( الصفحه 688 )
الظهور خصوصاً مع اشتمال رواية ابن أبي حمزة على النهي أيضاً ، وعليه فالتعبير بما هو ظاهر في الشرطية يحمل على العرضية بلحاظ ما عرفت من أنّ المذكّى والميتة من قبيل ما لا ثالث لهما كما لا يخفى .
ومنها : انّ مانعية جلد الميتة ـ مثلا ـ هل هي لنجاستها فتختصّ بما إذا كانت الميتة نجسة فيجوز الصلاة في ميتة السمك ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة أو لأجل كونها مانعة بعنوانها فتعمّ ما إذا لم تكن نجسة كما في المثال المذكور وجهان بل قولان ظاهر كلام الأصحاب هو الثاني حيث لم يقيّدوا الميتة المانعة بالنجسة ولم يتعرّضوا لاستثناء غير ذي النفس مضافاً إلى أنّ التعرّض لاعتبار هذا الأمر بعد التعرّض لاعتبار الطهارة في لباس المصلّي ممّا يؤيّد عدم ارتباطه بمسألة الطهارة وعدم الاختصاص بالميتة النجسة ، وعن البهائي ووالده التصريح بالتعميم .
وكيف كان فوجه التعميم ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ إطلاق أدلّة المانعية وعدم وقوع التقييد فيها بالنجسة ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بينها وبين الطاهرة .
وامّا وجه الفرق فاُمور :
الأوّل : انصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس; لأنّ مورد السؤال في أكثرها هو المصنوع منها كالجلد والفرو والخف ونحوها ، ومن المعلوم بحسب الارتكاز انّ مثل ذلك إنّما يكون مأخوذاً من جلود ذي النفس لعدم تعارف أخذ اللباس من جلد السمك ونحوه حتّى في زماننا هذا أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامّة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدفاغ وجواز الانتفاع به مطلقاً معه كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة ، ومن المعلوم انّ ما هو المتعارف فيه الدفاغ من الجلود غير جلد الميتة التي لا نفس لها مع أنّ التعرّض لفرض الدباغ إنّما هو بملاحظة تغيّر
( الصفحه 689 )
الحكم بسببه ، ومن الواضح انّ ما يجري فيه احتمال التغيير بالدباغ هي الميتة النجسة بدونه لأنّ الميتة الطاهرة لا معنى لأن يكون الدباغ مغيّراً لحكمه أصلا .
الثاني : الإجماع المنقول عن المعتبر على ما حكاه المحقّق الثاني وإن لم يوجد ذلك في المعتبر لعدم قدحه بعدما كان الناقل مثله ، ويمكن أن يكون اشتبه في تعيين الكتاب ولكنّه لا يشتبه في النقل عن كتاب معتبر وإن لم يكن كتاب المعتبر .
الثالث : دعوى السيرة القطعية على الصلاة في نحو القمل والبق والبرغوث كما ادّعاها صاحب الجواهر (قدس سره) .
أقول : هذه الوجوه وإن كانت مردودة من جهة منع دعوى الانصراف لأنّ منشأه كثرة الاستعمال لا كثرة الوجود فعدم تعارف أخذ اللباس من جلد مثل السمك لا يصحّح دعوى الانصراف بالإضافة إلى المطلقات على تقدير وجودها والإجماع المنقول مع قطع النظر عن عدم ثبوت النسبة لا يكون بحجّة والصلاة في مثل القمل خارجة عن محلّ البحث لأنّ مورده ميتة غير ذي النفس من الحيوان الذي يقع عليه التذكية وتؤثّر في حلية لحمها كالسمك لا الحشرات التي لا تقبل التذكية لعدم صدق كونها ذات لحم إلاّ انّ العمدة في المقام عدم ثبوت الإطلاق الشامل لغير ذي النفس فإنّ ما يتوهّم فيه الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم ومرسلة ابن أبي عمير ورواية ابن أبي حمزة المتقدّمة ، ومن الواضح عدم دلالتها على الإطلاق لأنّ الصحيحة مسوقة لنفي كون الدباغ موجباً لجواز الصلاة في جلد الميتة والمرسلة ظاهرة في تعميم الحكم بالإضافة إلى أجزاء الميتة دون افرادها ويؤيّده الضمير المذكّر الظاهر في كون المفروض ميتاً خاصّاً من الحيوان مذكّراً ، نعم لو كان مفادها التعميم بالنسبة إلى الأفراد كان ظاهرها عدم الفرق بينها ولكنّه خلاف الظاهر ، ورواية ابن أبي حمزة مضافاً إلى أنّ مورد السؤال فيها هو لباس
( الصفحه 690 )
الفراء وهو لا يتّخذ إلاّ من الحيوان ذي النفس يكون ذكر التذكية فيها قرينة على الاختصاص بالحيوان ذي النس فالأظهر بمقتضى ما ذكرنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس وإن كان الأحوط خلافه .
ومنها : انّه يجوز الصلاة في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة من الميتة كالصوف والشعر والوبر امّا على تقدير كون علّة المنع في الميتة هي النجاسة فلأنّ هذه الأجزاء لا تكون نجسة كما مرّ البحث فيها في باب الميتة ، وامّا على تقدير كون العلّة هي نفس عنوان الميتة فمضافاً إلى إمكان دعوى عدم كون هذه الأجزاء ميتة لعدم كونها محلاًّ للحياة حتّى يعرض لها الموت وإن ناقشنا في هذه الدعوى سابقاً نظراً إلى أنّ الحياة التي لم تحلّ في هذه الأجزاء هي الحياة الحيوانية لا الحياة النباتية مع أنّ العرف يطلقون عنوان الميتة على جميع أجزائها من دون فرق نقول : ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب عدم كون هذه الأجزاء ميتة بل بعضها يصرّح بجواز الصلاة فيها وهي الصحيحة عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة انّ الصوف ليس فيه روح . ومقتضى التعليل عمومية الحكم لكلّ ما يماثل الصوف في أنّه ليس من شأنه أن يكون فيه روح حتى حال حياة الحيوان .
ثمّ إنّه لو شكّ في جلد انّه من المذكّى أو الميتة فإن قلنا : بأنّ التذكية شرط في لباس المصلّي فلا تجوز الصلاة في ذلك الجلد لعدم إحراز الشرط واللاّزم إحرازه في جميع الموارد وإن قلنا : بأنّ الميتة مانعة عن صحّة الصلاة وانطباق عنوانها على المأتي به من الأفعال المخصوصة والأقوال كذلك فإن قلنا بأنّها أمر وجودي وهو ما زهق روحه بسبب غير شرعي فلا طريق لإثباته لأنّ استصحاب عدم التذكية على تقدير جريانه لا يثبت الأمر الوجودي لعدم حجّية الاُصول المثبتة على ما قرّر
( الصفحه 691 )
في محلّه ، وامّا إن قلنا بأنّها أمر عدمي والعدم يصلح لأن يتعلّق به الحكم الشرعي من المانعية وغيرها فالمشهور ظاهراً جريان استصحاب عدم التذكية وترتيب الآثار عليه ، وكلام الفاضل التوني (قدس سره) في الإشكال عليه معروف مذكور في رسالة الشيخ الأعظم (قدس سره) مع جوابه ولكن العمدة في الإشكال على هذا الاستصحاب انّ عدم التذكية المأخوذة في متعلّق الحكم الشرعي إن كان بنحو يصدق مع انتفاء الموصوف وهو زهاق الروح وتحقّق الموت فلا يعقل أن يتعلّق به الحكم الشرعي; لأنّ عدمها الصادق مع عدم الموضوع ليس بشيء حتّى يترتّب عليه أثر من دون فرق بين أن يكون الأثر شرعياً أو غيره وإن كان بنحو لا يتحقّق إلاّ مع وجود الموصوف وفرض تحقّقه بحيث كان المتعلّق هو زهاق الروح المتصف بكونه بغير طريق شرعي بنحو يكون الوصف أمراً عدمياً فهو وإن كان يعقل تعلّق الحكم به إلاّ انّه ليس له حالة سابقة ضرورة انّه لم يكن زهاق الروح مع هذا الوصف متيقّناً في زمان فلا يجري استصحابه أصلا .
ثمّ إنّ صاحب المدارك (قدس سره) بعدما حكى عن جمع من الأصحاب انّ الصلاة كما تبطل في الجلد مع العلم بكونه ميتة أو في يد كافر كذا تبطل مع الشكّ في تذكيته لاصالة عدم التذكية قال : «وقد بيّنا فيما سبق انّ أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم لأنّ ما يثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم فلابدّ لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت إلى أن قال : وقد ورد في عدّة أخبار الإذن في الصلاة في الجلود التي لا يعلم كونها ميتة وهو مؤيّد لما ذكرناه» .
والظاهر انّ مراده من الأخبار مثل موثقة سماعة بن مهران انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال : لا بأس ما لم تعلم انّه ميتة .
( الصفحه 692 )
وموثقة علي بن أبي حمزة انّ رجلا سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ قال : نعم ، فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت قال : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة فقال : ما علمت انّه ميتة فلا تصلِّ فيه .
وما رواه الصدوق باسناده عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم انّه ذكي فكتب : لا بأس به .
ورواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتّى يعلموا .
والظاهر انّ الروايات الدالّة على اعتبار يد المسلم أو سوق المسلمين خارجة عن محطّ نظره ، وامّا جعل هذه الأخبار مؤيّدة لا دليلا فلأجل عدم كونها واجدة لشرائط ما هو الصحيح بنظره وهو الصحيح الاعلائي الذي كان كلّ واحد من رواة سنده مذكّى بتذكية عدلين .
واستشكل بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ على الاستشهاد بمثل موثقة ابن أبي حمزة بأنّ غاية ما يستفاد منها انّ العلم بالميتة قد أخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام إلاّ انّه علم طريقي قد أخذ في الموضوع منجّزاً للأحكام لا موضوعاً لها نظير أخذ التبيّن في موضوع وجوب الصوم في قوله تعالى : (كلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط