في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 381)

أ نّـه من ا لصلاة وداخل فيها ، فهو من ا لزيادة ا لمبطلـة ، وحينئذ فا لركوع ا لمأتي بـه رياءً ـ من حيث إنّـه خارج عن ا لصلاة ، ولايصلح لوقوعـه جزءاً لها وائتلافـه مع سائر ا لأجزاء ، وا لمفروض أنّ ا لغرض من ا لإتيان بـه هو كونـه من ا لصلاة وداخلاً فيها ـ مصداق للزيادة ا لمبطلـة .

وما ذكر من عدم صدق ا لزيادة عليـه حين وقوعـه ، وا للازم إنّما هو ا لاتّصاف بهذا ا لوصف حتّى يؤثّر في ا لبطلان(1) .

مدفوع : أوّلاً : بأنّ ا لعرف يشهد بصدق ا لزيادة ا لعمديّـة عليـه ، وهو ا لمرجع في مفاهيم ا لألفاظ ا لواردة في لسان ا لروايات ، كما هو واضح .

وثانياً : بمنع توقّف صدقها عليـه على تحقّق ا لركوع ا لخا لص بعده ; إذ هو حين وقوعـه يتّصف با لزيادة ا لعمديّـة لأجل عدم صلاحيّتـه للجزئيّـة للصلاة ، وا لمفروض أنّ إتيانـه إنّما هو بعنوان أ نّـه جزء لها وداخل فيها .

فا لحقّ : صدق ا لزيادة ا لعمديّـة في ا لمقام .

ومنـه يظهر : أنّ ا لبطلان فيما إذا لم يمكن ا لتدارك إنّما يستند إ لى وقوع ا لزيادة فـي ا لصلاة ، لا إ لى فقدانها لبعض أجزائها ا لواجبـة ; إذ اتّصاف الجـزءـ المأتي به رياءً بعنوان ا لزيادة ، مقدّم على اتّصاف ا لصلاة بفقدانها لبعض ا لأجزاء ; لأنّ هذا ا لوصف إنّما ينتزع من عدم ا لإتيان با لجزء ا لصحيح بعد ذلك ا لجزء هذا كلّـه في ا لرياء في ا لأجزاء ا لواجبـة .

الرياء في الأجزاء المستحبّة

وأ مّا ا لرياء في ا لأجزاء ا لمستحبّـة ، فمقتضى ا لقاعدة عدم بطلان ا لعبادة بسبب بطلان تلك ا لأجزاء ; سواء كان معنى استحبابها في ا لصلاة ـ مثلاً ـ وجزئيّتها


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لصلاة : 540 / ا لسطر 19 ـ 20 .

(الصفحة 382)

لها كذلك أ نّها مستحبّـة في نفسها ، غايـة ا لأمر أنّ ظرفها إنّما هي ا لصلاة ; بمعنى أ نّها مستحبّـة فيما لو وقعت فيها لا في غيرها ، ولايؤثّر إيجادها في ا لصلاة مزيّـة فيها أصلاً ، أو كان معنى استحبابها أنّ لها مدخليّـة فيها ; ومؤثّرة في حصول مزيّـة لها ، غايـة ا لأمر أ نّها لاتكون دخيلـة في حقيقـة ا لصلاة وماهيّتها ، بل لها دَخْل في حصول ا لمرتبـة ا لراجحـة من مراتب ا لصلاة ا لمختلفـة ، ويتحقّق بها أفضل أفرادها .

أ مّا على ا لمعنى ا لأوّل فواضح أ نّـه لا مدخليّـة لبطلانها في بطلان ا لعبادة أصلاً .

وأ مّا على ا لمعنى ا لثاني فا لظاهر أ نّـه أيضاً كذلك ; لأنّ بطلان ا لأجزاء ا لمستحبّـة إنّما يؤثّر في عدم تحقّق ا لصلاة بمرتبتها ا لكاملـة ، ولاينافي ذلك تحقّقها بمرتبتها ا لنازلـة ; إذ ا لمفروض أ نّـه ليس لها دَخْل في قوام ماهيّـة ا لصلاة وحقيقتها ، فا لحقّ أ نّـه لاتبطل ا لعبادة ببطلانها أصلاً .

هذا كلّـه في ا لرياء في أصل ا لعمل أو في أجزائـه .

الرياء في خصوصيّات العبادة

وأ مّا لو كان ا لرياء في خصوصيّات ا لعبادة : فتارة : يرجع إ لى ا لرياء في نفس ا لعبادة ، مثل ما إذا صلّى بمحضر من ا لناس لأجل تحصيل ا لمحبوبيّـة عندهم ، واُخرى : لايرجع إ ليها ، مثل ما إذا صلّى في ا لمسجد ; لأجل إراءة ا لناس وطلب ا لمنزلـة عندهم بسبب ا لكون في ا لمسجد ، لا با لصلاة فيـه .

أ مّا ا لقسم ا لأوّل : فا لظاهر بطلان ا لعبادة فيـه ; سواء كان داعي إراءة طاعتـه ليمدحـه ا لناس ، ناشئاً من قِبَل أمر ا لشارع ; بمعنى أ نّـه لولا ا لأمر با لصلاة لم يكن

(الصفحة 383)

لـه هذا ا لداعي أصلاً ، ولكن لمّا ألجأه ا لشارع إ لى إتيانها ، يأتي بها بمحضر من ا لناس بداعي مدحهم إيّاه ، أو كان داعياً مستقلاّ ; بحيث لولا ا لأمر با لصلاة لتوصّل إ لى غرضـه بطريق آخر .

وجـه ا لبطلان : أنّ هذا ا لداعي إنّما يرجع إ لى نفس ا لعبادة ; إذ مدح ا لناس إيّاه إنّما هو على أصل عبادتـه ، لا على إيجادها بمحضرهم ، وحينئذ فلايتمّ ما عن بعض ا لمحقّقين من ا لمعاصرين ـ في كتابـه في ا لصلاة ـ من عدم بطلان ا لعبادة في هذه ا لصورة ; نظراً إ لى أنّ ا لأمر با لصلاة لايقتضي إلاّ إتيان ا لطبيعـة ا لمذكورة ; من دون اقتضاء كيفيّـة خاصّـة ، وهذا ا لمصلّي إنّما يتحرّك إ لى أصل ا لصلاة من قِبَل ا لأمر بها خاصّـة ، ولكن اختيار إيجادها بمحضر من ا لناس يكون من جهـة مدحهم إيّاه(1) .

وجـه عدم ا لتماميّـة : ما عرفت من أنّ هذا ا لداعي إنّما يرجع إ لى أصل ا لعبادة ; إذ ا لمدح إنّما يترتّب عليـه ، لا على كيفيّتـه وخصوصيّتـه ، وهذا بخلاف مسأ لـة ا لوضوء با لماء ا لبارد ا لتي قد عرفت خروجها عن موضع ا لنزاع ; وأ نّـه لا  إشكا ل في صحّتـه ; لأنّ ا لتبريد إنّما هو أثر استعما ل ا لماء ا لبارد في ا لوضوء ، لا نفس طبيعتـه(2) .

وأ مّا ا لقسم ا لثاني : فهو من مصاديق اجتماع ا لأمر وا لنهي ، وقد عرفت ا لإشارة إ لى بطلان مورد الاجتماع فيما إذا كان عبادة ـ بناءً على ا لقول با لجواز(3) ، كما هو مقتضى ا لتحقيق(4) ـ ومنشؤه استحا لـة أن يكون فعل واحد مقرّباً من جهـة


1 ـ ا لصلاة ، ا لمحقّق ا لحائري : 135 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 369 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 375 .
4 ـ مناهج ا لوصول 2 : 128 ـ 134 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 391 .

(الصفحة 384)

ومبعّداً من جهـة اُخرى ونحن وإن جزمنا بذلك ـ أي بالاستحا لـة ـ إلاّ أ نّـه لايخلو عن مناقشـة نبّهنا عليها في ا لاُصول(1) .

هذا كلّـه فيما تقتضيـه ا لقاعدة في مسأ لـة ا لرياء مع قطع ا لنظر عن ملاحظـة ا لأخبار ا لواردة فيـه .

حول مسألة الرياء بحسب مفاد الأخبار

وأ مّا مع ملاحظتها فا لتكلّم فيـه من هذه ا لحيثيّـة يقع من جهات :

من جهـة : أنّ ا لمحرّم في باب ا لرياء هل هو نفس ا لعمل أو ا لقصد ؟

ومن جهـة : أ نّـه هل يستلزم ا لرياء بطلان ا لعبادة من رأس ، أو يوجب سقوطها عن مرتبـة ا لقبول ; بمعنى ترتّب ا لثواب عليـه ، كما هو ا لمحكيّ(2)  عن ا لمرتضى(قدس سره) (3) ؟

ومن جهـة : أنّ ا لمحرّم هل هو ا لرياء في خصوص ا لعبادة ، أو مطلق ا لرياء ولو كان في ا لكمالات ا لاُخر ؟

ومن جهـة : شمول أخبار ا لباب لجميع ا لصور ا لمتقدّمـة : ممّا إذا كان ا لرياء في أصل ا لعمل ، أو في أجزائـه ا لواجبـة ، أو في ا لأجزاء ا لمستحبّـة ، أو في كيفيّتـه وخصوصيّاتـه ، أو اختصاصها ببعض هذه ا لصور ؟

ومن جهـة : شمولها للأقسام ا لأربعـة ا لمتقدّمـة : وهي ما إذا كان داعي ا لقُرْبـة مستقلاّ وا لداعي ا لنفساني تبعاً ، وا لعكس ، وما إذا كان ا لداعيان جزءين


1 ـ مناهج ا لوصول 2 : 133 ـ 136 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 397 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 96 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 224 .
3 ـ اُنظر ا لانتصار : 17 .

(الصفحة 385)

للمؤثّر بنحو ا لاستقلال ، أو بغيره ؟

ثمّ لايخفى أ نّـه لايترتّب على ا لتكلّم في ا لأخبار من ا لجهـة ا لثا لثـة ـ ا لراجعـة إ لى أنّ ا لمحرّم هل هو ا لرياء في خصوص ا لعبادة أو مطلقاً ـ كثير فائدة ; لأ نّـه على فرض دلالـة ا لأخبار على ا لتحريم مطلقاً ، فلايمكن الالتزام بذلك ; للزوم كون أغلب أعما ل أكثر أرباب ا لكمالات حراماً ; لأ نّهم لايقصدون منها إلاّ إظهار كمالاتهم تحصيلاً للمحبوبيّـة عند ا لناس ، مضافاً إ لى أ نّـه لو كان مثل ذلك محرّماً لكانت حرمتـه بديهيّـة عند ا لمتشرّعـة ; لعموم ا لابتلاء بـه ، كما هو واضح ، فلو فرض دلالـة ا لأخبار عليـه فلابدّ من رفع ا ليد عن ظاهرها .

وأ مّا ا لمناقشـة في ا لجهـة ا لثانيـة ، ا لتي ترجع إ لى أنّ ا لرياء هل يوجب ا لبطلان ، أو ا لسقوط عن مرتبـة ا لقبول ; من حيث عدم معقوليّـة كون ا لعمل صحيحاً ومع ذلك كان غير مقبول ; نظراً إ لى أنّ معنى صحّـة ا لعمل كونـه موافقاً للمأموربه ، فكيف يمكن أن يكون مردوداً مع اشتما لـه على جميع ما يعتبر فيه(1) .

فغير سديدة ; لأنّ اشتما ل ا لعمل على مجرّد شروط ا لصحّـة ، لايترتّب عليـه إلاّ مجرّد رفع ا لعقاب ا لذي يستحقّـه ا لعامل بسبب ا لمخا لفـة ، وأ مّا ترتّب ا لثواب عليـه أيضاً فلم يدلّ عليـه دليل ، فمن ا لممكن أن يكون ترتّب ا لثواب على عمل مشروطاً بما لايشترط في صحّتـه أيضاً ، كما يستفاد ذلك من ا لأخبار ، فإنّ فيها ما يدلّ على أ نّـه قد يتقبّل الله نصف ا لصلاة أو ثلثها(2)  مثلاً ، ومن ا لمعلوم أنّ توصيف بعض ا لأجزاء با لصحّـة دون ا لبعض ا لآخر ممّا لايصحّ ، فإنّ ا لصلاة : إمّا أن تقع صحيحـة بتمامها ، وإمّا أن تقع باطلـة كذلك .


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 224 .
2 ـ دعائم ا لإسلام 1 : 158 ـ 159 ، بحار ا لأنوار 84 : 265 ـ 266 ، مستدرك ا لوسائل 4 : 109 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب أفعا ل ا لصلاة ، ا لباب 3 ، ا لحديث 7 .

(الصفحة 386)

وبا لجملـة : فالإشكا ل في انفكاك ا لقبول عن ا لصحّـة ; وكونـه أخصّ بالإضافـة إ ليها ، ممّا لاينبغي .

كما أنّ ا لنزاع في ا لجهـة ا لاُولى مع ظهور جُلّ ا لأخبار ـ لو لم يكن ا لكلّ ـ في حرمـة نفس ا لعمل ، وكذا في ا لجهـة ا لثانيـة مع ظهورها أيضاً في ا لبطلان ، ممّا لايترتّب عليـه كثير فائدة .

إنّما ا لمهمّ هما ا لجهتان ا لأخيرتان ، فنقول :

قد يقا ل ـ كما قيل(1) ـ بعدم بطلان ا لعبادة فيما إذا كان ا لرياء موجباً لترجيح فرد من بين سائر أفراد طبيعـة ا لطاعـة ، كما إذا صلّى بمحضر من ا لناس ; نظراً إ لى أنّ مدلول ا لأخبار ، أنّ ما يكون محرّماً هو إظهار ا لعبادة على خلاف ما في ا لسريرة ; بمعنى أ نّـه يظهر للناس كون ا لعمل خا لصاً لوجـه الله ، ولم يكن كذلك في ا لواقع ، فلايدخل فيها من يظهر ا لعمل ا لخا لص لله لغرضـه ا لنفساني .

وبعبارة اُخرى : لم يظهر من أخبار ا لباب فساد ا لعمل من جهـة إظهار ما في سريرتـه واقعاً ، بل ا لفساد فيما أظهر ما لم يكن في سريرتـه .

وأنت خبير : بدلالـة بعض ا لروايات على ا لبطلان في هذه ا لصورة أيضاً ، وهو ما رواه ابن محبوب ، عن داود ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «من أظهر للناس ما يُحبّ الله عزّ وجلّ ، وبارز الله بما كرهـه ، لقي الله وهو ماقت لـه»(2) .

حيث إنّ ظاهره أنّ ا لممقوت هو إظهار ما يحبّـه الله ، وهو ا لعمل ا لخا لص ، ومع عدم ا لخلوص لايكون محبوباً لله تعا لى أصلاً ، فا لعبادة ا لخا لصـة من ا لرياء


1 ـ ا لصلاة ، ا لمحقّق ا لحائري : 135 .
2 ـ ا لكافي 2 : 295 / 10 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 64 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 11 ، ا لحديث 3 .

(الصفحة 387)

ونحوه إذا أظهرها للناس ـ كما في هذه ا لروايـة ـ أو تزيّن بها ـ كما في نظيرها(1) ـ يكون إظهارها وا لتزيّن بها ممقوتاً عند الله ، فتكون فاسدة .

ثمّ إنّـه لا إشكا ل في دلالـة ا لأخبار على بطلان ا لعبادة ; في غير ما إذا كان ا لداعي ا لنفساني ضعيفاً وداعي ا لقربـة قويّاً من ا لأقسام ا لأربعـة ا لمتقدّمـة ; لأ نّـه عملٌ أدخل فيـه رضا أحد من ا لناس .

وأ مّا في هذه ا لصورة ، وهي ما إذا كان داعي ا لطاعـة في نفسـه تامّاً مؤثّراً مستقلاّ ، ولكن كان في نفسـه داع آخر ضعيف ، فا لظاهر بمقتضى ا لأخبار أيضاً بطلان ا لعبادة فيها ; لدلالتها على أ نّـه من عمل عملاً أدخل فيـه رضا أحد من ا لناس فهو مشرك(2) ، وقد عرفت أنّ ا لداعي ـ ولو بلغ من ا لضعف ا لغايـة ومن ا لقصور ا لنهايـة ـ لـه تأثير في ا لشوق ا لذي تنبعث منـه ا لإرادة ا لموجدة للفعل(3) ، فهو ـ أي ا لفعل ـ أدخل فيـه رضا غيره تعا لى ; لاستناده إ لى ا لإرادة ا لناشئـة من ا لشوق ا لمركّب من ا لداعيين معاً . نعم ا لسرور ـ ا لذي ورد في حسنـة زرارة(4)  نفي ا لبأس عنـه ـ لايكون داعياً مؤثّراً بوجـه ، بل إنّما هو ا لاشتياق إ لى رؤيـة ا لناس عبادتـه ، فهو متأخّر عن تحقّق ا لعبادة ، لا أ نّـه مؤثّر فيها وضميمةٌ لداعي ا لطاعة أصلاً ، كما لايخفى .


1 ـ قرب ا لإسناد : 92 / 309 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 68 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 11 ، ا لحديث 14 .
2 ـ ا لمحاسن : 122 / 135 ، ثواب ا لأعما ل : 289 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 67 ، كتاب ا لطهارة  ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 11 ، ا لحديث 11 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 378 ـ 379 .
4 ـ ا لكافي 2 : 297 / 18 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 75 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 15 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 388)

ثمّ إنّـه لا إشكا ل أيضاً في دلالـة ا لأخبار على بطلان عبادة ا لمرائي ; فيما إذا كان رياؤه في مجموع ا لعمل .

الرياء بالأجزاء بحسب مفاد الأخبار

وأ مّا ا لرياء في ا لأجزاء ، فشمول ا لأخبار لـه مبنيّ على أنّ كلّ واحد من أجزاء ا لعبادة ، هل هو عمل مستقلّ ، وهي مركّبـة من أعما ل ، أو أ نّها بأجمعها عمل واحد ، فعلى ا لأوّل لا دلالـة للأخبار إلاّ على بطلان ا لجزء ا لذي راءى فيـه ، وحينئذ فلابدّ في استفادة حكم مجموع ا لعبادة من ا لرجوع إ لى ا لقاعدة ، وقد عرفت مقتضاها(1) ، وعلى ا لثاني يستفاد من ا لأخبار بطلان مجموع ا لعبادة ; لأ نّـه أدخل في هذا ا لعمل ا لواحد رضا غيره تعا لى ، فهو مشرك .

وا لظاهر هو ا لوجـه ا لثاني ; لأنّ ا لصلاة ونظائرها عند ا لمتشرّعـة عمل واحد ; يفتتح با لتكبير ، ويختتم با لتسليم ، ولايكون كلّ واحد من أجزائها عملاً مستقلاّ بنظرهم ، وهذا بخلاف ا لحجّ وأشباهـه ، فإنّ أجزاءه كلّ واحد منها عمل بحيا لـه وعبادة مستقلّـة . وا لفارق بينهما من هذه ا لجهـة هو عرف ا لمتشرّعـة ، وحينئذ فا لاستناد في كون أجزاء ا لصلاة أعمالاً مستقلّة إ لى ا لحجّ ، كما في«ا لمصباح»(2) ، لا مجال له بوجـه .

فا لحقّ بطلان ا لصلاة با لرياء في أجزائها مطلقاً ; لأ نّـه يصدق بنظر ا لعرف أ نّـه عمل لـه تعا لى ولغيره ، بل ا لتعبير بأنّ من عمل عملاً أدخل فيـه رضا أحد من ا لناس فهو مشرك ، كا لصريح في ا لدلالـة على بطلان ا لعبادة با لرياء في أجزائها ;


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 375 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لصلاة : 239 / ا لسطر 10 ـ 12 .

(الصفحة 389)

لأنّ ا لإدخا ل في ا لعمل لايتحقّق إلاّ بكون ا لعمل ظرفاً للمدخل ، وهو رضا ا لغير في ا لمقام ، وظرفيّتـه لـه إنّما هي بكونـه داخلاً فيـه ، وهو لاينطبق إلاّ على ا لرياء في ا لأجزاء .

هذا كلّـه با لنسبـة إ لى ا لرياء في أصل ا لعمل وأجزائـه .

الرياء في خصوصيّات العبادة وكيفيّاتها

وأ مّا ا لرياء في خصوصيّاتـه وكيفيّاتـه : فإن كانت تلك ا لكيفيّـة متّحدة مع ا لعبادة في ا لوجود ا لخارجي كإيقاعها في ا لمسجد رياء أو بالإضافـة إ لى ا لكون فيـه ، فا لظاهر بطلان ا لعبادة من رأس ، ومن هذا ا لقبيل صلاة ا لمعتكف رياء ، فإنّ ا لكون في ا لمسجد يصير ـ حينئذ ـ محرّماً ، وا لمفروض اتّحاده مع ا لصلاة فتفسد ، وكذا ا لوضوء مستقبلاً للقبلـة ; بناءً على كون ا لاستقبا ل شرطاً في كما لـه ، وأ مّا بناءً على كونـه مستحبّاً مستقلاّ وظرفـه ا لوضوء ، فا لرياء فيـه لايسري إ لى أصل ا لوضوء حتّى يفسده ، وكذا ا لمضمضـة وا لاستنشاق ا لمستحبّان قبل ا لوضوء ، فإنّ ا لرياء فيهما يوجب بطلانـه لو قلنا بكونهما شرطين في كما لـه ، وكذا سائر ا لكيفيّات ا لمتّحدة مع ا لعبادة كهيئـة ا لتخضّع وا لتخشّع ا لمستحبّـة في ا لصلاة ، وإن لم تكن ا لكيفيّـة متّحدة مع ا لعبادة ، كما إذا راءى في ا لتحنّك لا في ا لصلاة معـه ، فذلك لايوجب بطلانها ، ومنـه ما إذا قرأ ا لفاتحـة مع ا لتجويد ; رياءً وإظهاراً أ نّـه يحسن ا لقراءة ويكون عارفاً با لتجويد ، وأ مّا إذا رجع رياؤه فيـه إ لى ا لرياء في ا لعبادة ; بحيث كان مقصوده إراءة أ نّـه يصلّي كذلك ، فا لظاهر بطلانها .

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : بطلان ا لعبادة مع ا لرياء بجميع ا لأقسام إلاّ في خصوص قسم واحد ،وهوا لرياء في ا لخصوصيّات غير ا لمتّحدة مع ا لعبادة ; إذا لم يرجع إ لى ا لرياء في نفس ا لعبادة .

(الصفحة 390)


تذنيب: حول تفسير الشيخ للرياء

ذكر ا لشيخ (قدس سره) في تفسير ا لرياء ما ملخّصـه :

«أنّ ا لرياء ـ كما ذكره بعض علماء ا لأخلاق ـ طلب ا لمنزلـة عند غيره تعا لى(1) ، وظاهره الاختصاص بداعي مدح ا لناس ، فلو قصد بذلك رفع ا لذمّ عن نفسـه ، كما إذا راعى في ا لقراءة آدابها غير ا لواجبـة ; دفعاً لنسبـة ا لنقص إ ليـه بجهلـه بطريق ا لقرّاء ، لم يكن بذلك بأس ، وظاهر ا لأخبار ا لواردة في باب ا لرياء أيضاً الاختصاص بذلك .

نعم لو كان دفع ا لضرر داعياً مستقلاّ إ لى أصل ا لعمل دون خصوصيّاتـه فسد ، ولو كان جزء ا لداعي فحكمـه حكم ا لضميمـة ا لمباحـة ; لأ نّـه أحد أفرادها ، وعلى هذا فمطلق ا لرياء ليس محرّماً ; لأنّ ا لتوصّل إ لى دفع ا لضرر ولو بطلب ا لمنزلـة عند ا لناس لا دليل على تحريمـه ، بل قد يجب ، وظاهر ا لأخبار حرمـة ا لرياء بقول مطلق ، وا لأجود تخصيص حقيقتـه بما هو ظاهر ا لتعريف ا لأوّل ، فدفع ا لضرر من ا لضمائم غير ا لمحرّمـة .

نعم يبقى على ما ذكرنا : طلب ا لمنزلـة عند ا لناس لتحصيل غايـة راجحـة ، كترويج ا لحقّ وإماتـة ا لباطل ، فا لظاهر عدم دخولـه في ا لرياء ; لأنّ مرجعـه إ لى طلب ا لمنزلـة عند الله .

ولو نوقش في ا لصدق ، منعنا حرمتـه ; لأنّ حرمـة ا لرياء معارضـة بعموم رجحان تلك ا لغايـة»(2) .


1 ـ اُنظر ا لمحجّـة ا لبيضاء 6 : 148 ، جامع ا لسعادات 2 : 373 .
2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 105 ـ 106 .

(الصفحة 391)

وا لظاهر ـ كما اعترف بـه في ذيل كلامـه ـ إطلاق أدلّـة ا لرياء ; وشمولها أيضاً لما إذا قصد بـه رفع ا لمذمّـة عن نفسـه ، وحينئذ فكلام ذلك ا لبعض لايصلح مخصّصاً لـه ، وا لمفروض أ نّـه لا دليل على ا لتخصيص سواه ، فلا مناص عن ا لأخذ بالإطلاق وا لحكم بحرمتـه مطلقاً .

وأ مّا ما ذكره في ا لذيل : من أ نّـه لو جعل طلب ا لمنزلـة طريقاً إ لى تحصيل غايـة راجحـة ، فلايكون ذلك رياء أصلاً .

فيرد عليـه : منع ذلك وإطلاق ا لأخبار با لنسبـة إ ليـه أيضاً ، وتعارضها مع عموم رجحان تلك ا لغايـة لايوجب نفي حرمتـه ; لأ نّـه لو كانت تلك ا لغايـة ا لراجحـة مستحبّـة فمن ا لواضح ترجيح جانب ا لحرمـة ، وإن كانت واجبـة فا لواجب مراعاة قواعد باب ا لتعارض ; وا لرجوع إ لى ا لمرجّحات ا لسنديّـة ، ومع عدمها فا لتخيير ، ولو فرض كون ا لمقام من مصاديق باب ا لتزاحم ، فيبتني على إحراز أهمّيّـة تلك ا لغايـة بالإضافـة إ لى ترك ا لواجب وا لإتيان با لمحرّم .

هذا كلّـه في ا لرياء .

الكلام في السُمْعة وحكمها

وأ مّا ا لسُمْعـة ا لتي معناها : أن يقصد با لعمل سماع ا لناس بـه فيعظم مرتبتـه عندهم بسببـه ، فحكمـه حكم ا لرياء في جميع ما تقدّم ، بل هو من أفراده ، وكثير من ا لأخبار ا لواردة في باب ا لرياء يشملـه ، بل بعضها صريح في ذلك ، فراجع(1) .


1 ـ ا لكافي 2 : 293 / 4 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 71 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب12 ، ا لحديث 6 .

(الصفحة 392)


الكلام في العُجب

وا لكلام فيـه يقع من جهات :

الجهة الاُولى: في حقيقته ومعناه

وا لظاهر أ نّـه عبارة عن إعظام ا لإنسان نعمـة أو عملاً أو اعتقاداً أو غيرها ; ممّا يحسبـه ا لمعجب فضيلـة عظيمـة ، وربما يتحقّق با لنسبـة إ لى بعض ا لأعما ل ا لقبيحـة وا لرذائل ا لتي يرتكبها ا لمعجب ، فيعجب بها ويزعمها كمالاً وفضيلـة .

ولايخفى أنّ هذه ا لصفـة ـ كا لتكبّر وا لحسد ونحوهما ـ من رذائل ا لأخلاق ا لتي تكون من ا لمهلكات ، ومنشؤه ا لركون إ لى عمل نفسـه وا لغفلـة عن حقيقـة نفسـه وعن أعما ل ا لعباد ا لصا لحين وا لأولياء وا لمقرّبين ; إذ با لتفكّر فيها يعلم بأنّ عملـه في مقابل أعما لهم لايعدّ شيئاً ، فضلاً عن كونـه فضيلـة وكمالاً ، وقد ورد في ا لأخبار ا لكثيرة ـ ا لتي سيأتي نقلها ـ ا لذمّ عليـه وا لتوبيخ .

الجهة الثانية: في اختيارية العجب

هل ا لعجب أمر اختياري قابل لتعلّق ا لتكليف بـه ، أم لا ؟

وا لظاهر أ نّـه لايكون أمراً اختياريّاً ; بمعنى أن تكون علّـة وجوده ا لإرادة ، نظير أفعا ل ا لجوارح ا لاختياريّـة ا لصادرة من ا لإنسان بحيث توجد بالإرادة ، بل لـه مبادئ في ا لنفس يوجد بوجودها قهراً ، وينتفي بانتفائها كذلك ، نظير ا لحسد ونحوه من ا لصفات ا لرذيلـة . نعم نفس تلك ا لمبادئ تكون من ا لاُمور الاختياريّـة ; بمعنى أ نّـه يمكن إزا لتها با لتفكّر وا لارتياض ، فتعلّق ا لتكا ليف بـه لابدّ وأن يرجع إ لى تلك ا لمبادئ ، كما هو ظاهر .

(الصفحة 393)


الجهة الثالثة: في فساد العمل بالعُجْب والرياء المتأخّرين

هل يمكن أن يكون ا لعُجْب ا لمتأخّر عن ا لعمل وكذا ا لرياء ا لمتأخّر عنـه مُفسداً لـه ، أو لايمكن ؟

قد يقال ـ كما في «ا لمصباح» ـ بعدم ا لإمكان ; نظراً إ لى أنّ اعتبار عدم ا لعُجْب ا لمتأخّر : إمّا أن يكون من قبيل ا لشروط ; بمعنى أنّ عدم ا لعجب ا لمتأخّر يكون شرطاً في سببيّـة ا لصلاة ا لسابقـة لإسقاط أمرها ، كالإجازة في ا لفضولي ; بناءً على ا لقول بكونها ناقلـة ، وإمّا أن يكون من قبيل اعتبار ا لوصف ا لموجود في ا لشيء ا لمنتزع من وجود ا لشيء ا لمتأخّر ، كالإجازة بناءً على ا لكشف ، وكلاهما غير معقول في ا لمقام .

أ مّا ا لأوّل فلأنّ شرطيّـة ا لعدم مرجعها إ لى مانعيّـة ا لوجود ، ولايعقل ا لتمانع بين ا لشيء وما يتأخّر عنـه في ا لوجود ، فتأثير ا لعجب ا لمتأخّر نظير ا لحدث ا لواقع عقيب ا لصلاة في إبطا ل ما وقع غير معقول ، وهذا بخلاف ما إذا كان ا لشرط أمراً وجوديّاً ذا أثر ، فإنّـه يعقل أن يتوقّف تأثير ا لسبب ا لناقص على ا لوجود ا لمتأخّر عنـه ، كالإجازة في ا لمثا ل .

وأ مّا ا لثاني فوجهـه واضح ; لأنّ ا لأمر با لصلاة مطلق ، فلايعقل اختصاص ا لصحّـة بفعل بعض دون بعض ; لأنّ ا لأمر يقتضي ا لإجزاء عقلاً(1) . انتهى ملخّص ما في «ا لمصباح» .

وأنت خبير : بأنّ ما أفاده من عدم معقوليّـة ا لتمانع بين ا لشيء وما يتأخّر عنـه في ا لوجود ، إنّما يتمّ في ا لتكوينيّات ، ونحن نزيد عليـه عدم معقوليّـة جعل


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 239 ـ 241 .

(الصفحة 394)

ا لمتأخّر شرطاً أيضاً ; لأ نّـه لايعقل أن يؤثّر ا لأمر ا لمعدوم بعد وجود ا لشرط ; إذ ا لمفروض كون ا لمشروط معدوماً حين وجود شرطـه وإلاّ يصير شرطاً مقارناً ، وحينئذ فكيف يعقل أن يؤثّر ا لمشروط ا لمعدوم حين تحقّق شرطـه ، ولازم ذلك بطلان ا لقول بكون ا لإجازة ناقلـة ; إذ ا لعقد ا لمركّب من ا لألفاظ ا لمخصوصـة ا لتي شأنها الانعدام بمجرّد ا لتحقّق ، لايكون باقياً حقيقـة عند ا لإجازة ، فكيف يؤثّر في ا لملكيّـة ، بل تصير دائرة ا لإشكا ل أوسع من ذلك ، ويكون لازمـه بطلان كلّ عقد ; إذ تأثير ا لإيجاب متوقّف على تحقّق ا لقبول بعده ، ومن ا لمعلوم انعدامـه وانصرامـه حينـه ، فكيف يؤثّر ما ليس بموجود فعلا ؟ !

التحقيق في المقام

وا لحلّ : أنّ ذلك كلّـه إنّما هو في ا لاُمور ا لتكوينيّـة ، وأ مّا ا لاُمور الاعتباريّـة ـ كا لعبادات وا لمعاملات ـ فتدور مدار ا لاعتبار ، وحينئذ فلا إشكا ل في أن يكون تأثير ا لسبب ا لاعتباري متوقّفاً على ا لشرط ا لمتأخّر بحسب ا لاعتبار ; بمعنى أنّ ا لعقلاء ـ مثلاً ـ لايعتبرون ا لملكيّـة في عقد ا لفضولي بمجرّد ا لعقد ، بل بعد تحقّق ا لإجازة من ا لما لك ، فكأ نّهم يرون ا لعقد أمراً باقياً إ لى حين ا لإجازة ، وحينئذ فلو فرض ا لدليل على مانعيّـة ا لعُجْب ا لمتأخّر ، يصير معناه عدم تحقّق ا لصلاة بنظر ا لشارع إلاّ فيما لو لم يتعقّبها عُجْب أو رياء مثلاً ، ويكون ا لعجب ا لمتأخّر مانعاً عن تحقّق ا لصلاة باعتبار ا لشارع .

ويرد على ا لأمر ا لثاني لعدم ا لمعقوليّـة ـ وهو أنّ ا لأمر يقتضي ا لإجزاء عقلاً ـ : أنّ كلامنا إنّما هو بعد فرض وجود ا لدليل على مبطليّـة ا لعُجْب ا لمتأخّر ، وحينئذ فكيف يكون ا لأمر با لصلاة مطلقاً ؟ ! بل ا لمأمور بـه ـ حينئذ ـ إنّما هي ا لصلاة ا لتي لايعرضها ا لعُجْب ، فعروضـه يكشف عن عدم تحقّق ا لمأمور بـه

(الصفحة 395)

بجميع ما اعتبر فيـه ، فكيف يكون مُجزياً .

وَلَعَمري إنّ هذا واضح جدّاً ، ودعوى وضوح خلافـه ـ كما عرفت في كلامـه ـ بعيد عن مقامـه .

الجهة الرابعة: في حرمة العُجْب بحسب مفاد الأخبار

في مفاد ا لأخبار من حيث حرمـة ا لعجب وكونـه مفسداً للعمل ، فنقول :

أ مّا ا لحرمـة : فلايستفاد من شيء منها على اختلاف مضمونها ، كما يظهر لمن راجعها .

وأ مّا ا لإفساد : فربما يتوهّم أ نّـه تدلّ عليـه روايـة يونس بن عمّار ، عن ا لصادق (عليه السلام)  ، قا ل : قيل لـه وأنا حاضر : ا لرجل يكون في صلاتـه خا لياً ، فيدخلـه ا لعجب ؟ فقا ل : «إذا كان أوّل صلاتـه بنيّـة يريد بها ربّـه فلايضرّه ما دخلـه بعد ذلك ، فليمضِ في صلاتـه ولْيخسأ ا لشيطان»(1) .

نظراً إ لى أنّ مفهومها يدلّ على ا لمطلوب ، ومنطوقها على عدم ا لإفساد لو وقع في ا لأثناء .

وقد حُكي ا لاستدلال بهذه ا لروايـة عن صاحب ا لجواهر (قدس سره) (2)  ولكنّـه اعترض عليـه في «ا لمصباح» بما حاصلـه :

أنّ هذا لايخلو عن غفلـة ; لابتنائـه على اعتبار مفهوم ا للقب ، وتقديمـه على ظاهر ا لمنطوق في ا لشرطيّـة ، وهو سببيّـة ا لشرط للجزاء .

بيانـه : أنّ قولـه (عليه السلام)  : «فلايضرّه ما دخلـه بعد ذلك» ، لايكون جزاءً


1 ـ ا لكافي 3 : 268 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 107 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 24 ، ا لحديث 3 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 101 ـ 102 .

(الصفحة 396)

للشرط ; لعدم صلاحيّتـه لذلك ; لأ نّـه يلزم أن يكون مفاد ا لقضيّـة بحسب ا لمفهوم : أنّ ا لعُجْب ا لذي يدخلـه بعد ذلك يضرّه على تقدير فقد ا لإخلاص في ا لنيّـة ، وهو غير صحيح ; لأنّ ا لتضرّر على هذا ا لتقدير يحصل من فقد ا لإخلاص ، لا من ا لعجب ا لذي دخلـه بعد ذلك .

وحينئذ فا لجملـة جملـة خبريّـة سادّة مسدّ ا لجزاء ، وا لتقدير : إذا كان أوّل صلاتـه بنيّـة يريد بها ربّـه فصلاتـه صحيحـة ، وتلك ا لجملـة متفرّعـة عليـه ، وحينئذ فظاهر ا لقضيّـة ا لشرطيّـة ـ ا لدالّـة على سببيّـة الشرط للجزاء ـ أنّ العلّـة لصحّـة الصلاة هو ا لإخلاص ، ولايضرّ بها ا لعُجْب .

نعم قولـه : «فلايضرّه بعد ذلك» ، يدلّ بمفهومـه على أنّ ا لعُجْب لو وقع عند ا لشروع يكون مضرّاً ، ولكن هذا من قبيل مفهوم ا للقب ، وقد بُيّن في ا لاُصول عدم ا لاعتداد بـه(1) . انتهى .

أقول: وكأنّ صاحب ا لجواهر (قدس سره) زعم أنّ نيّـة إرادة ا لربّ تنافي ا لعُجْب ، فتخيّل أنّ مدلول ا لروايـة بحسب ا لمفهوم أ نّـه إن لم يكن أوّل صلاتـه بنيّـة إرادة ا لربّ ; بمعنى كونـه مُعجِباً ، فلايضرّه ا لعُجْب ا لواقع في ا لأثناء ، مع أ نّـه ـ مضافاً إ لى عدم ا لتنافي بينهما أصلاً ; ضرورة أنّ ا لعُجْب لايكون من قبيل ا لدواعي ا لباعثـة على ا لعمل ـ يرد عليـه : أنّ فقدان نيّـة إرادة ا لربّ ولو كان في ا لأثناء يضرّ با لصلاة ; ضرورة اعتبار استدامـة نيّـة ا لقربـة إ لى آخر ا لصلاة .

وا لإنصاف : ـ بعد عدم ثبوت ا لمنافاة بينهما ـ أن يقا ل : إنّ ا لشرط في ا لقضيّة مسوق لبيان تحقّق الموضوع ، فيصير معنى الرواية هكذا: إذا كان قد دخل في الصلاة صحيحاً ـ يعني : إذا كانت صلاتـه صحيحـة من سائر ا لجهات ـ فلايضرّه ا لعُجْب


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 244 ـ 245 .

(الصفحة 397)

أصلاً ، وقد بُيّن في محلّه : أنّ هذا ا لنحو من ا لقضايا ا لشرطيّة ليس لها مفهوم أصلاً ، كقولـه : «إن رُزقت ولداً فاختنْـه» ، أو «إن ركب ا لأمير فخذ ركابـه» ، ونحوهما من ا لأمثلة(1) ، فا لرواية تدلّ بمنطوقها على عدم كون ا لعُجْب مُفسداً للعمل .

وقد تحصّل ممّا ذكرنا : أنّ ا لعُجْب لايكون موضوعاً للحرمـة مطلقاً ; لا ا لحرمـة ا لتكليفيّـة ، ولا ا لحرمـة ا لوضعيّـة .

المقام الثالث : في الضمائم الراجحة

وليعلم أوّلاً : أنّ فرض ا لضميمـة إنّما هو فيما إذا كان قصد ا لأمر ا لآخر ـ مباحاً كان أو محرّماً أو راجحاً ـ داعياً أيضاً إ لى نفس طبيعـة ا لمأمور بها وأصل ا لفعل ا لعبادي .

وأ مّا إذا صار داعياً إ لى شيء آخر غير نفس ا لفعل فلايتحقّق فرض ا لضميمـة ، كما هو واضح .

وقد عرفت في صدر ا لمبحث تفصيل ذلك(2) ، وحينئذ فما ذكروه من ا لمثا ل في ا لمقام ـ تقريباً لعدم كون ا لضميمـة ا لراجحـة مبطلـة ـ وهو ما إذا تصدّق على ا لعا لم ا لهاشمي ا لمؤمن ـ مثلاً ـ قاصداً به امتثال الأوامر المتعدّدة المتعلّقة بإكرام العالم وإكرام الهاشمي وإكرام المؤمن، فإنّه يتحقّق امتثال الجميع بلاريب، خارج عن باب الضميمة ولا ارتباط له به; لأنّ الداعي على إكرام العالم إنّما هو خصوص الأمر المتعلّق به، وكذا إكرام الهاشمي والمؤمن، فإنّ الداعي على كلّ منهما إنّما هو نفس الأمر المتعلّق بهما; ضرورة أ نّه لايعقل أن يكون الأمر المتعلّق بإكرام العالم داعياً


1 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 118 ، فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 2 : 482 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 369 .

(الصفحة 398)

إلى إكرام الهاشمي; لأنّ الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه، فالداعي الإتيان بكلٍّ من المتعلقات إنّما هو خصوص أمره بلاضميمة شيء آخر أصلا.

وكذا ما جعلوه مثالا للضميمة الراجحة ـ وهو الوضوء المتوقّف على القصد ـ ومن المعلوم أنّ الواجب إنّما هو عنوان الوضوء; لأنّ مجرّد الغسلتين والمسحتين لايتّصف بهذا العنوان لو لم يتحقّق قصده. فالأمر إنّما يدعو المكلّف إلى عنوان الوضوء وداعي التعليم إنّما يدعوه إلى إيجاد صورته فيما يتوضّأ بقصد التعليم أيضاً، فمدعوّاهما مختلف. فظهر أنّ هذا المثال ونظائره خارج عن باب الضميمة، نعم في المثال السابق لو فرضنا قصور تلك الأوامر المتعدّدة عن أن يصير كلّ واحد منها داعياً مستقلا للمكلّف إلى إتيان متعلّقه; بمعنى أنّ المكلّف لايتحرك من كلّ منها مع قطع النظر عن الباقي، بل المجموع صار داعياً له إلى إكرام من يتصادق عليه تلك العناوين يتحقّق الضميمة; لأنّ المفروض أنّ الباعث له على إكرام ذلك الشخص إنّما هو مجموع الأوامر المتعدّدة المتعلّقة كلّ واحد منها بغير ما تعلّق به آخر.

لا يقال: إنّ المجموع ليس أمراً وراء مفرداته فبعد ما لم يكن مفرداته داعياً ومحركاً له ـ كما هو المفروض ـ لايكون هنا شيء آخر يكون هو الداعي والباعث.

فإنّا نقول: قد مرّ سابقاً أنّ الانبعاث لايكون مستنداً إلى نفس البعث الخارجي بل إنّما ينشأ من تصوّره مع ما يترتّب على مخالفته وموافقته من المثوبة والعقوبة، ومن المعلوم أ نّه يمكن تصوّر الأوامر المتعدّدة ولحاظها شيئاً واحداً كما هو واضح. ولايخفى أنّ الحكم في هذا الفرض ـ الذي يكون مصداقاً للضميمة ـ صحّة العبادة وتحقّق امتثال جميع الأوامر; لأ نّه لادليل على اعتبار أزيد من كون العمل لله تعالى من دون مدخلية داع نفساني في إيجاده. وأمّا لزوم أن يكون كلّ أمر داعياً مستـقـلاّ للمكلّف إلى إتيان متعلّقه فلايستفاد من دليل أصلا، كما لايخفى، فتأمّل في المقام فإنّه قد وقع الخلط فيه من الأعلام وعلى الله التوكّل وبه الاعتصام.

(الصفحة 399)


تفريع : في كفاية وضوء واحد عن أسباب متعدّدة

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «إذا اجتمعت أسباب مختلفـة توجب ا لوضوء كفى وضوء واحد بنيّـة ا لتقرّب ، ولايفتقر إ لى تعيين ا لحدث ا لذي يتطهّر منـه ، وكذا لو كان عليـه أغسا ل .

وقيل : إذا نوى غسل ا لجنابـة أجزأ عن غيره ، ولو نوى غيره لم يجز عنـه وليس بشيء»(1) .

مقدمة اُصوليّة في تداخل الأسباب والمسبّبات

أقول: ينبغي ـ قبل ا لتعرّض لخصوص مسأ لـة ا لوضوء وا لغسل ـ ا لتكلّم في مسأ لـة ا لتداخل ا لتي عُنونت في ا لاُصول ، ووقعت معركـة لآرائهم ; حتّى تظهر موافقتـه للأصل ، فيصار إ ليـه في جميع ا لموارد ا لخا ليـة عن ا لقرينـة على ا لخلاف ، أو مخا لفتـه لـه ، فيُقتصر على خصوص مورد قيام ا لقرينـة على ا لوفاق ، فنقول وبالله ا لمستعان :

إنّ ا لتداخل قد يكون في ا لأسباب ، ويسمّى تداخل ا لأسباب ، وقد يكون في ا لمسبّبات ، ويسمّى تداخل ا لمسبّبات ، وقد وقع ا لنزاع في كلا ا لأمرين ، ولكن ا لعمدة هو ا لأمر ا لأوّل ، وا لمراد بـه أ نّـه إذا رتّب ا لمولى جزاءً واحداً على أسباب متعدّدة ، فهل ا لظاهر تأثير كلّ سبب في حصول ا لجزاء على نحو ا لاستقلال ، أو أنّ تأثيره مستقلاّ مشروط بعدم اقترانـه أو مسبوقيّتـه بسبب آخر ؟

قد نسب إ لى ا لمشهور ا لقول بعدم ا لتداخل(2) ، وا لمحكيّ عن ا لمحقّق


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 12 .
2 ـ كفايـة ا لاُصول : 239 .

(الصفحة 400)

ا لخوانساري خلافـه(1) ، وعن ا لحلّي ا لتفصيل بين اتّحاد ا لجنس وتعدّده(2) .

وليعلم أوّلاً : أنّ محلّ ا لنزاع إنّما هو فيما يكون ا لجزاء قابلاً للتعدّد ، كا لوضوء وا لغسل وا لضرب وا لإكرام وأشباهها . وأ مّا ما لايكون كذلك ، كقتل زيد مثلاً ، فلاينبغي ا لإشكا ل في خروجـه عن محلّ ا لنزاع .

حول عدم تداخل الأسباب في الأنواع المختلفة

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : أ نّه قد استدلّ للقول المنسوب إ لى ا لمشهور بوجوه :

منها : ما هو ا لمذكور في تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني (قدس سره) من أنّ ا لأصل ا للفظي يقتضي عدم تداخل ا لأسباب ; لأنّ تعلّق ا لطلب بصرف ا لوجود من ا لطبيعـة وإن كان مدلولاً لفظيّاً ، إلاّ أنّ عدم قابليّـة صرف ا لوجود للتكرّر ليس مدلولاً لفظيّاً ، بل من باب حكم ا لعقل بأنّ ا لمطلوب ا لواحد إذا امتُثل لايمكن امتثا لـه ثانياً ، وأ مّا أنّ ا لمطلوب واحد أو متعدد فلايحكم بـه ا لعقل ، فإذا دلّ ظاهر ا لشرطيّتين على تعدّد ا لمطلوب لايعارضـه شيء أصلاً .

وممّا ذكرنا انقدح ما في تقديم ظهور ا لقضيّتين ; من جهـة كونـه بياناً لإطلاق ا لجزاء ; لأ نّـه ـ على ما ذكرنا ـ ظهور ا لجزاء في ا لاكتفاء با لمرّة ليس من باب ا لإطلاق أصلاً ; حتّى يقع ا لتعارض ، بل يكون ظهور ا لقضيّـة ا لشرطيّـة في تأثير ا لشرط مستقلاّ في ا لجزاء ، رافعاً حقيقـة لموضوع حكم ا لعقل ، ووارداً عليـه ، بل على فرض ظهور ا لجزاء في ا لمرّة يكون ظهور ا لشرطيّـة حاكماً عليـه(3) . انتهى ملخّصاً .


1 ـ مشارق ا لشموس : 61 / ا لسطر 31 .
2 ـ ا لسرائر 1 : 258 .
3 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 2 : 493 ـ 494 .

<<التالي الفهرس السابق>>