في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة341)

ثمّ إنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد أشبـه بتقابل العدم والملكـة من حيث إنّ اتّصاف معنىً بالإطلاق إنّما هو فيما لو كان قابلاً وصا لحاً للتقييد وإن كان بينهما فرق من حيث إنّ أعدام الملكات إذا انقلبت من مرحلـة القابليّـة إلى الفعليّـة يوجب ذلك تبدّل صورتها ، بخلاف المطلق ; فإنّ تقييد الإنسان با لعا لم مثلاً لايوجب ذلك تصرّفاً في معناه ، فإنّ معنى الإنسان واحد ، سواء قيّد ببعض القيود أم لم يقيّد ، وقد مرّت الإشارة إليـه .


(الصفحة342)






الفصل الثاني

حول الألفاظ التي يطلق عليها المطلق

ثمّ إنّـه جرت العادة هنا بذكر تعيين ما وضع لـه بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، ونحن نقتفي أثرهم وإن كان غير مرتبط با لمقام ; لما عرفت من أنّ معنى الإطلاق هو خلوّ المعنى عن التعلّق بشيء آخر ، سواء كان كليّاً أو جزئيّاً ، وأنّ الإطلاق والتقييد وصفان إضافيّان ، وأنّ الإطلاق في جميع الموارد بمعنى واحد ، فا لتكلّم فيما وضع لـه اسم الجنس مثلاً ليس لـه ارتباط بتلك الاُمور المذكورة ، كما هو واضح .

منها: اسم الجنس

وكيف كان فقد عدّوا منها اسم الجنس ، كإنسان ورجل وسواد وبياض والزوجيـة وغيرها من أسماء الكلّيات من الجواهر والأعراض والعرضيات ، ولاشبهـة في أ نّها موضوعـة لنفس الماهيّـة والمفهوم بما هي هي ، ومن المعلوم أ نّها عين أفرادها في الخارج ، فصحّـة إطلاقها على أفرادها لايستلزم ملاحظـة الماهيّـة في مرحلـة الوضع بنحو اللاّ بشرط القسمي تسريةً للوضع إلى المعنى

(الصفحة343)

بجميع أطواره ، وجعل الوضع بإزاء نفسها ، كما أفاده بعض المحقّقين من محشّي الكفايـة(1) .
وذلك لأنّ المراد من تسريـة الوضع إن كان بحيث يوجب صحّـة إطلاق اللّفظ على جميع أفراده والحمل عليـه با لحمل الذاتي ، فلاشبهـة في بطلانـه ; لأنّ استعمال لفظ الإنسان في بعض أفراده مجاز بالاتّفاق وإن كان بحيث يوجب صحّـة الحمل عليـه با لحمل الشائع ، فذلك لايستلزم ملاحظـة الماهيّـة بنحو اللاّبشرط القسمي ، كما هو واضح .
وكيف كان فلاشبهـة في أنّ ما وضع لـه أسماء الأجناس هي نفس المفاهيم الكلّيـة والماهيات بما هي هي .

أقسام الماهيّـة

ثمّ إنّهم قسّموا الماهيّـة إلى الأقسام الثلاثـة : الماهيّـة اللاّبشرط والماهيّـة البشرط شيء والماهيّـة البشرط لا ; نظراً إلى أ نّـه إذا لوحظت الماهيّـة مع أمر خارج عنها فإمّا أن تلاحظ مع وجودها أو مع عدمها أو لا مع وجودها ولا مع عدمها(2) .
وقد اُشكل عليـه بأنّ القسم الأوّل ـ وهي الماهيّـة اللاّبشرط ـ عين المقسم ، فا لتقسيم تقسيم إلى نفسـه وإ لى غيره(3) .
واُجيب عن ذلك با لفرق ; فإنّ المقسم هو اللاّبشرط المقسمي ، والقسم هو

1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 493.
2 ـ الحكمـة المتعاليـة 2: 16، شرح المنظومـة، قسم الحكمـة: 95 وما بعدها.
3 ـ الحكمـة المتعاليـة 2: 19.

(الصفحة344)

ا للاّبشرط القسمي(1) .
وقيل في بيانـه: إنّ التقسيم إلى الأقسام الثلاثـة المذكورة ليس تقسيماً لنفس الماهيّـة ، بل المقسم إنّما هو لحاظها ، وحينئذ فا لمراد با لماهيّـة اللاّبشرط هو لحاظها كذلك ، فا لتفاوت بين المقسم والقسم إنّما هو باعتبار أنّ الأوّل هو مجرّد لحاظ الماهيّـة من دون ملاحظـة شيء معها ، والثاني هو لحاظها مجرّداً عن قيد آخر وجوديّاً كان أم عدميّاً ، كما أنّ المراد با لماهيّـة البشرط شيء هو لحاظها مشروطاً بـه ، وبا لماهيّـة البشرط لا هو لحاظها مشروطاً بعدمـه(2) .
هذا ولايخفى: أنّ لازم كون التقسيم للحاظ الماهيّـة لا لنفسها أنّ كلّ أمر خارج عنها إذا لوحظت الماهيّـة با لقياس إليها ، يمكن اعتبار الأقسام الثلاثـة فيـه ، فإنّ باب اللّحاظ واسع ، فيمكن ملاحظـة الماهيّـة با لنسبـة إلى كلّ قيد مشروطاً بوجوده أو بعدمـه أو غير مشروط بشيء منهما ، مع أنّ ذلك مستبعد جدّاً ; فإنّـه كيف يمكن أن يكون مراد أساطين الحكمـة المتعرّضين لهذا التقسيم ذلك المعنى الذي هو مجرّد الاعتبار وصرف اللّحاظ وإن كان ظاهر عبائرهم في بيان التقسيم ذلك ، لكنّـه ليس بمرادهم ، فا لتحقيق أنّ هذا تقسيم لنفس الماهيّـة .
وتوضيحـه: أنّ كلّ ماهيّـة إذا لوحظت مع أمر من الاُمور الخارجـة عنها فإمّا أن تكون مشروطةً بوجوده واقعاً بحيث لايعقل الانفكاك بينهما في نفس الأمر ولو مع عدم لحاظها كذلك ، وإمّا أن تكون مشروطةً بعدمـه واقعاً بحيث يستحيل اجتماعهما كذلك ، وإمّا أن لاتكون مشروطةً بوجوده ولابعدمـه ، بل يكون ذلك ا لأمر من العوارض التي قد يجتمع معها وقد يفترق عنها ولو مع لحاظها مشروطةً بوجوده

1 ـ نفس المصدر.
2 ـ نهايـة الدرايـة 2: 490 ـ 494.

(الصفحة345)

أو بعدمـه .
فالأوّل: هي الماهيّـة البشرط شيء ، ومثا لـه : ماهيّـة الجسم با لنسبـة إلى التحيّز ، فإنّها تكون دائماً مشروطـة بـه ، ويستحيل تحقّق الانفكاك بينهما ولولم تلاحظ كذلك .
والثاني: هي الماهيّـة البشرط لا ، ومثا لـه : ماهيّـة الجسم با لنسبـة إلى التجرّد مثلاً ، فإنّها تكون دائماً متفرّقـة عنـه ، ولايعقل اجتماعهما .
والثالث: هي الماهيّـة اللاّبشرط ، ومثا لـه : ماهيّـة الإنسان با لنسبـة إلى الكتابـة ، فإنّها لا تكون مشروطةً بوجودها دائماً بحيث كان الانفكاك مستحيلاً ، ولابعدمها بحيث كان ا لاجتماع محالاً ، بل ربّما توجد معها وربّما توجد منفكّة عنها .
وممّا ذكرنا يظهر: أنّ الماهيّـة با لنسبـة إلى كلّ قيد لوحظ معها لها أحد الأقسام الثلاثـة على سبيل المنفصلـة الحقيقيـة ، ولايعقل اجتماعها با لنسبـة إلى قيد واحد ، كما لايخفى ، كما أ نّـه ظهر ثبوت المغايرة بين المقسم والقسم ، فإنّ المقسم هي نفس الماهيّـة المحفوظـة في جميع الأقسام الثلاثـة ، وبإضافـة شيء من الخصوصيّات المأخوذة في الأقسام يتحقّق قسم منها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه أفاد المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ هنا كلاماً في معنى الأقسام وبيان الفرق بين اللاّبشرط القسمي والمقسمي(1) .
وفيـه ـ مضافاً إلى المناقضـة بين الصدر والذيل ـ وجوه من الخلل ، كما يظهر لمن راجعـه وتأمّل .
وا لإنصاف أنّ ما ذكرنا هو التقسيم المعقول الذي يمكن أن يكون مقصوداً لأساطين الحكمـة ، كما عرفت .


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 569.

(الصفحة346)

منها: علم الجنس

وهي كاسامـة ، والمشهور بين أهل العربيـة أ نّـه موضوع للطبيعـة بما هي متعيّنـة ، ولذا يعامل معـه معاملـة المعرفـة .
ولكن ذهب في الكفايـة إلى أ نّـه موضوع لصرف المعنى ونفس الطبيعـة ، كاسم الجنس ، والتعريف لفظي ، كما في التأنيث اللفظي ; نظراً إلى أ نّـه لو لم يكن كذلك لما صحّ حملـه على الأفراد بلا تصرّف وتأويل ; لأنّـه على المشهور أمر ذهني ، وهو لايصدق على الخارج إلاّ مع التجريد ، مع صحّـة حملـه عليها بدونـه .
مضافاً إلى أنّ وضعـه لما يحتاج إلى التجريد في مقام الاستعمال لايصدر عن الواضع الحكيم(1) .
ولكنّـه تنظّر فيـه في كتاب الدّرر حيث قال: وفيما أفاده نظر ; لإمكان دخل الوجود الذهني على نحو المرآتيّـة في نظر اللاّحظ ، كما أ نّـه ينتزع الكلّيـة عن المفاهيم الموجودة في الذهن لكن لا على نحو يكون الوجود الذهني ملحوظاً للمتصوّر با لمعنى الاسمي ; إذ هي بهذه الملاحظـة مباينـة مع الخارج ، ولا تنطبق على شيء ، ولا معنى لكلّيـة شيء لاينطبق على الخارج أصلاً .
إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ لفظ «اسامـة» موضوع للأسد بشرط تعيّنـه في الذهن على نحو الحكايـة عن الخارج ، ويكون استعمال ذلك اللّفظ في معناه بملاحظـة القيد المذكور ، كاستعمال الألفاظ الدالّـة على المعاني الحرفيّـة ، فافهم وتدبّر(2) . انتهى .


1 ـ كفايـة الاُصول: 283.
2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 232.

(الصفحة347)

أقول: أخذ اللحاظ ولو كان با لمعنى الحرفي في المعنى الموضوع لـه معناه كونـه متقوّماً بـه ، وإلاّ فيصير الموضوع لـه مجرّد المعنى من دون مدخليـة شيء ، ولم يبق فرق بين علم الجنس واسمـه ، ومع تقوّم معنى الأوّل بـه يرد عليـه ما أفاده في الكفايـة(1) ، كما لايخفى .
والتحقيق أن يقال: إنّ الفرق بين المعرفـة والنكرة واتّصاف شيء بالأوّل وشيء آخر با لثاني أمر واقعي ، فإنّ المعرفـة هو ما كان في الواقع متعيّناً غير قابل للتردّد والإبهام ، مثل الأعلام الشخصيـة ، فإنّ لفظ «زيد» موضوعـة لشخص متعيّن في الواقع ، بخلاف النكرة ، فإنّ معنى الرجل المنكّر هو الفرد المردّد من طبيعـة الرجل والمبهم في نفس الأمر ، فالامتياز والتفاوت إنّما هو بحسب الواقع ، وحينئذ فنقول : الموضوع لـه في باب اسم الجنس هي نفس الطبيعـة بما هي هي ، والطبيعـة في هذه المرتبـة التي هي مرتبـة ذات الطبيعـة لا تكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا يكون عروض التعريف والتنكير بسبب أمر آخر ، مثل الألف واللاّم المفيدة لتعريف الجنس ، وتنوين التنكير المفيدة لنكارتـه ، فلو كان معنى «رجل» الذي هو اسم الجنس معرّفاً ، لم يحتج في تعريفـه إلى إلحاق الألف واللاّم بـه ويستحيل تنكيره من غير تجريد كما لايخفى ، كما أ نّـه لو كان منكّراً ، لم يحتج إلى التنوين ، ولم يصحّ تعريفـه من غير تجريد ، وليس ذلك إلاّ لكون نفس الطبيعـة الموضوع لها اسم الجنس لايكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا لايستعمل كذلك .
وأمّا علم الجنس فهو موضوع لنفس الطبيعـة الممتازة عن سائر الطبائع ، فإنّ كلّ طبيعـة إذا لوحظت بالإضافـة إلى سائر الطبائع تكون ممتازة عنها ومتعيّنـة بذاتها في عا لم الواقع ونفس الأمر ، وليس ذلك التعيّن دائراً مدار الاعتبار ، بل هو

1 ـ كفايـة الاُصول: 283.

(الصفحة348)

أمر واقعي ، كا لتعريف في غيره من الموارد ، وحينئذ فا للّحاظ ليس مأخوذاً في المعنى حتّى يستحيل انطباقـه على الخارج ، بل المعنى هي الطبيعـة الممتازة بذاتها واقعاً ، وهو قابل للاتّحاد مع الخارج .
وبا لجملـة ، فمفاد علم الجنس والمعرّف بلام الجنس واحد غايـة الأمر تعدّد الدالّ في الثاني دون الأوّل ، كما لايخفى .

منها: المفرد المعرّف باللام

وممّا ذكرنا ظهر الحال في المفرد المعرّف با للاّم ، فإنّ المعرّف بلام الجنس معناه ما عرفت .
وأمّا المعرّف بلام الاستغراق أو العهد بأقسامـه فإنّـه أيضاً موضوع للمعنى المتعيّن ، وهو جميع الأفراد في الأوّل ، والمعنى المعهود في الثاني .

منها: النكرة

مثل «رجل» في جاء رجل ، أو جئني برجل .
وذكر في الكفايـة أنّ مدلولها في مثل الأوّل هو الفرد المعيّن المجهول عند المخاطب ، وفي الثاني هي الطبيعـة المأخوذة مع قيد الوحدة التي يدلّ عليها تنوين التنكير ، فيكون مدلولها في الأوّل جزئيّاً ، كما هو واضح ، وفي الثاني كلّياً(1) ، وهي حصّـة من الرجل ولايخفى أنّ الجزئيـة في الأوّل إنّما يستفاد من دالّ آخر ، وهو نسبـة المجيء إليـه ، وإلاّ فمن الواضح عدم تعدّد الوضع في باب النكرة ، فا لتحقيق أنّ مدلولها هو المعنى الكلّي في الموضعين .


1 ـ كفايـة الاُصول: 285.

(الصفحة349)

ثمّ إنّك عرفت أنّ معنى المطلق هو خلوّ المعنى عن القيد ، سواء كان كليّاً أو جزئياً ، وحينئذ فتخصيص المطلق باسم الجنس والنكرة با لمعنى الثاني ـ كما أفاده في الكفايـة ـ في غير محلّـه ; لأنّ النكرة با لمعنى الأوّل ـ الذي هو أمر جزئي ـ مطلقـة ، كما في سائر الجزئيات ، فإنّ قولـه : أكرم زيداً ، مطلق من حيث عدم تقييد زيد با لجائي أو بغيره من القيود ، كما أ نّك عرفت أنّ لفظ المطلق لايحكي إلاّ عن نفس الطبيعـة ، وهي لايعقل أن تكون مرآةً للأفراد والخصوصيّات ، ومعنى إطلاقها من حيث تعلّق الحكم بها هو كون تمام المتعلّق للحكم المجعول هي نفسها من غير مدخليـة شيء آخر فيها ، وهذا المعنى يستفاد من فعل المتكلّم حيث إنّـه إذا كان بصدد بيان متعلّق حكمـه وكان مختاراً في التكلّم فهذا دليل بنظر العقل على أنّ المذكور تمام المتعلّق ، وليس ذلك من قبيل الدلالات اللفظيـة ، بل هو من الدلالات العقليّـة ، كدلالـة التكلّم على كون مدلول الكلام مقصوداً للمتكلّم ، وحينئذ فيظهر لك أنّ إثبات الإطلاق بضميمـة مقدّمات الحكمـة أو بغيرها ليس يرجع إلى إثبات الشياع والسريان ، كما ذكره في الكفايـة حيث قال : إنّ الشياع والسريان ـ كسائر طوارئ الطبيعـة ـ يكون خارجاً عمّا وضع لـه لفظ المطلق ، فلابدّ في الدلالـة عليـه من قرينـة حال أو مقال أو حكمـة(1) ، فإنّ ظاهره أنّ جريان مقدّمات الحكمـة يفيد الشياع والسريان ، مع أنّ مفادها ليس إلاّ كون المذكور تمام الموضوع ، ولا مدخليّـة لشيء آخر فيـه .


1 ـ كفايـة الاُصول: 287.

(الصفحة350)






الفصل الثالث

في مقدّمات الحكمـة

وكيف كان فقد ذكر في الكفايـة أنّ مقدّمات الحكمـة ثلاثـة :
إحداها: كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد لا الإهمال أو الإجمال .
ثانيتها: انتفاء ما يوجب التعيين .
ثالثتها: انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب(1) .
أقول: الظاهر أنّ قرينـة الحكمـة لا تتوقّف إلاّ على مقدّمـة واحدة ، وهي المقدّمـة الاُولى ، فهنا دعويان : الاُولى توقّفها على المقدّمـة الاُولى ، ثانيتهما عدم توقّفها على سائر المقدّمات .
أمّا الدعوى الاُولى: فواضحـة ; لأنّـه إذا لم يكن المتكلّم في مقام بيان تمام المراد ، بل كان في مقام بيان حكم آخر أو في مقام بيان أصل التشريع ، لايمكن أن يحتجّ بكلامـه عليـه عند العقلاء ; لصحّـة اعتذاره بأ نّـه كان بصدد بيان جهـة اُخرى أو بيان الحكم بنحو الإجمال مثلاً .


1 ـ كفايـة الاُصول: 287.

(الصفحة351)

وذهب في الدّرر إلى عدم الاحتياج إلى هذه المقدّمـة ، وقال في بيانـه ما ملخّصـه : أنّ المهملـة مردّدة بين المطلق والمقيّد ولا ثا لث ، ولا إشكال في أ نّـه لو كان المراد هو المقيّد تكون الإرادة متعلّقةً بـه بالأصا لة ، وإنّما ينسب إلى الطبيعة با لتبع لمكان الاتّحاد وحينئذ فنقول ظاهر الكلام هو تعلّق الإرادة أوّلاً وبا لذات بنفس الطبيعـة لا أنّ المراد هو المقيّد ، ثمّ اُضيفت الإرادة إلى الطبيعـة لمكان الاتّحاد ، وبعد ثبوت هذا الظهور تسري الإرادة إلى تمام الأفراد ، وهو معنى الإطلاق(1) . انتهى .
أقول: ظهور الكلام في تعلّق الإرادة أوّلاً وبا لذات بنفس الطبيعـة إنّما هو فيما إذا اُحرز كون المتكلّم في مقام البيان ، وإلاّ فلو كان بصدد بيان حكم آخر فيمنع هذا الظهور بحيث يمكن الأخذ بـه والاحتجاج بـه عليـه ; لأنّـه ليس من الظهورات اللفظيّـة ، بل إنّما هو من الدلالات العقليّـة ، فتسليم الظهور مبني على ثبوت هذه المقدّمـة ، كما لايخفى .
وأمّا الدعوى الثانيـة: فعدم الاحتياج إلى المقدّمـة الثانيـة واضح ، ضرورة أنّ مفروض الكلام إنّما هو فيما إذا دار الأمر بين كون المراد هو المطلق أو المقيّد ، وأمّا مع ثبوت القيد في الكلام فهو خارج عن مفروض المقام ; لعدم كون المراد مردّداً حينئذ ، كما هو واضح .
وأمّا المقدّمـة الثا لثـة فهي أيضاً غير محتاج إليها ; لعدم كون ثبوت القدر المتيقّن في مقام التخاطب مضرّاً بالإطلاق أصلاً .
وتوضيحـه: أ نّك عرفت أنّ معنى الإطلاق ليس كون الطبيعـة المأخوذة متعلّقاً للحكم ساريـة في جميع الأفراد وشائعـة بين جميع الوجودات حتّى يكون

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 234.

(الصفحة352)

جريان مقدّمات الحكمـة منتجاً لما يفيده العموم ، بل المراد بـه هو كون نفس الطبيعـة المذكورة في الكلام ممّا يتقوّم بـه تمام المصلحـة ، ولم يكن لبعض القيودات مدخليّـة في ذلك ، وحينئذ فلو كان المتكلّم في مقام بيان تمام ما لَـه دخل في موضوع حكمـه ـ كما هو المفروض في المقدّمـة الاُولى ـ ومع ذلك لم يذكر إلاّ نفس الطبيعـة ـ كما هو المفروض في المقام ـ فإثبات الإطلاق وصحّـة الاحتجاج بـه عليـه لايحتاج إلى أمر آخر ; لأنّـه لو كان مراده هو المقدار المتيقّن ، لكان عليـه تقييد الطبيعـة لإخراج ما عداه ، وليس الأمر دائراً بين الأقلّ والأكثر بمعنى أن يكون تعلّق الحكم با لمقدار المتيقّن معلوماً وبما عداه مشكوكاً ، ضرورة أنّ الحكم في باب الإطلاق والتقييد لايكون متعلّقاً بالأفراد والوجودات ، بل إنّما كان هنا حكم واحد مردّد بين تعلّقـه بنفس الطبيعـة أو بها مقيّدة ، وتعلّق الحكم با لمقيّد ليس معلوماً ، وثبوت القدر المتيقّن لايوجب ذلك .
وكيف كان فا لقدر المتيقّن في مقام التخاطب الراجع إلى كون بعض الأفراد أو الحالات ممّا كان عند المخاطب معلوم الحكم بمجرّد إلقاء الخطاب ، لابعد التأمّل ممّا لايضرّ بالإطلاق بعد كون الأفراد والحالات أجنبيّةً عن تعلّق الحكم بها في باب الإطلاق ، كما لايخفى .
هذا كلّـه بناءً على ما اخترناه في معنى الإطلاق.
وأمّا بناءً على مذاق القوم من جعلـه بمعنى الشياع والسريان ، فقد ذكر في الكفايـة أنّ مع ثبوتـه لا إخلال با لغرض لو كان المتيقّن تمام مراده ، فإنّ الفرض أ نّـه بصدد بيان تمامـه وقد بيّنـه ، لابصدد بيان أ نّـه تمامـه كي أخلّ ببيانـه فافهم(1) .


1 ـ كفايـة الاُصول: 287.

(الصفحة353)

وذكر في الحاشيـة في بيان المشار إليـه بقولـه : فافهم ، ما لفظـه : إشارة إلى أ نّـه لو كان بصدد بيان أ نّـه تمامـه ما أخلّ ببيانـه بعد عدم نصب قرينـة على إرادة تمام الأفراد ، فإنّـه بملاحظتـه يفهم أنّ المتيقّن تمام المراد ، وإلاّ كان عليـه نصب القرينـة على إرادة تمامها ، وإلاّ قد أخلّ بفرضـه .
نعم لايفهم ذلك إذا لم يكن إلاّ بصدد بيان أنّ المتيقّن مراد ولم يكن بصدد بيان أنّ غيره مراد ، أو ليس بمراد قبالاً للإجمال أو الإهمال المطلقين ، فافهم فإنّـه لايخلو من دقّـة(1) . انتهى .
أقول: الظاهر أ نّـه بناءً على هذا القول أيضاً لايكون وجود القدر المتيقّن مضرّاً ، ضرورة أنّ جلّ الطبيعـة مرآة لبعض الأفراد دون البعض الآخر ممّا لايعقل ، فمن ذكرها بنفسها يستكشف أ نّـه لاحظ السريان في جميع الأفراد .
مضافاً إلى أنّ من أوضح مصاديق القدر المتيقّن ورود العامّ أو المطلق في مورد خاصّ مع أ نّـه لايلتزم أحد بكون المورد مخصّصاً أو مقيّداً ، وإ لى أنّ متيقنيّـة بعض الأفراد أمر وكون الحكم مطلقاً بحسب نظر العقل والعقلاء بحيث صحّ الاحتجاج بـه على الحاكم أمر آخر لا ربط لأحدهما بالآخر ، كما هو واضح .
فتلخّص: أنّ قرينـة الحكمـة لا تتوقّف إلاّ على مقدّمـة واحدة ، وهي كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده .

المراد من كون المتكلّم في مقام البيان

ثمّ إنّ المراد بكون المتكلّم في مقام البيان ليس كونـه في مقام بيان مراده الجدّيّ والنفس الأمري ، بل المراد بـه هو كونـه في مقام بيان ما يريده ولو قاعدةً

1 ـ كفايـة الاُصول: 287، الهامش 1.

(الصفحة354)

وقانوناً ، وحينئذ فا لظفر با لمقيّد ولو كان مخا لفاً لايكشف عن عدم كونـه في مقام البيان حتّى ينثلم بـه الإطلاق با لنسبـة إلى القيود المشكوكـة ، وذلك لما عرفت في مبحث العموم والخصوص من أنّ تخصيص العامّ لايوجب تصرّفاً في مدلولـه الاستعما لي ، بل العامّ بعد التخصيص باق على ما كان عليـه قبلـه .
نعم يوجب ذلك تصرّفاً في ا لمراد الجدّي من حيث إنّـه يكشف عن كونـه مقصوراً بما عدا مورد الخاصّ ، وهذا المعنى يجري في هذا المقام أيضاً ، وحينئذ فا لظفر با لمقيّد يكشف عن مجرّد عدم تعلّق الإرادة الجدّيـة با لمطلق حتّى با لنسبـة إلى ذلك القيد ، وذلك لايستلزم عدم ثبوت الإطلاق بملاحظـة القيود الاُخر ، وهذا واضح .
ثمّ إنّ كون المتكلّم من دأبـه ذكر المقيّدات والمخصّصات بعد المطلقات والعمومات لايوجب عدم جوازا لتمسّك بإطلاق كلامـه بعد إحراز كونـه في مقام بيان مراده ; لأنّ غايـة ذلك وجوب ا لفحص عنها ، ومفروض ا لكلام إنّما هوبعده ، كمالايخفى .

تتمّـة: الأصل عند الشكّ في مقام البيان

ثمّ إنّـه لابدّ في قرينـة الحكمـة المتوقّفـة على تلك المقدّمـة من إحرازها ، وكون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده ، وهو قد يحرز با لوجدان ، وقد يحرز بالأصل العقلائي حيث إنّ العقلاء يتمسّكون بإطلاق كلام المتكلّم بمجرّد صدوره منـه فيما لم يحرز الخلاف ، وأ نّـه كان بصدد الإهمال أو الإجمال ، كما يظهر بمراجعـة سيرة أهل المحاورات ، ولايخفى أنّ بناء العقلاء إنّما هو فيما إذا كان المقام مقاماً للبيان نوعاً ، ولكن مع ذلك شكّ في كونـه بصدد البيان أو بصدد غيره مثلاً : مقام الجواب عن السائل عن مسأ لـة كانت مورداً لابتلائـه مقام البيان

(الصفحة355)

بحسب سيرة المتكلّمين ، فلو فرض الشكّ فيـه ; لاحتمال ثبوت جهـة مانعـة عن المشي على الطريق المتداول ، يكون ذلك الشكّ غير معتنى بـه عند العقلاء ، وأمّا إذا لم يكن المقام مقاماً للبيان كذلك ، كما إذا صدر من المتكلّم كلام ابتداءً ودار أمره بين كونـه في مقام بيان هذا الحكم أو حكم آخر ، فلايكون هنا أصل عقلائي حاكم بالأوّل ، كما هو واضح .


(الصفحة356)






الفصل الرابع

في أقسام المطلق والمقيّد وكيفيّة الجمع بينهما

إذا ورد مطلق ومقيّد متنافيان بأن علم وحدة التكليف إمّا من ناحيـة وحدة السبب أو من جهـة القرائن الاُخر ، فإمّا أن يكونا مختلفين في الإثبات والنفي ، وإمّا أن يكونا متوافقين مثبتين أو منفيّين ، وعلى أيّ تقدير فإمّا أن يقعا في كلام واحد أو في كلامين .
فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل: إذا ورد مطلق ومقيّد بدون ذكر السبب

وهو مشتمل على صور :
الصورة الاُولى: ما إذا كانا مختلفين فلا إشكال في لزوم حمل المطلق على المقيّد فيما إذا كان المطلق متعلّقاً للنهي ، والمقيّد متعلّقاً للأمر ، مثل قولـه : لا تعتق رقبـة ، وأعتق رقبـة مؤمنـة ، بناء على أن لا تكون النكرة في سياق النهي مفيدةً للعموم ، كما عرفت أ نّـه الحقّ ، وهذا لا فرق فيـه بين أن يكون النهي المتعلّق با لمطلق تحريميّاً أو تنزيهيّاً ، فإنّ مرجوحيّـة عتق مطلق الرقبـة لا تجتمع مع

(الصفحة357)

وجوب عتق بعض أصنافها ، فلابدّ من التصرّف في المطلق بحملـه على المقيّد .
وأمّا لو كان المطلق متعلّقاً للأمر والمقيّد للنهي ، مثل قولـه : أعتق رقبـة ، ولا تعتق رقبـة كافرة ، فلو كان النهي تحريميّاً ، فلا إشكال أيضاً في وجوب حمل المطلق على المقيّد ، كما أ نّـه لو كان تنزيهيّاً لا إشكال في عدم لزوم حملـه عليـه ; لعدم التنافي بينهما ، كما لايخفى .
وأمّا لو تردّد الأمر بين أن يكون تحريميّاً أو تنزيهيّاً ، فيدور الأمر بين التصرّف في المطلق بحملـه على المقيّد ، وبين أن يكون الترخيص الناشئ من قِبَل الإطلاق قرينةً على كون المراد با لنهي هو التنزيهي منـه ; إذ قد حقّقنا سابقاً أنّ الموضوع لـه في باب النواهي هو الزجر عن المنهي عنـه الذي قد تفيده الإشارة با ليد أو بغيرها ، وهو أعمّ من أن يكون ناشئاً عن الإرادة الحتميـة أو غيرها ، ولزوم تركـه في الموارد الخا ليـة عن القرينـة إنّما هو لحكم العقل بصحّـة الاحتجاج على العبد ، لا لكشفـه عن الإرادة الحتميّـة ، كما هو الشأن في باب الأوامر أيضاً على ما حقّقناه سابقاً ، وحينئذ فيمكن أن يكون الترخيص المستفاد من الإطلاق قرينةً على كون المراد هو النهي التنزيهي .
وكيف كان فالأمر دائر بين الوجهين .
ويحتمل وجـه ثا لث ، وهو أن يقال بتعدّد التكليف واختلاف متعلّقـه بالإطلاق والتقييد .
وهذا الاحتمال مبنيّ على القول بدخول المطلق والمقيّد في محلّ النزاع في باب اجتماع الأمر والنهي ، والقول با لجواز فيـه ، ونحن وإن اخترنا الجواز إلاّ أنّ دخول المقام في محلّ النزاع في ذلك الباب محلّ نظر بل منع ، كما ستجيء الإشارة إليـه .
مضافاً إلى أنّ النزاع هنا في الجمع العرفي بين المطلق والمقيّد ، والنزاع في

(الصفحة358)

تلك المسأ لـة عقليّ ، فحكم العقل بجواز الاجتماع فيها نظراً إلى تغاير المتعلّقين لايجدي با لنسبـة إلى المقام ، كما لايخفى ، فالأمر لايتجاوز عن الوجهين المتقدّمين .
ولايبعد أن يقال: بأنّ التصرّف في المطلق بحملـه على المقيّد أرجح بنظر العرف الذي هو الملاك في المقام ; لأنّـه لاينسبق إلى أذهانهم الجمع با لتصرّف في الحكم في ناحيـة المقيّد ، وحملـه على التنزيهي ، لا لكون ظهوره في النهي التحريمي أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق ، كيف وقد عرفت عدم ظهور النواهي في الزجر الناشئ عن الإرادة الحتميّـة ، بل لأنّ أخذ الإطلاق حيث لايكون مستنداً إلى الظهور الوضعي ، بل الوجـه فيـه مجرّد بنائهم عليـه فيما إذا لم يذكر القيد ، فمع ذكره ولو منفصلاً كأ نّهم يرفعون اليد عن بنائهم ، ويقتصرون في ذلك على ما إذا لم يذكر القيد أصلاً ، كما هو الوجـه في حمل المطلق على المقيّد في المواضع المسلّمـة ، فإنّ التصرّف فيـه ليس لأجل أظهريّـة المقيّد في دخا لـة القيد أو كونـه بياناً لـه ، بل لما عرفت من أنّ بناءهم على الأخذ بالإطلاق إنّما هو فيما إذا لم يذكر القيد أصلاً ; فهو دليل حيث لا دليل ، كما لايخفى .
الصورة الثانيـة: ما إذا كانا متوافقين : فكذلك فيما لو وقعا في كلام واحد ، بل ليس هذا من باب حمل المطلق على المقيّد ; لأنّ مع ذكره متّصلاً لايكون هنا ظهور في الإطلاق ; إذ المقتضى لـه هو تجرّد المعنى المذكور عن القيد ، ومع الإتيان بـه متّصلاً لا مجال لهذا الاقتضاء ، كما هو واضح .
وأمّا لو وقعا في كلامين ، فا لمشهور أيضاً على الحمل والتقييد ; لأنّـه جمع بين الدليلين ، وهو أولى .
وقد اُورد عليـه بإمكان الجمع على وجـه آخر ، مثل حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب(1) .


1 ـ قوانين الاُصول 1: 325 / السطر 6.

(الصفحة359)

وربّما يفصّل ـ كما في الدّرر ـ: بين ما إذا كان إحراز وحدة التكليف من ناحيـة وحدة السبب وبين غيره ، وهو ما إذا كان إحرازها من جهـة القرائن الاُخر بوجوب الحمل والتقييد في مثل الأوّل ، وتحقّق الإجمال في الثاني .
أمّا ثبوت الإجمال في الأخير : فلأنّ الأمر يدور بين حمل الأمر المتعلّق با لمطلق على ظاهره من الوجوب والإطلاق والتصرّف في أمر المقيّد إمّا هيئةً بحملـه على الاستحباب ، وإمّا مادّةً برفع اليد عن ظاهر القيد من دخلـه في الموضوع ، وجعلـه إشارة إلى الفضيلـة الكائنـة في المقيّد ، وبين حمل المطلق على المقيّد ، ولا ترجيح لأحد الوجهين على الآخر .
وأمّا تعيّن التقييد في الأوّل ; لأنّـه لا وجـه للتصرّف في المقيّد بأحد النحوين المذكورين ، فإنّ السبب لو كان علّةً لوجوب المطلق فلايعقل أن يكون علّةً لوجوب المقيّد أو استحبابـه ; لأنّ استناد المتبائنين إلى علّـة واحدة غير معقول(1) .
أقول: لايبعد أن يقال بترجيح التقييد في الفرض الثاني على التصرّف في المقيّد بأحد الوجهين عند العقلاء في أكثر الموارد .
نعم قد يبلغ الإطلاق من القوّة إلى حدّ لايمكن رفع اليد عنـه بمجرّد ظهور الأمر المتعلّق با لمقيّد في الوجوب ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه اختار المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ وجوب الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد مطلقاً من غير فرق بين كون ظهور الأمر في المطلق أقوى في الإطلاق من ظهور الأمر في المقيّد في التقييد أو أضعف .
قال في بيانـه ما ملخّصـه : أنّ الأمر في المقيّد يكون بمنزلـة القرينـة على

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 236 ـ 237.

(الصفحة360)

ما هو المراد من الأمر في المطلق ، والأصل الجاري في ناحيـة القرينـة يكون حاكماً على الأصل الجاري في ناحيـة ذيها .
أمّا كونـه بمنزلـة القرينـة : فلأنّـه وإن لم يتحصّل لنا بعدُ ضابط كلّي في المائز بين القرينـة وذيها إلاّ أنّ ملحقات الكلام من الصفـة والحال والتميز بل المفاعيل تكون غا لباً بل دائماً قرينـة على أركان الكلام من المبتدأ والخبر والفعل والفاعل .
نعم في خصوص المفعول بـه مع الفعل قد يتردّد الأمر بينهما في أنّ أيّاً منهما قرينـة والآخر ذو القرينـة ، كما في قولـه : لا تنقض اليقين با لشكّ ، فإنّـه كما يمكن أن يكون عموم اليقين قرينةً على المراد من النقض الظاهر في تعلّقـه بما لَـه اقتضاء البقاء كذلك يمكن العكس .
ومن هنا وقع الكلام في حجّيـة الاستصحاب في الشكّ في المقتضي .
وأمّا كون الأصل الجاري في القرينـة حاكماً على الأصل الجاري في ذيها من غير ملاحظـة أقوى الظهورين : فلأنّ الشكّ في المراد من ذي القرينـة يكون مسبّباً عن الشكّ فيها ، فإنّ الشكّ في المراد من الأسد في قولـه : رأيت أسداً يرمي ، يكون مسبّباً عن الشكّ في المراد من «يرمي» وظهوره في رمي النبل للانصراف مقدّم على ظهور الأسد في الحيوان المفترس وإن كان با لوضع ; لأنّـه رافع لـه ، فلايبقى للأسد ظهور في معناه الحقيقي حتّى يدلّ بلازمـه على المراد من الرّمي .
وإذ قد عرفت ذلك: ظهر لك أنّ المقيّد يكون بمنزلـة القرينـة با لنسبـة إلى المطلق ; لأنّ القيد نوعاً يكون من ملحقات الكلام ، وقد تقدّم أ نّها تكون قرينةً .
هذا إذا كان القيد متّصلاً ، وأمّا إذا كان منفصلاً ، فتمييز كونـه قرينةً أو معارضاً هو أن يفرض متّصلاً في كلام واحد ، فإن ناقض صدر الكلام ذيلـه ، يكون معارضاً ، وإلاّ قرينـة ، فلا فرق بين المتّصل والمنفصل سوى أنّ الأوّل يوجب عدم
<<التالي الفهرس السابق>>