( الصفحه 73 )
ويدفعه ظهور الجمع بين كلمتي القامة والذراع في عبارة واحدة في الرواية في مغائرتهما وإلاّ لما كان وجه لذلك مع عدم الاحتياج إلى الاظهار وجواز الاقتصار على الاضمار ومع كونه موهماً للخلاف فذلك يوجب الظهور في المغائرة .
وامّا ما أورد عليه من ظهور قوله (عليه السلام) مضى منه ، في التبعيض وإنّ الذراع بعض مقدار الحائط لا انّه نفسه فيمكن الجواب عنه بعدم كون كلمة «من» فيه للتبعيض لابدّ من أن يلاحظ التبعيض بالإضافة إلى الجدار لرجوع الضمير في «منه» إليه لا إلى الفيء فتدبّر . وبالجملة لا وجه لحمل كلمة «من» على التبعيض .
كما انّ الإيراد عليه بأنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . لا يقبل الحمل على القامة والمثل أبداً; لأنّه حيث جعل الشاخص نفس المكلّف وشخصه وجعل المدار على الفيء الحاصل منه لا يصحّ حمله عليهما أبداً .
يمكن دفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا ينافي الحمل على المثل لو فرض كون المراد من الذراع ذلك بشهادة الروايات المتقدّمة ـ بعدم ظهور كون المراد هو الفيء الحاصل من شخص المكلّف واحتمال كون المراد هو الفيء الحاصل من الشاخص الذي عينه المكلف في مقابل جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لا يمكن الوصول إليه نوعاً أولاً وقد غيّر ثانياً مع انّه لا خصوصية فيه ثالثاً ، ولكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في أنّ التأمّل في الصحيحة وإرجاعها إلى العرف يقضي بعدم كون المراد من الذراع فيها هو المثل بل أخصّ منه كما لا يخفى .
ومنها : ما عن الشهيد (قدس سره) في روض الجنان من أنّ المنقول من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) بل وكذا غيرهم من السلف فعل نافلة العصر والإتيان بها متصلة بالفريضة ولم يكن بينهما فصل من حيث الوقت ، ومن المعلوم من الخارج انّ الوقت
( الصفحه 74 )
الذي يصلون فيه الفريضة هو بعد المثل; لأنّه وقت الفضيلة فالنافلة أيضاً محدودة به لأجل التواصل بينها وبين الفريضة .
ويرد عليه انّه لم يثبت ما ادّعاه من إتيانهم بالنافلة متصلة بالفريضة ومن المحتمل خلافه مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة تدلّ بالصراحة على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان يأتي بصلاة الظهر بمجرّد الذراع والعصر عند بلوغه ذراعين فالاتصال والإتيان بالنافلة مع الفريضة بلا فصل لا يجدي في إثبات جواز التأخير إلى المثل أو المثلين كما لايخفى .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا يظهر من شيء من الأدلّة المتقدّمة توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب والقدر المتيقّن منها انّ نافلة الظهرين قبل الذراع والذراعين واقعة في وقتها ومزاحمة للفريضة وليس المراد من وقوعها قبلهما إلاّ وقوع ركعة منها كذلك لا وقوعها بأجمعها بشهادة موثقة عمّار المتقدّمة في جملة أدلّة المشهور ، كما انّه لا شبهة في مشروعية الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع والذراعين لدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليها ودلالة ما دلّ على ثبوت المشروعية لقضاء نوافل النهار بالليل وكذا العكس فأصل المشروعية ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه هل هو بنحو الاداء أو القضاء والإنصاف بعد عدم تمامية أدلّة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة انّه لا يستفاد من الروايات أحد العنوانين حتّى ما وقع فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أوّل النهار أو وسطه أو آخره فإنّ اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها وانّه أفضل بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الاداء لا الفضيلة ولا ينافيه التعبير بالأفضلية يمنع عن استفادة عنوان الاداء في جميع أجزاء النهار فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنيّة الاداء أو القضاء لعدم الطريق إلى
( الصفحه 75 )
خصوص أحد العنوانين .
وكذا الإشكال في مشروعية الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع والذراعين فإنّ ظاهر صحيحة زرارة المتقدّمة التي هي عمدة دليل المشهور بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . هو وجوب البدئة بالفريضة وترك النافلة بعد الذراع أو الذراعين فلا يشرع الإتيان بها قبلها بعدهما إلاّ انّ مقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة جواز الإتيان بها كذلك أيضاً والحقّ انّه يكون مصاديق التطوّع لمن عليه فريضة فإن قلنا بعدم جوازه وعدم مشروعيته فالمقام أيضاً يصير كذلك وإن قلنا بالجواز فلازمه المشروعية هنا .
ويظهر من المتن مع قطع النظر عن تفريع الذيل ثبوت المبدأ والمنتهى لنافلة الظهرين ولازمه صيرورتها قضاء بعد المنتهى إلاّ أن تفريع الذيل ربّما يقرب أنّ المراد من الوقت هو الوقت الذي تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة ومقدّمة عليها فلا يستفاد منه عنوان القضاء بعده ، نعم ظاهره وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين فتدبّر .
( الصفحه 76 )
مسألة 5 ـ لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في يوم الجمعة ، بل يزاد على عددهما أربع ركعات فتصير عشرين ركعة ، وامّا في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو عن قوّة ، ومع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاء ، ويجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر والشاب الذي يخاف فوتها في وقتها ، بل وكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام وينبغي لهم نيّة التعجيل لا الاداء 1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : تقديم نافلة الظهرين على الزوال في يوم الجمعة ويظهر من الروايات الكثيرة جوازه ويظهر أيضاً انّه يزاد على عددها أربع ركعات أو ستّ ركعات فصير عشرين أو ثنتين وعشرين وإليك بعضها :
كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوّع يوم الجمعة قال : ست ركعات في صدر النهار وست ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت وست ركعات بعد الجمعة فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة .
ورواية سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة وركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة .
ورواية عمر بن حنظلة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلاة التطوّع يوم الجمعة إن شئت من أوّل النهار وما تريد أن تصلّيه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فصلّيته من أوّل النهار أيّ النهار شئت قبل أن تزول الشمس .
ورواية يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام) قال : سألته عن التطوّع في يوم
( الصفحه 77 )
الجمعة قال : إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ست ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف النهار ، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة .
وغير ذلك من الروايات الدالّة على جواز التقديم على الزوال وانّه يزاد على سائر الأيّام بأربع ركعات كما هو المشهور أو بستّ ركعات كما عن الإسكافي فلا وجه لما عن الصدوقين من أنّه كسائر الأيّام ولا بأس بالالتزام بما عن الإسكافي فلو لم يكن دليله الوحيد ـ وهي رواية سعد بن سعد الأشعري ـ معرضاً عنه بالحمل على مراتب الفضيلة كما انّ الاختلاف في الوقت يحمل على التخيير خصوصاً بملاحظة التصريح في رواية ابن حنظلة بجواز الإتيان في أيّ جزء من النهار شاء .
الفرع الثاني : تقديم النافلتين على الزوال في غير يوم الجمعة ، والمشهور عدم جوازه وإن علم بعدم التمكّن من الإتيان بهما بعد الزوال ، وعن جماعة جوازه مطلقاً كالشهيد في الذكرى والأردبيلي والسيّد صاحب المدارك ، وذهب الشيخ في محكي التهذيب إلى جواز تقديمهما لمن علم من حاله انّه سيشتغل بما يمنعه عن الإتيان بهما بعده ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب ، فيظهر من طائفة الجواز مطلقاً :
كرواية محمد بن عذافر قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت ، فقدم منها ما شئت ، وأخّر منها ما شئت .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : نوافلكم صدقاتكم فقدّموها أنّى شئتم .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : ما صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الضحى قط ،