في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة61)

عليـه ما يترتّب على هذا العنوان ، كما لايخفى .
ثمّ لايخفى أنّ التقسيم إلى النفسي والغيري ليس تقسيماً للواجب بمعنى كون الوجوب أمراً جامعاً بينهما ، كيف وقد عرفت أنّ الحروف بتمامها يكون الوضع فيها عامّاً والموضوع لـه خاصّاً ، فكيف يمكن أن يكون مدلول الهيئـة أمراً جامعاً بين القسمين ؟ ! بل التقسيم لأجل اختلاف الداعي ، بمعنى أنّ الداعي إلى البعث إلى شيء قد يكون للتوصّل إلى شيء آخر وقد لايكون ، وإلاّ فا لبعث أمر واحد لايختلف في القسمين أصلاً ، كما هو الشأن في الوجوب والاستحباب ، فإنّهما ليسا من أقسام الطلب والبعث بمعنى أن يكون البعث على نحوين ، بل البعث الصادر عن إرادة حتميـة يقال لـه : الوجوب ، كما أنّ البعث الصادر عن إرادة غير حتميـة يقال لـه : الاستحباب ، فتأمّل جيّداً .
ثمّ إنّ بعض الأعاظم من المعاصرين ذكر فيما لو شكّ في واجب أ نّـه نفسي أو غيري ما ملخّصـه با لنسبـة إلى الأصل اللفظي أ نّـه لمّا كان الواجب الغيري وجوبـه مترشّحاً عن وجوب الغير ، كان وجوبـه مشروطاً بوجوب الغير ، كما أنّ نفس غير الواجب يكون وجوده مشروطاً بنفس الواجب الغيري ، فيكون وجوب الغير من المقدّمات الوجوبيـة للواجب الغيري ، ووجود الواجب الغيري من المقدّمات الوجوديـة لنفس ذلك الغير .
مثلاً: يكون وجوب الوضوء مشروطاً بوجوب الصلاة ، وتكون نفس الصلاة مشروطةً بوجود الوضوء ، وحينئذ يكون مرجع الشكّ في النفسية والغيرية إلى شكّين : أحدهما : الشكّ في تقييد وجوبـه بوجوب الغير ، وثانيهما : الشك في تقييد مادّة الغير بـه .
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ هناك إطلاقاً في كلا طرفي الغير والواجب الغيري ، كما إذا كان دليل الصلاة مطلقاً لم يأخذ الوضوء قيداً لها ، ودليل إيجاب

(الصفحة62)

ا لوضوء كذلك لم يقيّد وجوبـه بوجوب الصلاة ، فلا إشكال في صحّـة التمسّك بكلٍّ من الإطلاقين ، وتكون النتيجـة هو الوجوب النفسي ولو كان لأحدهما فقط إطلاق يكفي في إثبات الوجوب النفسي أيضاً ; لأنّ مثبتات الاُصول اللفظيـة حجّـة(1) . انتهى ملخّص ما في التقريرات المنسوبـة إليـه .
ولكن هذا الكلام مخدوش من وجوه:
الوجـه الأوّل: أ نّك عرفت فيما تقدّم أ نّـه لايعقل كون وجوب المقدّمـة مترشّحاً من وجوب ذيها بمعنى أن يكون الثاني علّةً موجدة للأوّل ، كما هو معنى الترشّح ، كما أ نّـه لايعقل ترشّح الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة من الإرادة المتعلّقـة بذيها ، وهذا واضح جدّاً .
الوجـه الثاني: أنّ ما ذكره من أ نّـه حيث كان وجوب المقدّمـة مترشّحاً من وجوب ذيها ، فلا محا لـة يكون مشروطاً بـه ، محلّ نظر بل منع ; لأنّـه لو سلّم الترشّح والنشو ، فلا نسلّم كونـه مشروطاً بـه ، بل لايعقل ; لأنّ معنى الترشّح ـ كما عرفت ـ هو كون المترشّح معلولاً للمترشّح منـه ، وحينئذ فاشتراط المعلول بوجود العلّـة إن كان في حال انتفاء المعلول ، فبطلانـه أظهر من أن يخفى ; لأنّ الاشتراط وصف وجودي لايعقل عروضـه للمعدوم أصلاً ، وإن كان في حال وجوده ، فانتزاع المعلوليـة منـه إنّما هو في الرتبـة المتأخّرة عن الاشتراط ، ومن المعلوم خلافـه .
الوجـه الثالث: أنّ ما ذكره من أ نّـه يكون وجود الغير مشروطاً بوجود الواجب الغيري بمعنى أنّ المقصود من الغير هو تحقّقـه مقيّداً بذلك الواجب الغيري ، فلايتمّ على إطلاقـه وإن كان في المثال صحيحاً ; لأنّـه لو فرض أنّ المولى أمر بنصب السلّم وشكّ في أنّ وجوبـه هل يكون نفسياً أو غيرياً ، فإنّـه ولو سلّم

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 220 ـ 222.

(الصفحة63)

أ نّـه بناءً على الغيريـة يكون وجوبـه مترشّحاً من وجوب الكون على السطح مشروطاً بـه ، ولكن لا نسلّم أنّ المقصود من الأمر با لكون على السطح هو الكون عليـه مقيّداً بنصب السلّم ، كما كانت الصلاة مشروطةً با لطهارة .
الوجـه الرابع: أنّ ما ذكره من كون مثبتات الاُصول اللفظيـة حجّةً دون الاُصول العمليّـة ، ليس مبرهناً عليـه ، بل يكون محلّ شكّ وريبـة ، وسيجيء إن شاء اللّـه تعا لى .
هذا كلّـه فيما يتعلّق بما ذكره البعض المتقدّم فيما يقتضيـه الاُصول اللفظيـة التي لا مجال معها للاُصول العمليـة أصلاً .

مقتضى الأصل العملي في المقام

وأمّا با لنسبـة إلى الاُصول العمليّـة ، فذكر للمسأ لـة صوراً ثلاثـة :
الصورة الاُولى: ما إذا علم بوجوب كلٍّ من الغير والغيري من دون أن يكون وجوب الغير مشروطاً بشرط غير حاصل ، كما إذا علم بعد الزوال بوجوب كلٍّ من الوضوء والصلاة وشكّ في وجوب الوضوء من حيث كونـه غيريّاً أو نفسيّاً ، ففي هذه الصورة يرجع الشكّ إلى الشكّ في تقييد الصلاة با لوضوء ، فيكون من باب الأقلّ والأكثر الارتباطي ، وأصا لـة البراءة نافيـة للشرطيـة ، فمن هذه الجهـة تكون النتيجةُ النفسيةَ ، وأمّا من جهة تقييد وجوب الوضوء بوجوب الصلاة فلا أثر لها ; للعلم بوجوبـه على كلّ حال نفسيّاً كان أو غيريّاً . نعم ربّما يثمر في وحدة العقاب وتعدّده عند تركـه لكلٍّ من الوضوء والصلاة ، وليس كلامنا الآن في العقاب .
الصورة الثانيـة: هي الصورة الاُولى ولكن كان وجوب الغير مشروطاً بشرط غير حاصل ، كا لمثال المتقدّم فيما إذا علم قبل الزوال ، فحينئذ يرجع الشكّ

(الصفحة64)

في غيريّـة الوضوء ونفسيّتـه إلى الشكّ في اشتراطـه با لزوال وعدمـه ; إذ لو كان واجباً غيريّاً ، يكون مشروطاً با لزوال ، كا لصلاة ، وحينئذ فمقتضى الأصل العملي هو الاشتراط ; للشكّ في وجوبـه قبل الزوال ، كما أنّ أصا لـة البراءة تنفي تقييد الصلاة با لوضوء ، ولا منافاة بين إجراء البراءة لنفي وجوبـه قبل الزوال وبين إجرائها لنفي قيديّتـه للصلاة ، كما لايخفى .
الصورة الثالثـة: ما إذا علم بوجوب ما شكّ في غيريّتـه ولكن شكّ في وجوب الغير ، كما إذا شكّ في وجوب الصلاة وعلم بوجوب الوضوء ولكن شكّ في كونـه غيريّاً حتّى لايجب ; لعدم وجوب الصلاة بمقتضى البراءة ، أو نفسيّاً حتّى يجب ، والأقوى في هذه الصورة وجوب الوضوء ; لأنّ المقام يكون من التوسّط في التنجيز الذي عليـه يبتني جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطي(1) . انتهى ملخّصاً .
أقول: لايخفى أنّ ما ذكره في القسم الأوّل مناف لما ذهب إليـه في مبحث الأقلّ والأكثر الارتباطي(2) .
توضيحـه: أ نّـه يظهر من الشيخ في الرسائل في ذلك المبحث جريان البراءة با لنسبـة إلى وجوب الأكثر ; لأنّ العلم الإجما لي بوجوب الأقلّ والأكثر ينحلّ إلى علم تفصيلي بوجوب الأقلّ وشكّ بدويّ في وجوب الأكثر ; لأنّ الأقلّ واجب على كلّ حال ، سواء كان الأكثر واجباً أم لم يكن ، غايـة الأمر أنّ وجوبـه في الأوّل غيريّ ، وفي الثاني نفسي ، فيكون وجوب الأكثر مورداً لجريان البراءة(3) .


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 222 ـ 223.
2 ـ لاحظ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 156 ـ 157.
3 ـ فرائد الاُصول 2: 462 ـ 463.

(الصفحة65)

واعترض عليـه المحقّق الخراساني في الكفايـة بما حاصلـه : أنّ وجوب الأقلّ على كلّ تقدير يتوقّف على تنجّز التكليف على كلّ تقدير ، سواء كان متعلّقاً بالأقلّ أو بالأكثر ، فإنّـه لو لم يتنجّز التكليف بالأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، لم يجب الإتيان بالأقلّ أيضاً ; لأنّ وجوبـه إنّما يكون بتبع وجوب الأكثر ، كما هو واضح ، فلو لم يكن الأمر المتعلّق بـه منجّزاً ، لم يلزم الإتيان بالأقلّ أيضاً ، فوجوب الإتيان بـه على كلّ تقدير يتوقّف على وجوب الإتيان بالأكثر على كلّ تقدير ، فيلزم من وجوب الأقلّ على كلّ تقدير عدم وجوبـه على كلّ تقدير ، وما يلزم من وجوبـه عدمـه محال(1) .
وأورد عليـه المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ بما حاصلـه : أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون وجوب الأقلّ مقدّميّاً على تقدير تعلّق التكليف بالأكثر ، فيستقيم حينئذ ما أفاده من عدم الانحلال .
ألا ترى أ نّـه لو علم إجمالاً بوجوب نصب السلّم أو الصعود على السطح وتردّد وجوب الأوّل بين كونـه نفسيّاً أو غيريّاً متولّداً من وجوب الثاني ، فا لعلم التفصيلي بوجوب نصب السلّم لايوجب انحلال العلم الإجما لي بوجوب النصب أو الصعود ، فإنّ العلم التفصيلي بوجوبـه يتوقّف على وجوب الصعود على السطح ; إذ مع عدم الوجوب ـ كما هو لازم الانحلال ـ لايعلم تفصيلاً بوجوب النصب ; لاحتمال أن يكون وجوبـه غيريّاً متولّداً من وجوب الصعود ، وذلك كلّـه واضح ، إلاّ أنّ المقام ليس من هذا القبيل ; لما عرفت من أنّ وجوب الأقلّ على تقدير تولّده من وجوب الأكثر لايكون غيريّاً ، فإنّ الأجزاء إنّما تجب بعين وجوب الكلّ ، ولايمكن أن يجتمع في الأجزاء كلٌّ من الوجوب النفسي والغيري ، فحينئذ

1 ـ كفايـة الاُصول: 413.

(الصفحة66)

لايكون وجوب الأقلّ على كلّ تقدير متوقّفاً على وجوب الأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، فلايكون العلم بوجوبـه على كلّ تقدير متوقّفاً على شيء آخر ، فهو واجب با لوجوب النفسي على كلّ تقدير ، كما هو واضح(1) . انتهى ملخّص ما أفاده من ا لإيراد الأوّل على الكفايـة .
وأنت خبير بأنّ لازم ما ذكره هناك من تسليم عدم الانحلال فيما لو كان وجوب الأقلّ غيريّاً ، لا كالأجزاء : عدم جريان البراءة في الصورة الاُولى من المقام با لنسبـة إلى تقييد الصلاة با لوضوء ; لأنّـه يعلم إجمالاً بوجوبها إمّا مطلقاً أو مشروطاً با لوضوء ، والمفروض عدم انحلال العلم الإجما لي هنا ; لأنّـه لاشكّ في أنّ وجوب الوضوء على تقدير كونـه قيداً للصلاة يكون غيريّاً ، وليس كالأجزاء ، فمقتضى ما ذكره في مبحث الأقلّ والأكثر عدم جريان البراءة با لنسبـة إلى تقييد الصلاة بـه كما اختاره هنا .
ثمّ إنّـه لو قلنا بجريان البراءة بالإضافـة إلى هذا التقييد ، فلايكون الإتيان با لوضوء لازماً عند العقل ; لأنّ وجوبـه متردّد بين الوجوب الذي يستحقّ العقوبـة على تركـه وبين ا لوجوب الغيري الذي لايكون كذلك ، والمفروض عدم حجّـة للمولى با لنسبـة إلى العقاب ، فلايحكم العقل بلزوم إتيانـه أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه با لنسبـة إلى الصورة الاُولى .
وأمّا الصورة الثانيـة: فالأمر كما ذكره(قدس سره) .
وأمّا الصورة الثالثـة: فيرد عليها أ نّـه كيف يمكن اجتماع العلم بوجوب الوضوء على كلّ تقدير مع الشكّ في وجوب الصلاة ؟ ! لما ذكره المحقّق

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 156 ـ 157.

(الصفحة67)

ا لخراساني اعتراضاً على الشيخ ، وقد عرفت أ نّـه(قدس سره) قد سلّم الاعتراض في أمثال المقام ممّا يكون الوجوب غيريّاً ، لا كالأجزاء ، فا لواجب في هذه الصورة ا لإتيان با لصلاة والوضوء معاً .

تنبيهات

التنبيـه الأوّل: في كيفيّـة الثواب والعقاب الاُخروي

بقي في المقام شيء ، وهو : أ نّـه هل يترتّب العقاب والثواب على فعل الواجب الغيري وتركـه بعد الفراغ عن استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب النفسي وتركـه ؟ وإلاّ فالأمرفيـه أيضاً مورد إشكال ، وينبغي بيان ا لحال فيـه على نحوا لاختصار .
فنقول: لو كان الثواب عبارةً عن الصور البهيّـة التي تتمثّل الأعمال الحسنـة بتلك الصور ، وتصير النفس بها مستعدّةً للكمالات ، والعقاب عبارة عن الصور الموحشـة التي تتمثّل الأعمال القبيحـة بتلك الصور الملازمـة للنفس المبتلى بها ويكون لها مدخليـة في انحطاط النفس ونقصانها ، كما يقول بـه الأعاظم من الفلاسفـة(1) ، فلا إشكال في أ نّهما من لوازم العمل بحيث يمتنع ا لانفكاك عنـه ; لأنّهما من الآثار الوضعيـة للأعمال الحسنـة والقبيحـة ، ولايعقل الانفكاك بينهما وبين تلك ا لصور ، وحينئذ فلايصحّ التعبير بالاستحقاق بعدما عرفت من استحا لـة الانفكاك ، كما لايخفى لو كان الثواب عبارة عمّا تدلّ عليـه ظواهر

1 ـ مجموعـة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 229 ـ 235، الحكمـة المتعاليـة 9: 4 ـ 5
و293 ـ 296.


(الصفحة68)

ا لآيات والأخبار ، ولكن قلنا بكونـه جعلياً بمعنى أ نّـه قد جعل للعمل الفلاني مقدار مخصوص من الأجر والثواب ، وللعمل الآخر مقدار كذلك من العقوبـة ، فلا إشكال في صحّـة التعبير بالاستحقاق ، ولكنّـه لايخفى أنّ ذلك إنّما هو با لمقدار الذي دلّ الدليل عليـه وقامت الحجّـة من قِبَل المولى على ذلك المقدار ، كما لايخفى .
وأمّا لو لم نقل بجعليـة الثواب والعقاب ، فلا وجـه للقول بالاستحقاق أصلاً ، فإنّـه كيف يمكن أن يستحقّ العبد ـ الذي يكون مملوكاً لمولاه بجميع جهاتـه خصوصاً إذا أعطاه من النعم الظاهريـة والباطنيـة ما لايحصى ـ على مولاه شيئاً في مقابل عملـه القليل الذي لايقابل بعض تلك النعم فضلاً عن جميعها ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه في الواجبات النفسيـة .

في استحقاق الثواب على الواجب الغيري

وأمّا الواجبات الغيريـة : فإن قلنا بأنّ الثواب عبارة عمّا يظهر من بعض الفلاسفـة ، فثبوتـه في الواجبات الغيريـة وعدمـه لايكون لـه كثير ارتباط بالاُصول ; لأنّـه من العلم بالأشياء وحقائقها ولوازمها ، كما لايخفى ، كما أ نّـه لو قلنا با لوجـه الثاني ، فا للازم مراجعـة الأدلّـة حتّى يظهر أ نّـه هل يكون الثواب على فعلها مجعولاً ؟ كما ورد في بعض المقدّمات ، مثل : ما ورد في الذهاب إلى زيارة قبر الحسين عليـه الصلاة والسلام من أ نّـه لكلّ قدم كذا وكذا من الثواب(1) .


1 ـ ثواب الأعمال: 116 / 31، وسائل الشيعـة 14: 439، كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبـه، الباب 41، الحديث 1.

(الصفحة69)

وأمّا بناءً على الوجـه الأخير : فلايخفى أ نّـه لو قلنا بثبوتـه في الواجبات النفسيـة ولكن لا نسلّم ترتّبـه على الواجبات الغيريـة ; لأنّـه لا إشكال في أنّ الثواب والعقاب إنّما يترتّبان على الإطاعـة والمعصيـة ، والامتثال والمخا لفـة ، والأمر الغيري بعيد منهما بمراحل ; لأنّـه لايصلح للتحريك والداعويـة أصلاً ، فإنّ المكلّف إمّا أن يريد امتثال الأمر المتعلّق بذي المقدّمـة بمعنى أ نّـه صار داعياً لـه ومحرّكاً إلى الإتيان بها ، وإمّا أن لايريد الامتثال أصلاً .
فعلى الأوّل يأتي با لمقدّمـة بعدما رأى توقّف الإتيان بذي المقدّمـة عليها ، ولو لم يكن الأمر الغيري متعلّقاً بها أصلاً ، فالإتيان با لمقدّمـة في هذه الصورة ليس لإطاعـة الأمر الغيري وتحريكـه المكلّف إلى متعلّقـه ، بل الإتيان بـه لتوقّف المطلوب النفسي عليـه .
وعلى الثاني لايكون الأمر النفسي با لنسبـة إليـه داعياً فضلاً عن الأمر الغيري .
وبا لجملـة فوجود الأمر الغيري وعدمـه متساويان في الصورتين ، فلايكون لـه إطاعـة حتّى يترتّب على فعلـه الثواب وعلى تركـه العقاب ، كما هو واضح .
وتوهّم: وجود الفرق بنظر العقل بين العبد الذي يأتي بمقدّمات العمل ثمّ يعرضـه بعض الموانع عن الإتيان بذي المقدّمـة ـ كا لموت أو النسيان أو غيرهما من الموانع ـ وبين العبد الذي لايأتي بمقدّمـة أصلاً ثمّ يعرض لـه بعض تلك الموانع ويمنعـه عن الإتيان با لمقدّمـة وذيها معاً(1) .
يدفعـه أنّ ثبوت الفرق وإن كان بديهيّاً إلاّ أ نّـه لايوجب الفرق في المقام ، فإنّ كلامنا إنّما هو في استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب الغيري وتركـه

1 ـ نهايـة الاُصول: 186.

(الصفحة70)

بمعنى أ نّـه لو منعـه المولى من الثواب بعد الإتيان بـه ، عدّ ظا لماً ومورداً لتقبيح العقلاء ، كمن يمنع من أداء حقّ الغير إليـه ، وهذا لا فرق فيـه بين الآتي با لواجب الغيري وتاركـه أصلاً ، فإنّـه كيف يستحقّ العبد على مولاه شيئاً بعدما فرض أ نّـه لم يأت بمطلوبـه النفسي أصلاً ، كما هو واضح .
نعم يكون بينهما فارق لا من حيث الاستحقاق الذي يكون مورد النزاع في المقام ، بل من حيث الممدوحيـة والمذموميّـة عند العقلاء ، فإنّ العبد الذي يأتي بمقدّمات الواجب يستحسنـه العقلاء لكونـه منقاداً للمولى مريداً للإتيان بمطلوباتـه وإطاعـة أوامره ، كما لايخفى .
ومن هنا يظهر: أ نّـه لا فرق بين ما لو كان العمل متوقّفاً على مقدّمات كثيرة وبين ما لو لم يكن إلاّ متوقّفاً على بعض المقدّمات ، كا لحج با لنسبـة إلى الساكنين في البلاد البعيدة والقريبـة من حيث استحقاق المثوبـة على فعل المقدّمات وعدم الاستحقاق أصلاً .
نعم يمكن أن يقال بازدياد الثواب على نفس العمل فيما لو كان متوقّفاً على مقدّمات كثيرة لا ثبوتـه با لنسبـة إلى المقدّمات ، كما لايخفى .

التنبيـه الثاني: الإشكال في الطهارات الثلاث ودفعـه

ثمّ إنّـه ربّما يستشكل في الطهارات الثلاث بوجهين :
الأوّل: أ نّـه لاريب في ترتّب الثواب عليها ، وفي كونها عبادةً مع أنّ الأمر الغيري لايكون إلاّ توصّليّاً ولايترتّب على امتثا لـه الثواب(1) .
ويردّه : أ نّـه لو كان المراد بترتّب الثواب عليها استحقاق المكلّف لـه

1 ـ مطارح الأنظار: 70 / السطر 18.

(الصفحة71)

با لمعنى المتقدّم المتنازع فيـه ، فلا نسلّم ثبوتـه فيها بعدما عرفت من أنّ الأمر الغيري لايصلح للداعويّـة ولايكون لـه إطاعـة حتّى يترتّب عليـه الثواب ويستحقّ على تركـه العقاب .
وإن كان المراد بـه جعل الثواب على الطهارات الثلاث ، فلا إشكال فيـه ، ولا اختصاص لـه بها ، بل [لها] نظائر في التوصّليات أيضاً ، مثل ما جعل من الثواب على الذهاب إلى زيارة قبر الحسين(عليه السلام) لكلّ قدم كذا وكذا ، مع أ نّـه لا إشكال في كونـه توصّليّاً .
الثاني ـ وهو العمدة ـ : أ نّـه لا إشكال في أنّ الطهارات الثلاث قد اعتبرت مقدّمةً للصلاة بنحو العبادية ، وليس حا لها كحال سائر المقدّمات ، كا لستر والاستقبال وغيرهما في أنّ مطلق وجودها في الخارج قد اعتبرت مقدّمـة لها ، وحينئذ فعباديتها مأخوذة في الرتبـة السابقـة على تعلّق الأمر الغيري بها ; إذ لايكاد يتعلّق إلاّ بما يكون مقدّمةً با لحمل الشائع ، والمفروض أنّ مقدّميّتها إنّما هو في حال كونها عبادةً ، وحينئذ فنقول : إن كان المصحّح لعباديتها هو تعلّق الأمر الغيري بها ، فيلزم الدور ; لأنّ تعلّقـه بها متوقّف على كونها مقدّمـة الراجعـة إلى كونها عبادةً ، فلو كانت عباديتها متوقّفـة على تعلّق الأمر الغيري بها يلزم توقّف الشيء على نفسـه ، كما هو واضح ، وإن كان المصحّح لعباديتها هو تعلّق الأمر النفسي بذواتها ، فهو فاسد ; لوجوه ثلاثـة :
الأوّل: أ نّـه لايتمّ في خصوص التيمّم ; لعدم تعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بـه قطعاً .
الثاني: أ نّـه كيف يمكن اجتماع الأمر الغيري مع الأمر الاستحبابي النفسي على شيء واحد ؟ ! فمع ثبوت الأوّل ـ كما هو المفروض ـ لايبقى مجال للثاني ، كما لايخفى .


(الصفحة72)

الثالث: أ نّـه من الواضح أ نّـه يصحّ إتيان الطهارات الثلاث بقصد أمرها الغيري من دون التفات إلى رجحانها النفسي ، بل يكون مغفولاً عنـه با لنسبـة إلى أغلب الناس ، فكيف يكون هو المحقّق لعباديتها ؟ ! كما لايخفى .
وأجاب عن الإشكال بعض الأعاظم ـ كما في تقريراتـه ـ بما ملخّصـه أ نّـه كما تكون الطهارات الثلاث بوصف عباديتها مقدّمـة للصلاة فكذلك تكون ذواتها مقدّمةً لها أيضاً بمعنى أنّ لها الدخل في إيجاد الصلاة .
وبعبارة اُخرى : الأمر الغيري المتعلّق بها متقرّباً بها إلى اللّـه تعا لى ينبسط على أجزاء متعلّقـه كانبساط الأمر النفسي على أجزاء الواجب ، فينحلّ إلى أوامر غيريـة ضمنيـة ، وحينئذ فتكون ذوات الأفعال في الطهارات الثلاث مأموراً بها بالأمر الضمني من ذلك الأمر الغيري ، وإذا أتى بها بداعي ذلك الأمر الضمني يتحقّق ما هو المقدّمـة ، أعني الأفعال الخارجيـة المتقرّب بها ، وبذلك يسقط الأمر الضمني المتوجّـه إلى القيد بعد فرض كونـه توصّليّاً ; لحصول متعلّقـه قهراً بامتثال الأمر الضمني المتعلّق بذات الفعل(1) . انتهى ملخّصاً .
أقول: يرد عليـه : أ نّـه كيف يكون الأمر الغيري مصحّحاً للعباديـة ؟ ! بعدما عرفت من أ نّـه لايكون صا لحاً للداعويـة أصلاً ، فإنّـه لايكون الغرض منـه إلاّ مجرّد التوصّل إلى حصول ذي المقدّمـة ، فمتعلّقـه لايكون إلاّ واجباً توصّليّاً ، وعلى تقدير كونـه داعياً فهو إنّما يدعو إلى متعلّقـه ; لحصول المأمور بـه بالأمر النفسي ، ولايكفي ذلك في العباديّـة ، فإشكال لزوم الدور وإن كان يرتفع بما ذكر إلاّ أنّ ما هي العمدة في المقام من الإيراد ـ وهو أ نّـه كيف يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديـة متعلّقـه ؟ !ـ يبقى على حا لـه .


1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 379.

(الصفحة73)

ومنـه يظهر بطلان ما ذكره المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات في مقام تصحيح عباديـة الطهارات الثلاث ـ من أنّ المصحّح لها ليس هو الأمر الغيري المتعلّق بها ، ولا الأمر النفسي المتعلّق بذواتها ، بل الأمر النفسي المتعلّق بذي المقدّمـة حيث إنّـه ينبسط على الأجزاء والشرائط ، فا لمصحّح لعباديـة الوضوء ، المشروطـة بـه الصلاة هو المحقّق لعباديـة الفاتحـة التي هي جزء لها(1) .
وجـه البطلان : ما ظهر ممّا تقدّم ، وهو أنّ الأمر الضمني المتعلّق با لجزء أو الشرط لايكفي في عباديتهما أصلاً لو سلّمنا ذلك بعدما كان المقصود منـه حصول المجموع أو المشروط ، كما لايخفى .

التنبيـه الثالث: في منشأ عباديّـة الطهارات

وا لحقّ في المقام أن يقال : إنّ عباديـة الطهارات الثلاث ليست لأجل الأمر الغيري المتعلّق بها ، بل إنّما هو من جهـة قابليتها وصلوحها للعبادة ، كما هو المسلّم من الشرع مع الإتيان بها للّـه وبداعي التقرّب إليـه .
توضيحـه : أ نّـه لايشترط في عباديـة الأشياء تعلّق الأمر النفسي بها ، ولا الأمر الغيري ، بل يكفي في صيرورة شيء عبادةً كونـه صا لحاً لها مع الإتيان بها بداعي التقرّب ، ومن هنا يقال بعدم الفرق بين التيمّم الذي لايكون مورداً لفتوى الأصحاب باستحبابـه النفسي وبين الوضوء والغسل المستحبّين ، كما أفتوا بـه ، فإنّ مجرّد كونـه منطبقاً عليـه بعض العناوين الحسنـة في حال الإتيان بـه مقدّمـة للصلاة يكفي في صلاحيتها للعبادة في ذلك الحال ، ولايشترط تعلّق الأمر بـه أصلاً ، وأمّا في غير ذلك الحال فعدم عباديتـه إمّا لأجل عدم انطباق تلك العناوين

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 228.

(الصفحة74)

ا لحسنـة عليـه في غير ذلك الحال أو لمزاحمتها من بعض العناوين الغير الحسنـة المخرجـة لـه عن العباديـة ، كما لايخفى .
وا لدليل عليـه ما هو المرتكز في أذهان المتشرّعـة عند الإتيان با لطهارات الثلاث ، فإنّهم لايلتفتون إلى استحبابها النفسي أصلاً .
وما ذكره في الإشكال: من كفايـة الإتيان بها بداعي الأمر الغيري المتعلّق بها إن اُريد الإتيان بها كا لستر والاستقبال للصلاة بمعنى أ نّـه كما يكفي تحصيل الستر لأجل الصلاة كذلك يكفي مجرّد الإتيان با لوضوء لأجل الصلاة .
ففيـه: أ نّـه لايكون بينهما فرق حينئذ ، فيكون الوضوء باطلاً ، مضافاً إلى ما نراه من المتشرّعـة من اختلاف نحوي الإتيان با لوضوء وبا لستر عندهم ، فإنّ في حال الإتيان بالأوّل لهم حا لـة اُخرى لا توجد عند الإتيان با لثاني .
فظهر أنّ عباديـة الطهارات الثلاث إنّما هو لكونها صا لحةً للعبادة مع الإتيان بها بداعي القربـة من دون توقّف على الأمر النفسي ولا الغيري أصلاً ، ولذا نقول كما قا لوا : بعباديـة التيمّم في حال الإتيان بـه مقدّمـة للصلاة ، مع أ نّـه لايكون متعلّقاً لأمر نفسي ، كما ذهبوا إليـه ، ولا لأمر غيري ، كما سنحقّقـه من عدم وجوب المقدّمـة ، فانتظر .
ثمّ إنّ بما ذكرناه في تحقيق عباديـة الطهارات الثلاث يرتفع جميع المحذورات المتقدّمـة والإيرادات السابقـة ، فإنّـه لايبقى حينئذ مجال للإشكال في ترتّب الثواب عليها ، فإنّ ترتّبـه عليها ليس لأجل تعلّق الأمر الغيري بها ، بل لكونها مطلوبةً نفساً وعبادةً ذاتاً ، والكلام إنّما هو بعد الفراغ عن ترتّب الثواب على الواجبات النفسيـة ، فلا وجـه حينئذ للإشكال أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وكذا يرتفع بـه محذور الدور ، فإنّ الأمر الغيري وإن تعلّق بما تكون عبادةً ، إلاّ أنّ عباديتها لا تتوقّف على الأمر الغيري أصلاً ، كما ظهر بما حقّقناه لك .


(الصفحة75)

وما ذكره العراقي(قدس سره) في دفع محذور الدور: من كلامـه المتقدّم(1) وإن كان يكفي في دفع ذلك المحذور إلاّ أ نّـه لايرتفع بـه ما هي العمدة في ا لمقام من الإشكال ، وهو أ نّـه كيف يمكن أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديـة متعلّقـه ؟ ! كما لايخفى ، كما أ نّـه بما ذكرنا يرتفع سائر المحذورات ، فإنّك قد عرفت أنّ عباديـة التيمّم ليس لأجل تعلّق الأمر النفسي الاستحبابي بـه حتّى يقال بأ نّهم لايقولون بـه ، وكذلك لايبقى مجال للإشكال باستحا لـة اجتماع الأمر الغيري مع الأمر النفسي على شيء واحد ، فإنّـه قد ظهر بما ذكرنا أنّ المأمور بـه بالأمر الأوّل هو ما يكون متعلّقاً للأمر الثاني بوصف كونـه كذلك ، وبعبارة اُخرى : العبادة المستحبّـة جُعلت مقدّمةً ومتعلّقةً للأمر الغيري ، نظير ما إذا نذر الإتيان بصلاة الليل مثلاً ، فإنّ الوفاء با لنذر وإن كان واجباً إلاّ أ نّـه لاينافي استحباب صلاة الليل ولايخرجها عنـه إلى الوجوب ، بل يجب عليـه الإتيان بها بما أ نّها مستحبّـة ، كما لايخفى .
وأمّا كفايـة الإتيان با لطهارات بداعي الأمر الغيري المتعلّق بها فقد عرفت ما فيـه من أ نّـه لو كان المراد كفايـة الإتيان بها للصلاة ، فلا نسلّم صحّتها وكون الإجماع منعقداً عليها ; لما عرفت من الفرق عند المتشرّعـة في مقام الإتيان بها أو بسائر المقدّمات غير العباديـة .
ثمّ إنّ ما يظهر من بعض: من تصحيح عباديـة الطهارات الثلاث مع قطع النظر عن تعلّق الأمر الغيري بها بأنّ الأمر المتعلّق با لصلاة ، كما أ نّـه يدعو إلى متعلّقها كذلك لـه نحو داعويـة إلى مقدّماتها ، فعباديـة الطهارات إنّما هو لاعتبار الإتيان بها بتلك الداعويـة ، لا كما ذكره النائيني(قدس سره) من انبساط الأمر النفسي على

1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 379.

(الصفحة76)

ا لمقدّمات أيضاً حتّى تكون عباديتها لأجل تعلّق الأمر النفسي الضمني بذواتها(1) ، بل نقول : إنّ متعلّق الأمر النفسي هي نفس الصلاة ، ولكن لايخلو من الداعويـة إلى المقدّمات أيضاً .
وا لفرق بين الطهارات وغيرها من المقدّمات أنّ المعتبر في صحّتها الإتيان بها بتلك الداعويـة ، بخلاف سائر المقدّمات ، فإنّـه لايعتبر في صحّتها هذا المعنى .
نعم لو أتى بها أيضاً بذلك الداعي تصير عبادةً ، ويترتّب عليـه الثواب ، كما هو الشأن في جميع الواجبات التوصّليّـة .
فجوابـه أظهر من أن يخفى، فإنّـه كيف يمكن أن يكون الأمر المتعلّق با لصلاة داعياً إلى مقدّماتها مع ما ثبت من أنّ الأمر لايدعو إلاّ إلى متعلّقـه ، والمفروض عدم كون المقدّمات متعلّقةً للأمر المتعلّق بذيها ، كما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره) ودخول التقيّدات في متعلّق الأمر النفسي لايستلزم كون القيود أيضاً كذلك ، وحينئذ فلا وجـه لكون الأمر بذي المقدّمـة داعياً إليها أصلاً ، كما هو أظهر من أن يخفى .
فا لتحقيق في عباديـة الطهارات الثلاث ما ذكرناه لك ، وعليـه فكلّما توضّأ مثلاً بداعي الأمر الاستحبابي المتعلّق بـه سواء كان متعلّقاً للأمر الغيري أيضاً ـ كما إذا توضّأ بعد دخول الوقت ـ أو لم يكن ـ كما إذا توضّأ قبل دخولـه يكون وضوؤه صحيحاً يجوز الإتيان بجميع الغايات المشروطـة بها ، كما أ نّـه لو توضّأ بداعي الأمر الغيري فقط من دون التوجّـه إلى عباديتـه يكون فاسداً مطلقاً قبل الوقت وبعده .
ثمّ إنّـه قد اُجيب عن إشكال الطهارات الثلاث وأ نّها كيف تكون عبادةً مع

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 228.

(الصفحة77)

كونها متعلّقةً للأمر الغيري بوجوه شتّى بعضها يرجع إلى ما ذكرناه بنحو من التصرّف والتأويل ، وبعضها الآخر يظهر بطلانها ممّا ذكرنا في هذا المقام ، وعليك با لتأمّل التامّ في كلمات الأعلام ليظهر لك الصحيح عن سقيم المرام ، فإنّ المقام من مزالّ الأقدام ، فتأمّل جيّداً .

الأمر السابع

ما هو الواجب في باب المقدّمـة؟

هل الواجب في باب المقدّمـة بناءً على ثبوت الملازمـة هو ذات المقدّمـة بلا مدخليـة شيء آخر ، أو المقدّمـة بشرط إرادة المكلّف لذيها عند إتيانها ، كما ربّما ينسب إلى صاحب المعا لم(قدس سره)(1) ، أو بشرط قصد التوصّل بها إليـه لا مطلقاً ، سواء ترتّب عليـه ذو المقدّمـة في الخارج أم لم يترتّب ، كما ربّما نسب ذلك إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(2) ، أو بشرط إيصا لها إلى ذي المقدّمـة وترتّبـه عليها في ا لخارج بحيث إذا ترتّب عليها يكشف عن وقوعها على صفـة الوجوب ، كما ذهب إليـه صاحب الفصول(3) ؟ وجوه وأقوال ، ولابدّ من النظر في كلّ واحد منها ليظهر صحّتـه أو سقمـه .

حول ما نسب إلى صاحب المعالم

فنقول : ربّما يورد على صاحب المعا لم :
أوّلاً: بأنّ وجوب المقدّمـة تبع لوجوب ذيها من حيث الإطلاق أو

1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 142.
2 ـ كفايـة الاُصول: 143، مطارح الأنظار: 72 / السطر 9.
3 ـ الفصول الغرويّـة: 81 / السطر 4.

(الصفحة78)

ا لاشتراط ، فكيف يمكن أن يكون وجوب ذي المقدّمـة مطلقاً غير مشروط بإرادتـه ووجوب المقدّمـة مشروطاً بإرادتـه .
وثانياً: باستحا لـة أن يكون البعث المتعلّق بشيء مشروطاً بإرادة ذلك الشيء ; إذ مع تحقّق الإرادة يكون الإتيان با لفعل مسبّباً عنها لا عن البعث ، ومع عدم تحقّقها يكون المفروض عدم ثبوتـه بعد كونـه مشروطاً بالإرادة .
ودعوى: أنّ البعث هنا مشروط بإرادة ذي المقدّمـة لابإرادة متعلّقـه الذي عبارة عنها .
مدفوعـة: باستحا لـة انفكاك إرادة ذي المقدّمـة عن الإرادة المتعلّقـة بها فمع كونـه مشروطاً بها يلزم اللغويـة أيضاً بعد عدم انفكاكها عنها ، كما لايخفى(1) .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ عبارة المعا لم(2) لا تفيد شرطيـة الإرادة أصلاً ، بل مفادها هو ثبوت الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها ، فلايكون الوجوب مشروطاً بإرادتـه ، بل إنّما هو ثابت في حا لها على نحو القضيّـة الحينيـة لا المشروطـة ، فلايرد عليـه الإشكالان المذكوران .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الإيراد الثاني فاسد ولو قلنا بذلك ; لأنّ كون البعث مشروطاً بإرادة ما يترشّح منـه الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة بحيث تكون في مرتبـة متأخّرة عنها استحا لتـه غير واضح ; لأنّ البعث إنّما يقع في المرتبـة المتقدّمـة على إرادة متعلّقـه ، وهذا غير معلوم الاستحا لـة .
مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد لايختصّ بخصوص هذا القول ، بل يرد على جميع القائلين بثبوت الملازمـة ، كما لايخفى .


1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 5.
2 ـ معالم الدين: 74 / السطر 3.

(الصفحة79)

تحقيق فيما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)

ثمّ إنّ ما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره) من أنّ الملازمـة إنّما هي بين ذي المقدّمـة وبين المقدّمـة التي قصد بها التوصّل إليـه بحيث يكون هذا القول في عرض سائر الأقوال في باب المقدّمـة ليست النسبـة إليـه في محلّـه ، فإنّ منشأ النسبـة إنّما هو ملاحظـة التقريرات المنسوبـة إليـه ، ونحن بعد ملاحظـة هذا المقام منها صدراً وذيلاً لم نعرف وجهاً لهذه النسبـة أصلاً ; فإنّ المقرّر بعد حكايـة عبارة المعا لم والإشكال فيها با لوجهين المتقدّمين شرع في أ نّـه هل يعتبر في امتثال الأمر الغيري قصد التوصّل بها إلى ذيها أم لا ، واختار الأوّل .
ثمّ ذكر في تحقيقـه أنّ الأمر الغيري لايستلزم امتثالاً أصلاً ، بل المقصود منـه مجرّد التوصّل بـه إلى الغير ، وقضيّـة ذلك هو قيام الواجب مقامـه وإن لم يكن المقصود منـه التوصّل بـه إلى الواجب ، كما إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم من السوق ، الموقوف على تحصيل الثمن ، ولكنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء اللحم ، بل لغرض آخر ، ثمّ بدا لـه الامتثال بأمر المولى ، فيكفي لـه في مقام المقدّميـة الثمن المذكور من غير إشكال ، إنّما الإشكال في المقدّمات العباديـة التي يجب وقوعها على قصد القربـة ، فهل يصحّ في وقوعها على جهـة الوجوب أن لايكون الآتي بها قاصداً للإتيان بذيها أم يعتبر ؟
ثمّ فرّع عليـه بعض الفروعات ، وذكر أ نّـه قد نسب إلى المشهور عدم الاعتبار .
ثمّ استند إلى ما يقرّب مرادهم ، ثمّ استشكل عليـه بأنّ الإنصاف فساد ذلك الوجـه ; لأنّ النزاع إنّما هو فيما إذا اُريد الامتثال با لمقدّمـة ، وذكر أ نّـه لا إشكال

(الصفحة80)

في لزوم قصد عنوان الواجب إذا اُريد الامتثال بـه وإن لم يجب الامتثال(1) ، إلى آخر ما ذكره ، فإنّ الناظر إلى هذه العبارات يقطع بأنّ النزاع في اعتبار قصد التوصّل إلى ذي المقدّمـة وعدمـه إنّما هو فيما إذا اُريد الامتثال با لمقدّمـة ، ومعنى الامتثال ـ كما صرّح بـه ـ أن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الأمر(2) ، فلاربط لهذا النزاع با لمقام أصلاً ، فإنّ الكلام هنا إنّما هو في الملازمـة وفي أنّ الأمر الغيري هل يتعلّق بذات المقدّمـة أو مع قيد آخر .
ولايخفى أنّ التأمّل في عبارة التقريرات يعطي أنّ الواجب هو ذات المقدّمـة ، كيف وقد صرّح في جواب المعا لم بأنّ وجوب المقدّمـة إنّما يتبع في الإطلاق والاشتراط وجوب ذيها ، وقد صرّح أيضاً بأنّ الحاكم با لوجوب الغيري ليس إلاّ العقل ، وليس الملحوظ عنده في عنوان حكمـه با لوجوب إلاّ عنوان المقدّميـة والموقوف عليـه ، وهنا بعض القرائن الاُخر يظهر للناظر المتأمّل .
وكيف كان فمع قطع النظر عن انتساب هذا القول إلى الشيخ(قدس سره) فلابدّ من النظر فيـه ، وأ نّـه هل يمكن الذهاب إليـه أم لا ؟
فنقول: اعتبار قصد التوصّل في المقدّمـة يمكن على وجوه:
الأوّل: أن يكون الوجوب الناشئ من حكم العقل با لملازمـة مشروطاً بما إذا قصد التوصّل بها إليـه بمعنى أ نّـه في غير هذه الصورة لا تكون المقدّمـة واجبـة .
الثاني: أن يكون الوجوب ثابتاً لها في هذا الحين ، والفرق بين الصورتين الفرق بين القضيّـة المشروطـة والحينيـة .


1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 9.
2 ـ نفس المصدر: السطر 24.
<<التالي الفهرس السابق>>