( الصفحه 53 )
ورواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل . ولكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب إلى السيّد إنّما تتمّ على تقدير أن يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة إليه فينقضي وقتها بطلوعه وإن لم يطلع الفجر الصادق بعد لصراحتها في جواز الوتر وعدم انقضاء وقته قبل الصبح ، نعم يمكن أن يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبّر عنها بصلاة الليل في روايات متعدّدة فيجوز الإتيان بالشفع والوتر بعد الفجر الأوّل ، وعلى هذا التقدير يدفعه روايات الامتداد إلى الفجر الثاني الظاهرة في امتدادها بتمامها إليه ، ويمكن أن يستفاد من رواية إسماعيل أو عبدالله المتقدّمة خلافه نظراً إلى إطلاق : اقرأ الحمد الشامل لجميع الركعات وعدم الاختصاص بالوتر فتدبّر .
وامّا الاحتمال الأوّل فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس فقال : نعم ، وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد المخزون .
ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون . وغيرهما من الروايات الدالّة على تحقّق عنوان القضاء بطلوع الفجر .
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين :
الأوّل : ذكروا انّ الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل وأفضل منه آخر الليل الذي هو القريب من الفجر ويستفاد من قوله تعالى : }وبالأسحار هم
( الصفحه 54 )
يستغفرون{(1) ثبوت مزية لهذه القطعة المسمّاة بالسحر وقد اختلف في تفسيره فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل وربّما يفسّر بأضيق من ذلك وقد فسّر في اللغة بقبل الفجر أو قبيله أو سدى الليل ونحوها ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل الحكم ولعلّه يظهر المراد من السحر أيضاً ، فنقول : الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث العنوان المأخوذ فيها فبعضها يشتمل على عنوان السحر كرواية أبي بصير الواردة فيما يستحبّ أن لا يقصر عنه من التطوّع المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) : ومن (في) السحر ثمان ركعات ، ثمّ يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل .
ويستفاد من هذه الرواية بعد حمل السحر على وقت الفضيلة لا أصل الوقت بقرينة الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها بعد انتصاف الليل ووضح عدم كون السحر تمام النصف الباقي من الليل مغايرة عنوان السحر لعنوان آخر الليل وانّه أفضل من السحر كما لا يخفى .
ورواية فضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر . . . .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل . . .
وبعضها يشتمل على عنوان الثلث كرواية رجاء بن الضحاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه
( الصفحه 55 )
بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار فاستاك ثم (و) توضّأ ثمّ قام إلى صلاة الليل فيصلّي ثمان ركعات ويسلِّم . . .
ورواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ساعات الوتر ، قال : أحبّها إليّ الفجر الأوّل ، وسألته عن أفضل ساعات الليل قال : الثلث الباقي . فإنّ المراد من أفضل ساعات الليل امّا الأفضلية بلحاظ خصوص صلاة الليل ، وامّا الأفضلية بلحاظ جميع العبادات التي منها صلاة الليل قطعاً بقرينة عدم ثبوت خصوصية مخرجة ومسبوقية السؤال من ساعة الوتر فتدبّر .
وبعضها يدلّ على عنوان آخر الليل كرواية مرازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : متى اُصلّي صلاة الليل؟ قال : صلّها في آخر الليل . ورواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) : وثمان ركعات من آخر الليل يقرأ في صلاة الليل بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون في الركعتين الاُوليين . . .
والجمع بين هذه الروايات إنّما هو بحمل ما ورد فيه عنوان السحر على أنّ المراد به هو الثلث الباقي بقرينة ما تدلّ عليه فيكو وقت الفضيلة هو الثلث وحمل ما دلّ على آخر الليل على أنّه أفضل أجزاء السحر بالإضافة إليها والشاهد هي رواية أبي بصير الظاهرة في مغايرة عنوان السحر وآخر الليل بمعنى كون الثاني أضيق من الأوّل ، ويؤيّده انّ السؤال في رواية مرازم ليس عن وقت صلاة الليل مطلقاً بل عن الوقت الذي يصلّي الراوي في ذلك الوقت والجواب أيضاً قد ورد بنحو الخطاب وعليه فيرتفع البعد عن أن يكون المراد أفضل الأوقات ، كما أنّ رواية ابن خالد بلحاظ اشتمالها على بيان خصوصية السورة في صلاة الليل تكون ناظرة إلى الوقت الأفضل ، وعلى ما ذكرنا فالجمع يصير في كمال الوضوح ولا حاجة إلى ملاحظة
( الصفحه 56 )
أمر آخر في أصل الحكم أو في تفسير السحر فتدبّر .
الأمر الثاني : قد ورد في جملة من الروايات انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يفرق بين ركعات صلاة الليل فقد روى الحلبي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ، ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ثمّ قال : لقد كان لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة ، قلت : متى كان يقوم؟ قال : بعد ثلث الليل . قال الكليني : وفي حديث آخر : بعد نصف الليل .
ومن المعلوم انّ الرواية بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : لقد كان لكم . . . تنفي احتمال اختصاص هذه الكيفية بالنبي (صلى الله عليه وآله) ولا مانع من الالتزام بذلك بمعنى انّ أفضل الكيفيات هو التفريق بالنحو المذكور في الرواية ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من أنّ وقت فضيلتها هو السحر وأفضل منه هو آخر الليل الذي هو القريب من الفجر فإنّ ذلك إنّما هو في مورد الجمع بين الركعات بمعنى انّه إذا أراد الجمع والإتيان بها دفعة واحدة فالترتيب في الفضيلة ما ذكر ، وامّا إذا أراد التفريق فالترتيب إنّما هو بالنحو المذكور في الرواية وهو بهذا النحو أفضل من الجمع مع رعاية الفضيلة بمراتبها كما لايخفى .
( الصفحه 57 )
مسألة 2 ـ الأقوى ثبوت صلاة الغفيلة وليست من الرواتب وهي ركعتان بين صلاة
المغرب وسقوط الشفق الغربي على الأقوى ، يقرأ في الاُولى بعد الحمد : (وَذَا
النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ
الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وفي الثانية بعد الحمد : (
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة
فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين )
فإذا فرغ رفع يديه وقال : «اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ
أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا» فيدعو بما أراد ثمّ قال :
«اللّهمّ أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآل محمّد
عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي» وسأل الله حاجته أعطاه الله عزّوجلّ ما سأله إن
شاء الله 1 .
1 ـ الكلام في صلاة الغفيلة يقع في جهات :
الجهة الاُولى : في أصل ثبوتها ومشروعيتها بهذه الكيفية المعروفة المذكورة في المتن وعمدة الدليل عليها ما رواه الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من صلّى العشاءين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد وذا النون إذا ذهب مغاضباً إلى قوله : وكذلك ننجي المؤمنين ، وفي الثانية الحمد وقوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو إلى آخر الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآله لما قضيتها لي وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل .
ورواه السيّد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن علي بن