( الصفحه 78 )
قال : فقلت له : ألم تخبرني انّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال : بلى انّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر .
ورواية القاسم بن الوليد الغساني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : ست عشرة ركعة في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلاّ انّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل .
ومرسلة علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال لي : صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله ، وإن شئت في وسطه ، وإن شئت في آخره .
ويظهر من طائفة اُخرى عدم الجواز مطلقاً .
كرواية عمر بن اُذينة عن عدّة انّهم سمعوا أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلّي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس ، ولا من الليل بعدما يصلّي العشاء الآخرة حتى ينتصف الليل .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ولا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس . والمراد من عدم صلاته بعد العشاء يحتمل أن يكون بعد العشاء بنافلتها فلا دلالة لهما على ترك الوتيرة أيضاً ، ويحتمل أن يكون بعد فريضة العشاء بحيث كان يترك الوتيرة أيضاً بلحاظ ما عرفت سابقاً من كونها بدل الوتر يؤتى بها للجهل ببقاء العمر إلى وقت الإتيان بها وحيث إنّه (عليه السلام) كان عالماً به كالنبي (صلى الله عليه وآله) فلا تصل النوبة ـ حينئذ ـ إلى البدل .
ورواية اُخرى لزرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف اصبع صلّى ثمان
( الصفحه 79 )
ركعات (الحديث) .
ويؤيّد هذه الطائفة ـ مضافاً إلى إطلاق صلاة الزوال على نافلتي الظهر والعصر كما عرفت في بعض الروايات ولا يلائم ذلك مع جواز التقديم عليه ـ انّه من المعلوم خارجاً انّ النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان شيئاً من الصلاة قبل الزوال ولو كان التقديم أمراً سائغاً لصدر ذلك منها ولو مرّة واحدة .
وامّا ما يدلّ على التفصيل بين من يشتغل عن الزوال وغيره فروايتان :
الاُولى : رواية يزيد (بريد) بن ضمرة الليثي عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أوّل النهار؟ قال : نعم إذا علم انّه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلّها . وفرض الاشتغال في السؤال المشعر بكون عدم الجواز في الجملة مفروغاً عنه عند السائل يوجب اختصاص الجواز به خصوصاً مع تكراره في الجواب وتقييده به كما لا يخفى .
الثانية : صحيحة إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أشتغل ، قال : فاصنع كما تصنع (نصنع خ ل) صلِّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر ، واعتدّ بها من الزوال .
إذا عرفت ذلك فاعلم انّه لا مجال لجعل دليل التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين اللّتين تدلّ إحداهما على الجواز مطلقاً والاُخرى على المنع كذلك بحمل الاُولى على صورة عدم الاشتغال والثانية على صورة عدمه وذلك لإباء الطائفتين سيما الاُولى عن التقييد فإنّه كيف يسوغ تقييد ما يدلّ على أنّ النافلة بمنزلة الهدية مع وضوح عدم اختصاص فضيلة الهدية بزمان دون زمان فلا وجه للجمع بهذه الكيفية .
نعم يمكن الجمع ـ بعد عدم ثبوت اعراض المشهور عن الطائفة المجوزة ـ امّا
( الصفحه 80 )
بحملها على النافلة المبتدأة ولا ينافيه التصريح بنافلة الظهرين في رواية ابن الوليد ومرسلة علي بن الحكم لضعف الاُولى وإرسال الثانية ، وامّا بحمل الطائفة المانعة على إرادة وقت الفضيلة إذ لا شكّ في أنّ وقتها إنّما هو بعد الزوال وإبقاء المجوزة على إطلاقها الشامل للرواتب والأوّل محكي عن الجواهر والثاني يظهر من المصباح والظاهر مساعدة العرف على الأوّل خصوصاً بعد عدم ظهورها في نفسها في الإطلاق ويؤيّده ـ قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة : لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعاً ، فإنّ ظاهره انّ الزوال أوّل وقت النافلة وإن كان يمكن توجيهه بأنّ المراد تجويز التنفّل من أوّل الزوال مع كونه وقت الفريضة .
وبعبارة اُخرى نظره إلى استثناء هذا الوقت من أوقات التطوّع في وقت الفريضة المحرم أو المكروه ولكنه خلاف الظاهر ، وامّا رواية زرارة المتقدّمة الدالّة عليأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات فمضافاً إلى معارضتها لما عرفت من رواية اُخرى لزرارة الدالّة على أنّه (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس لا مجال للأخذ بها لدلالتها على استمرار هذا العمل من النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنّه لا شكّ في أنّ وقت الفضيلة بعد الزوال ومن حيث المستبعد التزامه (صلى الله عليه وآله) بعدم رعاية وقت الفضيلة أصلاً كما لا يخفى .
ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع ووصلت النوبة إلى اعمال قواعد باب المعارض فالترجيح أيضاً مع الروايات الدالّة على المنع لموافقتها لفتوى المشهور وقد تقرّر في محلّه انّ الشهرة الفتوائية هي أوّل المرجحات . فانقدح انّه لا يجوز التقديم مطلقاً ، نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء في خصوص صورة العلم بالاشتغال عن الزوال بل مطلقاً .
الفرع الثالث : تقديم صلاة الليل على انتصاف الليل والمرعوف بين الأصحاب
( الصفحه 81 )
هو الجواز في الجملة ، وعن الحلّي المنع مطلقاً وقد نسب ذلك إلى زرارة بلحاظ ما نقل عنه من قوله في ذيل بعض الروايات المتقدّمة : كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها إنّما وقتها بعد نصف الليل . بناءً على كون غرضه الاستنكار مطلقاً حتى بالإضافة إلى المسافر الذي لم ينكر الجواز فيه غير الحلّي وبناء على كون الناقل هو محمد بن مسلم وإلاّ فلو احتمل كون الناقل هو الإمام يصير ذلك بمنزلة الرواية عنه (عليه السلام) كما لايخفى .
وكيف كان فلابدّ من البحث في كلّ واحد من العناوين المذكورة هنا في كلامهم أو في الروايات مستقلاًّ فنقول :
منها : المسافر والكلام فيه تارة في أصل مشروعية التقديم فيه في الجملة في مقابل الحلّي ، واُخرى في دائرة المشروعية ـ سعةً وضيقاً ـ وثالثة في عنوان التقديم وانّه هل يكون اداء بحيث كان الوقت بالإضافة إلى المسافر أوسع أو لا يكون إلاّ تعجيلاً الذي هو عنوان ثالث في مقابل عنواني الاداء والقضاء ومرجعه إلى الإتيان بالموقت قبل وقته .
امّا ما يدلّ على المشروعية فروايات مستفيضة :
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصلِّ واوتر في أوّل الليل في السفر . ولولا انّه رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي بنفس هذه الكيفية لكان يحتمل أن يكون قيد «في السفر» زائداً من كلام الصدوق نظراً إلى ما اعتقده في هذا الباب من أنّ كلّما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر; لأنّ المفسّر من الأخبار يحكم على المجمل مضافاً إلى ما يظهر من دأبه وإلى أنّ الحكم لو كان معلّقاً على
( الصفحه 82 )
السفر بحيث كان عنوانه هو الركن في موضوعه لكان مقتضى القاعدة ذكره في أوّل الكلام قبل بيان القيد; لأنّه لا وجه لتأخير ذكر المطلق عن بيان القيد فتدبّر .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن علي بن سعيد انّه سئل أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أوّل الليل قال : نعم .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن أبي حريز بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : قال : صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل وركعتي الفجر .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة عليه فلا ينبغي الإشكال في أصل المشروعية .
وامّا دائرة المشروعية فمقتضى كثير من الروايات انّ الحكم إنّما يكون مترتّباً على عنوان السفر مطلقاً إلاّ انّ مقتضى بعضها الآخر ثبوت القيد وهو الخوف من الفوت في الوقت وشبهه كرواية الحلبي المتقدّمة الظاهرة في أنّ مطلق السفر لا يسوغ التقديم وصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الصلاة بالليل في السفر في أوّل الليل فقال : إذا خفت الفوت في آخره . ورواية اُخرى للحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في أوّل الليل في السفر إذا تخوّفت البرد وكانت علّة فقال : لا بأس أنا أفعل إذا تخوّفت . بناء على كون المراد : أنا أفعل إذا تخوّفت في السفر كما هو الظاهر بلحاظ كونه مذكوراً في السؤال كما انّه بناء على التقدير الآخر أيضاً يكون مفاده عدم كون السفر تمام الموضوع ولابدّ من وجود التخوّف بل هو الملاك فتدبّر .
وامّا ما يدلّ على الجهة الثالثة فهي رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت الليل في السفر فقال : من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر