في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 541)

كما في ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة .

وعلى ا لقول بالامتناع فا لعبادة فاسدة ; بناء على ترجيح جانب ا لنهي . وا لتفصيل يطلب من محلّـه(1) .

حكم العمل المخالف للتقيّة

لو خا لف ا لتقيّـة في محلّ وجوبها ، فهل يوجب ذلك بطلان ا لعمل ا لذي ترك فيـه ا لتقيّـة مطلقاً ، أو لايوجب ذلك مطلقاً ، أو يفصّل بين ما إذا كان تركها بإيجاد فعل مخا لف لها ، وبين ما إذا كان تركها بترك فعل موافق لها ؟ وجوه .

كلام الشيخ الأعظم في المقام

ظاهر ا لشيخ ا لأنصاري (قدس سره) في «رسا لـة ا لتقيّـة» هو ا لوجـه ا لأخير ،وقا ل في تحقيقـه ما ملخّصـه :

إنّ نفس ترك ا لتقيّـة ـ في جزء ا لعمل ، أو في شرطـه ، أو في مانعـه ـ لايوجب بنفسـه إلاّ مجرّد استحقاق ا لعقوبـة ، فإن لزم من ذلك ما يوجب بطلان ا لعمل بمقتضى ا لقواعد بطل ، وإلاّ فلا .

فمن مواضع ا لبطلان ا لسجودُ على ا لتُّربـة ا لحسينيّـة مع اقتضاء ا لتقيّـة تركـه ، فإنّ ا لسجود يقع منهيّاً عنـه فيفسد ، فتفسد ا لصلاة .

ومن مواضع عدم ا لبطلان ترك ا لتكفير في ا لصلاة ، فإنّـه وإن حرم لايوجب ا لبطلان ; لأنّ وجوبه من جهة ا لتقيّة ، لايوجب كونه معتبراً في ا لصلاة لتبطل بتركه .

وتوهّم : أنّ ا لشارع أمر با لعمل على وجـه ا لتقيّـة .


1 ـ مناهج ا لوصول 2 : 123 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 387 ـ 388 .

(الصفحة 542)

مدفوع : بأنّ تعلّق ا لأمر بذلك ا لعمل ا لمقيّد ، ليس من حيث كونـه مقيّداً بذلك ا لوجـه ، بل من حيث نفس ا لفعل ا لخارجي ، نظير تحريم ا لصلاة ا لمشتملـة على محرّم خارجي .

إن قلت : إذا كان إيجاب ا لشيء تقيّـة لايجعلـه معتبراً في ا لعبادة حا ل ا لتقيّـة ، لزم ا لحكم بصحّـة وضوء من ترك ا لمسح على ا لخُفّين ، مع أنّ ا لظاهر عدم ا لخلاف في بطلانـه .

قلت : ليس ا لحكم با لبطلان في ا لمثا ل من جهـة ترك ما وجب با لتقيّـة ، بل لأنّ ا لمسح على ا لخُفّين متضمّن لأصل ا لمسح ا لواجب في ا لوضوء ; مع إ لغاء قيد مماسّيّـة ا لماسح للممسوح ، كما في ا لمسح على ا لجبيرة فا لتقيّـة إنّما أوجبت إ لغاء قيد ا لمباشرة ، وأ مّا صورة ا لمسح ولو مع ا لحائل فواجبـة واقعاً ـ لا من حيث ا لتقيّـة ـ فالإخلال بها يوجب بطلان ا لوضوء بنقص جزء منـه .

وا لدليل على انحلال ا لمسح : قول ا لإمام (عليه السلام) في روايـة عبدا لأعلى : «إنّ هذا وأشباهـه يُعرف من كتاب الله ، امسح عليـه»(1) .

فإنّ معرفـة ذلك منـه لاتستقيم إلاّ بأن يقا ل : إنّ ا لمسح ا لواجب في ا لوضوء ينحلّ إ لى صورة ا لمسح ومباشرة ا لماسح للممسوح ، ولمّا سقط قيد ا لمباشرة تعيّن ا لمسح من دونها .

وكذلك ا لكلام في غسل ا لرجلين تقيّـة ، فإنّها إنّما أوجبت سقوط ا لخصوصيّـة ا لمائزة بين ا لغسل وا لمسح ، وأ مّا إيصا ل ا لرطوبـة إ لى ا لممسوح فهو واجب لا من حيث ا لتقيّـة ، فالإخلال بـه موجب لترك جزء من ا لوضوء(2) . انتهى .


1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 464 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 39 ، ا لحديث 5 .
2 ـ رسائل فقهيـة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 23 : 96 ـ 98 .

(الصفحة 543)

أقول : ويرد على ما ذكره (قدس سره) ـ في وجـه ا لبطلان فيما إذا خا لف ا لتقيّـة بإيجاد فعل مخا لف لها ، كا لسجدة على ا لتربـة ا لحسينيّـة ـ ما عرفت : من أنّ وجوب ا لتقيّـة ـ كما هو في ا لمفروض في ا لمقام ـ لايستلزم حرمـة نقيضها ، فضلاً عن ضدّها ا لذي هو ا لإذاعـة ، وا لسجدة على ا لتربـة إنّما تكون متّحدة مع ا لإذاعـة غير ا لمحرّمـة ـ على ا لفرض ـ فلا وجـه لحرمـة سجوده ا لمستلزمـة ـ عقلاً ـ لفساده ، مضافاً إ لى أ نّـه لو فرض حرمـة ا لإذاعـة ، فلا وجـه لبطلان عبادتـه ـ أيضاً ـ بناء على ا لقول بجواز اجتماع ا لأمر وا لنهي وصحّـة ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة ، كما يقتضيـه ا لتحقيق(1) .

وبا لجملـة : فا لحكم با لبطلان في هذه ا لصورة ممّا لايتمّ ; سواء قلنا بوجوب ا لتقيّـة ، أو بحرمـة ا لإذاعـة .

وأ مّا ما أجاب بـه عمّا أورده على نفسـه بقولـه : «إن قلت . . .» ففيـه : أ نّـه لايستفاد مـن الأمر بمسـح الرّجْل الـواجب فـي الوضوء إلاّ شـيء واحد ، ولايكون ذلك عند العرف متضمّناً لأمرين ; بحيث لو فرض العجز عن أحدهما لوجب عليه الآخر .

وا لتمسّك لذلك بروايـة عبدا لأعلى قد عرفت ما فيـه : من أنّ استفادة هذا ا لمعنى منها توجب اختلال ا لفقـه ، وقد ذكرنا بعض ا لشواهد على ذلك في بعض ا لمباحث ا لسابقـة ، فراجع(2) .

وا لوجـه في دفع ذلك ا لإيراد أن يقا ل :

إنّ بطلان ا لوضوء في ا لمثا ل ا لمفروض ليس للإخلال بما وجب با لتقيّـة ،


1 ـ اُنظر مناهج ا لوصول 2 : 128 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 391 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 487 .

(الصفحة 544)

بل لكونـه تاركاً للمسح رأساً ; لأنّ ا لمفروض أ نّـه لم يمسح لا على رجليـه ولا على ا لخُفّين ، فبطلان ا لوضوء بسبب نقص جزء منـه .

وأ مّا لو فُرض أ نّـه ترك ا لمسح على ا لخُفّين ا لواجب تقيّـة ، ولكن مسح على رجليـه ، فلا وجـه لبطلان وضوئـه .

وادّعاء عدم ا لخلاف فيـه ممنوع جدّاً .

وقد ظهر من جميع ما ذكرنا : أنّ ا لأقوى بمقتضى ا لقواعد صحّـة ا لعمل ا لذي ترك فيـه ا لتقيّـة مطلقاً ; سواء كان ذلك في ا لفعل أو ا لترك .

ولكن ربما يستظهر من بعض ا لروايات ا لبطلان بترك ا لتقيّـة ، وهي روايـة داود ا لرّقّي ا لطويلـة ـ ا لتي نقلها في «ا لوسائل» في ا لباب ا لثاني وا لثلاثين من أبواب ا لوضوء عن كتاب «رجا ل ا لكشي» ـ وفيها : أنّ ا لإمام (عليه السلام) أجاب عمّن سأ لـه عن عدّة ا لطهارة بقولـه : «ثلاثاً ثلاثاً مَن نقص عنـه فلا صلاة لـه»(1) .

فإنّ نفي ا لصلاة عمّن نقص عمّا ذكره ـ ا لواجب تقيّـة ـ صريح في أنّ ترك ا لتقيّـة يوجب بطلان ا لعمل .

ولكن ا لروايـة ـ مضافاً إ لى ضعف سندها(2) ـ تُمكن ا لخدشـة في دلالتها : بأنّ هذا ا لتعبير إنّما وقع تأكيداً واهتماماً ; لئلاّ يعمل ا لسائل على خلافـه ، فيُقتل على يد عدوّه ا لذي كان مراقباً لوضوئـه ; ليكشف من هذا ا لطريق مذهبـه ، فلايدلّ ذلك على ا لبطلان بمجرّد ترك ا لتقيّـة ; وإيقاع ا لعمل مخا لفاً لها ، كما لايخفى .


1 ـ اختيار معرفـة ا لرجا ل : 312 / 564 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 443 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 32 ، ا لحديث 2 .
2 ـ رواها ا لكشي ، عن حمدويـه وإبراهيم ، عن محمّد بن إسماعيل ا لرازي ، عن أحمد بن سليمان ، عن داود ا لرقّي . وا لروايـة ضعيفـة لجها لـة أحمد بن سليمان .

(الصفحة 545)


حكم العمل الموافق للتقيّة

لو عمل على وفق ا لتقيّـة : إمّا بالإتيان بما يكون تركـه على خلافها ، كا لتكتّف في ا لصلاة ، وإمّا بترك ما يكون فعلـه على خلافها ، كا لوقوف بعرفـة في ا ليوم ا لتاسع ا لذي كان يوم ا لعيد عندهم ، فهل يوجب ذلك بطلان ا لعمل أم لا ؟

وتفصيل ا لكلام في هذا ا لمقام ، يتوقّف على ا لتكلّم في كلّ واحد من ا لعناوين ا لثلاثـة ا لمتقدّمـة بخصوصها(1) .

فا لكلام في مقامات ثلاثـة :

ا لمقام ا لأوّل : فيما لو اضطُرّ إ لى ا لإتيان بأمر زائد عن أجزاء ا لعمل ، أو إ لى ترك شيء منها ، وعمل على وفق ا لاضطرار .

ونقول : لو علم اختصاص دليل اعتبار ا لمتروك جزءاً أو شرطاً ، أو ا لمأتيّ بـه مانعاً بحا ل ا لاختيار ، فلا إشكا ل في صحّـة ا لعمل وموافقتـه للمأمور بـه ، وأ مّا لو كان ظاهره ا لإطلاق با لنسبـة إ لى حا لتي الاختيار والاضطرار ، فلابدّ ـ في ا لحكم بصحّـة ا لعمل ـ من قيام دليل عامّ أو خاصّ على نفي اعتباره في صورة ا لاضطرار . وممّا يمكن أن يستفاد منـه ذلك ـ بنحو ا لعموم ـ حديث ا لرفع ا لمشتمل على رفع ما اضطُرّوا إ ليـه(2) ; بناءً على أن يكون ا لمراد هو رفع جميع ا لآثار .

توضيحـه : أنّ ا لرفع قد اُضيف في ا لحديث إ لى نفس ا لاُمور ا لمذكورة فيـه ـ من ا لخطأ وا لنسيان وما اضطُرّوا إ ليـه وغيرها ـ وحيث إنّـه ممّا يعلم بخلافـه ، فلابدّ من أن يكون في ا لبين ادّعاء مصحّح لهذه ا لإضافـة .


1 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 537 ـ 539 .
2 ـ ا لاختصاص : 31 ، ا لتوحيد : 353 / 24 ، ا لخصا ل : 417 / 9 ، وسائل ا لشيعـة 15 : 369 ، كتاب ا لجهاد ، أبواب جهاد ا لنفس ، ا لباب 56 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 546)

وحينئذ فقد يقا ل : إنّ ا لمراد رفع خصوص ا لمؤاخذة(1) .

وقد يقا ل : إنّ ا لمراد رفع ا لأثر ا لظاهر في كلّ واحد من ا لتسعـة(2) .

وقد يقا ل : إنّ ا لمراد رفع جميع ا لآثار(3) .

وا لظاهر هو ا لأخير ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى أنّ رفع ا لمؤاخذة ا لتي هي من ا لاُمور ا لتكوينيّـة ، خلاف ظاهر ا لروايـة ; لأ نّها مسوقـة لبيان رفع تلك ا لاُمور تشريعاً ـ نقول : إنّ ذلك يستلزم ادّعاءين :

أحدهما : كون ا لمؤاخذة بمنزلـة جميع ا لآثار .

أثانيهما : كون انتفاء ا لجميع بمنزلـة انتفاء نفس ا لشيء .

وهذا ـ مع كونـه بعيداً في نفسـه ـ خلاف ما هو ا لمتفاهم بنظر ا لعرف ، وقد ذكر في محلّـه شواهد اُخر على عدم اختصاص ا لمرفوع با لمؤاخذة(4) .

وأ مّا رفع ا لأثر ا لظاهر فيرد عليـه ما عرفت : من استلزامـه لادّعائين ، وهذا بخلاف رفع جميع ا لآثار ، فإنّـه لايفتقر إلاّ إ لى ادّعاء واحد ، وهو كون خُلُوّ ا لشيء من ا لأثر بمنزلـة انتفائـه بنفسـه ، وحينئذ فجميع ا لآثار ا لمترتّبـة على ا لمضطرّ إ ليـه ـ مع قطع ا لنظر عن ا لاضطرار ـ مرفوع في هذه ا لصورة ، وهذا لافرق فيـه بين أن يكون أمراً وجوديّاً كا لتكتّف في ا لصلاة ، أو أمراً عدميّاً كترك ا لوقوف بعرفـة في ا ليوم ا لتاسع . فأثر ا لتكتّف فيها ا لمترتّب عليـه في صورة ا لاختيار ـ وهو إبطا لـه للصلاة ـ مرفوع في صورة ا لاضطرار إ ليـه ، وكذا ا لأثر ا لمترتّب على ترك ا لوقوف بعرفـة في ذلك ا ليوم .


1 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 320 و 321 .
2 ـ فرائد ا لاُصول 1 : 220 ، اُنظر كفايـة ا لاُصول : 387 .
3 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 220 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 2 : 443 .
4 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 321 .

(الصفحة 547)

وتوهّم : ا لاختصاص بالأوّل ; لأنّ معنى ا لرفع هو تنزيل ا لموجود منزلـة ا لمعدوم ، لا تنزيل ا لمعدوم منزلـة ا لموجود ; لأنّ ا لثاني يسمّى وضعاً لا رفعاً ، فإذا نذر أن يشرب من ماء دجلـة ـ مثلاً ـ فاضطُرّ إ لى ا لعدم فمقتضى ا لقاعدة وجوب ا لكفّارة عليـه لعدم شمول حديث ا لرفع لـه فلابدّ في ا لمقام من ا لتفصيل بين ا لاُمور ا لوجوديّـة وا لعدميّـة(1) .

مدفوع : بمنع ذلك ، فإنّ معنى ا لرفع وإن كان ذلك ، إلاّ أ نّـه يمكن أن يكون للتروك وا لأعدام وجود اعتباري مصحّح لترتيب ا لأثر عليـه ، ولذا يترتّب على ترك ا لشرب في ا لمثا ل وجوب ا لكفّارة ، مع أنّ ا لعدم لايعقل أن يكون مؤثّراً في إيجاب شيء أو تحريمـه ، وليس ذلك إلاّ لكفايـة وجوده ا لاعتباري ، وبهذا ا لاعتبار يمكن إسناد ا لرفع إ ليـه أيضاً .

هذا مضافاً إ لى أنّ ا لمرفوع إنّما هو عنوان ما اضطُرّوا إ ليـه ، ولايكون ا لملحوظ مصاديقـه ا لتي يكون بعضها وجوديّاً وبعضها عدميّاً ، بل لايخطر با لبا ل عند ا لسماع كما لايخفى .

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى حديث ا لرفع عدم بطلان ا لعمل بالاضطرار إ لى ترك ما اعتبر وجوده ، أو إ لى فعل ما اعتبر عدمـه .

ويدلّ على ذلك ـ أيضاً ـ بعض ا لروايات ا لواردة في ا لاضطرار ، مثل روايـة إسماعيل ا لجُعفي ومُعمَّر بن يحيى بن سا لم ومحمّد بن مسلم وزرارة ، قا لوا : سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «ا لتقيّـة في كل شيء يُضطرّ إ ليـه ابن آدم فقد أحلّـه الله»(2) .

فإنّ ا لمراد بحلّيّـة ا لشيء ا لذي اضطُرّ إ ليـه ، ليس خصوص ا لحلّيّـة ا لتي


1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 3 : 353 .
2 ـ ا لمحاسن : 259 / 308 ، ا لكافي 2 : 220 / 18 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 214 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 25 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 548)

هي من ا لأحكام ا لتكليفيّـة ، فإنّ موارد الاختلاف في ذلك كانت قليلـة جدّاً ، فإنّ ا لعامّـة ـ أيضاً ـ قائلون بحرمـة أكثر ا لمحرّمات ا لنفسيّـة ا لتكليفيّـة . نعم قد ذهبوا إ لى حلّيّـة مثل شرب ا لنبيذ ا لذي كان محرّماً عندنا وبعض ا لأشياء ا لاُخر .

بل ا لمراد بها ا لأعمّ من ا لحلّيّـة ا لوضعيّـة ـ ا لتي هي بمعنى ا لإنفاذ وا لإمضاء ـ نظير قولـه تعا لى : (أَحَلَّ ا للهُ ا لبَيْعَ)(1) ، في مقابل ا لحرمـة ـ ا لتي هي بمعنى ا لممنوعيّـة وا لمحروميّـة ـ ا لثابتـة في ا لتكليفيّات وا لوضعيّات معاً ، وحينئذ فمفاد ا لروايـة إمضاء ا لأعما ل ا لصادرة ا لموافقـة لهم ، ا لفاقدة لجزء أو شرط فيما إذا اضطُرّ إ لى ا لإتيان بها ، ولو حمل على خصوص ا لحلّيّـة ا لتكليفيّـة لكان لازمـه تخصيص ا لروايـة بخصوص ا لمحرّمات ا لنفسيّـة ا لتكليفيّـة ، وهو بعيد عن سياق ا لروايـة كما لايخفى .

ثمّ ا لظاهر أنّ عنوان ا لاضطرار أخصّ من عنوان ا لضرورة ا لواردة في مثل روايـة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)  ، قا ل : «ا لتقيّـة في كلّ ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل بـه»(2) ، فإنّـه لايصدق فيما لو خاف ـ من ترك ا لشيء ا لذي اضطُرّ إ ليـه ـ حدوث ضرر على ا لغير ا لذي لايتعلّق بـه ، فإنّـه لو دار ا لأمر بين شرب ا لخمر وبين أخذ ما ل من ا لشخص ا لذي لايرتبط بـه ، لايقا ل : إنّـه مضطرّ إ لى ا لشرب ، بخلاف ا لضرورة ا لتي مرجعها إ لى لزوم مراعاة ا لأمر ا لضروري ، فلو ترتّب على ترك ا لشرب حدوث أمر كان لازم ا لمراعاة عند ا لمسلمين ، كا لتفرقـة بينهم ـ مثلاً ـ فلابأس بشربـه وإن لم يصدق عليـه عنوان ا لاضطرار ، بل قد يجب في بعض ا لموارد ، كما هو غير خفيّ .


1 ـ ا لبقرة (2) : 275 .
2 ـ ا لكافي 2 : 219 / 13 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 214 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 25 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 549)

ا لمقام ا لثاني : في حكم ا لتقيّـة بمعنى كتم ا لدين وإخفائـه من حيث ا لإجزاء وعدمـه .

فنقول : ظاهر أكثر ا لروايات ا لواردة في هذا ا لمقام ـ أيضاً ـ ا لإجزاء وعدم وجوب ا لإعادة أو ا لقضاء :

منها :ا لروايات ا لواردة في استثناء ا لمسح على ا لخُفّين ومتعـة ا لحجّ من عموم ا لتقيّـة ، وأ نّـه (عليه السلام) قا ل : «لا أتّقي فيهما أحداً»(1) .

فإنّ ا لمراد من نفي ا لاتّقاء فيهما ليس أ نّـه لايأتي بهما أصلاً ; بحيث لو دار ا لأمر ـ مثلاً ـ بين مدّ ا لرقبـة وا لمسح على ا لخُفّين أو ترك متعـة ا لحجّ ، لكان يختار ا لشقّ ا لأوّل ، ولايأتي بهما ، فإنّـه بعيد جدّاً ، بل ا لمراد عدم الاكتفاء بهما في مقام امتثا ل ا لأمر با لصلاة ا لمشروطـة با لوضوء وا لأمر با لحجّ .

وحينئذ فاستثناؤهما دليل على جواز ا لاكتفاء با لعمل ا لصادر تقيّـة في غيرهما ، وهو ا لمطلوب .

ومنها :رواية مَسْعَدة بن صَدَقـة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : «أنّ ا لمؤمن إذا أظهر ا لإيمان ، ثمّ ظهر منـه ما يدلّ على نقضـه ، خرج ممّا وصف وأظهر ، وكان لـه ناقضاً ، إلاّ أن يدّعي أ نّـه إنّما عمل ذلك تقيّةً ، ومع ذلك ينظر فيـه ، فإن كان ليس ممّا يمكن أن تكون ا لتقيّـة في مثلـه لم يقبل منـه ذلك ; لأنّ للتقيـة مواضع ، من أزا لها عن مواضعها لم تستقم لـه ، وتفسير ما يتّقى ، مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم ا لحقّ وفعلـه ، فكلّ شيء يعمل ا لمؤمن بينهم لمكان ا لتقيّة ممّا لايؤدّي إ لى ا لفساد في ا لدين فإنّه جائز»(2) .


1 ـ ا لكافي 3 : 32 / 2 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 216 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 25 ، ا لحديث5 .
2 ـ ا لكافي 2 : 168 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 216 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 25 ، ا لحديث6 .

(الصفحة 550)

فإنّ ا لمراد با لجواز أعمّ من ا لجواز بمعنى ا لإباحـة ; لما عرفت من نُدرة موارد ا لاختلاف فيها ، ولا وجـه لتخصيصها بها مع أنّ سياقها يأبى عنـه .

ومنها :ما رواه ا لمرتضى في «رسا لـة ا لمحكم وا لمتشابـه» نقلاً من «تفسير ا لنعماني» بإسناده عن علي (عليه السلام)  ، قا ل : «وأ مّا ا لرُّخصـة ا لتي صاحبها فيها با لخيار فإنّ الله نهى ا لمؤمن أن يتّخذ ا لكافر وليّاً ، ثمّ منّ عليـه بإطلاق ا لرُّخصـة لـه عند ا لتقيّـة في ا لظاهر ; أن يصوم بصيامـه ، ويُفطر بإفطاره ، ويُصلّي بصلاتـه ، ويعمل بعملـه ، ويُظهر لـه استعما ل ذلك موسّعاً عليـه فيـه ، وعليـه أن يدين الله تعا لى في ا لباطن بخلاف ما يظهر لمن يخافـه من ا لمخا لفين ا لمستولين على ا لاُمّـة ، قا ل الله تعا لى : (لاَيَتَّخِذِ ا لمُؤْمِنُونَ ا لكَافِرِينَ أَولِياءَ) ا لآيـة(1) » ا لحديث(2) .

فإنّ ظاهره صحّـة ا لصوم بصيامهم وا لصلاة بصلاتهم وا لعمل بعملهم . هذا ، ولكن سند ا لروايـة ضعيف .

ومنها :ما رواه في «روضـة ا لكافي» بإسناده عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رسا لـة طويلـة إ لى أصحابـه ، وفيها : «ديّنوا فيما بينكم وبينهم ـ إذا أنتم جا لستموهم وخا لطتموهم ونازعتموهم ا لكلام ـ با لتقيّـة ا لتي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم» ا لحديث(3) .

فإنّ ا لتديّن با لتقيّـة ا لمأمور بـه في ا لروايـة ، لايكون عبارة عن مجرّد إيقاع صورة ا لعمل موافقاً لهم ; تحفّظاً عن اطّلاعهم على ما يجب إخفاؤه وكتمـه ، بل


1 ـ آل عمران (3) : 28 .
2 ـ ا لمحكم وا لمتشابـه : 36 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 107 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 25 ، ا لحديث 1 .
3 ـ ا لكافي 8 : 2 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 207 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 24 ، ا لحديث14 .

(الصفحة 551)

ا لمراد بـه ا لتديّن بها واقعاً ; بمعنى أنّ لله على ا لناس ا لأخذ با لدين ا لحقيقي فيما بينـه وبينهم ، وا لأخذ با لدين ا لظاهري ا لذي كان عليـه ا لعامّـة فيما بينهم وبين ا لعامّـة ، فا لخبر كا لصريح في إجزاء ا لعمل ا لصادر تقيّـة عن ا لمأمور بـه ا لواقعي ، إلاّ أنّ سنده لايخلو عن خدشـة .

ومنها :روايـة سفيان بن سعيد قا ل : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : «عليك با لتقيّـة . . .» إ لى أن قا ل : «يا سفيان من استعمل ا لتقيّـة في دين الله فقد تسنّم ا لذِّروة ا لعليا» ا لحديث(1) .

فإنّ استعما ل ا لتقيّـة في دين الله عبارة عن إيقاع ا لعمل ا لعبادي موافقاً لهم ، لا مجرّد إيقاع ا لصورة ، فيستفاد منـه أنّ ا لعمل ا لصادر تقيّـة كان من دين الله ، غايـة ا لأمر أ نّـه قد استعمل فيـه ا لتقيّـة ، وكونـه كذلك مساوق للصحّـة وا لإجزاء ، كما هو ظاهر .

ومنها :ا لروايات ا لواردة في أ نّـه ما عُبد الله بشيء أحبّ من ا لخباء ، مثل صحيحـة هشام ا لكندي قا ل : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : «إيّاكم أن تعملوا عملاً نُعيَّر بـه ، فإنّ ولد ا لسوء يُعيَّر وا لده بعملـه ، كونوا لمن انقطعتم إ ليـه زيناً ، ولاتكونوا علينا شَيْناً ، صلّوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ، ولايسبقونكم إ لى شيء من ا لخير فأنتم أولى بـه منهم ، والله ما عُبِد الله بشيء أحبّ إ ليـه من ا لخباء» . قلت : وما ا لخباء ؟ قا ل : «ا لتقيّـة»(2) .

فإنّ نفس ا لتقيّـة بما هي لاتكون عبادة ، بل ا لمراد ا لعمل ا لصادر تقيّـة ، كما


1 ـ معاني ا لأخبار : 385 / 20 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 208 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 24 ، ا لحديث 17 .
2 ـ ا لكافي 2 : 219 / 11 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 219 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 26 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 552)

يدلّ عليـه ا لروايات ا لدالّـة على أ نّـه تعا لى يحبّ أن يُعبد في السرّ ، كما يحبّ أن يُعبد في ا لعلانيـة ، فمضمونها أنّ ا لعبادة ا لتي استعمل فيها ا لتقيّـة تكون محبوبـة عند الله تعا لى ، ولو لم تكن صحيحـة ـ بل كانت صورة عبادة ـ لم يكن وجـه لكونها محبوبـة ، كما هو واضح .

فتلخّص من جميـع ذلك : أنّ ا لتأ مّل في ا لروايات ا لمختلفـة ـ ا لواردة في هـذا ا لباب ـ يقضي بكون ا لعمـل ا لصادر تقيّـة صحيحاً ومحبوباً عندالله تعا لى وأ نّـه من دينـه .

ا لمقـام ا لثا لث : في حكم ا لتقيّـة بمعنى ا لمداراة مع ا لعامّـة وحسن ا لمعاشرة معهم .

لايخفى أ نّـه لو قلنا بجواز ا لدخول معهم اختياراً في ا لصلاة ـ كما ربما يستفاد استحبابـه من ا لأخبار ـ فلايكون ـ حينئذ ـ وجـه لبطلانها ; لأ نّـه بعد ا لدخول إمّا أن يكون مضطرّاً إ لى ا لموافقـة لهم في ا لعبادة ، وإمّا أن يجب عليـه ا لتقيّـة ; بمعنى كتم ا لدين وإخفائـه ، وقد عرفت أنّ ا لحكم في ا لمقامين هي ا لصحّـة وا لإجزاء ، فلاحاجـة ـ حينئذ ـ إ لى إقامـة دليل على إثبات ا لإجزاء في ا لمقام . نعم لابأس بذكر بعض ا لأخبار ، ا لواردة في ا لصلاة خلف من لايُقتدى بـه ، ا لظاهرة في تأكّد استحبابها وصحّتها ، وقد جمعها في «ا لوسائل» في ا لباب ا لخامس أو ا لسادس من أبواب صلاة ا لجماعـة(1) :

منها :صحيحـة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّـه قا ل : «من صلّى معهم في ا لصفّ ا لأوّل ، كان كمن صلّى مع رسول الله صلّى الله عليـه وآلـه في ا لصفّ ا لأوّل»(2) .


1 ـ وسائل ا لشيعـة 8 : 299 ـ 305 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 و 6 .
2 ـ ا لفقيـه 1 : 250 / 1126 ، أما لي ا لصدوق : 300 / 14 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 299 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 553)

ومنها :روايـة حفص بن ا لبختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «يحسب لك إذا دخلت معهم ـ وإن كنت لاتقتدي بهم ـ مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي بـه»(1) .

ومنها :ما رواه علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابـه ، عن أخيـه موسى بن جعفر(عليهما السلام) ، قا ل : «صلّى حسن وحسين(عليهما السلام) خلف مروان ونحن نصلّي معهم»(2) .

ومنها :غير ذلك من ا لأخبار ا لمذكورة في ذلك ا لباب .

ودلالتها على ا لصحّـة وا لإجزاء ممّا لاريب فيـه ، بل بعضها صريح في ذلك .

نعم ظاهر بعض ا لأخبار ـ ا لمذكورة في ا لباب ا لسادس ـ بطلان ا لصلاة معهم ولزوم ا لإتيان بها قبلها أو بعدها ، مثل ما رواه إبراهيم بن علي ا لمرافقي وعمر بن ربيع ، عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) في حديث : «أ نّـه سأل عن ا لإمام : إن لم أكن أثق بـه ، اُصلّي خلفـه وأقرأ ؟ قا ل : «لا صلِّ قبلـه أو بعده» ، قيل لـه : أفاُصلّي خلفـه وأجعلها تطوّعاً ؟ قا ل : «لو قُبل ا لتطوّع لقبلت ا لفريضـة ، ولكن اجعلها سُبحـة»(3) . ولكن سندها ـ كغيرها من ا لأخبار ا لظاهرة في بطلان ا لصلاة معهم ـ في غايـة ا لضعف(4) ، فلايقاوم ا لأخبار ا لكثيرة ا لظاهرة في ا لصحّـة ، ا لخا ليـة عن


1 ـ ا لكافي 3 : 373 / 9 ، ا لفقيـه 1 : 251 / 1127 ، تهذيب ا لأحكام 3 : 265 / 752 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 299 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 ، ا لحديث 3 .
2 ـ مسائل عليّ بن جعفر (عليه السلام)  : 144 / 173 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 301 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 ، ا لحديث 9 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 3 : 33 / 120 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 303 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 6 ، ا لحديث 5 .
4 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ا لخازني (ا لخازمي) ، عن ا لحسن بن ا لحسين (ا لحسين بن ا لحسن) ، عن إبراهيم بن علي ا لمرافقي وعمر بن ا لربيع . وا لسند ضعيف لجها لـة أحمد بن محمّد بن يحيى ا لخازني .

(الصفحة 554)

ا لخَدْشـة من حيث ا لسند أيضاً .

ثمّ إنّـه لا فرق فيما ذُكر بين أن تكون ا لتقيّـة موجبـة لترك جزء أو شرط أو لفعل مانع .

ولا فرق في ا لجزء بين أن يكون رُكناً أو غيره ، كما أ نّـه لا فرق بين ا لصلاة وغيرها من ا لعبادات فإنّ ا لأئمـة (عليهم السلام) كانوا يحجّون معهم في أكثر ا لأعوام ، مع أنّ تعيين أوّل ا لشهر ويوم عرفـة كان بيد ا لعامّـة ; لكونهم مصدراً للاُمور وسلطاناً على ا لناس ظاهراً ، ولم يعهد من أحد منهم ا لمخا لفـة معهم في ا لباطن مع ا لموافقـة في ا لظاهر ; إذ لو كان ذلك لنقل مع توفّر ا لدواعي عليـه ، وكذلك لم يُعهد منهم إفتاء موا ليهم بوجوب ا لإعادة أو ا لقضاء ، وليس ذلك إلاّ لكون ا لعمل ا لصادر تقيّـة صحيحاً واقعاً ولو كان فاقداً لبعض ا لأركان .

ودعوى : أ نّـه لعلّـه كان عدم ا لإعادة أو ا لقضاء ، لأجل علمهم بمطابقة حكم قضاة ا لعامّـة وتعيينهم أوّل ا لشهر للواقع .

مدفوعـة : بضرورة خلافها ، فإنّـه كيف يمكن ادّعاء ذلك في ا لسنين ا لكثيرة ا لبا لغـة مائتين أو أزيد .

ثمّ إنّـه لاينافي ما ذكرنا ـ من عدم وجوب ا لإعادة وا لقضاء ـ ما ورد في بعض ا لأخبار : من أ نّـه (عليه السلام) أفطر يوماً يعلم أ نّـه من شهر رمضان تقيّـة ، وقا ل : «إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرب عُنُقي»(1) ; حيث إنّ ظاهره وجوب ا لقضاء مع ا لإفطار تقيّـة .


1 ـ ا لكافي 4 : 83 / 7 ، وسائل ا لشيعـة 10 : 132 ، كتاب ا لصوم ، أبواب ما يمسك عنـه ا لصائم ، ا لباب 57 ، ا لحديث 5 .

(الصفحة 555)

وجـه عدم ا لمنافاة : أنّ ما ذكرنا إنّما هو فيما لو أوجد أصل ا لعمل ، غايـة ا لأمر مخا لفتـه للواقع من حيث ا لكيفيّـة ، وأ مّا لو صارت ا لتقيّـة سبباً لترك ا لعمل رأساً ، فلا دليل على عدم وجوب ا لإعادة أو ا لقضاء ، كما هو ا لحا ل في جميع موارد ا لاضطرار ، فإنّ ا لحكم بالإجزاء وا لصحّـة إنّما هو فيما لو صدر منـه أصل ا لعمل ، ولكن اضطُرّ إ لى إيجاده موافقاً لهم ، وأما لو صار موجباً لتركـه فلايستفاد من أدلّتـه عدم وجوبهما كما لايخفى .

حول ثبوت موضوعات الخارجية بحكم القضاة من العامة

ثمّ إنّـه هل يكون حكم قضاتهم وتعيينهم لأوّل ا لشهر ـ مثلاً ـ حجّـة شرعيّـة على ا لشيعـة ـ أيضاً ـ في زمان ا لتقيّـة ; بحيث يترتّب عليـه جميع ا لآثار ما لم ينكشف ا لخلاف ، فلا فرق ـ حينئذ ـ بينـه وبين حكم قضاة ا لشيعـة ومراجعهم ا لذي يكون حجّـة عند ا لشكّ ، فلايجب ا لقضاء في ا ليوم ا لذي شُكّ في كونـه عيداً ; إذا حكم واحد منهم بأ نّـه يوم ا لعيد ; ولو كان مقتضى ا لاستصحاب ا لعدم ووجوب ا لقضاء مع ا لإفطار للتقيّـة ، أو لا ؟ وجهان .

ربما يُستفاد من بعض ا لأخبار ـ ا لواردة في ا لإفطار تقيّةً ـ ا لأوّلُ ، مثل ما رواه ا لصدوق بإسناده عن عيسى أ نّـه قا ل : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) في ا ليوم ا لذي يشكّ فيـه فقا ل : «يا غلام اذهب فانظر أصام ا لسلطان أم لا ؟» فذهب ثمّ عاد ، فقا ل : «لا ، فدعا با لغداء فتغدّينا معـه»(1) .

ودلالتـه على ذلك مبنيّـة على أن لايكون ا لراوي وا لغلام ممّن يتّقي عنهما ، فإنّـه ـ حينئذ ـ لا وجـه للإفطار ـ مع عدم ا لاضطرار ـ إلاّ لكون صيام ا لسلطان


1 ـ ا لفقيـه 2 : 79 / 352 ، وسائل ا لشيعـة 10 : 131 ، كتاب ا لصوم ، أبواب ما يمسك عنـه ا لصائم ، ا لباب 57 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 556)

وإفطاره حجّـة شرعيّـة عند ا لشكّ لجميع ا لناس ، وأ مّا لو كان أحدهما ممّن يتّقي عنـه فلاتصير ا لروايـة دليلاً على ذلك ; لأ نّـه لا منافاة بين ا لإفطار ـ لئلاّ يظهر ا لحا ل ـ وبين وجوب ا لقضاء ، كما لايخفى .

ومثل ما رواه أبو ا لجارود ، قا ل : سأ لت أبا جعفر (عليه السلام)  : إنّا شككنا سنـة في عام من تلك ا لأعوام في ا لأضحى ، وكان بعض أصحابنا يضحّي ؟ فقا ل : «ا لفطر يوم يفطر ا لناس ، وا لأضحى يوم يضحّي ا لناس ، وا لصوم يوم يصوم ا لناس»(1) .

ودلالتـه على ا لمطلب واضحـة ; لأنّ مفاده أنّ ا لفطر عند ا لشكّ يوم يفطر ا لناس ، فإفطارهم حجّـة شرعيّـة . نعم لابدّ من تقييده بصورة ا لشكّ لو فرض إطلاقـه وشمولـه لصورة ا لعلم أيضاً .

ولكن سند ا لروايـة ضعيف(2) ، فلايجوز ا لاعتماد عليـه في هذا ا لحكم ا لمخا لف للأصل ، فلو اقتضت ا لتقيّـة ا لإفطار في ا ليوم ا لذي شكّ في كونـه عيداً ، يجب قضاؤه عملاً بالاستصحاب .

حول اعتبار عدم المندوحة في التقية

ثمّ إنّـه هل يعتبر في جواز ا لتقيّـة ـ وإجزاء ا لعمل ا لصادر كذلك ـ عدم ا لمندوحـة أم لا ؟ وجهان .

وا لتحقيق أن يقا ل : إنّـه لا شبهـة في أ نّـه لايتحقّق عنوان ا لاضطرار إلاّ فيما إذا لم يكن لـه مندوحـة أصلاً ; ضرورة أ نّـه مع ثبوتها لايصدق عنوان ا لاضطرار


1 ـ تهذيب ا لأحكام 4 : 317 / 966 ، وسائل ا لشيعـة 10 : 133 ، كتاب ا لصوم ، أبواب ما يمسك عنـه ا لصائم ، ا لباب 57 ، ا لحديث 7 .
2 ـ ا لروايـة ضعيفـة بأبي ا لجارود زياد بن منذر . راجع رجا ل ا لنجاشي : 170 / 448 ، اختيار معرفـة ا لرجا ل : 229 ، ا لفهرست : 72 ـ 73.

(الصفحة 557)

ا لمساوق للاّبدّيّـة ، فمن كان متمكّناً من ترك شرب ا لخمر ـ بشرب مائع آخر مشابـه لـه في ا لأوصاف ـ لايكون مضطرّاً إ لى شرب ا لخمر أصلاً ، فارتكابـه في مثل ا لصورة ارتكاب للمحرّم بلا إشكا ل ، وكذلك من يكون متمكّناً من ترك ا لصلاة مع ا لعامّـة ـ بأن يصلّي في بيتـه مُغلقاً عليـه ا لباب ـ لايكون مضطرّاً إ لى ا لصلاة معهم ، بل نقول : إنّـه لايتحقّق ا لاضطرار على ا لصلاة وغيرهاـ من ا لأفعا ل ا لعباديّـة ا لمشروطـة با لنيّـة ـ إلاّ في بعض ا لموارد ; ضرورة أنّ غايتـه ا لاضطرار إ لى إيجاد صورة ا لعمل ، ولايتصوّر ا لاضطرار عليها مع نيّـة ا لعبادة .

نعم فيما إذا ضاق ا لوقت ولم يسع إلاّ لمقدار صلاة واحدة ـ مثلاً ـ يتحقّق ـ حينئذ ـ ا لاضطرار إ لى ا لصلاة ا لموافقـة لهم ; لأنّ ا لمفروض وجوبها عليـه مضيّقاً وعدم تمكّنـه من ا لمخا لفـة لهم ، وأ مّا في سعـة ا لوقت ا لتي يمكن معها تأخير ا لصلاة إ لى زمان آخر ، فلايكون فيـه إ لزام من ا لشارع إ لى نيّـة ا لصلاة ، ودفع ا لضرر ا لذي يخاف عليـه ، لايتوقّف إلاّ على مجرّد إيقاع ا لصورة موافقـة لهم .

وبا لجملـة:فتحقّق عنوان ا لاضطرار ـ ا لوارد في حديث ا لرفع وبعض ا لأخبار ا لمتقدّمـة ، مثل قولـه (عليه السلام)  : «ا لتقيّـة في كلّ شيء يُضطَرّ إ ليـه ابنُ آدم»(1) ـ إنّما هو فيما إذا لم يكن بُدّ إلاّ من ا لعمل على وفق ا لاضطرار ، ومع ثبوت ا لمندوحـة لايتحقّق ا للاّبدّيّـة وا لاضطرار .

ولكن ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة في ا لتقيّـة قد عرفت أ نّها لاتنحصر بذلك ، بل يستفاد منها ا لجواز فيما يكون أوسع من هذا ا لعنوان ، وهو عنوان كتم ا لسرّ وا لمداراة مع ا لناس .

وا لتأ مّل في ا لأخبار ا لواردة فيما عدا الاضطرار ، يقضي با لجواز وا لإجزاء


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 537 ـ 538 .

(الصفحة 558)

في صورتي وجود ا لمندوحـة وعدمها ; لاشتما لها على تحريض ا لناس وترغيبهم إ لى ا لصلاة في عشائرهم(1) ، وأنّ من صلّى معهم كمن صلّى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) ، وأنّ ا لمصلّي معهم كا لشاهر سيفـه في سبيل الله(3) ، وغير ذلك من ا لأخبار ا لتي تقدّم بعضها .

ثمّ إنّه لاشبهة فيما ذكرنا : من عدم ا لفرق بين صورة وجود ا لمندوحة وعدمها في ا لتقيّـة ـ بمعنى كتمان ا لسرّ وا لمداراة ـ لو اُريد بعدم ا لمندوحـة : عدمُ ا لتمكّن من ا لعمل على طبق ا لواقع في جميع ا لوقت ا لمضروب لذلك ا لعمل ; ضرورة أنّ حملَ ا لأخبار ا لكثيرة ـ ا لظاهرة في ا لصحّـة وا لإجزاء ـ على ما لو لم تكن لـه مندوحـة بهذا ا لمعنى ، حملٌ على فرض نادر ، بل لا وجـه لـه أصلاً ، بعد وضوح كون ا لمفروض فيها ، هي صورة كون ا لشيعـة مختارين في ا لصلاة معهم وعدمها .

وأ مّا لو اُريد بعدم ا لمندوحـة : عدمُها حين ا لعمل بسبب تبديل موضوع ا لتقيّـة بموضوع ا لأمن ; كأن يكون في مساجدهم ، ولايمكن لـه ا لعمل على طبق ا لواقع إلاّ با لخروج منها مع إمكانـه ، فا لظاهر ـ أيضاً ـ عدم اعتباره ; للأخبار ا لواردة في تحريض ا لناس وترغيبهم إ لى ا لصلاة معهم(4) ، ا لظاهرة في جوازها ولو با لخروج من ا لبيوت إ لى ا لمساجد لأجلها ، بل قد عرفت أنّ فيها ما يدلّ على أفضليّـة ذلك بالإضافـة إ لى ا لصلاة لا معهم .


1 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 16 : 219 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 26 ، ا لحديث 2 .
2 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 8 : 299 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 ، ا لحديث 1 و4 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 3 : 277 / 809 ، اُنظر وسائل ا لشيعـة 8 : 301 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 ، ا لحديث 7 .
4 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 8 : 299 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 5 .

(الصفحة 559)


حول كلام الشيخ في المقام

ولكن ظاهر ا لشيخ (قدس سره) في «رسا لـة ا لتقيـة» وجوب مراعاة عدم ا لمندوحـة في ا لجزء من ا لزمان ا لذي يوقع فيـه ا لفعل ; استناداً إ لى بعض ما يدلّ بظاهره عليـه من ا لأخبار(1) .

مثل روايـة إبراهيم بن شيبـة ، قا ل : كتبت إ لى أبي جعفر ا لثاني (عليه السلام) أسألـه عن ا لصلاة خلف من يتولّى أمير ا لمؤمنين وهو يرى ا لمسح على ا لخُفّين ، أو خلف من يحرّم ا لمسح على ا لخُفّين وهو يمسح ؟

فكتب (عليه السلام)  : «إن جامعك وإيّاهم موضع فلم تجد بُدّاً من ا لصلاة ، فأذّن لنفسك وأقم ، فإن سبقك إ لى ا لقراءة فسبّح»(2) . فإنّ ظاهرها اعتبار تعذّر ترك ا لصلاة معهم .

ونحوها في ذلك ما عن «ا لفقـه ا لرضوي»(3)  وما عن «دعائم ا لإسلام»(4) .

هذا ، ولكن لايجوز ا لاعتماد على شيء منها لضعف سندها ، مضافاً إ لى إمكان ا لمناقشـة في دلالـة بعضها : بأنّ ا لكلام في ا لصلاة مع ا لعامّـة ا لتي تجوز اختياراً بمقتضى ا لأخبار ا لمتقدّمـة ، لا ا لصلاة مع بعض ا لشيعـة ا لذي يكون قولـه مخا لفاً للحقّ ، أو بعض ا لعامّـة ا لذي يعمل على خلاف ا لمشهور بينهم ، فإنّ ا لصلاة


1 ـ رسائل فقهيّـة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 23 : 86 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 3 : 276 / 807 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 363 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 33 ، ا لحديث 2 .
3 ـ ا لفقـه ا لمنسوب للإمام ا لرضا (عليه السلام)  : 144 ـ 145 ، مستدرك ا لوسائل 6 : 481 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 29 ، ا لحديث 1 .
4 ـ دعائم ا لإسلام 1 : 151 ، بحار ا لأنوار 85 : 110 .

(الصفحة 560)

معهما لاتجوز إلاّ مع ا لاضطرار ، ا لمتوقّف على عدم ا لمندوحـة أصلاً .

وبا لجملـة:لايجوز رفع ا ليد عن ا لأخبار ا لكثيرة ـ ا لظاهرة في أ نّـه لايعتبر عدم ا لمندوحـة ـ بسبب هذه ا لأخبار ا لتي هي مخدوشـة من حيث ا لسند وا لدلالـة معاً .

وأ مّا لو اُريد بعدم ا لمندوحـة : عدمها بمعنى عدم ا لتمكّن حين ا لعمل من ا لإتيان بـه موافقاً للواقع ، كما إذا تمكّن ـ عند إرادة ا لتكفير للتقيّـة ـ من ا لفصل بين يديـه ; بأن لايضع بطن إحداهما على ظهر ا لاُخرى ، بل يقارب بينهما ، وكما إذا تمكّن من صبّـه ا لمـاء من ا لكفّ إ لى ا لمرفق ، لكنّـه ينوي ا لغسل عنـد رجوعـه من ا لمرفق إ لى ا لكفّ ، ونظيره نيّـة ا لغسل في ا لغسلـة ا لثانيـة وا لثا لثـة دون ا لاُولى ، فظاهر ا لشيخ (قدس سره)   وجوب ذلك وعدم جواز ا لعمل تقيّـة ، بل ذكر أ نّـه ممّا لاخلاف فيـه(1) .

ويؤيّده : أنّ ا لكتمان وكذا ا لمداراة يتحقّقان بهذا ا لنحو من ا لتعميـة ، إلاّ أنّ مفاد ا لأخبار في ذلك مختلف ، فيستفاد من بعضها : أ نّـه لايعتبر عدم ا لمندوحـة بهذا ا لمعنى أيضاً ، مثل بعض ا لروايات ا لواردة في ا لوضوء تقيّـة ، وأ نّـه يجب في حا لها ثلاثاً ثلاثاً ، كروايـة داود ا لرّقّي ا لمشتملـة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) لداود بن زربي ، بعد أن سأ لـه عن عدّة ا لطهارة : «ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنـه فلا صلاة لـه»(2) ، فإنّ ا لحكمَ بذلك ; من دون تعرّض لنيّـة ا لوضوء با لغسلتين ا لأخيرتين ; حتّى يكون عملـه مطابقاً للواقع ، شاهدٌ على أ نّـه لايُعتبر عدم ا لمندوحـة با لمعنى ا لمذكور .


1 ـ رسائل فقهيّـة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 23 : 85 .
2 ـ اختيار معرفـة ا لرجا ل : 312 / 564 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 443 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 32 ، ا لحديث 2 .

<<التالي الفهرس السابق>>