( الصفحه 708 )
وامّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شيء منه وإن ذكّى من غير فرق بينما تحلّه الحياة منه أو غيره ، بل تجب إزالة الفضلات الطاهرة منه كالرطوبة والشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه 1 .
1 ـ من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن لا يكون من أجزاء الحيوان الذي لا يحلّ أكل لحمه واعتباره فيه من متفرّدات الإمامية خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم مع كونها ممّا يعمّ به البلوى .
والأخبار الواردة في هذا المقام وإن كان أكثرها لا يخلو من علل الحديث من ضعف أو إرسال أو غيرهما إلاّ انّ ذلك لا يوجب الإشكال في أصل الحكم بعد ذهاب الأصحاب من السلف إلى الخلف في قبال سائر المسلمين إلى ثبوته وبعد الإجماعات المنقولة في الكتب الكثيرة عليه ، هذا مع وجود رواية معتبرة وهي موثقة ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم انّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : انّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ، ثمّ قال : يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي وقد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله فحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أو لم يذكه . والظاهر كون ابن بكير ثقة وإن ضعّفه المحقّق في محكي المعتبر لتصريح الشيخ (قدس سره) به في الفهرست ، وكذا ابن شهرآشوب وقال الكشي هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وقال الشيخ (قدس سره) في محكي العدّة : عملت الطائفة بأخباره هذا مع انّ الراوي عنه في هذه
( الصفحه 709 )
الرواية هو ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله فضلا عن مسانيده ومع استناد الكلّ في الفتوى بهذا الحكم المخالف للقاعدة ولسائر فرق المسلمين إليها فلا يبقى موقع للإشكال في الرواية من حيث السند ، وامّا استشكال صاحب المدارك في المسألة فإنّماهو مبني على مذهبه من اختصاص حجّية الخبر الواحد بالصحيح الاعلائي وعدم حجّية غيره وإن كان موثقاً معتبراً عند غيره ، كما انّ التكرار الواقع في قوله : إنّ الصلاة . . . والحزازة الواقعة في قوله : لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي . . . وغير ذلك من الجهات المخالفة للفصاحة يشعر بأنّ الرواية منقولة بالمعنى وانّ الراوي لم يضبط الألفاظ الصادرة من الإمام (عليه السلام) ولكنّه لا يوجب إشكالا في الاستدلال بها بعد معلومية المضمون الصادر منه (عليه السلام) . وبالجملة بعد ملاحظة ما ذكرنا الاشكال في أصل المسألة ممّا لا ينبغي أن يصدر من الفقيه أصلا .
وإنّما الإشكال في فروع المسألة وانّه هل يكون اعتبار هذا الأمر منحصراً بلباس المصلّي وهو ما يلبسه المصلّي ويكون محيطاً به كالقميص وغيره أو يشمل مثل التكة والجورب والقلنسوة ونحوها ممّا يصدق عليه اللباس ولا يكون محيطاً بالشخص اللاّبس له ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا لم يكن لباساً ولكن كان لباسه ملاصقاً وملابساً معه كما إذا كان على ثوبه رطوبة غير المأكول أو بعض شعراته ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا كان محمولا للمصلّي ومستصحباً له أيضاً؟ وجوه والمحكي عن ظاهر المشهور هو الأخير وعن الشهيدين اختصاص المنع بما إذا كان لباس المصلّي من أجزائه بل نقل عنهما انّ عدم شمول دليل المنع لما إذا صلّى في الثوب الذي القي عليه شعراته وجواز الصلاة فيه من المقطوع به .
ويدلّ على المشهور الموثقة المتقدّمة نظراً إلى صدق الصلاة في أجزاء غير المأكول في جميع الفروض .
( الصفحه 710 )
واستشكل عليهم بأنّ ظاهر كلمة «في» في قوله (صلى الله عليه وآله) : فالصلاة في وبره . . . هي الظرفية كما هو الأصل في معنى الكلمة ولازمه كون أجزاء غير مأكول اللحم بحيث يكون ظرفاً للمصلّي ومحيطاً به وهو لا يصدق فيما إذا ألقى على ثوبه وبره أو شعره فضلا عمّا إذا كان مستصحباً لهذه الاُمور من دون لبس .
وعن البهبهاني (قدس سره) انّه أجاب عن هذا الإشكال بما حاصله : انّ كلمة «في» في الرواية ليست للظرفية لامتناع اعتبار كون البول والروث ظرفاً للمصلّي فلابدّ من أن يراد منها المصاحبة ومعه يتمّ الاستدلال ثمّ أورد على نفسه بأنّ اعتبار الظرفية في الروث والبول إنّما هو بملاحظة تلطّخ الثوب أو البدن بواحد منهما فكأنّه قيل الصلاة في الثوب المتلطّخ بأحدهما فاسدة ، وعليه فلا يشمل ما إذا كان شيء من أجزاء غير المأكول محمولا للمصلّي ولا يدلّ على المنع فيه ثمّ أجاب بأنّ ذلك المعنى مستلزم للاضمار والحذف بخلاف ما ذكرنا في معناه فإنّه مستلزم للمجازية وقد قرّر في الاُصول تقدّم الثاني على الأوّل فيما إذا دار الأمر بينهما .
وربما احتمل أن يقال بإمكان اعتبار الظرفية فيما إذا تلطّخ الثوب بهما بملاحظة ملابسة الثوب معهما فكأنّهما صارا جزئين للثوب فهو نظير ما إذا كان بعض الثوب من أجزاء غير المأكول دون البعض الآخر .
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ ظهور كلمة «في» في الموثقة في الظرفية كما هو الأصل في معناها باق على حاله من دون تصرّف فيه ولا استحالة ولكن لابدّ من ملاحظة انّ المظروف هل هي الصلاة أو المصلّى والاعضال والإشكال في المقام إنّما نشأ من تخيّل الثاني ولزوم اعتبار كون جزء غير المأكول ظرفاً للمصلّي ولأجله حكم بالامتناع لعدم إمكان مثل الروث والبول ظرفاً للمصلّي أو باتساع دائرة الظرفية وثبوت المراتب لها كما في تقريرات المحقّق النائيني (قدس سره) مع انّ الرواية ظاهرة
( الصفحه 711 )
في تعلّق الظرفية بالصلاة حيث قال : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله . . . والظاهر انّ الظرفية للصلاة أوسع من الظرفية للمصلّي الظاهرة في الاشتمال عليه فإنّ لا يعتبر في الظرفية للصلاة الاشتمال والإحاطة بوجه والشاهد على ذلك مضافاً إلى وضوحه في نفسه وثبوت الفرق بين الظرفيتين ملاحظة الروايات الواردة في الموارد المختلفة حيث استعمل فيها كلمة الظرفية من دون ثبوت اشتمال أصلا كما في الرواية الواردة في الصلاة في السيف إذ لم ير فيه دم فإنّها ظاهرة في كون السيف ظرفاً للصلاة مع عدم كونه ظرفاً للمصلّي وكما في الرواية الواردة فيما لا تتمّ فيه الصلاة في مسألة النجاسة وهي مرسلة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك . فإنّه مع كون المفروض في الموضوع هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه قد عبّر في الحكم بنفي البأس عن الصلاة فيه وجعل الكلّ ظرفاً للصلاة فيستفاد منه سعة دائرة الظرفية فيما إذا كان المظروف هي الصلاة وكذلك الروايات الاُخر .
فانقدح ممّا ذكرنا ظهور الموثقة في مذهب المشهور واعتبار عدم كون ما على اللباس من أجزاء غير المأكول أيضاً وكذلك ما مع المصلّي ممّا يكون مستصحباً ومحمولا ، ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضاً التعبير في الموثقة بعد الوبر والبول والشعر والروث والجلد بكلّ شيء منه ، ومن الواضح شمول العموم لمثل العظم أيضاً مع أنّ الصلاة في عظم غير المأكول لا يتصوّر إلاّ بأن يكون محمولا للمصلّي امّا في يده مثلا أو في كيسه وليس العظم مثل الروث والبول حتى يجري فيه احتمال كون تلطّخ الثوب بهما موجباً لصدق الاشتمال والظرفية كما لا يخفى ، فالإنصاف تمامية دلالة الموثقة على مذهب المشهور .
( الصفحه 712 )
ويدلّ عليه أيضاً في الجملة ما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب : لا تجوز الصلاة فيه . ورواية محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر المذكور يكفي في وثاقته بعد عدم كونه ممّن استثناه القمّيون ممّن روى عنه محمد كما هو ظاهر .
ولا يعارض هذه الرواية صحيحة محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله . لأنّه ليس المراد بالذكي الذي قيد به الوبر هو كون الوبر مأخوذاً من الحيوان المذكّى في مقابل الميتة لما عرفت من جواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة والوبر ممّا لا تحلّ بلا إشكال ، كما انّه ليس المراد به هي الطهارة في مقابل النجاسة للفرق في باب مانعية النجاسة بين ما تتمّ الصلاة فيه وحده وما لا تتمّ والقلنسوة من الثاني وإن كان جميعها من الوبر على خلاف ما هو ظاهر السؤال فاللاّزم أن يكون المراد بالذكي هو المذكّى المتّصف بكونه من مأكول اللحم ويؤيّده رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة المشتملة على قوله : قلت : أوليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه . بناء على كون القيد داخلا في معنى الذي لا معتبراً زائداً على التذكية وعلى هذا المعنى لا تكون الصحيحة معارضة للموثقة والمكاتبة لكن يبعد هذا المعنى انّ الجواب بالحلّية فيما إذا كان الوبر من المأكول مع كون السؤال عن وبر غير المأكول لا يناسب السؤال خصوصاً مع كون الجواب في الحرير إنما هو بالنفي ، إلاّ أن يقال : إنّ ذكر الأرانب في السؤال مع التصريح بالعموم قبله يشعر بعدم وضوح حكمها للسائل