لا من أصل العقد . وإن كان النماء متّصلاً كالسمن ، فإنّه يرجع إلى الواهب تبعاً ، ويحتمل الشركة بين الواهب والمتّهب بنسبة السمن ، فتدبّر .
واحتمل في المتن بل نفى خلوّه عن القوّة أن يكون النماء المذكور مانعاً عن أصل جواز الرجوع; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل استظهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز الرجوع معها للدليل المذكور ، ولكنّه مشكل ; لأنّ صيرورتها سبباً لعدم قيام العين محلّ إشكال ; لأنّه في مقابل التلف أو ما بحكمه ممّا عرفت ، لا في مقابل ما ذكر ، واستدرك اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ، فإنّها ليست منه ، بل هي بعد الرجوع للمتّهب الذي كان مالكاً .

2 ـ لو مات الواهب بعد تماميّة الهبة وإقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لغير ذي رحم ولم تكن معوّضة ، وفاقاً لجماعة من أجلاّء الفقهاء(1) ، وليس لورثته

(1) قواعد الأحكام : 2/408 ، إيضاح الفوائد : 2/419 ، القواعد والفوائد : 2/285 ، جامع المقاصد : 9/169 ، جامع الشتات : 4/169 ـ 171 .

(الصفحة489)

مسألة 18 : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة ـ بأن كانت لذي رحم ، أو معوّضة ، أو قصد بها القربة ، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها ـ يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز المتّهب صحّ . وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب ، وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته ، وإلاّ ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط1.


حقّ الرجوع كحقّ الخيار الذي ينتقل إلى الورثة ; لأنّ الفرق بين المقامين هو الفرق بين الحقّ والحكم ، وكذا لو مات المتّهب كذلك تلزم الهبة وليس للواهب الرجوع إلى ورثته ; لأنّه ـ مضافاً إلى إمكان أن يقال بعدم قيام العين بعد الانتقال إلى الوارث ـ يكون القدر المتيقّن في مقابل أدلّة اللزوم وأصالته هو الرجوع إلى نفس المتّهب دون ورثته .

1 ـ لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة كما في الموارد المتقدّمة المذكورة في المتن ، فالظاهر صحّة البيع بعنوان الفضولي ، ويكون من مصاديق ما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه ، وقد تقرّر في محلّه أنّه صحيح ، ولكن يقع للمالك الذي يكون هو المتّهب في المقام في صورة الإجازة . وإن كانت الهبة غير لازمة ، كما في غير الموارد المذكورة ، فتارةً : يقع البيع من الواهب لنفسه مع الالتفات إلى الهبة والتوجّه إلى كون المبيع موهوباً قبل البيع ، غاية الأمر أنّ الهبة لا تكون لازمة كما هو المفروض ، واُخرى : يقع منه البيع مع عدم الالتفات إلى ذلك ، ففي الصورة الاُولى يكون البيع رجوعاً في الهبة وواقعاً لنفس الواهب ; لعدم إمكان وقوع البيع له مع بقاء الهبة وعدم الرجوع فيها ، والفرض جواز الرجوع ، وفي الصورة الثانية

(الصفحة490)

مسألة 19 : الرجوع : إمّا بالقول ، كأن يقول: «رجعت» وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل ، كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها ، بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع1.

مسألة 20 : لا يشترط في الرجوع إطّلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير إطلاعه صحّ2.


قد تأمّل في المتن واستشكل في تحقّق الرجوع قهراً مع عدم الالتفات إلى الهبة أصلاً ، وتخيّل كونه مالاً لنفسه لم يهبه لغيره ، والأمر كذلك ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح ، ونظير ذلك بيع ذي الخيار المال المنتقل منه إلى الغير مع عدم التوجّه حال البيع إلى الانتقال والخيار .

1 ـ كما أنّ الهبة قد تتحقّق بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول اللفظيّين ، وقد تتحقّق بالمعاطاة; بأن أعطى الواهب العين الموهوبة إلى المتّهب بقصد الهبة وإنشائها ، كذلك الرجوع في الهبة الجائزة قد يقع بالقول; كأن يقول : رجعت وما يفيد معناه ، وقد يقع بالفعل كاسترداد العين الموهوبة وأخذها من يد المتّهب بقصد الرجوع ، ومن هذا القبيل البيع أو الإجارة أو الرهن مع الشرط المذكور; وهو قصد الرجوع .

2 ـ لا يشترط في الرجوع إطلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير اطلاعه لا يخلّ ذلك بالرجوع ، كالرجوع في باب الطلاق ، حيث إنّه لا يشترط في صحّة أصل الرجوع إطلاع المطلّقة ، فلو علمت بعد العدّة برجوع زوجها في العدّة صحّ ولا يتوقّف على الاطّلاع ، وهذا بخلاف باب الوكالة ، حيث إنّ انعزال الوكيل يتوقّف

(الصفحة491)

مسألة 21 : يستحبّ العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيداً بصلتهم ، ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام) : ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز الله بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الدِّيار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم ، وإنّ نقل الرّحم انقطاع النسل(1) .

وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر الله تعالى ببرّهما(2) ، فعن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ رجلاً أتى النبيّ (صلى الله عليه

وآله) فقال : يارسول الله أوصني ، فقال : لا تشرك بالله شيئاً وإن حرّقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان(3) .

وأولى من الكلّ الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق (عليه السلام)  : جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يارسول الله مَنْ أبرّ؟ قال : اُمّك قال : ثمّ إلى مَن؟ قال : اُمّك ، قال : ثمّ مَنْ؟ قال : اُمّك ، قال : ثمَّ مَنْ؟ قال :  أباك (4) .


على بلوغ الخبر إليه ، كما تقدّم في كتاب الوكالة (5) .


(1) الكافي: 2 / 347 ح 4 ، وعنه البحار: 74 / 134 ح 104 .
(2) سورة الإسراء: 17 / 23 ـ 24 .
(3) الكافي: 2 / 158 ح2 .
(4) الكافي: 2 / 159 ح 9 .
(5) في ص 431 .

(الصفحة492)

والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها 1. (1)

مسألة 22 : يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد ، كما أنّه ربما يرجّح فيما إذا يؤمن من الفساد ، ويكون لبعضهم خصوصيّة موجبة لألولويّة رعايته2.


1  ، 2 ـ الحكم في المسألتين وكذا دليله واضح لا يحتاج إلى بيان زائد على ما اُفيد في المتن .

تمّ بحمد الله شرح كتاب الهبة المسمّى بتفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأعلى الله تعالى درجته ، في غرّة شهر صفر الخير 1422 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه .


(1) الكافي: 2 / 150 ـ 163 .
<<التالي الفهرس السابق>>