في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 121)

بالإضافـة إ لى ا لمقدار ا لواقعي للكُرّ ، وهذا ا لاحتياط إنّما هو للتحفّظ على ا لواقع وا لوصول إ ليـه دائماً ، نظير ا لاحتياط في أطراف ا لعلم ا لإجما لي ، وليس من باب الاحتياط في ا لحكم ـ ا لذي لايمكن وقوعـه من ا لإمام (عليه السلام)  ، فالأخبار ا لواردة في ا لمقام لاتكون متعارضـة بعد ا لتأ مّل أصلاً ، بل ما يدلّ على ا لتقدير بالأشبار ، إنّما هو ناظر إ لى ا لتقدير با لوزن ، ا لذي هو ا لأصل وا لأساس في باب ا لتقادير .

هذا مضافاً إ لى أنّ من ا لواضح كون ا لحكم كلّيّاً ، مترتّباً على جميع ا لمياه ا لموجودة في ا لعا لم ، فيمكن أن يبلغ ا لماء ـ في ا لخفّـة ـ إ لى حدّ يكون تقديره با لوزن با لغاً إ لى تكسير ا لأشبار ا لمعيّنـة في ا لكرّ ; إذ ليست ا لمياه متساويـة من حيث ا لوزن ، بل يختلف وزنها حسب اختلافها في ا لخفّـة .

ثمّ إنّـه يمكن أن يجمع بهذا ا لنحو بين ا لروايات ا لكثيرة ا لمتعارضـة ، ا لواردة في خصوص ا لتقدير بالأشبار ; بأن يقا ل : إنّ ا لحكم با لتقدير بالأقلّ من ا لمقدار ا لمشهور ، يمكن أن يكون لأجل خصوصيّـة في ا لمياه ـ ا لتي كانت مورداً لابتلاء ا لسائل بها ـ يبلغ إ لى ا لمقدار ا لواقعي للكُرّ ولو بأقلّ من ا لمقدار ا لمشهور ، إلاّ أ نّـه لايخفى عدم جريان هذا ا لوجـه بالإضافـة إ لى ما يدلّ على ا لتقدير بأكثر من ا لمقدار ا لذي يقول بـه ا لمشهور ; إذ قد عرفت أنّ ا لتقدير بالأشبار أمارة على ا لمقدار ا لواقعي للكُرّ ، بل في غا لب ا لأوقات يزيد عليـه .

(الصفحة 123)


ماء البئر

حول نجاسة ماء البئر وعدمها

ا لمعروف عند قدماء ا لأصحاب ـ رضوان الله تعا لى عليهم ـ هو نجاسـة ماء ا لبئر بمجرّد ا لملاقاة(1)  وإن لم يتغيّر ، كما أنّ ا لمعروف ا لمشهور عند ا لمتأخّرين ـ بل ا لمجمع عليـه بينهم ـ هو ا لقول با لطهارة وعدم ا لتنجّس با لملاقاة مع ا لنجس(2) ، وعمدة أدلّتهم ا لأخبار ا لكثيرة ا لدالّـة ـ با لصراحـة أو الظهور ـ على عدم النجاسـة ، وحيث إنّها كثيرة ، ودلالـة أكثرها صريحـة ، ومن خلل ا لحديث أكثرها خا ليـة ، فلا حاجـة إ لى نقلها .

إنّما ا لمهمّ بيان ا لروايات ا لتي استُدلّ بها على ا لنجاسـة ; ليظهر حا لها من حيث ا لدلالـة على مطلوبهم أوّلاً ، ومن حيث صلاحيّتها للمعارضـة على تقدير تماميّـة دلالتها ثانياً ، فنقول :


1 ـ ا لمقنعـة : 64 ، ا لانتصار : 11 ، ا لمبسوط 1 : 11 ، غنيـة ا لنزوع 1 : 47 ، ا لسرائر 1 : 69 ، اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 78 / ا لسطر 12 .
2 ـ نهايـة ا لإحكام 1 : 235 ، إيضاح ا لفوائد 1 : 17 ، مدارك ا لأحكام 1 : 55 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 351 ، مستند ا لشيعـة 1 : 67 ـ 68 ، جواهر ا لكلام 1 : 193 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 204 ـ 206 .

(الصفحة 124)

منها :صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قا ل : كتبت إ لى رجل أسأ لـه : أن يسأل أبا ا لحسن ا لرضا (عليه السلام) عن ا لبئر تكون في ا لمنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شيء من عذرة كا لبعرة ونحوها ، ما ا لذي يطهّرها حتّى يحلّ ا لوضوء منها للصلاة ، فوقّع (عليه السلام) بخطّـه في كتابي : «يُنزح دلاءٌ منها»(1) .

وتقريب ا لاستدلال بها من وجهين :

أحدهما : أ نّـه لا إشكا ل في أنّ ا لأمر با لنزح ووجوبـه ليس وجوباً تعبّديّاً ، بل وجوبـه شرطي ، وا لأمر بـه إنّما هو لتحصل ا لطهارة للبئر بسببـه ، كما هو واضح .

ثانيهما : إقراره (عليه السلام) ا لسائل على قولـه : «ما ا لذي يطهّره» ا لظاهر في نجاسـة ا لبئر بمجرّد وقوع قطرة أو قطرات من ا لبول أو ا لدم فيها ، وا لإمام (عليه السلام) لم ينكر عليـه ذلك ، بل أقرّه عليـه .

ويرد عليـه : أوّلاً : أنّ نزح ا لدلاء من غير تعيين مقداره قرينـة على كون ا لحكم حكماً استحبابيّاً ; إذ لايتناسب ذلك مع ا لوجوب أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .

وثانياً : أ نّـه يستفاد من تعداد ا لسائل ا لبعرة ـ ا لظاهرة في فضلات ا لبهائم ـ في عداد ا لأعيان ا لنجسـة : أنّ ا لمراد من قولـه : «ما ا لذي يطهّره» ، هو ا لطهارة بمعنى ا لنظافـة ، لا ا لطاهرة في مقابل ا لنجاسـة ، ومنشأ ا لسؤال احتما لـه أن يكون في ا لشرع طريق لرفع هذه ا لمرتبـة ا لقليلـة من ا لقذارة ، فا لسؤال إنّما وقع عنـه ، لا عن ا لمطهّر بمعنى ا لمزيل للنجاسـة ، ا لعارضـة بسبب وقوع قطرة من ا لبول أو


1 ـ ا لكافي 3 : 5 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 176 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب14 ، ا لحديث 21 .

(الصفحة 125)

ا لدم أو غيرهما ، كما لايخفى .

وثا لثاً : ـ وهو ا لعُمدة ـ أنّ هذه ا لروايـة هي بعينها ما رواه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قا ل : كتبتُ إ لى رجل أسأ لـه : أن يسأل أبا ا لحسن ا لرضا (عليه السلام)  ، فقا ل : «ماء ا لبئر واسع لايفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحـه أو طعمـه ، فينزح منـه حتّى يذهب ا لريح ويطيب طعمـه ; لأنّ لـه مادّة»(1) .

فإنّ ا لظاهر ـ خصوصاً مع اتّحاد ا لعبارة ومع حذف ا لمسؤول عنـه في ا لأخيرة ـ اتّحاد ا لروايتين ; بمعنى كونهما مكاتبـة واحدة ، وا لمستفاد من ا لجواب في ا لأخيرة ، أنّ ا لسؤال إنّما وقع عن نجاسـة ا لبئر وطهارتـه .

وبا لجملـة : ففي ا لمكاتبـة إنّما سُئل ا لإمام (عليه السلام) عن شيئين ، وا لسؤال في إحداهما وإن كان غير مذكور ، إلاّ أ نّـه مضافاً إ لى دلالـة ا لجواب عليـه ، لا ارتباط لـه با لمقام ، فإنّ ا لجمع بين ا لجوابين ـ ا للذين أحدهما صريح في عدم نجاسـة ا لبئر ، وا لآخر دالّ على نزح دلاء ـ يقتضي كون ا لنزح مستحبّاً ، كما هو غير خفيّ ، وحينئذ فا لروايـة من جملـة ما يدلّ على ا لطهارة لا ا لنجاسـة .

ومنها :روايـة عبدالله بن أبي يعفور ، وعنبسـة بن مصعب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «إذا أتيت ا لبئر وأنت جنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف بـه ، فتيمّم با لصعيد ، فإنّ ربّ ا لماء ربّ ا لصعيد ، ولا تقع في ا لبئر ، ولاتفسد على ا لقوم ماءهم»(2) .


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 234 / 676 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 172 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 7 .
2 ـ ا لكافي 3 : 65 / 9 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 149 / 426 ، و : 185 / 535 ، الاستبصار 1 : 127 / 435 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 177 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 22 .

(الصفحة 126)

وتقريب ا لاستدلال بها : أنّ ا لمراد بالإفساد هو ا لتنجيس ، كما في صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة ، فمدلولها ا لنهي عن وقوع ا لجنب في ا لبئر ; لاقتضائـه نجاسـة ا لبئر ، وماؤه مورد لاحتياج ا لناس .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى أنّ ا لجُنُب لايكون دائماً نجساً ، بل كثيراً ما يكون بدنـه طاهراً ، وحينئذ فترك ا لاستفصا ل دليل على أنّ ا لمراد بالإفساد ، ليس هو ا لتنجيس ـ أنّ ظاهر ا لروايـة دوران ا لأمر بين ا لوقوع في ا لبئر وا لغسل بمائـه وا لصلاة معـه ، وبين عدم ا لوقوع وا لتيمّم وا لصلاة معـه ; لئلاّ يلزم إفساد ا لماء على ا لقوم ، مع أ نّـه لو انفعل ا لبئر بمجرّد ا لوقوع فيـه ، لامتنع ا لغسل بمائـه ; لعدم صحّـة ا لغسل با لماء ا لنجس ، وعلى فرض ا لاغتسا ل يلزم ـ مضافاً إ لى بطلانـه ـ تنجّس تمام بدنـه حتّى مواضع ا لتيمّم ، فيبطل ا لتيمّم أيضاً .

وبعبارة اُخرى : مفاد ا لروايـة أنّ ا لمنع عن ا لوقوع في ا لبئر ، ليس إلاّ لأجل أنّ ا لوقوع مستلزم لإفساد ا لماء على ا لقوم ; بمعنى أ نّـه لو لم يكن ا لوقوع مستلزماً لذلك ، لكان ا لواجب ا لغسل بماء ا لبئر ، مع أ نّـه لو قيل بنجاسـة ا لبئر ، لكان ا لحكم ا لتيمّم ; لما ذُكر : من عدم صحّـة ا لغسل ا لمستلزم لعدم صحّـة ا لتيمّم أيضاً .

وحينئذ ينقدح : أنّ ا لمراد من ا لإفساد ليس هو ا لتنجيس ، وهذا بخلاف ا لصحيحـة ا لمتقدّمـة ، فإنّـه يدلّ عليـه ـ مضافاً إ لى أنّ ا لحكم بالإفساد أو بعدمـه ; بناءً على أن لايكون ا لمراد با لفساد ا لنجاسـة ، لايناسب شأن ا لإمام (عليه السلام)  ، فإنّ شأنـه بيان ا لأحكام ا لشرعيّـة ، لا ا لموضوعات ا لخارجيّـة وا لاُمور ا لعاديّـة ـ أنّ استثناء ا لتغيّر وا لأمر با لنزح ، من ا لقرائن ا لواضحـة على أنّ ا لمراد بعدم ا لإفساد عدم ا لتنجيس .

ومنها :حسنـة زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير ، قا لوا : قلنا لـه : بئر يُتوضّأ منها يجري ا لبول قريباً منها أينجّسها ؟ قا ل : فقا ل : «إن كانت ا لبئر في أعلى

(الصفحة 127)

ا لوادي ، وا لوادي يجري فيـه ا لبول من تحتها ، فكان بينهما قدر ثلاث أذرع أو أربعـة أذرع لم ينجّس ذلك شيء ، وإن كان أقلّ من ذلك نجّسها . قا ل : وإن كان ا لبئر في أسفل ا لوادي ، ويمرّ ا لماء عليها ، وكان بين ا لبئر وبينـه تسعـة أذرع ، لم ينجّسها ، وما كان أقلّ من ذلك فلايتوضّأ منـه» . قا ل زرارة : فقلت لـه : فإن كان مجرى ا لبول يلصقها ، وكان لايثبت على ا لأرض ؟ فقا ل : «ما لم يكن قرار فليس بـه بأس ، وإن استقرّ منـه قليل ، فإنّـه لايثبت على ا لأرض ، ولا قعر لـه حتّى يبلغ ا لبئر ، وليس على ا لبئر منـه بأس ، فيتوضّأ منـه ; إنّما ذلك إذا استنقع كلّـه»(1) .

أقول : يحتمل أن يكون ا لمراد من ا لسؤال : أنّ مجرّد جريان ا لبول قريباً من ا لبئر يوجب تنجيسها ; بمعنى أ نّـه كما أنّ ا لوصول وا لملاقاة موجب لذلك ، هل يكون ا لتقارب أيضاً مؤثّراً في ا لانفعا ل ؟

ويحتمل أن يكون ا لمراد منـه : أنّ جريان ا لبول في قرب ا لبئر ، هل يوجب ا لتعدّي وا لسرايـة إ لى ا لبئر ، فيؤثّر في انفعا لها ؟

ويحتمل أن يكون ا لمراد منـه : أنّ جريان ا لبول قريباً من ا لبئر ، هل هو أمارة شرعيّـة على نجاستها أم لا ؟

وا لاحتمالات كلّها بعيدة :

أ مّا ا لأوّل : فلأ نّـه من ا لبعيد أن يكون مجرّد قرب ا لشيء من ا لنجاسـة ، مورداً لتوهّم سرايتها إ ليـه وتنجيسـه ، خصوصاً من مثل هؤلاء ا لثلاثـة ا لذين هم من عظماء ا لرواة وفقهاء ا لمحدّثين .

وأ مّا ا لثاني : فلأنّ شأن ا لرواة ووظيفتهم في مقام ا لسؤال من ا لإمام (عليه السلام)  ، إنّما هو ا لسؤال عمّا يرتبط بيانـه بشأنـه (عليه السلام)  ، لا ا لسؤال عن ا لموضوعات


1 ـ ا لكافي 3 : 7 / 2 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 410 / 1293 ، الاستبصار 1 : 46 / 128 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 197 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 24 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 128)

ا لخارجيّـة وا لاُمور ا لعاديّـة ، فا لسؤال عن سرايـة ا لبول وعدمها لايناسب شأن ا لراوي ، خصوصاً إذا كان من أمثا ل هؤلاء .

وأ مّا ا لثا لث : ـ فمضافاً إ لى كونـه خلاف ظاهر ا لسؤال ، فإنّ ظاهره أنّ جريان ا لبول هل يؤثّر في نجاسـة ا لبئر ; إمّا لكون مجرّد ا لتقارب كذلك أو للسرايـة ، لا أ نّـه أمارة على نجاستها واقعاً ـ أنّ مضمونها ـ بناءً على هذا ا لاحتما ل ـ ممّا لم يقل بـه أحد حتّى ا لقائلون بنجاسـة ا لبئر ، فهل يرضى أحد ـ ولو منهم ـ با لقول بأ نّـه إذا كانت ا لبئر في أعلى ا لوادي ، وا لوادي يجري فيـه ا لبول من تحتها ، وكان بينهما أقلّ من ثلاثـة أذرع ، يكون ذلك أمارة شرعيّـة على نجاسـة ا لبئر ، مضافاً إ لى أنّ في ذيل ا لروايـة قرائن تدلّ على نفي هذا ا لاحتما ل ، فتأ مّل جيّداً .

فظهر من جميع ذلك : أنّ ا لاحتمالات ا لثلاثـة كلّها بعيدة ، ولايمكن حمل ا لروايـة على شيء منها .

وا لذي يقوى في ا لنظر في معنى ا لروايـة أن يقا ل : إنّ غرض ا لسائلين ومنشأ سؤا لهم ، إنّما هو احتما ل أن يكون قرب مجرى ا لبول إ لى ا لبئر موجباً لقذارة قليلـة وكراهـة ضعيفـة ، فكما أنّ مقاربـة شيء مطبوع مشتاق إ ليـه للقذارات ا لصوريّـة ا لعرفيّـة ، يصير موجباً للاستقذار وا لتنفّر منـه ; بحيث ربما يزول ا لاشتياق إ ليـه با لكلّيّـة ، وكذلك كان هذا ا لمعنى موجباً لقياس ا لشرعيّات إ لى ا لعرفيّات ، وباعثاً على سؤا لهم عن ذلك .

وبا لجملـة : فا لمراد با لنجاسـة ليس ما يقابل ا لطهارة ، بل ا لمراد منها هو تحقّق ا لقذارة ا لضعيفـة في موارد ثبوتها .

وحينئذ فا لروايـة غير قابلـة للاستناد إ ليها على ا لنجاسـة .

هذه هي عمدة ا لروايات ا لتي تمسّكوا بها للقول با لنجاسـة .

(الصفحة 129)

وهنا بعض ا لروايات ا لاُخر(1) ; ممّا لايخلو عن قصور من حيث ا لسند أو ا لدلالـة ، فراجع .

التمسّك للنجاسة بالأخبار الواردة في النزح

ثمّ إ نّـه قد يتمسّك(2)  للقول با لنجاسـة بالأخبار ا لكثيرة ا لواردة في ا لنزح(3) ، فإنّ حملها على ا لوجوب ا لتعبّدي ـ مضافاً إ لى كونـه بعيداً في نفسـه ـ مناف لما ورد في بعضها من ا لتعبير با لتطهير با لنزح .

ولايخفى أنّ ا لظاهر كون ا لنزح مستحبّاً ، وا لدليل عليـه اختلاف تلك ا لروايات في مقداره في مورد واحد(4) ، بل ا لترديد في روايـة واحدة بين ا لأقلّ وا لأكثر(5) ، مضافاً إ لى ا لقرائن ا لموجودة في بعضها ، كا لحكم بصحّـة ا لوضوء ا لواقع قبل ا لنزح ، وعدم وجوب غسل ا لثوب ا لمغسول بـه قبلـه(6) .

وبا لجملـة : لايكاد يمكن ا لقول با لوجوب مع شدّة ا لاختلاف ا لواقع بينها ، ا لتي لامجا ل معها إلاّ للحمل على مراتب ا لاستحباب .


1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 182 و 185 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 17 ، ا لحديث 2 و 11 ، راجع ا لحدائق ا لناضرة 1 : 357 ـ 358 ، جواهر ا لكلام 1 : 192 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 199 .
2 ـ ا لحدائق ا لناضرة 1 : 358 .
3 ـ وسائل ا لشيعة 1 : 179 ـ 197 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 15  ـ 23 .
4 ـ وسائل ا لشيعة 1 : 179 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 و 3 .
5 ـ وسائل ا لشيعة 1 : 183 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 17 ، ا لحديث 3 و 4 .
6 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 173 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 9 و12 و13 .

(الصفحة 130)

ثمّ لايذهب عليك أنّ ادّعاء ا لشهرة على ا لنجاسـة بين ا لقدماء ـ بل ا لإجماع ـ ربما يكون منشؤه ذلك ، فإنّهم حيث ذكروا أخبار ا لنزح في كتبهم ، وأفتوا بمضمونها ، فقد يتوهّم من ذلك : أنّ مرادهم نجاسـة ا لبئر ، ووجوب ا لنزح لأجل حصول ا لطهارة ، مع أ نّـه لم يثبت ذلك ، فإنّـه ـ مضافاً إ لى أ نّـه يظهر من بعضهم : أنّ وجوب ا لنزح لايكون وجوباً شرطيّاً ، بل تعبديّاً(1)  لا دلالـة فيـه على ا لنجاسـة بوجـه ـ ينفي ذلك أنّ بعضهم قد ذكر أخبار ا لطهارة أيضاً ، مثل ا لصدوق (قدس سره) في كتابي «ا لمقنع» و«ا لهدايـة» ; حيث إنّـه قد ذكر ـ في ضمن مقادير ا لنزح ـ ما يدلّ على طهارة ا لثوب ا لمغسول بماء ا لبئر وصحّـة ا لوضوء وا لصلاة ، بعد ا لعلم بوقوع ا لميتـة فيها(2) ، وذكر في ا لثانيـة ايضاً ما يدلّ على أنّ ا لبئر واسع لايفسده شيء(3) .

وبا لجملـة : فلم يثبت إجماعهم على ا لنجاسـة أصلاً . ولو سُلّم ثبوت ا لإجماع فهو لايدلّ على طرحهم للأخبار ا لدالّـة على الطهارة ، بل لم يكن ذلك إلاّ عن اجتهادهم وترجيحهم للأخبار ا لدالّـة على النجاسـة ، والدليل عليـه : أ نّهم ربما التجؤوا إ لى تأويلها وحملها على خلاف ظاهرها لأرجحيّـة ا لمعارض بنظرهم .

وبا لجملـة : فالإجماع ـ على تقدير تحقّقـه ـ منشؤه ا لاجتهاد ، فلايكشف عن قول ا لمعصوم إلاّ بناءً على بعض ا لوجوه ا لمذكورة في حجّيّتـه ، وقد حُقّق بطلانـه في ا لاُصول(4) .


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 232 ، منتهى ا لمطلب 1 : 12 / ا لسطر9 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 207 .
2 ـ ا لمقنع : 33 .
3 ـ ا لهدايـة ، ضمن ا لجوامع ا لفقهيّـة : 48 / ا لسطر 17 .
4 ـ أنوار ا لهدايـة 1 : 257 ـ 259 ، تهذيب ا لاُصول 2 : 99 .

(الصفحة 131)


وجوه الجمع بين الأخبار المتعارضة في المقام

ثمّ إنّـه قد يجمع بين ا لطائفتين من ا لأخبار ا لمتعارضـة ; بحمل ا لطائفـة ا لاُولى ـ ا لدالّـة على الطهارة ـ على ما إذا كان ماء البئر با لغاً حدّ الكرّ ، وحمل الطائفـة الثانيـة على ما إذا لم يبلغ ذلك ا لحدّ(1) .

وفيـه :أنّ صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة ، قد علّل فيها ا لطهارة بكون ا لبئر لـه مادّة ، فهي صريحـة في أنّ ا لمانع عن انفعا ل ا لبئر ، إنّما هو كونه كذلك ، لا كونه كُرّاً ، فلايمكن حملها على ما إذا كان ا لماء با لغاً إ لى هذا ا لحدّ .

ثمّ إنّـه قد يقال : بأنّ ا لطائفـة ا لاُولى منصرفـة إ لى ما إذا كان ا لماء با لغاً حدّ ا لكُرّ ; لكون ماء ا لآبار غا لباً كذلك ، فلا تنافي بينها وبين ا لأدلّـة ا لدالّـة على انفعا ل ا لماء إذا كان قليلاً(2) .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى أنّ دعوى ا لانصراف لاتختصّ بخصوص ا لطائفـة ا لاُولى ، بل تجري في ا لطائفـة ا لثانيـة أيضاً ـ أ نّـه لا تعارض بين ا لطائفـة ا لاُولى وبين أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل ، بعد ما عرفت من أنّ عُمدة هذه ا لأدلّـة هي مفهوم قولـه (عليه السلام)  : «إذا بلغ ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(3)  وأنّ ا لقضيّـة ا لشرطيّـة لاتدلّ على ا لحصر أصلاً ، فمفادها ليس إلاّ أنّ ا لكُرّيّـة موجبـة لعدم ا لانفعا ل ،


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 176 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 205 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 175 .
3 ـ ا لفقيه 1 : 8 / 12 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 39 / 107 ، و 226 / 651 ، الاستبصار 1 : 6 /1 ، و 20 / 45 ، عوا لي ا للآلي 2 : 16 / 31 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 132)

فلاينافي ما يدلّ على عدم نجاسـة ا لماء لكونـه ذا مادّة ، كما هو واضح(1) .


1 ـ قد استدلّ سيّدنا ا لعلاّمـة ا لاُستاذ ا لطباطبائي ا لبروجردي (قدس سره) وحشره مع أجداده ا لطاهرين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ على طهارة ماء ا لبئر وعدم نجاستـه بمجرّد ا لملاقاة ، مضافاً إ لى ا لروايات وسائر ا لأدلّـة ا لمعروفـة بين ا لمعاصرين ، ا لدالّـة على الطهارة بحيث لايمكن ا لخدشـة فيها ، ولذا صار موجباً لانقلاب شهرة ا لنجاسـة إ لى شهرة ا لطهارة من زمن محمّد ابن محمّد ا لجهم ـ اُستاذ ا لعلاّمـة وتلميذ ا لمحقّق ا لذي قا ل في حقّـه وحقّ تلميذه ا لآخر أب ا لعلاّمـة ، ا لخواجةُ نصيرُ ا لدين ا لطوسي (قدس سره) ا لقدّوسي ، ا لذي حضر محفل ا لمحقّق ذات يوم : إنّهما أعلم من اجتمع عنده بالاُصولين : اُصول ا لاعتقاد واُصول ا لفقـه ـ وتبعـه ا لعلاّمـة في ذلك ، واستقرّ عليـه رأي من بعده .
   وكيف كان ، فقد استدلّ ا لاُستاذ ـ مضافاً إ لى ما ذكر ـ بأ نّـه لا إشكا ل في أنّ فتوى ا لمعصوم  (عليه السلام) في ماء ا لبئر : إمّا ا لنجاسـة مطلقاً ، وإمّا ا لطهارة كذلك ; من دون فصل بين ا لكُرّ وا لقليل ; وذلك لعدم ذهاب أحد من علمائنا ا لإماميّـة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ إ لى ا لتفصيل ، عدا بعض من لايعرف ولايُعتنى بقولـه ، فا لحكم ا لواقعي ـ حينئذ ـ إمّا ا لنجاسـة مطلقاً ، وإمّا ا لطهارة كذلك ، وحينئذ بعد ورود روايات كثيرة على اعتصام ا لكُرّ وعدم انفعا له ، لابدّ من ملاحظـة أنّ ماء ا لبئر إذا كان كُرّاً ، هل يكون مشمولاً لتلك ا لروايات أم لا ؟
   لا مجا ل لدعوى عدم ا لشمول ; لأنّ خصوصيّـة ا لبئر عبارة عن ا لاشتما ل على ا لمادّة ووقوع ا لماء في قعر ا لأرض ، ومن ا لمعلوم أنّ وقوع ا لماء في قعر ا لأرض لايوجب تبدّل حكم ا لكُرّ ، ولا وجـه لدعوى انصراف ا لروايات إ لى ا لماء ا لواقع في سطح ا لأرض ; لوضوح كون ا لمناط هي ا لكثرة بذلك ا لمقدار فقط ، ولا دخا لـة للظرف وا لمكان فيـه أصلاً .
   وأ مّا ا لاشتما ل على ا لمادّة ، فلو لم يكن موجباً لإسراء حكم ا لكرّ إ لى ا لقليل منـه لأجل اشتما لـه عليها ، لايصير موجباً لانفعا ل ا لكُرّ من ا لبئر ضرورة .
   فإذا ثبت طهارة ماء ا لبئر إذا كان كُراً بمقتضى ا لروايات ا لواردة في ا لكُرّ تظهر طهارتـه إذا كان قليلاً أيضاً ; وذلك لعدم ا لفصل كما عرفت .
   نعم مقتضى ا لنصوص وا لفتاوى ا لنجاسـة مع ا لتغيّر ، وا لظاهر حصول ا لطهارة بمجرّد زوال ا لتغيّر ـ كما يظهر من طائفـة من ا لروايات ـ ولا حاجـة إ لى نزح ا لجميع ، كما ربما يدّعى ; نظراً إ لى بعض ما لا دلالـة لـه على ذلك ، فراجع . [المقرر دام ظلّه].

(الصفحة 133)


في حكم الماء النجس

عدم جواز استعمال الماء النجس

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «فإذا حكم بنجاسـة ا لماء ، لم يجز استعما لـه في ا لطهارة ولا في ا لأكل ولا في ا لشرب ، إلاّ عند ا لضرورة»(1) .

أقول : عدم جواز ا لانتفاع با لماء ا لنجس واستعما لـه في ا لطهارة وا لأكل وا لشرب من ضروريّات ا لفقـه ، وا لأخبار ا لكثيرة وا لفتاوى ا لمتظافرة تدلّ عليـه .

وبا لجملـة : لا إشكا ل ولا خلاف في أصل ا لحكم .

إنّما ا لإشكا ل : في أ نّـه هل يكون استعما لـه في ا لطهارة حراماً ذاتيّاً ، أو تشريعيّاً ، أو لايترتّب عليـه إلاّ مجرّد عدم حصول ا لطهارة بـه ؟

قد يقا ل بالأوّل(2) ; لأ نّـه قد وقع ا لنهي عنـه في ا لروايات على نحو ا لنهي عن استعما له في ا لأكل وا لشرب ، ا لذي هو حرام ذاتيّ بلاإشكا ل ، كما في صحيحة حريز ا لمتقدّمة(3) ، ا لدالّة على أ نّه إذا تغيّرالماء وتغيّرالطعم فلاتتوضّأ منه


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 7 .
2 ـ اُنظرروض ا لجنان : 155/ ا لسطر18 ، جامع ا لمقاصد 1 : 149 ، مدارك ا لأحكام 1 : 106 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 104 .

(الصفحة 134)

ولاتشرب ، فإنّ اتّحاد ا لسياق يقتضي كون ا لنهي عن ا لوضوء ، نظير ا لنهي عن ا لشرب ، فكما أنّ شربـه حرام ذاتاً فكذلك ا لتوضّي بـه واستعما لـه في ا لطهارة .

وأنت خبير : بأنّ ا لقول بكون ا لوضوء با لماء ا لنجس لايترتّب عليـه أزيد من ا لفساد ، لايستلزم أن يكون صيغـة ا لنهي مستعملـة في ا لمعنيين ، بل ا لنهي قد استعمل في معنىً واحد ، وهو عدم كون ا لمنهيّ عنـه ماضياً في ا لشريعـة ، غايـة ا لأمر أنّ عدم ا لمضيّ في ا لوضوء ، إنّما هو بمعنى عدم ترتّب ا لأثر ا لمقصود منـه عليـه ، وفي ا لشرب ـ بعد عدم إمكان حملـه على هذا ا لمعنى ـ إنّما يساوق ا لحرمـة ، فالاختلاف إنّما هو بين ا لمتعلَّقين ، لا بين نفس ا لحكمين أصلاً .

وأ مّا ا لحرمـة ا لتشريعيّـة فلايفهم ا لمراد منها ، فإنّـه إن كان ا لمراد با لتشريع : إدخا ل ما ليس من ا لدين فيـه ، وترويجـه بين ا لناس ، وإ لقاؤه عليهم ، مع إظهار أ نّـه من ا لدين وإن لم يكن معتقداً بـه ، فهذا هو ا لذي يسمّى با لبدعـة ، وهي من ا لمحرّمات ا لذاتيّـة ، كشرب ا لخمر وسائر ا لمحرّمات .

وإن كان ا لمـراد هـو ا لبناء على أنّ العمل ا لفلاني مشروع في ا لشريعة ، مـع أنّـه لايكـون ا لأمـر كـذلك ولايكـون هـو معتقـداً بكـونه كـذلك واقـعاً كا لبناء على أنّ صـلاة الظهـر هـي ثـلاث ركـعات مثلاً ، فكيف يعـقل هـذا ا لبناء مـع علمه بكونها أربع ركعات ؟ !

وبا لجـملـة : فالإتيـان بصـلاة ا لظهـر ثـلاث ركـعات ـ مثلاً ـ مـع ا لبناء على أ نّها مجـعولـة بهـذا ا لمـقـدار ، لايكـون مرجـعـه إلاّ إ لى ا لإتيان بصـورة ا لصـلاة ; لأنّ ا لمفـروض علمـه بخـلاف ذلك ، فالآتـي بها بهـذا ا لنحو لايكـون آتياً با لصلاة أصلاً .

وبا لجملـة : لم يظهر لنا معنىً معقول للتشريع ; بحيث يمكن صدوره من ا لعقلاء ولو أحياناً ، فتدبّر .

(الصفحة 135)


حكم شرب الصغار للماء النجس

ثمّ إنّه هل يجوز أن يستعمل ا لماء ا لنجس في شرب ا لصغار وا لأطفال أم لا ؟

ولتوضيح ا لمسأ لـة لابدّ من بيان أنحاء ا لتكا ليف ا لتحريميّـة .

فنقول : قد يفهم ـ ولو من طريق ا لعقل ـ أنّ ا لمطلوب هو عدم تحقّق ا لمنهيّ عنه في ا لخارج بأيّ وجـه اتّفق ، كقتل ا لنبيّ وا لمؤمن ـ مثلاً ـ فإنّ مطلوب ا لشارع : هو عدم تحقّقـه ولو خطأً با لسقوط من شاهق ونحوه .

وفي هذا ا لقسم : كما أ نّـه لايجوز أن يباشره ا لمكلّف ا لبا لغ ، كذلك لايجوز حملـه غير ا لبا لغ على ذلك ، بل يجب منعـه وصرفـه عن هذا ا لعمل لو كان بصدده ، لا من باب ا لنهي عن ا لمنكر ووجوبـه على ا لمكلّف ; لعدم كونـه منكراً با لنسبـة إ لى ا لفاعل غير ا لبا لغ ، ولذا لم يتوجّـه إ ليـه ا لتكليف وا لنهي ، بل من باب أهمّيـة ا لقضيّـة واهتمام ا لشارع بها .

وقد يعلم أنّ ا لمقصود عدم تحقّق ا لعمل ا لفلاني في ا لخارج عن قصد واختيار ، كإهانـة ا لمؤمن ونحوها ، فإنّ مقصود ا لشارع عدم تحقّق ا لإهانـة بالإضافـة إ لى ا لمؤمن لاحترامـه عنـده ، غايـة ا لأمـر أنّ تحقّقها متوقّف على ا لقصد إ ليها .

وفي هذا ا لقسم أيضاً : كما أ نّـه لاتجوز ا لمباشرة بنفسـه ، كذلك لايجوز ا لتسبيب أيضاً ، بل ربما يجب منع غير ا لبا لغ وصرفـه عن ذلك ، كا لصورة ا لمتقدّمـة .

وقد يعلم أنّ ا لمقصود مجرّد عدم تحقّق ا لمنهيّ عنـه في ا لخارج بالإضافـة إ لى خصوص آحاد ا لمكلّفين مع بقائهم على صفـة ا لتكليف واتّصافهم بها ، كأكثر ا لمحرّمات ا لشرعيّـة ، كشرب ا لخمر وترك ا لصلاة ، فإنّـه لايجب منع من يشرب

(الصفحة 136)

ا لخمر بزعم أ نّـه ماء وإفهامـه أ نّـه خمر ، وكذلك لايجب إعلام من نسي ا لإتيان با لصلاة ، وفي هذا ا لقسم لو تحقّق ا لارتكاب من ا لمكلّف عن قصد واختيار ، لكان وجوب منعـه وصرفـه من باب وجوب ا لنهي عن ا لمنكر ، كما هو واضح .

وقد لايعلم أنّ ا لمقصود هل هو مجرّد عدم تحقّق ا لمنهيّ عنـه من ا لبا لغ ، أو أنّ ا لغرض عدم تحقّقـه مطلقاً ولو من ا لصغير غير ا لبا لغ حدّ ا لتكليف ؟ وما نحن فيـه من هذا ا لقبيل ، فإنّـه لم يعلم أنّ ا لمقصود هو مجرّد عدم استعما ل ا لمكلّف ا لماء ا لنجس مع ا لتوجّـه وا لالتفات وا لقصد وا لاختيار ، أو ا لأعمّ منـه ومن ا لصغير ، وا لأدلّـة قاصرة عن إفادة ا لتعميم .

نعم ورد في موضوع ا لخمر أخبار كثيرة ، تدلّ على أ نّـه لو أشرب ا لصغير غير ا لبا لغ ا لخمر ، فيذاق من ا لماء ا لحميم بمقداره ، وأنّ هذا لن يُغفر لـه أبداً(1) .

ولكن لايجوز إ لغاء ا لخصوصيّـة منـه بالإضافـة إ لى جميع ا لمحرّمات وا لنجاسات ، فيحتمل قويّاً أن يكون للخمر ـ باعتبار أهميّتـه عند ا لشارع ـ مدخليّـة من غير جهـة نجاستـه في هذا ا لأثر ا لذي رُتّب عليـه في تلك ا لأخبار .

وبا لجملـة:فلم يثبت ا لنهي عن استعما ل ا لماء ا لنجس في شرب ا لأطفا ل في صورة عدم ا لإضرار بهم ، ومعـه فا لتحريم مسلَّم لا إشكا ل فيـه .

وجه القول بعدم الجواز

ثمّ إنّـه قد يقا ل بعدم ا لجواز(2) ، نظراً إ لى أنّ ا لأوامر وكذا ا لنواهي ، لها ظهورات مترتّبـة طوليّـة ، وأدلّـة حجّيّـة ا لظواهر تشمل كلّ واحد منها في عرض


1 ـ وسائل ا لشيعـة 25 : 307 ، كتاب ا لأطعمـة وا لأشربـة ، أبواب ا لأشربـة ا لمحرّمـة ، ا لباب10 ، ا لحديث 1 و 2 و 3 .
2 ـ اُنظر مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 216 .

(الصفحة 137)

واحد ، وإن كانت تلك ا لظهورات في مقام ا لتحقّق والانعقاد مترتّباً بعضها على ا لبعض ا لآخر ، إلاّ أ نّـه لا ترجيح بينها با لنسبـة إ لى أدلّـة حجّيّـة ا لظواهر .

أ مّا ا لأوامر فظهورها ا لأوّلي إنّما هو في وجوب ا لإتيان با لمأمور بـه ، وظهورها ا لثانوي في كون متعلّقها محبوباً للمولى ، وظاهرة ثا لثاً في كونـه ذا مصلحـة ملزمـة ، وكذا ا لنواهي لها ظهور في حرمـة ا لإتيان بمتعلّقها ، وفي كونـه مبغوضاً للمولى ، وفي كونـه ذا مفسدة ملزمـة .

وحينئذ فإذا قام ا لدليل على عدم حجّيّـة ا لظهور ا لأوّلي بالإضافـة إ لى ا لصغير غير ا لبا لغ حدّ ا لتكليف ، كقولـه عليـه ا لصلاة وا لسلام : «رُفع ا لقلم عن ا لصبيّ»(1)  ونظائره ، فيبقى ا لظهوران ا لأخيران على حا لهما من ا لحجّيّـة ; إذ قد عرفت أنّ حجّيّـة ا لظهور ا لثاني ، لاتكون مترتّبـة على حجّيّـة ا لظهور ا لأوّلي ; وإن كان فى مقام ا لانعقاد متأخّراً عنـه وواقعاً في طولـه ، لا في عرضـه ، وكذا ا لظهور ا لثا لث .

ونظير ذلك ما ذكره بعض ا لمحقّقين في باب ا لأمارات : من أنّ دليل حجّيّتها يشمل لوازم مدلولاتها في عرض ا لملزومات ، لا في طولها حتّى يلزم من عدم حجّيّتها في بعض ا لموارد عدم حجّيّـة ا للوازم أيضاً(2) .

وقد انقدح من ذلك : أنّ حرمـة استعما ل ا لماء ا لنجس في ا لأكل وا لشرب وإن كانت مرفوعـة عن ا لصبي ، إلاّ أنّ مبغوضيّتـه وكونـه ذا مفسدة مُلزمـة ، باقيتان على حا لهما با لنسبـة إ ليـه أيضاً ، فلايجوز استعما لـه في شربهم لذلك ، لا لتوجّـه ا لتكليف .


1 ـ ا لخصا ل : 94 / 40 ، و : 175 / 233 ، عوا لي ا للآلي 3 : 528 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 45 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 4 ، ا لحديث 11 .
2 ـ كفايـة ا لاُصول : 473 .

(الصفحة 138)

ثمّإنّ مقتضى هذا ا لكلام ، عدم ا لفرق بين أن يستعملـه ا لبا لغ ا لمكلّف في شربـه ، وبين أن يستعملـه ا لصغير في شرب نفسـه ، غايـة ا لأمر أ نّـه يجب في ا لثاني منعـه وصرفـه عن ا لاستعما ل .

كما أ نّـه لا فرق بين أن يكون عروض وصف ا لنجاسـة للماء ناشئاً من نجاسـة خارجيـة أو من نجاسـة بعض أعضاء ا لصبي أصلاً .

وأنت خبير : بأنّ ما ذكره : من أنّ للأوامر وا لنواهي ظهورات ثلاثـة ، محلّ نظر بل منع ، فإنّـه ليس للأوامر ظهور إلاّ في ا لبعث إ لى متعلّقـه ، وكذا ليس للنواهي ظهور إلاّ في ا لزجر عن ا لمتعلّق . نعم يكون تعلّق ا لأمر بشيء ، كاشفاً عن كون ذلك ا لشيء محبوباً للآمر وذا مصلحـة ملزمـة باعثـة على ا لأمر ، كما أنّ تعلّق ا لنهي بشيء كاشف عن مبغوضيّتـه للمولى ، وكونـه ذا مفسدة ملزمـة موجبـة للنهي ، وإلاّ فمن ا لواضح عدم كون ا لأوامر ظاهرة في ذلك ، فإنّها ليست إلاّ مركّبـة من ا لمادّة وا لهيئـة ، وا لاُولى لاتدلّ إلاّ على طبيعـة ا لمتعلّق ، وا لثانيـة لاتدلّ إلاّ على ا لبعث إ لى ا لمادّة ، كما حقّق في محلّـه(1) .

وهكذا ا لحكم في ا لنواهي ، غايـة ا لأمر أنّ هيئتها تدلّ على ا لزجر وا لمنع عن ا لمادّة ا لمتصوّرة بها .

وا لحاصل : أنّ دلالـة ا لأوامر وا لنواهي على ا لاُمور ا لثلاثـة وإن كانت مقبولـة عند ا لعدليّـة ، إلاّ أ نّها ليست من باب ا لظهور ، بل من باب ا لكشف ا لعقلي ، وحينئذ فتحقّق ا لمبغوضيّـة وكونـه ذا مفسدة ، إنّما يدور مدار ا لزجر وا لمنع ; إذ هو ا لكاشف عنهما با لكشف ا لمزبور ، ولايُعقل أن يكشف عن ا لأعمّ من مورد ثبوت ا لكاشف ، كما هو ا لمسلّم عند ا لعقل وا لعقلاء في باب ا لكشف ، فإذا لم يكن


1 ـ مناهج الوصول 2 : 63 ـ 68 .

(الصفحة 139)

ا لكاشف متحقّقاً في بعض ا لموارد ، كا لصبي في ا لمقام ، فأيّ شيء يكشف عن ثبوت ا لأخيرين بالإضافـة إ لى ا لصبي ؟ ! وهذا واضح جدّاً .

وبا لجملـة:فلم يثبت ما يدلّ على تحريم استعما ل ا لمياه ا لمتنجّسـة في شرب ا لصغار وا لأطفا ل .

هذا مضافاً إ لى أ نّـه لو لم يكن ذلك جائزاً ، لكان ا للازم أن يكون عدم ا لجواز بديهيّاً إ لى ا لآن مع كثرة ا لخلطـة بين ا لبا لغ وغيره ، وعدم خلوّ غير ا لبا لغ ـ غا لباً ـ عن كون بعض أعضائـه متنجّساً ملاقياً لشيء من ا لأعيان ا لنجسـة ، فا لظاهر أ نّـه لاينبغي ا لإشكا ل في ا لجواز .

حول أدلّة حرمة سائر الانتفاعات بالماء النجس

ثمّ إنّـه كما يحرم استعما ل ا لمياه ا لمتنجّسـة في ا لأكل وا لشرب ، هل يحرم سائر ا لانتفاعات بها ؟

قد يقا ل ـ كما قيل(1) ـ بعدم جواز ا لانتفاع بها مطلقاً ; لقولـه تعا لى : (إِنَّما ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَا لأَنْصَابُ وَا لأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ ا لشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(2) .

بتقريب : أنّ ا لضمير في قولـه : (فَاجْتَنِبُوهُ) راجع إ لى ا لرّجس ، وأنّ ا لمراد منـه هو ا لنجاسـة ، وا لمراد بالاجتناب عن ا لشيء فرض ذلك ا لشيء كا لعدم ; بمعنى عدم ترتيب ا لأثر عليـه أصلاً ، فمفاد ا لآيـة ا لشريفـة : وجوب الاجتناب عن جميع ا لنجاسات ، وعدم ا لانتفاع بشيء منها أيّ انتفاع كان .

وفيـه أوّلاً : أنّ ا لمراد من ا لرّجْس ليس هي ا لنجاسـة وا لقذارة ، كما توهّمـه


1 ـ مجمع ا لفائدة وا لبرهان 1 : 281 ، اُنظر ا لمكاسب ا لمحرّمـة ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره) 1 : 19 .
2 ـ ا لمائدة (5) : 90 .

(الصفحة 140)

ا لمستدلّ ، بل ا لمراد بـه ا لعمل ا لقبيح ; لأنّ تنزيل ا لخمر وسائر ا لمذكورات في ا لآيـة ا لشريفـة مع غايـة ا لاهتمام بها ، منزلـة ا لنجس ا لذي لايكون بهذه ا لمرتبـة من ا لأهمّيّـة ، مستبعد جدّاً ، وكيف يقاس عبادة ا لأوثان ـ ا لتي مبنى ا لشريعـة على مكافحتها وا لجهاد لإزا لتها ـ بشرب ا لنجس ا لذي لايترتّب عليـه إلاّ مجرّد مخا لفـة تكليف تحريميّ ولعمري إنّ هذا ادّعاء لايمكن أن يصدر من عاقل ، فضلاً عن فاضل .

وثانياً : سلّمنا أنّ ا لمراد من ا لرجس هو ا لقذر وا لنجس ، ولكن لانسلّم أنْ يكون ا لضمير راجعاً إ ليـه لأ نّـه يحتمل أن يرجع إ لى عمل ا لشيطان ، خصوصاً مع قربـه منـه .

وثا لثاً : لو سلّمنا جميع ذلك ، لكن لانُسلّم أن يكون ا لمراد من ا لاجتناب هو عدم ا لانتفاع بـه أصلاً ، بل ا لمراد بـه : هو عدم ا لانتفاع بالآثار ا لظاهرة ا لمتصوّرة منـه عند ا لعقلاء .

وممّا ذكرنا يظهـر : فساد ا لاستدلال(1)  بقولـه تعا لى : (وَا لرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(2) ، مضافاً إ لى أنّ وروده فـي أوائل ا لإسلام ـ لكونـه جزءاً مـن ا لسورة ا لتي نزلت أوّلاً أو ثانياً علـى ا لاختلاف(3) ـ قرينـة علـى عـدم كـون ا لمـراد با لرجز هو ا لنجس ، كما لايخفى .

ثمّ إنّ ا لاستدلال(4)  لحرمـة جميع ا لانتفاعات ببعض ا لأخبار ـ كقولـه (عليه السلام)


1 ـ غنيـة ا لنزوع 1 : 46 .
2 ـ ا لمدّثّر (74) : 5 .
3 ـ راجع مجمع ا لبيان 10 : 579 ، 780 .
4 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 81 ـ 82 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 516 .

<<التالي الفهرس السابق>>