( الصفحه 205 )
بعد فبناء على انتفاء الوقت المختصّ وثبوت الاشتراك في جميع الوقت من أوّله إلى آخره كما يقول به الصدوقان ومن تبعهما فلا إشكال في أنّ حكمه حكم ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المشترك من العدول إلى السابقة ، وامّا بناء على المشهور من اختصاص أوّل الوقت بالسابقة وكون نسبته إلى اللاّحقة كنسبة ما قبل الزوال ـ مثلاًـ إلى الظهر فقد وقع الإشكال في جواز العدول في هذه الصورة ومنشأه عدم دلالة أخبار العدول عليه فيها وتقريب عدم الدلالة أحد اُمور :
الأوّل : انّ مورد أكثر أخبار العدول هو الوقت المشترك لورودها في رجل أمَّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلّي بهم انّه لم يكن صلّى الاُولى أو في رجل دخل مع قوم ولم يكن صلّى هو الظهر والقوم يصلّون العصر يصلّي معهم أو في رجل نسى صلاة حتّى دخل وقت صلاة اُخرى ، نعم ظاهر صحيحة زرارة ورواية حسن بن زياد الصيقل المتقدّمتين الإطلاق ولكنّه حيث يكون الفرض من الفروض النادرة خصوصاً مع كون المعروف بين المسلمين في وقت صلاة العصر هو الإتيان بها في أواسط الوقت يكون التمسّك بالإطلاق في غاية الضعف .
الثاني : انّ مقتضى الأخبار انّ العدول إلى اللاّحقة إنّما يصحّح خصوصية الترتيب المعتبر في صحّة الصلاة اللاّحقة ومدلولها انّه مع التذكّر في الأثناء يمكن مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة السابقة ثمّ الإتيان باللاّحقة فالعدول إنّما يؤثّر في تحقّق هذا القيد فقط ، وامّا لو فرض كون الصلاة اللاّحقة فاقدة لبعض الشرائط الاُخر أيضاً فلا يؤثّر العدول أصلاً وذلك كما إذا كانت فاقدة للطهارة أو للقبلة أو لغيرهما من الشرائط والمفروض في المقام وقوع اللاّحقة في غير وقتها أيضاً فهي ناقصة من جهتين الترتيب والوقت وأدلّة العدول لا تصلح لتصحيح الجهة الثانية; لأنّ مفادها تصحيح الجهة الاُولى فقط .
( الصفحه 206 )
الثالث : انّ ظاهر أدلّة العدول انّه لولا التذكّر في الأثناء المجوّز للعدول لوقعت المعدول عنها صحيحة وذلك يقتضي كونها واجدة للشرائط المعتبرة فيها مطلقاً أي في حالتي الذكر والنسيان معاً والوقت من جملتها وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة متضمّنة لجواز العدول من العصر إلى الظهر ـ مثلاً ـ فاللاّزم أن تكون الصلاة صلاة العصر حتّى يجوز العدول عنها إلى الظهر ، ومن المعلوم انّ مجرّد نيّة العصر لا تؤثّر ما لم تكن واجدة لسائر الشرائط التي من جملتها الوقت إلاّ بناء على قول الأعمى كما لايخفى .
هذا ولكنّه اختار سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) جواز العدول في هذه الصورة أيضاً نظراً إلى أنّ الصلاة المعدول عنها قد تكون فاقدة لما يعتبر في طبيعة الصلاة وجميع أنواعها بحيث لو كانت فاقدة له لا تتحقّق الطبيعة أصلاً وذلك كالطهارة والقبلة والركوع والسجود وقد تكون فاقدة لما يعتبر في خصوص هذا النوع من طبيعة الصلاة كوقوعها في غير وقتها .
وفي الأوّل لا إشكال في عدم جواز العدول وبطلان المعدول عنها ، وفي الثاني الذي هو مورد النزاع يكون الظاهر الصحّة وجواز العدول فإنّ الوقوع في غير وقتها يؤثّر في البطلان لو لم يعدل عنها إلى الظهر ، وامّا مع العدول الذي مرجعها إلى صيرورة الصلاة من أوّلها إلى آخرها الصلاة الاُولى فلا وجه للبطلان .
ومرجع كلامه (قدس سره) إلى أنّ النقيصة المتحقّقة في المعدول عنها إن كانت قابلة للرفع بسبب العدول فالعدول يؤثّر في ارتفاعها من دون فرق بين أن تكون هي الترتيب أو الوقت وإن لم تكن قابلة للرفع بسبب العدول فلا معنى للعدول كما في الطهارة والقبلة وأشباههما ولا وجه لدعوى الاختصاص بخصوص الترتيب أصلاً .
ويمكن الإيراد عليه بأنّ ما أفاده وإن كان تامّاً في نفسه إلاّ انّه لا يجدي في إثبات
( الصفحه 207 )
جواز العدول في الصورة المفروضة بعد كون العدول مفتقراً إلى قيام الدليل على جوازه لكونه على خلاف القاعدة بحيث لو لم يكن اخبار العدول لما قلنا بجوازه أصلاً والوجه في ذلك انّ مقتضى العدول صيرورة المعدول عنها من أوّلها إلى آخرها هي المعدول إليها وكيف ينقلب الشيء عمّا وقع عليه وكيف تصير الأجزاء الواقعة بعنوان صلاة العصر ـ مثلاً ـ أجزاء لصلاة الظهر ، وعليه فالحكم المخالف للقاعدة يحتاج إلى دليل قوي وقد عرفت انّ أكثر روايات الباب لا تشمل المقام وليس الإطلاق في الروايتين بحيث يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة بسببه فالإنصاف انّ الحكم بالبطلان في هذه الصورة أقرب والاحتياط بالعدول والاتمام ثمّ استئناف السابقة والإتيان باللاّحقة بعدها لا ينبغي أن يترك .
( الصفحه 208 )
مسألة 9 ـ إن بقى للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب وللمسافر ثلاث قدم الظهر وإن وقع بعض العصر في خارج الوقت ، وإن بقى للحاضر أربع ركعات أو أقلّ وللمسافر ركعتان أو أقلّ صلّى العصر . وإن بقى للحاضر إلى نصف الليل خمس ركعات أو أكثر وللمسافر أربع ركعات أو أكثر قدم المغرب ، وإن بقى للحاضر والمسافر إليه أقلّ ممّا ذكر قدم العشاء ويجب المبادرة إلى إتيان المغرب بعده إن بقى مقدار ركعة أو أزيد ، والظاهر كونه أداء وإن كان الأحوط عدم نيّة الاداء والقضاء 1 .
1 ـ حيث إنّ عمدة الدليل في هذه المسألة هي قاعدة «من أدرك» فينبغي أوّلاً التعرّض لها سنداً ودلالةً فنقول :
هذه القاعدة ـ على ما أفاده سيّدنا الاستاذ (قدس سره) ـ ممّا اتفقت عليه العامّة والخاصّة ولم يظهر منهم مخالف إلاّ نادراً ورواها أصحاب الصحاح في جوامعهم فروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر .
وروى أبو داود في سننه عن ابن طاووس عن ابن عبّاس عن أبي هريرة مثله .
وروى أيضاً ابن ماجة القزويني عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله)مثله .
وروى أيضاً أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
وهذه الروايات كما ترى ليس فيها رواية عامّة شاملة للصلوات الخمس عدى الرواية الأخيرة المحتملة ـ بعد عدم كون المراد ظاهرها الذي يقتضي جواز
( الصفحه 209 )
الاقتصار من الصلاة على ركعة واحدة فقط كما لايخفى ـ لأن يكون المراد صلاة الجماعة لأنّه بعد لزوم الالتزام بالحذف يحتمل أن يكون المحذوف هو الوقت المضاف إلى الصلاة ويحتمل أن يكون هي صفة الجماعة الموصوفة بها الصلاة ولا دليل على ترجيح الاحتمال الأوّل ، نعم في إلغاء الخصوصية عن العصر والغداة كلام يأتي .
وامّا ما ورد من طرق الإمامية فمنها رواية أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال : من أدرك م نالغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة .
ومنها : موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة وقد جازت صلاته ، وإن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلّي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها .
ومنها : مرسلة الشهيد في محكي الذكرى قال : وعنه (صلى الله عليه وآله) : من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك الشمس .
ومنها : مرسلته الاُخرى قال : روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . ويجري في هذه المرسلة المناقشة المتقدّمة في رواية أبي هريرة العامّة المتقدّمة .
ومنها : مرسلة المحقّق في محكي المعتبر وهو قوله (عليه السلام) : من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت .
واشتهار هذه الأخبار وثبوتها بين الأصحاب يغني عن البحث في سندها والخدشة فيه بالإرسال أو الضعف أو غيرهما فلا مجال للإشكال في القاعدة من حيث السند أصلاً .
وامّا بالنظر إلى الدلالة فالكلام يقع من جهات :