في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)

ثمّ إنّ الوجـه الذي ذكرنا في دلالـة النهي على الصحّـة في هذا القسم يجري في القسم الثاني أيضاً ، فلا تغفل .
رابعها: أن يكون النهي متعلّقاً بالآثار المترتّبـة على المعاملـة ، كا لنهي عن أكل الثمن فيما إذا كان عن الكلب والخنزير ، والنهي في هذا القسم يدلّ على الفساد ; لكشف تحريم الثمن عن فسادها ; إذ لايكاد يحرم مع صحّتها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ هذا كلّـه فيما لو علم تعلّق النهي بواحد معيّن من الأقسام الأربعـة المتقدّمـة ، وأمّا لو اُحرز كون النهي للتحريم ولكن لم يعلم متعلّقـه وأ نّـه هل هو من قبيل القسم الأوّل أو من قبيل سائر الأقسام ؟ فا لظاهر كونـه من قبيل القسم الأخير ; لأنّـه هو المقصود من المعاملـة ، فا لنهي يتوجّـه إليـه ، وقد عرفت كشفـه عن فسادها .
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ النهي المتعلّق با لمعاملـة من دون قرينـة يدلّ على فسادها إمّا لكونـه إرشاداً إلى فسادها ، كما عرفت أ نّـه الظاهر منـه ، وإمّا لكونـه يدلّ على حرمـة الآثار ، وهي ملازمـة للفساد ، فتأمّل جيّداً .

حول الروايات التي استدلّ بها لدلالـة النهي على الفساد

بقي الكلام فيما يستدلّ بـه من الأخبار على دلالـة النهي على الفساد في المعاملات شرعاً :
منها: ما رواه في الكافي والفقيـه عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سأ لتـه عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده ، فقال : «ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما» .
قلت : أصلحك اللّـه إنّ الحكم بن عيينـة وإبراهيم النخعي وأصحابهما

(الصفحة222)

يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيّد لـه .
فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «انّـه لم يعص اللّـه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو لـه جائز»(1) حيث إنّ ظاهره أنّ النكاح لو كان ممّا حرّمـه عليـه لكان فاسداً .
وذكر في تقريرات الشيخ في توجيـه الاستدلال با لروايـة ما حاصلـه : أ نّـه إنّما فرّع في الروايـة الصحّـة والفساد على معصيـة اللّـه وعدمها ، وهو يحتمل وجهين :
الأوّل: أن تكون المعاملـة معصيةً للّـه من حيث إنّـه فعل من أفعال المكلّف مع قطع النظر عن كونـه معاملةً مؤثّرة .
الثاني: أن تكون معصيةً من حيث إنّها منهيّ عنها بما أ نّها موجبة لترتّب الآثار المطلوبـة .
لا سبيل إلى الأوّل ; فإنّ عصيان السيّد أيضاً عصيان اللّـه ، فلابدّ من المصير إلى الثاني ، وهو يفيد المطلوب ، فإنّـه يستفاد من التفريع المذكور أنّ المعاملـة التي فيها معصيـة اللّـه فاسدة .
وبا لجملـة ، المطلوب في المقام هو أنّ النهي المتعلّق با لسبب بما أ نّـه فعل من الأفعال لايقتضي الفساد ، والنهي عنـه بما أ نّـه سبب مؤثّر يقتضي الفساد ، والروايـة متضمّنـة بل صريحـة في حكم كلا الجزءين :
أمّا الجزء الأوّل: فيستفاد من قولـه : «وإنّما عصى سيّده» المستلزم لعصيان اللّـه ، لا من حيث إنّها موجبـة للآثار المطلوبـة ; فإنّ عصيان اللّـه من جهـة عصيان السيّد لايعقل كونـه من جهـة الترتّب .


1 ـ الكافي 5: 478 / 3، الفقيـه 3: 350 / 1675، وسائل الشيعـة 21: 114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 1.

(الصفحة223)

أمّا الجزء الثاني: فيستفاد من تفريع الصحّـة والبطلان على المعصيـة التي يجب أن تكون مخا لفةً للمعصية اللازمة من مخا لفة السيّد ، وهوا لمطلوب(1) . انتهى ملخّصاً .
ولكن لايخفى أنّ هذا مخا لف لظاهر الروايـة من حيث إنّ ظاهرها أنّ ما يكون معصيـة للسيّد لايكون معصيةً للّـه ، فتفسير معصية السيّد بإيجاد نفس السبب من حيث إنّـه فعل من الأفعال مضافاً إلى إمكان الخدشـة فيـه من حيث إنّـه لايعدّ مثل ذلك معصيةً مع إرجاع معصية اللّـه إلى المعصية في إيجاد المعاملة المؤثّرة خلاف ما هو ظاهرها .
ومن هنا يظهر الخلل فيما أجاب بـه في الكفايـة عن الاستدلال با لروايـة من أنّ الظاهر أن يكون المراد با لمعصيـة المنفيـة هاهنا أنّ النكاح ليس ممّا لم يمضـه اللّـه ولم يشرّعـه كي يقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصيـة بهذا المعنى للفساد ، كما لايخفى .
ولابأس بإطلاق المعصيـة على عمل لم يمضـه اللّـه ولم يأذن بـه ، كما اُطلق عليـه بمجرّد عدم إذن السيّد أ نّـه معصيـة(2) . انتهى .
والتحقيق في معنى الروايـة أن يقال: إنّ المراد با لنكاح ليس هو إيجاد ألفاظـه من حيث إنّـه فعل من الأفعال ، بل هو التزويج والتزوّج ، ومن المعلوم أ نّـه بعنوانـه لايكون معصيةً للّـه تعا لى ; لأنّـه لم يجعلـه إلاّ حلالاً ومباحاً ، وأمّا من حيث إنّـه مصداق لعنوان مخا لفـة السيّد ، المحرّمـة ، فهو حرام لابعنوان النكاح ، بل بعنوانها .


1 ـ مطارح الأنظار: 164 ـ 165.
2 ـ كفايـة الاُصول: 227.

(الصفحة224)

وبا لجملـة فهاهنا عنوانان :
أحدهما: عنوان النكاح .
ثانيهما: عنوان مخا لفـة السيّد .
ومن المعلوم أنّ ما حرّمـه اللّـه تعا لى على العبد إنّما هو العنوان الثاني لا الأوّل ، فا لنكاح ليس معصيةً للّـه تعا لى أصلاً وإن كان من حيث إنّـه يوجب تحقّق عنوان المخا لفـة معصيـة للسيّد ، المستلزمـة لمعصيـة اللّـه ، ولايعقل سرايـة النهي عن عنوان متعلّقـه إلى عنوان النكاح أصلاً ، كما حقّقناه في مبحث اجتماع الأمر والنهي بما لا مزيد عليـه .
ونظير ذلك ما إذا تعلّق النذر بإيجاد بعض النوافل مثلاً ، فإنّ تعلّق النذر بـه لايوجب سرايـة الوجوب إليـه حتّى يخرج عن النفليـة ، بل متعلّق الوجوب إنّما هو عنوان الوفاء با لنذر ، ومتعلّق الأمر الاستحبابي إنّما هو الصلاة النافلـة .
ويؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا في معنى الروايـة: بعض الروايات الاُخر :
مثل ما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سأ لتـه عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنـه فدخل بها ثمّ اطّلع على ذلك مولاه .
فقال : «ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما» إلى أن قال : فقلت لأبي جعفر(عليه السلام) : فإنّ أصل النكاح كان عاصياً .
فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «إنّما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاص للّـه، إنّما عصى سيّده ولم يعص اللّـه، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّـه عليـه من نكاح في عدّة وأشباهـه»(1) .


1 ـ الكافي 5: 478 / 2، وسائل الشيعـة 21: 115، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 2.

(الصفحة225)

فإنّـه لو كان عاصياً للسيّد في أصل النكاح كيف يمكن أن لايكون عاصياً للّـه تعا لى ، كما لايخفى ، فلابدّ من المصير إلى ما ذكرنا .
ومثل ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبدا للّـه(عليه السلام) في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، أعاص للّـه ؟
قال : «عاص لمولاه» .
قلت : حرام هو ؟
قال : «ما أزعم أنّـه حرام، وقل لـه أن لايفعل إلاّ بإذن مولاه»(1) .
فإنّـه كيف يجمع بين نفي الحرمـة ووجوب أن لايفعل العبد ذلك ؟ ! وليس إلاّ من جهـة أنّ التزوّج بعنوانـه ليس بحرام ، ولكن يجب تركـه من حيث إنّـه يتحقّق بـه مخا لفـة السيّد .
ثمّ لايخفى أنّ ممّا ذكرنا يظهر صحّـة الاستدلال با لروايـة ; لأنّ مفادها أنّ النكاح لو كان بعنوانـه ممّا حرّمـه اللّـه وكان فعلـه معصيةً لـه تعا لى ، لكان أصلـه فاسداً ، كما هو المطلوب ، فتأمّل جيّداً .

تذنيب: في دعوى دلالـة النهي على الصحـة

حكي عن أبي حنيفـة والشيباني : دلالـة النهي على الصحّـة في العبادات والمعاملات ، وعن الفخر : الموافقـة لهما(2) .
وفي الكفايـة: أنّ التحقيق يقتضي المصير إليـه في المعاملات فيما إذا كان

1 ـ الكافي 5: 478 / 5، وسائل الشيعـة 21: 113، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 23، الحديث 2.
2 ـ مطارح الأنظار: 166 / السطر 15.

(الصفحة226)

ا لنهي عن المسبّب أو التسبّب ; لأنّـه يشترط في التكليف كون متعلّقـه مقدوراً للمكلّف ، ولايكاد يقدر عليهما إلاّ فيما كانت المعاملـة مؤثّرةً صحيحـة ، بخلاف ما إذا كان النهي عن السبب ; فإنّـه مقدور وإن لم يكن صحيحاً(1) .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ هذا في الحقيقـة تصديق لقول أبي حنيفـة في المعاملات مطلقاً ; لأنّ السبب بما هو فعل من أفعال السبب مع قطع النظر عن سببيّتـه لايكون معاملةً ، وكلامـه إنّما هو في النهي عنها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه ذكر بعض المحقّقين من محشّي الكفايـة في مقام الجواب عن أبي حنيفـة وردّ كلامـه ما حاصلـه : أ نّـه إذا كان صحّـة الشيء لازم وجوده بحيث لا تنفكّ عنـه ، فا لنهي عنـه يكشف عن صحّتـه ; إذ المفروض أ نّـه لا وجود لـه إلاّ صحيحاً ، فلابدّ من كونـه مقدوراً في ظرف الامتثال ، والمفروض أنّ وجوده يلزم نفوذه ، ولكن حيث إنّ ذات العقد الإنشائي لايكون ملازماً للصحّـة ، فمقدوريّتـه بذاتـه لا ربط لـه بمقدوريّتـه من حيث هو مؤثّر فعلي ، ومن المعلوم أنّ تعلّق النهي بـه لايوجب إلاّ مقدوريّتـه بذاتـه .
نعم ، التحقيق أنّ إيجاد الملكيـة حيث إنّـه متّحد مع وجود الملكيّـة با لذات ومختلف معـه بحسب الاعتبار ، وأمرها دائر بين الوجود والعدم ، فلايتّصف با لصحّـة ; لأنّ وجود الملكيـة ليس أثراً لـه حتّى يتّصف بلحاظـه با لصحّـة ; لأنّ الشيء لايكون أثراً لنفسـه ، وأمّا الأحكام المترتّبـة على الملكيـة فنسبتها إليها نسبـة الحكم إلى الموضوع ، لا نسبـة المسبّب إلى السبب ليتّصف بلحاظـه با لصحّـة .
فظهر أنّ النهي عن إيجاد الملكيـة وإن كان دالاّ على مقدوريّتـه ، لكنّـه

1 ـ كفايـة الاُصول: 228.

(الصفحة227)

لايدلّ على صحّتـه ; لأنّ وجودها ليس أثراً لـه ، بل هو نفسـه ، والنهي عن السبب وإن دلّ على مقدوريّتـه ، إلاّ أ نّـه لايلازم الصحّـة ، فقول أبي حنيفـة ساقط على جميع التقادير(1) . انتهى .
وأنت خبير: بأنّ السبب من حيث هو لايكون معاملةً أصلاً ، وإنّما هو عبارة عن إيجاد الملكيّـة ووجودها وإن لم يكن أثراً لـه حتّى يتّصف بلحاظـه با لصحّـة ، إلاّ أنّ المقصود ليس اتّصافـه بها حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل الغرض أنّ النهي حيث يدلّ على مقدوريّـة متعلّقـه ، فلا محا لـة يكون إيجاد الملكيـة مقدوراً لـه ، وهو يوجب صحّـة المعاملـة .
وبا لجملـة غرضـه ليس اتّصاف الإيجاد بها ، بل اتّصاف ما يتّصف بها في جميع المعاملات ، وذلك يستكشف من مقدوريّـة الإيجاد ، فا لحقّ مع أبي حنيفـة في دلالـة النهي على الصحّـة في المعاملات .
وأمّا العبادات : فإن قلنا بكونها موضوعةً للأعم ، فلايخفى أنّ النهي لايدلّ على الصحّـة أصلاً ; لكونها مقدورةً مع عدمها ، وإن قلنا بكونها موضوعةً للصحيح ، فكذلك أيضاً ; نظراً إلى أنّ المراد با لصحيح في ذلك الباب هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط غير ما يأتي منها من قِبَل الأمر ، كقصد القربـة ; لما تقدّم في مبحث الصحيح والأعم من اتّفاق القائلين بكونها موضوعةً للصحيح . على أنّ المراد بـه هي الصحّـة مع قطع النظر عمّا يأتي من قبل الأمر ، ومن المعلوم أ نّها مقدورة مع فسادها ، كما لايخفى .
وأمّا الصحيح مع ملاحظـة جميع الشرائط حتّى الآتي منها من قبل الأمر فلايمكن تعلّق النهي بـه أصلاً ; لأنّـه لايعقل أن تكون مبغوضةً ، فلايبقى مجال في

1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 407 ـ 408.

(الصفحة228)

دلالـة النهي على الصحّـة وعدمها ، كما لايخفى .

تنبيـه: حول استتباع النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف للفساد

قد عرفت في مقدّمات المبحث أ نّـه لا فرق في مورد النزاع بين كون متعلّق النهي نفس العبادة أو جزءها أو شرطها ; لأنّ الكلام في اقتضاء النهي فساد العبادة مطلقاً وعدمـه ، وأمّا أنّ فساد الجزء المنهي عنـه يوجب فساد العمل أو لا فهو أمر خارج عن محلّ البحث ، ولكن لابأس با لتكلّم فيـه وإن كان غير مرتبط با لمقام .
فنقول: ينبغي أن يجعل البحث في الملازمـة بين فساد الجزء مثلاً وفساد الكلّ مع قطع النظر عن الأدلّـة الواردة في خصوص الصلاة أو مطلقاً ، الدالّـة على سرايـة فساده إليـه ، كما أنّ محلّ البحث ما إذا اُحرز كون النهي المتعلّق با لجزء مثلاً نهياً تحريميّاً لا إرشاداً إلى مانعيّتـه ، فإنّـه حينئذ لا إشكال في فساد العبادة ، كما هو واضح ، وحينئذ فنقول :
أمّا الجزء: فا لنهي ا لتحريمي المتعلّق بـه لايقتضي إلاّ مبغوضيّتـه بنفسـه المانعـة من صيرورتـه جزءاً فعليّاً للعبادة ، لعدم صلاحيّتـه لأن يصير جزء المقرّب ، وأمّا سرايـة المبغوضيـة منـه إلى الكلّ المشتمل عليـه ، فلا دليل عليها أصلاً .
نعم لو اكتفى بذلك الجزء الفاسد يفسد العمل من حيث كونـه فاقداً لبعض أجزائـه ، وأمّا مع عدم الاكتفاء بـه ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلا وجـه لكون تمام العمل مبغوضاً وفاسداً ، كما هو واضح .
وأمّا الوصف اللازم: كا لجهر والإخفات با لنسبـة إلى القراءة على ما مثّل

(الصفحة229)

بهما في الكفايـة(1) وإن كان في المثال نظر ; نظراً إلى أنّ شيئاً منهما لايكون لازماً للقراءة ولكن اللازم بمعنى عدم إمكان الانفكاك أصلاً لاينبغي أن يكون مورداً للبحث ; إذ لايعقل تعلّق الأمر با لموصوف ، والنهي بوصفـه الذي لايمكن أن ينفكّ عنـه أصلاً ، فكونهما وصفين لازمين يرجع إلى عدم التميّز بينهما وبين موصوفهما في الخارج أصلاً ، ولكن هذا المقدار لايصحّح التعبير بكونـه لازماً ، كما لايخفى .
ا للّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اللزوم باعتبار كونـه مأخوذاً في الموصوف بمعنى أنّ الجهر لازم للقراءة التي يجهر بها ، لا لمطلق القراءة ، ولكن هذا المعنى يجري في كلّ وصف با لنسبـة إلى موصوفـه ، ولا اختصاص لـه بهما .
وكيف كان فا لنهي إذا تعلّق با لجهر في القراءة لابا لقراءة التي يجهر بها ، فإنّـه خارج عن موضوع المقام ، ودخولـه في مبحث اجتماع الأمر والنهي مبنيّ على شمول النزاع فيـه للمطلق والمقيّد ، ونحن وإن نفينا البُعْد عنـه في مقدّمات ذلك المبحث إلاّ أ نّـه ينبغي الحكم بخروجـه عنـه ; للزوم اجتماع الحكمين على متعلّق واحد ; لأنّ الطبيعـة اللاّ بشرط لايأبى من الاجتماع معها بشرط شيء ، فيلزم الاجتماع في المقيّد ، فلايوجب فساد العمل أصلاً ; لأنّ متعلّق الأمر هو القراءة ، ومتعلّق النهي هو الإجهار بها ، وهما عنوانان مختلفان وإن كانا في الخارج شيئاً واحداً ، إلاّ أنّ مورد تعلّق الأحكام هي العناوين والطبائع ، كما حقّقناه سابقاً بما لا مزيد عليـه .
وقد عرفت أيضاً أ نّـه لابأس بأن يكون شيء واحد مقرّباً من جهـة ومُبعّداً من جهـة اُخرى ، فلا مانع من أن تكون القراءة مقرّبـة والإجهار بها مبعّداً .
مضافاً إلى أنّ المقرّب إنّما هي الصلاة ، لا خصوص أجزائها ، كما لايخفى .


1 ـ كفايـة الاُصول: 222.

(الصفحة230)

وتعلّق النهي بالإجهار في القراءة تغاير تعلّقـه با لقراءة التي يجهر بها ، والثاني خارج عن مورد النزاع ; لأنّـه في تعلّق النهي با لوصف لابا لموصوف .
وممّا ذكرنا يظهر الكلام في النهي عن الوصف المفارق .
وأمّا الشرط: فإن كان أمراً عبادياً ، فا لنهي عنـه يوجب فساده ، وإن كان أمراً غير عباديّ ، فليس الإتيان بـه إلاّ ارتكاب المحرّم ، وعلى التقديرين لايضرّ بصحّـة العمل أصلاً ; لأنّ المفروض أنّ متعلّق النهي هو القسم الخاصّ من الشرط ، كا لنهي عن التستّر با لحرير مثلاً بناء على أن يكون النهي للتحريم ، فإنّ التستّر بـه وإن كان يوجب مخا لفـة النهي إلاّ أنّ شرط الصلاة ـ وهو الستر ـ متحقّق ، وعدم اختلافهما في الخارج لايضرّ أصلاً ; لأنّ متعلّق الأحكام هي الطبائع ، والشيء الواحد يمكن أن يكون مقرّباً ومبعّداً من جهتين ، كما عرفت .
نعم ، لو كان الشرط من الاُمور العباديـة واقتصر عليـه المكلّف في مقام الامتثال ، تكون العبادة فاسدةً من جهـة بطلان الشرط ، وهذا غير سرايـة الفساد إليـه ، كما هو واضح .
فتحصّل أنّ النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف اللازم أو المفارق لايوجب فساد العبادة من حيث هو ، كما عرفت .
هذا تمام الكلام في مبحث النواهي .


(الصفحة231)







المقصد الثالث




في المفاهيم






(الصفحة232)




(الصفحة233)






مقدّمـة

في تعريف المفهوم

اعلم أنّ المفهوم عندهم عبارة عن القضيـة الخبريـة أو الإنشائيـة المستفادة من قضيّـة اُخرى ، والاختلاف بينهم إنّما هو في منشأ الاستفادة ، فا لمنسوب إلى القدماء أنّ وجـه استفادتـه أنّ القيود الواقعـة في الكلام ، الصادرة من المتكلّم المختار إنّما هو لكونها دخيلاً في ثبوت الحكم ، وإلاّ يلزم أن يكون لغواً(1) ، وسيأتي التعرّض لـه على التفصيل .
وا لمعروف بين محقّقي المتأخّرين أنّ وجـه استفادة المفهوم هو كون أدوات الشرط دالّـة على العلّيـة المنحصرة إمّا با لوضع أو بقرينـة عامـة(2) ، وعليـه يكون ا لمفهوم من المدلولات الالتزاميـة للقضايا التي لها مفهوم ، فكما أنّ المفردات لها مدلولات التزاميـة ، وهي المعاني التي ينتقل إليها النفس بمجرّد تصوّر معاني تلك

1 ـ الحاشيـة على كفايـة الاُصول، البروجردي 1: 438، نهايـة الاُصول: 291.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 476 ـ 478، الحاشيـة على كفايـة الاُصول، البروجردي 1: 436.

(الصفحة234)

ا لمفردات ، فكذلك للقضايا مدلولات التزاميـة ينتقل إليها الذهن بمجرّد تصوّر معانيها المطابقيـة .
وعلى الأوّل لايكون وصف المفهوميـة وصفاً للمدلول أو الدلالـة ; لعدم استفادتـه من اللّفظ أصلاً ، بل إنّما هو حكم العقل بأنّ المتكلّم العاقل المختار إذا تكلّم بكلام وأخذ فيـه قيوداً لايكون أخذه لها لغواً ، بل لكونها دخيلاً في ترتّب الحكم .
وأمّا على الثاني فيصير نظير وصف الالتزاميـة والتضمّنيـة والمطابقيـة في مدا ليل المفردات بمعنى أ نّـه يمكن أن يتّصف بها المدلول ، ويمكن أن يتّصف بها الدلالـة ، كما يمكن أن يتّصف بها الدالّ ; لأنّـه كما تكون الدلالـة با لمطابقـة كذلك يكون المعنى مطابقاً ـ با لفتح ـ واللّفظ مطابقاً ـ با لكسر ـ وهكذا في الالتزام والتضمّن .
وفي المقام نقول : إنّ وصف المفهوميـة يمكن أن يكون وصفاً لتلك القضيـة المستتبعـة ، ويمكن أن يكون وصفاً للدلالـة باعتبار أنّ الدلالـة على تلك القضيـة دلالـة مستفادة من الدلالـة على القضيـة المنطوقيـة ، وبهذا الاعتبار يمكن أن يتّصف بها الدالّ ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ النزاع على قول المتأخّرين إنّما يكون في الصغرى ; إذ الكلام إنّما هو في دلالـة أدوات الشرط مثلاً على العلّيـة المنحصرة المستتبعـة للقضيـة الاُخرى قهراً ، وأمّا على فرض تسليم الدلالـة فلا إشكال في حجّيـة تلك القضيـة ، كما هو واضح .
وأمّا على قول القدماء فقد يقال بأنّ النزاع بناء عليـه إنّما يكون في الكبرى ; نظراً إلى أنّ لزوم حمل القيود على معنى حذراً من اللغويـة يقتضي ثبوت المفهوم ،

(الصفحة235)

ولكن الكلام في حجّيتـه ، ولايخفى أنّ ذلك المعنى الذي يجب الحمل عليـه حذراً منها لاينحصر با لمفهوم ، فا لنزاع في وجوب الحمل على خصوصـه وعدمـه ، وأمّا على فرض الحمل عليـه فلا إشكال في حجّيتـه أصلاً ، كما هو واضح ، فا لنزاع بناء على كلا القولين صغروي لا كبروي ، فتأمّل جيّداً .
إذا عرفت ذلك ، فا لكلام يقع في مقامين :


(الصفحة236)






المقام الأوّل

في دلالة القضيـة الشرطيـة على المفهوم وعدمها

وطريق إثباتها وجهان :

الوجـه الأوّل: ما هو المنسوب إلى القدماء

وهو لايختصّ با لشرط ، بل يجري في جميع القيود المأخوذة في الكلام شرطاً كانت أو وصفاً أو غيرهما .
وغايـة تقريبـه: أن يقال : إنّ الكلام الصادر من المتكلّم العاقل المختار من حيث إنّـه فعل من الأفعال الاختياريـة لـه يحكم العقل بأ نّـه لم يصدر منـه لغواً ، نظير سائر أفعا لـه ، وكذلك يحكم بأنّ صدوره إنّما هو لغرض التفهيم لا للأغراض الاُخر التي قد يترتّب على التكلّم ، وذلك لأنّها أغراض نادرة لا تقاوم غرض التفهيم الذي وضع الألفاظ إنّما هو لأجل سهولتـه ، كما لايخفى .
وحينئذ فكما أنّ العقل يحكم بأنّ أصل الكلام الصادر من المتكلّم لم يصدر منـه لغواً بل صدر لغرض الإفهام كذلك يحكم بأنّ القيود التي يأخذها في موضوع كلامـه لم يأخذها جزافاً ومن غير أثر مترتّب عليـه ، بل لأنّها لها دخل في موضوع

(الصفحة237)

ا لحكم ، فمن ذكر تلك القيود يستكشف أنّ الموضوع لحكمـه المجعول أو المخبر بـه إنّما هو ذات الموضوع مقيّداً بها لا معرّى عنها ، ومن عدم ذكر قيد آخر يستكشف عدم مدخليـة شيء آخر أصلاً ، بل المذكور هو تمام الموضوع ، ومن المعلوم أنّ الحكم يدور مدار موضوعـه ، فبوجوده يوجد ، وبعدمـه ينعدم .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ مجرّد إثبات كون المذكور تمام الموضوع لحكمـه المجعول إنّما يفيد دوران ذلك الحكم مداره وجوداً وعدماً ، وهو لايثبت المفهوم ; لأنّـه عبارة عن انتفاء سنخ ذلك الحكم عند انتفاء موضوعـه بمعنى أنّ المولى لم يجعل مثل هذا الحكم على موضوع آخر مغاير لهذا الموضوع من حيث القيود ، فمعنى كون بلوغ الماء قدر الكرّ تمام الموضوع لعدم التنجّس هو أنّ تحقّق ذلك الحكم لايتوقّف على شيء آخر ما عدا ذلك ، وأمّا أنّ كونـه موضوعاً منحصراً لعدم التنجّس بمعنى أ نّـه لم يجعل مثل ذلك الحكم على موضوع آخر ـ كا لجاري وماء المطر ـ فلايستفاد أصلاً حتّى يقع التعارض بين دليل الكرّ وأدلّـة عاصميـة الجاري وماء المطر .
وبا لجملـة ، فهنا شكّان : أحدهما : الشكّ في كون الموضوع المذكور هو تمام الموضوع لحكمـه المجعول ، والآخر الشكّ في كونـه موضوعاً منحصراً لمثل ذلك الحكم بحيث لايقوم مقامـه شيء آخر ، ولاينوب منابـه أمر ، وغايـة الدليل المذكور إنّما هو رفع الشكّ الأوّل ، وإثبات تماميـة الموضوع المذكور للموضوعيّـة للحكم المجعول ، وما يجدي في إثبات المفهوم هو رفع الشكّ الثاني ، ولايرفع بذلك الدليل ، كما هو واضح .
ولعلّـه إلى هذا المعنى ينظر كلام السيّد في باب المفهوم(1) فراجع .


1 ـ اُنظر مناهج الوصول 2: 179، الذريعـة إلى اُصول الشريعـة 1: 406.

(الصفحة238)

الوجـه الثاني: ما هو المعروف بين المتأخّرين

وقد استدلّ لإثباتها بوجوه :
الأوّل: دعوى تبادر العلّيـة المنحصرة من كلمـة «إن» وأخواتها ، ولايخفى أنّ إثبات ذلك موقوف على إثبات دلالـة القضيـة الشرطيـة على الارتباط بين الشرط والجزاء ، ثمّ كون ذلك الارتباط بنحو اللزوم ، ثمّ كون اللزوم بنحو الترتّب ، أي ترتّب الجزاء على الشرط لا العكس ، ولا مجرّد الملازمـة من دون ترتّب ، كما في المعلولين لعلّـة واحدة ، ثمّ كون الترتّب بنحو ترتّب المعلوم على علّتـه ، ثمّ كون تلك العلّـة علّةً مستقلّة ، ثمّ كونها مع الاستقلال منحصرة ، ومن الواضح أنّ إثبات جميع هذه الاُمور في غايـة الإشكال ، بل نقول : إنّ المقدار الذي يصحّح استعمال كلمـة الشرطيـة هو مجرّد الارتباط بين الشرط والجزاء ولو لم يكن ذلك بنحو اللزوم .
ألا ترى أ نّـه يصحّ أن يقال : إذا جاء زيد فمعـه عمرو ، فيما لو كان مصاحباً لـه نوعاً من دون رعايـة علاقـة أصلاً ، كما أ نّـه يستعمل كثيراً في موارد اللزوم وفي المراتب التي بعده .
وكيف كان فالإنصاف أنّ دعوى ذلك خلاف الوجدان .
الثاني: الانصراف ، وممّا ذكرنا في التبادر يظهر أنّ دعواه أيضاً ممّا لا دليل على إثباتـه .
الثالث: التمسّك بإطلاق كلمـة «إن» وأخواتها الموضوعـة للّزوم بتقريب أنّ مقدّمات الحكمـة تقتضي الحمل على الفرد الذي لايحتاج إلى مؤونـة التقييد ، وهو هنا اللزوم بنحو العلّيـة المنحصرة ، كما أنّ قضيّـة إطلاق صيغـة الأمر هو الوجوب النفسي .


(الصفحة239)

ولكن لايخفى أ نّـه لايكون الحكم في المقيس عليـه مسلّماً ، وقد ذكرنا ذلك في مبحث الأوامر .
وحاصلـه : أنّ انقسام الطبيعـة بالأقسام إنّما يتحقّق مع إضافـة القيود إليـه ، سواء كانت وجوديّـة أو عدميّـة ، فبإضافـة كلّ قيد يتحقّق قسم من الطبيعـة ، ولايعقل أن يكون بعض الأقسام عين المقسم ; إذ كونـه قسماً يساوق عدم اجتماعـه مع القسم الآخر أو الأقسام الاُخر ، وكونـه عين المقسم يساوق اتّحاده معها ; لأنّ الطبيعـة اللابشرط يجتمع مع ألف شرط ، ولايعقل اجتماع الوصفين المتناقضين عليـه ، كما هو واضح .
وحينئذ نقول: إنّ معنى الإطلاق الثابت بمقدّمات الحكمـة هو كون المقصود هي الطبيعـة اللاّبشرط ، ولو فرض عدم إمكان كونها مقصودةً بل كان الغرض متعلّقاً ببعض أقسامها ، فا لحمل على بعض الأقسام دون البعض الآخر مع كونها في عرض واحد ترجيح من دون مرجّح .
نعم ، لو كان بعض الأقسام أقلّ مؤونـة من الآخر ، لوجب الحمل عليـه ، ولكنّـه لايكون في أمثال المقام كذلك ; ضرورة أنّ أقسام اللزوم في عرض واحد ولايعقل أن يكون بعضها عين المقسم ، فتأمّل جيّداً .
الرابع: التمسّك بإطلاق الشرط بتقريب أ نّـه لو لم يكن بمنحصر ، يلزم تقييده ; ضرورة أ نّـه لو قارنـه أو سبقـه الآخر ، لما أثّر وحده ، ومقتضى إطلاقها أ نّـه يؤثّر كذلك مطلقاً .
وذكر في الكفايـة أ نّـه لايكاد ينكر الدلالـة على المفهوم مع إطلاقـه كذلك إلاّ أ نّـه من المعلوم ندرة تحقّقـه لو لم نقل بعدم اتّفاقـه(1) . انتهى .


1 ـ كفايـة الاُصول: 233.

(الصفحة240)

ولكن يظهر جوابـه ممّا تقدّم في جواب إثبات المفهوم من الطريق المنسوب إلى القدماء .
وحاصلـه : أنّ مقتضى الإطلاق هو كون الموضوع المذكور تامّاً من حيث الموضوعيـة لحكمـه المجعول بمعنى أ نّـه لا مدخليـة لشيء آخر أصلاً ، وهذا لايدلّ على المفهوم ; لأنّـه لابدّ في إثباتـه من كون الموضوع المذكور منحصراً في الموضوعيـة ، ومجرّد تماميّتـه لايثبت الانحصار ، كما هو واضح .
الخامس: التمسّك بإطلاق الشرط بتقريب آخر ، وهو أنّ مقتضى إطلاق الشرط : تعيّنـه ، كما أنّ مقتضى إطلاق الأمر : تعيّن الوجوب .
ويظهر جوابـه ممّا تقدّم في الجواب عن الوجـه الثا لث .
وحاصلـه : أ نّا لا نسلّم ثبوت الحكم في المقيس عليـه ; لأنّـه لايعقل أن يكون الوجوب التعييني عين طبيعـة الوجوب ، التي هي مقسم لها وللوجوب التخييري ، بل كلّ واحد منهما لا محا لـة يشتمل على قيد وجودي أو عدمي زائد على أصل الطبيعـة ، والإطلاق لايثبت شيئاً منهما .
نعم ، قد ذكرنا في مبحث الأوامر أنّ للمولى الاحتجاج على العبد لو اعتذر باحتمال كونـه تخييريّاً ; لأنّ البعث الصادر منـه لابدّ لـه من الجواب بإتيان متعلّقـه ، ولكن هذا لايثبت التعيّنيـة ، كما تقدّم .
السادس: التمسّك بإطلاق الجزاء .
وينبغي التنبيـه على اُمور :

الأمر الأوّل: في حقيقـة المفهوم

إنّ المراد من المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحكم ونوعـه عند انتفاء الشرط ، لا انتفاء شخصـه المجعول مترتّباً على وجود الشرط ، فإنّـه ينتفي بانتفاء الشرط عقلاً .
<<التالي الفهرس السابق>>