( الصفحه 693 )
الأسود من الفجر) . والاستصحاب بأدلّة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كالبيّنة والأمارات .
ولا يخفى انّه لا محيص عن الاعتراف بالموضوعية فيما إذا أخذ العلم في ظاهر الدليل قيداً للموضوع ودخيلا فيه ولا مجال لدعوى كونه علماً طريقياً لا مدخلية له في الموضوع بحيث يكون ذكره كعدمه ، غاية الأمر انّ العلم المأخوذ في الموضوع تارة يؤخذ فيه بما انّه صفة خاصّة من الصفات النفسانية ، واُخرى بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه والفرق بين الصورتين إنّما هو في قيام البيّنة والاستصحاب ونحوهما مقامه في الصورة الثانية وعدمه في الصورة الاُولى والمقام إنّما هو من قبيل الصورة الثانية . وإن شئت قلت : إنّ العلم المذكور في موضوعات الأحكام بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه لا يكون المراد به هو العلم الوجداني بل الحجّة الشرعية وذكر العلم إنّما هو بعنوان المثال ، وامّا التبيّن في آية الصوم فقد مرّ البحث فيه وانّه يظهر من المحقّق الهمداني (قدس سره) ومن الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ انّه هو الفجر الواقعي لا انّ الفجر شيء والتبيّن شيء آخر ، نعم يكون العلم أمارة لهذا التبيّن النفس الأمري وقد تقدّم منّا ما يتعلّق بهذا الكلام فراجع .
هذا مع أنّ استشكاله لا يجري في مثل موثقة سماعة; لأنّه قد حكم فيها بنفي البأس ما لم يعلم انّه ميتة ضرورة انّه على التقدير الذي أفاده لا يبقى مورد للحكم بعدم البأس فإنّ حمله على صورة العلم بوقوع التذكية لا يناسب السؤال الظاهر في مورد الشكّ خصوصاً مع تفسير الكيمخت في موثقة ابن أبي حمزة بما يرجع إلى أنّه مشكوك لعدم العلم بكونه ذكياً أو ميتة ولا يجري هذا الإشكال بناء على ما ذكرنا لعدم جريان الاستصحاب في مورد الشكّ امّا لكون الميتة أمراً وجدياً لا يثبت به ، وامّا لعدم جريان استصحاب عدم التذكية في نفسه لما عرفت والذي ينبغي أن يقال
( الصفحه 694 )
في جواب صاحب المدارك أوّلا انّه كما انّ العلم بالميتة قد أخذ موضوعاً للحكم بالنجاسة وعدم جواز الصلاة فيه كذلك العلم بالمذكّى قد أخذ في موضوع الحكم بجواز الصلاة فيه لقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي ذكاة الذبح . ومقتضاه عدم جواز الصلاة مع الشكّ في التذكية فيعارض مع الروايات المتقدّمة ولا ترجيح لها عليه .
وثانياً : انّه لا يبعد دعوى كون مورد السؤال فيها هو ما يتهيّؤ من سوق المسلمين ويشترى منه لأنّ مورد ابتلائهم في تلك الأعصار هو المأخوذ من سوق المسلمين لأنّ المجلوب من بلاد الكفّار الذي هو مورد الابتلاء في هذه الأعصار لم يكن محلاًّ لحاجتهم وابتلائهم في زمان السؤال ومنشأ الشكّ لهم امّا اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين في السوق أو غلبة العامة في أسواقهم المستحلّين لذبائح أهل الكتاب والقائلين بطهارة الجلد بالدباغ أو عدم المبالاة في بعض من القصابين والبائعين ، وعليه فهذه الروايات لا إطلاق لها تشمل صورة عدم وجود أمارة شرعية على تحقّق التذكية .
وثالثاً : انّه على تقدير الإطلاق لابدّ من تقييد هذه الروايات بما ورد ممّا يدلّ على أنّ المشكوك إذا أخذ من سوق المسلمين يجوز التصرّف والصلاة فيه وهي كثيرة :
منها : صحيحة الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون ، فقال : كلّ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه .
والظاهر انّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً وإن كان منعقداً في بلد الكفر لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطنة
( الصفحه 695 )
الإسلام وحكومة المسلمين ولو كان جميع أهله أو أكثره مشركاً .
وأيضاً الظاهر انّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولا يعلم انّه مسلم أو كافر فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان وإلاّ فلو علم بكفر البائع والذابح أو بكفر الأوّل فقط مع الشكّ في كفر الثاني فلا يؤثّر في حلّية اللحم المشترى منه كون أكثر أهل السوق مسلماً ، وعليه فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم ، غاية الأمر انّه لا فرق بين ما إذا أحرز إسلامه بالقطع أو بنى عليه للغلبة ونحوها .
ومنها : صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفّاف التي تباع في السوق فقال : اشتر وصلِّ فيها حتى تعلم انّه ميتة بعينه . والظاهر انّ السوق إشارة إلى المعهود وهو سوق المدينة الذي كان سوق المسلمين .
ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك .
ومنها : صحيحته الاُخرى عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال : نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة . والظاهر اتحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً والاختلاف في بعض الاُمور لا يضرّ بالوحدة .
ومنها : مرسلة الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : اعترض السوق
( الصفحه 696 )
فاشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال : صلِّ فيه ، قلت : فالنعل ؟ قال : مثل ذلك قلت : إنّي أضيق من هذا قال : أترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله .
إذا عرفت ما ورد في السوق من الروايات المتقدّمة فالكلام فيه يقع من جهات :
الاُولى : انّه لا إشكال في أنّ المستفاد من روايات السوق انّ المراد به هو سوق المسلمين بالمعنى الذي ذكرنا الذي مرجعه إلى أنّ المراد به هو مركز التجمّع للكسب والتجارة الذي كان أكثر أهله مسلماً ويشهد به إضافة السوق إليهم في رواية الفضلاء الثلاثة المتقدّمة الظاهرة في الاختصاص خصوصاً مع ملاحظة كون مورد السؤال فيها أيضاً ذلك فإنّ الظاهر انّ المراد من «الأسواق» فيه هي الأسواق المعهودة الموجودة في المدينة ومثلها من البلاد الإسلامية ومع ذلك لم يكتف الإمام (عليه السلام) في الجواب بهذا الظهور بل صرّح بإضافة السوق إلى المسلمين وعلّق الحكم بجواز الأكل عليه . وامّا إطلاق «السوق» في سائر الروايات أو ترك الاستفصال فمضافاً إلى ما عرفت من كونه إشارة إلى الأسواق المعهودة يكون تقييده بسبب رواية الفضلاء معيناً فالمستفاد من المجموع اعتبار سوق المسلمين وقد مرّ معناه .
الثانية : الظاهر انّ المستفاد من أدلّة اعتبار السوق انّ السوق بنفسه لا تكون أمارة على التذكية وكاشفة عن الطهارة والحلّية بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق أمارة على الأمارة نظراً إلى أنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالسوق إنّما هو كاشف عن كون البايع مسلماً وبهذا يظهر ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرّد الأخذ من سوق المسلمين ولو أخذ من يد الكافر في قبالالأخذ من يد الكافر كما انّه يظهر الخلل فيما اختاره في «المستمسك» من أنّ
( الصفحه 697 )
الظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلماً وانّ الداعي لذكر السوق كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه لا لخصوصية فيه في قبال الدار والصحراء ونحوهما ، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرّفات الدالّة على التذكية ولا خصوصية له فهو راجع إلى الاستعمال المناسب للتذكية .
وجه الخلل انّ مقتضى ما أفاده خروج عنوان السوق عن المدخلية رأساً وهو خلاف ظاهر أدلّة اعتباره جدّاً .
الثالثة : انّه لا فرق في المسلم الذي يؤخذ من يده ويكون السوق أمارة على إسلامه بين ما إذا كان عارفاً بالإمامة أو لم يكن لأنّه مضافاً إلى كون أكثر المسلمين في تلك الأزمنة غير عارفين وإلى أنّ الجمع المحلّى باللاّم في المسلمين الذي اُضيف إليه السوق في رواية الفضلاء يقتضي العموم لكلّ مسلم على ما هو المشهور يدلّ عليه رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسئل عن زكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه . وعليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونه أمارة شرعية على كون الحيوان مذكى بالتذكية المعتبرة عند العارف وذلك لاختلافنا معهم في بعض الاُمور المعتبرة في التذكية كاجتزائهم في الصيد بإرسال غير الكلب المعلم ، وكذلك في بعض الفروع كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ وبطهارة ذبائح أهل الكتاب وغير ذلك من الموارد فلا يكون مجرّد كونه في يده أو مع ترتيبه آثار المذكّى عليه أمارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه ، فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لاماريتها بل لأجل انّ الحكم بعدم الاعتبار مع أنّ الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين مستلزم للعسر فلذا جعل الشارع الأصل