( الصفحه 101 )
الإتيان بالظهر وأوضح منه بطلان دخول وقت الظهر بعدما صلّى المصلّي صلاة الظهر كما هو ظاهر .
مع أنّه لو سلّمنا ما أفاده وأغمضنا عن عدم قابلية صدر الرواية للحمل على ما ذكره فنقول ذيل الرواية الدالّ على خروج وقت الظهر إبقاء وقت العصر إذا بقى إلى الغروب مقدار أربع ركعات فقط كيف يجتمع مع الاشتراك في جميع الوقت فإنّ لازمه خصوصاً مع اعتبار الترتيب في صلاة العصر الإتيان بصلاة الظهر في هذه الصورة ودعوى سقوط الشرطية فيها مدفوعة بأنّها على تقدير تسليمها لا يقتضي تعين العصر بل اللاّزم أن يكون المصلّي مختاراً في الإتيان بآية واحدة منهما مع أنّ ظهور الرواية في تعينها ممّا لا مجال لإنكاره وإلاّ يلزم أن يكون ذيل الرواية خالياً من الدلالة على أيّ حكم فتدبّر .
والتحقيق في هذا الباب ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) في مجلس درسه وأوردته في تقريراته وحاصله : انّ وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامّة وكذا وقت المغرب والعشاء فعند بعضهم يكون أوّل الزوال إلى المثل وقتاً للظهر ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر وعند البعض الآخر يكون أوّل الزوال إلى المثلين وقتاً للظهر كذلك ، نعم حكى عن ربيعة القول بدخول الوقتين بمجرّد الزوال ولكن هذا القول مرمى عندهم بالشذوذ ، والسيرة المستمرّة العملية فيهم إلى زماننا هذا هو إتيان العصر بعد مدّة كثيرة من إتيان الظهر فإنّهم يأتون بصلاة الظهر ثمّ يتفرّقون إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه ثمّ يرجعون لإقامة العصر ، والجمع بين الصلاتين بهذا النحو الشايع عند الشيعة عملاً يكون أمراً منكراً عندهم; لعدم اجتماعه مع تباين الوقتين ولذلك تعجّب أبو امامة من فعل أنس فيما رواه البخاري عنه حيث إنّه قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ
( الصفحه 102 )
خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر فقلت : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كنّا نصلّي معه .
وقد التزموا بعدم اشتراك الوقت حتى في موارد الجمع كما في السفر وعند المطر وبأنّ وقت الصلاة الاُولى يصير مضيقاً بسبب الآخر .
وبالجملة الجمع بين الصلاتين كان من المنكرات عندهم وـ حينئذ ـ لا يبقى الارتياب في أنّ اخبار الاشتراك إنّما وردت لإبطال هذه العقيدة ولبيان الحكم الواقعي وانّه لا يجب الانتظار للإتيان بصلاة العصر بعد الإتيان بالظهر كما عليه الجمهور ، بل يجوز الإتيان بهما معاً بعد الزوال بلا فصل ولا تكون الروايات بصدد بيان اشتراكهما في كلّ جزء منه حتى تنافي ما يدلّ على اختصاص أوّل الوقت بالظهر ، وحيث إنّ اعتبار الترتيب بين الصلاتين كان أمراً بديهياً عند المسلمين حتّى انّ العامة القائلين بتباين الوقتين المستلزم لوقوع الثانية عقيب الاُولى قهراً ذهبوا إلى اعتباره في موارد جواز الجمع فلا يبقى مجال لتوهّم أن يكون قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس دخل الوقتان دالاًّ على دخول الوقتين بمجرّد الزوال المستلزم لنفي اعتبار الترتيب ووضح كون الغرض إبطال القول بتباين الوقتين أحسن تعبير في بيان المرام كما لايخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص من الأخذ برواية داود بن فرقد والالتزام باختصاص أوّل الوقت بالظهر بمقدار ادائها بحسب حاله ، نعم سيجيء معنى الاختصاص وانّه لا يلزم من القول به الحكم ببطلان صلاة العصر لو وقعت في أوّل الوقت مطلقاً فانتظر ، هذا كلّه في اختصاص أوّل الوقت بالظهر .
وامّا اختصاص آخر الوقت بالعصر فلم ينقل من أحد منهم إنكاره حتى انّ الصدوق القائل بالاشتراك في أوّل الوقت ذهب إلى الاختصاص في آخره .
( الصفحه 103 )
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذيل رواية داود بن فرقد وصحيحة الحلبي المتقدّمتين ـ صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر . والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على ابن سنان الظاهر في كونه هو محمد بن سنان لروايته عن ابن مسكان ورواية حسين بن سعيد عنه وهو ضعيف مدفوعة بشهادة جمع بوثاقته كالمفيد في الإرشاد وابن طاووس في محكي فلاح السائل والعلاّمة في الخلاصة والمحلبتين ورجح وثاقته صاحب الوسائل .
وقد ذكر بعض الأعلام بعد المناقشة في روايتي داود والحلبي سنداً ودلالة أو سنداً فقط بأن تعيّن الإتيان بصلاة العصر فيما لو بقى من الوقت مقدار أربع ركعات وقد تركهما متعمّداً إنّما هو لأجل انّ المكلّف في هذه الصورة لم يعقل بقاء الأمر بثمان ركعات في حقّه لعدم سعة الوقت للصلاتين فلا يخلو امّا أن يكون مأموراً بصلاة العصر فقط أو بصلاة الظهر كذلك أو يسقط الأمر بكلّ واحدة منهما ويحدث أمر جديد بالتخيير ولا يحتمل في حقّه سقوط الأمر بالصلاة رأساً; لأنّه خلاف الضرورة والإجماع ، والصورتان الأخيرتان مضافاً إلى أنّهما خلاف المتسالم عليه عند الأصحاب تنفيهما الأخبار الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس لدلالتها على أنّ الوظيفة في الصورة المفروضة هي الإتيان بصلاة العصر فقط لدلالتها على أنّ الوقت مشترك فيه بين الصلاتين بعد الزوال والمكلّف في وقت من ثمان ركعات إلى أن تغرب الشمس فإذا ضاق الوقت سقط الأمر بالأربع الاُولى لا محالة وكان الوقت مختصّاً بالأربع الثانية لقوله إنّ هذه قبل هذه .
وبالجملة الأخبار ظاهرة في أنّ الصلاتين منبسطتان على مجموع الوقت إلاّ انّ
( الصفحه 104 )
هذه قبل هذه ومعه يختص الوقت بالأربع الثانية بالطبع لأنّه مقتضى الانبساط والتقسيط .
ويرد عليه انّ دلالة أخبار الاشتراك على اختصاص مقدار الأربع الباقي بالعصر في الصورة المفروضة ممنوعة جدّاً سواء كان المراد دلالتها بنفسها مع قطع النظر عن الاستثناء الوارد في بعضها بقوله إلاّ انّ هذه قبل هذه أو كان المراد دلالتها بلحاظ اشتمالها على الاستثناء ، امّا على التقدير الأوّل فلأنّ مفاد أخبار الاشتراك ليس إلاّ اشتراك الصلاتين في جميع أجزاء الوقت وعدم اختصاص واحدة منهما بقطعة منها أصلاً بحيث لولا الدليل على اعتبار الترتيب في صلاة العصر لكنّا نحكم بجواز الإتيان بها قبل الظهر في أوّل الوقت وبجواز الإتيان بالظهر بعدها في آخر الوقت لأنّ المفروض صلاحية كلّ جزء من أجزاء الوقت لكلّ واحدة من الصلاتين كما انّ اعتبار الترتيب في ركعات كلّ صلاة أوجب تقدّم الركعة الاُولى على الثانية وهكذا وإلاّ فبلحاظ الوقت لا يكون فرق بين الركعات أصلاً ، نعم إذا لم يؤت بهما إلى أن بقي مقدار ثمان ركعات يصير الوقت مضيقاً ولازمه وجوب المبادرة إلى الإتيان بكلتيهما ، وامّا إذا بقى مقدار أربع ركعات فلا وجه لتعين صلاة العصر بعد فرض الاشتراك ، وظهور الرواية في انبساط الصلاتين على مجموع الوقت إن كان مرجعه إلى الظهور في الاختصاص فممنوع جدّاً; لأنّ الاشتراك في جميع الأجزاء لا يكاد يجتمع مع الاختصاص وإن كان مرجعه إلى اعتبار الترتيب فمضافاً إلى سقوطه في هذه الصورة لعدم القدرة يكون مقتضاه تعين الظهر دون العصر كما هو واضح .
وامّا على التقدير الثاني فلأنّ مفاد الجملة المستثناة امّا القبلية من حيث الوقت ، وامّا القبلية من جهة الترتيب والأوّل يضاد الاشتراك الذي هو مدعى البعض
( الصفحه 105 )
والثاني لا يقتضي التعين إلاّ للظهر كما عرفت .
تتمّة في بيان معنى الاختصاص وليعلم انّه لم يرد في أي دليل لفظ الاختصاص حتى يتكلّم في مفاده وينظر في مدلوله; لأنّ عمدة الدليل ما مرّ من الروايات الثلاثة المتقدّمة الخالية عن هذا اللفظ ، وعليه فلابدّ من النظر في مفادها من هذه الجهة فنقول : إنّ المستفاد من رواية داود بن فرقد هو عدم دخول وقت صلاة العصر قبل مضي المقدار المعيّن وخروج وقت صلاة الظهر لو لم يبق إلاّ ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى ما قبل الزوال ونسبة صلاة الظهر إلى ذلك المقدار في آخر الوقت كنسبة العصر إلى ما بعد الغروب ، وعليه فلا يلزم من الاختصاص بالمعنى المذكور عدم صحّة سائر الصلوات ـ سواء كانت مستحبّة أو واجبة كقضاء الفرائض الفائتة ـ إذا وقعت في الوقت المختص أصلاً ، بل يجوز الإتيان بقضاء الشريكة لليوم السابق ـ مثلاً ـ في ذلك الوقت فيجوز الإتيان بقضاء صلاة العصر في أوّل الوقت المختص بالعصر كما يجوز الإتيان به في سائر الأوقات ، وعليه فما حكي عن صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد ممّا يرجع إلى أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً اداءً وقضاءً عمداً وسهواً ممّا لا وجه له .
ثمّ الظاهر اختصاص دليل الاختصاص بما إذا لم يأت بصاحبة الوقت فإذا فرض الإتيان بها لا مانع من وقوع الشريكة في الوقت المختص ويتفرّع عليه انّه لو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى يلزم عليه الإتيان بصلاة الظهر أداء ، بل لو سلّم الإطلاق في دليله ومنع الاختصاص نقول إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص .