في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 561)

وكذا روايـة محمّد بن ا لفضل ا لمشتملـة على قصّـة علي بن يقطين(1) ، وفيها : أ نّـه (عليه السلام) أمره بغسل ا لوجـه ثلاثاً ، وغسل ا ليدين إ لى ا لمرفقين ثلاثاً ، ومسح جميع ا لرأس وظاهر ا لاُذُنين وباطنهما ، وغسل ا لرجلين ثلاثاً ، مع أنّ ا لمندوحـة متحقّقـة في ا لجميع ، فإنّـه يمكن لـه أن ينوي ا لمسح على خصوص مقدّم ا لرأس ، وأن يغسل ا لرجلين بنحو لاينافي ا لمسح عليهما .

هذا مضافاً إ لى أنّ ا لأخبار ا لعامّـة ا لواردة في ا لتقيّـة ، ا لآمرة با لحضور في جماعاتهم وا لصلاة معهم ، خا ليـة عن ا لتعرّض لذكر هذه ا لحيل ا لشرعيّـة .

هذا ، ويظهر من بعض ا لأخبار ـ ا لواردة في ا لصلاة خلف من لايُقتدى بـه ـ وجوبُ ا لقراءة للنفس ، مثل روايـة علي بن يقطين قا ل : سأ لت أبا ا لحسن (عليه السلام) عن ا لرجل يصلّي خلف من لايُقتدى بصلاتـه وا لإمام يجهر با لقراءة ؟ قا ل : «اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلابأس»(2) ، وروايـة محمّد بن أبي حمزة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «يُجزيك إذا كنت معهم من ا لقراءة مثل حديث ا لنفس»(3) .

فإنّ ظاهرهما وجوب ا لقراءة في ا لصلاة معهم وإن بلغت إ لى مرتبـة حديث ا لنفس ، ا لذي لايكون بقراءة أصلاً .


1 ـ ا لإرشاد ، ضمن مصنّفات ا لشيخ ا لمفيد 11 ، ا لجزء ا لثاني : 228 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 444 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 32 ، ا لحديث 3 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 3 : 36 / 129 ، الاستبصار 1 : 430 / 1663 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 363 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 33 ، ا لحديث 1 .
3 ـ ا لكافي 3 : 315 / 16 ، ا لفقيـه 1 : 260 / 1185 ، تهذيب ا لأحكام 3 : 36 / 128 ، ا لاستبصار 1 : 430 / 1662 ، وسائل ا لشيعـة 8 : 364 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب صلاة ا لجماعـة ، ا لباب 33 ، ا لحديث 4 .

(الصفحة 562)

هذا ، وا لجمع بينهما يقتضي إمّا ا لحمل على استحباب ا لقراءة ، أو ا لقول باختصاص ا لوجوب بها ; لأنّ ا لحكم باعتبار عدم ا لمندوحـة بهذا ا لمعنى ـ مضافاً إ لى أ نّـه خلاف ظواهر ا لأخبار ا لواردة في ا لتقيّـة ـ نقض لغرض تشريعها ، فإنّ ا لعوامّ لايمكن لهم ـ بحسب ا لنوع ـ أن يعملوا على طبق ا لواقع بإعما ل هذه ا لحيل ، فيريدون إعمالها ، فربما يقعون في ا لمخاطرة لأجل عدم العلم بكيفيّتها ، كما لايخفى .

فا لظاهر أ نّـه لايعتبر عدم ا لمندوحـة بهذا ا لمعنى أيضاً .

تنبيه: في ظرف التقية بمعنى كتمان الأمر

لايذهب عليك أنّ ا لتقيّـة بمعنى كتمان ا لسرّ أو مداراتهم ـ با لحضور في مجامعهم وا لصلاة معهم ـ إنّما هي في ا لزمان ا لذي كانت ا لاُمور بأيديهم ، وكان لهم ا لسلطنـة وا لإمارة على ا لناس ; بحيث لاتقدر ا لشيعـة على مخا لفتهم ; لخوف ا لضرر ا لما لي أو ا لبدني أو غيرهما .

وأ مّا لو فرض ا لعكس أو كان لكلّ منهما حكومـة مستقلّـة ـ كما في هذه ا لأزمنـة با لنسبـة إ لى أمصارنا ـ فا لظاهر عدم جريان تلك ا لآثار ، بل لا وجـه للتقيّـة أصلاً . نعم قد يتّفق ذلك إذا سافر بعض ا لشيعـة إ لى بلادهم ، كما في هذه ا لأزمنـة حيث يسافرون من جميع بلادهم إ لى مملكـة ا لحجاز ; لإقامـة مراسم ا لحجّ في مكّـة ، فإنّـه با لنسبـة إ ليهم يتحقّق موضوع ا لتقيّـة ، ويترتّب جميع ا لآثار ا لمتقدّمـة ، كما هو واضح .

وا لدليل على ما ذكرنا ـ مضافاً إ لى أنّ أدلّـة ا لتقيّـة كلّها ناظرة إ لى مثل زمان ا لأئمـة (عليهم السلام)  ، ا لذي كان مخا لفوهم مصادر للأوامر وغاصبين للخلافـة ا لتي هي حقّهم ، وقلّدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً ومن بعده ا لأئمّـة من ولده ـ صلوات الله عليـه وعليهم أجمعين ـ ما ورد في بعض ا لروايات : من أنّ أبا جعفر (عليه السلام) قا ل :

(الصفحة 563)

«خا لطوهم با لبرّانيّـة وخا لفوهم با لجوّانيّـة إذا كانت ا لإمْرة صبيانيّـة»(1) .

فإنّ ظاهره كون وجوب ا لمخا لطـة معلّقاً على كون ا لإمْرة وا لسلطنـة صبيانيّـة وعلى يد غير أهلها ، فينتفي بانتفائـه ، وأ مّا ما ورد في بعض ا لأخبار من تحديد ا لتقيّـة إ لى قيام ا لقائم ـ عجّل الله تعا لى فرجـه ا لشريف(2) ـ فا لظاهر أنّ ا لمراد بـه انتفاء موضوع ا لتقيـة رأساً في كلّ زمان ومكان ، فلا ينافي ما ذكرنا من عدم ا لتقيّـة بالإضافـة إ لى مثل بلادنا ، كما لايخفى .

تتمّة : في ترتّب الأثر على المأتيّ به تقيّةً

لو زال ا لسبب ا لمسوّغ لإيقاع ا لعمل على غير وجهـه ، وارتفعت ا لتقيّـة ، فهل يترتّب على ا لعمل ا لصادر حا لها ا لآثار ا لمترتّبـة على ا لعمل ا لصحيح ولو بعد ارتفاعها(3) ، أو أنّ ذلك إنّما يدور مدار ا لاضطرار وا لتقيّـة ، فيرتفع بارتفاعها ، فلاتجوز ا لصلاة اختياراً مع ا لوضوء ا لصادر تقيّـة(4) ، وكذا لايجوز ترتيب ا لأثر على ا لنكاح أو ا لطلاق ا لواقعين كذلك ؟

وجهان ، بل قولان ، أقواهما ا لأوّل ; لأنّ ا لظاهر من ا لأدلّـة كون ا لعمل ا لصادر تقيّـة ومخا لفاً للواقع ، متّصفاً با لصحّـة وماضياً كا لعمل ا لمطابق لـه ، فإنّ


1 ـ ا لكافي 2 : 220 / 20 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 219 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 26 ، ا لحديث3 .
2 ـ كما ل ا لدين : 371 / 5 ، كفايـة ا لأثر : 270 ، أعلام ا لورى : 408 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 211 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 24 ، ا لحديث 26 .
3 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 137 ، ذكرى ا لشيعـة 2 : 161 ، ا لدروس ا لشرعيّـة 1 : 92 ، جواهر ا لكلام 2  : 422 .
4 ـ ا لمبسوط 1 : 22 ، ا لمعتبر 1 : 154 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 174 .

(الصفحة 564)

قولـه (عليه السلام)  : «ا لتقيّـة في كلّ شيء يُضطرّ إ ليـه ابن آدم فقد أحلّـه الله»(1) ، مرجعـه إ لى أنّ الله تعا لى قد أمضى كلّ عمل صادر عن اضطرار ، فا لوضوء ا لواقع تقيّـة صحيح ، ومعنى صحّتـه تأثيره في رفع ا لحدث وإباحـة ا لصلاة ، وكذا ا لبيع وا لنكاح وا لطلاق ا لواقعـة تقيّـة ، يترتّب عليها آثار كلّ منها من ا لنقل وا لانتقا ل وا لزوجيّـة وا لبينونـة وتأثيرها في ذلك وإن كان في خصوص حا ل ا لاضطرار ; إلاّ أ نّـه لايكون محدوداً بـه ; لعدم ا لدليل على كون ارتفاعـه موجباً لرفعها بعد وقوعها صحيحـة ، وكذا قولـه (عليه السلام) في بعض ا لروايات : «فكلّ شيء يعمل ا لمؤمن بينهم لمكان ا لتقيّـة ; ممّا لايؤدّي إ لى فساد في ا لدين ، فإنّـه جائز»(2) ، ظاهر في جواز جميع ا لأفعا ل ا لصادرة تقيّـة ، وقد عرفت أنّ ا لمراد با لجواز ليس خصوص ا لجواز ا لتكليفي ، بل ا لأعمّ منـه ومن ا لوضعي .

وبا لجملـة : فظاهرهما صحّـة ا لأعما ل ا لصادرة تقيّـة ; بمعنى أنّ ا لوضوء كذلك يؤثّر في رفع ا لحدث ، فتكون ا لصلاة واجدة لشرطها ; أي ا لطهارة ، لا أ نّـه تجوز ا لصلاة مع عدمها في صورة ا لاضطرار ، وكذلك ا لنكاح وا لطلاق ، فإنّ جوازهما عند ا لاضطرار إ لى إيقاعهما على غير وجههما ، يرجع إ لى تأثيرهما في ا لزوجيّـة وا لبينونـة واقعاً ، لا أ نّـه يجوز وطؤها مع ا لاضطرار وإن لم تكن زوجـة ، أو أ نّـه يحرم وإن كانت باقيـة على ا لزوجيّـة ، وحينئذ فتكون هذه ا لأدلّـة ، حاكمـة على ا لأدلّـة ا لواردة في كيفيّـة ا لوضوء ا لصحيح وا لنكاح وا لطلاق ا لصحيحين ، كما هو واضح . فالأقوى هو ا لوجـه ا لأوّل .

ولنختم بذلك ا لكلام في مباحث ا لتقيّـة ، ونرجع إ لى سائر مباحث ا لوضوء .


1 ـ تقدّم في الصفحة 547 .
2 ـ ا لكافي 2 : 168 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 16 : 216 ، كتاب ا لأمر وا لنهي ، ا لباب 25 ، ا لحديث6 .

(الصفحة 565)


اعتبار الترتيب في الوضوء

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «ا لترتيب واجب في ا لوضوء يبدأ غسل ا لوجـه قبل ا ليمنى ، وا ليسرى بعدها ، ومسح ا لرأس ثا لثاً ، وا لرجلين أخيراً ، فلو خا لف أعاد ا لوضوء عمداً كان أو نسياناً إن كان قد جفّ ا لوضوء ، وإن كان ا لبلل باقياً أعاد على ما يحصل معـه ا لترتيب»(1) .

أقول : يدلّ على وجوب ا لترتيب بهذه ا لكيفيّـة ا لإجماع(2)  وا لسنّـة(3) ، وظاهر ا لشهيد (قدس سره) في «ا لذكرى» دلالـة ا لآيـة عليـه(4)  أيضاً ; حيث قا ل : «ا لواجب ا لسادس : ا لترتيب عند علمائنا ; لأ نّـه تعا لى غيّى ا لغسلَ با لمرافق وا لمسحَ با لكعبين ، وهو يُعطي ا لترتيب ، وإنّ ا لفاء في (فَاغْسِلُوا) يفيد ا لترتيب قطعاً بين إرادة ا لقيام وبين غسل ا لوجـه ، فتجب ا لبَدْأة بغسل ا لوجـه قضيـة للفاء ، وكلّ من قا ل بوجوب ا لبدأة بـه قا ل با لترتيب بين باقي ا لأعضاء»(5) .


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 14 .
2 ـ ا لخلاف 1 : 95 ـ 96 ، ا لمعتبر 1 : 154 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 185 ، جواهر ا لكلام 2 : 246 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 5 .
3 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 448 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث 1 .
4 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
5 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 161 .

(الصفحة 566)

أقول : لم أفهم أنّ جعل ا لمرافق غايـة لغسل ا لأيدي وا لكعبين غايـة لمسح ا لأرجل كيف يعطي ا لترتيب وأيّ ارتباط بين ا لأمرين ، وأمّا ا لفاء في قولـه تعا لى : (فَاغْسِلُوا) فإنّـه وإن كان يفيد ا لترتيب ، إلاّ أنّ مفاده ا لترتيب بين إرادة ا لقيام وغسل ا لوجـه ، ومورد ا لكلام هو ا لترتيب بين غسل ا لوجـه وبين باقي ا لأعضاء ; ألا ترى أ نّـه لو قيل : جاء زيد فعمرو وبكر ، يستفاد منـه أنّ مجيء عمرو متأخّر عن مجيء زيد ، لا أ نّـه متقدّم على مجيء بكر ، كما لايخفى(1) .

وبا لجملـة:فدلالـة ا لآيـة على اعتبار ا لترتيب محلّ نظر ، بل منع .

ولكن عرفت أنّ ا لإجماع وا لسُّنّـة متوافقان عليـه . هذا في أصل اعتبار ا لترتيب .

وأ مّا ا لإعادة في صورة ا لمخا لفـة ، فظاهر عبارة «ا لشرائع» ا لمتقدّمـة ا لتفصيل ـ في صورتي ا لعمد وا لنسيان ـ بين ما لو كان قد جفّ ا لوضوء ، فتجب إعادتـه ، وبين ما لو كان ا لبلل باقياً ، فتجب ا لإعادة على ما يحصل معـه ا لترتيب .

حول كلام العلاّمة في المقام

وا لمحكيّ عن ا لعلاّمـة (قدس سره) في «ا لتحرير» : أنّ هذا ا لتفصيل إنّما هو في خصوص صورة ا لنسيان ، وأ مّا في صورة ا لعمد فتجب إعادة ا لوضوء مطلقاً(2) .

وربما يوجّـه تارة : بأ نّـه مبنيّ على مختاره في ا لموا لاة من أ نّها عبارة عن


* لايخفى أنّ المقدار الّذي استفاده الشهيد من الآية هو تأخّر غسل الوجه عن إرادة القيام ووجوب البدأة به ، وأ مّا الترتيب بينه وبين سائر الأعضاء ، فقد استُدلّ عليه بعدم القول بالفصل وأنّ كلّ من قال بوجوب البدأة به قال بالترتيب بينه وبين سائر الأعضاء .[المقرر دام ظلّه].
2 ـ تحرير ا لأحكام 1 : 10 / ا لسطر 25 ، جواهر ا لكلام 2 : 250 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 6 .

(الصفحة 567)

ا لمتابعـة مع ا لاختيار ، ومراعاة ا لجفاف مع ا لاضطرار .

واُخرى : بأ نّـه يدلّ عليـه مفهوم موثّقـة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  : «إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ، ثمّ اغسل ذراعيك بعد ا لوجـه»(1)  فإنّ مفهومها : أ نّـه إن لم تنسَ فلا تُعد غسل وجهك ، فحينئذ إمّا أن يكون ا لمرادُ ا لبناءَ مع عدم ا لإعادة ، وهو خلاف ا لإجماع ، فليس إلاّ الاستئناف(2) .

وفي كلا ا لتوجيهين نظر :

أ مّا ا لأوّل : فلأنّ مخا لفـة ا لترتيب ربما لاتنافي ا لمتابعـة ا لمعتبرة مع الاختيار ; ألا ترى أ نّـه لو بدأ بغسل ا لأيدي ثمّ غسل ا لوجـه ثمّ غسل ا لأيدي ، لخا لف ا لترتيب مع ثبوت ا لتتابع ، كما هو واضح .

وأ مّا ا لثاني : ـ فمضافاً إ لى منع ا لمفهوم ، لاسيّما في مثل ا لمقام ـ نقول : إنّ ا لمنطوق إنّما يدلّ على وجوب ا لإعادة والاستئناف ، فكيف يكون ا لحكم في ا لمفهوم ـ أيضاً ـ هو وجوب ا لإعادة ، مع أ نّـه مخا لف لـه في ا لإيجاب وا لسلب .

وا لتحقيق في توجيـه ما ذكره ا لعلاّمـة (قدس سره) أن يقا ل : إنّ ا لعامد مع ا لتفاتـه إ لى اعتبار ا لترتيب في ا لوضوء ، لايتمشّى منـه قصد ا لقربـة وتحقّق ا لامتثا ل با لوضوء ا لخا لي من ا لترتيب ، فعند ا لمخا لفـة مع ا لالتفات يستكشف أ نّـه لايكون قاصداً للامتثا ل أصلاً ، وعليـه فيكون بطلان ا لوضوء مستنداً إ ليـه ، ويجب عليـه ا لاستئناف وإن كان بدونـه يحصل ا لترتيب ; لبطلان ما أتى بـه من ا لأفعا ل بسبب خُلُوّه عن قصد ا لقُربـة .


1 ـ ا لكافي 3 : 35 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 99 / 258 ، الاستبصار 1 : 74 / 227 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 452 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 35 ، ا لحديث 8 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 6 .

(الصفحة 568)


حول وجوب الاستئناف لو خالف الترتيب

وكيف كان ، فلو خا لف ا لترتيب ; فقدّم ما حقّـه ا لتأخير وأخّر ما حقّـه ا لتقديم ، فلا إشكا ل في وجوب ا لإتيان با لمتأخّر ثانياً ; لخروجـه عن محلّـه بسبب ا لتقديم .

وفي وجوب ا لإتيان با لمتقدّم ثانياً ـ أيضاً ـ لو أتى بـه أوّلاً وجهان . فلو غسل يده ا ليسرى قبل ا ليمنى ثمّ غسلها ، فهل تجب عليـه إعادة غسل ا ليمنى أيضاً أو لا ؟ ا لمشهور هو ا لثاني(1) ، بل في ا لمحكيّ عن «ا لجواهر» أ نّـه قا ل : لم أجد فيـه خلافاً(2) .

وا لعبارة ا لمحكيّـة عن ا لصدوق(3)  تُشعر با لتخيير ; حيث اقتصر على مجرّد نقل ا لأخبار ا لمتعارضـة ، ولم يرجّح بعضها على ا لبعض ا لآخر(4) .

وكيف كان ، فا لمستفاد من ا لأخبار ا لكثيرة وجوب إعادة ا لمتقدّم أيضاً :

منها :صحيحـة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)  ، أ نّـه قا ل بعد بيان وجوب ا لترتيب بين أعضاء ا لوضوء : «إن غسلت ا لذراع قبل ا لوجـه فابدأ با لوجـه وأعد على ا لذراع ، وإن مسحت ا لرّجْل قبل ا لرأس فامسح على ا لرأس قبل ا لرجل ثمّ أعد على ا لرِّجل ; ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ»(5) .


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 7 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 248 .
3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 306 ـ 307 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 8 .
4 ـ ا لفقيـه 1 : 29 / 90 .
5 ـ ا لكافي 3 : 34 / 5 ، ا لفقيـه 1 : 28 / 89 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 97 / 251 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 449 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 569)

فإنّ ا لمراد بغسل ا لذراع قبل ا لوجـه هو وقوعـه قبل غسل ا لوجـه حقيقـة ; بمعنى أ نّـه قد غسل ا لوجـه ـ أيضاً ـ متأخّراً عن غسل ا لذراع ، وا لتعبير با لبدأة با لوجـه لاينافي ذلك ، فإنّ ا لغرض منـه هو بيان أنّ ا لمعتبر في ا لوضوء أن يبدأ با لوجـه قبل سائر ا لأعضاء حقيقـة ، لا مجرّد وقوعـه قبل غسل ا لذراع حتّى يقا ل : إنّ إعادة غسل ا لذراع توجب تحقّق ا لقبليّـة(1) ، ويؤيّده ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة فيمن بدأ في ا لسعي با لمرْوة دون ا لصفا ، فإنّـه قد حكم فيها بوجوب طرح ا لمقدار ا لذي سعى وا لبدأة با لصفا(2) ، فلو كان ا لمراد من ا لبدأة هي مجرّد ا لقبليّـة ، لما كان وجـه لبطلان جميع ا لأشواط ، كما لايخفى .

وبا لجملـة فدلالـة ا لروايـة على وجوب إعادة ا لمتقدّم ممّا لا مجا ل للمناقشـة فيها .

ومنها :ذيل موثّقـة أبي بصير ا لمتقدّمـة ; حيث قا ل (عليه السلام)  : «إن بدأت بذراعك ا لأيسر قبل ا لأيمن ، فأعد على غسل ا لأيمن ثمّ اغسل ا ليسار»(3) .

فإنّ ا لتعبير بالإعادة ظاهر في أ نّـه غسل ا لأيمن أوّلاً ، وقد حكم بوجوب غسلـه ثانياً .

ومنها غير ذلك من ا لأخبار ا لظاهرة في ذلك .


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 11 .
2 ـ ا لكافي 4 : 437 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 5 : 151 / 495 ، و 153 / 503 ، و 472 / 1659 ، ا لاستبصار 2 : 240 / 836 ، وسائل ا لشيعـة 13 : 487 ، كتاب ا لحجّ ، أبواب ا لسعي ، ا لباب10 ، ا لحديث 1 و 2 و 3 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 567 .

(الصفحة 570)


أدلّة عدم وجوب الاستئناف

وفي مقابل هذه ا لأخبار بعض ا لأخبار ا لتي يُستفاد منها عدم ا لوجوب ، مثل موثّقـة ابن أبي يعفور ، ا لمحكيّـة عن «مستطرفات ا لسرائر» عن كتاب «ا لنوادر» لأحمد بن محمّد بن أبي نصر ا لبزنطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت رأسك ورجليك ، ثمّ استيقنت بعد أ نّك بدأت بها ، غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك ورجليك»(1) .

ومثلها روايـة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث تقديم ا لسعي على ا لطواف ـ قا ل : «ألا ترى أ نّك إذا غسلت شما لك قبل يمينك ، كان عليك أن تعيد على شما لك»(2) .

ويمكن ا لمناقشـة في هذه ا لروايـة بعدم كونها في مقام ا لبيان من هذه ا لجهـة ، ولكنّـه مع ذلك يجب رفع ا ليد عن ظاهر ا لطائفـة ا لاُولى ; لكون ا لموثقـة نصّاً في عدم وجوب إعادة غسل ا ليمين ، ومع فرض عدم إمكان ا لحمل فيها وثبوت ا لمكافأة ، فلا إشكا ل في ترجيح ا لموثّقـة عليها ; لكونها موافقـة لفتوى ا لمشهور ، بل ا لكلّ ـ كماعرفت من «ا لجواهر» ـ فتصير ا لطائفـة ا لاُولى ساقطـة عن الاعتبار باعتبار إعراض ا لأصحاب عنها .


1 ـ ا لمستطرفات ، ضمن ا لسرائر 3 : 553 ـ 554 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 454 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 35 ، ا لحديث 14 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 5 : 129 / 427 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 451 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 35 ، ا لحديث 6 .

(الصفحة 571)


فرع: في نيّة الوضوء الارتماسي

لو ارتمس في ا لماء ا لجاري فنوى ا لوضوء ; بأن نوى غسل ا لوجـه أوّلاً ، ثمّ نوى غسل ا ليمنى ثمّ ا ليسرى ، ثمّ مسح رأسـه ورجليـه ، يصحّ وضوؤه ; لأنّ صيرورة كل واحد من ا لغسلات غسلاً وضوئيّاً يتوقّف على ا لنيّـة ، وا لمفروض أ نّـه نوى أوّلاً غسل ا لوجـه ثم سائر ا لأعضاء على ا لترتيب ا لمعتبر في ا لوضوء ، ولايلزم أن يكون جرى ا لماء على غير نسق واحد ، وكان لجرياناتـه ا لمتعاقبـة امتياز عرفيّ ـ كما في «ا لمصباح»(1) ـ فإنّـه يكفي في حصول ا لتغاير مجرّد نيّـة ا لوضوء بـه ، ولايلزم أن يكون هنا غسلات متعدّدة ممتازة ، فإنّ ا لغسل ا لواحد ا لممتدّ ، يمكن أن يقع بعض أجزائـه غسلاً للوضوء بسبب ا لنيّـة ، كا لخطّ ا لواحد كذلك . هذا في ا لماء ا لجاري .

وأ مّا ا لواقف فكذلك ـ أيضاً ـ بشرط حصول تحريك كلّ عضو عند إرادة غسلـه ; بحيث يجري ا لماء من ا لأعلى إ لى ا لأسفل ; لصدق تحقّق ا لغسل كذلك عليـه .


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 13 .

(الصفحة 573)


اعتبار الموالاة

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «ا لموا لاة واجبـة ، وهي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمـه . وقيل : بل هي ا لمتابعـة بين ا لأعضاء مع الاختيار ومراعاة ا لجفاف مع ا لاضطرار»(1) .

أقول : مقتضى ا لآيـة ا لشريفـة ا لواردة في ا لباب(2)  عدم وجوب ا لموالاة ; لأنّ ا لعطف وقع فيها با لواو .

وأ مّا غيرها من سائر ا لأدلّـة فليس فيها ما يدلّ على اعتبار ا لموالاة بعنوانها .

المراد من الموالاة في الأخبار

نعم ا لظاهر اتّفاقهم على وجوبها في ا لجملـة(3)  على اختلاف في ا لمراد منها ، فلابدّ من ملاحظـة ا لأخبار ا لواردة في هذا ا لمقام ا لتي هي ا لمستند ، فنقول :

منها : ـ وهي ا لعمدة ـ موثّقـة أبي بصير ، قا ل : قا ل أبوعبدالله (عليه السلام)  : «إذا


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 14 .
2 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
3 ـ جواهر ا لكلام 2 : 252 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 309 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 14 .

(الصفحة 574)

توضّأتَ بعض وضوئك ، فعرضت لك حاجـة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوئك ، فإنّ ا لوضوء لايتبعّض»(1) .

وا لتقييد بقولـه : «حتّى يبس» ظاهر في عدم وجوب ا لإعادة لو انقضت ا لحاجـة قبل أن ييبس ا لوضوء ، بل يبني عليـه ، فظاهره أنّ ا لملاك هو حصول ا لجفاف وعدمـه ، وبـه يفسّر إطلاق ا لعلّـة ا لمذكورة في ا لذيل ا لظاهرة في أنّ ا لملاك هو ا لتبعّض ; سواء حصل ا لجفاف أم لا ; إذ ا لأخذ بـه يوجب أن يكون ذكر ا لغايـة لغواً ، فا لمراد با لتبعّض ا لمنفي في ا لوضوء هو ا لجفاف وا ليَبْس .

ومنها :روايـة حكم بن حكيم ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي من ا لوضوء ا لذراع وا لرأس ؟ قا ل : «يعيد ا لوضوء إنّ ا لوضوء يتبع بعضـه بعضاً»(2) .

وا لمراد با لمتابعـة هنا هي ا لموا لاة ; ضرورة أ نّـه لو كان ا لمراد بها ا لترتيب لما صحّ أن يقع علّـة لإعادة ا لوضوء ; إذ ا لترتيب يحصل بدونـه ، كما هو واضح ، وحينئذ تصير ا لروايـة ـ بضميمـة ا لإجماع على أنّ ا لموالاة في حقّ ا لناسي هو عدم ا لجفاف(3) ـ قرينـة على أنّ ا لمراد با لعلّـة ا لمذكورة في ا لروايـة ا لمتقدّمـة ـ وهي أنّ ا لوضوء لايبعض ـ هو هذا ا لمعنى .

نعم وقع مثل هذا ا لتعليل في بعض ا لأخبار ا لواردة في بيان اعتبار


1 ـ ا لكافي 3 : 35 / 7 ، علل ا لشرائع : 289 ـ 290 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 87 / 230 ، و98 / 255 ، ا لاستبصار 1 : 72 / 220 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 446 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 33 ، ا لحديث 2 .
2 ـ ا لكافي 3 : 35 / 9 ، علل ا لشرائع : 289 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 448 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 33 ، ا لحديث 6 .
3 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 16 ـ 17 .

(الصفحة 575)

ا لترتيب(1) ، ولكنّـه لايوجب أن يكون ا لمراد بـه في هذه ا لروايـة ـ أيضاً ـ هو ا لترتيب . نعم يمكن أن يقا ل : إنّ ا لسؤال في ا لروايـة إنّما وقع عن حيثيّـة مخا لفـة ا لترتيب ، فكيف يمكن أن يكون ا لمراد با لمتابعـة هي ا لموا لاة مع أ نّها لم تكن مورداً للسؤال ، إلاّ إذا حُمـل على ما إذا حصل ا لجفاف ، وهو ممّا يدلّ عليـه ا لسؤال أصلاً .

نعم يقع ا لإشكا ل ـ حينئذ ـ في وجوب إعادة ا لوضوء ا لظاهر في وجوب إعادتـه من رأس مع أنّ مخا لفـة ا لترتيب لاتوجب إلاّ ا لإعادة من حيث أخطأ .

ولكنّـه يندفع : بأنّ ا لظاهر وإن كان ذلك ، إلاّ أ نّـه يحمل عليـه بقرينـة سائر ا لروايات ، أو يقا ل : إنّـه قد وقع مثل هذا ا لتعبير في بعض ا لروايات ا لواردة في ا لترتيب ، وهو يُشعر بجواز ا لتعبير عن إعادة ا لوضوء من حيث أخطأ بإعادة ا لوضوء ، فتدبّر .

وكيف كان ، فا لظاهر أنّ ا لروايـة لا ارتباط لها بمسأ لـة ا لموا لاة ; لما عرفت ، مضافاً إ لى أنّ ا لتعبير عن ا لموا لاة با لمتابعـة ـ مع أ نّها لغـة لاتناسبها ـ لايوجد في ا لروايات أصلاً ، خصوصاً مع ملاحظـة كثرة ا لتعبير فيها عن ا لترتيب با لمتابعـة ، وهذه كلّها قرينـة على أنّ ا لمراد با لروايـة هي ا لترتيب .

فا لعمدة في إثبات اعتبار ا لموا لاة هي روايـة أبي بصير ا لمتقدّمـة .

وهل مقتضاها كون ا لبطلان منوطاً با لجفاف مطلقاً ; من دون فرق بين أن يكون مسبّباً عن ا لتأخير ، أو عن أمر آخر ، بل لو أتى بالأفعا ل متتابعـة وحصل ا لجفاف في ا لأثناء لشيء من ا لعوارض ، تجب إعادة ا لوضوء ، أو أنّ مدلولها إناطـة ا لبطلان بالإخلال با لمتابعـة ; سواء حصل ا لجفاف أم لا ، أو أنّ مفادها هو اعتبار


1 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 448 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث 1 ، و : 452 ، ا لباب 35 ، ا لحديث 9 .

(الصفحة 576)

ا لأمرين في ا لبطلان ، فلايبطل إلاّ إذا أخلّ با لمتابعـة وحصل ا لجفاف معاً ، فا لمعتبر ـ بناءً عليـه ـ في صحّـة ا لوضوء أحد ا لأمرين على سبيل منع ا لخُلُوّ : إمّا ا لمتابعـة ا لعرفيّـة ، وإمّا عدم ا لجفاف ؟ وجوه .

قد يقال بالأوّل ; نظراً إ لى أنّ قولـه (عليه السلام)  : «فعرضت لك حاجـة»(1) ، يكون ا لمراد منـه مجرّد كون عروض ا لحاجـة موجباً لتحقّق ا ليبس فيتحقّق ا لمسبّب ا لذي يوجب ا لإخلال با لوضوء(2) ، ولكن ا لتعليل بنفي ا لتبعّض ـ ا لظاهر في اعتبار ا لمتابعـة وعدم ا لفصل ـ لايناسب ذلك ; لما عرفت من أ نّـه قد يتحقّق ا ليَبْس مع ثبوت ا لمتابعـة ، وقد لايتحقّق ا لجفاف مع ا لإخلال بها ، فتعليل بطلان ا لوضوء بسبب ا لجفاف باعتبار ا لمتابعـة في ا لوضوء ، ممّا لامناسبـة فيـه أصلاً .

وقد يقال با لثاني ; نظراً إ لى أنّ قولـه (عليه السلام)  : «فعرضت لك حاجـة» ، كنايـة عن ا لتأخير ا لموجب لفوات ا لمتابعـة(3) ، وا لتعليل يقتضي كون ا لبطلان مستنداً إ لى ا لتأخير فقط ; لعدم مدخليّـة ا لجفاف وجوداً وعدماً في مقتضى ا لتعليل ، كما لايخفى . هذا ولكن مقتضى هذا ا لوجـه إ لغاء قولـه (عليه السلام)  : «حتّى يبس وضوؤك» بحيث لم يكن لـه مدخليّـة أصلاً ، وهو خلاف ظاهر ا لروايـة .

فالإنصاف : أنّ ظاهرها مدخليّـة ا لتأخير ا لذي كنّى عنـه بعروض ا لحاجـة وا لجفاف معاً ; بحيث لاتجب إعادة ا لوضوء مع انتفاء واحد منهما ، وهوا لموافق لما حكي(4)  عن ا لصدوقين(5) ، بل ا لمحكيّ عن طهارة ا لشيخ ا لأنصاري (قدس سره) أ نّـه قا ل :


1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 446 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 33 ، ا لحديث 2 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 255 ـ 256 ، اُنظر مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 453 .
3 ـ اُنظر ا لمبسوط 1 : 23 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 264 / ا لسطر 5 .
4 ـ ا لمقنع : 16 ، ا لفقيـه 1 : 35 .
5 ـ جواهر ا لكلام 2 : 253 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 313 .

(الصفحة 577)

«لم نعثر على مصرّح بخلافـه»(1) ، ويؤيّده أخبار جواز أخذ ا لماء من ا للحيـة للمسح فيما لو ذكر نسيانـه في ا لصلاة(2) ، فتدبّر .

ثمّ إنّ ا لظاهر من قولـه (عليه السلام)  : «حتّى يبس وضوؤك» ، وإن كان هو اعتبار يَبْس محالّ ا لوضوء ا لتي يجب غسلها ، إلاّ أ نّـه يستفاد من ا لأخبار ـ ا لدالّـة على جواز أخذ ا لماء من ا للحيـة للمسح ـ ا لشاملـة بإطلاقها لما إذا أخذ من ا للحيـة ا لمسترسلـة : أ نّـه لايبطل ا لوضوء إذا جفّ ما على محالّ ا لوضوء من ا لنداوة وا لرطوبـة ، ولكن كان ا لماء في ا للحيـة باقياً ، فا لعبرة ـ حينئذ ـ بجفاف محالّ ا لوضوء وما يعدّ من توابعها بنظر ا لعرف ; وإن لم يجب غسلـه شرعاً .

فرع: في نذر التوالي في الوضوء

لو نذر ا لتوا لي ; بمعنى ا لتتابع في ا لوضوء أو نذر ا لوضوء ا لمتوا لي ، فقد قيل بانعقاد نذره وحرمـة مخا لفتـه(3) ، وفي بطلان ا لوضوء إذا أخلّ با لموا لاة خلاف ، وعن صاحب «ا لمدارك»(قدس سره) ا لتفصيل بين ا لصورتين وا لبطلان في ا لثاني دون ا لأوّل(4) .

أقول : أ مّا انعقاد ا لنذر وحرمـة مخا لفتـه ، فغايـة ما يمكن أن يقا ل في وجهـه هـو ما ذكـره فـي «ا لمصباح» : مـن أ نّـه لا شبهـة فـي رُجحـانها ولو


1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 313 .
2 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 407 ـ 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 1 و2 و 3 و 7 .
3 ـ جواهر ا لكلام 2 : 263 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 36 .
4 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 230 ـ 231 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 331 .

(الصفحة 578)

لحسن ا لاحتياط ; خروجاً من شبهـة ا لخلاف ، فضلاً عن رجحان ا لمسارعـة وا لاستباق إ لى ا لطاعـة(1) .

ولايخفى ما فيـه ; لأنّ رجحان ا لاحتياط لايسري إ لى ا لعمل بحيث يصير راجحاً ; ألا ترى أ نّـه إذا دار ا لأمر في ا لخمر ـ مثلاً ـ بين كونـه موجوداً في هذا ا لإناء أو ا لإناء ا لآخر ، فلا إشكا ل في وجوب الاحتياط بترك كلا ا لإناءين ، إلاّ أنّ ذلك لايوجب كون ترك شرب ا لماء ـ ا لموجود في واحد من ا لإناءين ـ راجحاً ذاتاً ، فإنّ مرجع وجوب ا لاحتياط إ لى حكم ا لعقل بتنجّز ا لتكليف على كلّ تقدير ، فيجب ترك كلا ا لإناءين ; لئلاّ يقع في محذور مخا لفـة ا لتكليف .

وا لمقام ـ أيضاً ـ كذلك ، فإنّ ا لخروج من شبهـة ا لخلاف وا لأخذ بالاحتياط ، لايوجب صيرورة ا لعمل راجحاً ومستحبّاً ، كما هو ظاهر .

وأ مّا رجحان ا لمسارعـة وا لاستباق فلايوجب ما ذكر ; لأنّ ا لمسارعـة ا لمستحسنـة إنّما هي ا لمسارعـة إ لى سبب ا لمغفرة ، وا لاستباق ا لراجح إنّما هو ا لاستباق إ لى ا لخيرات ، ومن ا لمعلوم أنّ سبب ا لمغفرة وا لخير إنّما هو ا لوضوء بتمامـه ، لا أجزاؤه وأفعا لـه ، فمفاد ا لآيات هو استحباب ا لسرعـة إ لى ا لوضوء في قبا ل تأخيره إ لى وقت آخر ، ولا دلالـة فيها على ا لتسريع وا لاستباق إ لى إتمام ا لوضوء بعد ا لشروع فيـه ، فتدبّر .

وبا لجملـة:فإثبات صحّـة ا لنَّذر وحرمـة مخا لفتـه بما ذكر في غايـة ا لإشكا ل ، فلايبعد أن يقا ل بعدم انعقاده ، وعلى تقديره فلا إشكا ل في صحّـة ا لوضوء إذا أخلّ با لمتابعـة ; لأنّ ا لأمر ا لنذري إنّما تعلّق بعنوان ا لوفاء با لنذر ،


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 36 .

(الصفحة 579)

ولايكاد يسري من متعلّقـه إ لى شيء آخر ، وا لأمر ا لوضوئي إنّما تعلّق بعنوان الـوضوء ومخا لفـة ا لأوّل بتـرك ا لمتابعـة وعـدم رعايـة ا لوفاء لا ربط لها با لوضوء أصلاً .

وما يتوهّم : من حرمـة ترك ا لمتابعـة ، فيكون ا لمأتيّ بـه محرّماً فيبطل(1) .

ففيـه : أ نّـه ليس في ا لبين تكليف تحريمي أصلاً ، وعلى تقديره فا لمحرّم إنّما هو ترك ا لوفاء با لنَّذْر ، لا ترك ا لمتابعـة . وعلى تقدير ا لتسليم فحرمـة ترك ا لمتابعـة لاتسري إ لى ا لوضوء بوجـه ، كما هو واضح .

وبا لجملـة:فالإشكا ل في صحّـة ا لوضوء ـ على تقدير صحّـة ا لنذر وانعقاده ـ ممّا لاينبغي ا لإصغاء إ ليـه .


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 3 : 36 .

<<التالي الفهرس السابق>>