( الصفحه 88 )
مع الاختلاف في المشروعية لا محيص من حمل المطلق على المقيّد لوجود المنافاة بينهما لأنّ دليل المطلق يثبت المشروعية مع عدم القيد ودليل المقيّد ينفيه فلا مناص منه وقد انقدح بذلك انّ مجرّد خشية الفوات من دون مقارنة السفر لا يجوز التقديم ، نعم يمكن استفادة الجواز من صدور رواية معاوية بن وهب المتقدّمة في الجارية عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم وقال : إنّي أريد القيام بالليل (للصلاة) فيغلبني النوم حتّى أصبح فربّما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله فقال : قرّة عين والله ، قرّة عين والله ولم يرخص في النوافل (الصلاة) أوّل الليل وقال : القضاء بالنهار أفضل . فإنّ الحكم بأفضلية القضاء يدلّ على جواز التقديم ومشروعيته مع خوف الفوات لأجل النوم ونحوه .
( الصفحه 89 )
مسألة 6 ـ وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب ، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله والعصر بآخره كذلك ، وما بينهما مشترك بينهما ، ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل ، ويختص المغرب بأوّله بمقدار ادائها ، والعشاء بآخره كذلك بحسب حاله ، وما بينهما مشترك بينهما ، والأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل اضطراراً لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها أو عمداً الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة ولو لم يبق إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً ، والأحوط قضائهما مترتّباً بعد الوقت ، وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ، ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص ، كما انّ منتهى فضيلة العصر المثلان ، ومبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام ـ أي أربعة أسباع الشاخص ـ على الأظهر ، وان لا يبعد أن يكون مبدئها بعد مقدار اداء الظهر ، ووقت فضيلة المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية وهو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث الليل فلها وقتا اجزاء : قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث إلى النصف ، ووقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحمرة المشرقية ، ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلل والاسفار وتنور الصبح المنصوص بها 1 .
1 ـ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات وينبغي قبل التكلّم فيها الإشارة إلى أصل اعتبار الوقت وشرطيته في الصلوات المفروضة اليومية ، ونقول اشتراطه فيها في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، بل هو من ضروريات الإسلام وعليه اتفاق قاطبة المسلمين ويدلّ عليه من الكتاب آيات متعدّدة :
منها : قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك
( الصفحه 90 )
مقاماً محمودا{(1) والمراد من دلوك الشمس هو زوالها وانتقالها عن دائرة نصف النهار كما يظهر من كثير من أهل اللغة ويدلّ عليه رواية زرارة الآتية ، ومن الغسق انتصاف الليل أو سقوط الشفق على ما سيأتي والآية تدلّ على بيان وقت الصلوات اليومية بأجمعها أربع منها يستفاد من صدر الآية وواحدة من قوله : وقرآن الفجر . . . لأنّ المراد منه هي صلاة الصبح وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ وقد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية .
ومنها : قوله تعالى : }أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل انّ الحسنات يذهبن السيئات{(2) بناء على أنّ المراد من طرفي النهار امّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والعصر لكون الطرفين داخلين في النهار ، وامّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والمغرب لكونهما واقعين في حدّه خارجين عن حقيقته فعلى الأوّل يكون المراد من قوله : وزلفاً من الليل هو وقت العشائين معاً وعلى الثاني خصوص وقت العشاء .
وقد فسّرت الآية صحيحة زرارة الطويلة بهذا المعنى حيث قال (عليه السلام) وطرفاه المغرب والغداة وزلفاً من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة .
واحتمال كون المراد به وقت صلاة الليل ودخول أوقات الصلاة المفروضة في طرفي النهار بعيد ، ووجوب صلاة الليل ـ أي الوتر ـ على النبي (صلى الله عليه وآله) لا يؤيّد هذا الاحتمال بعد وضوح عدم كون الخطاب متوجّهاً إلى شخصه (صلى الله عليه وآله) فقط .
ومنها : قوله تعالى : }فأقيموا الصلاة انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً
- (1) سورة الاسراء : 76 .
(2) سورة هود : 114 .
( الصفحه 91 )
موقوتاً{(1) بناء على كون المراد بالموقوت هو ذا وقت معيّن ، وامّا إذا كان المراد به هو المفروض فهو لا دلالة له على المقام ولكنّه بعيد لاستلزامه كون الموقوت غير مفيد لمعنى جديد ، بل أتى به تأكيداً لمعنى الكتاب كما لا يخفى ، نعم قد وقع تفسيره في بعض الروايات بالثبوت إشعاراً بالفرق بين الصلاة وبين الصوم بأنّها كتاب ثابت لا يسقط بحال دونه ، إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تلك المقامات فنقول :
المقام الأوّل : في وقت صلاة الظهرين قال الله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{(2) والمراد من الدلوك هو الزوال ولا مجال لتفسيره بالاصفرار المتحقّق حين دنو الشمس من الغروب ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى تصريح كثير من أهل اللغة بذلك ـ صحيحة زرارة في تفسير الآية المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : ودلوكها زوالها ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً ، قال : دلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه وقرآن الفجر ركعتا الفجر . فلا يبقى مع ذلك موقع للخدشة في أنّ معنى الدلوك هو الزوال كما هو ظاهر ويدلّ على أصل الحكم مضافاً إلى الكريمة الروايات المستفيضة بل المتواترة الظاهرة بل الصريحة في دخول وقت الظهر بمجرّد الزوال ومقتضاه عدم جواز التقديم على الزوال كما حكى عن ابن عبّاس وبعض آخر من جواز إتيان المسافر بها قرب الزوال كما انّ مقتضاه عدم لزوم الانتظار بعد الزوال لتحقّقه بمجرّده ولا بأس بذكر بعض هذه الروايات فنقول :
- (1) سورة النساء : 113 .
(2) سورة الاسراء : 76 .
( الصفحه 92 )
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر والعصر ، فقال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس .
ومنها : صحيحة أخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة .
ومنها : رواية صباح بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين . ومثلها رواية سفيان بن السمط عن أبي عبدالله (عليه السلام) . ورواية منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) ، ورواية مالك الجهني عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على هذا الحكم ، هذا كلّه مضافاً إلى استمرار طريقة المسلمين على ذلك في جميع الأعصار من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا لكن هنا أخبار تدلّ بظاهرها على عدم تحقّق الوقت بمجرّد الزوال بل وقتها صيرورة الفيء قدماً أو قدمين أو قامة مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان . ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين وزاد : وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر .
ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان فيء الجدار ذراعاً صلّى الظهر وإذا كان ذراعين صلّى العصر قال : قلت : إنّ الجدار يختلف بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال : كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ