في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة461)

مسألة 16 : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، كما إذا قال : «هذه الدار لزيد» ثمّ قال : «لعمرو» حكم بكونها للأوّل واُعطيت له ، واُغرم للثاني بقيمتها1.


بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان المستثنى منه مثبتاً ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ البيت الفلاني الواقع في الدار» يكون المقرّ به ما عدا البيت المزبور ، وينفذ في حقّ المقرّ بالإضافة إلى ما عداه ، وإن كان المستثنى منه منفياً; كما لو قال : «ليس لزيد من هذه الدار إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً له بذلك البيت; لأنّ الاستثناء من النفي إثبات .
ثانيتهما : ما إذا كان متعلّقاً بحقّه على الغير ، وفي المتن يكون الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار التي بيدي إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن البيت الفلاني من دون تعيين المقرّ له ، ونتيجته أنّه لو ادّعى بعد ذلك استحقاق تمام الدار حتّى البيت الفلاني لم يسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ البيت الفلاني» يكون ذلك إقراراً بعدم استحقاق ما عدا البيت المذكور وإن لم يعيّن المقرّ له أو لم يكن معلوماً أصلاً ، وادّعاؤه استحقاق البيت يحتاج إلى الإثبات بمثل البيِّنة واليمين ، فتدبّر .

1 ـ لأنّ نفوذ الإقرار الأوّل على مقتضى قاعدة الإقرار يقتضي كون الدار لزيد ، فتؤخذ منه وتُعطى زيداً ، والإقرار الثاني يقتضي كونها لعمرو ، وحيث إنّه وقع في حال عدم العين ، وكأنّها تلفت ، حكم بإعطاء قيمة الدار لعمرو ، مثل ما إذا أقرّ بكون المال الذي بيده ـ وأتلفه ـ للمقرّ له ، فإنّه حينئذ يلزم بإعطاء القيمة لفرض الإتلاف ، كما لا يخفى .


(الصفحة462)

مسألة 17 : من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب; كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما ، والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه; من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك . وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل; وهو أنّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ ، يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ والعادة ـ كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله ـ ولا الشرع ـ كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه ـ ولم ينازعه فيه منازع ، فينفذ إقراره ويترتّب عليه جميع آثاره ويتعدّى إلى أنسابهما ، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ ، وولد المقرّ أخاً للمقرّ به وأبيه جدّه ، ويقع التوارث بينهما ، وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض . وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة .
وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد الولد ، فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه ، أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه ، مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً ، يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق ، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما ، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق غير مصدّق له ، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلاّ بالبيِّنة1.


1 ـ الدليل على عدم اختصاص نفوذ الإقرار بالإقرار بالمال ، إطلاق دليل القاعدة ، حيث لم يقع فيه التقييد بالمال ، وعليه يكون من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب; كالبنوّة والاُخوّة ومثلهما بالنسبة إلى ما يعدّ ضرراً على المقرّ; من وجوب الإنفاق وحرمة النكاح ، أو المشاركة مع المقرّ في إرث أو وقف ونحو ذلك .
وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب عليه جميع آثار النسب ، فقد فصّل فيه في

(الصفحة463)



المتن ، وملخّصه: أنّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ والوجدان ، كما إذا أقرّ من له ستّة عشر سنة بولديّة من له عشر سنوات مثلاً ، فإنّه لا يمكن أن يتحقّق ذلك عادةً وإن لم يكن ملتحقاً بغيره من جهة الفراش مثلاً .
ويمكن المناقشة فيه خصوصاً بالإضافة إلى مثل زماننا الذي يوجد فيه الزوجان العقيمان ولو في طول سنوات متعدّدة ، ويريدان أن يتّخذا ولداً من غيرهما ويربّيانه ويجعلانه ولداً لهما ، كما يوجد لذلك بعض المؤسّسات الممهّدة لمثل هذه الاُمور ، فإنّ صرف إقرار أحد بولديّة صغير ـ والأمر هكذا ـ كيف يوجب ثبوت النسب ، ومن الممكن أنّ الإقرار بذلك كان لأجل ثبوت النسب ، مع أنّ الأمر لا يكون كذلك ، وفي الحقيقة أنّ الإقرار بالولدية بنفسها إقرار بنفع المقرّ لا بضرره ، وإن أغمضنا النظر عن ترتّب الأحكام الثابتة على الولدية نفعاً أو ضرراً .
نعم ، لو كان الولد كبيراً وصدّق المقرّ في الإقرار بولديّته له مع رعاية الأمر المذكور ـ وهو عدم تكذيب الحسّ والعادة ـ يثبت به الولدية ويترتّب عليها جميع آثارها ، بشرط أن لا تعدو عنهما وألاّ يجري احتمال التباني مع عدم ثبوت النسب في الواقع ، إلاّ أن يكونا عادلين ، حيث إنّه بذلك يثبت البيِّنة على الولدية ويترتّب عليها جميع الآثار والأحكام .
وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد الولد ، فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه في ذلك ، أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه ، مع إمكان الصدق عقلاً وشرعاً يتوارثان ، وفي المتن إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق  ، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما لما ذكرنا ، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق معلوم غير مصدّق له، لايثبت  بينهما النسب الموجب  للتوارث  إلاّ مع  البيِّنة، والوجه  فيه واضح.

(الصفحة464)

مسألة 18 : لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره1.

مسألة 19 : لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به ، فيأخذ المنكر نصف التركة ، والمقرّ ثلثها بمقتضى إقراره ، والمقرّ به سدسها ، وهو تكملة نصيب المقرّ ، وقد تنقص بسبب إقراره2.

مسألة 20 : لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، كان لها الثمن


1 ـ قد عرفت الإشكال في ثبوت النسبية بذلك ، ولو كان المقرّ به صغيراً . نعم ، على تقدير الثبوت لا مجال للإنكار بعد البلوغ ، كما أنّه لا يحتاج إلى التصديق بعده ، فتدبّر جيّداً .

2 ـ لو كان للميّت ولدان مسلّمان وأقرّ أحدهما بولد ثالث وأنكر الآخر ، لا يثبت نسب المقرّ به بمجرّد ذلك ، فيأخذ المنكر نصف التركة والمقرّ ثلثها بمقتضى إقراره الذي يلازم عدم استحقاق الزائد على الثلث ، ويبقى السدس ـ الذي كان سهم المقرّ أيضاً على تقدير عدم الإنكار ـ للمقرّ به ، وفي الحقيقة هي تكملة نصيب المقرّ ، وفي المتن : وقد تنقص بسبب إقراره ، والظاهر أنّ مورد كلامه فيما إذا كانت زوجة الميّت موجودة ، فإنّ لها الثمن ولو لم تكن اُمّاً لولديه أو أولاده ، فإنّه في هذه الصورة لابدّ من دفع الثمن إلى الزوجة ، وما يبقى للمقرّ له أنقص من السدس ، من دون فرق بين ما لو كان الولدان بنتين أو ابنين أو مع الاختلاف ، وكذا الولد المقرّ له ، ولكن يبعّده أنّ النقصان حينئذ مستند إلى وجود الزوجة لا مسبّب عن الإقرار .


(الصفحة465)

والباقي للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع ، وللزوجة الثمن ، وباقي حصّتها للولد1.

مسألة 21 : لو مات صبي مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته ، فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه وكان ميراثه له2.

مسألة 22 : لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير


1 ـ لو كان للميّت إخوة وزوجة ، فأقرّت بولد له من نفسها أو من غيرها المتوفّاة مثلاً ، كان لها الثمن على أيّ تقدير ، فإن صدّقها الإخوة في الإقرار بالولد يصير الوارث منحصراً بالزوجة والولد المقرّ له ، والإخوة لا يرثون لعدم إرثهم مع وجود الولد ، كما هو المقرّر في طبقات الإرث ومراتب الورّاث ، وإن لم يصدّقوا الزوجة في الإقرار بالولد كان للإخوة ثلاثة أرباع ، كما إذا فرض كونهم أبوينيّاً أو لأب فقط ، والربع الباقي للزوجة باعتقادهم; لأنّها زوجة غير ذات الولد وحصّتها الربع ، لكن مع إقرارها بوجود الولد للميّت لا تستحقّ أزيد من الثمن ، وباقي حصّتها للولد المقرّ له ، وفي الحقيقة يقع النقصان في سهمها فقط على ما هو مقتضى قاعدة الإقرار ونفوذه ، كما هو ظاهر .

2 ـ قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت نسب الصبي بالإقرار; لأنّه ليس إقراراً على المقرّ ، بل قد يكون بنفسه نفعاً ، مثل ما لو أراد المقرّ أن يكون له ولد وليس له غير ذلك ، ولا فرق في ذلك بين صورة حياة الصبي وموته ; لأنّه يمكن أن يكون مقصوده في صورة الموت إثبات عدم كونه عقيماً ويترتّب عليه بعض الآثار ، وفي الفرض المذكور في المتن من ثبوت ميراثه له يكون أسوأ ، كما لا يخفى .


(الصفحة466)

كان مقبولاً ، ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدَّين على الميّت ، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما . وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة ، ويؤخذ منه من الدَّين الذي أقرّ به مثلاً بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلّ من الوارثين خمسين ، فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر ، أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين . وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء وأنكر الآخر ، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره1.


1 ـ لو أقرّ تمام الورثة بدين على عهدة الميّت ، أو بشيء من أعيان التركة للغير يكون هذا الإقرار مقبولاً ، من دون فرق بين صورة عدالة الجميع أو عدم العدالة أو الاختلاف; لعدم مدخلية العدالة في مفاد القاعدة ، والأمر لا يعدوهم . وإن أقرّ بعض وأنكر بعض ، فإن كان المقرّ اثنين عادلين يتحقّق البيِّنة ويثبت الدَّين عليه والعين لغيره ، وإن لم يكن المقرّ كذلك; بأن كان واحداً ، أو كانا غير عدلين أحدهما أو كلاهما ، نفذ الإقرار في حقّ نفس المقرّ بالنسبة وبالإضافة ، كالمثال المذكور في المتن ، وهكذا الأمر بالإضافة إلى العين .
وكذا فيما إذا ورد الإقرار والإنكار في الإيصاء للأجنبي بشيء ، فإنّه ينفذ بالنسبة إلى حقّ المقرّ إذا كانت الوصية من الثلث أو زائداً عليه ، وادّعى المقرّ إجازة الجميع وأنكر الآخر الإيصاء أو إجازة نفسه ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة467)




كتاب الهبة



(الصفحة468)






(الصفحة469)





[الـهـبـة]

وهي تمليك عين مجّاناً ومن غير عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها . وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة ، والأمر سهل ، وقد يعبّر عنها بالعطيّة والنحلة; وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ دلّ على المقصود ، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وقبول بما دلّ على الرضا . ولايعتبر فيه العربيّة ، والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها1.


1 ـ الهبة التي يعبّر عنها بالعطية والنحلة عبارة عن تمليك عين مجّاناً وبلا عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها الشامل للصدقة التي يعتبر فيها قصد القربة ، ولغيرها من أخواتها التي يعتبر في كلّ واحدة منها خصوصية زائدة . وأمّا إضافة التمليك إلى العين ، فسيأتي في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى أنّ تمليك المنافع لا يعدّ هبة ، بل لا تصحّ بهذا العنوان ، بل لابدّ من الصلح ونحوه . وهي عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، ويكفي في كلّ منهما ما يدلّ على المقصود ولو كان بغير العربية ، بل لا يحتاج إلى اللفظ ، ويجزئ فيها المعاطاة بتسليم العين بعنوان الهبة وتسلّمها كذلك .


(الصفحة470)

مسألة 1 : يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار . نعم ، يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه الموهوب له . وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر . وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس ، وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث1.

مسألة 2 : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع . وأمّا الدَّين ، فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال ، ويعتبر فيها القبول على الأقوى ، وأفادت فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب عليها السقوط ، وهو إسقاط لما في الذمّة . وإن كانت لغير من عليه الحقّ


1 ـ يعتبر في كلّ من الواهب الموجب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار كما في سائر العقود . نعم ، فيما إذا كان الموهوب له صغيراً كالولد جديد الولادة المتعارف في زماننا إهداء الهدايا إليه يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه ، خصوصاً إذا كان غير قابل للقبول ، كأوائل ولادته . ويعتبر في الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر أو العبد المسلم له . ويعتبر في الواهب كونه مالكاً للعين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ مع الإذن والإجازة . وكذا يعتبر عدم المحجوريّة لسفه أو مرض . وأمّا المريض بمرض الموت فقد تقدّم حكم منجّزاته التبرّعية في كتاب الحَجر(1) ، وتصحّ هبة الصغير بإذن الولي إذا كانت فيها المصلحة .


(1) تقدّم في ص338 ـ 346 .

(الصفحة471)

فالأقوى صحّتها أيضاً ، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه1.


1 ـ يشترط في الموهوب كما في المتن أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع ، ولكن ذكر السيّد في الملحقات أنّه يمكن أن يُقال بصحّة هبة المنافع وهبة الحقوق القابلة للنقل وإن لم تكن من الهبة المصطلحة ولم تشمله أخبار الباب ; لكفاية العمومات في صحّتها (1) .
أقول : لعلّ المنافع كانت أولى من الدَّين الذي على عهدة الغير; سواء كانت لمن عليه الحقّ أو لغير من عليه الحقّ; لوجودها في الخارج وإن كانت تدريجيّة ، بخلاف الدّين .
وأمّا الدَّين فقد حكم في المتن بصحّة هبته مطلقاً ، غاية الأمر الافتقار إلى القبول، وحينئذ فإن كانت لمن عليه الحقّ فبعد قبول المديون يترتّب عليها فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها عقد يحتاج إلى الإيجاب الدالّ على التمليك ، والقبول الدالّ على التملّك . وأمّا الإبراء فحقيقته إسقاط ما في الذمّة ، كأنّه لم يثبت من أوّل الأمر ولا يحتاج إلى القبول ; لأنّ أقلّ آثار الحقّ جواز إسقاطه وتحقّق السقوط بعده بلا حاجة إلى القبول .
وإن كانت هبة الدَّين لغير من عليه الحقّ، كماإذا وهب دينه الذي على زيد لعمرو مثلاً ، فلا مانع من صحّتها ، غاية الأمر أنّ القبض الذي هو شرط في صحّته على المشهور(2) ـ بل ادّعى الإجماع عليه كما عن التذكرة(3) والإيضاح(4) ـ يتحقّق بقبض

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 163 مسألة 12 .
(2) الحدائق الناضرة: 22 / 309 ، جواهر الكلام: 28 / 166 نقلاً من إيضاح النافع ، محقات العروة الوثقى: 2 / 163 مسألة 13 .
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 417 (طبع الحجري) .
(4) إيضاح الفوائد: 2 / 412 .

(الصفحة472)

مسألة 3 : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد ، ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط . نعم ، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له ـ كالأب والجدّ للولد الصغير ـ وقد وهبه ما في يده صحّ ، وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة. ولو وهبه غير الوليّ فلابدّ من القبض، ويتولاّه الوليّ1.


الموهوب له مصداق الموهوب ، يعني بقبض الدَّين ممّن الذي عليه بقصد أداء الدَّين ، كما لا يخفى .
فهذا القبض يترتّب عليه أثران:
أحدهما: تعيّن الدّين به .
ثانيهما: تحقّق شرط صحّة الهبة على ما ذكر .

1 ـ قد وقع الاختلاف في أنّ القبض شرط في صحّة الهبة كما هو المشهور ، بل ادّعى الإجماع عليه كما عرفت ، أو في لزومها كما عن جماعة (1) ، وقد وردت في هذا المجال روايات مختلفة بحسب الظاهر .
أمّا الروايات الدالّة على المشهور فهي كثيرة :
منها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة لا تكون أبداً هبة حتّى يقبضها ، والصدقة جائزة عليه ، الحديث(2) ، ودلالتها على اشتراط صحّة الهبة

(1) المقنعة: 658 ، المبسوط: 3 / 303 ، السرائر: 3 / 173 ، المهذّب: 2 / 95 ، الوسيلة: 378 .
(2) تهذيب الأحكام: 9 / 159 ح 654 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 407 ، وعنهما الوسائل: 19 / 234 ، كتاب الهبات ب4 ح 7 .

(الصفحة473)



بالقبض ظاهرة; لدلالتها على كون القبض شرطاً في الماهيّة ، واحتمال كون المراد مدخلية القبض في أبديّة الهبة ودوامها ولزومها خلاف الظاهر .
ومنها : موثّقة داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة والنحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها ، قال : هي ميراث ، فإن كان لصبيّ في حجره فأشهد عليه فهو جائز(1) . ولعلّ دلالتها على الشرطية في الصحّة أظهر من الرواية السابقة .
ومثلها مرسلة أبان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النحل والهبة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها ، قال: هي بمنزلة الميراث ، وإن كان لصبيّ في حجره وأشهد عليه فهو جائز(2) .
وأمّا ما يدلّ على قول الجماعة في مقابل المشهور فهي :
صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسَّم ، والنحل لا يجوز حتّى تقبض ، وإنّما أراد الناس ذلك فأخطأوا(3) . قال في الوسائل : ولعلّ معنى آخر الحديث : أنّ الناس أحدثوا لفظ الصدقة واستعملوه في الهبة والنحلة مع عدم قصد القربة فأخطأوا .
وخبر عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها ، علمت أو لم تعلم فهي جائزة(4) .


(1) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 648 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 409 ، وعنهما الوسائل: 19 / 235 ، كتاب الهبات ب 5 ح 2 .
(2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 637 ، وعنه الوسائل: 19 / 232 ، كتاب الهبات ب 4 ح 1 .
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 641 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 422 ، معاني الأخبار: 392 ح 38 ، وعنها الوسائل: 19 / 233 ، كتاب الهبات ب 4 ح 4 .
(4) تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 640 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 421 ، وعنهما الوسائل: 19 / 232 ، كتاب الهبات ب4 ح 3 .

(الصفحة474)

مسألة 4:القبض في الهبة كالقبض في البيع ،وهو في غير المنقول ـ كالدار والبستان ـ التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يصير تحت استيلائه،وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته;كوضعه في حجره مثلاً1.


واُورد عليهما بأنّ مقتضاهما عدم شرطية القبض أصلاً لا كونه شرطاً في اللزوم ، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على الشرطية ، واختلافهم إنّما هو في أنّه شرط في الصحّة أو اللزوم ، وأيضاً الفرق بين الهبة والنحلة خلاف الإجماع ، وقد صرّحوا بجواز الهبة بعد القبض أيضاً إلاّ في بعض الموارد ، كالهبة إلى ذي الرحم (1) .
والعمدة أنّه بعد فرض التعارض لابدّ من العمل على طبق الطائفة الاُولى لموافقتها للشهرة المحقّقة ، وقد تكرّر منّا أنّها أُولى المرجّحات .
ثمّ إنّه استثني صورتين من صور اشتراط القبض :
إحداهما : ما إذا كان المال الموهوب في يد الموهوب له ، فإنّه لا مجال لدعوى اعتبار القبض هنا ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض; لتحقّقه على ما هو المفروض .
ثانيتهما : ما لو كان الواهب وليّاً على الموهوب; كالأب للصغير والجدّ له ، وقد وهبه ما في يده ، فإنّه لا معنى لاعتبار القبض هنا بعد كون اللازم قبض الولي وهو حاصل . ومن هنا يظهر أنّه لو كان الواهب غير الوليّ يحتاج إلى قبضه ، كما لا يخفى .

1 ـ لا اختلاف في حقيقة القبض بين المقام وبين سائر العقود ، أعمّ ممّا يعتبر فيها القبض مطلقاً ، أو في المجلس وغيره .


(1) اُنظر ملحقات العروة الوثقى: 2 / 163 ـ 164 .

(الصفحة475)

مسألة 5 : يجوز هبة المشاع; لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور1.


1 ـ تجوز هبة المشاع ; لأنّ المشاعية لا تخرجه عن العينيّة المعتبرة في الهبة ، فإنّ الكسور المشاعة لا تكون أمراً آخر وراء العين ، فالنصف مثلاً عين خارجيّة وإن كان مبهماً أو كلّياً في المعيّن .
وقد استدلّ على جواز هبة المشاع ـ مضافاً إلى الإجماع(1) وصحيحة أبي بصير المتقدِّمة ـ بصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار ، فقال : يجوز ، قلت : أرأيت إن كان هبة ؟ قال : يجوز(2) .
وكيف كان ، لا إشكال في جواز تعلّق الهبة بالمشاع ، إنّما الإشكال في كيفيّة القبض المعتبر في الصحّة على ما ذكرنا . وفي المتن إمكان قبض المشاع ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المهتّب إيّاه في قبض الهبة الموهوبة عنه ، بل استظهر تحقّق القبض باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، كما في المنقولات ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور ، والظاهر أنّ المراد من بعض الصور ما لم يأذن له الشريك في القبض ، والظاهر

(1) غنية النزوع: 301 ، نهج الحقّ وكشف الصدق: 510 ، تذكرة الفقهاء: 2 / 415 ـ 416 (طبع الحجري) ، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 167 مسألة 21 .
(2) التهذيب: 9 / 133 ح 564 ، وعنه الوسائل: 19 / 194 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 .

(الصفحة476)

مسألة 6 : لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب1.

مسألة 7 : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانتقل الموهوب إلى ورثته ، ولا يقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولا يقومون ورثته مقامه في القبض2.


الكفاية ولو كان حراماً ; لأنّ النهي لم يتعلّق بركن المعاملة ، حتّى يقال بأنّ النهي المتعلّق بالمعاملة أيضاً يقتضي فسادها ، بل بأمر خارج عن المعاملة; وهو التصرّف في مال الشريك بغير إذنه .

1 ـ لعدم الدليل على الفورية ولا على كونه في مجلس العقد ، كما في بعض أنواع البيع ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، كالإجازة في عقد الفضولي ، غاية الأمر أنّه مع تحقّق التراخي يحصل الانتقال بعد القبض ; لعدم تماميّة شرط الصحّة قبلها كالإجازة بناءً على النقل ، وعليه فالنماء المتوسّط بين الهبة والقبض للواهب ، كما لا يخفى .

2 ـ الوجه في البطلان بموت الواهب بعد العقد وقبل القبض ما عرفت من شرطية القبض في صحّة الهبة ، فلا يمكن أن تتّصف بالصحّة قبل القبض ، وقد عرفت أنّ الانتقال والتمليك إنّما يتحقّق بالقبض ، كالإجازة في الفضولي بناءً على النقل . وأمّا الروايتان المتقدِّمتان الدالّتان على الصحّة قبل القبض فقد عرفت أنّهما غير معمول بهما ; لمخالفتهما لفتوى المشهور ، وعليه فلا يقومون مقامه في الإقباض ،

(الصفحة477)

مسألة 8 : إذا تمّت الهبة بالقبض ، فإن كانت لذي رحم ـ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ـ لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبي ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً; من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة ، وبين غيره; بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى الله تعالى1.


ويظهر ممّا ذكر أنّه لو مات الموهوب له قبل القبض تكون الهبة باطلة ، ولا فرق في ذلك بين سبق الإذن في الإقباض وعدمه ; لأنّ مجرّد الإذن لا يكفي في تحقّق القبض ، ولا يقومون مقامه في القبض كما في الإقباض ، فتدبّر .
هذا بناءً على القول بالشرطيّة في الصحّة ، وأمّا على القول بمدخلية القبض في اللزوم ، فالبطلان بموت أحدهما محلّ إشكال .

1 ـ في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : إذا كانت الهبة المتّصفة بثبوت القبض فيها لذي رحم; أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ، وفي المتن لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، والأخبار الواردة في هذا المجال مختلفة ، فنقول: ـ بعد بيان أنّ مقتضى القاعدة من العموم والاستصحاب عدم جواز الرجوع ; لأنّه مقتضى عموم «أوفُوا بِالعُقُود»(1)والمفروض التماميّة بالقبض ، وكذا مقتضى استصحاب ملكية المتّهب بعد رجوع

(1) سورة المائدة: 5 / 1.

(الصفحة478)



الواهب بقاء ملكيّته ـ يدلّ على اللزوم مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز ، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها(1) .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان جميعاً قالا : سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء(2) .
ومن الواضح أنّ المراد بقوله (عليه السلام)  : «تجوز» هو اللزوم والنفوذ; لمقابلته مع جواز الرجوع .
وأمّا ما يدلّ على عدم اللزوم فمثل :
رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا ، وأمّا الهبة والنحلة فإنّه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة(3) .
وإطلاق صحيحة جميل والحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع ، وإلاّ فليس له(4) . فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين

(1) الكافي: 7 / 31 ح 7 ، تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 643 ، و ص 135 ح 569 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 410 ، و ص 101 ح 387 ، وعنها الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب 6 ح 2 .
(2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 636 ، الاستبصار: 4 / 108 / ح 414 ، وعنهما الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب6 ح 1 .
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 645 و ص 155 ح 637 ، الاستبصار: 4 / 106 ح 404 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 3 .
(4) الكافي: 7 / 32 ح 11 ، تهذيب الأحكام: 9 / 153 ح 627 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 412 ، وعنها الوسائل: 19 / 241 ، كتاب الهبات ب 8 ح 1 .

(الصفحة479)



الرحم وغيره .
وكذا إطلاق رواية المعلّى بن خنيس  قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا(1) .
وكذا إطلاق مفهوم صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) .
ويرد على هذه الطائفة ـ مضافاً إلى ما قرّرنا في محلّه من عدم ثبوت المفهوم رأساً ، ولو في القضية الشرطية ، وإلى أنّ الإطلاق صالح للتقييد وقابل له ـ أنّ استناد المشهور إلى الطائفة الاُولى(3) يوجب ترجيحها على هذه الطائفة .
بقي في هذا الفرع أمران لابدّ من التنبيه عليهما :
الأمر الأوّل : المراد بذي الرحم من ينسب إليه عرفاً ، قريباً أو بعيداً ، وارثاً كان أو لا ، ولا يختصّ بمن يحرم نكاحه كما قيل(4) ، فيشمل الأبوين والأولاد والإخوة ، من دون فرق بين المذكّر والمؤنّث ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى فهم العرف ، خصوصاً مع التعبير بـ«ذي القرابة» كما عرفت في بعض الروايات ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن (عليه السلام) : رجل أوصى لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه واُمّه ما حدّ القرابة ، يعطي من كان بينه

(1) تهذيب الأحكام: 9 / 158 ح 651 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 406 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 4 .
(2) الكافي: 7 / 33 ح 19 ، تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 632 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 413 ، وعنها الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 .
(3) يراجع ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ، ورياض المسائل: 9 / 388 ـ 389 .
(4) حكاه في الرياض: 9 / 391 ، ولعلّ مراده أبو حنيفة . الانتصار: 460 ، المبسوط للسرخسي: 12 / 49 و54 ـ 56 ، بدائع الصنائع: 5 / 190 .

(الصفحة480)



وبينه قرابة ، أو لها حدّ ينتهي إليه؟ فرأيك فدتك نفسي . فكتب : إن لم يسمّ أعطاها قرابته(1) .
والمراد منه ظاهراً أنّه لم يعيّن حدّاً وأبقى عنوان القرابة على إطلاقه; يعطي من كان بينه وبينه قرابة ، فالمرجع هو العرف .
الأمر الثاني : أنّه لا فرق بين كبار الأولاد وصغارهم ; لأنّ كلّهم ذووا قرابة ، فما عن الشيخ في المبسوط من الفرق بين كبار الأولاد وصغارهم وتخصيص عدم جواز الرجوع بالصغار(2) ، فالظاهر أنّ مراده صورة قبل القبض الذي له مدخلية في صحّة الهبة كما عرفت (3) ، فالتفصيل ناظر إلى حصول القبض قهراً ، كما يؤيّده التعبير في بعض الروايات المتقدِّمة بأنّه «في حجره» ، وعدم حصول القبض في قبض الكبير إلاّ بقبض نفسه أو وكيله مثلاً ، وكذا لا فرق بين الولد وولد الولد الذكور والإناث ، وخلاف المرتضى شاذ وإن حكي عنه الإجماع(4) عليه على عكس الواقع ، فتدبّر .
الفرع الثاني : جواز الرجوع في هبة غير ذي الرحم مع فرض القبض إذا كانت العين باقية ، فإذا تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين عرفاً فلا رجوع ، والدليل عليه صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة ، ولا فرق بين التلف السماوي أو إتلاف المتّهب أو الأجنبي ، وهذا بالنسبة إلى تلف الجميع واضح . وأمّا

(1) تهذيب الأحكام: 9 / 215 ح 848 ، قرب الإسناد: 388 ح 1362 ، وعنه الوسائل: 19 / 401 ، كتاب الوصايا ب 68 ح 1 .
(2) المبسوط: 3 / 309 ـ 310 .
(3 ، 4) في ص 472 ـ 473 .
(4) الانتصار: 460 .
<<التالي الفهرس السابق>>