( الصفحه 93 )
قامة .
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر .
ورواية سعيد الأعرج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في تأخّر الوقت عن الزوال .
هذا ولكن الظاهر انّها لا تدلّ على أنّ وقت الظهر لا يدخل إلاّ بعد تحقّق تلك المقادير حتّى يجب له انتظار حصولها بحيث لو أتى بها قبلها لكانت واقعة قبل الوقت فاسدة من أجل ذلك ، بل الظاهر انّ اعتبار تلك الاُمور إنّما هو لأجل الإتيان بالنافلة واختلافها في المقدار الموضوع للنافلة إنّما هو من جهة اختلاف المتنفلين في الخفة والبطؤ والتطويل والتقصير ويشهد لذلك روايات متعدّدة :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس إلى أن قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة . فإنّها ظاهرة في أنّ التأخير إلى الذراع لا لأجل دخول أصل الوقت ، بل لمكان النافلة وانّ البلوغ إليه إنّما يؤثّر في البدئة بالفريضة وترك النافلة لا في دخول وقت الاُولى كما لا يخفى .
ومنها : رواية صحيحة لمحمد بن أحمد بن يحيى قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك
( الصفحه 94 )
والذراع والذراعين فكتب (عليه السلام) : لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ثمّ صلِّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصرت ثمّ صلِّ الظهر .
ومنها : رواية ذريح المحاربي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل أبا عبدالله (عليه السلام) ناس وأنا حاضر فقال : إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها الحديث .
ومنها : ذيل رواية إسماعيل الجعفي المتقدّمة وهو قوله (عليه السلام) : وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ التأخير إنّما هو بلحاظ حال النافلة واشتغال المؤمنين بها ولئلاّ تقع في كبرى التطوّع في وقت الفريضة ويؤيّده استثناء السفر ويوم الجمعة في رواية سعيد الأعرج المتقدّمة فإنّ الظاهر انّ الاستثناء إنّما هو لأجل سقوط نافلة الظهرين في السفر وجواز التقديم على الزوال في يوم الجمعة كما مرّ سابقاً .
ثمّ إنّ المشهور اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت بالإتيان بالظهر ومن آخر الوقت بالعصر بمعنى انّ لكلّ من الصلاتين وقتين أحدهما اختصاصي والآخر اشتراكي خلافاً للصدوق حيث إنّه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال وامتداده إلى الغروب ويكون كلّ جزء من أجزاء هذه القطعة صالحاً لكلّ واحدة من الصلاتين ، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل نسياناً ، فعلى المشهور تجب عليه الإعادة لوقوعها في غير وقتها; لأنّ المفروض وقوعها في الوقت الذي يختصّ
( الصفحه 95 )
بالظهر ، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه الإعادة لوقوعها في وقتها والإخلال بالترتيب غير قادح; لأنّ شرطيته تختص بحال الذكر كما إذا صلّى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر نسياناً فإنّها صحيحة بلا إشكال .
والأخبار الواردة في هذه المسألة على قسمين : قسم ظاهر في الاشتراك وقسم دالّ على الاختصاص .
امّا ما هو ظاهر في الاشتراك فكثيرة جدّاً وقد مرّت جملة منها في بيان الروايات الدالّة على دخول الظهر بمجرّد الزوال كصحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة والروايات الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فراجع .
وامّا ما يدلّ على الاختصاص فبالإضافة إلى أوّل الوقت لا يكون إلاّ رواية واحدة وهي ما روى بسند صحيح عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس . وبالإضافة إلى آخر الوقت يكون هنا رواية اُخرى أيضاً وهي رواية الحلبي ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل نسى الاُولى والعصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال : إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ يصلّي العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقى من وقتها ثمّ ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها . ويدلّ عليه بعض الروايات الاُخر أيضاً كما سيأتي .
وقد أورد على الاستدلال برواية داود بن فرقد بأنّها ضعيفة السند لإرسالها ،
( الصفحه 96 )
فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .
واُجيب عن هذا الإيراد بوجهين :
الأوّل : انّها وإن كانت مرسلة إلاّ انّ ضعفها ينجبر بعمل الأصحاب واستنادهم إليها في الفتوى بالاختصاص وقد قرّر في محلّه انّ الشهرة الفتوائية جابرة لضعف سند الرواية مع الاستناد إليها وهو محقّق في المقام لأنّه لا يكون دليل على الاختصاص بالإضافة إلى الظهر غير هذه الرواية فيعلم كونها هي الدليل للمشهور كما لا يخفى .
الثاني : ما حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في أوائل كتاب الصلاة من أنّ الرواية وإن كانت مرسلة إلاّ انّ في سندها حسن بن علي بن فضال وقد أمرنا بالأخذ بروايات بني فضال لما ورد من قوله (عليه السلام) : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا . فيجب الأخذ برواياته التي منها هذه الرواية وإن كانت مرسلة .
وأورد على هذا الجواب بعض الأعلام في شرح العروة بما حاصله : انّ بني فضال ليسوا بأعظم مقاماً من أعاظم الرواة وأجلاّئهم كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما ومن المعلوم عدم حجّية روايتهم إذا كانت ضعيفة ولو بالإرسال .
مع انّ بني فضّال قبل انحرافهم عن الصواب لا تقبل رواياتهم إذا كانت مرسلة ـ مثلاً ـ فكيف بما بعد انحرافهم إذ لا مجال لاحتمال أن يكونوا بعد الانحراف بأعظم مقاماً عن أنفسهم قبله ، وعليه فمعنى الأمر بأخذ رواياتهم عدم كون انحرافهم مضرّاً بوثاقتهم مانعاً عن قبول رواياتهم مع أنّ الرواية الدالّة على وجوب الأخذ بما رووا ضعيفة بأبي الحسين بن تمام وعبدالله الكوفي فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً .
وكيف كان فالجواب الأوّل عن الإيراد يكفي في اعتبار الرواية وحجّيتها وإن كانت مرسلة فالمناقشة في دليل الاختصاص من هذه الجهة في غير محلّها كما انّه لا
( الصفحه 97 )
مجال للمناقشة في أخبار الاشتراك من حيث الصدور مع كثرتها ووجود الصحاح فيها . قال المحقّق في محكي المعتبر : «واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين وزعم انّ الحذاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ من حيث إنّ الظهر يختص بمقدار أربع ركعات فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر لأنّه ما درى انّه نصّ من الأئمّة (عليهم السلام) أو درى وأقدم وقد رواه زرارة وعبيد والصباح بن سيابة ومالك الجهني ويونس من العبد الصالح (عليه السلام) ومع تحقّق كلامهم يجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن» ويظهر من ذلك أيضاً انّ فتوى المشهور بالاختصاص لا تكون للاعراض عن أخبار الاشتراك حتيت يكون إعراضهم قادحاً في حجّيتها وصدورها ، بل امّا للتصرّف فيها وتوجيهها بما لا ينافي الاختصاص وامّا لما سيجيء من كون محط النظر فيها أمراً آخر ولا تعرض لها لنفي الاختصاص بوجه .
إذا ظهر لك اعتبار كلتا الطائفتين وحجّية كلا الخبرين فلابدّ من أن يكون هناك جمع دلالي في البين وما قيل في مقام الجمع أو يمكن أن يقال بنحو يقع التصرّف في دليل الاشتراك اُمور :
أحدها : انّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدالّة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك المطلق ، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدوي يرفع اليد عنه بسببها لأنّ قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ انّ هذه قبل هذه إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع لا وقت كلّ واحدة منهما ولو سلم ظهوره في ذلك فالاستثناء يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر; لأنّ الظاهر انّ المراد بالقبلية ، القبلية بحسب الوقت لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان بعد كونه ضرورياً عند المسلمين