في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 101)

ا لكُرّيّـة في مادّتـه ، وقد عرفت أ نّـه لا مجا ل لإلغاء ا لخصوصيّـة(1) ، وعلى تقديره فا لمتمسّك ممّن يعتبر ا لكُرّيّـة في مادّة ا لحمّام .

هذا كلّـه حكم معلوم ا لكُرّيّـة .

حكم الشكّ في الكُرّيّة

وأ مّا لو شكّ في مورد أ نّـه كُرّ ، فهل ا لقاعدة تقتضي انفعا لـه وترتيب آثار ا لماء ا لقليل عليـه ، أو طهارتـه وعدم ا لانفعا ل بمجرّد ا لملاقاة وإن لم يترتّب عليـه سائر آثار ا لكُرّ من تطهير ا لماء ا لقليل ا لمتنجّس بـه وغيره ؟ وجهان بل قولان .

قد يقا ل في وجـه ا لقول ا لثاني :

إنّ ا لمستفاد من قولـه (صلى الله عليه وآله وسلم)  : «خلق الله ا لماء طهوراً لاينجّسـه شيء إلاّ ما غيّر لونـه أو طعمـه أو ريحـه»(2)  أنّ مقتضى ا لطبع ا لأوّلي للماء هي ا لطاهريّـة وا لمطهّريّـة ، فما يدلّ على تخصيص ا لحكم بما إذا كان ا لماء قليلاً ، فهو راجع إ لى كون ا لقلّـة مانعـة ، ومع ا لشكّ يبنى على عدمـه(3) .

كما أنّـه قد يقا ل في وجـه ا لقول ا لأوّل :

إنّ ا لمستفاد من قولـه (عليه السلام)  : «ا لماء إذا بلغ قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(4)  أنّ طبيعـة ا لماء تقتضي ا لنجاسـة بعد ا لملاقاة ، وا لبلوغ إ لى ذلك ا لمقدار مانع عنـه ،


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 55 .
2 ـ ا لمعتبر 1 : 41 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 135 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 1 ، ا لحديث 9 .
3 ـ اُنظر مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 164 .
4 ـ وسائل ا لشيعة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ذيل ا لحديث1و2 .

(الصفحة 102)

فإذا شكّ في تحقّقـه فالأصل عدمـه(1) .

وأنت خبير : بأنّ مفاد مجموع ا لروايات ا لواردة في هذا ا لباب بنظر ا لعرف ، هو تنجّس ا لماء ا لقليل با لملاقاة واعتصام ا لماء ا لكثير ; من دون أن يكون واحد منهما مانعاً وا لآخر مقتضياً ، وحينئذ فمع ا لشكّ يجب ا لرجوع إ لى قاعدة ا لطهارة .

مختار الشيخ في المقام

ثمّ إنّ ا لشيخ (قدس سره) بعدما استظهر من ا لأدلّـة : أنّ ا لملاقاة مقتضيـة للانفعا ل وا لكُرّيّـة مانعـة عنـه ، ذهب إ لى أنّ ا للازم ا لرجوع إ لى أصا لـة ا لانفعا ل عند ا لشكّ في ا لكُرّيّـة ـ كمّاً أو كيفاً ـ أو في مصداق أ نّـه كُرّ أم لا ، كما إذا شكّ في كُرّيّـة ماء مشكوك ا لمقدار غير مسبوق با لكُرّيّـة ; أ مّا ا لأوّلان فلأنّ ا لشكّ فيهما في ا لتخصيص ; لعموم ما دلّ على انفعا ل ا لماء ، خرج منـه ا لكُرّ ، مثل قولـه (عليه السلام) ـ في ا لماء ا لذي يدخلـه ا لدجاجـة ا لواطئـة للعذرة ـ : «إنّـه لايجوز ا لتوضّي منـه إلاّ أن يكون كثيراً قدر كُرّ من ا لماء»(2)  وقولـه (عليه السلام) ـ فيما يشرب منـه ا لكلب ـ : «إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منـه»(3)  وحينئذ فمع ا لشكّ في ا لكُرّيّـة ـ من حيث ا لكمّ أو ا لكيف ـ يكون ا لشكّ في تخصيص زائد ، ويجب معـه ا لرجوع إ لى ا لعامّ(4) .


1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 159 و 184 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 122 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 419 / 1326 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 159 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 4 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 226 / 650 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 3 .
4 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 160 .

(الصفحة 103)

وأنت خبير : بأنّ ا لمخصِّص ا لمتّصل إذا كان مجملاً يسري إجما لـه إ لى ا لعامّ ، فلايجوز ا لرجوع إ ليـه ; لأ نّـه لم ينعقد معـه ظهور للعامّ حتّى يكون حجّـة ، إلاّ فيما عارضـه حجّـة أقوى على خلافها ، وا لظهور مع ا لمخصّص ا لمتّصل إنّما ينعقد بعد ا لتخصيص .

وبا لجملـة:في هذه ا لصورة لايجوز ا لرجوع إ لى ا لعامّ ; لأ نّـه من ا لتمسّك با لشبهـة ا لمصداقيّـة ، وتحقيق ا لكلام في محلّـه(1) .

ثمّ إنّـه كما أنّ ا لموضوع في منطوق قولـه (عليه السلام)  : «إذا بلغ ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء» إنّما هو ا لماء ا لبا لغ حدّ ا لكُرّ ، فلايترتّب عليه حكمـه مع عدم إحراز موضوعه ، كذلك ا لموضوع للانفعا ل في ا لمفهوم ، إنّما هو ا لماء ا لموصوف بعـدم بلوغه ذلك ا لحدّ ، فلايترتّب هذا ا لحكم أيضاً مع عـدم إحراز موضوعـه .

وبا لجملـة:فلا مرجّح لإحدى ا لقضيّتين على ا لاُخرى أصلاً ، فلا وجـه لما أفاده من ا لرجوع إ لى أصا لـة ا لانفعا ل .

وأ مّا ما ذكره (قدس سره) من ا لوجوه ا لدالّـة على ا لانفعا ل في القسم ا لأخير ـ وهو ما إذا شكّ في ماء أنّـه كُرّ أم لا ; لاشتباه ا لاُمور ا لخارجيّـة(2) ـ فلايخلو عن نظر ، بل منع ، فراجعها ، وتأ مّل في جوابها .


1 ـ مناهج ا لوصول 2 : 247 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 474 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 160 ـ 161 .

(الصفحة 104)


تطهير الكُرّ المتنجّس

قا ل ا لمحقّق في «ا لشرائع» : «ولايطهر بزوا لـه ـ يعني ا لتغيّر ـ من نفسـه ، ولا بتصفيق ا لرياح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيـه تزيل عنـه ا لتغيّر»(1) .

أدلّة كفاية مجرّد زوال التغيّر

أقول : قد يقا ل هنا بأنّ زوال ا لتغيّر ـ ولو من غير ناحيـة ا لمطهّر ا لمعتصم ـ يكفي في ارتفاع ا لنجاسـة(2) ; لما يستفاد من ا لأخبار ا لكثيرة من كفايـة زوال ا لتغيّر بأيّ وجـه اتّفق :

منها :صحيحـة حريز بن عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «كلّما غلب ا لماء على ريح ا لجيفـة فتوضّأ من ا لماء واشرب ، فإذا تغيّر ا لماء وتغيّر ا لطعم فلاتوضّأ منـه ولاتشرب»(3) .

فإنّ مقتضى ا لروايـة أنّ ا لمناط في جواز ا لوضوء وا لشرب ، هو غلبـة ا لماء على ريح ا لجيفـة ; سواء كانت ا لغلبـة حاصلـة من ا لأوّل ، أو حصلت بعد ا لتغيّر .

وفيـه :أنّ ظاهر ا لروايـة هي غلبـة ا لماء ـ بما هو ماء ـ على ريح ا لجيفـة ، فإذا زال ا لتغيّر من ناحيـة شيء آخر ، لم تحصل غلبـة ا لماء بما هو ماء ، بل


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 5 .
2 ـ ا لجامع للشرائع : 18 ، نهايـة ا لإحكام 1 : 258 ، اُنظر جواهر ا لكلام 1 : 166 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 178 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 216 / 625 ، الاستبصار 1 : 12 / 19 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 137 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 105)

حصلت بواسطـة شيء آخر ، فحكم هذا ا لمورد غير مذكور في ا لروايـة أصلاً ، إلاّ أن يقا ل بثبوت ا لمفهوم لها .

ومنها :موثّقـة سماعـة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : سأ لتـه عن ا لرجل يمرّ با لماء وفيـه دابّـة ميتـة قد أنتنت ؟ قا ل : «إذا كان ا لنتنُ ا لغا لبَ على ا لماء فلاتتوضّأ ولاتشرب»(1) .

فإنّ مفادها : أنّ ا لمناط في عدم جواز ا لوضوء وا لشرب هو كون ا لنتن غا لباً على ا لماء ، وبعد زوال ا لتغيّر لايتحقّق هذا ا لمناط ، فلا وجـه لبقاء ا لنجاسـة .

ويرد عليـه : أ نّـه يحتمل قويّاً أن تكون ا لروايـة واردة في مقام بيان حكم ا لحدوث ، فلا تعرّض فيها لحكم ا لبقاء ـ حينئذ ـ أصلاً .

ومنها :روايـة عبدالله بن سنان ، قا ل : سأل رجل أباعبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر عن غدير أتوه وفيـه جيفـة ؟ فقا ل : «إذا كان ا لماء قاهراً ولاتوجد منـه ا لريح فتوضّأ»(2) .

فإنّ مقتضى إطلاقها عدم ا لفرق بين ما إذا كان ا لماء قاهراً من ا لأوّل ، أو بعد كونـه مقهوراً للنجاسـة .

وفيـه :ما عرفت في ا لجواب عن ا لاستدلال بروايـة حريز ا لمتقدّمـة : من أنّ ظاهر ا لروايـة هو كون ا لماء ـ بوصف كونـه ماءً ـ قاهراً على ريح ا لنجاسـة ، وبعد فرض كونـه مقهوراً حين ا لحدوث ، لايعقل أن يعرض لـه ا لقاهريّـة إلاّ بواسطـة شيء آخر ، ومعـه لايصدق أنّ ا لماء من حيث هو ماء قاهر عليها ،


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 216 / 624 ، الاستبصار 1 : 12 / 18 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 139 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 6 .
2 ـ ا لكافي 3 : 4 / 4 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 141 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 11 .

(الصفحة 106)

فا لروايـة غير متعرّضـة لحكم ا لمقام ; لو لم نقل بكون مدلولها هو بقاء ا لنجاسـة وعدم ارتفاعها .

ومنها :روايـة علاء بن ا لفضيل ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لحياض يُبا ل فيها ؟ قا ل : «لابأس إذا غلب لون ا لماء لون ا لبول»(1) .

فإنّ مفادها : أنّ ا لعلّـة ا لمنحصرة لعدم ا لبأس ، هي غلبـة لون ا لماء على لون ا لبول ، وهي متحقّقـة فيما لو زال ا لتغيّر ولو بنفسـه .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى ضعف ا لسند(2) ـ أنّ ا لظاهر كون ا لروايـة متعرّضـة لحكم ا لحدوث فقط ، ولا دلالـة فيها على حكم ا لبقاء بوجـه .

فظهر : أنّ ا لاستدلال بهذه ا لروايات في غير محلّـه .

نعم يمكن أن يستدلّ لذلك بصحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة(3) ، ا لواردة في ماء ا لبئر ; لأنّ مقتضى قولـه (عليه السلام) «ماء ا لبئر واسع لايُفسده شيء إلاّ أن يتغيّر» أنّ علّـة حدوث ا لفساد وزوال ا لطهارة هو مجرّد عروض وصف ا لتغيّر للماء .

ومقتضى قولـه (عليه السلام)  : «فينزح حتّى يذهب ا لريح ويطيب ا لطعم» أنّ مجرّد


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 415 / 1311 ، الاستبصار 1 : 22 / 53 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 139 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 7 .
2 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن عبدا لجبار ، عن محمّـد بن سنان ، عن ا لعلاء بن فضيل ، وليس في رجا ل ا لسنـد من يتأ مّل فيـه إلاّ محمّد بن سنان.
   رجا ل ا لنجاشي : 328 / 888 ، رجا ل ا لطوسي : 386 / 7 ، ا لفهرست : 143 / 609 .
3 ـ ا لاستبصار 1 : 33 / 87 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 141 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 12 .

(الصفحة 107)

زوال ا لتغيّر يؤثّر في ارتفاع ا لنجاسـة ; إذ ليس للنزح خصوصيّـة ، بل ا لملاك صيرورة ا لماء بحيث ذهب ريحـه وطاب طعمـه .

فا لمستفاد من ا لروايـة ـ صدراً وذيلاً ـ : أنّ ا لتغيّر يدور مداره ا لنجاسـة حدوثاً وبقاءً ، فهي ا لعلّـة ا لتامّـة لحدوث ا لنجاسـة ، وبارتفاعها تزول كما هو ا لشأن في كلّ معلول با لنسبـة إ لى علّتـه .

وأنت خبير : بأ نّـه وإن لم يكن للنزح خصوصيّـة في ارتفاع ا لنجاسـة أصلاً ـ كما عرفت مراراً ـ إلاّ أ نّـه قد ذكرنا سابقاً : أنّ ا لمناط في كون ا لشيء قابلاً للتطهير ، هو بقاؤه بعد ارتفاع ا لنجاسـة وعروض ا لطهارة ; بحيث لو لم يكن دليل على أنّ ا لماء قابل أيضاً للتطهير ، لقلنا بعدم ا لقابليّـة إلاّ بعد ا لاستهلاك ، ا لذي مرجعـه إ لى انتفاء ا لموضوع وزوال ا لحقيقـة ، ولكنّـه بعد قيام ا لدليل على ا لخلاف ، وأنّ ا لماء يكون كا لجامدات ا لمتنجّسـة قابلاً للتطهير ، لايمكن رفع ا ليد عمّا هو ا لمرتكز في أذهان ا لعرف وا لعقلاء ـ في باب ا لتطهير ـ من أنّ تطهير كلّ شيء إنّما هو بوصول ا لماء إ لى أجزائـه ا لنجسـة .

ويؤيّده : أ نّـه لو ورد أنّ ا لمتنجّس با لدم ـ مثلاً ـ يطهر بإيصا ل ا لماء إ ليـه حتّى يزول ، لايمكن أن يقا ل : إنّ ا لملاك في ارتفاع ا لنجاسـة هو زوال ا لدم بأيّ وجـه اتّفق با لماء أو بغيره بل للماء خصوصيّـة في باب ا لتطهير .

وبا لجملـة:معنى ا لروايـة على ما عرفتـه سابقاً ـ أنّ تطهير ا لبئر إنّما يحصل بخروج ا لماء ا لجديد ا لعاصم من ا لمادّة وامتزاجـه با لمياه ا لموجودة في ا لبئر ; إذ ا لظاهر أنّ ا لتعليل ا لوارد فيها ، يرجع إ لى ا لقضيّـة ا لمطويّـة في ا لذيل ، وهي عروض ا لطهارة بعد ذهاب ا لريح وطيب ا لطعم ، ومعـه لايكون ا لوجـه مجرّد زوال ا لتغيّر ، بل زوا لـه بنحو خاصّ وهو امتزاج ا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة مع ا لمياه

(الصفحة 108)

ا لموجودة في ا لبئر ، وقد تقدّم تفصيلـه(1) ، فلانطيل بالإعادة .

هذا ، ولو سُلّم أنّ ماء ا لبئر تزول نجاستـه بمجرّد زوال ا لتغيّر وارتفاعـه بأيّ وجـه اتّفق ، فما ا لدليل على أنّ حكم ا لماء ا لكثير غير ا لبئر أيضاً يكون كذلك ؟ وهل تسريتـه ترجع إ لى غير ا لقياس ا لصرف ، أم لا ترجع إلاّ إ ليـه ، كما هو واضح ؟

وقد يستدلّ(2)  بقولـه (عليه السلام)  : «إذا بلغ ا لماء كُرّاً لم يحمل خَبَثاً»(3) ; لأنّ ظاهره أنّ ا لبلوغ إ لى ذلك ا لحدّ مانع عن حملـه للخبث مطلقاً ، وقد ثبت تقييده بما إذا تغيّر بأحد أوصاف ا لنجاسـة ، وفي غير هذا ا لمورد لم يثبت تقييده ، فيجب ا لاقتصار على ا لمقدار ا لمتيقّن ، وا لمرجع في غيره هو ا لإطلاق .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى أنّ سند ا لروايـة مخدوش ; لما ذكره ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لمعتبر» في مقام ا لاعتراض على ابن إدريس ، ا لمستدلّ بها في مسأ لـة إتمام ا لماء ا لقليل ا لنجس كُرّاً(4) : من أنّ ا لروايـة لم نروها مسندة ، وبعض من رواها فإنّما ذكرها مرسلـة ، وا لمرسَل لايُعمل بـه أصلاً(5)  ـ أنّ دلالتها على ا لمدّعى ممنوعـة ; إذ ا لظاهر أنّ ا لمراد منها ، هو ما يدلّ عليـه قولـه (عليه السلام)  : «إذا كان ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(6)  ولا فرق بين ا لمدلولين أصلاً .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 81 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 126 .
3 ـ عوا لي ا للآلي 1 : 76 / 156 ، و 2 : 16 / 30 ، مستدرك ا لوسائل 1 : 198 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 6 .
4 ـ ا لسرائر 1 : 63 .
5 ـ ا لمعتبر 1 : 52 .
6 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 و 2 .

(الصفحة 109)


حول استصحاب النجاسة الوارد على أصالة الطهارة

ثمّ إنّـه قد يستدلّ لذلك بقاعدة ا لطهارة ، بعد ا لاعتراض على استصحاب ا لنجاسـة ا لوارد على أصا لـة ا لطهارة ، كما حُقّق في محلّـه(1) .

ومحصّل ا لاعتراض : أ نّـه يعتبر في جريان ا لاستصحاب أن تكون ا لقضيّـة ا لمشكوكـة متّحدة مع ا لقضية ا لمتيقّنة ; من حيث ا لموضوع وا لمحمول ، وهنا ليس كذلك ، فإنّ ا لموضوع في ا لقضيـة ا لمتيقّنـة هو ا لماء ا لموصوف با لتغيّر ، فإسراء حكمـه إ لى ا لماء ا لذي زال تغيّره إسراء حكم من موضوع إ لى موضوع آخر(2) .

وأجاب عنـه صاحب ا لمصباح (قدس سره)  : بأنّ ا لمعروض للنجاسـة هو نفس ا لماء ، وا لتغيّر علّـة لعروضها ، وا لشكّ إنّما نشأ من احتما ل أنّ عروض ا لنجاسـة ، كما يكون مسبّباً عن حدوث ا لتغيّر ، كذلك بقاؤها يكون مسبّباً عن بقائـه بحيث تدور مداره ، أو أنّ ا لتغيّر ليس علّـة إلاّ لحدوث ا لنجاسـة ، وبقاؤها مستند إ لى اقتضائها ا لذاتي ، فلايجوز في مثل ا لمقام نقض ا ليقين با لشكّ ; ورفع ا ليد عن ا لنجاسـة ا لمتيقّنـة ا لثابتـة لهذا ا لماء ا لموجود ; بمجرّد احتما ل أن يكون زوال ا لتغيّر مؤثّراً في إزا لتها(3) .

وأنت خبير بأ نّـه لو قلنا : بأنّ ا لموضوع في ا لأدلّـة ا لواردة في ا لحكم با لنجاسـة هو ا لماء ا لموصوف با لتغيّر ; بأن يكون ا لتغيّر مأخوذاً في ا لموضوع ، فلا مانع أيضاً من جريان ا لاستصحاب ; لأنّ مجرى ا لاستصحاب قد يكون هو ا لعنوان


1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 4 : 680 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 2 : 633 ، ا لاستصحاب ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره)  : 241 .
2 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 124 .
3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 125 .

(الصفحة 110)

ا لمأخوذ موضوعاً في لسان ا لدليل ، وقد يكون هو ا لمصداق ا لمنطبق عليـه ذلك ا لعنوان في ا لخارج :

ففي ا لأوّل لا إشكا ل في أنّ جريان الاستصحاب مبنيّ على بقاء ا لموضوع بعنوانـه ، فإذا شكّ ـ مثلاً ـ في أنّ ا لعا لم ا لذي كان واجب ا لإكرام سابقاً ، هل يجب إكرامـه في ا لزمان ا للاحق أم لا ؟ فاستصحاب بقاء ا لوجوب إنّما يُجدي بالإضافـة إ لى خصوص ا لعا لم لا غير ، كما هو واضح .

وفي ا لثاني يجري ا لاستصحاب ولو لم يكن منطبقاً عليه عنوان ا لموضوع في زمان ا لشكّ ، فإذا شكّ ـ مثلاً ـ في أنّ زيداً ا لذي كان عا لماً سابقاً ، وواجباً إكرامه لأجل كونـه عا لماً ، هل يكون واجب ا لإكرام بعد زوال علمـه ، فيجري استصحاب بقاء وجوب ا لإكرام ; لأنّ ا لمفروض أنّ هذا ا لشخص ا لذي كان واجب ا لإكرام ، باق في زمان ا لشكّ من غير تبدّل ولا تغيّر ; وإن كان في هذا ا لزمان لاينطبق عليـه عنوان ا لعا لم ا لمأخوذ في ا لدليل ; لأ نّا لانريد إجراء ا لدليل وإسراءه إ لى زمان ا لشكّ حتّى يقا ل : إنّ شمولـه مبنيّ على صدق موضوعه ، وا لمفروض عدمه ، كيف ولوشمله ا لدليل لايبقى مجا ل للاستصحاب أصلاً ، كما هو ا لمحقّق في ا لاُصول(1) .

بل ا لمقصود أنّ هذا ا لفرد ا لخارجي ـ ا لذي كان منطبقاً عليـه عنوان ا لموضوع سابقاً ـ باق في زمان ا لشكّ من دون تبدّل ، فإبقاء ا لحكم ا لسابق عليـه ليس من قبيل إسراء حكم موضوع إ لى موضوع آخر .

شبهة الميرزا الشيرازي الكبير في الاستصحاب

ومن هنا يظهر ا لجواب عن ا لشبهـة ا لتي أوقعها بعض ا لأعاظم(قدس سره) (2) وهي :


1 ـ درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 2 : 617 ، الاستصحاب ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره)  : 230 .
2 ـ حكاها عن ا لميرزا ا لكبير ا لشيرازي بعض مقرري بحث ا لإمام ا لخميني(قدس سره) حيث قال : وكان بعض ا لأعاظم(قدس سره) ـ ا لميرزا ا لكبير ـ يسأل من بعض ا لطلبـة عن مورد الاستصحاب فإنّ ا لأحكام ا لشرعيّـة متعلّقـة با لموضوعات ا لعرفيّـة ، فإن كان ا لموضوع باقياً عرفاً كفى ا لدليل ا لأوّل في ثبوت ا لحكم عليـه ، ولا يفتقر إ لى الاستصحاب ، وإلاّ فلايصحّ الاستصحاب أيضاً ، لاشتراط بقاء ا لموضوع فيـه عرفاً .
   تنقيح ا لاُصول (تقريرات ا لإمام ا لخميني(قدس سره) ) الاشتهاردي 4 : 19 .

(الصفحة 111)

أ نّـه لا إشكا ل بينهم في أنّ ا للازم ا لرجوع إ لى ا لعرف في مقام بيان ا لمراد من ا لموضوعات ا لواردة في ا لأدلّـة ا لشرعيّـة ، كما أ نّـه لا إشكا ل أيضاً في أنّ بقاء ا لموضوع ا لمعتبر في جريان ا لاستصحاب ، إنّما هو ا لبقاء بنظر ا لعرف ، فحينئذ يرد عليهم : أ نّـه لو كان ا لموضوع باقياً فلا مجا ل لجريان ا لاستصحاب ; لأنّ ا لمفروض بقاؤه ، فيشملـه ا لدليل ا لاجتهادي ولو لم يكن ا لموضوع باقياً ، فلايجري ا لاستصحاب أيضاً لعدم اتّحاد ا لقضيّتين حينئذ .

وا لجواب : أ نّـه خلط بين موضوع ا لاستصحاب وموضوع ا لأدلّـة ، فإنّـه وإن كان ا لمرجع في كليهما هو ا لعرف ، إلاّ أ نّـه قد يكون موضوع ا لاستصحاب بنظره متحقّقاً وباقياً دون موضوع ا لدليل ، ففيما نحن فيـه نقول : إنّـه وإن كان ا لموضوع في ا لدليل بنظر ا لعرف هو ا لماء ا لمتغيّر ، وبعد زوال ا لتغيّر لايكون موضوع هذا ا لحكم باقياً بنظر ا لعرف قطعاً ، إلاّ أ نّـه حيث بلغ ذلك ا لحكم إ لى مرتبـة ا لخارج ، وانطبق على بعض ا لأفراد ، فلايشكّ ا لعرف في بقاء ذلك ا لفرد بحا لـه وإن زال عنـه وصف ا لتغيّر . وتحقيق ا لكلام وتفصيلـه موكول إ لى ا لاُصول(1) .

ثمّ إنّ كلام ا لمحقّق ا لهمداني(قدس سره) (2)  في مقام ا لجواب عن ا لإشكا ل على


1 ـ الاستصحاب ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره)  : 213 ـ 221 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 125 .

(الصفحة 112)

ا لاستصحاب ، لايخلو عن تناقض وتهافت ، فإنّ ا لظاهر من أوّل كلامـه ـ كما عرفت ـ أنّ ا لشكّ هنا في اقتضاء ا لنجاسـة بقاءها حتّى بعد زوال ا لتغيّر أو عدم اقتضائها إلاّ ا لبقاء ما دام ا لتغيّر ، وهذا ا لكلام ـ مضافاً إ لى ظهوره في أنّ ا لشكّ هنا في ا لمقتضي ، وا لتحقيق عنده عدم جريان ا لاستصحاب فيـه(1) ، تبعاً للشيخ ا لمحقّق ا لعلاّمـة ا لأنصاري(قدس سره) (2) ـ مناقض لما صرّح بـه في آخر كلامـه من أنّ ا لشكّ في ا لمقام في رافعيّـة ا لكُرّ للنجاسـة ا لثابتـة وعدم رافعيّتـه ، فجعل ا لمقام من باب ا لشكّ في ا لرافع ; إذ لايختصّ بما إذا شكّ في وجود ا لرافع ، بل يشمل ا لشكّ في رافعيّـة ا لموجود ، كما هو واضح .

تقدير الكُرّ

قا ل ا لمحقّق في «ا لشرائع» : «وا لكُرّ ألف ومائتا رطل با لعراقي على ا لأظهر ، أو ما كان كلّ واحد من طولـه وعرضـه وعمقـه ثلاثـة أشبار ونصفاً»(3) .

حول تقدير الكُرّ بحسب الوزن

أقول : أ مّا تقديره با لوزن فتدلّ عليـه روايتان :

إحداهما : مرسلـة ابن أبي عُمير(4)  ا لتي تلقّاها ا لأصحاب با لقبول ، وهي تدلّ على أنّ ا لكُرّ ألف ومائتا رطل .


1 ـ حاشيـة ا لرسائل ، ا لمحقّق ا لهمداني : 76 ـ 77 .
2 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 561 .
3 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 5 .
4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 41 / 113 ، الاستبصار 1 : 10 / 15 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 167 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 11 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 113)

وثانيتهما : صحيحـة محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «وا لكُرّ ستّمائـة رطل»(1) .

ولايخفى أ نّهما بظاهرهما متنافيان .

وتحقيق ا لحقّ في بيان رفع ا لتنافي : أ نّـه لا إشكا ل في أنّ لكلّ من مكّـة وا لمدينـة وا لعراق رطْلاً يختصّ بـه ، ولا إشكا ل أيضاً في أنّ ا لرطل ا لمكّي ضعف ا لرطل ا لعراقي ، كما أنّ ا لرطل ا لمدني ثُلُثا ا لرطل ا لمكّي وزائداً على رطل ا لعراقي با لنصف ، وحينئذ فا لجمع بين ا لروايتين ـ بحمل ا لمرسلـة على ا لرطل ا لعراقي وا لصحيحـة على ا لرطل ا لمكّي ـ متوقّف على كون ا لرطل ا لعراقي وا لمكّي عياراً متعارفاً لأهل ا لمدينـة ، ا لتي وردت أكثر ا لروايات فيها ، وإثبات هذا ا لمعنى لايحتاج إ لى تكلّف ، بعد وضوح أنّ ا لمدينـة كانت مورداً لاختلاف ا لناس وا لمسلمين ، خصوصاً من كان منهم يقول بإمامـة ا لصادقين (عليهما السلام) ا للذين ورد أكثر ا لروايات ا لفقهيّـة عنهما ، ففي كلّ سنـة يسافر جمع كثير من ا لعراق لأداء فريضـة ا لحجّ ، ولامحا لـة كانوا يدخلون ا لمدينـة ويستأنسون مع أهلها ، ولهذا صار رطلهم شائعاً فيها ، وهكذا أهل مكـة ، مضافاً إ لى قلّـة ا لبعد وا لفصل بينهما ، ا لموجبـة لقرب ما هو شائع في ا لمدينـة بما هو شائع فيها .

وبا لجملة : فلاينبغي ا لارتياب في أنّ ا لرطل ا لعراقي وكذا ا لمكّي شائعان في ا لمدينة ، بل ربما يستفاد من حديث ا لكلبي ا لنسّابـة : أنّ إطلاق ا لرطل كان منصرفاً إ لى ا لرطل ا لعراقي ; حيث إنّه بعد حكم ا لإمام (عليه السلام)  ، وبيانـه مقدار ا لرطل في مورد ا لرواية ، سأل عنه وقا ل : بأيّ ا لأرطا ل ؟ قا ل : «بأرطا ل ا لمكيا ل ا لعراقي»(2) ، فإنّ


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 414 / 1308 ، الاستبصار 1 : 11 / 17 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 168 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 11 ، ا لحديث 3 .
2 ـ ا لكافي 1 : 283 / 6 ، و 6 : 416 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 203 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 2 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 114)

ظاهره اعتماد ا لإمام (عليه السلام) على ا لإطلاق مع كون مراده واقعاً هو ا لرطل ا لعراقي ، وليس ذلك إلاّ لشيوعه في ا لمدينة ، كشيوع ا لرطل ا لمدني بل أولى ، كما لايخفى .

وحينئذ لايبقى ريب في أنّ ا لمراد با لرطل ا لوارد في ا لمرسلـة هو ا لرطل ا لعراقي ، وبا لرطل ا لوارد في ا لصحيحة هوا لمكّي ، فا لكُرّ ألف ومائتارطل با لعراقي ، وستّمائـة رطل با لمكّي ، وتسعمائـة رطل با لمدني ، هذا كلّـه في ا لتقدير با لوزن .

تقدير الكرّ بحسب المساحة

وأ مّا تقديره بالأشبار فا لمسأ لـة خلافيّـة ، ومقتضى ا لنصوص متفاوت جدّاً ، بل كلّ نصّ يدلّ على غير ما هو مدلول ا لآخر ـ كما سيجيء نقلها ـ فا لمشهور(1)  بينهم ـ بل ربّما يُحكى دعوى ا لإجماع عليـه(2) ـ أنّ ا لكُرّ هو ما كان كلّ واحد من طولـه وعرضـه وعمقـه ثلاثـة أشبار ونصفاً ، فيكون مجموع ا لمساحـة اثنين وأربعين شبراً وسبعـة أثمان شبر .

وقيل : هو ما كان كلّ واحد من أبعاده ا لثلاثـة ثلاثـة أشبار ، فيكون مجموع ا لتكسير سبعـة وعشرين شبراً(3) . ورُبّما يُنسب هذا ا لقول إ لى ا لقمّيين(4) .

وقيل : ما بلغ تكسيره إ لى مائـة شبر ، وهو ا لمنقول عن ابن ا لجنيد(5) .


1 ـ اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 71 / ا لسطر 6 ، جواهر ا لكلام 1 : 172 ـ 173 .
2 ـ غنيـة ا لنزوع 1 : 46 ، اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 71 / ا لسطر 9 ، جواهر ا لكلام 1 : 173 .
3 ـ ا لمقنع : 31 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 21 ، ا لروضـة ا لبهيّـة 1 : 257 ، مجمع ا لفائدة وا لبرهان 1 : 259 ـ 260 .
4 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 49 ، ا لحبل ا لمتين : 108 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 261 .
5 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 21 ، مدارك ا لأحكام 1 : 52 .

(الصفحة 115)

وقيل : ما بلغ ستّـة وثلاثين شبراً(1) .

وعن قطب ا لراوندي : أ نّـه ما بلغ أبعاده إ لى عشرة ونصف ، ولم يعتبر ا لتكسير(2) .

الروايات الواردة في المقام

وا لمهمّ في ا لمقام نقل ا لروايات ا لواردة فيـه ، وبيان مدلولها ، ووجـه ا لجمع بينها ، فنقول :

منها :صحيحـة إسماعيل بن جابر قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : ا لماء ا لذي لاينجّسـه شيء ، قا ل : «ذراعان عمقـه في ذراع وشبر وِسْعـه ـ سعتـه ـ»(3) .

وا لمراد با لسعـة هي كلّ واحد من ا لطول وا لعرض ، وا لدليل عليـه ـ مضافاً إ لى أنّ ا لمفهوم منها عند ا لعرف هو هذا ا لمعنى ـ ذكره في مقابل ا لعمق فقط ، وكسره ـ بناءً عليه ـ يبلغ إ لى ستّ وثلاثين شبْراً ; لأنّ ا لذراع عبارة عن مقدار شبرين .

ومنها :ا لمرسلـة ا لتي ذكرها ا لصدوق في «ا لمجا لس» ، قا ل : «رُوي أنّ ا لكُرّ هو ما يكون ثلاثـة أشبار طولاً في ثلاثـة أشبار عرضاً في ثلاثـة أشبار عمقاً(4) ، وكسره يبلغ سبعاً وعشرين شبراً» .

ومنها :ا لمرسلـة ا لتي ذكرها ا لصدوق أيضاً في كتاب «ا لمقنع» ، قا ل : «رُوي


1 ـ ا لمعتبر 1 : 45 ـ 46 ، مدارك ا لأحكام 1 : 51 ، اُنظر جواهر ا لكلام 1 : 172 و 176 .
2 ـ اُنظر مختلف ا لشيعة 1 : 22 ، مفتاح ا لكرامة 1 : 71 / ا لسطر26 ، جواهر ا لكلام 1 : 173 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 41 / 114 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 164 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 10 ، ا لحديث 1 .
4 ـ أما لي ا لصدوق : 514 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 165 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 10 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 116)

أنّ ا لكُرّ ذراعان وشبر في ذراعين وشبر(1) ، وكسره يبلغ باعتبار خمساً وعشرين شبراً ، وباعتبار آخر خمساً وعشرين شبراً بعد ا لمائـة» .

ومنها :ما رواه ا لكليني عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لكُرّ من ا لماء كم يكون قدره ؟ قا ل : «إذا كان ا لماء ثلاثـة أشبار ونصف في مثلـه ثلاثـة أشبار ونصف في عمقـه في ا لأرض ، فذلك ا لكُرّ من ا لماء»(2) .

ومستند ا لمشهور هي هذه ا لروايـة(3) ، وربما يورد على سنده : بأنّ أحمد بن محمّد هو أحمد بن محمّد بن يحيى ، وهو ضعيف أو مجهول(4) . وفيـه : أنّ ا لظاهر أنّ أحمد بن محمّد عند ا لإطلاق ، يكون ا لمراد بـه هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، وهو ثقـة ، مضافاً إ لى أنّ ابن يحيى أيضاً ثقـة ، كما أنّ ا لمراد بأبي بصير هو ليث ا لمرادي ; بقرينـة روايـة ابن مسكان عنـه ، مع أنّ هذه ا لكُنيـة للثلاثـة ا لذين هم كلّهم ثقات على ما هو ا لحقّ . هذا ما يتعلّق بسند ا لروايـة .

وأ مّا ما يتعلّق بدلالتها فنقول : إمّا أن يكون قولـه : «ثلاثـة أشبار ونصف» بعد قولـه : «في مثلـه» منصوباً ، فيكون خبراً بعد ا لخبر لقولـه : «إذا كان ا لماء» ، وحينئذ فا لروايـة متعرّضـة لمقدار كلّ واحد من ا لأبعاد ا لثلاثـة : ا لطول وا لعرض وا لعمق ; أ مّا ا لأوّل فواضح ، وأ مّا ا لثاني فلدلالـة قولـه : «في مثلـه» عليـه ، وأ مّا


1 ـ ا لمقنع : 31 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 165 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 10 ، ا لحديث 3 .
2 ـ ا لكافي 3 : 3 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 42 / 116 ، الاستبصار 1 : 10 / 14 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 166 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 10 ، ا لحديث 6 .
3 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 49 ، جواهر ا لكلام 1 : 173 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 140 .
4 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 49 ، اُنظر جواهر ا لكلام 1 : 173 .

(الصفحة 117)

ا لثا لث فلدلالـة ما بعد هذا ا لقول عليـه .

وإمّا أن يكون مجروراً ـ بناءً على أن يكون بياناً لقولـه : «في مثلـه» ـ فتكون ا لروايـة متضمّنـة ـ حينئذ ـ لحكم ا لعمق وا لطول فقط ، وحينئذ وإن كان يُستفاد منها مقدار ا لعرض أيضاً ، إلاّ أ نّـه لا دليل على اختصاص ا لروايـة بما إذا لم يكن ا لماء ـ باعتبار ظرفـه ـ على نحو ا لدائرة ، غايـة ا لأمر أ نّـه لا دليل على إخراج مثل هذه ا لصورة ، مع وضوح ا لتفاوت بينهما جدّاً .

ثمّ لايخفى أنّ قولـه (عليه السلام)  : «ثلاثـة أشبار ونصف» في أوّل ا لروايـة وإن كان في أكثر ا لنسخ مكتوباً با لجرّ ، إلاّ أنّ ا لظاهر أن يكون منصوباً لكونـه خبراً لـ «كان» ، كما هو كذلك في «ا لوافي»(1) .

ومنها :روايـة إسماعيل بن جابر ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لماء ا لذي لاينجّسـه شيء ؟ فقا ل : «كُرّ» . قلت : وما ا لكُرّ ؟ قا ل : «ثلاثـة أشبار في ثلاثـة أشبار»(2) .

ومنها :روايـة حسن بن صا لح ا لثوري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «إذا كان ا لماء في ا لرَّكيّ كُرّاً لم ينجّسـه شيء» . قلت : وكم ا لكُرّ ؟ قا ل : «ثلاثـة أشبار ونصف عمقها في ثلاثـة أشبار ونصف عرضها»(3) .

وا لركِيّ جمع ا لركِيّـة ، وهي ا لبئر .

وهذه ا لروايـة ـ باعتبار أنّ موردها هي ا لرّكيّـة ، ومن ا لمعلوم أ نّها على نحو


1 ـ ا لوافي 6 : 36 / 12 .
2 ـ ا لكافي 3 : 3 / 7 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 159 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب9 ، ا لحديث 7 .
3 ـ ا لكافي 3 : 2 / 4 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 160 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب9 ، ا لحديث 8 .

(الصفحة 118)

ا لدائرة ـ تخا لف ما عليـه ا لمشهور ، لاسيّما بعد ذكر ا لعرض فقط في مقابل ا لعمق .

ولو سُلّم ا لتعميم ـ باعتبار أنّ ا لسؤال إنّما وقع عن مقدار ا لكُرّ مطلقاً ; من دون تقييد با لماء ا لموجود في ا لرّكي ـ فلا محا لـة لايكون ا لمورد خارجاً عن ذلك ا لحكم ا لعامّ ، كما هو واضح ، إلاّ أنّ سند ا لروايـة لاتخلو عن ضعف باعتبار ا لحسن بن صا لح(1) .

وا لرواية ا لتي قبل هذه ا لرواية وإن كانت ظاهرة ـ بل صريحـة ـ في ثلاثـة أشبار ـ لا أزيد ـ إلاّ أ نّها أيضاً لاتخلو عن ضعف من حيث ا لسند ; لأ نّـه قد رواها في «ا لكافي» عن ابن سنان ، عن إسماعيل بن جابر(2) ، ورواها ا لشيخ تارة عن عبدالله بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر(3) ، واُخرى عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر(4) ، ومن ا لمعلوم أ نّها روايـة واحدة ، وحينئذ فيتردّد ا لأمر بين أن يكون ا لراوي عن إسماعيل بن جابر ، هو عبدالله بن سنان ا لذي هو موثّق بلا إشكا ل(5) ، وبين أن يكون ا لراوي عنه هو محمّد بن سنان ، ا لمطعون في أكثر كتب ا لرجا ل(6) ، ولم يقل أحد بوثاقتـه إلاّ ا لمفيد (قدس سره) في بعض كلماتـه(7) ، وظنّي أ نّـه نصّ على قدحـه في ا لبعض ا لآخر من كلماتـه(8) .


1 ـ ا لحسن بن صا لح مجهول ذكره ا لشيخ ا لطوسي في أصحاب ا لكاظم (عليه السلام)  .
   رجا ل ا لطوسي : 348 / 19 .
2 ـ ا لكافي 3 : 3 / 7 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 41 / 115 .
4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 37 / 101 .
5 ـ رجا ل ا لنجاشي : 214 / 558 ، ا لفهرست : 101 / 423 ، مجمع ا لرجا ل 4 : 2 .
6 ـ رجا ل ا لنجاشي : 328 / 888 ، ا لفهرست : 143 / 609 ، رجا ل ا لطوسي : 386 / 7 .
7 ـ ا لإرشاد 2 : 248 .
8 ـ رسا لـة ا لردّ على أهل ا لعدد وا لرؤيـة ، ضمن مصنّفات ا لشيخ ا لمفيد 9 : 20 ، اُنظر تنقيح ا لمقا ل 3 : 124 ـ 125 .

(الصفحة 119)

وبا لجملـة : فا لظاهر أ نّـه ضعيف ، ومع هذا ا لترديد لاتكون ا لروايـة مشمولـة لأدلّـة حجّيـة خبر ا لواحد ، ا لتي يرجع جميعها إ لى بناء ا لعقلاء على ا لعمل بقول ا لثقـة ، وترتيب آثار ا لصدق عليـه ، كما قد حُقّق في موضعـه(1) .

وإطلاق «ابن سنان» وإن كان منصرفاً إ لى عبدالله بن سنان ، إلاّ أنّ ا لظاهر أنّ حذف كلمـة «محمّد» إنّما وقع من ا لناسخين ، ويؤيّده كون ا لراوي عنـه هو ا لبرقي ، ا لذي يكون أقرب إ لى محمّد بن سنان ، بل مراجعـة ا لأسانيد وا لتتبّع فيها ، تقضي بأنّ ا لبرقي لايروي عن عبدالله بن سنان ، ولا هو عن إسماعيل بن جابر .

وبا لجملـة : فا لروايـة غير قابلـة للاعتماد عليها ، فلم يبقَ في ا لباب إلاّ صحيحـة إسماعيل بن جابر ا لمتقدّمـة ا لتي هي أصحّ ما في ا لباب ـ وا لمرسلتان ا لمتقدّمتان ، وحا ل ا لأخيرتين واضح ، وا لصحيحـة قد خرجت عن ا لحجّيّـة باعتبار إعراض ا لمشهور عنها ، فا لكُرّ بناءً على ا لتقدير بالأشبار ـ هو ما يبلغ كسره تقريباً إ لى ثلاث وأربعين شبراً بلا إشكا ل .

الجمع بين الروايات الواردة

وا لمهمّ في ا لمقام رفع ا لتنافي بين ا لروايات ا لدالّـة على تقدير الكُرّ بالأشبار ، وبين ما يدلّ على تقديره با لوزن ; من حيث إنّ تقديره با لوزن يكون في ا لغا لب ـ بل دائماً ـ أقلّ من ثلاث وأربعين شبراً ، كما حُكي عن ا لأمين الأسترآبادي أ نّـه قدّر ماء ا لمدينـة با لوزن ا لمعيّن في ا لكُرّ ، فلم يبلغ إلاّ ستّاً وثلاثين شبراً(2) ،


1 ـ أنوار ا لهدايـة 1 : 313 ، تهذيب ا لاُصول 2 : 133 .
2 ـ اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 1 : 276 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 190 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 146 .

(الصفحة 120)

وحكي عن وا لد ا لعلاّمـة ا لمجلسي(قدس سرهما) أقلّ من ذلك(1) ، وعن بعض أفاضل ا لمتأخّرين أقلّ منهما(2) .

وتحقيق ا لمقام أن يقال : إنّـه لا إشكا ل في أنّ أضبط ا لتقديرات هو ا لتقدير با لوزن ; إذ ليس ا لوزن قابلاً لطروّ ا لزيادة وا لنقصان عليـه أصلاً ، وهذا بخلاف غيره ، وحينئذ فنقول :

ظاهر ا لروايات ا لواردة في تقدير ا لكُرّ با لوزن(3) ، أنّ حدّ ا لكُرّ بحسب ا لواقع هو هذا ا لمقدار ا لذي لايقبل ا لزيادة وا لنقيصـة ، وا لروايات ا لدالّـة على ا لتقدير بالأشبار ، وإن كان ظاهرها أيضاً أنّ حدّ ا لكُرّ هو هذا ا لمقدار ، إلاّ أنّ من ا لواجب صرفها عن هذا ا لظهور باعتبار تفاوت ا لأشبار جدّاً ، ولايختص ا لتفاوت بالأشخاص غير ا لمتعارفـة من حيث ا لشبر ، بل ا لأفراد ا لمتعارفـة ا لمتوسّطـة يكون ا لتفاوت بين أشبارهم ثابتاً بلا ريب ، وهذا ا لتفاوت وإن كان قليلاً في شبر واحد ، إلاّ أ نّـه بالإضافـة إ لى ثلاث وأربعين شبراً ربما يبلغ أشباراً متعدّدة ، كما هو واضح ، وحينئذ يعلم أنّ بناء هذا ا لتقدير ، كان على ا لمسامحـة وا لتسهيل بالإضافـة إ لى ا لمكلّفين من حيث تعذّر ا لوزن أو تعسّره غا لباً ، ومع ذلك فقد جعل هذا ا لتقدير أمارة على ا لمقدار ا لواقعي للكُرّ ; بمعنى أنّ ا لتقدير بالأشبار يبلغ إ لى ذلك ا لمقدار ا لواقعي في جميع ا لأوقات ، بل يكون أزيد منـه غا لباً ، فبناء ا لتقدير بالأشبار وإن كان على ا لتسهيل ، إلاّ أ نّـه مع ذلك قد رُوعي فيـه ا لاحتياط


1 ـ مرآة ا لعقول 13: 15، كتاب ا لأربعين ، المجلسي : 490، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 158 .
2 ـ اُنظر مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 158 .
3 ـ ا لكافي 3 : 3 / 6 ، ا لمقنع : 31 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 41 / 113 ، و43 / 119 ، و414 / 1308 ، ا لاستبصار 1 : 10 / 15 ، و 11 / 16 و 17 ، ا لمعتبر 1 : 47 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 167 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 11 .

<<التالي الفهرس السابق>>