في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة321)

ا لفسّاق واقتلهم ، فإنّ العقل يحكم بأنّ المراد با لضمير ليس جميع الفسّاق ; لعدم اقتضاء الفسق بنفسـه لإيجاب القتل ، بل المراد بـه هو الكفّار منهم ، أو يشمل الصورتين معاً ؟ وجوه ، وكلامهم خا ليـة عن التعرّض لهذه الجهـة .
نعم ظاهر تمثيل أكثرهم بالآيـة الشريفـة التي هي من قبيل الصورة الاُولى ; لأنّ العلم باختصاص الأحقيّـة با لردّ ببعولـة المطلّقات الرجعيّات إنّما كان مستنداً إلى دليل آخر هو عدم الاختصاص با لصورة الثانيـة ، نعم لايستفاد منـه التعميم أو الاختصاص با لصورة الاُولى ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فإن كان محلّ البحث هي الصورة الاُولى ، فلا إشكال في أنّ أصا لـة العموم الجاريـة في القضيّـة الاُولى يقتضي الحمل على العموم ; لأنّ الأمر هنا دائر بين تخصيص واحد أو أزيد ، وقد استقرّ رأي المحقّقين من الاُصوليّين على التمسّك في نفي الزائد بأصا لـة العموم فيما إذا شكّ في تخصيص زائد با لنسبـة إلى عامّ واحد ، فضلاً عن مثل المقام الذي يكون فيـه عامّان خصّص أحدهما يقيناً والشكّ في تخصيص الآخر .
توضيحـه: أنّ القضيّـة المشتملـة على الضمير إنّما تقتضي بظاهرها ثبوت الحكم با لنسبـة إلى جميع أفراد العامّ ; لأنّ الضمير موضوع للإشارة إلى مرجعـه الذي هو العامّ في المقام ، فقولـه : وبعولتهنّ بمنزلـة قولـه : وبعولـة المطلّقات ، والعلم باختصاصها با لرجعيات لايوجب استعمال الضمير فيها حتّى تلزم المجازيـة ; لما عرفت من أنّ التخصيص إنّما يقتضي قصر الإرادة الجدّيـة على غير مورد الخاصّ ، ولايوجب أن يكون العامّ مستعملاً فيما عدا مورده ، وحينئذ فا لدليل على تخصيص القضيّـة الثانيـة لايوجب تصرّفاً في القضيّـة الاُولى أصلاً ; لما عرفت من أنّ مورد الشكّ في التخصيص يكون المرجع فيـه أصا لـة العموم .
ومن هنا انقدح: أ نّـه لا مجال حينئذ لهذا النزاع بعدما تقدّم منهم من عدم

(الصفحة322)

اقتضاء التخصيص للمجازيـة ، وأنّ المرجع في مورد الشكّ فيـه أو في الزائد هي أصا لـة العموم ، كما أ نّـه ظهر فساد ما في الكفايـة من أنّ المتيقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فيما إذا شكّ في تعيين المراد ، وأمّا إذا شكّ في كيفيـة الاستعمال مع العلم با لمراد ، كما في ناحيـة الضمير ، فلا(1) ، وذلك لما عرفت من عدم استلزام ا لتخصيص للمجازيّـة في ناحيـة الضمير ، فكما أنّ المراد معلوم كذلك كيفيّـة الاستعمال معلومـة .
نعم هذا إنّما يتمّ على مذهب القدماء القائلين بأنّ العامّ المخصّص يصير مجازاً ، وهو مع أ نّـه خلاف التحقيق مخا لف لما اختاره(2) أيضاً كما عرفت .
كما أنّ التعبير في محلّ النزاع بضمير يرجع إلى بعض أفراد العامّ ليس في محلّـه ; لما عرفت من أنّ الضمير لم يستعمل إلاّ فيما وُضع لـه ، وهو إيجاد الإشارة بـه إلى مرجعـه الذي هو العامّ في المقام ، والتخصيص لايوجب تصرّفاً في مقام الاستعمال أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وأمّا إذا كان محلّ البحث هي الصورة الثانيـة : فا لتمسّك بأصا لـة العموم محلّ إشكال ; لأنّ ظهوره في العموم غير منعقد مع اشتما لـه على الضمير الصا لح للقرينيّـة ، كما أشار إليـه في الكفايـة ، فيصير مجملاً ، فيجب الرجوع إلى مقتضى الاُصول .
وممّا ذكرنا يظهر: أ نّـه لو كان محلّ النزاع عامّاً شاملاً لكلتا الصورتين ، فا لواجب التفصيل ، والحكم با لرجوع إلى أصا لـة العموم في الصورة الاُولى ، وبالاُصول العمليّـة في الصورة الثانيـة ، فتدبّر جيّداً .


1 ـ كفايـة الاُصول: 272.
2 ـ نفس المصدر: 255.

(الصفحة323)






الفصل السادس

في جواز تخصيص العامّ بالمفهوم

وفيـه مقامان :

المقام الأوّل: في تخصيص العامّ بالمفهوم الموافق

هل يجوز تخصيص العامّ بمفهوم الموافقـة أم لا ؟ وقد ادّعي الإجماع على الجواز(1) ، ولكنّـه لايفيد في المسأ لـة الغير الشرعيـة ، سواء كانت عقليّـة أو عرفيّـة .
ولابدّ قبل الورود في محلّ البحث من بيان المراد بمفهوم الموافقـة بعد ظهور أ نّـه عبارة عن القضيّـة الموافقـة للمنطوق في الإيجاب والسلب .
فنقول: يحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يعبّرون عنـه بإ لغاء الخصوصيـة ، ومرجعـه إلى أنّ الخصوصيّـة المذكورة في الكلام ممّا لايرى لها العرف مدخليـة في ترتّب الحكم بحيث يكون الكلام بنفسـه دالاّ على ثبوت الحكم مع انتفاء

1 ـ قوانين الاُصول 1: 304 / السطر 5، كفايـة الاُصول: 272.

(الصفحة324)

ا لخصوصيـة أيضاً ، مثل قولـه : رجل شكّ بين الثلاث والأربع فعليـه كذا ، فإنّ العرف لايفهم منـه اختصاص الحكم با لرجل ، بل يرى أنّ ذكره إنّما هو من باب المثال ، وإلاّ فا لمقصود هو المصلّي الذي شكّ بين الثلاث والأربع ، سواء كان رجلاً أو امرأة .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو الذي يكون الغرض من إلقاء الكلام إفادتـه إلى المخاطب ، غايـة الأمر أ نّـه كنّى عنـه بشيء آخر ، ويمكن أن يكون قولـه تعا لى :(فلاتقل لهما أُفّ)(1) من هذا القبيل ، بناءً على أن لايكون المقصود بـه هو حرمـة قول «أُفّ» بل الإتيان بـه إنّما هو من باب الكنايـة وإفهام حرمـة الاُمور الاُخر من الضرب والشتم وغيرهما ، وهذا لاينافي عدم حرمـة ذلك القول ، كما في نظائره من أمثلـة الكنايـة .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يكون الكلام مسوقاً لإفادتـه أيضاً ، كا لمنطوق ، غايـة الأمر أ نّـه أتى با لفرد الخفي تنبيهاً على الفرد الجليّ ، فهما معاً مقصودان بالإفادة إلاّ أ نّـه اقتصر على الأوّل مع دخول الثاني في المراد أيضاً .
ويمكن أن تكون الآيـة الشريفـة من هذا القبيل ، كما لايخفى .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يستفاد من المنطوق بالأولويـة القطعيـة من غير أن يكون الكلام مسوقاً لإفادتـه ، والآيـة الشريفـة تحتمل هذا المعنى أيضاً .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يستفاد من العلّـة المنصوصـة في المنطوق ، كقولـه : لا تشرب الخمر ; لأنّـه مسكر ، فإنّـه يستفاد منـه حرمـة شرب النبيذ المسكر أيضاً ; لأنّ الظاهر من القضيّـة كون تمام العلّـة هو المسكريّـة ، لا

1 ـ الإسراء (17): 23.

(الصفحة325)

أ نّـه جزء الموضوع ، والخمريـة جزء آخر ، ويعبّر عنـه بمنصوص العلّـة ، وإطلاق المفهوم عليـه بعيد .
ثمّ إنّ هذه الاحتمالات التي ذكرنا ليس من قبيل مانعـة الجمع ، بل على سبيل منع الخلوّ ، فيمكن أن يكون المراد بمفهوم الموافقـة هو الأمر الجامع بينهما ، وهو القضيّـة الخارجـة عن محلّ النطق المشتركـة في الإيجاب والسلب .
إذا عرفت ذلك: فاعلم أ نّـه لو كان المراد بمفهوم الموافقـة هو الاحتمال الراجع إلى إلغاء الخصوصيـة ، فلا إشكال في تقديمـه على العامّ إذا كان أخصّ منـه ; لأنّـه بنظر العرف مفاد نفس الكلام الملقى إليهم ، ولايحتاج في استفادتـه إلى إعمال حكم العقل أيضاً ، وكذا لو كان المراد بـه هو الاحتمال الثاني أو الثا لث أو الأخير ; لأنّـه في جميع الصور مستفاد من نفس الكلام كما لايخفى في الأوّلين .
وأمّا الأخير فلأنّ التعليل لايتمّ بدون انضمام كبرى كلّيـة مطويّـة ; فإنّـه لو لم يكن «كلّ مسكر حرام» لما يصحّ تعليل الحرمـة في الخمر بأ نّـه مسكر فا لكبرى التي يكون مورد المفهوم من صغرياتها ، مستفادة من نفس الكلام ولايحتاج إلى شيء آخر اصلا .
وأمّا لو كان المراد بـه هو الاحتمال الرابع الذي مرجعـه إلى استفادتـه من القضيّـة المنطوقيـة بضميمـة حكم العقل بالأولويـة القطعيـة ، فقد يقال ـ كما في تقريرات المحقّق النائيني(قدس سره) ـ بأ نّـه لايعقل أن يكون المفهوم معارضاً للعامّ من دون معارضـة منطوقـه ; لأنّا فرضنا أنّ المفهوم موافق للمنطوق ، وأ نّـه يستفاد حكمـه منـه ، فكيف يعقل أن يكون المنطوق أجنبيّاً عن العامّ وغير معارض لـه مع كون المفهوم معارضاً ؟ ! فا لتعارض يقع ابتداء بين المنطوق والعامّ ، ويتبعـه وقوعـه بين المفهوم والعامّ ، وحينئذ فلابدّ أوّلاً من علاج التعارض بين المنطوق والعامّ ،

(الصفحة326)

ويلزمـه العلاج بين المفهوم والعامّ(1) .
أقول: هذه الدعوى بنحو الكلّيـة ممنوعـة ; لعدم التلازم بين كون المفهوم معارضاً للعامّ وكون المنطوق أيضاً كذلك ، بل يمكن الانفكاك بينهما في بعض الموارد .
مثالـه: ما لو قال : لا تكرم العلماء ، ثمّ قال : أكرم جهّال خدّام النحويّين ، فإنّ المنطوق في المثال لايعارض العامّ ; لأنّ الجهّال غير داخل في العلماء مع أنّ المفهوم ـ وهو وجوب إكرام علماء خدّام النحويّين ، وكذا إكرام النحويّين ـ معارض للعامّ ، كما هو واضح .
وحينئذ فا لموارد مختلفـة ، فلو كانت المعارضـة بين المنطوق والعامّ أيضاً ، فلابدّ أوّلاً من علاج التعارض بينـه وبين العامّ ، ويلزمـه العلاج بين المفهوم والعامّ .
وأمّا لو كانت المعارضـة منحصرةً با لمفهوم ، فقد يقال في وجـه ترجيحـه على العامّ ولو كان التعارض با لعموم والخصوص من وجـه : بأنّ الأمر هنا يدور بين رفع اليد عن العموم وتخصيصـه با لمفهوم ، وبين رفع اليد عن المنطوق المستلزم للمفهوم عقلاً ، وبين رفع اليد عن المفهوم مع ثبوت الحكم في المنطوق ، والثاني لا سبيل إليـه بعد كون المنطوق أجنبيّاً عن العامّ ، وغير معارض لـه ، كما هو المفروض ، والثا لث كذلك ; لأنّ رفع اليد عن خصوص المفهوم يوجب نفي الملازمـة ورفع اليد عنها مع كونها عقليّةً قطعيّةً ، فينحصر في الأوّل الذي مرجعـه إلى رفع اليد عن ظهور لفظي .
ولكن لايخفى: أنّ الملازمـة تقتضي عدم الانفكاك بين المنطوق والمفهوم ،

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 556.

(الصفحة327)

فإذا كانت المعارضـة بين المفهوم والعامّ ، فا لملازمـة بين المنطوق والمفهوم توجب سرايتها إليـه ، وكونـه معارضاً للعامّ با لتبع ، وحينئذ فلابأس بتقديم العامّ على المفهوم ، والحكم برفع اليد عن المنطوق أيضاً بسبب الملازمـة ، فلم يستلزم تقديم العامّ على المفهوم الإخلال با لملازمـة ، وكذا رفع اليد عن المنطوق بلا وجـه أمّا الأوّل : فواضح ، وأمّا الثاني : فلأنّ رفع اليد عنـه إنّما هو لرفع اليد عن المفهوم الملازم لـه ، كما لايخفى .
هذا كلّـه في المفهوم الموافق .

المقام الثاني: في تخصيص العامّ بالمفهوم المخالف

وأمّا المفهوم المخا لف فقد اختلف في جواز تخصيص العامّ بـه .
وينبغي أن يعلم أنّ محلّ النزاع إنّما هو فيما إذا كان هنا عامّ وكان المفهوم معارضاً لـه با لعموم والخصوص .
وأمّا فرضـه فيما إذا كان هنا مطلق ومقيّد ثمّ إجراء أحكام تلك المسأ لـة عليـه ، مثل قولـه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «خلق اللّـه الماء طهوراً لاينجّسـه شيء»(1) الحديث ، وقولـه(عليه السلام) : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسـه شيء»(2) حيث إنّ ظاهر الدليل ا لأوّل كون تمام الموضوع للطهوريّـة والاعتصام هو نفس الماء ، وظاهر الدليل الثاني مدخليّـة الكرّيـة أيضاً ، فيجب حمل المطلق على المقيّد ، ففيـه : أ نّـه خارج

1 ـ المعتبر: 8 / السطر 32، وسائل الشيعـة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.
2 ـ تهذيب الأحكام 1: 39 / 107، الاستبصار 1: 6 / 1، وسائل الشيعـة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1 و 2.

(الصفحة328)

عن محلّ البحث ; فإنّ مورده هو ما إذا كان المفهوم معارضاً للعامّ با لعموم والخصوص .
مثا لـه : ما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : إذا جاءك زيد العا لم فأكرمـه ، فإنّ مفهومـه أ نّـه إذا لم يجئك فلايجب إكرامـه ، وهو يخا لف العموم .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أ نّـه إذا ورد العامّ وما لـه المفهوم في كلام واحد ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فإن كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق بقرينـة مقدّمات الحكمـة ، أو كان كلٌّ منهما با لوضع ، فا لظاهر إجمال الدليل ، ووجوب الرجوع إلى الاُصول العمليّـة ، وإلاّ فلو كان واحد منهما مستفاداً من الإطلاق ، والآخر با لوضع ، فلاشبهـة في كون الترجيح مع الظهور الوضعي ; لعدم تماميـة مقدّمات الحكمـة معـه .
وأمّا لو كانا في كلامين لايصلح أن يكون واحد منهما قرينةً متّصلة للآخر ، فإن كان أحدهما مستفاداً من الإطلاق والآخر مدلولاً عليـه با لوضع ، فلاشبهـة في تقديمـه على الأوّل لو كان عدم البيان المأخوذ في مقدّمات الحكمـة أعمّ من البيان المتّصل ، وعلى تقدير الاختصاص بـه يتمّ الإطلاق ، ويعارض الآخر ، مثل ما إذا كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق أو مدلولاً عليـه با لوضع ، والترجيح فيـه يدور مدار الأظهريـة ، كما لايخفى .


(الصفحة329)






الفصل السابع

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

لاشبهـة في جواز تخصيص الكتاب با لخبر الواحد المعتبر با لخصوص ، كما يجوز با لكتاب وبا لخبر المتواتر أو الواحد المحفوف با لقرينـة القطعيـة اتّفاقاً ; لوضوح استقرار سيرة الأصحاب على العمل با لخبر الواحد في قبال عمومات الكتاب .
وعمدة ما يتوهّم سنداً للمنع هي الأخبار الدالّـة على وجوب طرح الأخبار المخا لفـة للقرآن(1) ، وضربها على الجدار(2) ، وأ نّها زخرف(3) ، وأ نّها ممّا لم يقل بـه الإمام(عليه السلام)(4) على اختلاف ألسنتها .


1 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 10 و19 و 29 و 35.
2 ـ الكافي 1: 69 / 3.
3 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث12 و14.
4 ـ نفس المصدر، الحديث 15.

(الصفحة330)

ولايخفى عدم دلالتها على المنع في المقام ; لوضوح أنّ المخا لفـة با لعموم لا تعدّ بنظر العرف مخا لفـة ، ضرورة ثبوت هذا النحو من المخا لفـة في نفس الكتاب العزيز ، مع أنّ قولـه تعا لى :(وَلَو كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّـهِ لَوَجَدُوا فِيـهِ اختِلافاً كَثيراً)(1) ينادي بعدم الاختلاف فيـه .
مضافاً إلى أنّ صدور الأخبار المخا لفـة للكتاب بهذا المعنى من الأئمّـة (عليهم السلام) كثيرة جدّاً .
وا لسرّ فيـه ما عرفت من عدم كون هذه المخا لفـة مخا لفةً بنظر العرف والعقلاء ، وثبوت المناقضـة ، والتنافي بين الموجبـة الكلّيـة والسا لبـة الجزئيّـة ، وكذا بين السا لبـة الكلّيـة والموجبـة الجزئيّـة وإن كان أمراً بديهيّاً إلاّ أنّ ذلك في غير محيط جعل القوانين وتقنينها ، كما لايخفى .


1 ـ النساء (4): 82.

(الصفحة331)






الفصل الثامن

في استثناء المتعقّب لجمل متعدّدة

هل الاستثناء المتعقّب للجُمل المتعدّدة ظاهر في رجوعـه إلى الكلّ أو خصوص الأخيرة ، أو لا ظهور لـه في واحد منهما ؟ وجوه وأقوال .
ولابد من البحث هنا في مقامين :

المقام الأوّل: إمكان الرجوع إلى الجميع

وليعلم أنّ ذلك إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان رجوعـه إلى الكلّ مع أ نّـه قد يقال باستحا لتـه ; نظراً إلى أنّ آلـة الاستثناء قد تكون حرفاً ، وقد تكون اسماً ، وعلى التقديرين تارةً يكون المستثنى عنواناً كلّياً منطبقاً على كثيرين ، واُخرى يكون فرداً واحداً متصادقاً عليـه جميع العناوين المستثنى منها ، وثا لثـة يكون أفراداً متعدّدة كلّ واحد منهما فرد لعنوان من تلك العناوين ، مثل ما إذا قال : أكرم العلماء وأهن الفسّاق وأضف الهاشمي إلاّ زيداً ، وكان زيد المستثنى مردّداً بين زيد العا لم وزيد الفاسق وزيد الهاشمي وبين خصوص الأخير .
أمّا إذا كانت أداة الاستثناء اسماً وكان المستثنى عامّاً ، فالإخراج من الجميع

(الصفحة332)

من دون ملاحظـة الوحدة بينهما يستلزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو مستحيل ، وكذا فيما لو كان المستثنى فرداً واحداً .
وأمّا لو كان المستثنى أفراداً متعدّدة ، فمضافاً إلى ذلك يلزم استعمال المستثنى أيضاً في أكثر من معنى واحد .
وأمّا لو كانت أداة الاستثناء حرفاً ، فبناءً على كونـه موضوعاً للجزئيّات ، فاستعما لها في أكثر من فرد واحد مستلزم لذلك المحذور الذي جريانـه في الحروف أوضح ; لأنّ اندكاكها في متعلّقاتها أشدّ من فناء الألفاظ في معانيها الاسميـة(1) .
أقول: قد عرفت أنّ استعمال اللّفظ في الأكثر من معنى واحد بمكان من الإمكان ، وأنّ الوجوه التي استندوا إليها لإثبات الاستحا لـة لم تكن ناهضةً لإثباتها ، والموضوع لـه في الحروف وإن لم يكن عامّاً إلاّ أ نّـه لا إشكال في استعما لها في أكثر من واحد ، والجامع بين معانيها وإن كان منتفياً ، ضرورة عدم وجود الجامع الحقيقي بين الابتداءات الخارجيّـة مثلاً ، ومفهوم الابتداء الذي هو معنى اسمي لم يكن ابتداء حقيقةً إلاّ أ نّـه مع ذلك يمكن استعما لها في أكثر من واحد تبعاً للأسماء ومتعلّقاتها ; نظير قولـه : سر من كل نقطـة من البصرة فإنّ الكثرة ـ التي هي مفاد الكلّ ـ تسري إلى «من» أيضاً فيفيد وجوب السير مبتدئاً من كلّ نقطـة .
ومنـه يظهر أنّ جواز استعمال الحرف في أكثر من واحد أوضح من جواز استعمال الاسم كذلك ; لما عرفت من تبعيّـة المقتضيـة لسرايـة مدلولـه إليـه ، كما هو واضح .


1 ـ لاحظ معالم الدين: 125 ـ 130، مقالات الاُصول 1: 475.

(الصفحة333)

بل يمكن أن يقال بعدم استلزام الرجوع إلى الجميع ; لتعدّد الإخراج حتّى يبتنى على القول بجواز استعمال الحروف في أكثر من معنى .
أمّا فيما كان المستثنى مشتملاً على الضمير : فلأنّ الموضوع لـه في باب الضمائر هو الإشارة إلى مرجعـه ، ومن الممكن أن يكون في المقام إشارة في جميع الجُمل المتقدّمـة ، ويكون الإخراج واحداً ، ولايلزم تجوّز في ناحيـة الضمير في أكثر من معنى واحد ; لأنّ الإشارة واحدة وإن كان المشار إليـه كثيراً .
وأمّا فيما إذا لم يكن مشتملاً على الضمير : فلأنّ استعمال المستثنى أكثر من واحد لايوجب أن يكون الإخراج متعدّداً حيث يلزم استعمال أداة الاستثناء في أكثر من واحد كما هو .

المقام الثاني: في مقام الإثبات

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أ نّـه قد يقال ـ كما في تقريرات المحقّق النائيني ـ بأنّ التحقيق يقتضي التفصيل بين ما إذا كانت الجُمل المتعدّدة المتقدّمـة مشتملةً على عقد الوضع بأن يكون ذلك مكرّراً في جميعها وبين ما إذا لم يكن كذلك ، بل كان ذكر عقد الوضع منحصراً بصدر الكلام ، كما إذا قيل : أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم إلاّ فسّاقهم ، بأن يقال برجوعـه إلى الجميع دون خصوص الأخيرة في الثاني ، وبرجوعـه إلى خصوصها في الأوّل .
وا لسرّ في ذلك : أ نّـه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع لا محا لـة ، فإذا لم يكن مذكوراً إلاّ في صدر الكلام ، فلابدّ من رجوعـه إليـه ، بخلاف ما إذا كان تكراره في الجملـة الأخيرة يوجب أخذ الاستثناء محلّـه من الكلام ، فيحتاج

(الصفحة334)

تخصيص الباقي إلى دليل آخر مفقود على الفرض(1) .
أقول: لايخفى أنّ ما ذكره من أ نّـه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع مخا لف لما ذكروه في قبال أبي حنيفـة من أنّ الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، فإنّ مرجع ذلك إلى رجوع الاستثناء إلى عقد الحمل ، والحكم المذكور في الكلام ، وإلاّ لم يكن الاستثناء من النفي إثباتاً أصلاً ، وكذا العكس ، فلابدّ من القول برجوعـه إلى الحكم ، وحينئذ فيتّجـه التفصيل بين ما إذا كان عقد الحمل متكرّراً أو واحداً .
وتفصيلـه بملاحظـة ما عرفت أنّ المستثنى قد يكون مشتملاً على الضمير ، وقد لايكون ، وعلى التقدير الأوّل :
فتارة: يكون عقد الوضع أيضاً واحداً وعقد الحمل متكرّراً ، غايـة الأمر أنّ عقد الوضع في غير الجملـة الاُولى إنّما اُفيد با لضمير سواء كان المستثنى أيضاً مشتملاً على الضمير ، كما في المثال المذكور في كلامـه ، أو لم يكن ، كما لو حذف الضمير في المثال من المستثنى .
وا لظاهر في هذا القسم الرجوع إلى الجميع ، لا لما ذكره ، بل لأنّ ظاهر اتّحاد السياق يقتضي أن يكون مثل الجُمل المشتملـة على الضمير في عوده إلى الاُولى ، كما لايخفى .
واُخرى: يكون با لعكس ، مثل قولـه : أضف العلماء والتجّار والهاشميّين إلاّ فسّاقهم .
وا لظاهر في هذا القسم أيضاً الرجوع إلى الجميع ; لكون عقد الحمل غير متعدّد .


1 ـ أجود التقريرات 1: 496 ـ 497.

(الصفحة335)

وثالثـة: يكون كلٌّ منهما متكرّراً ، وفي هذا القسم قد تكون الأحكام مختلفةً با لصنف ، وقد لا تكون كذلك .
وفي هذا القسم يتردّد الأمر بين الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة ، ولا دليل على التعيين ، وعلى التقدير الثاني فا لظاهر هو الرجوع إلى الجميع في مثل الصورة الثانيـة في التقدير الأوّل دون البواقي ، فتدبّر .
ثمّ إنّ الرجوع إلى الأخيرة في موارد الإجمال متيقّن على كلّ تقدير ، وفي غيرها من الجُمل لايجوز التمسّك بأصا لـة العموم ; لاكتنافـه بما يصلح للقرينيّـة ، ولم يحرز استقرار بناء العقلاء على التمسّك بها في أمثال المقام ، فلابدّ في مورد الاستثناء فيـه من الرجوع إلى الاُصول العمليّـة .
وذكر في التقريرات: أنّ توهّم كون المقام من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّـة غير صحيح ; لأنّ المولى لو أراد تخصيص الجميع ومع ذلك قد اكتفى في مقام البيان بذكر استثناء واحد مع تكرار عقد الوضع في الجملـة الأخيرة ، لكان مخلاّ ببيانـه ; إذ بعد أخذ الاستثناء محلّـه من الكلام لايكون موجب لرجوعـه إلى الجميع(1) .
ولايخفى أنّ ذلك يوجب سدّ باب الإجمال ; فإنّـه كيف لايجوز أن يكون غرضـه تخصيص الجميع ومع ذلك أجمل كلامـه لمصلحـة مقتضيـة لـه كما في سائر المجملات .
وأمّا قولـه بعد أخذ الاستثناء محلّـه من الكلام : فلم نعرف لـه معنى .
وحكي عن المقالات أنّـه قال في المقام ما ملخّصـه: أنّ إطلاق الاستثناء والمستثنى يوجب الرجوع إلى الجميع ، وحينئذ فلو كان العموم في الجُمل

1 ـ أجود التقريرات 1: 497.

(الصفحة336)

ا لمستثنى منها مستفاداً لا من الإطلاق ، يوجب ذلك عدم انعقاد الإطلاق في الاستثناء والمستثنى ; لصيرورة العموم في غير الجملـة الأخيرة قرينةً على اختصاصهما بها ، وأمّا لو كان العموم مستفاداً من مقدّمات الحكمـة ، فهنا إطلاقان يكون انعقاد كلٍّ منهما معلّقاً على عدم الآخر ، فلاينعقدان ، فيصير الكلام با لنسبـة إلى غير الجملـة الأخيرة مجملاً(1) .
أقول: ما ذكره في الشقّ الأوّل من صيرورة العموم قرينـة على اختصاص الاستثناء با لجملـة الأخيرة ، محلّ نظر بل منع .
أمّا فيما كان المستثنى مشتملاً على الضمير : فلأنّ رجوعـه إلى الجميع أو خصوص الأخيرة متوقّف على تعيين مرجع الضمير ، وأ نّـه اُشير بـه إلى الجميع أو إليها .
وأمّا فيما لم يكن كذلك : فقد عرفت أنّ أصا لـة العموم في غير هذه الأخيرة في أمثال المقام غير جاريـة ، فتدبّر .


1 ـ مقالات الاُصول 1: 475 ـ 476.

(الصفحة337)






المقصد الخامس




في المطلق والمقيّد



وفيـه فصول:






(الصفحة338)




(الصفحة339)






الفصل الأوّل

في تعريف المطلق

قد عرّف المطلق بأ نّـه ما دلّ على شايع في جنسـه(1) .
ولكنّـه مخدوش من وجوه كثيرة :
منها: أنّ ظاهره كون الإطلاق وصفاً لنفس اللّفظ مع أ نّـه من صفات المعنى ، ضرورة أ نّـه يتّصف بـه المعنى ولو لم يكن في العا لم لفظ فإنّ ماهيّـة الإنسان مطلقـة ولو لم يوضع بإزائها لفظ أصلاً فإنّها أمر شائع في أفراده الذاتيـة ، ومعرّاة عن القيود والخصوصيات الوجوديـة المجامعـة مع كلّ واحد منها ، كما لايخفى .
منها: أنّ اعتبار الشيوع في الجنس إن كان قيداً للمدلول بما أ نّـه مدلول بحيث كان مرجعـه إلى دلالـة اللّفظ على الشيوع والسريان أيضاً ، فليس في العا لم مطلق أصلاً ، ضرورة أنّ اللّفظ لايحكي إلاّ عن نفس الماهيّـة المطلقـة ، وكونها بذاتها شائعـة في أفرادها ، ساريـة في وجوداتها لا ارتباط لـه بدلالـة اللّفظ

1 ـ قوانين الاُصول 1: 321 / السطر 16.

(الصفحة340)

أصلاً ، كما هو واضح ، فلابدّ من أن يكون هذا القيد وصفاً لنفس المعنى مع قطع النظر عن كونـه مدلولاً للّفظ .
منها: أنّ مقتضى التعريف اختصاص الإطلاق با لمعاني الكلّيـة ، ضرورة أ نّها تكون شائعةً في جنسها ، أي الأفراد المجانسة لها ، لا الجنس الاصطلاحي المنطقي ، وأمّا الاُمور الجزئيـة الغير القابلـة للسريان فظاهره أ نّها لا تكون متّصفةً بالإطلاق مع أ نّها أيضاً كذلك ، ضرورة أنّ قولـه : أكرم زيداً ، مطلق غير مشروط بشيء أصلاً .
ودعوى أنّ المعاني الجزئيـة غير قابلـة للتقييد فلايتّصف بالإطلاق ، مدفوعـة بمنع ذلك ; فإنّ الاُمور الجزئيـة أيضاً قابلـة للتقييد ، فإنّ جعل زيد مثلاً موضوعاً للحكم تارة يكون بنحو الإطلاق ، واُخرى مقيّداً بمجيئـه أو بغيره من الحالات والعوارض ، كما هو واضح .
منها: أنّ هذا التعريف يشمل بعض المقيّدات أيضاً ، ضرورة أنّ الرقبـة المقيّدة با لمؤمنـة أيضاً شائعـة في جميع أفراد الرقبـة المؤمنـة ، كما لايخفى فالأولى أن يقال : إنّ المطلق عبارة عن المعنى المعرّى عن القيد المعبّر عنـه با لفارسيـة بـ (رهابودن) والمقيّد بخلافـه ، ولاشبهـة في أ نّهما وصفان إضافيّان ، ضرورة أنّ المعنى الملحوظ مع أمر آخر تارة يكون مقيّداً بـه واُخرى معرّى عنـه ، وهذا المعنى يجري في جميع القيود ، وربّما يكون مقيّداً ببعضها وغير مقيّد با لبعض الآخر ، وهو ـ أي المطلق ـ قد يكون وصفاً للحكم ، وقد يكون وصفاً لمتعلّقـه ، وقد يكون وصفاً لموضوعـه ، وقد يكون وصفاً لنفس المعنى مع قطع النظر عن تعلّق الحكم ، فإنّ ماهيّـة الإنسان مطلقـة والإنسان الأبيض مقيّدة ولو لم يكن في البين حكم أصلاً ، كما هو واضح ، والإطلاق في الجميع بمعنى واحد ، وهو خلوّه عن التقيّد بشيء آخر .
<<التالي الفهرس السابق>>