( الصفحه 58 )
يوسف عن أحمد بن سليمان الزراري عن أبي جعفر الحسني محمد بن الحسين الأشتري عن عباد بن يعقوب عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) نحوه وزاد في ذيله : فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما بين العشائين . والنقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد ويحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) والأظهر هو الثاني .
وأورد بعض الأعلام على رواية الشيخ (قدس سره)بأن أحد طريقي الشيخ إلى أصل هشام بن سالم وكتابه وإن كان صحيحاً وقابلاً للاعتماد عليه إلاّ انّه لم يعلم انّ هذه الرواية كانت موجودة في أصل هشام وكتابه بل ولم يظهر انّه رواها مسندة ولم يصل إلينا سندها أو رواها مرسلة من الابتداء ، نعم لو كان نقل الرواية في تهذيبه أو استبصاره لحكمنا بأنّها كانت موجودة فيه لأنّه ذكر في المشيخة انّه يروي فيهما عن أصل المبدو به في السند .
ويمكن دفعه ـ مضافاً إلى اعتماد المشهور على هذه الرواية استنادهم إليها الجابر لضعفهما على تقديره وإلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن بناء على إثباتها للاستحباب الشرعي ـ بأنّه مع وجود الطريق الصحيح إلى أصل هشام وكتابه كما في الفهرست وعدم إشعار في نقل الشيخ بكون الرواية منقولة عن لفظه دون أصله وعدم إشعار بإرسال الرواية هل يكون الاحتمال المذكور في كلام هذا البعض مورداً لاعتناء العقلاء وترتيب الأثر عليه خصوصاً مع الاقتصار على الرواية عن أصل المبدو به في السند في كتابي التهذيب والاستبصار المعدّين للاستنباط والوصول إلى الأحكام الإلهية وعدم كون كتاب المصباح معدّاً إلاّ لبيان المستحبّات والآداب فالإنصاف تمامية الرواية سنداً كتماميتها من حيث الدلالة ، وعليه فلا يبقى خدشة في مشروعية صلاة الغفيلة بالكيفية المعروفة .
( الصفحه 59 )
الجهة الثانية : روى الصدوق في جملة من كتبه ـ مرسلة في بعضها بالإرسال المعتبر ومسندة في أكثرها ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ انّه قال : تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة . قال : وفي خبر آخر دار السلام وهي الجنّة ، وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة . وذيل الحديث في الثواب والمعاني هكذا : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء . وعليه فينتفي احتمال كون الذيل في غيرهما من الصدوق نفسه كما لايخفى .
وفي كتاب فلاح السائل بعد نقل رواية الصدوق زاد : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)وما معنى خفيفتين؟ قال : تقرأ فيهما الحمد وحدها . والمستفاد من هذه الروايات استحباب عنوان التنفّل في ساعة الغفلة التي هي ما بين المغرب والعشاء الآخرة ولا يعتبر فيه كيفية خاصّة وكم مخصوص ، بل يتحقّق بركعتين فاقدتين للسورة أيضاً ، وعليه يقع الكلام في اتحادها مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام المتقدّمة وعدمه ، بمعنى انّه هل يكون هنا استحبابان تعلّق أحدهما بعنوان التنفل في ساعة الغفلة والآخر بالصلاة بالكيفية المعروفة أو انّه لا يكون في البين إلاّ تكليف استحبابي واحد ، غاية الأمر انّ الإتيان بها بتلك الكيفية أفضل ، والظاهر هو التعدّد وإن جاز التداخل في مقام الامتثال; لأنّ الرواية الدالّة على مطلوبية مطلق التنفل في ساعة الغفلة إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلو هذا الزمان الذي هو زمان الغفلة من التنفل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود والتخضّع والتخشّع لديه ، فالمطلوب فيه أمر عام ينطبق على القليل والكثير ولا دلالة لها على كيفية مخصوصة والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفية الخاصّة وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال فالعنوانان في عالم تعلّق الحكم متغايران
( الصفحه 60 )
وفي عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد فإذا قصد كليهما يتحقّق امتثالان وإذا أتى بالركعتين بغير تلك الكيفية لا تتحقّق صلاة الغفيلة كما انّه إن أتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلّق بالتنفل ساعة الغفلة لا يتحقّق امتثال أمره وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المقصود من الأمر المتعلّق به هو أن لا يكون ذلك الوقت خالياً من التوجّه إلى الله من دون أن يكون للمأمور به عنوان خاص مستقلّ فلا حاجة في امتثاله إلى قصد متعلّقه ، بل الظاهر هو ذلك وعليه فلا يتوقّف على قصد عنوان التنفل في ساعة الغفلة ، بل يتحقّق الامتثالان معاً بقصد صلاة الغفيلة .
الجهة الثالثة : في اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب وعدمه ونقول :
ربما يقال بالاتحاد وان الرواية المتضمّنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلّة نافلة المغرب والمقصود من قوله (عليه السلام) في هذه الرواية : من صلّى بين العشائين ركعتين . . . هو الركعتان من أربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب فكأنّه قال : من صلّى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفية يترتّب عليها أثر مخصوص وهو قضاء حاجته وإعطاء الله إيّاه ما سأل ويترتّب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة ولزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناء على ما ذكرنا سابقاً من عدم تعدّد النوافل المركّبة وترتّب الأثر على مجموعها ، كما انّه يترتّب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها .
والذي يقرب هذا القول أمران :
أحدهما : انّه ليس في الروايات المتعرّضة لتعداد النوافل اليومية من التعرّض لصلاة الغفيلة عين ولا أثر لاسيما ما يدلّ على انّ مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن إحدى وخمسين ركعة وما ورد منها حكاية لعمل النبي أو الوصي ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ حيث لا إشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة والإتيان بها
( الصفحه 61 )
زائدة على نافلة المغرب .
ثانيهما : النهي عن التطوّع في وقت الفريضة حيث إنّه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقاً للتطوّع في وقت فريضة العشاء وهو منهي عنه فلا محالة تحسب جزء من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان .
ويدفع الأوّل انّ عدم التعرّض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة إنّما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليومية المضافة إلى الفرائض أو إلى اليوم والليل ، بل هي عبادة مستقلّة يترتّب عليها أثر مخصوص ، غاية الأمر انّ وقتها بين العشائين فلا تكون جزء للرواتب .
ويدفع الثاني ـ مضافاً إلى لزوم ملاحظة انّ النهي هل هو تحريمي أو تنزيهي وانّ المراد بالتطوّع هل هو مطلق التطوّع أو خصوص النوافل الابتدائية التي لا يكون لها عنوان خاص وانّ الوقت هل هو الوقت الاختصاصي أو الأعمّ منه ومن وقت الفضيلة بل الأجزاء ـ انّ الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدال على مشروعيتها وثبوتها في الشرع فلا فرق بينها وبين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلاً .
فانقدح انّ اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب ممّا لا سبيل إليه ويبعده أيضاً انّ ظاهر دليل الغفيلة تشريع الصلاة بالكيفية المخصوصة لا بيان الخصوصية في الصلاة المشروعة فافهم .
وربّما يقال بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتّى في مقام الامتثال والتحقّق في الخارج نظراً إلى أنّه حيث استقرّت سيرة المسلمين على الإتيان بنافلة المغرب بعد فريضته صار في ارتكازهم انّ نافلة المغرب من توابعها المتّصلة بها فالمراد من قول الإمام (عليه السلام) في رواية هشام : من صلّى بين العشائين ركعتين الإتيان بالركعتين بين
( الصفحه 62 )
المغرب ونافلته وبين العشاء فكأنّه قال من صلّى بين العشائين ركعتين غير نافلة المغرب ويترتّب على ذلك عدم إمكان التصادق ولزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجاً فلو أتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الغفيلة كما انّه لا يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بنافلة المغرب إذا ضمّ إلى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط .
ويدفعه انّ استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيق في مداليل الألفاظ وتقيّد الإطلاق في الرواية فإنّ المراد من العشائين هو نفس الفريضتين ، وعليه فالركعتان في الرواية مطلقة ولا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب فكما انّ الاتحاد لا يساعده ظاهر الدليل فكذلك المغايرة بهذه الكيفية المانعة عن التصادق في مقام الامتثال .
والظاهر انّه كما انّ أدلّة نافلة المغرب مطلقة من جهة الكيفية ولا تكون مشروطة بصورة خاصة كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب ومن جهة وقوعها في ضمنها وعدمه ، وعليه فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة ، غاية الأمر انّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد فلابد من قصدها كما انّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية إلاّ انّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفية الخاصّة المترتّب عليها أثر مخصوص لا محيص عنها فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك . وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها للزوم نية النافلة وعدم التحقّق بدونها فالفرق كما أفاده بعض الأعلام لا وجه له فتدبّر .
الجهة الرابعة : في وقت صلاة الغفيلة وفيه احتمالان :
الأوّل : انّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صليهما في وقتهما فلو أخّر