( الصفحه 686 )
لبعض الحيوانات حينما يزهق روحه ولا فرق في ذلك بين أن يقال : بأنّها عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط من الاستقبال والتسمية وغيرهما ، وبين أن يقال : بأنّها عبارة عن الأمر المتحصّل من ذلك بضميمة وجود القابلية المتحقّقة في خصوص ما يتّصف بكونه مذكّى من الحيوانات فإنّه على كلا التقديرين تكون التذكية من الاُمور الوجودية بلا إشكال .
وامّا الميتة فلا ينبغي الإشكال في أنّ معناها بحسب اللغة هو الحيوان الذي فقد وصف الحياة بعدما كان واجداً له وهو بهذا المعنى يشمل المذكّى أيضاً ، والظاهر انّ قوله تعالى : (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم . . .) ناظر إلى هذا المعنى اللغوي بناء على رجوع الاستثناء إلى جميع المذكورات التي منها الميتة ما عدى الدم ولحم الخنزير ، كما لعلّه الظاهر من الآية وقد حكي عن عليّ (عليه السلام)وابن عبّاس .
وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في أنّ الميتة بحسب المعنى اللغوي مقابل الحي لا المذكّى وهذا يدلّنا على أنّ استعمالها في مقابل المذكّى في لسان الروايات إنّما هو لأجل ثبوت الحقيقة الشرعية لها فانظر إلى موثقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده وامّا الميتة فلا . حيث جعلت الميتة مقابلة للمذكّى أي ما رمى وسمّى به .
وبعد ذلك يقع الكلام في أنّ الميتة هل هي عنوان وجودي أو عدمي وهو غير المذكّى وتظهر الثمرة فيما لو شكّ في شيء انّه ميتة أم لا ، فعلى تقدير كونها أمراً وجودياً لا يثبت باستصحاب عدم التذكية بناء على جريانه ولا يترتّب عليه أحكام الميتة بخلاف ما لو كانت أمراً عدمياً . والظاهر انّ المتبادر من الميتة عند
( الصفحه 687 )
المتشرّعة عنوان وجودي وهو ما مات بسبب غير شرعي .
ثمّ إنّه على تقدير كون الميتة أمراً عدمياً لا مجال لاحتمال كونها مانعة لأنّ المانعية من شؤون وجود المانع وأوصافه ، وامّا على تقدير كونها أمراً وجودياً كما استظهرناه يقع الكلام في أنّها هل هي مانعة أو انّ التذكية شرط ـ كما اختاره صاحب الجواهر ـ ولا مجال لاحتمال كلا الأمرين للزوم اللغوية ضرورة والظاهر اختلاف الروايات فمن بعضها يستفاد المانعية ومن البعض الشرطية .
امّا الأوّل : فكصحيحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الجلد الميّت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : لا ولو دبغ سبعين مرّة . ومرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الميتة قال : لا تصلِّ في شيء منه ولا في شسع . والشسع بالكسر ما يشدّ به النعل وجه الاستفادة ظهور النهي الوارد فيهما في الإرشاد إلى المانعية كما هو شأن النواهي الغيرية المتعلّقة بالموانع .
وامّا الثاني : فكموثقة ابن بكير المعروفة الواردة في عدم جواز الصلاة في أجزاء ما يحرم أكل لحمه من الحيوانات المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام) : فإن كان شيء يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكّي وقد ذكّاه الذبح . . .
ورواية بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أو أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكياً ، قال قلت : أوليس الذكي ممّا ذكي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، الحديث .
فإنّهما ظاهران في شرطية التذكية واعتبارها ولكن ظهور أدلّة المانعية فيها أقوى من ظهور أدلّة الشرطية فيها وذلك لاستناد الاُولى إلى النهي الذي له ظهور قوي في الإرشاد إلى المانعية فيما إذا كان غيرياً ، وامّا الثانية فليس لها مثل هذا
( الصفحه 688 )
الظهور خصوصاً مع اشتمال رواية ابن أبي حمزة على النهي أيضاً ، وعليه فالتعبير بما هو ظاهر في الشرطية يحمل على العرضية بلحاظ ما عرفت من أنّ المذكّى والميتة من قبيل ما لا ثالث لهما كما لا يخفى .
ومنها : انّ مانعية جلد الميتة ـ مثلا ـ هل هي لنجاستها فتختصّ بما إذا كانت الميتة نجسة فيجوز الصلاة في ميتة السمك ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة أو لأجل كونها مانعة بعنوانها فتعمّ ما إذا لم تكن نجسة كما في المثال المذكور وجهان بل قولان ظاهر كلام الأصحاب هو الثاني حيث لم يقيّدوا الميتة المانعة بالنجسة ولم يتعرّضوا لاستثناء غير ذي النفس مضافاً إلى أنّ التعرّض لاعتبار هذا الأمر بعد التعرّض لاعتبار الطهارة في لباس المصلّي ممّا يؤيّد عدم ارتباطه بمسألة الطهارة وعدم الاختصاص بالميتة النجسة ، وعن البهائي ووالده التصريح بالتعميم .
وكيف كان فوجه التعميم ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ إطلاق أدلّة المانعية وعدم وقوع التقييد فيها بالنجسة ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بينها وبين الطاهرة .
وامّا وجه الفرق فاُمور :
الأوّل : انصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس; لأنّ مورد السؤال في أكثرها هو المصنوع منها كالجلد والفرو والخف ونحوها ، ومن المعلوم بحسب الارتكاز انّ مثل ذلك إنّما يكون مأخوذاً من جلود ذي النفس لعدم تعارف أخذ اللباس من جلد السمك ونحوه حتّى في زماننا هذا أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامّة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدفاغ وجواز الانتفاع به مطلقاً معه كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة ، ومن المعلوم انّ ما هو المتعارف فيه الدفاغ من الجلود غير جلد الميتة التي لا نفس لها مع أنّ التعرّض لفرض الدباغ إنّما هو بملاحظة تغيّر
( الصفحه 689 )
الحكم بسببه ، ومن الواضح انّ ما يجري فيه احتمال التغيير بالدباغ هي الميتة النجسة بدونه لأنّ الميتة الطاهرة لا معنى لأن يكون الدباغ مغيّراً لحكمه أصلا .
الثاني : الإجماع المنقول عن المعتبر على ما حكاه المحقّق الثاني وإن لم يوجد ذلك في المعتبر لعدم قدحه بعدما كان الناقل مثله ، ويمكن أن يكون اشتبه في تعيين الكتاب ولكنّه لا يشتبه في النقل عن كتاب معتبر وإن لم يكن كتاب المعتبر .
الثالث : دعوى السيرة القطعية على الصلاة في نحو القمل والبق والبرغوث كما ادّعاها صاحب الجواهر (قدس سره) .
أقول : هذه الوجوه وإن كانت مردودة من جهة منع دعوى الانصراف لأنّ منشأه كثرة الاستعمال لا كثرة الوجود فعدم تعارف أخذ اللباس من جلد مثل السمك لا يصحّح دعوى الانصراف بالإضافة إلى المطلقات على تقدير وجودها والإجماع المنقول مع قطع النظر عن عدم ثبوت النسبة لا يكون بحجّة والصلاة في مثل القمل خارجة عن محلّ البحث لأنّ مورده ميتة غير ذي النفس من الحيوان الذي يقع عليه التذكية وتؤثّر في حلية لحمها كالسمك لا الحشرات التي لا تقبل التذكية لعدم صدق كونها ذات لحم إلاّ انّ العمدة في المقام عدم ثبوت الإطلاق الشامل لغير ذي النفس فإنّ ما يتوهّم فيه الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم ومرسلة ابن أبي عمير ورواية ابن أبي حمزة المتقدّمة ، ومن الواضح عدم دلالتها على الإطلاق لأنّ الصحيحة مسوقة لنفي كون الدباغ موجباً لجواز الصلاة في جلد الميتة والمرسلة ظاهرة في تعميم الحكم بالإضافة إلى أجزاء الميتة دون افرادها ويؤيّده الضمير المذكّر الظاهر في كون المفروض ميتاً خاصّاً من الحيوان مذكّراً ، نعم لو كان مفادها التعميم بالنسبة إلى الأفراد كان ظاهرها عدم الفرق بينها ولكنّه خلاف الظاهر ، ورواية ابن أبي حمزة مضافاً إلى أنّ مورد السؤال فيها هو لباس
( الصفحه 690 )
الفراء وهو لا يتّخذ إلاّ من الحيوان ذي النفس يكون ذكر التذكية فيها قرينة على الاختصاص بالحيوان ذي النس فالأظهر بمقتضى ما ذكرنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس وإن كان الأحوط خلافه .
ومنها : انّه يجوز الصلاة في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة من الميتة كالصوف والشعر والوبر امّا على تقدير كون علّة المنع في الميتة هي النجاسة فلأنّ هذه الأجزاء لا تكون نجسة كما مرّ البحث فيها في باب الميتة ، وامّا على تقدير كون العلّة هي نفس عنوان الميتة فمضافاً إلى إمكان دعوى عدم كون هذه الأجزاء ميتة لعدم كونها محلاًّ للحياة حتّى يعرض لها الموت وإن ناقشنا في هذه الدعوى سابقاً نظراً إلى أنّ الحياة التي لم تحلّ في هذه الأجزاء هي الحياة الحيوانية لا الحياة النباتية مع أنّ العرف يطلقون عنوان الميتة على جميع أجزائها من دون فرق نقول : ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب عدم كون هذه الأجزاء ميتة بل بعضها يصرّح بجواز الصلاة فيها وهي الصحيحة عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة انّ الصوف ليس فيه روح . ومقتضى التعليل عمومية الحكم لكلّ ما يماثل الصوف في أنّه ليس من شأنه أن يكون فيه روح حتى حال حياة الحيوان .
ثمّ إنّه لو شكّ في جلد انّه من المذكّى أو الميتة فإن قلنا : بأنّ التذكية شرط في لباس المصلّي فلا تجوز الصلاة في ذلك الجلد لعدم إحراز الشرط واللاّزم إحرازه في جميع الموارد وإن قلنا : بأنّ الميتة مانعة عن صحّة الصلاة وانطباق عنوانها على المأتي به من الأفعال المخصوصة والأقوال كذلك فإن قلنا بأنّها أمر وجودي وهو ما زهق روحه بسبب غير شرعي فلا طريق لإثباته لأنّ استصحاب عدم التذكية على تقدير جريانه لا يثبت الأمر الوجودي لعدم حجّية الاُصول المثبتة على ما قرّر