( الصفحه 38 )
المعروفة المشتملة على ألف سورة التوحيد بعد فريضة العشاء وعليه فلا تصدق البعدية العرفية لثبوت الفصل الطويل .
ويدفعه انّه لا مانع من الالتزام بجواز التأخير لمن يأتي بالنوافل كجواز تقديم نافلة الصبح من انتصاف الليل لمن يأتي بصلاة الليل على ما يأتي .
ثانيهما : ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر عدم اعتبار الوصل وإنّما الغرض أن لا يبيت المكلّف إلاّ بوتر بأن يصلّي الوتيرة فينام ويصدق أنّه نام عن وتر .
والجواب انّ هذه الروايات لا دلالة لها على أزيد من أن بيتوتة المؤمن تكون متأخّرة عن الوتر ، وامّا انّ شرائط اوتر ماذا فهي لا دلالة لها عليها ولابدّ من استفادتها من دليل خارج ومن الشرائط البعدية المتّصلة بالعشاء على ما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة فهي متقدّمة على هذه الروايات فتدبّر .
المسألة الثالثة : في وقت نافلة الصبح ، والكلام فيه في مقامين :
الأوّل : وقتها من حيث الابتداء وقد تحقّقت الشهرة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الكاذب وحكى عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ من صلاة الوتر ونسبه في الحدائق إلى المشهور . وقد ورد في هذا الباب روايات كثيرة مختلفة وهي على طوائف :
الاُولى : ما تدلّ على الاحشاء بها في صلاة الليل ودسّها فيها كرواية البزنطي قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن ركعتي الفجر ، فقال : احشوا بهما صلاة الليل . وهذه الرواية شاهدة على أنّ المراد بركعتي الفجر متى أطلقت هي النافلة ولا يحتمل الفريضة .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل
( الصفحه 39 )
هي؟ قال : نعم .
ورواية البزنطي أيضاً قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : وركعتي الفجر اُصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : احش بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر .
ورواية علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللّتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار وفي أيّ وقت اُصلّيهما؟ فكتب (عليه السلام) بخطّه : احشهما في صلاة الليل حشواً .
ومقتضى هذه الطائفة جواز الإتيان بهما قبل الفجر الكاذب لشمول إطلاقها لما إذا اشتغل بصلاة الليل بعد الانتصاف بلا فصل ثمّ أتى بالركعتين كذلك ، بل يشمل إطلاقها ما إذا قدّم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل كما يدلّ عليه أيضاً رواية أبي جرير ابن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر .
وبالجملة لا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأوّل والاحشاء بهما في صلاة الليل وإن وقعت قبله وقد أفتى بذلك حتّى من ذهب إلى أنّ أوّل وقتهما هو الفجر الأوّل كالمحقّق .
إنّما الإشكال في جواز الإتيان بهما في وقت صلاة الليل قبل طلوع الفجر مع الانفراد وعدم الدسّ بأن يقتصر على فلعهما منفردتين قبله ولم يأت بصلاة الليل أصلاً أو أتى بها مع الفصل بينهما بكثير وقد صرّح بعض بالجواز ويظهر من صاحب الوسائل حيث ذكر في عنوان الباب : «باب استحباب تقديم ركعتي الفجر على طلوعه بعد صلاة الليل بل مطلقاً» .
( الصفحه 40 )
ولكن الظاهر عدم الجواز وإن كان يمكن توجيهه بأنّ مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبّاً مستقلاًّ وعنواناً في مقابل صلاة الليل بضميمة ما يدلّ على جواز الاحشاء بهما في صلاة الليل جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً كالاقتصار على صلاتي الشفع والوتر أو على ثمان ركعات صلاة الليل إلاّ انّه مع ذلك يكون القدر المتيقّن هي صورة ضمّهما إلى صلاة الليل ودسّهما فيها خصوصاً مع أنّ التسمية بنافلة الفجر لا تناسب الإتيان بها قبل الفجر فلا يستفاد من روايات الاحشاء جواز التقديم في غير صورته .
الثانية : ما تدلّ على أنّ وقتها قبل الفجر :
كرواية زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال : قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة .
وروايته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال : قبل الفجر إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة .
ورواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أوّل وقت ركعتي الفجر فقال : سدس الليل الباقي .
ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اُصلّي ركعتي الفجر؟ قال : فقال لي : بعد طلوع الفجر قلت له : إنّ أبا جعفر (عليه السلام) أمرني أن اُصلّيهما قبل طلوع الفجر فقال : يا أبا محمّد انّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكاكاً فأفتيهم بالتقية .
الثالثة :ما تدلّ على أنّ وقتها بعد طلوع الفجر :
( الصفحه 41 )
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلّهما بعدما يطلع الفجر .
وصحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلّهما بعد الفجر ، واقرأ فيهما في الاُولى }قل يا أيّها الكافرون{ وفي الثانية }قل هو الله أحد{ .
ومرسلة إسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه (عليه السلام) قال : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناءً على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الاسفار ولكنّه ممنوع فإنّ المراد من ذلك هو الفجر الكاذب; لأنّه يطلع على شكل عمودي لا أفقي كما في الفجر الصادق .
الرابعة : ما تدلّ على التخيير في ركعتي الفجر بين الإتيان بهما قبل الفجر أو عنده أو بعده وهي روايات كثيرة جمعها في الوسائل في الباب الثاني والخمسين من أبواب المواقيت .
منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر قال : صلّهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر .
وهذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللّتين قبلها بالحمل على التخيير لكونها نصّاً في ثبوت التخيير وهما ظاهرتان في تعين مفادهما من وجوب التقديم أو التأخير ، هذا مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الدالّة على التقديم غير ظاهر في الوجوب لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة كان على الإتيان بهما بعد الفجر وـ حينئذ ـ ربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهّم فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرّد الجواز .
مع أنّ رواية أبي بصير تدلّ على أنّ الافتاء بالإتيان بهما بعد الفجر الظاهر في تعينه إنّما كان للتقية فالحكم الواقعي ـ حينئذ ـ عدم التعين وجواز الإتيان قبله
( الصفحه 42 )
أيضاً .
وربّما يقال في وجه الجمع بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الدالّة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق وفي الطائفة الدالّة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب .
ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد على هذا الجمع ـ انّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق; لأنّ الفجر الكاذب كما سيأتي لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة فهذا الوجه غير تامّ .
وذكر بعض الأعلام انّ الصحيحتين الدالّتين على التأخير لا تعارضان الطائفة الدالّة على التقديم ، امّا أوّلاً فلأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «صلّهما» غير مذكور فيهما ولا هو معلوم بالقرينة فلا دلالة فيهما ولا في غيرهما على أنّ المراد بهما نافلة الفجر ومن المحتمل أن يكون المراد نفس الفريضة وإيرادهما في باب النافلة لا دلالة له إلاّ على فهم من أوردهما فيه كالشيخ وغيره من أرباب الكتب .
وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير الرجوع إلى النافلة لا تنافي بينهما وبين الطائفة الاُخرى أيضاً لصراحة صحيحة زرارة المشتملة على قوله (عليه السلام) : «إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» في أنّ الإتيان بركعتي الفجر قبل الفجر أفضل كما انّ الأفضل بعد الفجر هو الإتيان بالفريضة ، وعليه فتحمل الطائفة الاُخرى على الرخصة وجواز الإتيان بها بعد الفجر لعدم صراحتها في وجوب ذلك وتعينه ، غاية الأمر ظهورهما في أنّ الإتيان بالركعتين بعد الفجر هو المحبوب للشارع ولا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة الصحيحة المتقدّمة .
ويرد عليه أوّلاً وضوح رجوع الضمير إلى ركعتي النافلة كوضوح كون المراد من ركعتي الفجر الذي وقع السؤال عنه في كثير من الروايات من دون التقييد