في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 241)

ولايخفى أنّ هذه ا لروايـة تدلّ على بطلان ا لتقريب ا لأوّل أيضاً ، فإنّ ا لنضح لو كان علاجاً لرجوع ا لماء ا لمستعمل ا لذي لايجوز ا لاغتسا ل بـه ، لكان ا للازم أن يختصّ بما إذا اُريد ا لاغتسا ل وأ مّا إذا اُريد ا لتوضّي فلا ; إذ لم يقل أحد بعدم جواز ا لتوضّي با لماء ا لمستعمل في ا لوضوء .

وا لذي تحصّل لنا ـ بعد ا لتأ مّل وا لتتبّع في ا لأخبار ا لتي سيجيء بعضها ـ أنّ ا لنضح إنّما هو لأجل ا لشكّ في نجاسـة ا لأرض ، فهو نظير ا لغسل في مقطوع ا لنجاسـة ، كما يظهر با لتتبّع في ا لأخبار ا لتي تدلّ على ا لغسل في مورد ا لعلم با لنجاسـة ، وا لنضح في موضع ا لشكّ فيها :

منها :روايـة محمّد بن مسلم قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن أبوال ا لدوابّ وا لبغا ل وا لحمير ؟ فقا ل : «اغسلـه ، فإن لم تعلم مكانـه فاغسل ا لثوب كلّـه ، فإن شككت فانضحـه»(1) .

ومنها :روايـة علي بن جعفر ، عن أخيـه موسى بن جعفر (عليهما السلام)  ، قا ل : سأ لتـه عن ا لرجل يصيب ثوبـه خنزير فلم يغسلـه ، فذكر وهو في صلاتـه كيف يصنع بـه ؟ قا ل : «إن كان دخل في صلاتـه فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاتـه فلينضح ما أصاب من ثوبـه إلاّ أن يكون فيـه أثر فيغسلـه»(2) .

وغيرهما من ا لأخبار(3)  ا لتي تظهر للمتتبّع .


1 ـ ا لكافي 3 : 57 / 2 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 264 / 771 ، الاستبصار 1 : 178 / 620 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 403 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 7 ، ا لحديث 6 .
2 ـ مسائل عليّ بن جعفر : 348 / 858 ، ا لكافي 3 : 61 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 261 / 760 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 417 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 13 ، ا لحديث 1 .
3 ـ ا لكافي 3 : 54 / 4 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 252 / 728 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 424 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 16 ، ا لحديث 4 .

(الصفحة 242)

وبا لجملـة:فلايكاد يُرتاب بعد ا لتأ مّل وا لتتبّع ، أنّ ا لنضح إنّما يستحبّ في موارد ا لشكّ في ا لنجاسـة .

وعليـه : فا لحكم با لنضح في ا لروايـة في ا لمقام ، لايدلّ على عدم جواز ا لاغتسا ل با لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث ، بل نقول إنّ : ا لتامّل في ا لسؤال ، يقضي بأنّ ا لسؤال إنّما هو عن نجاسـة ا لماء ا لموجود في ا لساقيـة أو ا لمستنقع ; من حيث احتما ل شرب ا لسباع منـه ، ولا ارتباط لـه بمسأ لة غُسا لة ا لجُنُب أصلاً ، فحكم ا لإمام (عليه السلام) با لنضح ، إنّما هو لأجل عدم عروض ا لنجاسـة الاحتما ليّـة للماء ; برجوع ا لمياه ا لملاقيـة للأرض ا لمشكوكـة ا لطهارة إ ليـه ، فهو مستحبّ تعبّدي في موارد ا لشكّ .

فا لحكم بالإجزاء في ا لذيل مع عدم ا لنضح ورجوع ا لماء ، إنّما يدلّ على أنّ استحباب ا لنضح ا لرافع للقذارة ا لمحتملـة ، إنّما هو فيما إذا تمكّن من ا لاغتسا ل با لماء بعد ا لنضح ، وأ مّا في مورد عدم ا لكفايـة مع ا لنضح فلا يستحبّ .

فالإنصاف : تماميّـة دلالـة ا لروايـة على ا لجواز ; إذ لو كان ا لاغتسا ل با لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث ا لأكبر محظوراً وممنوعاً شرعاً ، لكان ا لواجب على ا لإمام (عليه السلام) أن يبيّنـه ، ومع عدم ا لبيان وترك الاستفصا ل يفهم ا لجواز قطعاً .

ثمّ إنّـه قد يستدلّ(1)  على ا لجواز أيضاً : بصحيحـة محمّد بن مسلم ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : ا لحمّام يغتسل فيـه ا لجنب وغيره أغتسل من مائـه ؟ قا ل : «لابأس أن يغتسل منـه ا لجنب ، ولقد اغتسلت فيـه وجئت فغسلت رجلي ، وما


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 348 .

(الصفحة 243)

غسلتهما إلاّ ممّا لزق بهما من ا لتراب »(1) .

ولكن لايخفى ما في دلالتها ، فإنّ ا لظاهر أنّ ا لغسل إنّما هو في خارج ا لحياض ا لصغيرة ، وا لمياه ا لمنتضحـة منـه إ ليها لايوجب ا لمنع عن ا لاغتسا ل بما فيها ; لأنّ ا لمانع أيضاً يلتزم با لجواز في هذه ا لصورة .

هذا مضافاً إ لى أنّ ا لظاهر كون مقصود ا لسائل نجاسـة ا لماء بمباشرة ا لجُنُب ، ولذا بيّن ا لإمام (عليه السلام)  : أنّ ا لوجـه في غسل رجليـه إنّما هو ا لتراب ا لملصق بهما لا ا لنجاسـة ، فيكون ا لمراد بنفي ا لبأس نفي ا لنجاسـة ، كما لايخفى .

نتيجة البحث

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ ا لأقوى هو ا لقول با لجواز ، لدلالـة صحيحـة علي بن جعفر ا لمتقدّمـة(2) ، وقد عرفت أنّ أدلّـة ا لمانعين ، بين ما لايجوز ا لاعتماد عليـه لضعف ا لسند وإن تمّت دلالتـه ، كا لروايـة ا لاُولى ا لتي كان في سندها أحمد بن هلال ، وبين ما لاتتمّ دلالتـه وإن كان موثوقاً بـه من حيث ا لسند ، كأكثر ا لروايات ا لمتقدّمـة .

هذا مضافاً إ لى أنّ مقتضى ا لأصل وا لإطلاقات ا لجواز أيضاً ، لكنّ ا لأحوط ا لاجتناب .

ثمّإنّـه لو قلنا با لمنع فلا إشكا ل في اختصاصـه بما إذا اغتسل با لماء ا لقليل ، ا لذي يصدق عليـه عرفاً أنّـه اغتسل بـه ا لرجل لا فيـه ، فلا إشكا ل فيما لو اغتسل


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 378 / 1172 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 148 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 ، ا لحديث 2 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 239 .

(الصفحة 244)

في ا لماء ا لكثير أو في ا لقليل ; بحيث يصدق عرفاً أ نّـه اغتسل فيـه ، وإن كان يصدق على كلّ ما اغتسل فيـه أ نّـه اغتسل بـه بحسب ا للغـة ، ولكن ا لعرف يفرّق بينهما وا لمدار عليـه ، فكلّ ماء صدق عليـه أ نّـه اغتسل بـه ا لرجل ، فلايجوز استعما لـه في رفع ا لحدث مطلقاً ; لأنّ ا لنهي عن ا لتوضّي وأشباهـه ، إنّما هو عن هذا ا لماء ، كما في روايـة ابن سنان ا لمتقدّمـة(1) .

ومن هنا يظهر : أ نّـه لابأس با لقطرات ا لمنتضحـة من بدن ا لجُنُب أو من ا لأرض في ماء آخر ; لأ نّـه لايصدق عليها أ نّها اغتسل بها ا لرجل بعد استهلاكها في ذلك ا لماء ، بل لا اختصاص لذلك با لقطرات ، فكلّ مقدار يسير منـه إذا اختلط مع ماء كثير ; بحيث يُعدّ معدوماً بنظر ا لعرف ، فلا إشكا ل فيـه .

بل يمكن أن يقا ل : إنّـه لو امتزج ا لماء ا لمستعمل ـ في رفع ا لحدث ا لأكبر ـ مع ماء مساو لـه من حيث ا لمقدار أو أنقص في ا لجملـة ، فيجوز استعما ل ا لمجموع ا لممتزج في رفع ا لحدث ; لأ نّك عرفت أنّ ا لنهي إنّما هو عن استعما ل ا لماء ا لذي اغتسل بـه ا لرجل ، ومن ا لمعلوم أنّ هذا ا لعنوان لايصدق على ا لمجموع ا لمختلط ، فيدخل ذلك في عموم قولـه (عليه السلام) في صدر ا لروايـة : «لابأس بأن يتوضّأ با لماء ا لمستعمل»(2)  فيجوز استعما لـه في رفع ا لحدث مطلقاً .

ولكنّـه لايخفى أنّ ا لعنوان ا لمنهيّ عنـه ; وإن لم يصدق على ا لمجموع ا لمختلط من ا لماءين ا للذين كان أحدهما مستعملاً في رفع ا لحدث ا لأكبر ، إلاّ أ نّـه لا إشكا ل في صدقـه على ا لماء ا لذي كان كذلك ; لأنّ ا لمفروض وجوده بين ا لمجموع وعدم كونـه مستهلكاً ; لامتناع استهلاك ا لشيء فيما هو من جنسـه


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 233 .
2 ـ نفس ا لمصدر .

(الصفحة 245)

وحقيقتـه ـ كما حقّق في محلّـه ـ وا لاستهلاك ا لعرفي ا لذي مرجعـه إ لى كونـه مفروض ا لعدم لقلّتـه ـ مثلاً ـ مُنتف في ا لمقام ، كما هو ا لمفروض ، فلا محا لـة يصدق عليـه ذلك ا لعنوان ، فلايجوز ا لاغتسا ل وا لتوضّي بـه ، فتدبّر .

ثمّ إنّ ا لظاهر عدم جواز ا لتوضّي وأمثا لـه با لماء ا لمستعمل في غسل بعض ا لأعضاء وإن لم يكن سبباً لرفع ا لجنابـة ; بأن كان مستعملاً في غسل ا لعضو ا لأخير ، ا لذي يتمّ ا لغسل بـه وترتفع ا لجنابـة ; لأنّ ا لظاهر من موضوع ا لنصّ ـ ا لذي هو عبارة عن ا لماء ا لذي يغتسل بـه ا لرجل ـ هو ا لماء ا لمستعان بـه في رفع ا لجنابـة ; بأن كان جزءاً لسبب ا لرفع وإن لم يكن جزءاً أخيراً لـه ، كما أنّ ا لظاهر أن يكون ا لمراد بالاغتسا ل ا لمأخوذ في موضوع ا لنصّ ، هو ا لغسل ا لصحيح ، فالاستعما ل في ا لغسل ا لفاسد لايوجب حرمـة استعما لـه في رفع ا لحدث ، كما هو غير خفيّ .

ثمّ إنّـه لو استعمل ا لماء ا لذي يغتسل بـه ا لرجل قبل انفصا لـه عن بدنـه ، كما إذا وضع يده على بدن ا لمغتسل حتّى يجري ا لماء منـه عليـه ، فيحصل غسل ا ليد ، فا لظاهر عدم ا لجواز ; لأ نّـه يصدق عليـه استعما ل ا لماء ا لذي اغتسل بـه ا لرجل ، كما أنّ ا لظاهر عدم جواز استعما ل ا لمغتسل نفسـه ا لماء ، ا لمنفصل عن بعض ا لأعضاء في غسل ا لبعض ا لآخر ; وإن لم يصل إ لى ا لأرض ، كما إذا وضع يده تحت رأسـه ; حتّى يجتمع فيها ا لماء ا لمستعمل في غسل ا لرأس ، فيستعين بـه في غسل غيره .

وبا لجملـة : فملاك جميع ما ذكرنا هو صدق موضوع ا لنصّ وعدمـه ; سواء فيـه ا لمغتسل وغيره ، كما أ نّـه لا فرق في ا لأوّل بين استعما ل ا لمستعمل في ذلك ا لغسل أو في غيره من وضوء أو غسل آخر .

(الصفحة 247)


الأسآر

معنى السؤر

وليعلم أنّ كلمات ا للغـويّين في معنى ا لسؤر مختلفـة : فيظهر من بعضهم ا لاختصاص ببقيّـة ا لشرب(1) ، وعن بعضهم ا لشمول لبقيّـة ا لطعام(2) ، وعن ثا لث مطلق ا لبقيّـة(3) .

وا لظاهر ـ كما يساعد عليه ا لعرف ـ أ نّها عبارة عن بقيّـة ا لمائعات بلااختصاص با لماء مع ا لمباشرة غير خا ليـة عن ا لسرايـة بنظر ا لعرف ، بل يمكن دعوى شمولـه للجامدات ا لرطبـة ، كا لرطب إذا باشر بعض أطرافـه ; لأ نّها أيضاً لاتخلو عن ا لسرايـة بنظرهم .

وكيف كان ، فا لظاهر أنّ مورد ا لبحث هنا هي ا لأحكام ا لمترتّبـة على ا لسؤر بما أ نّـه سؤر ، لا بما أ نّـه ماء قليل ملاق لذي ا لسؤر ، فيترتّب عليـه حكمـه من حيث ا لطهارة وا لنجاسـة .


1 ـ ا لصحاح 2 : 675 .
2 ـ لسان ا لعرب 6 : 132 .
3 ـ ا لقاموس ا لمحيط 2 : 44 .

(الصفحة 248)

فنجاسـة سؤر ا لكلب ونظائره خارجـة عن موضوع ا لبحث في ا لمقام ; لأنّ نجاستـه ليست إلاّ لكونـه ملاقياً لنجس ا لعين ، لا لكونـه سؤر لها .

حول التلازم بين طهارة السؤر وجواز استعماله في الوضوء والشرب

إذا عرفت هذا فنقول : ذهب ا لمشهور إ لى ثبوت ا لتلازم بين طهارة ا لسؤر ا لتابعـة لطهارة ذي ا لسؤر ـ كما هو ا لمشهور ، بل ا لمتّفق عليـه(1) ـ وبين جواز استعما لـه في ا لوضوء وا لشرب ونحوهما(2) ، خلافاً للشيخ (قدس سره) في «ا لمبسوط»(3) ، وا لحلّي في «ا لسرائر»(4)  وصاحب «ا لمهذّب»(5) ; حيث أنكروا ا لملازمـة بين ا لطهارة وجواز ا لاستعما ل ، فمنعوا استعما ل سؤر ما لايؤكل لحمـه ـ من حيوان ا لحضر غير ا لآدمي وا لطيور ـ إلاّ ما لايمكن ا لتحرّز عنـه ، كا لهرّة وا لفأرة ونحوهما .

ومستندهم في ذلك : موثّقـة عمّار بن موسى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : سئل عمّا تشرب منـه ا لحمامـة ؟ فقا ل : «كلّ ما اُكل لحمـه فتوضّأ من سؤره واشرب» . وعن ماء شرب منـه باز أو صقر أو عقاب ؟ فقا ل : «كلّ شيء من ا لطير يتوضّأ ممّا يشرب منـه إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فإن رأيت في منقاره دماً فلا توضّأ منـه ولاتشرب»(6) .


1 ـ مفتاح ا لكرامـة 1 : 82 / ا لسطر 6 ، جواهر ا لكلام 1 : 368 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 371 .
2 ـ اُنظر جواهر ا لكلام 1 : 368 .
3 ـ ا لمبسوط 1 : 10 .
4 ـ ا لسرائر 1 : 85 .
5 ـ ا لمهذّب 1 : 25 .
6 ـ ا لكافي 3 : 9 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 228 / 660 ، الاستبصار 1 : 25 / 64 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 230 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 4 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 249)

فإنّ مفهوم قولـه (عليه السلام)  : «كلّ ما اُكل لحمـه . . .» إ لى آخره ـ بناءً على ا لقول بمفهوم ا لوصف أو ا لمبتدأ  ا لمتضمّن معنى ا لشرط ـ هو عدم جواز ا لتوضّي وا لشرب بكلّ ما لايؤكل لحمـه ; لأنّ ا لعلّـة ا لمنحصرة للجواز ـ بناء على هذا ـ كونـه سؤراً للمأكول فإذا انتفى انتفى ا لجواز ، وإلاّ لزم خلاف ما هو ا لمفروض من ا لعلّيّـة ا لمنحصرة .

ولكن قد عرفت سابقاً إنكار دلالـة ا لقضيّـة ا لشرطيـة على ا لمفهوم ، فضلاً عن ا لقضيّـة ا لوصفيّـة(1) ، وعلى تقدير ا لقول بها فمن ا لواضح أنّ مفهوم ا لموجبـة ا لكلّيّـة هي ا لسا لبـة ا لجزئيّـة .

وما أفاده ا لشيخ (قدس سره) من انحلال ا لقضيّـة إ لى قضايا متعدّدة ، فيصير مفهوم ا لموجبـة ا لكلّيّـة ا لسا لبـة ا لكلّيّـة(2) .

قد عرفت ما فيـه : من منع ا لانحلال ا لمستلزم للتعليقات ا لمتعدّدة حسب تعدّد ا لأفراد ، ا لمستلزمـة لثبوت ا لعلّيّـة لكلّ واحد منها(3) ، فإنّ من ا لواضح أ نّـه ليس في ا لبين إلاّ تعليق واحد ، غايـة ا لأمر أنّ ا لمعلّق عامّ وذلك لايوجب كثرة ا لتعليق ا لمستفاد منـه ا لمفهوم ، كما هو واضح .

ومن هنا يظهر : أنّ تسليم ا لمفهوم على نحو ا لسا لبـة ا لكلّيّـة ، وا لاستشكا ل في ا لاستدلال ; من طريق ضعف سند ا لروايـة ولزوم تخصيص ا لأكثر ـ كما يظهر من ا لشيخ (قدس سره) في «كتاب ا لطهارة»(4) ـ ليس بصحيح ، فإنّك عرفت أنّ ا لمفهوم هنا


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 201 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 318 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 203  .
4 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 372 .

(الصفحة 250)

هي ا لسا لبـة ا لجزئيّـة ، مضافاً إ لى كون ا لروايـة موثوقاً بها لوثاقـة رواتـه . نعم ا لإشكا ل بلزوم تخصيص ا لأكثر حقّ لامحيص عنـه .

ثمّ إنّـه أجاب عن ا لاستدلال في «ا لمصباح» بما حاصلـه : منع دلالـة ا لروايـة على ا لمفهوم ، ولذا لم يفهم ا لسائل من كلامـه (عليه السلام) حكم كلّ ما لايؤكل لحمـه ، فسأ لـه بعد ذلك عن ماء شرب منـه باز . . . إ لى آخره ، فأجابـه بقولـه (عليه السلام)  : «كلّ شيء من ا لطير . . .» إ لى آخره ، فلو كان لجوابـه ا لأوّل مفهوم عامّ لكان بين ا لجوابين معارضـة ، مع أنّ ا لناظر إ ليهما لايلتفت إ لى ا لمعارضـة أصلاً . نعم يفهم من تقييد ا لموضوع في مقام إعطاء ا لقاعدة : أنّ جواز ا لتوضّي وانتفاء ا لبأس في أفراد غير ا لمأكول غير مطّرد ; لأنّ هذا هو ا لنكتـة ا لظاهرة ا لتي تنسبق إ لى ا لذهن في مثل ا لمقام ، وأ مّا ظهورها في ا لعلّيّـة ا لمنحصرة فلا(1) . انتهى .

ولكن لايخفى على ا لناظر في ا لروايـة أنّ ا لظاهر تعدّد ا لسؤال ، ويمكن أن يكون ا لسائل أيضاً متعدّداً ، بل ا لظاهر كونـه كذلك ، فإنّ ا لراوي إنّما نقل ا لسؤال وا لجواب ا لواقعين بين ا لإمام (عليه السلام) وا لأشخاص ا لمتعدّدين متعاقبَين ، وليس ذلك دليل على ترتّب ا لسؤال من شخص واحد أو من أشخاص ، ولذا زاد في ا لروايـة ـ على ما نقلـه ا لشيخ ـ قولـه : وسئل عن ماء شربت منـه ا لدجاجـة ؟ قا ل : «إن كان في منقارها قذرٌ لم يُتوضَّأ منـه ولم يُشرب ، وإن لم يعلم أنّ في منقارها قذراً توضّأ منـه واشرب»(2) ، فإنّـه لو كان ا لسائل واحداً ، وكان ا لسؤال في مجلس واحد ، لم يكن وجـه للسؤال عن ماء شربت منـه ا لدجاجـة ، بعد حكم ا لإمام (عليه السلام) بجواز ا لوضوء وا لشرب من سؤر كلّ ما يؤكل لحمـه ، كما هو ظاهر .

ثمّ إنّـه ممّا ذكرنا يظهر : عدم صحّـة ا لاستدلال بصحيحـة عبدالله


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 356 .
2 ـ ا لاستبصار 1 : 25 / 64 .

(الصفحة 251)

ابن  سنان(1) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «لابأس أن تتوضّأ ممّا شرب منـه ما يؤكل لحمـه»(2) .

فإنّـه يرد على ا لاستدلال بها : ـ مضافاً إ لى جميع ما يرد على ا لاستدلال با لروايـة ا لمتقدّمـة ـ أنّ ثبوت ا لبأس أعمّ من ا لحرمـة ، كما هو غيرخفيّ .

هذا كلّـه مضافاً إ لى دلالـة ا لأخبار ا لكثيرة على جواز استعما ل سؤر غير ا لمأكول(3) ، وأنّ حرمـة سؤر ا لكلب لكونـه رجساً نجساً ـ كما في بعضها(4) ـ فالأقوى ما ذهب إ ليـه ا لمشهور .

تتمّة: حول اعتبار احتمال التطهير الشرعي في الحكم بطهارة السؤر

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «ويكره سؤر ا لجلاّل ، وسؤر ما أكل ا لجيف ; إذا خلا موضع ا لملاقاة من عين ا لنجاسـة»(5) .

أقول: لا إشكا ل في نجاسـة ا لسؤر مع عدم خُلوّ ا لجزء ا لملاقي من ا لحيوان للماء من ا لنجاسـة ا لعينيّـة . كما أ نّـه لا إشكا ل في ا لطهارة مع ا لشكّ فيها ، أو مع ا لعلم واحتما ل حصول مطهّر شرعيّ .


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 356 .
2 ـ ا لكافي 3 : 9 / 1 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 224 / 642 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 231 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 5 ، ا لحديث 1 .
3 ـ ا لكافي 3 : 9 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 8 / 11 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 225 / 644 و 647 ، و : 227 / 649 و 653 و 654 ، ا لاستبصار 1 : 18 / 39 ، و : 19 / 41 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 226 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 1 ، ا لحديث 6 ، و : 227 ، ا لباب 2 .
4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 225 / 646 و 647 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 و 41 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 226 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 1 ، ا لحديث 4 و 6 .
5 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 8 .

(الصفحة 252)

إنّما ا لكلام وا لإشكا ل فيما إذا علم عدمـه ـ أي عدم حصول مطهّر شرعيّ ـ فا لمحكيّ عن «نهايـة» ا لعلاّمـة اعتبار احتما ل حصول ا لتطهير ا لشرعي في ا لحكم با لطهارة ، خلافاً للأكثر(1) .

أدلّة عدم اعتبار حصول مطهّر شرعيّ

وقد يستدلّ(2)  لعدم ا لاعتبار بموثّقـة عمّار ا لمتقدّمـة(3) ، ا لدالّـة على أنّ حرمـة ا لتوضّي وا لشرب تدور مدار رؤيـة ا لدم في منقاره ، فلو لم يُرَ ا لدم ـ سواء كان موجوداً فزال أم لم يكن ، وسواء علم في ا لأوّل بعدم حصول ا لتطهير أم لم يعلم ـ يجوز ا لتوضّي وا لشرب .

ولكن لايخفى أنّ ا لظاهر كون ا لروايـة متعرّضـة لحكم صورتي ا لشكّ وا لعلم ; بمعنى أنّ ا لشكّ ليس كا لعلم ، بل يجوز ا لاستعما ل معـه ، لا لحكم ا لرؤيـة ا لفعليّـة وعدمها ، فا لروايـة إنّما تكون في مقام بيان أنّ ا لشكّ في ا لقذارة ، لايؤثّر في وجوب ا لتحرّز وا لاجتناب ، بخلاف ا لعلم ، ومنـه يعلم أ نّـه لا دلالـة في ا لزيادة ا لتي نقلها ا لشيخ على ذلك(4) ، فإنّ ا لظاهر كونها أيضاً مسوقـة لبيان حكم ا لصورتين واختلافهما .

تحقيق المقام

وا لإنصاف : أنّ عموميّـة ا لحكم وشمولـه لصورة ا لعلم بعدم حصول مطهّر شرعي ، واضح ضروريّ لايحتاج في ا لاستناد لـه إ لى مثل روايـة عمّار ، بل


1 ـ نهايـة ا لإحكام 1 : 239 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 360 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 375 .
3 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 248 .
4 ـ ا لاستبصار 1 : 25 / 64 .

(الصفحة 253)

يستفاد ذلك من ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة في ا لأبواب ا لمختلفـة ، وا لسيرة ا لمستمرّة من زمان ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إ لى يومنا هذا .

الاستدلال بالأخبار على المقام

أ مّا ا لأخبار :

فمنها : ما وردت في عدم وجوب ا لتحرّز وا لاجتناب عن أبوال ما يؤكل لحمـه ، وعدم وجوب غسل ملاقيـه(1) ، مع أنّ من ا لواضح ملاقاة محلّها للنجاسـة ، مثل ا لمنيّ وغيره ، وا لعلم بعدم حصول مطهّر شرعي .

ودعوى : أ نّها واردة في مقام بيان حكم أبوال ما يؤكل لحمـه ; من حيث إنّها بول ، فلاينافي ا لنجاسـة من حيثيّـة اُخرى .

يدفعها : أنّ ا لظاهر كونها في مقام بيان ا لحكم ا لفعلي ، فثبوت ا لنجاسـة من جهـة اُخرى ينافيـه .

ومنها :ما وردت في حكم ا لمائع ا لذي وقعت فيـه ا لفأرة وخرجت حيّـة ; من ا لأخبار ا لدالّـة على عدم انفعا لـه بمجرّد ذلك(2) ، مع أنّ الفأرة لاتخلو من نجاسـة بعض أجزائها دائماً ، ولا أقلّ من نجاسـة مخرج بولها وغائطها ، ومن ا لمعلوم أنّ احتما ل حصول ا لتطهير منتف في مثل ا لفأرة قطعاً .

وغيرهما من ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة في سائر ا لأبواب ، ا لتي يستفاد منها ذلك بنحو ا لوضوح .


1 ـ ا لكافي 3 : 57 / 1 و 2 ، و : 58 / 10 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 246/ 710 ، و : 264/ 771 ، وسائل ا لشيعة 3 : 470 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 9 ، ا لحديث 2 و4 و5 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 238 / 690 ، الاستبصار 1 : 24 / 59 ، وسائل الشيعـة 1 : 240 ، كتاب الطهارة ، أبواب ا لأسآر ، الباب 9 ، الحديث 4 .

(الصفحة 254)


الاستدلال بالسيرة على المقام

وأ مّا ا لسيرة : فإنّا نرى با لوجدان عدم تحرّز ا لمتشرّعـة عن ا لهرّة ا لآكلـة للفأرة ، ولم يكونوا يتفحّصون عن تطهير فمها ، بل ربما يُعدّ من كان سائلاً عن ذلك من ا لمجانين .

وكذا نرى با لوجدان عدم تحرّزهم عن ا لحيوان ا لمتولّد من اُمّـه ا لمتلوّث بدم ا لولادة ولايطهّرونـه بعدها .

كما أ نّـه لو عرض على دابّتهم جرح موجب لتلطّخ بعض أجزائـه با لدم ، لايطهّرون ذلك ا لموضع بعد حصول ا لبُرْء ، وغير ذلك من ا لموارد ا لكثيرة .

وبا لجملـة : فا لظاهر أنّ هذا ا لحكم لايحتاج إ لى تكلّف إقامـة ا لدليل عليـه ; لكونـه من ا لأحكام ا لضروريّـة ا لتي لايكاد يرتاب فيها من تتبّع تلك ا لأخبار ، وراجع سيرة ا لمتشرّعـة ، خصوصاً أهل ا لحجاز ا لذين كان اختلاطهم مع ا لدوابّ أكثر من غيرهم .

حول تنجّس الحيوان بملاقاة النجاسة

نعم يقع ا لكلام بعد ذلك : في أنّ ا لحيوان هل يتنجّس بملاقاة ا لنجاسـة ، غايـة ا لأمر أنّ زوال ا لعين مطهّر لـه ، أو أ نّـه لايتنجّس أصلاً ، بل ا لمنجّس إنّما هي نفس عين ا لنجاسـة ما دامت في بدنـه ، كا لبواطن ا لتي لاتتأثّر با لملاقاة ؟ وجهان :

قد يقال با لثاني(1)  نظراً إ لى قصور أدلّـة ا لنجاسات عن ا لشمول لمثل ا لنجاسـة ا لعارضـة على ا لحيوان .


1 ـ ا لعروة ا لوثقى 1 : 144 ـ 145 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 131 .

(الصفحة 255)

ولكن لايخفى أنّ هذه ا لقاعدة ـ وهي قاعدة «كلّ نجس منجّس» ـ قاعدة كلّيّـة متخذة من ا لأخبار ا لواردة في ا لموارد ا لجزئيّـة بإلغاء ا لخصوصيّـة ، فإنّـه إذا حكم ا لإمام (عليه السلام) بغسل ا لثوب عن ا لدم ـ مثلاً ـ لايخطر با لذهن أنّ هذا حكم يختصّ با لثوب ، ولايشمل غيره ، بل ا لسائل عن حكم ا لثوب ، إنّما يسأل في ا لواقع عن حكم ملاقي ا لدم ، وذكر ا لثوب في سؤا لـه إنّما هو على سبيل ا لمثا ل ، ولذا لايشكّ أصلاً في حكم ا ليد ا لملاقيـة لـه ; بحيث يحتاج إ لى ا لسؤال ثانياً .

وبا لجملـة : فا لمستفاد من كلّ واحد من هذه ا لأخبار ا لواردة في ا لموارد ا لجزئيّـة ـ بعد إ لغاء ا لخصوصيّـة عند ا لعرف قطعاً ـ : أنّ كلّ نجس ينجّس ملاقيـه من دون فرق بين ا لحيوان وغيره .

وتوهّم : أ نّـه كما تلتقط هذه ا لقاعدة من ا لأخبار ، كذلك يستفاد منها قاعدة كلّيّـة اُخرى : وهي أنّ ا لمطهّر للنجاسات ا لغسل با لماء ، فالأمر في ا لمقام دائر بين تخصيص هذه ا لقاعدة ، أو قاعدة «كلّ نجس منجّس» ، ولا ترجيح للأوّل على ا لثاني أصلاً .

مدفوع : بأنّ مأخذ هذه ا لقاعدة ا لمدّعاة : إمّا ا لأدلّـة ا لواردة في وجوب غسل ا لنجاسات با لماء ; بتقريب : أ نّـه كما يستفاد من ا لحكم على ا لثوب ا لملاقي للدم بوجوب ا لغسل ، أ نّـه لايختصّ با لثوب بل يعمّ غيره ، كذلك يُستفاد من وجوب غسلـه أنّ ا لغسل لايختصّ با لثوب ، بل هو حكم لمطلق ملاقي ا لنجس .

ففيـه : أنّ ا لظاهر كون تلك ا لأدلّـة في مقام بيان ا لنجاسـة ، وأنّ زوا لها يحتاج إ لى علاج شرعيّ ، وليست في مقام بيان تحديد ا لعلاج وا لحكم بانحصار ا لمطهّر با لغسل با لماء ، ولذا لو ورد دليل آخر على أنّ ا لعلاج يحصل بكيفيّـة اُخرى ، فلايعارض تلك ا لأخبار .

وبالجملة : فلايستفادمنهاانحصار طريق التطهير في الغسل بالماء كما هو واضح .

(الصفحة 256)

وإن كان مأخذ ا لقاعدة ا لمدّعاة ، هي ا لروايـة ا لواردة في حكايـة حا ل بني إسرائيل : من كونهم «إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم با لمقاريض ، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين ا لسماء وا لأرض ، وجعل لكم ا لماء طهوراً ، فانظروا كيف تكونون»(1) .

بتقريب : أنّ ذكر ا لماء بخصوصـه في مقام ا لامتنان ، يدلّ على أنّ ا لمطهّر هو خصوص ا لماء ، وإلاّ فلو كان غير ا لماء أيضاً مطهّراً فا للازم ذكره .

ففيـه : أنّ ا لظاهر كون ا لإمام (عليه السلام) في مقام بيان أصل الامتنان ; وأنّ ا لمشقّـة ا لكائنـة في بني إسرائيل مرفوعـة في هذه ا لشريعـة ا لسهلـة ، وذكر ا لماء إنّما هو لكونـه أظهر أفراد ا لمطهّرات مع كونـه متعارفاً بينهم ، ولايستفاد منها ا لانحصار بحيث تعارض ما دلّ على حصول ا لتطهير بغير ا لماء أيضاً .

وإن كان ا لمدرك للقاعدة ا لمذكورة ، بعض ا لروايات ا لواردة في ا لغسل :

مثل موثّقـة سماعـة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «إذا أصاب ا لثوب شيء من بول ا لسنّور فلاتصحّ ا لصلاة فيـه حتّى يغسلـه»(2) .

ومثل موثّقـة عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «لاتصلِّ في بيت فيـه خمر ولامسكر ; لأنّ ا لملائكـة لاتدخلـه ، ولاتُصلِّ في ثوب قد أصابـه خمر أو مسكر حتّى تغسلـه»(3) .


1 ـ ا لفقيـه 1 : 9 / 13 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 356 / 1064 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 133 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 1 ، ا لحديث 4 .
2 ـ ا لكافي 3 : 56 / 5 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 404 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 8 ، ا لحديث1 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 278 / 817 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 470 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 38 ، ا لحديث 7 .

(الصفحة 257)

وتقريب دلالتهما على ا لمطلوب : أنّ ظاهر ا لروايتين عدم صحّـة ا لصلاة في ا لثوب ا لذي أصابـه بول ا لسنّور أو خمر أو مسكر حتّى يغسل ، ومن ا لمعلوم أنّ غسل ا لثوب ليس شرطاً تعبّديّاً لصحّـة ا لصلاة ، بل اعتباره إنّما هو لحصول ا لطهارة ـ ا لمعتبرة فيها ـ بـه ، فلو كان غير ا لغسل أيضاً مطهّراً ، لم يكن وجـه لجعلـه غايـة لعدم ا لصحّـة ، ومن ا لمعلوم أيضاً عدم اختصاصهما بخصوص ا لثوب حتّى يقا ل : إنّ طريق تطهير ا لثوب منحصر با لغسل ، كما لايخفى .

ففيـه : أنّ ا لظاهر كون ا لروايتين في مقام بيان عدم صحّـة ا لصلاة في ا لثوب ا لمعروض للنجاسـة ، وأنّ ا لصلاة مشروطـة بخلوّه عنها ، وأ مّا ظهورهما في تحديد ا لتطهير ; وأنّ ا لعلاج ا لذي تصحّ معـه ا لصلاة إنّما هو خصوص ا لغسل با لماء ، فلا .

فظهر من جميع ما ذكرنا : أ نّـه ليس في ا لبين إلاّ قاعدة «كلّ نجس منجِّس» ، واستصحاب ا لنجاسـة في مورد ا لشكّ في بقائها ـ ا لناشئ من ا لشكّ في مطهّريّـة شيء ـ وإن كان جارياً ، إلاّ أ نّـه لايجري في ا لمقام ; للعلم بحصول ا لطهارة بعد زوال ا لعين ; إمّا لعدم تأثّره أصلاً وإمّا لكون ا لزوال مطهّراً ، فالأمر دائر في ا لمقام بين ا لحكم بعدم ا لنجاسـة من رأس وتخصيص تلك ا لقاعدة ، وبين ا لحكم بها مادامت عينها باقيـة ، ولازم ذلك عدم تحقّق ا لتخصيص بوجـه ، ولاشكّ أنّ أصا لـة عدم ا لتخصيص تعيّن ا لوجـه ا لثاني ، وا لقاعدة بضميمـة كون ا لطهارة بعد ا لزوال ضروريّـة ـ كما عرفت ـ تنتج كون ا لزوال مطهّراً . فالأقوى هو ا لوجـه ا لثاني .

الكلام في ثمرة الوجهين

نعم يبقى ا لكلام في ثمرة ا لوجهين ، فنقول : تظهر ا لثمرة فيما لو شكّ في بقاء عين ا لنجاسـة في بدن ا لحيوان ، فلو قلنا بعدم تأثير عين ا لنجاسـة في تنجيس ا لحيوان فاستصحاب بقاء عين ا لنجاسـة لايثبت نجاسـة ا لماء ا لملاقي لـه ; وذلك

(الصفحة 258)

لأنّ ا لملاك في جريان ا لاستصحابات ا لموضوعيّـة ، أن يكون ا لمستصحب مترتّباً عليـه حكم شرعي ، وينطبق عليـه ا لكبرى ا لكلّيّـة ا لمجعولـة بلا وساطـة بعض ا لاُمور ا لعقليّـة أو ا لعاديّـة ، وهنا ليس كذلك ، فإنّ استصحاب بقاء ا لنجاسـة لايترتّب عليه أثر في زمان الشكّ ; لأنّ وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس إنّما يترتّب على ملاقي النجس ، والمفروض ـ في المقام ـ ا لشكّ فيـه ، وعدم انفكاك بقاء النجاسة ـ في زمان الشكّ ـ عن ملاقاتها مع الماء ، حكمٌ عقلي لايثبت بالاستصحاب ; حتّى يترتّب عليه تلك الكبرى الكلّية التي موضوعها الملاقي للنجس .

وبا لجملـة : ا لمناط في جريان ا لأصل في ا لموضوعات ا لخارجيّـة ، كونها بنفسها منطبقاً عليها بعض ا لكُبريات ا لمجعولـة في ا لشريعـة ، كاستصحاب ا لعدا لـة ا لمترتّبـة عليها صحّـة ا لصلاة خلف ا لمتّصف بها ، وجواز ا لطلاق بمحضره ، وغيرهما من ا لأحكام وا لآثار ا لمترتّبـة على عنوان ا لعادل ، ومناط كون ا لأصل مثبتاً ، هو عدم كون ا لموضوع بنفسـه منطبقاً عليـه بعض تلك ا لكبريات ، بل كان ا لموضوع لـه منطبقاً على ا لمستصحب عقلاً .

ومن هنا يظهر وجـه ما ذكره ا لمحقّقون من ا لفقهاء ـ رضوان الله تعا لى عليهم أجمعين ـ من أ نّـه لو أقرّ ا لشخص بكون ا لثوب ا لمملوك لزيد ـ مثلاً ـ موجوداً عنده على وجـه ا لأمانـة ، ثمّ مات ولم يكن في تركتـه إلاّ ثوب واحد ، فاستصحاب بقاء ا لثوب ا لموجود عنده على وجـه ا لأمانـة ، لايثبت كون هذا ا لثوب هوا لثوب ا لذي يجب ردّه إ لى صاحبـه وما لكـه(1) ، فإنّ وجوب ردّ هذا ا لثوب متفرّع على كونـه بعينـه هو ا لثوب ا لمملوك لـه ، مع أنّ انطباقـه على ا لثوب ا لمستصحب ا لبقاء انطباق عقلي لا شرعي ، كما هو ظاهر .


1 ـ راجع جواهر ا لكلام 27 : 121 ـ 122 .

(الصفحة 259)


في جواب الشبهة العبائيّة

وممّا ذكرنا أيضاً يظهر ا لجواب عن ا لشبهـة ا لعبائيّـة ا لمشهورة(1) ، فإنّ استصحاب بقاء ا لنجاسـة في ا لعباء بعد غسل أحد طرفيـه ، لايثبت وجوب ا لاجتناب عن ملاقي طرفيـه ، فإنّ وجوب ا لاجتناب إنّما ترتّب في ا لشريعـة على ملاقي ا لنجس ، وهو مشكوك بعد غسل أحد طرفيـه ، وعدم انفكاك بقاء ا لنجاسـة في ا لعباء بعد ا لغسل ، كذلك عن مُلاقاة ا ليد ـ مثلاً ـ مع ا لنجس لو لاقت جميع أطرافـه مع ا لرطوبـة حكم عقليّ لايثبت بالاستصحاب .

هذا كلّـه لو قلنا بعدم تأثير ا لنجاسـة في تنجيس ا لحيوان ا لملاقي للماء .

وأ مّا لو قلنا بتأثّر جسم ا لحيوان ـ غايـة ا لأمر أنّ زوال ا لعين مطهّر لـه ـ فاستصحاب بقاء نجاسـة ا لجزء ا لملاقي للماء يجري بلا إشكا ل ; لترتّب أثر شرعي عليه ، وهو وجوب ا لاجتناب عن ملاقيه ; لأنّ بقاء نجاسـة ا لمنقار بضميمة ا لملاقاة ا لمشاهدة با لوجدان ، يوجب نجاسـة ا لملاقي ، بخلاف ما لو قلنا با لقول ا لأوّل ، فإنّ ما هو ا لمشهود هي ا لملاقاة مع ا لمنقار ، وما هو ا لمفيد ا لمؤثّر هي ا لملاقاة مع ا لنجس ، وما هي مشكوكـة لاتثبت باستصحاب بقاء ا لعين في ا لمنقار .


1 ـ وهي أ نّـه لو علم بنجاسـة أحد طرفي ا لعباء من ا لأسفل أو ا لأعلى ، ثمّ طهر ا لطرف ا لأسفل ، فطهارة ا لطرف ا لأسفل توجب ا لشكّ في بقاء ا لنجاسـة في ا لعباء ; لاحتما ل أن تكون ا لنجاسـة ا لمعلومـة قد أصاب ا لطرف ا لأسفل ، فيجري استصحاب بقاء ا لنجاسـة في ا لعباء ، ويلزمـه ا لقول بنجاسـة ا لملاقي أطراف ا لعباء ; لأنّ ملاقي مستصحب ا لنجاسـة في حكم ا لنجس ، مع أنّ ا للازم باطل با لضرورة ; بداهـة أ نّـه لا أثر لملاقاة ا لطرف ا لأسفل للعمل بطهارتـه ، وملاقاة ا لطرف ا لآخر لاتقتضي ا لنجاسـة للشكّ في إصابـة ا لنجاسـة لـه ، فهو مشكوك ا لنجاسـة من أوّل ا لأمر ، فبناء على نجاسـة ملاقي مستصحب ا لنجاسـة ، يلزم في ا لمثا ل ا لقول بنجاسـة ملاقي مقطوع ا لطهارة ومشكوك ا لنجاسـة ، وهو كما ترى .

(الصفحة 260)

وبا لجملـة : فا لثمرة بين ا لقولين تظهر في ا لحكم بنجاسـة ا لماء ـ مثلاً ـ فيما لو شكّ في بقاء ا لعين في حا ل ا لملاقاة بلا إشكا ل ، كما عرفت تفصيلـه .

كلام للمحقّق الهمداني في المقام وما يرد عليه

ثمّ إنّ ا لمحقّق ا لهمداني (قدس سره) بعد بيان ا لثمرة على ا لوجـه ا لذي ذكرنا ، قا ل : «وملخّص ا لفرق بينهما : أنّ ا لشكّ في ا لأوّل مسبّب عن ا لشكّ في بقاء موضوع ا لمستصحب ، وقد تقرّر في محلّـه : أنّ إحراز ا لموضوع من مقوّمات ا لاستصحاب ، وأ مّا على ا لثاني فا لموضوع إنّما هو نفس ا لحيوان ، ا لذي علم نجاستـه سابقاً وشُكّ في ارتفاعها في ا لزمان ا للاحق ، وا لشكّ إنّما نشأ من ا لشكّ في زوال ا لعين ا لذي هو مطهّر شرعي على ا لفرض ، فيجب ا لحكم ببقاء نجاستـه إ لى أن يعلم بتحقّق ا لمزيل»(1) .

ويرد عليـه : ـ مضافاً إ لى أنّ هذا فارقٌ مستقلّ لاربط لـه بسابقـه حتّى يكون ملخّصاً لـه ، فإنّ عدم جريان ا لاستصحاب في ا لسابق ، إنّما هو لكونـه مثبتاً ; لايترتّب عليـه أثر شرعي بلا واسطـة ، وفي ا للاحق لعدم إحراز بقاء موضوع ا لمستصحب ، مع أ نّـه من شروط جريانـه ـ أنّ ما ذكره تبعاً للمشهور من اعتبار إحراز بقاء ا لموضوع في جريان ا لاستصحاب ليس بصحيح ، بل ا لمعتبر هو اتّحاد ا لقضيّـة ا لمشكوكـة مع ا لقضيّـة ا لمتيقّنـة موضوعاً ومحمولاً ; وذلك لأنّ توهّم اعتبار إحراز بقاء ا لموضوع ، ينشأ من تخيّل أنّ ا لمستصحب نفس ما يترتّب على ا لموضوع ، مع أنّ ا لمستصحب إنّما هي نفس ا لقضيّـة ا لمتيقّنـة ; وذلك لأنّ ا لشكّ وا لظنّ وا لعلم وأشباهها إنّما تتعلّق بالاُمور ا لتصديقيّـة ; إذ لامعنى للشكّ في أمر


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 363 .

<<التالي الفهرس السابق>>