في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة241)

وربّما توهّم: أ نّـه كيف يكون المناط في المفهوم هو السنخ مع أنّ الشرط في القضيـة الشرطيـة إنّما وقع شرطاً للحكم المجعول بإنشائـه دون غيره ، وهو حكم شخصي ينتفي بانتفاء الشرط عقلاً(1) ؟ !
وأجاب عنـه في الكفايـة بما حاصلـه: أنّ وضع الهيئات والموضوع لـه فيها عامّ كا لحروف ، فا لمعلّق على الشرط إنّما هو الوجوب الكلّي ، والخصوصيـة ناشئـة من قِبَل الاستعمال(2) .
ولكن قد حقّق فيما تقدّم أنّ الموضوع لـه في باب الحروف خاصّ لا عامّ .
والحقّ في الجواب أن يقال: إنّ المستفاد من القضايا الشرطيـة هو الارتباط والمناسبـة بين الشرط والجزاء الذي هو عبارة عن متعلّق الحكم لا نفسـه .
وبعبارة اُخرى : ظاهر القضيّـة الشرطيـة هو اقتضاء المجيء في قولك إن جاءك زيد فأكرمـه ، لنفس الإكرام ، لا وجوبـه ; إذ تعلّق الوجوب بـه إنّما يتأخّر عن تلك الاقتضاء وشدّة المناسبـة المتحقّقـة بينهما ، كما يظهر بمراجعـة الاستعمالات العرفيـة ، فإنّ أمر المولى عبده بإكرام ضيفـه عند مجيئـه إنّما هو لاقتضاء مجيء الضيف إكرامـه ، فالارتباط إنّما هو بين الشرط ومتعلّق الجزاء ، وظاهر القضيـة الشرطيـة وإن كان ترتّب نفس الحكم على الشرط إلاّ أنّ تعلّق الحكم بـه إنّما هو للتوصّل إلى المتعلّق بعد حصول الشرط ; لشدّة الارتباط بينهما ، وحينئذ فا لقائل با لمفهوم يدّعي انحصار مناسبـة الإكرام مع المجيء بحيث لاينوب منابـه شيء ، ولا ارتباط بينـه وبين شيء آخر ، فإذا انتفى المجيء ، فلايبقى وجـه لوجوب الإكرام بعد عدم اقتضاء غيرا لمجيء إيّاه ، فا لمعلّق على

1 ـ مطارح الأنظار: 173 / السطر 15 ـ 16.
2 ـ كفايـة الاُصول: 237.

(الصفحة242)

ا لشرط في ظاهر القضيّـة الشرطيّـة وإن كان مفاد الهيئـة التي هي جزئيـة ووجوب شخصي يرتفع بارتفاع الشرط عقلاً إلاّ أنّ مفادها بنظر العرف هو تعليق الإكرام الذي هو أمر كلّي على المجيء ، فلايبقى مع انتفائـه وجـه لوجوبـه .

الأمر الثاني: في تعدّد الشرط واتحاد الجزاء

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كما في قولـه : إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفي الجدران فقصّر فبناء على عدم ثبوت المفهوم ـ كما هو الحقّ ، وقد تقدّم ـ لا تعارض ولا تنافي بين القضيّتين ، وأمّا بناء على المفهوم ، فيقع التعارض بينهما ; لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان ، سواء خفي الجدران أو لم يخف ، ومفهوم الثاني عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران ، سواء خفي الأذان أو لم يخف ، فهل اللاّزم تخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، أو أ نّـه لا مفهوم لواحد منهما في هذه الصورة ، أو كون الشرط لوجوب القصر هو مجموع الشرطين ، أو كونـه الجامع بينهما ؟ وجوه .
ولابدّ أوّلاً من بيان أنّ التعارض هل هو بين المنطوقين ويسري منهما إلى المفهومين أو بين المفهومين فقط ؟
فنقول: الظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّـه إن كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو كون كلمـة «إن» وأخواتها موضوعـة للعلّيـة المنحصرة ، فكلّ واحد من القضيّتين تدلّ على العلّيـة المنحصرة ، فهما بمنزلـة قولـه : العلّـة المنحصرة لوجوب القصر هو خفاء الأذان ، والعلّـة المنحصرة لـه هو خفاء الجدران ، ومن المعلوم ثبوت التعارض بين نفس هاتين القضيّتين ; لاستحا لـة كون شيئين علّتين منحصرتين لشيء واحد ، وكذا لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو الانصراف ، وأمّا لو كان الوجـه فيـه هو الإطلاق بأحد الوجوه المتقدّمـة ، فا لظاهر أيضاً التعارض بين

(الصفحة243)

ا لمنطوقين ; لعدم إمكان الأخذ بكلا الإطلاقين .
إذا عرفت ذلك: فاعلم أ نّـه لو قيل با لمفهوم من جهـة وضع «إن» وأخواتها للعلّيـة المنحصرة ، فا لتعارض يقع بين أصا لتي الحقيقـة الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم المرجّح ـ كما هو المفروض ـ تسقطان معاً ، فا للاّزم هو القول بعدم ثبوت المفهوم في أمثال المقام .
وكذا لو كان الوجـه هو الانصراف فإنّ الأخذ بمقتضى الانصرافين ممتنع ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلايجوز الأخذ بشيء منهما .
وأمّا لو كان الوجـه هو الإطلاق بأحد الوجوه السابقـة ، فيقع التعارض بين أصا لتي الإطلاق الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم الترجيح لأحدهما على الآخر تسقطان معاً ، ويزول الانحصار من كلا الشرطين ، ويبقى كون كلّ واحد منهما علّةً تامّة مستقلّة لتحقّق الجزاء .
هذا لو قيل باستفادة خصوص الانحصار من الإطلاق ، فإنّـه مع عدم حجّيتـه لوجود المعارض لايضرّ ببقاء الشرط على علّيتـه التامّـة ، وأمّا لو قلنا بأنّ مفاد الإطلاق هو مجموع العلّيـة التامّـة المنحصرة بمعنى أ نّـه كما يستفاد الانحصار من الإطلاق كذلك يستفاد منـه التماميـة أيضاً ، وحينئذ فمع التعارض نعلم إجمالاً إمّا بزوال الانحصار من كلّ واحد من الشرطين وإمّا بزوال التماميـة المستتبع لزوال الانحصار .
وبعبارة اُخرى: نعلم إجمالاً بورود القيد في كلٍّ من القضيّتين : إمّا على الإطلاق المثبت للانحصار ، وإمّا على الإطلاق المنتج للتماميـة ، ومع هذا العلم الإجما لي يسقط الإطلاقان الجاريان في كلٍّ من القضيّتين عن الحجّيـة والعلم تفصيلاً بعدم الانحصار على أيّ تقدير ; لأنّـه إن ورد القيد على الإطلاق المثبت لـه فواضح ، وإن ورد على الإطلاق المفيد للتماميـة ، فلم يبق موضوعـه أصلاً ، كما

(الصفحة244)

هو واضح لايجدي في انحلال العلم الإجما لي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي حتّى يسلم الإطلاقان المثبتان للتماميّـة عن التعارض والتساقط .
وذلك لأنّ الانحلال يتوقّف على العلم التفصيلي بورود القيد على خصوص الإطلاق المفيد للانحصار لا على العلم التفصيلي بعدم الانحصار ، وعدم كونـه مراداً قطعاً ، والموجود في المقام هو الثاني لا الأوّل ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تسقط كلتا القضيّتين عن الدلالـة على المفهوم رأساً بحيث لاينافيهما مدخليـة شيء آخر في تحقّق الجزاء ، أو أنّ سقوطهما عن ذلك إنّما هو با لنسبـة إلى الشرط المذكور فيهما ؟ وجهان .
والحقّ: التفصيل بين ما لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو وضع كلمـة «إن» وأخواتها للدلالـة على العلّيـة المنحصرة أو الانصراف وبين ما لو كان استفادتها من الإطلاق ، فعلى الأوّل تسقطان عن الدلالـة على المفهوم رأساً ; لأنّ التعارض بين أصا لتي الحقيقـة أو الانصرافين في كلٍّ منهما يوجب تساقطهما ، فمن أين يدلّ على نفي مدخليـة شيء آخر أو نفي بديل آخر ، وعلى الثاني فلا ; لأنّ رفع اليد عن أصا لـة الإطلاق با لنسبـة إلى خصوص قيد لايوجب رفع اليد عنها با لنسبـة إلى قيد آخر شكّ في قيديّتـه .
ألا ترى أنّ رفع اليد عن إطلاق الرقبـة في قولـه : أعتق رقبـة ، بسبب الدليل على التقييد با لمؤمنـة ـ مثل قولـه : لا تعتق رقبـة كافرة ـ لايوجب رفع اليد عن إطلاقها با لنسبـة إلى القيود الاُخرى المشكوكـة ، مثل العدا لـة وغيرها من القيود .

الأمر الثالث: في تداخل الأسباب والمسبّبات

لو تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، فهل القاعدة تقتضي التداخل مطلقاً ، أو عدمـه كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا اتّحد الجنس فالأوّل وما إذا تعدّد فا لثاني ؟


(الصفحة245)

وليقدّم اُمور :
الأوّل: أنّ النزاع في هذا الباب مبني على إحراز كون الشرطين مثلاً علّتين مستقلّتين بمعنى أنّ كلّ واحد منهما يؤثّر في حصول المشروط مستقلاّ من غير مدخليـة شيء آخر ، وأمّا بناء على كون الشرط هو مجموع الشرطين فلا مجال للنزاع في التداخل وعدمـه ; إذ لايؤثّر الشرطان إلاّ في شيء واحد ، كما هو واضح .
فا لبحث في المقام إنّما يجري بناء على غير الوجـه الثا لث من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة في الأمر السابق .
الثاني: أنّ مورد البحث ما إذا كان متعلّق الجزاء طبيعـة قابلـة للتكثّر والتعدّد ، مثل الوضوء والغسل وأشباههما ، وأمّا إذا لم تكن قابلةً للتعدّد ، كقتل زيد مثلاً ، فهو خارج عن محلّ النزاع ; لاستحا لـة عدم التداخل ، فمثل قولـه : إن ارتدّ زيد فاقتلـه ، وإن قتل مؤمناً فاقتلـه ، خارج عن المقام .
الثالث: أنّ التداخل قد يكون في الأسباب ، وقد يكون في المسبّبات ، والمراد بتداخل الأسباب ـ الذي هو مورد النزاع في المقام ـ هو تأثيرها مع كون كلّ واحد منها مستقلاّ لو انفرد عن صاحبـه في مسبّب واحد في حال الاجتماع ، والمراد بتداخل المسبّبات هو الاكتفاء في مقام الامتثال بإتيان الطبيعـة المتعلّقـة للحكم مرّة بعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب وتأثيرها في المسبّبات الكثيرة حسب كثرتها ، وربّما مثّلوا لـه بمثل : قولـه : أكرم هاشميّاً ، وأضف عا لماً(1) ، حيث إنّـه لا إشكال في تحقّق الامتثال إذا أكرم العا لم الهاشمي با لضيافـة .


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 497.

(الصفحة246)

ولكن لايخفى ما فيـه من النظر ; فإنّ الظاهر أنّ المراد بـه ـ كما يظهر من تذييل مبحث تداخل الأسباب بـه ـ هو ما إذا كان التكليفان متعلّقين بعنوان واحد لابعنوانين ، كما لايخفى .
الرابع: أنّ مورد النزاع هو ما تقتضيـه القواعد اللفظيـة بعد الفراغ عن إمكان التداخل وعدمـه .
وحكي عن بعض الأعاظم المعاصرين: استحا لـة عدم التداخل ; نظراً إلى أ نّـه يمكن تعقّل تعلّق أمر واحد بإيجاد الطبيعـة مرّتين من غير تعليق على شيء ، كما إذا قال : توضّأ وضوئين وكذا فيما إذا جمع السببين وأمر بإيجادهما مرّتين كما إذا قال : إن بلت ونمت فتوضّأ وضوئين ، وكذا يجوز تعلّق أمرين بطبيعـة واحدة فيما إذا كان السبب الثاني مترتّباً على الأوّل دائماً ، وأمّا مع عدم الترتّب بينهما ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلا نتعقّل تعلّق أمرين بطبيعـة واحدة ; إذ لايمكن تقييد الثاني بمثل كلمـة الآخر ونحوه ; لإمكان حصول السبب الثاني قبل الأوّل .
ومنـه يظهر أ نّـه لايمكن تقييد كلّ منهما بمثلها ، كما هو واضح(1) .
هذا، ولكن لايخفى: أنّ منشأ الاستحا لـة لو كان مجرّد عدم صحّـة التقييد بمثل كلمـة الآخر ، فا لجواب عنـه واضح ; لعدم انحصار التقييد بمثلـه ، وذلك لإمكان أن يقيّد كلّ واحد منهما با لسبب الموجب لتعلّق التكليف با لطبيعـة ، وذلك بأن يقال : إن بلت فتوضّأ وضوءاً من قِبَل البول ، وإن نمت فتوضّأ وضوءاً من قِبَل النوم .


1 ـ الحاشيـة على كفايـة الاُصول، البروجردي 1: 449 ـ 453، نهايـة الاُصول: 305 ـ 309.

(الصفحة247)

حول مقتضى القواعد اللفظيّـة

إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أ نّـه قد نسب إلى المشهور القول بعدم التداخل(1) .
وقد استدلّ لهم بوجوه أقواها ما حكي عن العلاّمـة في المختلف من أ نّـه إذا تعاقب السببان أو اقترنا فإمّا أن يقتضيا مسبّبين مستقلّين أو مسبّباً واحداً أو لايقتضيا شيئاً أو يقتضي أحدهما شيئاً دون الآخر ، والثلاثـة الأخيرة فباطلـة ، فتعيّن الاُولى ، وهو المطلوب .
أمّا الملازمـة : فواضح .
وأمّا بطلان الثاني : فلأنّ النزاع إنّما هو مبني على خلافـه .
وأمّا الثا لث : فلأنّـه خلاف ما فرض من سببيّـة كلّ واحد منهما .
وأمّا الرابع : فلأنّ استناده إلى الواحد المعيّن يوجب الترجيح من غير مرجّح ، وإ لى غير المعيّن يوجب الخلف ; لأنّ المفروض سببيّـة كلّ واحد(2) .

فيما أفاده الشيخ الأعظم في هذا المقام

وفي تقريرات الشيخ أنّ محصّل هذا الوجـه ينحلّ إلى مقدّمات ثلاث :
أحدها : دعوى تأثير السبب الثاني .
ثانيها : أنّ أثره غير الأثر الأوّل .
ثا لثها : أن تعدّد الأثر يوجب تعدّد الفعل ، والقائل با لتداخل لابدّ لـه من منع

1 ـ كفايـة الاُصول: 239.
2 ـ مختلف الشيعـة 2: 423 ـ 424، نهايـة الاُصول: 305.

(الصفحة248)

إحدى المقدّمات على سبيل منع الخلوّ ، وقد فصّل في إثبات تلك المقدّمات ودفع ما اُورد عليها(1) .
أمّا المقدّمـة الاُولى: فقد ذكر في إثباتها كلاماً طويلاً أخذ كلٌّ من المتأخّرين عنـه شيئاً منـه ، وجعلـه دليلاً مستقلاّ على القول بعدم التداخل .
فمنهم: المحقّق الهمداني في المصباح، حيث قال فيـه ما ملخّصـه : إنّ مقتضى إطلاق الجزاء وإن كان كفايـة ما يصدق عليـه الطبيعـة من غير تقييد با لفرد المأتي بـه أوّلاً إلاّ أنّ ظهور القضيـة الشرطيـة في السببيّـة المستقلّـة مقدّم عليـه ; لأنّ الظهور في الأوّل إطلاقي يتوقّف على مقدّماتـه التي منها عدم البيان ، ومن المعلوم أنّ إطلاق السبب منضمّاً إلى حكم العقل بأنّ تعدّد المؤثّر يستلزم تعدّد الأثر يكون بياناً للجزاء ، ومعـه لا مجال للتمسّك بإطلاقـه ، وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الآخر حتّى يطا لب با لدليل ، بل لأنّ وجوب الجزاء با لسبب الثاني يتوقّف على إطلاق سببيّتـه ، ومعـه يمتنع إطلاق الجزاء بحكم العقل ، فوجوبـه ملزوم لعدم إطلاقـه .
نعم التمسّك بالإطلاق إنّما يحسن في الأوامر الابتدائيـة المتعلّقـة بطبيعـة واحدة لا في ذوات الأسباب ; فإنّ مقتضى إطلاق الجميع كون ما عدا الأوّل تأكيداً لـه ، واحتمال التأسيس ينفيـه أصا لـة الإطلاق(2) . انتهى .
وإ ليـه يرجع ما ذكره في الكفايـة وجهاً للقول بعدم التداخل(3) .
ومنهم: المحقّق النائيني، فإنّـه ذكر في تقريراتـه ما حاصلـه : أنّ الأصل اللفظي يقتضي عدم تداخل الأسباب ; لأنّ تعلّق الطلب بصرف الوجود من

1 ـ مطارح الأنظار: 177 / السطر 22 وما بعده.
2 ـ مصباح الفقيـه، الطهارة: 126 / السطر 9.
3 ـ كفايـة الاُصول: 239 ـ 240.

(الصفحة249)

ا لطبيعـة وإن كان مدلولاً لفظياً إلاّ أنّ عدم قابليّـة صرف الوجود للتكرّر ليس مدلولاً لفظياً ، بل من باب حكم العقل بأنّ المطلوب الواحد إذا امتثل لايمكن امتثا لـه ثانياً ، وأمّا أنّ المطلوب واحد أو متعدّد فلايحكم بـه العقل ، فإذا دلّ ظاهر الشرطيّتين على تعدّد المطلوب ، لايعارضـه شيء أصلاً .
وممّا ذكرنا انقدح ما في تقديم ظهور القضيّتين من جهـة كونـه بياناً لإطلاق الجزاء ، لأنّـه على ما ذكرنا ظهور الجزاء في الاكتفاء با لمرّة ليس من باب الإطلاق أصلاً حتّى يقع التعارض ، بل يكون ظهور الشرطيـة في تأثير الشرط مستقلاّ رافعاً حقيقـة لموضوع حكم العقل ووارداً عليـه ، بل على فرض ظهور الجزاء في المرّة يكون ظهور الشرطيـة حاكماً عليـه ، كما لايخفى(1) . انتهى .
والجواب عنـه وعن سابقـه: أنّ استفادة استقلال الشرط في السببيّـة إنّما هو من إطلاق الشرط ، كما عرفت في صدر مبحث المفهوم ، فهنا إطلاقان : إطلاق الشرط الدالّ على السببيّـة المستقلّـة ، وإطلاق الجزاء الدالّ على تعلّق الطلب بنفس الطبيعـة ، ولا تعارض بين الإطلاقين في كلّ قضيّـة مع قطع النظر عن القضيّـة الاُخرى ، ضرورة عدم المنافاة بين استقلال النوم مثلاً با لسببيّـة وكون المسبّب هو وجوب طبيعـة الوضوء .
نعم بعد ملاحظـة اجتماع القضيّتين معاً يقع التعارض بينهما ; لاستحا لـة أن يؤثّر سببان مستقلاّن في إيجاد حكمين على طبيعـة واحدة ، فا للاّزم في مقام التخلّص عن المحذور العقلي أحد أمرين : إمّا رفع اليد عن إطلاق الشرط في كلٍّ منهما ، وإمّا رفع اليد عن إطلاق الجزاء كذلك ، ولا ترجيح للثاني على الأوّل أصلاً .
نعم الظاهر أنّ المتفاهم عند العرف من أمثال هذا النحو من القضايا

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 493 ـ 494.

(الصفحة250)

ا لشرطيـة عدم التداخل ، وتأثير كلّ سبب في مسبّب واحد من غير التفات إلى إطلاق متعلّق الجزاء ، ولزوم تقييده .
ولعلّ كون المتفاهم بنظر العرف كذلك ممّا لا مجال لإنكاره إلاّ أنّ الكلام في منشأ استفادتهم ، فيمكن أن يكون الوجـه فيـه قياس العلل التشريعيّـة با لعلل التكوينيّـة التي يوجب كلّ علّـة معلولاً مستقلاّ أو استفادة الارتباط بين الشرط ومتعلّق الجزاء بمعنى اقتضاء البول مثلاً للوضوء واستحقاقـه لـه ، فعند الاجتماع يقتضي كلّ واحد من الشرطين وضوءاً مستقلاّ ، أو غير ذلك ممّا لم نعرفـه ، فإنّ العمدة هي ثبوت أصل الظهور بنظر العرف ، وقد عرفت أ نّـه لا إشكال فيـه ، كما أشار إليـه المحقّق الخراساني في حاشيـة الكفايـة في هذا المقام(1) .
وأمّا المقدّمـة الثانيـة: فيمكن منعها بتقريب أنّ الشرط إنّما يكون سبباً لوجوب الوضوء لا لوجوده ، كما هو ظاهر القضيّـة الشرطيـة .
مضافاً إلى أ نّـه لو كان علّةً لـه لا للوجوب ، يلزم عدم الانفكاك بينهما ، مع أنّ من المعلوم خلافـه ، فتعدّد الشرط يوجب تعدّد الوجوب ، وهو لايستلزم وجوب إيجاد الفعل متعدّداً ; لإمكان أن يكون الوجوب الثاني تأكيداً للوجوب الأوّل ; إذ البعث التأكيدي ليس مغايراً للبعث التأسيسي ، والفارق مجرّد تعدّد الإرادة ووحدتها ، ومع إمكان ذلك لابدّ من إثبات كون البعث للتأسيس .
وبا لجملـة ، يقع التعارض بين إطلاق متعلّق الجزاء وإطلاق الشرط في السببيّـة المستقلّـة لو كان الوجوبان تأسيسيّين ، وأمّا لو كان أحدهما تأكيداً للآخر ، فلا تعارض أصلاً ، ولا ترجيح لرفع اليد عن إطلاق متعلّق الجزاء وإبقاء الوجوب على ظاهره لو لم نقل بترجيح العكس ; نظراً إلى أنّ ظهوره في التأسيسيـة لايكون

1 ـ كفايـة الاُصول: 242، الهامش 3.

(الصفحة251)

با لغاً إلى حدّ يعارض الإطلاق ، وعلى فرض التعارض فلابدّ على المستدلّ من إثبات العكس ، ورفع احتمال الحمل على التأكيد .
وأجاب عنـه في التقريرات بما حاصلـه: أ نّا نسلّم كون الأسباب الشرعيـة أسباباً لنفس الأحكام لا لمتعلّقاتها ، ومع ذلك يجب تعدّد إيجاد الفعل في الخارج ، فإنّ المسبّب هو اشتغال الذمّـة بإيجاد الفعل ، ولاشكّ أنّ السبب الأوّل يقتضي ذلك ، فإذا فرضنا وجود مثلـه فيوجب اشتغالاً آخر ; إذ لو لم يقتضي ذلك فإمّا أن يكون بواسطـة نقص في السبب أو في المسبّب ، وليس شيء منهما .
أمّا الأوّل : فلما هو المفروض .
وأمّا الثاني : فلأنّ تعدّد الاشتغال ووحدتـه يتبع قبول الفعل المتعلّق لـه وعدمـه ، والمفروض في المقام القبول .
نعم ما ذكره يتمّ في الأوامر الابتدائيـة مع قبول المحلّ أيضاً ; لأنّ مجرّد القابليـة غير قاضيـة با لتعدّد ، والاشتغال الحاصل بالأمر الثاني لا نسلّم مغايرتـه للأمر الأوّل .
هذا إن اُريد من التأكيد تأكيد مرتبـة الطلب والوجوب وإن كان حصولـه بواسطـة لحوق جهـة مغايرة للجهـة الاُولى ، كما في مثل تحريم الإفطار با لمحرّم في شهر رمضان ، وإن اُريد التأكيد نحو الحاصل في الأوامر الابتدائيـة ، ففساده أظهر من أن يخفى ; فإنّ الأمر الثاني مرتّب على الأوّل ووارد في مورده ، بخلاف المقام ، ضرورة حصول الاشتغال والوجوب على وجـه التعدّد قبل وجود السبب بنفس الكلام الدالّ على السببيّـة ، فتكون تلك الوجوبات كلّ واحد منها في عرض الآخر ، فهناك إيجابات متعدّدة ، ويتفرّع عليها وجوبات متعدّدة على وجـه التعليق ، وبعد حصول المعلّق عليـه يتحقّق الاشتغال بأفراد متعدّدة .
ويمكن أن يجاب با لتزام أ نّها أسباب لنفس الأفعال لا لأحكامها ، ولكنّـه

(الصفحة252)

سبب جعلي لا عقلي ولا عادي ، ومعنى السبب الجعلي هو أنّ لها نحو اقتضاء في نظر الجاعل بحيث لو انقدح في نفوسنا لكنّا جازمين با لسببيّـة ، إلاّ أنّ الإنصاف أ نّـه لايسمن ; فإنّ معنى جعل السببيّـة ليس إلاّ مطلوبيـة المسبّب عند وجود السبب ، فا لتعويل على الوجـه الأوّل(1) . انتهى ملخّصاً .
أقول: المراد بتعدّد الاشتغال الحاصل من كلّ سبب لابدّ وأن يكون هو الوجوب الجائي عقيبـه ، وقد عرفت أنّ تعدّد الوجوب لايستلزم تعدّد الواجب ; لاحتمال أن يكون الوجوب الثاني تأكيداً للأوّل ، فتعدّد الاشتغال بهذا المعنى لايوجب تعدّد المشتغل بـه .
ثمّ إنّ قولـه: هذا إن اُريد من التأكيد إلى آخره ، يرد عليـه : أنّ هذا الفرض خارج عن باب التأكيد ; لما قد حقّق سابقاً في مبحث اجتماع الأمر والنهي من أنّ متعلّق الأحكام هي الطبائع لا الوجودات ، فا لطبيعـة المتعلّقـة لأحد التحريمين في المثال تغاير الطبيعـة المتعلّقـة للآخر ; ضرورة أنّ أحدهما يتعلّق بالإفطار ، والآخر بشرب الخمر مثلاً ، فأين التأكيد ؟
ثمّ إنّ اعتبار الترتّب في تحقّق معنى التأكيد ـ كما عرفت في كلامـه ـ مندفع بأنّ الوجوب التأكيدي ليس بمعنى استعمال الهيئـة ـ مثلاً ـ في التأكيد حتّى يستلزم وجود وجوب قبلـه بل المستعملـة فيـه هو نفس الوجوب والتأكيد ينتزع من تعلّق أزيد من واحد بشيء واحد .
ألا ترى أ نّـه يتحقّق التأكيد بقول : اضرب ، والإشارة با ليد إليـه في آن واحد من دون تقدّم وتأخّر .
ثمّ إنّ الجواب الأخير ـ الذي ذكر أنّ الإنصاف أ نّـه لايسمن ـ قد جعلـه

1 ـ مطارح الأنظار: 180 / السطر 1 ـ 16.

(الصفحة253)

ا لمحقّق العراقي جواباً مستقلاّ عن الإشكال ، واعتمد عليـه ، وقد عرفت منّا سابقاً استظهاره ، ولكنّـه لايندفع بـه الإشكال ; لأنّ الشرطين إنّما يقتضيان نفس طبيعـة متعلّق الجزاء ، وبعد حصولها مرّة بعدهما قد عمل بمقتضاهما معاً ، كما لايخفى .
هذا كلّـه في الأنواع المتعدّدة ، وأمّا التداخل وعدمـه با لنسبـة إلى فردين من نوع واحد ، فقد يقال بابتناء ذلك على أنّ الشرط هل هو الطبيعـة أو الأفراد .
فعلى الأوّل فلابدّ من القول با لتداخل ; لأنّ الفردين أو الأفراد من طبيعـة واحدة لايعدّ بنظر العرف إلاّ فردان أو أفراد منها ، فزيد وعمرو بنظر العرف فردان من الإنسان ، لا إنسانان ، كما هو كذلك بنظر العقل .
وعلى الثاني فلابدّ من القول بعدم التداخل ; لظهور الشرطيـة في كون كلّ فرد سبباً مستقلاّ للجزاء .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ مورد النزاع هو ما إذا كان كلّ واحد من الأفراد سبباً مستقلاّ ، وإلاّ فلايشملـه النزاع في المقام ، فدخولـه فيـه يبتنى على كون الشرط هي الأفراد ، لا أنّ القول بعدم التداخل مبنيّ عليـه ، كما هو صريح ذلك القول المحكي ، وحينئذ فيجري فيـه جميع ما تقدّم في النوعين والأنواع المختلفـة ، والظاهر أنّ المتفاهم منها بنظر العرف أيضاً عدم التداخل با لنسبـة إلى الأفراد من جنس واحد ، فتأمّل .
وأمّا المقدّمـة الثالثـة الراجعـة إلى أنّ تعدّد الأثر يوجب تعدّد الفعل التي يعبّر عنها بعدم تداخل المسبّبات : فقد ذكر الشيخ في التقريرات : أن لا مجال لإنكارها بعد تسليم المقدّمتين السابقتين ; لأنّا قد قرّرنا في المقدّمـة الثانيـة أنّ متعلّق التكا ليف حينئذ هو الفرد المغاير للفرد الواجب با لسبب الأوّل ، ولايعقل تداخل فردين من ماهيّـة واحدة ، بل ولايعقل ورود دليل على التداخل أيضاً على ذلك التقدير ، إلاّ أن يكون ناسخاً لحكم السببيّـة ، وأمّا تداخل الأغسال فبواسطـة

(الصفحة254)

تداخل ماهيّاتها ، كما كشف عنـه روايـة الحقوق ، مثل تداخل الإكرام والضيافـة فيما إذا قيل : إذا جاء زيد فأكرم عا لماً ، وإن سلّم عليك فأضف هاشميّاً ، فعند وجود السببين يمكن الاكتفاء بإكرام العا لم الهاشمي على وجـه الضيافـة ، وأين ذلك من تداخل الفردين(1) . انتهى ملخّصاً .
ولايخفى أنّ المراد بكون متعلّق التكا ليف هو الفرد المغاير للفرد الواجب با لسبب الأوّل إن كان هو الفرد الخارجي ، فعدم اجتماع الفردين مسلّم لاريب فيـه ، إلاّ أ نّـه لاينبغي الإشكال في بطلانـه ; لأنّ الموجود الخارجي يستحيل أن يتعلّق التكليف بـه بعثاً كان أو زجراً ، كما قد حقّقناه سابقاً في مبحث اجتماع الأمر والنهي بما لا مزيد عليـه ، وإن كان المراد هو العنوان الذي يوجب تقييد الطبيعـة ، فنقول : إنّ القيود المقسّمـة للطبيعـة على نوعين : نوع تكون النسبـة بين القيود التخا لف بحيث لا مانع من اجتماعها على شيء واحد ، كتقييد الإنسان مثلاً بالأبيض والرومي ، ونوع تكون النسبـة بينها التباين ، كتقييده بالأبيض والأسود ، ومرجع القول بعدم التداخل إلى استحا لـة تعلّق تكليفين بطبيعـة واحدة ، ولزوم تقييدها في كلّ تكليف بقيد يغاير القيد الآخر ، وأمّا لزوم كون التغاير على نحو التباين ، فممنوع جدّاً ، بل يستفاد من ورود الدليل على التداخل كون التغاير بنحو التخا لف الغير المانع من الاجتماع ، فلايلزم أن يكون ناسخاً لحكم السببيّـة ، كما أفاده في كلامـه .
نعم مع عدم ورود الدليل عليـه لا مجال للاعتناء باحتمال كون التغاير بنحو التخا لف في مقام ا لامتثال ; لأنّ التكليف اليقيني يقتضي ا لبراءة اليقينيّـة ، ومع ا لإتيان بوجود واحد لايحصل اليقين با لبراءة عن التكليفين المعلومين ، كما هو واضح .


1 ـ مطارح الأنظار: 180 ـ 181.

(الصفحة255)

الأمر الرابع: في اعتبار وحدة المنطوق والمفهوم إلاّ في الحكم

لابدّ ـ بناءً على ثبوت المفهوم ـ من أخذ جميع القيود المأخوذة في الشرط أو الجزاء في ناحيـة المفهوم أيضاً ، فقولـه : إن جاءك زيد وأكرمك فأكرمـه يوم الجمعـة ، يكون مفهومـه هكذا : إن لم يجئك زيدٌ أو لم يكرمك فلا تكرمـه يوم الجمعـة .
وكذا لا إشكال في أنّ المنفي في المفهوم فيما لو كان الحكم في المنطوق حكماً مجموعياً هو نفي المجموع بحيث لاينافي ثبوت البعض .
وإنّما الإشكال فيما إذا كان الحكم في المنطوق حكماً عامّاً ، فهل المنفي في المفهوم نفي ذلك الحكم بنحو العموم ، أو نفي العموم الغير المنافي لثبوت البعض ؟
مثلاً: قولـه(عليه السلام) : «الماء إذا بلغ قدر كرّ لاينجّسـه شيء»(1) هل يكون مفهومـه أ نّـه إذا لم يبلغ ذلك المقدار ينجّسـه جميع الأشياء النجسـة ، أو أنّ مفهومـه : تنجّسـه با لشيء الغير المنافي لعدم تنجّسـه ببعض النجاسات ؟ وهذا هو النزاع المعروف بين صاحب الحاشيـة والشيخ(قدس سرهما) ، وقد بنى الشيخ المسأ لـة على أنّ كلمـة «ا لشيء» المأخوذة في المنطوق هل اُخذت مرآتاً للعناوين النجسـة ، مثل البول والمني والدم وغيرها بحيث كأ نّها مذكورة بدلـه ، أو أ نّها مأخوذة بعنوانـه بحيث لابدّ من أخذه في المفهوم بعنوانـه ؟ فعلى الأوّل يصير مفهومـه يتنجّس الماء القليل بجميع أنواع النجاسات ، وعلى الثاني لاينافي عدم تنجّسـه

1 ـ الكافي 3: 2 / 1، وسائل الشيعـة 1: 159، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب9، الحديث 6.

(الصفحة256)

ببعضها ، كما لايخفى(1) .
هذا ، وأنت خبير بأنّ المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم في المنطوق عند انتفاء الشرط مثلاً ، لا ثبوت حكم نقيض الحكم في المنطوق ، وحينئذ فمفهوم المثال عبارة عن أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ليس بلاينجّسـه شيء لا أ نّـه ينجّسـه شيء حتّى يقال بأنّ النكرة في الإثبات لايفيد العموم ، بل مدلول القضيّـة المفهوميـة هو انتفاء الحكم المنشأ في المنطوق ، وانتفاؤه في المقام لاينافي ثبوت التنجّس بجميع النجاسات ، كما أ نّـه لاينافي ثبوتـه ببعضها ، ولا دلالـة لها على أحد الأمرين أصلاً .
ويظهر الكلام في مفهوم الوصف ممّا تقدّم في مفهوم الشرط .


1 ـ مطارح الأنظار: 174 / السطر 29.

(الصفحة257)






المقام الثاني

في مفهوم الغايـة

يقع الكلام في مفهوم الغايـة بمعنى دلالتها على انتفاء الحكم فيما بعدها بناء على دخولها في المغيّى ، أو انتفاؤه فيها وفيما بعدها بناء على خروجها عنـه .
وا لمعروف بين المتأخّرين : التفصيل بين ما إذا كانت الغايـة قيداً للحكم وبين ما إذا كانت قيداً للموضوع با لدلالـة على المفهوم في الأوّل دون الثاني .
وا لوجـه في الثاني واضح ; لأنّـه يصير حينئذ من قبيل الوصف ، وقد عرفت أ نّـه لا مفهوم لـه .
وأمّا وجـه الدلالـة على المفهوم في الأوّل : فهو على ما ذكره بعض المحقّقين من المعاصرين في كتاب الدّرر عبارة عن أنّ الغايـة بحسب مدلول القضيّـة جُعلت غايةً للحكم المستفاد من قولـه : اجلس ، مثلاً ، وقد حقّق في محلّـه أنّ مفاد الهيئة إنشاء حقيقـة الطلب ، لا الطلب الجزئي الخارجي ، فتكون الغايـة في القضيّـة غايةً لحقيقة الطلب المتعلّق با لجلوس ، ولازم ذلك هو ارتفاع حقيقة الطلب عن الجلوس عند وجودها .
نعم لو قيل بدلالـة الهيئـة على الطلب الجزئي ، فا لغايـة لا تدلّ إلاّ على

(الصفحة258)

ارتفاعـه عندها ، وهو لاينافي وجود جزئي آخر من سنخ ذلك الطلب بعدها .
ولكنّـه اختار في الأواخر أ نّـه لا تدلّ الغايـة على المفهوم ولو كانت قيداً للحكم ، فقال في حاشيـة الدّرر ما هذه عبارتـه : يمكن أن يقال بمنع المفهوم حتّى فيما اُخذ فيـه الغايـة قيداً للحكم ، كما في : اجلس من الصبح إلى الزوال ; لمساعدة الوجدان على أ نّا لو قلنا بعد الكلام المذكور : وإن جاء زيد فاجلس من الزوال إلى الغروب ، فليس فيـه مخا لفـة لظاهر الكلام الأوّل ، فهذا يكشف عن أنّ المغيّى ليس سنخ الحكم من أيّ علّـة تحقّق بل السنخ المعلول لعلّـة خاصّـة سواء كانت مذكورة كما في إن جاء زيد فاجلس من الصبح إلى الزوال ، أم كانت غير مذكورة ، فإنّـه مع عدم الذكر أيضاً يكون لا محا لـة هنا علّـة يكون الحكم المذكور مسبّباً عنها(1) . انتهى .
وأنت خبير بأنّ الغايـة إذا كانت غايةً لطبيعة الطلب المتعلّقة با لجلوس مثلاً ، فلا محا لـة ترتفع الطبيعـة عند وجودها ، وإلاّ فلا معنى لكونها غايةً لنفس الطبيعة ، ويكشف من ذلك ارتفاع علّتـه وعدم قيام علّـة اُخرى مقامـه .
وبعبارة اُخرى: بعد كون القضيّـة بنظر العرف ظاهرة في ارتفاع الطلب عند وجود الغايـة لا مجال للإشكال في الدلالـة على المفهوم من جهـة ما ذكر ; لأنّ ذلك مستلزم لكون العلّـة واحدة بحيث لايقوم مقامها علّـة اُخرى .
هذا مضافاً إلى أنّ العرف لايتوجّـه ولاينظر إلى مسأ لـة العلّـة أصلاً ، كما لايخفى ، إلاّ أنّ كون الهيئـة مفادها هو إنشاء حقيقـة الطلب وكلّيـه قد عرفت ما فيـه سابقاً ; فإنّ الوضع والموضوع لـه في الحروف ليسا عامّين ، بل الموضوع لـه خاص ، إلاّ أنّ المتفاهم في المقام من القضيّـة الغائيـة كون المغيّى هو حقيقـة

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 204 ـ 205.

(الصفحة259)

ا لطلب بحيث ترتفع عند وجود الغايـة ، كما يظهر بمراجعـة العرف ، فا لحقّ ثبوت مفهوم الغايـة .
ثمّ إنّ هنا خلافاً آخر ، وهو : أنّ الغايـة هـل تكون داخلـة في المغيّى أو خارجـة عنها ؟
ولايخفى أنّ المراد با لغايـة هنا هو مدخول مثل «إ لى» و«حتّى» ممّا لـه أجزاء ، لا نهايـة الشيء ، فإنّ البحث فيها با لمعنى الثاني ليس شأن الاُصولي ، بخلاف الأوّل .
وا لحقّ خروجها عن المغيّى ، سواء كانت غايةً للموضوع أو الحكم .
وا لدليل على ذلك مراجعـة الاستعمالات العرفيـة ، فإنّ قول القائل : سرت من البصرة إلى الكوفـة لايدلّ على استمرار السير في جزء من الكوفـة أيضاً بحيث لو وصل إلى جدار الكوفـة من دون أن يدخل فيها ، لكان هذا القول منـه كذباً ، بل نقول : إنّ دعوى دخول تا لي كلمـة «من» في الموضوع أو الحكم ممنوعـة أيضاً ، كما يظهر با لتأمّل في المثال ، فالإنصاف خروج الغايـة عن المغيّى حكماً كان أو موضوعاً ، فا لتفصيل بينهما بدخولها فيـه في الثاني دون الأوّل ـ كما في الدّرر ـ في غير محلّـه ، كما أنّ دعوى خروج غايـة الحكم عن النزاع في هذا المقام ـ كما في الكفايـة ـ ممنوعـة جدّاً ، كما أشار إليـه في الحاشيـة فراجع(1) .


1 ـ كفايـة الاُصول: 246 ـ 247.

(الصفحة260)

<<التالي الفهرس السابق>>