( الصفحه 43 )
بالنافلة هو ركعتي النافلة ويؤيّده تعيين قراءة سورة }قل يا أيّها الكافرون{ في الركعة الاُولى وسورة التوحيد في الثانية مع دلالة روايات متعدّدة على تعيين مثل ذلك في خصوص النافلة كقول الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق : صلِّ ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده تقرأ في الاُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد . مع وضوح كون وقت الفريضة بعد الفجر وعدم الحاجة إلى بيانه بخلاف وقت النافلة .
وثانياً : عدم ظهور دعوى الصراحة في إحدى الطائفتين والظهور في الاُخرى فكما انّ الروايات الدالّة على التأخير ليس لهما إلاّ ظهور في التعيّن ووجوب التأخير كذلك الطائفة الدالّة على التقديم من دون أن يكون لإحداهما مزية على الاُخرى أصلاً .
فانقدح انّه لا مناص عن الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير لصراحة ما يدلّ عليه في ذلك وكونه شاهداً للجمع بلا إشكال .
نعم يقع الإشكال في تحديد القبلية وقد عرفت انّ الشهرة المحقّقة إنّما هي انّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل وقد ذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم ـ وصرّح سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره)بأنّ الذكر في تلك الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر غاية الأمر انّه لم يصل إلينا .
وكيف كان فالروايات التي بأيدينا التي تمكن استفادة التحديد منها ثلاثة :
الأوّل : رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في الجواب عن السؤال عن أوّل وقت ركعتي الفجر الدالّة على التعيين بسدس الليل الباقي ودلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن يكون المراد من الليل فيها هو مجموع ما بين غروب الشمس
( الصفحه 44 )
وطلوعها ، وعليه فيكون شروع سدسه قريباً من طلوع الفجر ومنطبقاً على الفجر الأوّل ولا يبعد دعوى كون المراد ذلك ولها شواهد كثيرة ليس هنا مجال ذكرها ولعلّه يأتي التنبيه عليها في الموضع المناسب .
ثانيتها : رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال : حين يعترض الفجر وهو الذي تسمّيه العرب الصديع . فإنّ تعرّضه (عليه السلام) لتفسير الفجر مع انّ الفجر الصادق لا يفتقر إلى التفسير لأجل وضوح المراد منه دليل على أنّ مراده هو الفجر الأوّل خصوصاً مع أنّ الصديع بحسب أصل اللّغة بمعنى الانشقاق وهو ينطبق على الفجر الكاذب; لأنّه على شكل عمودي وخط واقع بين الظلمة يوجب انشقاقها .
ثالثتها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين اللّتين قبل الفجر قال : قبل الفجر ومعه وبعده ، قلت : فمتى أدعهما حتّى أقضيهما؟ قال : قال : إذا قال المؤذِّن : قد قامت الصلاة . بناء على أن يكون الصادر هي كلمة «قبيل» كما في نقل الرواية في الكتب الفقهية ، وامّا بناء على كون الصادر هي كلمة «قبل» كما في الطبع الجديد من الوسائل فلا دلالة لها على التحديد ولعلّ الترجيح مع النقل الأوّل لاشتمال السؤال على قبل الفجر ولو كان الصادر في مقام الجواب أيضاً كذلك لم يكن هناك حاجة إلى التكرار فتدبّر .
هذا كلّه مع ما عرفت من ظهور كلمة «القبل» في روايات التخيير مطلقاً الشاهدة للجمع في القبل القريب فينطبق على الفجر الأوّل وإن كان كلمة «البعد» الواقعة فيها أيضاً ليس لها ظهور في البعد القريب بهذا المقدار; لأنّ البعدية في النافلة أوسع من القبلية كما لا يخفى .
المقام الثاني : في وقت نافلة الصبح من حيث الامتداد والمشهور هو امتداد
( الصفحه 45 )
وقتها إلى أن تطلع الحمرة المشرقية ، وعن الشهيد (قدس سره)الميل إلى الامتداد إلى آخر وقت الفريضة والروايات في هذا المقام أربعة :
الاُولى : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ، ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : يؤخّرهما ، بناءً على ظهورها في أنّ الأمر المتعلّق بركعتي الفجر قد انقطع بظهور الحمرة وإن استمراره إنّما كان إلى هذا الحدّ فحسب فلا يؤتى بهما بعده .
ويرد عليه انّه إن كان مراد المشهور من الامتداد إلى ذلك الوقت هي صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس فالصحيحة لا دلالة لها على ذلك; لأنّ عدم جواز مزاحمتهما مع الفريضة بعد طلوع الحمرة ولزوم تأخيرهما عنها لا دلالة له على صيرورتهما قضاء وخروج وقتهما بطلوع الحمرة ، نعم لو كان المراد من الامتداد إليه هو مزاحمتهما للفريضة قبله وعدمها بعده من دون أن تصيرا قضاءاً فالصحيحة دالّة عليه .
الثانية : رواية حسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يقوم وقد نور بالغداة قال : فليصل السجدتين اللّتين قبل الغداة ثمّ ليصلِّ الغداة . والظاهر انّ التنوّر بالغداة أعمّ من ظهور الحمرة ، والرواية تدلّ على مذهب الشهيد ولا تنطبق على مرام المشهور إلاّ على تقدير كون المراد بالامتداد هي المزاحمة بضميمة تقييد إطلاقها بصحيحة علي بن يقطين المتقدّمة الدالّة على عدم جواز المزاحمة بعد طلوع الحمرة المشرقية .
الثالثة : مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة الحاكية لقوله (عليه السلام) : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناء على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الفجر الكاذب كما عرفت ، ولكن
( الصفحه 46 )
الظاهر عدم جواز الالتزام بالرواية; لأنّه مضافاً إلى ظهورها ـ حينئذ ـ في جواز الابتداء بالفريضة بعد طلوع الفجر الكاذب يكون مقتضاها انّ طلوع الفجر الكاذب آخر وقت الركعتين فتدبّر .
وعليه فلابدّ من الحمل على أنّ المراد بذلك هو تنوّر السماء وضوء العالم كلّه وإن كان يبعده تقييده بكونه حذاء رأسك .
الرابعة : رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين قبل الفجر قال : تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة ، إنّهما قبل الغداة . قال في الوسائل بعد نقل الرواية بمثل ما ذكر : وفي رواية اُخرى : حين تنور الغداة .
فإن كانت الرواية «حين تنور» تصير من حيث المفاد موافقة لرواية حسين بن أبي العلاء المتقدّمة ومقتضى إطلاقها الامتداد إلى بعد طلوع الحمرة أيضاً ، وامّا إذا كانت «حين تترك» يكون مفادها انّه مع عدم إرادة خصوص الفريضة والإتيان به تأتي بالركعتين ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكر ، وامّا إذا كانت «حين تنزل» فإن كان المراد بالغداة النازلة هي نفس الغداة التي بمعنى الصبح فنزول الغداة مرجعه إلى تنورها وتجلّلها ، وإن كان المراد بها هي فريضة الغداة كما ربّما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الذي هو بمنزلة التعليل : إنّهما قبل الغداة لا يعلم المراد من نزول الفريضة ولعلّ المراد منه الإتيان بها ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى الإتيان بالنافلة حين إرادة الإتيان بالفريضة ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكرنا .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لو كان مراد المشهور من الامتداد إلى طلوع الحمرة هو صيرورتها قضاء بعده لا يمكن المساعدة عليه من جهة الروايات الواردة في الباب ، وامّا لو كان مرادهم هي المزاحمة مع الفريضة إلى ذلك الوقت فلا مانع من الأخذ به لصحيحة علي بن يقطين الصريحة في ذلك ، بل لا مانع من دعوى امتداد
( الصفحه 47 )
الوقت إلى مقدار ما بقى إلى الطلوع من اداء الفريضة كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ لأنّ الغرض هو أن لا يفوت وقت فضيلة الفريضة وهو يتوقّف على بقاء المقدار المذكور فتدبّر .
المسألة الرابعة : في وقت صلاة الليل ، والكلام فيه أيضاً يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في وقتها من حيث المبدأ ، ونقول : قد استقرّت الفتاوى على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل وحكى عن بعض انّ مبدأ وقتها أوّل الليل وما يمكن أن يستدلّ أو استدلّ به على مرام المشهور وجوه :
الأوّل : الإجماع على أنّ أوّل وقتها هو الانتصاف وانّه لا يجوز تقديمها عليه إلاّ فيما ورد النصّ على الجواز فيه .
وفيه : انّ الإجماع في المسائل التي تشتمل على الأدلّة اللفظية لا أصالة له أصلاً لقوّة احتمال أن تكون تلك الأدلّة مستند المجمعين فلا اعتبار بالإجماع ـ حينئذ ـ .
الثاني : مرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره .
وقد أورد على الاستدلال بها بالإرسال ولكنّه مندفع بأنّ الإرسال إن كان بنحو الاسناد إلى الرواية بمثل «روى» فلا يصلح للاستدلال وإن كان بنحو الاسناد إلى المعصوم (عليه السلام) الذي لا يكاد يجتمع إلاّ مع توثيق الوسائط والاعتماد عليهم والاطمئنان بهم فيجوز الاستناد إليه إذا كان مرسله مثل الصدوق الذي لا يقصر توثيقه عن توثيق أرباب الرجال; لأنّه لا يعتبر في التوثيق التصريح به ، بل يكفي الاعتماد الكاشف عن الوثاقة عنده فتدبّر .
الثالث : الأخبار الواردة في أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان صلاة الليل قبل الانتصاف وهي كثيرة مثل ما رواه فضيل عن أحدهما (عليهما السلام) انّ رسول