( الصفحه 691 )
في محلّه ، وامّا إن قلنا بأنّها أمر عدمي والعدم يصلح لأن يتعلّق به الحكم الشرعي من المانعية وغيرها فالمشهور ظاهراً جريان استصحاب عدم التذكية وترتيب الآثار عليه ، وكلام الفاضل التوني (قدس سره) في الإشكال عليه معروف مذكور في رسالة الشيخ الأعظم (قدس سره) مع جوابه ولكن العمدة في الإشكال على هذا الاستصحاب انّ عدم التذكية المأخوذة في متعلّق الحكم الشرعي إن كان بنحو يصدق مع انتفاء الموصوف وهو زهاق الروح وتحقّق الموت فلا يعقل أن يتعلّق به الحكم الشرعي; لأنّ عدمها الصادق مع عدم الموضوع ليس بشيء حتّى يترتّب عليه أثر من دون فرق بين أن يكون الأثر شرعياً أو غيره وإن كان بنحو لا يتحقّق إلاّ مع وجود الموصوف وفرض تحقّقه بحيث كان المتعلّق هو زهاق الروح المتصف بكونه بغير طريق شرعي بنحو يكون الوصف أمراً عدمياً فهو وإن كان يعقل تعلّق الحكم به إلاّ انّه ليس له حالة سابقة ضرورة انّه لم يكن زهاق الروح مع هذا الوصف متيقّناً في زمان فلا يجري استصحابه أصلا .
ثمّ إنّ صاحب المدارك (قدس سره) بعدما حكى عن جمع من الأصحاب انّ الصلاة كما تبطل في الجلد مع العلم بكونه ميتة أو في يد كافر كذا تبطل مع الشكّ في تذكيته لاصالة عدم التذكية قال : «وقد بيّنا فيما سبق انّ أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم لأنّ ما يثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم فلابدّ لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت إلى أن قال : وقد ورد في عدّة أخبار الإذن في الصلاة في الجلود التي لا يعلم كونها ميتة وهو مؤيّد لما ذكرناه» .
والظاهر انّ مراده من الأخبار مثل موثقة سماعة بن مهران انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال : لا بأس ما لم تعلم انّه ميتة .
( الصفحه 692 )
وموثقة علي بن أبي حمزة انّ رجلا سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ قال : نعم ، فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت قال : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة فقال : ما علمت انّه ميتة فلا تصلِّ فيه .
وما رواه الصدوق باسناده عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم انّه ذكي فكتب : لا بأس به .
ورواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتّى يعلموا .
والظاهر انّ الروايات الدالّة على اعتبار يد المسلم أو سوق المسلمين خارجة عن محطّ نظره ، وامّا جعل هذه الأخبار مؤيّدة لا دليلا فلأجل عدم كونها واجدة لشرائط ما هو الصحيح بنظره وهو الصحيح الاعلائي الذي كان كلّ واحد من رواة سنده مذكّى بتذكية عدلين .
واستشكل بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ على الاستشهاد بمثل موثقة ابن أبي حمزة بأنّ غاية ما يستفاد منها انّ العلم بالميتة قد أخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام إلاّ انّه علم طريقي قد أخذ في الموضوع منجّزاً للأحكام لا موضوعاً لها نظير أخذ التبيّن في موضوع وجوب الصوم في قوله تعالى : (كلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط
( الصفحه 693 )
الأسود من الفجر) . والاستصحاب بأدلّة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كالبيّنة والأمارات .
ولا يخفى انّه لا محيص عن الاعتراف بالموضوعية فيما إذا أخذ العلم في ظاهر الدليل قيداً للموضوع ودخيلا فيه ولا مجال لدعوى كونه علماً طريقياً لا مدخلية له في الموضوع بحيث يكون ذكره كعدمه ، غاية الأمر انّ العلم المأخوذ في الموضوع تارة يؤخذ فيه بما انّه صفة خاصّة من الصفات النفسانية ، واُخرى بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه والفرق بين الصورتين إنّما هو في قيام البيّنة والاستصحاب ونحوهما مقامه في الصورة الثانية وعدمه في الصورة الاُولى والمقام إنّما هو من قبيل الصورة الثانية . وإن شئت قلت : إنّ العلم المذكور في موضوعات الأحكام بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه لا يكون المراد به هو العلم الوجداني بل الحجّة الشرعية وذكر العلم إنّما هو بعنوان المثال ، وامّا التبيّن في آية الصوم فقد مرّ البحث فيه وانّه يظهر من المحقّق الهمداني (قدس سره) ومن الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ انّه هو الفجر الواقعي لا انّ الفجر شيء والتبيّن شيء آخر ، نعم يكون العلم أمارة لهذا التبيّن النفس الأمري وقد تقدّم منّا ما يتعلّق بهذا الكلام فراجع .
هذا مع أنّ استشكاله لا يجري في مثل موثقة سماعة; لأنّه قد حكم فيها بنفي البأس ما لم يعلم انّه ميتة ضرورة انّه على التقدير الذي أفاده لا يبقى مورد للحكم بعدم البأس فإنّ حمله على صورة العلم بوقوع التذكية لا يناسب السؤال الظاهر في مورد الشكّ خصوصاً مع تفسير الكيمخت في موثقة ابن أبي حمزة بما يرجع إلى أنّه مشكوك لعدم العلم بكونه ذكياً أو ميتة ولا يجري هذا الإشكال بناء على ما ذكرنا لعدم جريان الاستصحاب في مورد الشكّ امّا لكون الميتة أمراً وجدياً لا يثبت به ، وامّا لعدم جريان استصحاب عدم التذكية في نفسه لما عرفت والذي ينبغي أن يقال
( الصفحه 694 )
في جواب صاحب المدارك أوّلا انّه كما انّ العلم بالميتة قد أخذ موضوعاً للحكم بالنجاسة وعدم جواز الصلاة فيه كذلك العلم بالمذكّى قد أخذ في موضوع الحكم بجواز الصلاة فيه لقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي ذكاة الذبح . ومقتضاه عدم جواز الصلاة مع الشكّ في التذكية فيعارض مع الروايات المتقدّمة ولا ترجيح لها عليه .
وثانياً : انّه لا يبعد دعوى كون مورد السؤال فيها هو ما يتهيّؤ من سوق المسلمين ويشترى منه لأنّ مورد ابتلائهم في تلك الأعصار هو المأخوذ من سوق المسلمين لأنّ المجلوب من بلاد الكفّار الذي هو مورد الابتلاء في هذه الأعصار لم يكن محلاًّ لحاجتهم وابتلائهم في زمان السؤال ومنشأ الشكّ لهم امّا اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين في السوق أو غلبة العامة في أسواقهم المستحلّين لذبائح أهل الكتاب والقائلين بطهارة الجلد بالدباغ أو عدم المبالاة في بعض من القصابين والبائعين ، وعليه فهذه الروايات لا إطلاق لها تشمل صورة عدم وجود أمارة شرعية على تحقّق التذكية .
وثالثاً : انّه على تقدير الإطلاق لابدّ من تقييد هذه الروايات بما ورد ممّا يدلّ على أنّ المشكوك إذا أخذ من سوق المسلمين يجوز التصرّف والصلاة فيه وهي كثيرة :
منها : صحيحة الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون ، فقال : كلّ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه .
والظاهر انّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً وإن كان منعقداً في بلد الكفر لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطنة
( الصفحه 695 )
الإسلام وحكومة المسلمين ولو كان جميع أهله أو أكثره مشركاً .
وأيضاً الظاهر انّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولا يعلم انّه مسلم أو كافر فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان وإلاّ فلو علم بكفر البائع والذابح أو بكفر الأوّل فقط مع الشكّ في كفر الثاني فلا يؤثّر في حلّية اللحم المشترى منه كون أكثر أهل السوق مسلماً ، وعليه فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم ، غاية الأمر انّه لا فرق بين ما إذا أحرز إسلامه بالقطع أو بنى عليه للغلبة ونحوها .
ومنها : صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفّاف التي تباع في السوق فقال : اشتر وصلِّ فيها حتى تعلم انّه ميتة بعينه . والظاهر انّ السوق إشارة إلى المعهود وهو سوق المدينة الذي كان سوق المسلمين .
ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك .
ومنها : صحيحته الاُخرى عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال : نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة . والظاهر اتحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً والاختلاف في بعض الاُمور لا يضرّ بالوحدة .
ومنها : مرسلة الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : اعترض السوق