في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 361)

مقدّمات الإرادة ، وكما أنّ ا لإرادة ا لمتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة تكون ناشئـة من مبادئها ،كذلك الإرادة المتعلّقة بالبعث إليها لابدّ أن تكون مسبوقة بمبادئ نفسها .

وإن كان ا لمراد بـه ثبوت ا لملازمـة بين ا لإرادتين ، لا با لوجـه ا لمتقدّم ، بل بوجـه لاينافي استناد إرادة ا لبعث إ ليها إ لى مبادئها .

فنقول : إنّ تحقّق ا لمبادئ با لنسبـة إ لى هذه ا لإرادة ممّا لايمكن ; ضرورة أنّ من جملتها ا لتصديق بفائدة ا لمراد ، مع أ نّـه في ا لمقام خال عن ا لفائدة رأساً ، فإنّ ا لبعث إ لى شيء إنّما هو لغرض انبعاث ا لمكلّف ، وهو في ا لمقام : إمّا حاصل ، وإمّا غير ممكن ; ضرورة أنّ ا لمكلّف : إمّا أن يكون منبعثاً عن ا لأمر ا لمتعلّق بذي ا لمقدّمـة ، فلا محا لـة يأتي با لمقدّمـة تحصيلاً لتحقّق ا لمبعوث إ ليـه ، وإمّا أن لايكون منبعثاً عن ذلك ا لأمر ، فلايعقل تحقّق الانبعاث با لنسبـة إ لى مقدّمتـه .

وبا لجملـة : حيث يكون ا لبعث إ لى ا لمقدّمـة ممّا لا فائدة فيـه أصلاً ، فلايمكن تعلّق ا لإرادة بـه لعدم تحقّق مبادئها .

ومن هنا يظهر : أنّ قياس ا لإرادة ا لتشريعيّـة بالإرادة ا لتكوينيّـة(1)  قياس مع ا لفارق ; ضرورة أ نّـه في ا لإرادة ا لتكوينيّـة ، بعد ملاحظـة أنّ مطلوبـه ا لأقصى لايتحقّق بدون هذه ا لمقدّمـة ، فلا محا لـة يريد إيجادها في ا لخارج ليمكن لـه ا لتوصّل إ ليـه ، غايـة ا لأمر أنّ ا لفائدة ا لمترتّبـة على هذا ا لمراد إنّما هو إمكان ا لتوصّل إ لى مطلوب آخر ، وهذا بخلاف ا لإرادة ا لتشريعيّـة ; لما عرفت من عدم تحقّق مبادئها ; لعدم ثبوت فائدة في ا لمراد أصلاً .

ثمّ إنّـه لو اُغمض ا لنظر عمّا ذكرنا : من استحا لـة تعلّق ا لإرادة با لبعث إ لى ا لمقدّمـة ، وقلنا بإمكان ذلك ، فلايثبت ا لملازمـة أيضاً ; ضرورة أ نّـه لو كانت


1 ـ أجود ا لتقريرات 1 : 230 .

(الصفحة 362)

ا لملازمـة متحقّقـة بين ا لإرادتين لترتّب عليهما بعثان : بعث إ لى ذي ا لمقدّمـة ، وبعث إ لى نفس ا لمقدّمـة ; إذ لايكون فرق بين ا لإرادتين أصلاً ، فَلِمَ ترتّب ا لمراد على ا لإرادة ا لاُولى وتعلّق ا لبعث بذي ا لمقدّمـة ، ولم يترتّب على ا لإرادة ا لثانيـة ولم يتعلّق بعث بها ، فمن ذلك يستكشف عدم تعلّق ا لإرادة با لبعث إ لى ا لمقدّمـة أصلاً ، كما أ نّـه يستكشف من تعلّق ا لبعث إ لى ذيها تعلّق ا لإرادة بـه ، فأين ا لملازمـة بين ا لإرادتين .

فظهر من جميع ما ذكرنا : عدم ثبوت ا لملازمـة ; لا بين نفس ا لبعثين ، ولا بين ا لإرادتين ا لمتعلّقتين بهما .

الوضوء بنفسه من العبادات المستحبّة

إذا عرفت ما ذكرنا يظهر لك : أنّ ا لوضوء لايكون واجباً بعنوان ا لمقدّميّـة ، ولا مندوباً كذلك ، وا لاستدلال على ذلك بالآيـة وا لروايـة وا لإجماع ـ كما في كلامهم(1) ـ لايفيد أصلاً ، فإنّـه ـ مضافاً إ لى ما عرفت : من أنّ ظاهرها ا لإرشاد إ لى شرطيّـة ا لوضوء للصلاة(2)  وعدم تماميّتها بدونـه ـ بعد حكم ا لعقل بعدم ا لملازمـة ، لابـدّ من تأويلها لو سُلّم كون ظاهرها ا لأمـر ا لمولوي ا لغيري . نعم يكون ا لوضوء بنفسـه ـ لا بعنوان ا لمقدّميّـة ـ من ا لمندوبات ا لنفسيّـة وا لعبادات ا لمستحبّـة وهو بهذه ا لصفـة مقدّمـة للأفعا ل ا لمشروطـة بـه ، لا أن يكون نفس ا لوضوء مقدّمـة لها ، وقد حقّق في ا لاُصول عباديّـة ا لطهارات ا لثلاث ، فراجع(3) .


1 ـ نهايـة ا لإحكام 1 : 19 ، مدارك ا لأحكام 1 : 9 ، جواهر ا لكلام 1 : 8 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 359 .
3 ـ نهايـة ا لأفكار 1 ـ 2 : 328 ، مناهج ا لوصول 1 : 385 ـ 387 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 251 .

(الصفحة 363)


حول وجوب الوضوء بالنذر

ثمّ إنّـه قد يتوهّم : أ نّـه ربما يعرض للوضوء ا لحكم ا لوجوبي ، وهو فيما إذا صار متعلَّقاً للنذر وشبهـه(1) ، ولكنّـه لايخفى أنّ تعلّق ا لنذر بـه ، لايوجب عروض ا لوجوب على عنوان ا لوضوء ; ضرورة أنّ ا لوجوب إنّما تعلّق بعنوان ا لوفاء با لنذر وشبهـه ، وإلاّ لكان ذلك منافياً لتعلّق ا لاستحباب بـه ; ضرورة عدم إمكان اجتماع ا لوجوب وا لاستحباب في شيء واحد ، مضافاً إ لى أنّ صحّـة ا لنذر ا لمتعلّق بـه إنّما هي لكون ا لوضوء راجحاً مستحبّاً ، فكيف يمكن أن يصير تعلّق ا لنذر علّـة لرفع ا لحكم ا لاستحبابي ا لمتعلّق بـه ؟ ! فاجتماع ا لحكمين دليل على اختلاف ا لمتعلّقين وعدم تحقّق تضادّ في ا لبين .

فلنرجع إ لى ذكر ا لفروع ا لتي أوردوها في هذا ا لمقام ، فنقول :

الفرع الأوّل

فيمن نوى بوضوئه الوجوب وليس لديه وضوء واجب

حُكي عن ا لعلاّمـة (قدس سره) (2)  في جملـة من كتبـه : من أنّ من ليس عليـه وضوء واجب إذا نوى با لوضوء ا لوجوب وصلّى بـه ، أعاد ا لصلاة ; فإن تعدّدتا ـ يعني ا لصلاة وا لطهارة ـ مع تخلّل ا لحدث أعاد ا لاُولى(3) .

أقول: أ مّا بناءً على ما ذكرنا من عدم ثبوت ا لملازمـة بوجـه ، وعدم كون


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 3 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 148 ، جواهر ا لكلام 1 : 58 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 56 ـ 57 .
3 ـ تذكرة ا لفقهاء 1 : 148 ، منتهى ا لمطلب 1 : 56 ، قواعد ا لأحكام 1 : 10 / ا لسطر 16 ، نهايـة ا لإحكام 1 : 32 .

(الصفحة 364)

ا لوضوء واجباً ولا مستحبّاً غيريّاً ، بل هو مستحبّ نفسيّ فقط ، فنيّـة ا لوجوب لغو لا تؤثّر في فساد وضوئـه ، فإنّ عباديّتـه ليست لكونـه تعلّق بـه ا لوجوب ا لغيري أو ا لاستحباب ا لغيري ، بل إنّما هي لكونـه متعلّقاً للأمر ا لنفسي ا لاستحبابي ، وا لمفروض أنّ إتيانـه في ا لخارج إنّما هو بداعي ذلك ا لأمر ا لنفسي ; لما عرفت : من أنّ ا لوضوء بوصف ا لعباديّـة مجعول مقدّمـة للصلاة وا لطواف ونظائرهما ، وحينئذ فلايبقى وجـه لبطلان وضوئـه ، كما هو ظاهر .

وأ مّا بناءً على مذهبهم ـ من ثبوت ا لوجوب ا لمقدّمي وا لاستحباب ا لغيري با لنسبـة إ لى ا لوضوء ـ فلا وجـه لبطلانـه أيضاً ، فإنّ عنوان ا لوضوء لايتعلّق بـه ا لحكم ا لغيري ، بل ا لمتعلّق لـه إنّما هو عنوان ا لمتوصّل بـه إ لى ذي ا لمقدّمـة ـ وسيأتي توضيحـه في ا لفرع ا لثاني ـ فلايكون ا لوضوء واجباً أصلاً ; حتّى تكون نيّـة ا لوجوب فيما إذا لم يكن واجباً مضرّاً بصحّتـه وقادحاً فيها .

ثمّ إنّـه لو قلنا بأنّ ا لوجوب ا لناشئ عن وجوب ذي ا لمقدّمـة إنّما يتعلّق بذات ا لوضوء ، فيمكن أن يقا ل أيضاً بصحّتـه في ا لموارد ا لمفروض نظراً إ لى أنّ عباديّتـه ليست لتعلّق ا لأمر ا لغيري بـه ، بل إنّما هي لتعلّق ا لأمر الاستحبابي ا لنفسي بـه ، وسقوط أمره ا لنفسي ـ بناءً على هذا ا لقول ، وهو كون معروض ا لأمر ا لغيري ذوات ا لمقدّمات ـ لايوجب أن تكون عباديّتـه بسبب ذلك ا لأمر ا لغيري .

كيف ! وقـد عـرفت أنّ ا لأمـر ا لغيـري إنّما يتعلّق با لمقدّمـة ، وا لوضـوء مـع قطـع ا لنظـر عـن عباديّتـه لايكـون مقدّمـة أصـلاً ، بل عباديّتـه فـي هـذه ا لصـورة إنّما هـي لـرجحانـه ا لـذاتي ; إذ لايعتبر فيها ثبـوت ا لأمر ا لفعلي ، بل يكفي فيها ملاكـه .

نعم لو قلنا بأنّ متعلّق ا لأمر ا لغيري إنّما هو ذات ا لمقدّمـة ، وأنّ عباديّتـه إنّما

(الصفحة 365)

هي بسبب ذلك ا لأمر ا لغيري ، فلايبقى وجـه لصحّـة ا لوضوء في مفروض ا لمسأ لـة ، إلاّ أن يقا ل با لصحّـة أيضاً فيما إذا كان هناك أمر واحد ، فتوهّم كونـه للوجوب ، فأتى با لمأمور بـه بداعي وجوبـه ; لما عرفت في بعض ا لمسائل ا لمتقدّمـة : من أنّ تقييد ا لموجود ا لخارجي بحسب ا لتوهّم لايؤثّر في تقييده بحسب ا لواقع(1) ; ضرورة أنّ ا لتقييد ا لموجب للتغاير ، إنّما هو با لنسبـة إ لى ا لمفاهيم لا ا لموجودات ا لخارجيّـة .

فانقدح ممّا ذكرنا : صحّـة ا لوضوء بحسب جميع ا لمذاهب ، وعليـه فلايبقى وجـه لوجوب إعادة ا لصلاة في ا لفرضين .

الفرع الثاني

في جواز الوضوء الندبي لمن عليه وضوء واجب

هل يجوز لمن عليـه وضوء واجب أن يتوضّأ بنيّـة ا لتوصّل إ لى ا لغايات ا لمندوبـة ، أم لا ؟ فيـه وجهان ، وا لأقوى هي ا لصحّـة :

أ مّا بناءً على ما عرفت منّا في باب ا لملازمـة فواضح .

وأ مّا بناءً على ا لقول بوجوب ا لمقدّمـة وثبوت ا لملازمـة ، فنقول :

إنّـه لامحيص ـ بناءً عليـه ـ عن ا لقول با لمقدّمـة ا لموصلـة ، كما حقّقناه في ا لاُصول ، وأجبنا عن كلّ ما اُورد عليـه : من إشكا ل ا لدور وا لتسلسل وغيرهما من ا لإشكالات(2) ، وحينئذ فنقول : إنّ حيثيّـة ا لتوصّل وإن كانت من ا لجهات ا لتعليليّـة لثبوت ا لحكم ، إلاّ أ نّـه قد حقّق في محلّـه : أنّ ا لجهات ا لتعليليّـة كلّها ترجع إ لى


1 ـ اُنظر ما تقدّم في ا لصفحـة 351 .
2 ـ مناهج ا لوصول 1 : 392 ـ 396 و 401 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 261 ـ 264 .

(الصفحة 366)

ا لجهات ا لتقييديّـة(1) .

وحينئذ ينقدح : أنّ ذات ا لوضوء لايكون متعلَّقاً للأمر ا لغيري ; حتّى يقا ل : إنّـه في صورة ا لوجوب يسقط ا لاستحباب ، فلايبقى وجـه لصحّـة وضوئـه ; لأنّ ا لاستحباب ا لمتوهّم ثبوته غيرثابت ، وا لمفروض أ نّـه لم يأتِ بـه بنيّـة ا لوجوب ، بل ا لمتعلَّق للأمر ا لغيري إنّما هو عنوان ا لموصل إ لى ذي ا لمقدّمـة ، وحينئذ فلايبقى وجـه لسقوط ا لاستحباب في صورة ا لوجوب ; لا ا لاستحباب ا لنفسي ا لمتعلّق بذات ا لوضوء ، ولا ا لاستحباب ا لغيري ا لمتعلّق با لموصل إ لى ا لغايـة ا لمندوبة ; ضرورة اختلاف متعلّق ا لأحكام ا لثلاثة ، فإنّ متعلَّق ا لوجوب هو ا لموصل إ لى ذي ا لمقدّمـة ا لواجب ، ومتعلّق ا لاستحباب ا لغيري هو ا لموصل إ لى ا لغايـة ا لمندوبـة ، ومتعلّق ا لاستحباب ا لنفسي هو نفس عنوان ا لوضوء ، فأين يلزم من ثبوت ا لوجوب سقوط ا لاستحبابين ، بعد ثبوت ا لاختلاف وتحقّقه في ا لبين ؟ !

الفرع الثالث

حول اشتراط الوضوء الواجب للصلاة بوقوع الصلاة بعده

متى وقع ا لوضوء ا لواجب ا لرافع للحدث ا لمبيح للصلاة ، هل يترتّب عليـه أثره ـ وهو ا لرفع ـ منجَّزاً من غير توقّف على تحقّق ا لصلاة بعده ، أو يتوقّف على تحقّقها ؟ قولان .

ظاهر ا لمشهور ا لأوّل(2) ، وحكى في «ا لحدائق» عن بعض : أ نّـه لايجوز فعل ا لوضوء لمن لم يكن من نيّتـه فعل ا لصلاة ، وأ نّـه لو كان من نيّتـه فعل ا لصلاة


1 ـ مناهج ا لوصول 1 : 390 ـ 391 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 259 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 67 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 203 .

(الصفحة 367)

ولم يفعلها تبيّن بطلانـه(1) .

وقد استشكل على ذلك بلزوم ا لدور ا لواضح ; ضرورة أنّ صحّـة ا لصلاة وتحقّقها ، متوقّفـة على ا لوضوء ا لرافع للحدث أو ا لمبيح للصلاة ، فلو كانت صحّـة ا لوضوء وتأثيره في ا لرفع أو ا لإباحـة ، متوقّفـة على تحقّق ا لصلاة بعده ، كما هو ظاهر هذا ا لقول ، يلزم ا لدور(2) .

ولكنّـه لايخفى أ نّـه يمكن توجيـه هذا ا لكلام بما لايرد عليـه هذا ا لإيراد ا لواضح ; بأن يقا ل :

إنّـه حيث كان متعلّق ا لأمر ا لغيري هو ا لوضوء ا لموصل إ لى ا لصلاة ، فحيث لم تتحقّق ا لصلاة بعده ، يكشف عن عدم تحقّق متعلّق ا لأمر ا لغيري .

ويؤيّد ذلك : أ نّـه لو كان مرادهم توقّف صحّـة ا لوضوء على تحقّق ا لصلاة بعده ، فعدم تحقّقها يوجب عدم تماميّـة ا لوضوء ، لا أ نّـه يكشف عن بطلانـه ; ضرورة أنّ ا لصلاة ـ حينئذ ـ تصير شرطاً للوضوء ، ومن ا لمعلوم أنّ فقدان ا لشرط يوجب عدم تماميّـة ا لمشروط ونقصانـه ، لا أ نّـه يكشف عن بطلانـه ، فتعبيرهم با لكشف وا لتبيّن دليل على عدم كون مرادهم ذلك ا لمعنى .

لا أقول : إنّ ا لقول با لمقدّمـة ا لموصلـة مستلزم للقول ببطلان ا لوضوء فيما إذا لم يعقّبـه با لصلاة ، فإنّ ذلك باطل ، كما سيجيء بيانـه .

بل أقول : إنّ ظاهر كلامهم يأبى عن كون مرادهم ذلك ا لمعنى ، ا لذي بلحاظـه اُشكل با لدور على ا لقائل بـه .

ثمّ إنّ ابتناء كلامهم على ا لقول با لمقدّمـة ا لموصلـة ـ ا لظاهر في استلزام ا لقول بها للقول ببطلان ا لوضوء في ا لفرض ا لمذكور ، كما في «ا لمصباح» ; حيث


1 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 218 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 203 .

(الصفحة 368)

إنّـه اعترض عليهم ببطلان ا لمقدّمـة ا لموصلـة(1) ـ ممّا لايكاد يتمّ أصلاً ، فإنّ ا لقول بها ـ كما هو ا لتحقيق بناءً على ثبوت ا لملازمـة(2) ـ لاينافي ا لقول بصحّـة ا لوضوء في مفروض ا لمسأ لـة ; ضرورة أنّ مجرّد توقّف تحقّق متعلّق ا لأمر ا لغيري على حصول ا لصلاة بعده ، لايوجب بطلان ا لوضوء ; لما عرفت من أ نّـه بوصف كونـه عبادةً مجعولٌ مقدّمـة للصلاة وا لطواف ونظائرهما ، وأنّ ا لمصحّح لعباديّتـه إنّما هو ا لاستحباب ا لنفسي ا لمتعلّق بعنوانـه ، لا ا لوجوب ا لغيري(3) ، وحينئذ فلايبقى مجا ل لتوهّم بطلانـه بناءً على هذا ا لقول أيضاً .

الفرع الرابع

في انكشاف الحدث الأصغر بعد الوضوء الاستحبابي

لو توضّأ بنيّـة ا لتجديد ، فانكشف كونـه محدثاً ، أو توضّأ عقيب ا لمذي استحباباً بزعم كونـه متطهّراً ، فانكشف ا لعدم ، أو توضّأ استحباباً بزعم ا لحيض أو ا لجنابـة ، فظهر خلافهما ; وأ نّـه كان مُحدثاً با لحدث ا لأصغر ، فالأقوى صحّـة ا لوضوء في جميع هذه ا لصور ; لأنّ ا لوضوء ا لتجديدي ، وكذا وضوء ا لحائض وا لجُنُب ، وكذا ا لوضوء عقيب ا لمذي ، لايكون لها ماهيّات مغايرة للوضوء ا لرافع ، بل لايكون للوضوء إلاّ ماهيّـة واحدة وحقيقـة فاردة ، كما يشهد بذلك غير واحد من ا لأخبار ، غايـة ا لأمر أ نّـه با لنسبـة إ لى ا لحائض وا لجُنُب ، لايكون ا لمحلّ قابلاً للتأثير ا لتامّ ، بل يؤثّر ا لوضوء با لنسبـة إ ليهما في تخفيف ا لحدث ورفع ا لحرمـة بالإضافـة إ لى بعض ا لغايات ، وهكذا ا لوضوء ا لتجديدي ، فإنّـه أيضاً


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 203 ـ 204 .
2 ـ مناهج ا لوصول 1 : 401 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 267 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 362 .

(الصفحة 369)

يكون مثل ا لوضوء ا لأوّل ، غايـة ا لأمر أ نّـه لو لم يصادف ا لحدث يؤكّد ا لطهارة .

ويؤيّده : ما عن «ا لذكرى»(1)  ناسباً لـه إ لى ظاهر ا لأخبار وا لأصحاب : من أنّ ا لحكمـة في تشريعـه تدارك ما في ا لطهارة ا لاُولى من ا لخلل(2) .

وكيف كان ، فلاينبغي ا لإشكا ل في وحدة ماهيّـة ا لوضوء واتّحاد حقيقتـه ، ومعـه لامجا ل لبطلانـه في مثل ا لفروض ا لمذكورة ، فتدبّر جيّداً .

المطلب السادس: في الضميمة

وتفصيل ا لكلام في هذا ا لمقام يتوقّف على ا لتكلّم في مقامات ثلاث : لأنّ ا لضميمـة قد تكون مباحـة ، وقد تكون راجحـة ، وقد تكون محرّمـة .

وقبل ا لخوض في بيان أحكام ا لصور ا لثلاثـة ، لابدّ أوّلاً من تحرير محلّ ا لنزاع ومورد ا لبحث ، فنقول :

تحرير محلّ النزاع

محلّ ا لكلام في هذا ا لمقام ما إذا ضمّ إ لى نيّـة ا لتقرّب إرادة شيء آخر ، متعلّقـة بنفس ا لفعل ا لعبادي ا لذي يتقرّب بـه .

وبعبارة اُخرى : كانت ا لدواعي ا لاُخر داعيـة أيضاً إ لى نفس طبيعـة ا لفعل ا لمأمور بـه ، كما أنّ داعي ا لقربـة يدعو إ ليها .

وأ مّا إذا كانت ا لدواعي ا لاُخر ، باعثـة على ترجيح بعض أفراد ا لطبيعـة ا لمأمور بها على ا لبعض ا لآخر ، فا لظاهر خروجـه عن مورد ا لنزاع ; إذ لاينبغي


1 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 210 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 371 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 210 .

(الصفحة 370)

ا لإشكا ل في صحّتـه ; لأنّ ا لمعتبر في ا لعبادة أن يكون ا لداعي إ لى إتيان متعلّق ا لأمر هو قصد ا لقربـة ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لمأمور بـه إنّما هي نفس ا لطبيعـة ، وا لخصوصيّات خارجـة عنـه ، فمجرّد كون ا لداعي على بعض ا لخصوصيّات غير داعي ا لقربـة ، لايوجب بطلان ا لعبادة ، بعد ما كان ا لداعي إ لى أصل ا لطبيعـة ا لمتعلّقـة للأمر داعياً إلهيّاً ، بل لايجوز قصد ا لقربـة با لنسبـة إلى ا لخصوصيّات فيما لم تكن راجحـة شرعاً ; لما عرفت من خروجها عن متعلّق ا لأمر ، فلايعقل أن يصير ا لأمر داعياً إ ليها ; لأنّ ا لأمر لايدعو إلاّ إ لى متعلّقـه .

وبا لجملـة:لا إشكا ل في ا لصحّـة في هذه ا لصورة ; لأنّ ا لداعي ا لقربي صار داعياً إ لى نفس متعلّق ا لأمر ، وا لداعي ا لنفساني صار داعياً إ لى بعض ا لخصوصيّات ا لخارجـة عن دائرة تعلّق ا لأمر ، وعليـه فلا إشكا ل في صحّـة ا لوضوء با لماء ا لبارد في ا لصيف ، وبا لماء ا لحارّ في ا لشتاء ; سواء كان ا لداعي ا لنفساني ، مؤثّراً في ترجيح بعض ا لخصوصيّات على ا لبعض ا لآخر في مقام الامتثا ل فقط ; بمعنى أ نّـه لو لم يكن ا لداعي ا لإلهي في ا لبين ; وبعبارة اُخرى : لو لم  يكن قاصداً للوضوء لم يكن قاصداً للتبريد أو ا لتسخين أصلاً ، ولكن حيث إنّـه مريد لامتثا ل أمر ا لوضوء ، يوجد في نفسـه داع نفساني إ لى امتثا لـه في ضمن بعض ا لخصوصيّات ، ا لذي هو مقتضى شهوة ا لنفس وميلها ، دون ا لبعض ا لآخر ، أو كان ا لداعي ا لنفساني مستـقـلاًّ في ا لداعويّـة إ لى ا لتبريد وا لتسخين مثلاً ; بمعنى أ نّـه لو لم يكن ا لداعي إ لى ا لوضوء متحقّقاً ، لكان ا لداعي ا لنفساني يحرّكـه إ لى مدعوّ ا لنفس .

وبعبارة اُخرى : كان هنا داعيان مستقلاّن يؤثّر كلّ واحد منهما ولو انفرد عن ا لآخر : أحدهما ما يدعو إ لى طبيعـة ا لوضوء ، وا لآخر ما يدعو إ لى طبيعـة ا لتبريد مثلاً .

(الصفحة 371)

وجـه ا لصحّـة في ا لصورة ا لاُولى ما عرفت .

وأ مّا ا لصورة ا لثانيـة فا لوجـه في صحّتها : هو أنّ ا لداعي ا لإلهي با لنسبـة إ لى متعلّق ا لأمر ـ وهو ا لوضوء ـ خا لص غير مشوب با لضميمـة أصلاً ، وداعويّـة ا لداعي ا لآخر إ لى ا لوضوء با لماء ا لبارد ، إنّما ترجع أيضاً إ لى ترجيح بعض ا لخصوصيّات على ا لبعض ا لآخر ; بمعنى أ نّـه صار داعياً إ لى استعما ل ا لماء ا لبارد في ا لوضوء ; إذ لايعقل أن يصير داعياً إ لى نفس ا لوضوء ; لأنّ طبيعـة ا لوضوء لاتكون مبرّدة ، وإلاّ يلزم بطلان ا لوضوء با لماء ا لحارّ .

وبا لجملـة : فا لداعي ا لنفساني يدعو إ لى طبيعـة مغايرة للطبيعـة ا لتي يدعو إ ليها ا لداعي ا لإلهي ا لقُربي ، ومجرّد اتّحادهما في ا لوجود لايوجب سرايـة أحدهما إ لى مدعوّ ا لآخر ، وإلاّ يلزم ذلك في ا لصورة ا لاُولى أيضاً .

فظهر من جميع ذلك : أنّ مورد ا لنزاع ، إذا كان ا لداعي ا لنفساني داعياً إ لى نفس ا لطبيعـة ا لمأمور بها ا لتي يدعو إ ليها ا لداعي ا لقُربي .

المقام الأوّل: في الضميمة المباحة وأقسامها

ويتصوّر فيها أربعـة أقسام :

ا لأوّل : ما يكون قصدها تابعاً لقصد ا لتقرّب ; بمعنى أنّ ما يستند إ ليـه ا لتأثير إنّما هو ا لداعي ا لقُربي ، ولايكون قصد ا لضميمـة ا لمباحـة مؤثّراً في ذلك أصلاً . نعم ثمرتـه تأكّد غرضـه وشدّة اشتياقـه ، ولا إشكا ل في صحّـة ا لعبادة في هذا ا لقسم ; لعدم منافاة هذا ا لنحو من ا لقصد للإخلاص ا لمعتبر في ا لعبادة .

ا لثاني : ما يكون قصد ا لتقرّب تابعاً لقصد ا لضميمـة با لمعنى ا لذي عرفت عكس ا لقسم ا لأوّل ، ولا إشكا ل في ا لبطلان في هذا ا لقسم ; لعدم استناد ا لفعل إ لى قصد ا لتقرّب ا لمعتبر في صحّـة ا لعبادة أصلاً .

(الصفحة 372)

ا لثا لث : أن يكون قصد ا لتقرّب وا لضميمـة كلاهما مؤثّرين في حصول ا لفعل ; بحيث كان كلّ منهما جزء ا لمؤثّر على نحو لو لم يكن ا لآخر لما تحقّق ا لفعل في ا لخارج ، ولا إشكا ل أيضاً في بطلان ا لعبادة في هذا ا لقسم ; لأ نّـه يعتبر في صحّـة ا لعبادة ، أن يكون ا لداعي لـه إ ليها هو قصد ا لتقرّب مستـقـلاًّ ، وا لمفروض في هذه ا لصورة قصوره عن ا لتأثير .

ا لرابع : أن يكون كلٌّ من ا لقصدين مستـقـلاًّ في ا لدعوة وا لتأثير ; بحيث لو انفرد عن ا لآخر لكان باعثاً على ا لفعل ، لكن اجتماعهما على شيء واحد أوجب خروجهما عن ا لاستقلال ; لامتناع توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد .

حول تقريب القول بالصحّة في القسم الرابع

وقد حُكي(1)  ا لقول با لصحّـة في هذا ا لقسم عن كاشف ا لغطاء(قدس سره) (2)  وتقريبـه بوجهين :

أحدهما : ما أفاده ا لشيخ (قدس سره) في توجيهـه ; حيث قا ل في «كتاب ا لطهارة» : «ولعلّـه لدعوى صدق ا لامتثا ل ـ حينئذ ـ وجواز استناد ا لفعل إ لى داعي ا لأمر ; لأنّ وجود ا لداعي ا لمباح وعدمـه ـ حينئذ ـ على ا لسواء ، نعم يجوز استناده إ لى ا لداعي ا لمباح أيضاً ، لكن ا لقادح عدم جواز ا لاستناد إ لى ا لأمر ، لا جواز الاستناد إ لى غيره ; ألا ترى أ نّـه لو أمر ا لمولى بشيء ، وأمر ا لوا لد بذلك ا لشيء ، فأتى ا لعبد مريداً لامتثا لهما ; بحيث يكون كلٌّ منهما كافياً في بعثه لوانفرد ، عُدّ ممتثلاً لهما»(3) .

أثانيهما : ما أفاده بعض ا لمحقّقين من ا لمعاصرين في كتابـه في ا لصلاة


1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 96 .
2 ـ كشف ا لغطاء : 90 / ا لسطر 25 و 318 / ا لسطر 23 ـ 24 .
3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 96 .

(الصفحة 373)

واختاره ; حيث قا ل : «ولعلّ ا لوجـه في ذلك : أنّ ا لمعتبر في ا لعبوديّـة أن يصير ا لعبد بحيث يكون تأثير أوامر ا لمولى في نفسـه ـ با لنسبـة إ لى متعلّقاتها ـ كتأثير ا لعلل ا لتكوينيّـة في معلولاتها ، ومن ارتاض نفسـه بهذه ا لمثابـة ووصل إ لى هذه ا لمرتبـة ، فمتى يأمر ا لمولى يتحرّك عضلاتـه نحو ا لمأمور بـه بواسطـة ا لأمر ، ويتقرّب بواسطـة تلك ا لحركـة إ لى ا لمولى ; لأ نّـه عبد تهيّأ لتحصيل مقاصد ا لمولى ، غايـة ا لأمر لو لم يكن لـه غرض نفسانيّ في ا لفعل فا لمستند في إيجاد ا لفعل هو ا لأمر مستقلاّ ، وإن كان لـه غرض أيضاً فا لمستند هو ا لمجموع ، لا من باب عدم تأثير أمر ا لمولى في نفسـه ، بل من جهـة عدم قابليّـة ا لمحلّ لأن يستند إ لى كلّ واحد مستقلاّ ، واستحا لـة ا لترجيح من غير مرجّح . . . إ لى أن قا ل :

ويشهد لهذا : أ نّـه لو أمر آمران بفعل واحد ، وكان ا لشخص بحيث يؤثّر كلّ واحد من ا لأمرين في نفسـه ، ثمّ أتى بذلك ا لفعل امتثالاً لهما يصير مقرّباً عند كلّ منهما . . . إ لى أن قا ل :

وآيـة ا لإخلاص(1)  تدلّ على وجوب تخليص عبادة الله عن عبادة ا لأوثان ، وا لأدلّـة ا لحاصرة للعباد فيمن يعمل طمعاً في ا لثواب ، ومن يعمل خوفاً من ا لعقاب ، ومن يعمل حبّاً لله تعا لى(2) ، إنّما تدلّ على بطلان ا لعمل ا لمستند إ لى شيء آخر بدل هذه ا لاُمور ، ولاتنافي صحّـة عمل من يوجد أحد هذه ا لاُمور في نفسـه تامّاً ، وإنّما استند ا لعمل فعلاً في ا لخارج إ ليـه وإ لى شيء آخر ; لعدم قابليّـة ا لمحلّ لأن يكون مستنداً إ لى كلّ واحد مستقلاّ .

وا لحاصل : ليس في ا لأدلّـة ما يدلّ على لزوم استقلال داعي ا لطاعـة ، بعد


1 ـ ا لبيّنـة (98) : 5 .
2 ـ نهج ا لبلاغـة : 510 ، ا لحكم 237 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 63 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 9 ، ا لحديث 3 .

(الصفحة 374)

وصولـه مرتبـة يصلح لأن يكون مؤثّراً»(1) .

أقول : أ مّا ا لتقريب ا لأوّل :

فقد أجاب عنـه ا لشيخ (قدس سره) بما حاصلـه : منع جواز استناد ا لفعل إ لى كلٍّ منهما ; لامتناع وحدة ا لأثر وتعدّد ا لمؤثّر ، ولا إ لى أحدهما للزوم ا لترجيح من دون مرجّح ، بل هو مستند إ لى ا لمجموع ، وا لمفروض أنّ ظاهر أدلّـة اعتبار ا لقُربـة ينفي مدخليّـة شيء آخر ، وأ مّا ا لمثا ل فيمنع فيـه صدق امتثا ل كلٍّ منهما . نعم حيث إنّـه اجتمع ا لأمران في فعل واحد شخصيّ لايمكن ا لتعدّد فيـه ، فلابدّ من ا لإتيان بـه مريداً لامتثا ل كلٍّ منهما ; إذ لايمكن موافقـة ا لأمر في هذا ا لفرض بوجه آخر ، بخلاف ا لمقام ، فإنّه يمكن تخليص ا لداعي لموافقـة ا لأمر ; وتحصيل ا لتبرّد بغير ا لوضوء إن أمكن ، وإلاّ فعليـه تضعيف داعي ا لتبرّد وتقويـة داعي ا لإخلاص ، فإنّ ا لباعثين ا لمستقلّين يمكن ملاحظـة أحدهما دون ا لآخر . ثمّ أتى بمثا ل لذلك(2) ، فراجع .

وأ مّا ا لتقريب ا لثاني :

فيرد عليـه : أنّ مجرّد كون ا لعبد واصلاً إ لى ا لمرتبـة ا لتي تتحرّك عضلاتـه نحو ا لمأمور بـه بمجرّد صدور ا لأمر من ا لمولى ، لاينفع با لنسبـة إ لى هذا ا لفعل ا لخارجي ا لذي لم يكن أمر ا لمولى داعياً مستقلاّ لـه وباعثاً تامّاً على تحقّقـه ، وكونـه بحيث لو لم يكن لـه غرض نفساني يحرّكـه ا لأمر نحو ا لمأمور بـه ، لايُجدي بملاحظـة ا لفعل ا لخارجي ، ا لصادر منـه مستنداً إ لى كلّ واحد من ا لداعيين بنحو ا لجزئيّـة .

وبا لجملـة:فا للازم ملاحظـة كيفيّـة تحقّق ا لفعل في ا لخارج ; وأ نّـه هل


1 ـ ا لصلاة ، ا لمحقّق ا لحائري : 131 ـ 132 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 96 .

(الصفحة 375)

صدر عن داع قُربيّ فقط ، أو كان شيء آخر دخيلاً في تحقّقـه ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لمستفاد من ا لأدلّـة إنّما هو اعتبار ا لإخلاص ونفي مدخليّـة ا لغير .

وأ مّا ا لمثا ل ا لذي ذكره ، فتحقّق موافقـة كلٍّ من ا لأمرين وحصول غرض كلٍّ من ا لشخصين ، إنّما هو باعتبار كون ا لمأمور بـه من ا لتوصّليّات ، لا ا لتعبّديّات ا لمعتبرة في صحّتها نيّـة ا لتقرّب وا لإخلاص .

فالأقوى بطلان ا لعبادة في هذا ا لقسم .

وحينئذ فإن أمكن لـه تضعيف ا لداعي ا لنفساني وتخليص ا لداعي لموافقـة ا لأمر ، وإلاّ فا لواجب : إمّا ا لقول بانتقا ل فرضـه إ لى ا لتيمّم في مثل مسأ لـة ا لوضوء ، وإمّا ا لقول بكفايـة هذا ا لمقدار في صحّـة ا لعبادة مع ا لعجز عن ا لتخليص ; لأ نّـه ا لقدر ا لممكن من ا لامتثا ل ، وا لأحوط ا لجمع بين ا لوضوء وا لتيمّم في هذه ا لصورة .

المقام الثاني: في الضمائم المحرّمة

وا لكلام في هذا ا لمقام يقع من جهتين : ا لاُولى فيما تقتضيـه ا لقاعدة في مطلق ا لضمائم ا لمحرّمـة ، ا لثانيـة فيما تقتضيـه ا لقاعدة وكذا ا لأخبار ا لواردة في بعض أفرادها ، كا لرياء ونحوه .

أ مّا ا لجهـة ا لاُولى : فا لشيء ا لمحرّم ا لذي انضمّ قصده إ لى نيّـة ا لتقرّب ; إن كان متّحداً وجوداً مع ا لفعل ا لعبادي ، فلا إشكا ل في ا لبطلان في جميع ا لأقسام ا لأربعـة ا لمتصوّرة ا لمتقدّمـة ـ وإن قلنا بجواز اجتماع ا لأمر وا لنهي كما هو ا لتحقيق(1) ـ لأنّ ا لفعل ا لمحرّم لايمكن أن يكون مقرِّباً للعبد ; لامتناع كون وجود


1 ـ مناهج ا لوصول 2 : 128 ـ 134 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 391 .

(الصفحة 376)

واحد مقرّباً ومبعّداً معاً ; لأ نّهما عنوانان متضادّان لايعقل اجتماعهما في شيء واحد ، وهذا بخلاف عنواني ا لصلاة وا لغصب ا لمجتمعين في ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة ; لأنّ ا لنسبـة بينهما ا لتخا لف ، لا ا لتضادّ ا لمانع عن ا لاجتماع .

هذا ، وربما يتوهّم : إمكان كون شيء واحد مقرّباً من حيثيّـة ومبعّداً من حيثيّـة اُخرى ; نظراً إ لى أنّ ا لمقرّب ليس هو وجود ا لصلاة حتّى يقا ل : إنّ وجودها هو بعينـه وجود ا لغصب ، وكذا ليس ا لمقرّب هي طبيعـة ا لصلاة بما هي ; مع قطع ا لنظر عن تحقّقها في ا لخارج ; حتّى يقا ل : إنّ ا لطبيعة من حيث هي لاتكون مقرّبة ، كما هو واضح ، بل ا لمقرّب هي ا لصلاة ا لمتّصفـة بوصف ا لوجود ، وكذا ا لمبعّد إنّما هي طبيعـة ا لغصب ا لموجودة في ا لخارج ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لطبيعتين موجودتان في ا لخارج ولو بوجود واحد ، فا لوجود وإن كان واحداً إلاّ أنّ ا لموجود متعدّد .

وقد ظهر : أنّ وصف ا لمقرّبيّـة وا لمبعّديّـة إنّما يعرض للموجود لا للوجود ، وحينئذ فلا مجا ل للإشكا ل : في أنّ ا لوجود ا لواحد لايمكن أن يجتمع فيـه ا لوصفان ; لأنّ ذلك مبنيّ على أن يكون موصوفهما هو ا لوجود ، وا لمفروض أنّ ا لمعروض هو ا لموجود ، وهو متعدّد .

وأنت خبير : بفساد هذا ا لتوهّم ، فإنّـه من ا لواضح أ نّـه ليس في ا لخارج إلاّ شيء واحد ; يكون بتمامـه مصداقاً لعنوان ا لصلاة ومنطبقاً عليـه عنوان ا لغصب ، ولايكون هنا حيثيّتان وجوديّتان ; حتّى يقا ل : إنّ ا لمبعّد حيثيّتـه مغايرة لحيثيّـة ا لمقرّب ، بل لاتكون إلاّ حيثيّـة واحدة ، غايـة ا لأمر أنّ ا لعقل يحلّلها إ لى شيئين ، ويحكم عليـه بعنوانين ، فهما ـ أي ا لعنوانان ـ وإن كانا متغايرين إلاّ أ نّهما بأنفسهما لايكونان مقرّباً ومبعّداً ، وا لمفروض أنّ ما يعرض لـه أحد هذين ا لوصفين ـ وهو ا لوجود ا لخارجي ـ لايكون متعدّداً .

(الصفحة 377)

فانقدح من ذلك : بطلان ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة وإن قلنا بجواز ا لاجتماع ، كما هو مقتضى ا لتحقيق .

هـذا كلّه فيما لـو كان ا لشيء ا لمحرّم متّحداً مـع ا لفعل ا لعبادي فـي ا لـوجـود الخارجي.

وأ مّا لو كان مترتّباً عليـه في ا لخارج وملازماً لـه في ا لتحقّق ، فحكمـه حكم ا لمباح في جميع ا لأقسام ا لأربعـة ا لمتقدّمـة .

هذا لو لم نقل بسرايـة ا لحرمـة من ذلك ا لشيء إ لى ا لفعل ا لعبادي من غير جهـة ا لمقدّميّـة . وأ مّا لو قلنا بذلك فحكمـه حكم ا لصورة ا لاُولى ، كما لايخفى .

وأ مّا ا لحرمـة من جهـة ا لمقدّميّـة ـ بناء على حرمـة مقدّمـة ا لحرام ـ فلاتضرّ بعدما ثبت في محلّـه من أنّ ا لحرمـة ا لمقدّميّـة حرمـة غيريّـة ، ولايترتّب على مخا لفتها بنفسها عقاب ; إذ لاتكون بذاتها مبغوضـة أصلاً(1) .

نعم مع ثبوت ا لنهي ا لفعلي ا لمتعلّق بها لايعقل أن تكون متعلَّقـة للأمر أيضاً . وحينئذ يكون بطلان ا لعبادة مستنداً إ لى عدم ا لأمر ; لو قلنا بعدم كفايـة ا لملاك في صحّـة ا لعبادة ; وتوقّفها على تعلّق ا لأمر ا لفعلي بها .

ولكن قد عرفت سابقاً فساد هذا ا لقول(2) ; وأنّ صحّـة ا لعبادة لاتتوقّف على تعلّق ا لأمر ا لفعلي ، مضافاً إ لى ما عرفت من أنّ ا لحكم ا لمقدّمي لايكـون متعلّقاً بنفس ا لمقدّمة(3) ، وما يكون محمولاً لـه هـذا ا لعنوان با لحمل ا لشائع كمـا قيل(4)


1 ـ اُنظر مناهج ا لوصول 1 : 378 ـ 382 و 415 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 247 و 282 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 354 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 364 .
4 ـ اُنظر فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 1 ـ 2 : 286 ـ 288 ، نهايـة ا لأفكار 1 ـ 2 : 333 ـ 338 .

(الصفحة 378)

بل متعلّقـه إنّما هـو نفس عنوان ا لمقـدّمـة ; لأنّ ا لحيثيّات ا لتعليليّـة كلّها تـرجـع إ لـى ا لحيثيّات ا لتقييديّـة ، وحينئـذ فـلا مانع مـن أن يجتمع ا لنهي ا لفعلي مـع ا لأمر ، بعـد كـون متعلّق ا لأوّل هـي نفس عنـوان ا لمقدّمـة ، ومتعلّق ا لثاني هـو ذات ا لفعل بعنوانـه .

وأ مّا ا لجهـة ا لثانيـة : فنقول :

إن قلنا بأنّ ا لمحرّم في باب ا لرياء هو نفس ا لفعل ا لعبادي ، ا لذي يُراد بسببـه طلب ا لمنزلـة عند ا لناس ، فيصير حكم ا لعمل ا لمراءى بـه حكم ما لو كان ا لحرام متّحداً مع ا لعبادة في ا لوجود ا لخارجي ، فيبطل مطلقاً ; سواء كان قصده تابعاً لنيّـة ا لقربـة أو ا لعكس ، أو كان داعياً مستقلاّ كنيّـة ا لقُربـة ، أو كان جزء ا لمؤثّر .

وا لوجه فيه : ماعرفت من أنّ ا لمحرّم لايمكن أن يكون عبادة ومقرِّباً للعبد .

وإن قلنا بأنّ ا لمحرّم في باب ا لرياء هو ا لقصد ، لا نفس ا لعمل ا لخارجي ، فيصير حكمـه حكم ا لضميمـة ا لمباحـة .

ونحن وإن حكمنا فيها بصحّـة ا لقسم ا لأوّل من ا لأقسام ا لأربعـة ا لمتصوّرة ا لمتقدّمـة ـ وهو ما يكون ا لداعي ا لنفساني تابعاً لقصد ا لتقرّب ـ إلاّ أ نّـه لايخفى أنّ ا لحكم با لصحّـة فيـه أيضاً محلّ نظر بل منع ; وذلك لأ نّـه لاريب في أنّ اشتياق ا لنفس إ لى ا لفعل بعد وجود ا لداعي ا لضعيف ، أيضاً يكون أشدّ ممّا إذا لم يكن فيـه هذا ا لداعي ، ومن ا لمعلوم ـ كما حقّق في محلّـه(1) ـ أ نّـه ليس نفس طبيعـة ا لاشتياق ـ ا لصادقـة على ا لاشتياق غير ا لشديد أيضاً ـ شيئاً ووصف ا لشدّة فيـه شيئاً آخر ; بحيث يكون هنا شيئان : أحدهما طبيعـة ا لاشتياق ، وا لآخر شدّتـه ، بل ليس هنا إلاّ وجود واحد وهويّـة فاردة ، نظير ا لنور ا لشديد وا لوجود ا لشديد


1 ـ ا لحكمـة ا لمتعا ليـة 6 : 338 ـ 343 .

(الصفحة 379)

ونظائرهما ، وحينئذ يكون هذا ا لوجود ا لواحد ، متولّداً من ا لداعي ا لقُربي ا لقوي وا لداعي ا لنفساني ا لضعيف ، وإن كان ا لمفروض أ نّـه لو لم يكن ا لداعي ا لنفساني موجوداً في ا لبين ، لكان ا لداعي ا لقُربي مؤثّراً في حصول ا لاشتياق ، إلاّ أنّ ذلك لايؤثّر با لنسبـة إ لى هذا ا لاشتياق ا لخارجي ا لمتولّد منهما معاً ، وإلاّ لكان ا للازم ا لقول با لصحّـة في ا لقسم ا لرابع أيضاً ; لعدم ا لفرق بينهما من هذه ا لجهـة ، وقد عرفت أنّ ا لتحقيق يقتضي بطلان ا لعبادة فيـه(1) .

وحينئذ فا لفعل ا لمستند إ لى ا لإرادة ا لناشئـة من ا لاشتياق ا لمتولّد من ا لداعيين معاً ، يكون مستنداً إ لى كليهما ، فيكون فاقداً لما يعتبر في ا لعبادة من ا لإخلاص وعدم الاستناد إلاّ إ لى نيّـة ا لقُربـة .

وبا لجملـة:فا لداعي وإن كان ضعيفاً ، إلاّ أ نّـه لا محا لـة لـه تأثير في حصول ا لاشتياق ولو بنحو ا لجزئيّـة ، وإلاّ لايكون داعياً بوجـه ، ومع فرض استناد ا لاشتياق إ ليـه ولو بنحوها ، لايبقى مجا ل للقول با لصحّـة أصلاً .

فا لتحقيق : بطلان ا لعبادة في جميع ا لأقسام ا لمتقدّمـة .

هذا كلّـه في ا لرياء في أصل ا لفعل ا لعبادي .

حول الرياء في الأجزاء الواجبة

وأ مّا لو كان ا لرياء في بعض أجزائـه ، فتارة يكون ذلك ا لجزء من ا لأجزاء ا لواجبـة ، ا لتي لها مدخليّـة في حقيقـة ا لأمر ا لعبادي وماهيّتـه ، واُخرى يكون من ا لأجزاء ا لمستحبّـة .

أ مّا لو كان ا لرياء في ا لجزء ا لواجب ، فلا إشكا ل في وقوع ذلك ا لجزء ا لذي


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 372 ـ 375 .

(الصفحة 380)

وقع ا لرياء فيـه فاسداً ، وحينئذ فإن لم يمكن ا لتدارك فا لعمل فاسد ، وإن أمكن ا لتدارك وتدارك ، فا لبطلان مبنيّ على صدق ا لزيادة ا لعمديّـة ، ا لتي ورد في ا لأخبار أ نّها مبطلـة للصلاة ، مثل ما عن أبي بصير ، قا ل : قا ل أبوعبدالله (عليه السلام)  : «من زاد في صلاتـه فعليـه ا لإعادة»(1) .

نعم قد يقا ل بعدم صدق عنوان ا لزيادة في ا لمقام ; إمّا لأنّ ا لمراد با لزيادة ما يكون من قبيل ا لزيادة في ا لعمر في قولك : زاد الله في عمرك ، فيكون ا لمقدّر ا لذي جعلت ا لصلاة ظرفاً لـه هي ا لصلاة ، فينحصر ا لمورد بما كان ا لزائد مقداراً يمكن أن يطلق عليـه ا لصلاة مستقلاّ كا لركعـة(2) .

وإمّا لأنّ صدق عنوان ا لزيادة ا لمبطلـة على ا لفعل ا لزائد ، متوقّف على كونـه من حين إيجاده متّصفاً بذلك وصادراً بهذا ا لعنوان ، مع أ نّـه في ا لمقام ليس كذلك فإنّ ا لركوع ا لواقع رياء ـ مثلا ـ لايصدق عليـه عنوان ا لزيادة بمجرّد وقوعـه وصدوره ، بل لو ركع ثانياً خا لصاً غير مشوب با لرياء ـ كما هو ا لمفروض ـ يصير ذلك سبباً لاتّصاف ا لركوع ا لأوّل ا لواقع رياء بعنوان ا لزيادة قهراً ، وهذه ا لزيادة لاتكون مبطلـة(3) .

وأنت خبير : بأنّ ا لمراد با لزيادة ا لمذكورة في ا لأخبار ، هو مطلق ما يكون خارجاً عن ا لصلاة إذا أتى بـه بما أ نّـه من ا لصلاة داخل فيها ، فكلّ شيء ـ سواء كان مسانخاً لأجزاء ا لصلاة ، أو مخا لفاً لها ـ إذا زاده ا لمصلّي في صلاتـه بعنوان


1 ـ ا لكافي 3 : 355 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 2 : 194 / 764 ، الاستبصار 1 : 376 / 1429 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 231 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لخلل ا لواقع في ا لصلاة ، ا لباب 19 ، ا لحديث2 .
2 ـ ا لصلاة ، ا لمحقّق ا لحائري : 312 .
3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لصلاة : 540 / ا لسطر 10 ـ 19 .

<<التالي الفهرس السابق>>