( الصفحه 613 )
فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفاً* وقرن في بيوتكم ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الاُولى . . .) وتقريب الاستدلال بها من وجهين :
الأوّل : الأولوية فإنّه إذا كان الخضوع بالقول حراماً فإبداء الوجه والكفّين حرام بطريق أولى .
الثاني : عموم العلّة نظراً إلى اقتضاء الآية انّ كلّ شيء موجب لتحقّق الطمع لمن كان في قلبه مرض فهو حرام ، ومن المعلوم ان ابداء الوجه والكفّين موجب لذلك .
والجواب عن الأوّل : انّ الخضوع بالقول لا يقاس به إبداء الوجه والكفّين فإنّه محرّك شديد وموجب للتحريك نوعاً دونه كما لا يخفى ، وعن الثاني انّه لا يمكن الأخذ بعموم التعليل المذكور وإلاّ لكان اللاّزم أن لا يخرجن النساء من البيوت رأساً ، وامّا الحكم بوجوب القرار في البيوت في قوله : (وقرن في بيوتكن) بناء على كونه من القرار لا الوقار فليس المراد به معناه المطابقي الذي كان مرجعه إلى حرمة الخروج من البيت بل هو كناية عن كون شأنهن إدارة البيوت والتصدّي لشؤونها وليس من شأنهن الورود في الاُمور الاجتماعية التي يكون ظرفها خارج البيت كما استدلّت به اُمّ سلمة في مكتوبها إلى عائشة في قصّة حرب الجمل ، كما انّ المراد من التبرّج المنهي عنه هو إظهار المرأة وإرائة محاسنها كما كان في الجاهلية فهذه الآية لا دلالة لها أيضاً على وجوب ستر الوجه والكفّين ، وقد انقدح من جميع ذلك عدم تمامية دلالة شيء من الآيات التي استدلّ بها على ذلك .
وامّا السنّة فهي على طوائف :
الاُولى : ما يكون مفادها انّ النساء عورة فقد حكى عن العلاّمة (قدس سره) في المنتهى انّه قال : روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال : المرأة عورة . وتقريب الاستدلال بها انّ الظاهر كون المراد بالعورة هي السوأة ويكون حملها على المرأة من باب التشبيه البليغ الذي
( الصفحه 614 )
تكون أداة التشبيه فيه محذوفة ليعرف ثبوت وجه الشبه في المشبّه على نحو ثبوته للمشبّه به حتّى كأن الأوّل يكون من أفراد الثاني ومصاديقه ولما كان أظهر خواص العورة وآثارها هو قبح إظهارها عرفاً وشرعاً ووجوب سترها شرعاً لأجل كون إظهارها موجباً لتحريك الشهوات وفعل ما لا ينبغي صدوره فبذلك التشبيه البليغ يعلم ثبوت هذا الأثر في المرأة التي هي المشبّه لأنّ ظهورها موجب لصدور الأفعال القبيحة الممنوعة عند الشرع ، ومن المعلوم انّ ما هو المناط في وجوب الستر ثابت في الوجه على النحو الأتمّ فتدلّ الرواية ـ حينئذ ـ على أنّه يجب على المرأة ستر جميع البدن حتّى الوجه والكفّين .
ويرد عليه انّه يمكن أن يكون المراد من العورة في الرواية ما هو معناها بحسب اللغة وهو كلّ شيء يستره الإنسان للاستحياء من ظهوره لكونه قبيحاً ومن مصاديقها العورة بمعنى السوأة ، وعليه تكون المرأة من المصاديق الحقيقية للعورة اللغوية لأنّ المرأة شيء يستحيي من ظهورها لاحتفافها بالأعمال القبيحة والأفعال الممنوعة التي ينبغي صدورها منها وإلاّ فنفس المرأة ليست شيئاً يستحيي منها مع قطع النظر عن احتفافها بها ، ولكن الكلام في أنّه لو سترت المرأة جميع بدنها سوى الوجه والكفّين فهل يتحقّق الاحتفاف ـ حينئذ ـ أم لا ، والظاهر انّ الرواية لا تكون في مقام بيان انّ المرأة بجميع بدنها عورة بل هي ناظرة إلى امتيازهن عن الرجال وبيان انّ الطائفتين ليستا بمتساويتين وانّ المرأة عورة دون الرجل فأين الدلالة على أنّ كلّ جزء من أجزاء بدنها كذلك كما لا يخفى .
ومن هذه الطائفة ما رواه الخاصّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال : النساء عيّ عورة فداووا عيّهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت وقد أمر فيها بمداوى عوراتهن بالبيوت ، ومن المعلوم انّ المستورية بالبيت هي المستورية بجميع الأعضاء ولكن
( الصفحه 615 )
إضافة العورات إليهنّ تدلّ على عدم كونها بتمامها عورة ، ويمكن أن يكون عدم التمامية بلحاظ كون العورة من خواص الجسم ولا ارتباط لها بالروح مع أنّ المرأة مركبة منهما .
وكيف كان فالظاهر انّه لا يمكن الالتزام بالرواية لظهورها في وجوب سترهن بالبيوت وانّه لا يجوز لها الخروج من البيت ولو مع ستر جميع بدنها . ومن الواضح انّه لا يمكن الالتزام بذلك لعدم وجوب سكونتها في البيت دائماً وعدم خروجها منه كذلك ، غاية الأمر استحباب ذلك اللهمّ إلاّ أن يقال بالتفكيك وانّ الوجوب إنّما تعلّق بأصل الستر والاستحباب تعلّق بالستر بالبيوت الذي هو أعلى مرتبة الستر ولكنّه إنّما يصحّ لو تمّت دلالة الرواية على أصل الوجوب أيضاً ، ومن الواضح عدم تماميتها ضرورة انّه لو كان هناك رواية دالّة على عدم وجوب ستر خصوص الوجه والكفّين فهل يتحقّق التعارض بينها وبين هذه الرواية وليس ذلك إلاّ لأجل عدم دلالة هذه الرواية على وجوب ستر الأمرين أيضاً فتدبّر جيّداً .
الطائفة الثانية ما ورد في باب النظر إلى الأجنبية وهي كثيرة :
منها : رواية علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : النظرة سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة . والموضوع في الرواية وإن كان هي النظرة المطلقة إلاّ انّ المحمول فيها شاهد على كون المراد منه هي النظرة المحرّمة ، وعليه فلابدّ من إثبات تحريم النظر إلى الوجه والكفّين من دليل آخر ولا دلالة للرواية عليه أصلا فالرواية أجنبية عن الدلالة على حرمة النظر إليهما وعلى تقديره فقد عرفت انّ حرمة النظر لا تستلزم وجوب الستر بخلاف العكس .
ومنها : مرسلة ابن أبي نجران عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) وإن كانت مروية
( الصفحه 616 )
مسندة عن أبي جميلة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا : ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر وزنا الفم القبلة وزنا اليدين اللمس صدق الفرج ذلك أو كذب . والظاهر انّ المراد من النظر فيها هو النظر مع التلذّذ لدلالة لفظ الزنا المحمول عليه عليه ذلك لملازمته مع التلذّذ والتكيّف ولكنّها لا دلالة للرواية على أنّ النظر المحرم المحكوم عليه بكونه زنا العينين هو أيّ نظر اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ النساء المسلمات حيث كنّ يسترن بدنهنّ فالعضو الواقع منهن في معرض النظر هو الوجه والكفّان ولكن الظاهر انّ الرواية ناظرة إلى أنّ النظر إلى العضو الذي يحرم النظر إليه يكون زناً بالنسبة إلى العينين ، وامّا انّ النظر المحرم ماذا فلا دلالة لها عليه .
ومنها : رواية سعد الاسكاف عن أي جعفر (عليه السلام) قال : استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة فلمّا جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه فلما مضت المرأة نظر فإذاً الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأخبرنّه ، فلمّا رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال : ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بهذه الآية : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم انّ الله خبير بما يصنعون) .
ولا يخفى انّ المستفاد منها انّ الأمر بالغضّ في الكريمة يكون المراد منه الأمر بالغضّ عن النظر إلى الأجنبية خلافاً لما ذكرناه سابقاً واستفدناه من نفس الآية وبعض الروايات من أنّ المراد هو الأمر بالغضّ عن النظر إلى فرج الغير وعورته رجلا كان أو امرأة .
وكيف كان فمفاد الآية ليس حرمة النظر إلى الوجه والكفّين أيضاً لأنّ النساء كنّ يتقنعن خلف آذانهن وفي الآية قد أمرن بإلقاء القناع على جيوبهن فأين الدلالة
( الصفحه 617 )
على حرمة النظر إليهما وعلى تقديره فلا دلالة لها على وجوب سترهما على النساء لأنّ التحفّظ والتحرّز عن شقّ الوجه له طريقان ستر النساء الوجه والكفّين وعدم نظر الرجال إليهن ولا دلالة لها على تعين الأوّل .
ومنها : رواية عقبة قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها لله عزّوجلّ لا لغيره أعقبه الله أمناً وإيماناً يجد طعمه . والظاهر انّها بعينها هي الرواية الاُولى المتقدّمة ، غاية الأمر انّ الراوي عن عقبة هناك هو ابنه وهنا هشام بن سالم فلا تكونان روايتين وعلى تقديره فمفاد الرواية بعينه هو مفاد تلك الرواية ولا دلالة لشيء منهما على وجوب ستر الوجه والكفّين .
ومنها : رواية ابن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، فامّا ان كانت لا تعرف بعينها أو لا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها .
ومنها : رواية محمد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان انّها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو لا يجوز له الشهادة عليها حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوفّع (عليه السلام) : تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله .
وقد استدل بهما على وجوب ستر الوجه فإنّ مفادهما انّ المرأة إنّما يجوز لها أن تظهر في حال الضرورة لا غير ولو لم يكن الستر واجباً عليها في حال لما كان وجه للسؤال عن أنّه هل يجوز لها الحضور والظهور كذلك أم لا كما لا يخفى ، وامّا النقاب فيستر ثلثي الوجه لا أزيد وإلاّ لا تتحقّق معرفتها أصلا وإذا كان كذلك فلا يجوز لها