( الصفحه 48 )
الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي بعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة . ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى ينتصف الليل .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ولا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس .
وأورد على الاستدلال بها بأنّ هذه الروايات ليس فيها غير حكاية فعل المعصوم (عليه السلام) ولا دلالة لها على التوقيت; لأنّه من المحتمل أن يكون التزامه بصلاة الليل بعد الانتصاف مستنداً إلى أفضليتها بعده لا إلى عدم مشروعيتها وحرمتها قبله .
ويدفعه تمامية الإيراد إذا كان الحاكي غير الإمام (عليه السلام) وامّا إذا كان الحاكي هو الإمام وكان غرضه من الحكاية بيان الأحكام كما هو شأنه لأنّه في مثل هذه الموارد لا يكون إلاّ بصدد بيان الحكم لا مجرّد الحكاية ونقل الواقعة فيجوز الاستدلال بكلامه الصادر في هذا المقام ومن الظاهر ظهور كلامه في عدم المشروعية قبل الانتصاف كما إذا كان بيان الحكم بصورة الأمر بإيقاع صلاة الليل بعده أو النهي عن الإتيان بها قبله ويؤيّده ذيل رواية زرارة المشتملة على حكاية أبي جعفر عمل علي (عليهما السلام) فإنّ تأخير النافلة إلى وقت الزوال كان بنحو العزيمة لعدم جواز الإتيان بها قبله والإنصاف تمامية دلالة هذه الروايات على مرام المشهور .
الرابع : الروايات الكثيرة الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف لمثل المسافر أو الشابّ أو خائف الجنابة أو البرد أو نحوها من الأعذار التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع والأربعين من أبواب المواقيت ومنها رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو
( الصفحه 49 )
أصابك برد فصلِّ واوتر في أوّل الليل في السفر .
ومنها : رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح .
فإنّ صلاة الليل إذا لم تكن موقتة بما بعد الانتصاف وكانت جائزة قبله أيضاً لما كان وجه لتخصيص الجواز بخصوص المعذورين المذكورين ، بل كان اللاّزم هو التجويز بالإضافة إلى غير المعذور أيضاً لمشروعيتها في وقتها مطلقاً .
وأورد على الاستدلال بها انّه من الجائز أن يكون الإتيان بصلاة الليل جائزاً في نفسه ومرجوحاً عند الاختيار قبل الانتصاف ولا تكون مرجوحة لدى العذر فعدم الترخيص مع الاختيار مستند إلى المانع وهي الحزازة الموجودة فيه .
وجوابه واضح فإنّه ـ مضافاً إلى أنّ هذا الاحتمال لا يعتنى به عند العقلاء في مقابل الظهور ـ نقول : إنّ رواية سماعة تدلّ على مفروغية اختلاف وقت صلاة الليل في السفر معه في الحضر ولذا يكون السؤال فيها مقيّداً بقيد السفر ، وعليه فكيف يجري فيه احتمال عدم اختلاف الوقتين وثبوت الاختلاف في الحزازة وعدمها كما لايخفى .
الخامس : رواية محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتّى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة فيصلّي أوّل الليل أحبّ إليك أم يقضي؟
قال : لا ، بل يقضي أحبّ إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقاً ، وكان زرارة يقول : كيف تقضي صلاة لم يدخل وقتها إنّما وقتها بعد نصف الليل .
وأورد عليه بأنّ محلّ الاستشهاد في الرواية إنّما هو قول زرارة دون الإمام (عليه السلام)ولم يعلم انّه ينقله عنه ولعلّه قد اجتهد في ذلك ولا اعتداد باجتهاده .
( الصفحه 50 )
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الناقل لقول زرارة هو الإمام (عليه السلام)لا محمد بن مسلم راوي الرواية ويؤيّده سياقها فتدبّر ـ ان نقل محمد بن مسلم عنه شاهد على عدم كون ذلك اجتهاداً من زرارة لوضوح عدم حجّية اجتهاده لغيره خصوصاً إذا كان مثل محمد بن مسلم فنقله عنه دليل على كونه رواية لا فتوى .
السادس : موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة ثمّ إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء .
وقد استدلّ بها بعض الأعلام مدّعياً لظهور دلالتها وخلوّها عن الإيرادات المتقدّمة مع أنّه يمكن الإيراد عليها بأنّ تقييد الصلاة المأمور بها بانتصاف الليل يجوز أن يكون من جهة تقيد الفضيلة بها وإلاّ فأصل الوقت لا يتوقّف على الانتصاف كما لايخفى .
السابع : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ قضاء صلاة الليل بعد الفجر أفضل من تقديمها على نصف الليل والإتيان بها قبله وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس والأربعين من أبواب المواقيت ودلالتها على مذهب المشهور ظاهرة فإنّه إذا لم تكن صلاة الليل موقتة بما بعد النصف وكان قبله أيضاً وقتاً لها لم يكن وجه لأفضلية القضاء عن الإتيان قبل الانتصاف فإنّه لا وجه لأفضلية القضاء عن الاداء ولو لم يكن وقت الفضيلة فإنّها تنافي التوقيت وتشريع الوقت كما هو واضح .
وقد استدلّ على القول بجواز الإتيان بها اختياراً من أوّل الليل بوجوه أيضاً :
الأوّل : المطلقات الواردة في صلاة الليل الدالّة على استحبابها وانّها ثمان ركعات أو أحد عشرة أو ثلاث عشرة ركعة في الليل بتقريب انّ كلمة «الليل» الواقعة فيها مطلقة تشمل جميع أجزاء الليل من أوّله ووسطه وآخره .
( الصفحه 51 )
والجواب انّها لا تكون بصدد بيان وقت صلاة الليل حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها ، بل هي في مقام بيان تعدادها في رديف سائر النوافل اليومية أو مجموعها والفريضة فراجع .
الثاني : رواية حسين بن علي بن بلال قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز .
والجواب : انّ الرواية ضعيفة السند بالحسين بن علي بن بلال; لعدم توثيقه بوجه ، ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بعد ظهور كون السؤال عن أصل الوقت لا وقت الفريضة وبعد تعليق الجواز على الفوت عند نصف الليل الظاهر في عدمه عند غيره ، وعليه فلا يبعد أن يكون المراد بالأفضل هو أصل الوقت والمراد من الأوّل والآخر هو التقديم والتأخير الراجع إلى القضاء .
الثالث : الأخبار الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على نصفه عند العذر كخوف الجنابة والسفر وخوف عدم القيام ونحوها بتقريب انّ التجويز مع تلك الأعذار يلائم مع عدم التوقيت بما بعد الانتصاف فإنّها لا تنافي الإتيان بها في وقتها ، غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابية كما في الفريضة وسقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة ويظهر ذلك من المحقّق الهمداني في المصباح .
والجواب ظهور هذه الروايات في تعدّد الوقت واختلافه ، ولا منافاة فإنّه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة أريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور ، غاية الأمر التوسّع في العذر وتعميم موارده فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلاً .
الرابع : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله
( الصفحه 52 )
إلى آخره إلاّ انّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل .
الخامس : صحيحة محمد بن عيسى قال : كتبت إليه أسأله يا سيّدي روي عن جدّك انّه قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل فكتب : في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله .
وهاتان الروايتان تامّتان من حيث السند والدلالة والجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر وعدمه هو حملهما على صورة العذر وحملها على حال الاختيار والشاهد للجمع هو الأخبار الدالّة على جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاص وثبوت تعدّد الوقت واختلافه فلا تعارض في البين كما لا يخفى .
المقام الثاني : في منتهى وقت صلاة الليل والمعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل إلى طلوع الفجر الصادق ، وفي مقابله احتمالان :
أحدهما : الامتداد إلى طلوع الشمس ومنشأه استدامة الليل إليه وإطلاق صلاة الليل عليها ، والآخر الامتداد إلى طلوع الفجر الكاذب ونسب ذلك إلى السيّد المرتضى (قدس سره) .
امّا الاحتمال الثاني فيرده رواية إسماعيل بن جابر أو عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : اقرأ الحمد واعجل واعجل .
ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح يبدأ بالوتر ، أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : بل يبدأ بالوتر وقال : أنا كنت فاعلاً ذلك .